الرسالة الأولى من مهرجان برلين السينمائي:
مصطفى في فيلم الإفتتاح والصين تدخل تيار الفيلم
نوار
• محمد رُضـا يمهّـد سلسلة مقالاته عن المهرجان الكبير بإلقاء
نظرة على بعض الأفلام المشتركة في المسابقة
ما بين زيرو مصطفى وياسمينا خضرا سيشهد روّاد مهرجان برلين في دورته الرابعة والستين،
التي تنطلق اليوم
(السادس من الشهر) وتستمر حتى السادس عشر من هذا الشهر، محاولة السينما العالمية
التصالح معالشخصية العربية والمسلمة. هذا التصالح يرد في فيلمين من
العروض الرسمية أحدهما في المسابقة والآخر خارجها. لكن إذا ما
تابعنا المواضيع المثارة في هذه العروض عامّـة وجدنا أن المهرجان
البرليني العريق لا زال يؤدي دوره كموصل رسالات سياسية واجتماعية
وكعاكس لما تنقله السينما من ظروف الحياة والمجتمعات.
23 فيلم في المسابقة تتنوع وتتلوّن لكنها تشكل في النهاية بانوراما
شاسعة لما يعترض الحياة أو يتراءى لمخرجيها من مواضيع وأفكار. هذه
لجانب الكم الكبير من الأفلام التي تهطل بلا توقف طوال الأيام
العشرة التالية.
زيرو مصطفى هي الشخصية الخيالية التي يؤديها توني ريفولوري (ممثل
في السابعة عشر من عمره ظهر في فيلم طويل واحد من قبل وأربعة
قصيرة) في فيلم «فندق بودابست الكبير» الذي يفتتح المهرجان لمخرجه
الأميركي وس أندرسن. ذات وس أندرسن الذي قدّم على شاشة مهرجان
برلين قبل عامين «مملكة سطوع القمر» Moonrise Kingdom والذي
كان يؤم مهرجان "كان" بأفلامه السابقة («عائلة تننبوم
الملكية»و«الحياة المائية لستيف زيزو» قبل أن يحوّل دفّـته صوب
برلين.
تبعاً للحكاية هنا، فإن زيرو مصطفى هو صبي الفندق الذي ينطلق مع
عامل المصعد غوستاف (راف فاينس)في رحلة لإثبات براءة الثاني من
تهمتي سرقة وقتل في أحداث تقع بين الحربين، من دون تحديد القصّـة
بسنة محددة. الكثير مما يحتمل استنتاجه من الثقة المتبادلة بين
غوستاف وزيرو مصطفى. والد زيرو وأسمه أيضاً مصطفى يؤديه الممثل
الماهر ف. موراي إبراهام.
لكن شيئاً لابد أن يُـذكر بخصوص الملصق الرائع الذي صممه المخرج
لفيلمه. وس أندرسن يحب اللون الوردي والملصق يصوّر فندقاً كبيراً
من ست طوابق أربعة منها بلون وردي فاتح وإثنان آخران بلون وردي
داكن. وراء الفندق جبال ثلجية عالية وإلى جانبه الأيمن شلال ماء،
وعلى اليسار غزال واقف على صخرة عالية. عنوان الفيلم بالأصفر غير
الفاقع كذلك أسماء بعض الممثلين بينما توزّعت الأسماء الأخرى
باللونين الأحمر والوردي. والسماء التي تطل فوق كل شيء رمادية مع
لمسات لسحب في وقت متأخر من النهار.
الفيلم الآخر هو للمخرج رشيد بوشارب الذي صوّره في الولايات
المتحدة في العام الماضي عن سيناريو كتبه محمد مولسهول المعروف
بياسمينا خضرا الذي كان تردد إسمه عندما قام اللبناني زياد الدويري
بتحويل روايته «الهجوم» إلى فيلم سينمائي لم ينل نجاحاً جماهيرياً
وأثار حفيظة الكاتب في الوقت نفسه كون المخرج اشتغل، كما قال، على
هواه.
