«الشرق
الأوسط» في مهرجان: برلين السينمائي - 3 :
بمناسبة عرض فيلمها الجديد في برلين
كيت بلانشيت: ما يشدني إلى التمثيل ذلك التنوع في الأدوار
برلين: محمد رُضا
لا علاقة للممثلة كيت بلانشيت بالجدال القائم حول ما إذا كان
المخرج وودي ألن تعرّض جنسيا لابنته من شريكته السابقة الممثلة ميا
فارو، واسمها ديلان، أم لا. ديلان تقول إنه فعل (حين كانت في
السابعة من العمر - وهي الآن في العشرين) وهو يرد قائلا بأنها
أكاذيب مفتعلة فترد عليه لتقول إنه هو الذي يكذب. السجال تحوّل إلى
فضيحة في الأيام الأخيرة وإذ تحضر حفلة فيلم الافتتاح «فندق
بودابست الكبير» التي أعقبت العرض الليلي، تسمع حديثين منتشرين بين
الموجودين: موت فيليب سايمور هوفمن وفضيحة وودي ألن.
لكن كيت ليست معنية بالطبع - باستثناء أنها بطلة فيلم وودي ألن
الأخير «جاسمين الحزينة»
Blue Jasmine
وهي مرشحة لأوسكار أفضل ممثلة. البعض في هوليوود يقترح بأنها قد
تقع في مرمى إطلاق النار من دون قصد فتخسر الترشيح بناء على موقف
أخلاقي قد يعتمده أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة
الأوسكار.
لكن أن يفكر الأعضاء في حجب الأوسكار عن الممثلة بناء على قضية
شخصية يخوضها المخرج والكاتب الشهير دفاعا عن سمعته، لمجرد أنها
مثّلت بطولة ذلك الفيلم أمر مستبعد، أو - إذا ما كان محتملا - فإن
احتماله محدود للغاية.
حين تمّت هذه المقابلة في لوس أنجليس، بعد حصول بلانشيت على غولدن
غلوب أفضل ممثلة في فيلم درامي في الشهر الماضي، لم تكن القضية قد
وُلدت بعد. وجل الحديث هو الفيلم الجديد الذي تشترك كيت في بطولته
تحت عنوان «رجال النُصب» من بطولة وإخراج جورج كلوني. هذا الفيلم
بوشر بعرضه تجاريا يوم أول من أمس (الجمعة) وشهد عرضه الأول في
مهرجان برلين ضمن المسابقة ظهر يوم أمس (السبت).
إنه الفيلم الواحد والأربعون من بين ما حققته كيت بلانشيت (44 سنة)
من أعمال منذ أن مثلت أول أفلامها سنة 1994 في فيلم أسترالي بعنوان
«إنقاذ بوليسي» وهي بقيت تعمل في نطاق السينما الأسترالية إلى أن
طلبها المخرج الهندي شيخار كابور بطلة لفيلمه البريطاني «إليزابيث»
(1998) بعدها انطلقت ولا تزال في رحاب السينما العالمية. و«رجال
النُصب» هو ثاني فيلم لها إلى جانب جورج كلوني وذلك بعد «الألماني
الطيّب» الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ سنة 2006. الفيلم الجديد،
كالسابق، يدور حول أحداث تقع في تلك الفترة الزمنية التي شهدت قيام
الحرب العالمية الثانية. هذه المرّة يدور البحث حول كيفية إنقاذ
لوحات ثمينة من قبضة القوّات النازية التي تعتزم نقلها إلى برلين
من متاحفها الأصلية.
·
هل كنت تعلمين الكثير عن الأحداث التي يعرضها «رجال النُصب» حول
سرقة النازيين للوحات فنية ثمينة؟
- لا. لم أكن أعلم عن هذا الموضوع أي شيء يذكر. لقد درست مادة
الفنون في المعهد واهتممت كثيرا بتاريخ الفنون وأنواعها، لكني لم
أكن أعرف شيئا عن هذا الجزء من التاريخ. أعتقد أن جورج (كلوني)
و(الكاتب) غرانت هسلوف قاما بعمل رائع هنا كشفا فيه عن قدرة رائعة
على سرد حكاية تدور حول فريق ينوي إنقاذ اللوحات الفنية من
النازيين ويتعرّض لتلك الفترة السوداء من التاريخ. أعتقد أنني كنت
أريد أن أكون جزءا من هذا الفيلم.
·
هل اهتمامك بالرسم من بين الفنون دفعك لاقتناء بعض اللوحات الثمينة
مثلا؟
- ليس على نحو كبير. لدي مجموعة صغيرة منها، لكن اهتمامي بها كبير.
