ما إن اختتم مهرجان برلين السينمائي دورته الحادية والستين
حتى تحوّلت الأنظار إلى مهرجان كان السينمائي الذي تنكبّ إدارته حالياً على
الإعداد للدورة الرابعة والستين (11-22 أيار/ مايو 2011). والأمر أبعد من
مجرّد ترقّب الآتي وأقرب إلى انتظار ما فات برلين من الإنتاجات السينمائية
الكبرى. فإلى جانب الإجماع الذي حقّقه الفيلمان الفائزان بالجوائز
الأساسية، الإيراني "نادر وسيمين: إنفصال" لأصغر فرهادي والمجري "حصان
تورينو" لبيلا تار، كان إجماع آخر على ضعف هذه الدورة البرلينية وغياب
الأفلام المميزة عنها، لا سيما في المسابقة الدولية. من هنا، تبدأ
التأويلات حول ما سيكشفه مهرجان كان في تشكيلته الرسمية التي لن تعلن قبل
منتصف نيسان/ أبريل وستظل عرضة للإضافات والمفاجآت حتى الأيام الأخيرة قبل
الافتتاح. وتتخذ تلك التوقّعات منحىً جدياً ومثيراً مع استعراض الأعمال
السينمائية أسماء مخرجيها المتاحة أمام المهرجان. وما الأسماء إلاّ تلك
المعروفة التي سبقت لها المشاركة في دورات كان، ما يعني أن هناك كنزاً
إضافياً لينهل منه "كان" وهو ذاك المجهول الذي يصب في خانة الاكتشافات.
إن مجرّد الوقوف على الأفلام المنجزة أو شبه المنتهية كفيل
أن يكوّن لائحة من الطراز الأول، تفيض عن حاجة مهرجان كان. وما لم يتعثّر
بعض الإنتاجات ويتأخر فيصبح من نصيب مهرجان سينمائي آخر منافس لكان وبرلين،
أي البندقية، أو يفاجئنا بما هو دون المستوى، فإنه يمكن القول إن تييري
فريمو وفريقه من المبرمجين لن يعدموا وسيلة لبناء برنامج متماسك وقوي لدورة
كان المقبلة. فماذا ومن يحلّق إذن في الفضاء السينمائي؟
على الرغم من أن ما من شيء مؤكد بعد لدورة "كان" المقبلة
سوى فيلم وودي آلن الافتتاحي "منتصف الليل في باريس" وروبرت دينينرو في
مهام رئيس لجنة التحكيم الدولية ونظيره الفرنسي ميشال غوندري كرئيس للجنة
تحكيم الأفلام القصيرة و"سينيفونداسيون"، إلا أن الترجيحات تشير إلى
مشاركات لأمثال بيدرو ألمودوفار ولارس فون ترير وناني موريتي وجان-بيار
ولوك داردن وسواهم.
فيلم ألمودوفار الجديد "الجلد الذي أحيا فيه" (The
Skin that I Inhabit)
سيعيد السينمائي الإسباني إلى الكروازيت مرة جديدة بعد مشاركته الأخيرة عام
2008 بفيلم "عناقات متكسّرة" (Broken
Embraces).
أما جديده فيعيده إلى البدايات من خلال تعاونه للمرة الأولى منذ 21 عاماً
مع ممثله الأثير أنتونيو بانديراس الذي لعب بطولة بعض أفضل أفلامه الأولى.
العنصر الثاني المرتقب في تجربة ألمودوفار هذه تحوّله إلى ما يشبه الرعب من
خلال قصة جراح يبحث عن وسيلة لإعادة إحياء جلد زوجته المتوفاة في حادث
سيارة. السيناريو مقتبس عن رواية الكاتب الفرنسي الراحل تييري جونكيه "تارانتولا".