هذه المرّة يعد فيلم «رجلان في البلدة» بتعاون أفضل كون المخرج
والكاتب جزائريان. الممثل الأفرو- أميركيفوستر ويتيكر يؤدي دور مجرم خرج من السجن بعدما اعتنق الإسلام فيه وعاد إلى حياة
صعبة خارجه. تؤسس الحكاية لصداقة بينه وبين ضابط إرتباطه هارفي
كايتل في الوقت الذي يحاول بعض رفاق السجن الضغط على ويتيكر لتنفيذ
مهمّـة سوف لن ينجح بها سواه.
رينيه ثالث مرّة
إذا كان السيناريو من ياسمينا خضرا فإن الكتابة الأصلية هي للمخرج
الراحل جوريه جيوفاني الذي كان حكي قصّـة شبيهة من دون الخط
الإسلامي التي زوّد بها رشيد بوشارب وكاتبه الفيلم الجديد به. هناك
قام جان غابان، قبل ثلاث سنوات من وفاته العام 1976، ببطولة الفيلم
لجانب بضعة وجوه مألوفة في الفيلم البوليسي الفرنسي (ولو أن إنتاجه
كان مشتركاً مع إيطاليا) من بينهام فيكتور لانو وجيرارد ديباردو
وألان ديلون الذي كان من بين منتجي الفيلم.
ومع أن «رجلان في البلدة» الجديد ينقل الأحداث إلى عالم اليوم، إلا
أن أفلام برلين هذا العام تزور السبعينات في أكثر من تظاهرة بينها
المسابقة الرسمية. في هذا القسم سنجد فيلماً بريطانياً
بعنوان «71» الذي يتحدّث عن واحدة من الفترات الحرجة في الصراع بين
البروتستانت والكاثوليكيين في أيرلندا الشمالية. الحكاية محددة
بقصّـة جندي بريطاني كان لاحق لصّـاً من دون أن ينتبه إلى أنه
تخطّـى مناطقه الآمنة وأصبح في شوارع ذات غالبية كاثوليكية تغص
بالعداء ضد الجنود البريطانيين. فجأة بات الجندي يدافع عن حياته
باحثاً عن النجاة.
المخرج جديد أسمه يان ديمانج وهذا فيلمه الأول وهو معروض مقابل
الفيلم الخمسين للمخرج ألان رينيه البالغ من العمر 91 سنة. رينيه
يتناول في فيلمه مسرحية للمؤلـف البريطاني ألان آيكبورن ويمنحها
خبرته السينمائية ذات المعالجة الرقيقة دوماً. يدور حول ممثلة
مسرحية أسمها كاثلين يصلها نبأ مرض صديق لها أسمه جورج فتلتقي مع
صديقتيها تامارا ومونيكا في محاولة لمعرفة كيفية التعبير عن
إخلاصهن حيال جورج. هذا التفاني قد ينقلب إلى وجع عاطفي وخلافات إذ
تحاول كل واحدة من هؤلاء النساء أن تكون الوحيدة التي ستحضر
تأبينه.
هذه ثالث مرّة يقتبس فيها رينيه مسرحية من الكتب آيكبورن. الأولى
كانت «تدخين/لا تدخين» سنة 1993والثانية «مخاوف شخصية في أماكن
عامّـة» (2006). وهو يجدد تعاونه هنا مع الممثلة سابين أزيما، هذا
التعاون الذي يعود إلى العام 1983 عندما لعبت تحت إدارته في
فيلم «الحياة هي سرير من الورود».
وفي إنتاج فرنسي مساهم (لجانب أسبانيا والولايات المتحدة) تعود
المخرجة كلوديا لوسا (مواليد بيرو) إلى المهرجان الذي كانت فازت
فيه بالجائزة الأولى سنة 2009 عن فيلمها «حليب الأسف» (كذلك بجائزة
الإتحاد الدولي للنقاد). الفيلم الجديد رحلة تتخللها الكثير من
مشاهد الإسترجاع (فلاشباك) حول ذلك الرجل (سليان مورفي) الذي يبحر
صوب الماضي متذكّـرا آلاماً نفسية واجتماعية حاقت به عندما ترك
والدته وشقيقه العليل وأم حياة الغربة. في جانب من الفيلم هو أيضاً
حكاية تلك الأم التي اكتشفت قدرتها على المداواة وانتحت جانباً
بعيداً عن مسارات الحياة العادية منصرفة لاستخدام موهبتها تلك
لخدمة المرضى. جنيفر كونولي وميلاني لوران يشاركان في البطولة.