ليس عندي لوحة لبيكاسو أو رمبرانت لكن المرء لا يمتلك الفن حتى ولو
اشترى اللوحة. أنا مؤمنة بديمومة هذا الفن. هذه اللوحات موجودة
للعموم لكي يقدروها ويحتفلوا بها كثراء إنساني وفني.
·
كان هناك فيلم سابق يدور حول الموضوع نفسه..
- تقصد «القطار»؟
·
نعم.
- أعتقد أن الفارق أن الفيلم السابق (أخرجه جون فرانكنهايمر سنة
1964) عمد إلى الكثير من الحكايات الخيالية. سمح لنفسه بإضافة
أحداث لم تقع بالفعل، وهذا ما حاول «رجال النُصب» تحاشيه، لذلك هو
مختلف عن ذلك الفيلم. جورج سعى إلى الحقائق وشاهد فيلما وثائقيا
بعنوان «اغتصاب أوروبا» واستوحى منه بعض الأحداث.
·
هناك قدر من الحداثة في هذا الفيلم. صحيح أنه يتحدّث عن وقائع حدثت
في الأربعينات، لكن في الآونة الأخيرة تم اكتشاف مجموعة من اللوحات
المنهوبة في قبو تاجر في ميونيخ.
- صحيح. الموضوع الذي يطرحه الفيلم لا يزال قائما. متاحف العالم ما
زالت تسعى لاسترداد بعض اللوحات ذات المصير المجهول، وهي هناك في
مكان ما بالتأكيد. لكن انظر إلى ما يحدث في سوريا من تدمير وخراب
وسرقة ثروات تجد أن للفيلم علاقة حالية بما يحدث هناك وبأي سرقة
متاحف وقعت خلال حرب ما. من هذه الناحية أعتقد أن الفيلم يتعامل مع
تبعات الحروب بشكل عام.
·
ما الذي يعنيه لك ظهورك المتكاثر في السينما اليوم؟ هناك «جاسمين
الحزينة» و«ذا هوبيت» و«رجال النُصب»، كما يوجد عدد من الأفلام
الجديدة التي سنشاهد بعضها هذه السنة.
- جزء من عمل الممثل أن يكون حاضرا لدخول الشخصيات المختلفة التي
يمثّلها. ما دام وافق على تمثيل هذه الشخصيات فهو ملتزم بتأمينها
بكل اختلافاتها. وهذا ما يشدّني إلى التمثيل: القدرة على التنوّع
والتلوّن لكي ألعب شخصيات مختلفة تماما بعضها عن بعض. وكل شخصية
لها جمهورها.. جمهور «رجال النُصب» يختلف في رأيي عن جمهور «ذا
هوبيت». الانتقال من نوع إلى آخر يبقي الصلة قائمة بينك وبين
القدرة على إحياء حب العمل. تشعر بالانتعاش مع كل دور جديد لأنه
مختلف عن الدور الذي مثلته من قبل.
·
هناك مجموعة كبيرة من الأفلام التي قمت بتمثيلها تتناول حقبة
الأربعينات. ربما الاختلاف الكبير هنا هو أن «رجال النُصب» يتطرّق
أيضا إلى الهولوكوست..
- لا تستطيع أن تأتي على ذكر كل المواضيع المتصلة بما حدث خلال
الحرب العالمية الثانية في فيلم واحد. لكن صحيح.. مثلت في
«الألماني الطيّب» ولعبت فيه دور متعاونة، ومثلت «تشارلوت غراي»
ولعبت فيه دور مقاومة. ومنذ سنين مثلت في مسرحية لديفيد هير حول
امرأة خاضت تجربة بقاء خلال تلك الحقبة. «رجال النُصب» يتضمن
الحديث عن الهولوكوست لكنه لا يزال أساسا فيلما عن سرقة اللوحات.
·
مثلت سابقا أمام جورج كلوني في فيلم «الألماني الطيّب»، كيف تنظرين
إلى هذا التعاون بينكما؟
- للأسف «الألماني الطيّب» لم يجد نجاحا كبيرا رغم أنني فخورة به
وأعتقد أنه فيلم جيّد. قبل مدّة سألني زوجي قائلا: «ماذا بينك وبين
جورج كلوني والحرب العالمية الثانية» (نضحك). هذا من باب أن جورج
وأنا التقينا في فيلمين كل منهما يدور في تلك الفترة. حين جلست مع
جورج وحكى لي ما يريد أن يحققه في هذا الفيلم وقعت في حب الفكرة.