"ميلانكوليا" (Melancholia)
هو عنوان شريط المخرج الدنماركي لارس فون ترير الجديد. صاحب "الأمواج
المتكسرة" و"راقصة في الظلام" و"دوغفيل" التي عرضت جميعها في كان بالإضافة
إلى فيلمه الأخير "المسيح الدجال" (Antichrist)
عام 2009 جالباً لبطلته تشارلوت غاينسبور جائزة أفضل ممثلة، يجدد في "ميلانكوليا"
تعاونه مع الأخيرة ضمن طاقم تمثيلي يضم أيضاً الأب والإبن ألكسندر وستيلين
سكارسغارد وكيفر ساذلاند وكيرستن دانست. أما الحكاية فلم يكشف الكثير عنها
سوى أن هنالك ارتباط زواج بين شخصيتي ساذرلاند ودانست سينتهي بشكل مأسوي.
"لدينا البابا" (We
Have a Pope)
يشكّل عودة السينمائي الإيطالي ناني موريتي إلى السينما بعد عمله الأخير
الفاضح لسيلفيو برلوسكوني "التمساح" (The
Caiman)
الذي شارك في كان عام 2006. يلعب بطولة الفيلم الجديد الممثل الفرنسي ميشال
بيكولي في شخصية البابا الذي يقرّر الإعتذار عن تأدية مهامه بعيد انتخابه.
ويجسد موريتي في الفيلم دور طبيب نفسي يستدعيه الفاتيكان لحل المشكلة. تجدر
الإشارة إلى أن موريتي حاز سعفة كان الذهب في العام 2001 عن فيلمه "غرفة
الإبن" (The
Sons
Room).
وليس بعيداً من مجهر المهرجان مواطن موريتي المخرج الشاب باولو سورينتينو
بجديده "هذا هو المكان حتماً" (This
Must Be the Place)،
لا سيما أن الأخير من بطولة شون بن. والحكاية الطريفة التي تروى هي أن بن
الذي كان رئيس لجنة تحكيم مهرجان كان في العام 2008، منح فيلم سورينتينو
السابق
Il
Divo
جائزة لجنة التحكيم الكبرى وهنأه قائلاً: "إبقني في ذاكرتك لمشروعك
القادم". وهكذا يلعب بن دور البطولة وإلى جانبه فرانسيس ماكدورماند حول نجم
روك ينسحب من عالم الموسيقى ليقوم برحلة ستغيّر حياته.
من بلجيكا، يعود الأخوان جان-بيار ولوك داردن، صاحبا
السعفتين الذهب، بجديدهما "الصبي والدراجة" (The
Kid with a Bike)
حول صبي يتركه والده فيرمي نفسه في أحضان امرأة غريبة تلعب دورها سيسيل دو
فرانس. والمعروف ان الأخوين داردن ينتميان إلى "نادي المفضّلين" في كان، إذ
إنهما منذ فوز فيلمهما "روزيتا" بالسعفة الذهب عام 1999، لم يغب فيلم لهما
عن المهرجان والفوز بأحد جوائزه. ففيلمهما الأخير "صمت لورنا" (The
Silence of Lorna)
فاز بجائزة أفضل سيناريو في كان 2008.
ينضم إلى هؤلاء السينمائي الفنلندي آكي كاوريزماكي الذي
انتهى من فيلمه الجديد
Le
Havre
حول ماسح أحذية يحاول إنقاذ طفل لاجئ. كاوريزماكي ليس جديداً على كان أيضاً
حيث عرض فيلمه الأخير "أضواء في الغسق" (Lights
in the Dusk)
عام 2006، وقبله نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن فيلمه "رجل بلا ماضي" (The
Man Without a Past)
عام 2002.
على صعيد آخر، يمكن اعتبار أندريا أرنولد اكتشاف المهرجان
الذي قدم باكورتها الروائية "الطريق الأحمر" (Red
Road)
عام 2006 وتجربتها الثانية "حوض السمك" (Fish
tank)
عام 2009. فاز الفيلمان بجائزة لجنة التحكيم الكبرى. جديد أرنولد مختلف
جذرياً عن سابقيه حيث أنه اقتباس لرواية أميلي برونتي الشهيرة "مرتفعات
ويذيرينغ".