شرق آسيا
فيلم فرنسي آخر يطل (بإنتاج ألماني مشترك) لكنه مأخوذ عن رواية
مشهورة سبق وأن نقلتها السينما إلى الشاشة مرات عديدة. إنها
رواية «الجميلة والوحش» كما ابتدعت أحداثها جين-ماري لو برنس د
بيومون. يقوم المخرج كريستوف غانز بوضع الأحداث في مطلع القرن
التاسع عشر. الملخص المنشور حول الفيلم لا يأتي بجديد حول الفتاة
الجميلة التي تقع في حب ذلك الإنسان- الوحش لكن غانز هو الجديد في
هذا المضمار خصوصاً إذا ما وضعنا في عين الإعتبار أن أعماله
القليلة الماضية شهدت إهتماماً بسينما الجريمة والتشويق.
إذا ما تحرّكنا صوب السينما شرق آسيوية فإنه بالإمكان رصد فيلم ياباني وفيلمين صينيين
في المسابقة.
هناك «فحم أسود، ثلج رقيق» لمخرج جديد نسبياً أسمه دياو يينان.
هذا هو ثالث فيلم له ويعترف فيه ضمنياً بحبّـه لنوع «الفيلم
نوار» الأميركي الذي شاب أيضاً عمليه
السابقين «بذلة» (2003) و«قطار ليلي» (2007). الفيلم الجديد بوليسي
ولغزي وتشويقي بالكامل يدور حول تحري سابق كان ترك الوظيفة إثر
إكتشاف جريمة قتل في منجم قديم وأخذ يعمل حارساً ليلياً في أحد
المصانع. ذات يوم تقع جريمة مماثلة ويجد نفسه مدفوعاً للبحث في
دوافعها والجناة فيها. كل خطوة تفتح أمامه مدارك جديدة إلى أن يجد
نفسه في دائرة الخطر.
الفيلم الصيني الثاني هو «أرض لا أحد» لنينغ هاو وهو أيضاً حكاية
غير تقليدية بالنسبة لما تنتجه الصين من أفلام (حققت أفلامها في
الأسبوع الماضي ما يوازي 41 مليون دولار). هنا حكاية محقق
يقطع 500 كلم في شمال الصين لمواجهة صائد صقور اصطاد إثنين نادرين
منها وينوي بيعهما- أمر غير قانوني. لكن الرحلة ذاتها محفوفة
بالخطر ومحاطة بشخصيات قد تتعرّض لهذا المحقق فلا يصل إلى غايته.
الإشتراك الياباني يختلف تماماً: دراما حول الحب والتفاني والحرمان
ثم الموت. حين يكتشف بطل الفيلم مذكرات إمرأة عجوز ماتت من دون
وريث، يبدأ بالقراءة ليطّـلع لا على تاريخها وحدها، بل على جزء من
تاريخ البلاد بعد الحرب العالمي الثانية.
وعلى نحو منفصل، وضمن أفلام المسابقة أيضاً، هناك جديد من مخرج
جزائري أيضاً أسمه كريم عينوز، سبق وأن حقق بضعة أفلام مثيرة
للإهتمام، وينجز هنا فيلمه الألماني الأول بالكامل ولو أن بعض
أحداثه تقع في البرتغال. ترك المهرجان عنوانه بلا ترجمة وهو Praia do Futuro («برييا
هي عاصمة مقاطعة كاب فيردي في
البرتغال)، لكن فحوى الفيلم واضح: غزل من مخرج عربي آخر لموضوع المثلية، ذلك الذي
شاهدناه في فيلم عبدالكريم قشيش «قصّـة إديل» ثم في فيلم عبدالله الطايع «جيش الخلاص» وحالياً «أسرار
عائلية» لهاني فوزي (المعروض حالياً في مصر) وها هو فيلم كريم
عينوز يتطرّق إلى العلاقات ذاتها عندما يترك لبطله البرتغالي إنقاذ
سائح ألماني من الموت غرقاً، ثم ها هما مجذوبان لبعضهما البعض
والبرتغالي يسافر وراء الألماني لكي يعيش معه. |