وما أراده للفيلم حققه بالفعل. جورج يعرض عملا يتناول جوانب
تاريخية مؤلمة ويتعامل معه من منطلق إنساني أساسا.
·
أنت الآن في خضم موسم الجوائز. كيف تواجهين ذلك؟ هل هناك ضغط كبير
عليك من الناحية الإعلامية على الأقل؟
- هناك ضغط إعلامي كبير دائما (تضحك). انظر، عندما تكون فخورا بما
تحققه من أفلام، وعندما تنجح تلك الأفلام في إبراز جهدك فيها، تشعر
بأنك تقوم بالشيء الصحيح وأنك في مكان يجلب لك السعادة والرضا. لكن
ما تقوله صحيح. قبل أيام اتصلت بوكيلة أعمالي وقلت لها: «عندي
أفلام علي العودة إليها». أقصد أن الفيلم حين ينجح في استقطاب
الاهتمام بممثليه يجد هؤلاء أنفسهم أمام ضرورة تأجيل أعمالهم
لاستيعاب المقابلات وهي كثيرة. لكني لا أشكو. في مثل هذه المواقف
أكون سعيدة حيث أنا.
الصوت الصغير للسينما العربية
* مهرجانات السينما العالمية هي مهرجانات أصوات. كل مهرجان يمتلئ
بها بلغاتها وثقافاتها وفنونها. هناك الصوت الفرنسي والصوت
الإسباني والصوت الألماني والصوت الروسي، كما هناك - من القارة
الأخرى - الصوت الأميركي والصوت الأرجنتيني والصوت المكسيكي وفي
حيز ثالث أي صوت آخر من أي منطقة من العالم.
مهرجان برلين الحالي (من السادس حتى السادس عشر من هذا الشهر) لا
يختلف في هذا الصدد. فكل صوت يعبّر عن سينما معيّنة وكل الأصوات
موجودة، بعضها هادر (كأصوات الدول المذكورة أعلاه) وبعضها خافت
كأصوات السينما العربية المشتركة فيما يبدو تظاهرة صدفية أكثر منها
مخططة.
بالتأكيد هناك أسماء مخرجين عرب، من الجزائر (رشيد بوشارب) ومن مصر
(ناجي إسماعيل، جيهان نجيم، فيولا شفيق، مها مأمون) ومن فلسطين
(مهدي فليفل) ومن لبنان (غيث الأمين، جو نامي، روي ديب)، لكن هذه
الأعمال جميعا (وما قد يُضاف إليها إذا ما وُجد) ليست - في معظمها
- من إنتاج عربي.
فهرس المهرجان يضع، مثلا، فيلم رشيد بوشارب «رجلان في البلدة» تحت
اسم الجزائر، وهو تمويليا يحمل مساهمة جزائرية لكن تمويله الغالب
فرنسي. ويخطأ كثيرون باعتبار أن فيلم «الميدان» لجيهان نجيم مصري،
في حين أن تمويله أميركي محض. والفيلم القصير الذي يوفره مهدي
فليفل تحت عنوان «غرباء» هو ألماني التمويل، بينما «ابتسم للعالم
يبتسم لك» لا يحمل اسم مخرج كونه من إنتاج هيئة حقوق إسرائيلية -
فلسطينية قررت إنتاج هذا الفيلم القصير. «أم أميرة» لناجي إسماعيل
تمويل ألماني ولو أنه يحمل اسم مصر أيضا.
ويشترك الجزائري كريم عينوز بفيلم من إخراج جماعي اسمه «كاتدرائية
الثقافة» (أحد المشتركين فيه أيضا فيم فندرز) وهو تمويل ألماني
بالكامل كذلك حال فيلمه المقدّم في المسابقة الرسمية «بيريا
المستقبل».
الفهرس الرسمي المعتمد لهذا الحديث لا يذكر فيلم «الأوراق تسقط في
كل الفصول» إخراج السعودي أحمد مطر ولا فيلم «وراء الشمس» للكويتية
منيرة القديري، لكن تقريرا كتبه الزميل سمير فريد ينص على أنهما
فيلمان مشاركان. لو كانا كذلك فهما، على الأرجح، الفيلمان العربيان
الوحيدان المموّلان بالكامل محليا.
لكن بصفة عامة وبارزة، الاشتراكات ذات الأسماء العربية مثل السمك
الصغير الذي تراه يخاطر بحياته في مياه مليئة بالأسماك الكبيرة.
الأصوات الهادرة هي التي تستوجب الإنصات وتشد الاهتمام، والسينما
العربية لها صوت صغير عليك أن تتزوّد بجهاز خاص لاكتشافه. |