تحت مجهر كان أيضاً السينمائي التركي نوري بيلج تشيلان، ضيف
كان شبه الدائم منذ فيلمه القصير الأول "شرنقة" (Cocoon)
وحتى أخيره "ثلاثة قردة" (Three
Monkeys)
الذي حاز جائزة الإخراج في كان 2008، مروراً بفيلم "بعيد" (Distant)
حائز جائزة لجنة التحكيم الكبرى وجائزة التمثيل عام 2002. فيلمه الجديد في
عنوان "كان يا ما كان في الأناضول" (Once
Upon a Time in Aanatolia)
عن طبيب يعيش في سهوب الأناضول.
على لائحة الاختيارات شبه المؤكدة أيضاً المخرج الروسي
ألكسندر سوكوروف بـ"فاوست" (Faust)
الذي سيعيده إلى رباعية فساد السلطة بعد محطته في الحرب العالمية الثانية
من خلال "ألكسندرا" (Alexandra)
الذي عرض في كان 2007. يختتم "فاوست"، وإنما من خلال الأسطورة المعروفة هذه
المرة، ثلاثية السلطة والفساد التي أنجز سوكوروف منها
Moloch (1999)
عن هتلر
Taurus (2002)
عن لينين وThe
Sun
(2005) عن هيروهيتو. الأفلام الثلاثة عرضت في مسابقة كان.
ومن المرجّح كذلك أن ينهي المهرجان الجدل الطويل المعقود
حول آخر أفلام المخرج المتميز والمقل تيرينس ماليك "شجرة الحياة" (Tree
of Life).
فالمشروع الموضوع على سكة الإنتاج منذ العام 2005 كان من المفترض أن يعرض
في الدورة الماضية من مهرجان كان ولكن المخرج شعر بأنه غير جاهز بعد. ومع
الإعلان الرسمي عن عرضه تجارياً في 27 أيار/ مايو 2011، يتأكد أكثر عرضه
الافتتاحي في كان. المشروع برمّته يحوطه الغموض والحكاية يقال إنها من نوع
الخيال العلمي. والبطولة لبراد بيت وشون بن. وماليك نفسه ليس غريباً عن
المهرجان الذي عرض ثاني أفلامه "أيام الجنة" (Days
of Heaven)
عام 1979 ومنحه جائزة الإخراج.
يتوقع المتابعون أيضاً أن تضم لائحة اختيار كان 2011 كل من:
"طريقة خطيرة" (A
Dangerous Method)
للكندي دايفيد كروننبيرغ؛ "قلِق" (Restless)
لغاس فان سانت؛ "على الطريق" (On
the Road)
للبرازيلي والتر ساليس؛ وربما
Twixt Now and
Sunrise
جديد فرانسيس فورد كوبولا.
أما الأسماء الفرنسية المطروحة للتشكيلة الرسمية فتضم برونو دومون (LEmpire)،
فيليب غاريل (That
Summer)،
كريستوف أونوريه (الكوميديا الموسيقية
The Beloved)،
مارجان ساترابي وفانسان بارونو (Chicken
with
Plums)
اللذين عرضا في كان فيلمهما التحريك "بيرسيبوليس" عام 2007 وحازا جائزة
لجنة التحكيم الكبرى.
اسم عربي وحيد يشق طريقه إلى التوقعات هو الفرنسي المغربي
اسماعيل فروخي بثاني أفلامه "رجال أحرار" (Free
Men)
مع مواطنه طاهر رحيم (Un
Prophéte)
في دور البطولة. جذب فروخي الاهتمام بباكورته الروائية الطويلة "الرحلة
الكبرى" (Le
Grand Voyage)
عام 2004 حائز جائزة "لويجي دي لورنتس" (أسد المستقبل) لأول فيلم روائي في
مهرجان البندقية السينمائي.
|