يوميات "كان" السينمائي الدولي 2008 ... ( 5 )
يوم عربي في “كان”
كان
-
محمد رضا
ينتظر المرء مهرجان كان ليرى إذا ما أنتج العرب أفلاماً تستحق
المشاركة. فإن قرأ أن هناك اختيارات قام بها المهرجان تم على أساسها إدراج
فيلم عربي ما في أحد أقسامه، انتظر حتى يعرف ماهية هذا الفيلم وإذا ما عرف
كيف يستغل هذه الفرصة لكي يطرح ما تخفق الأبواق الإعلامية او الجهات
الرسمية في طرحه من مسائل مهمّة.
بعد أن شاهدنا في الاشتراك “الإسرائيلي” المهم “الرقص مع بشير”
عملاً يفضح بلسان الشركاء في الجريمة ما حدث في صبرا وشاتيلا، كان موعدنا
يوم أول أمس مع وجهة نظر عربية تُرجمت الى الشاشة عبر فيلمين عُرضا
متلاحقين.
في إطار القسم الثاني في الأهمية “نظرة ما” تم عرض فيلم ماري
آن جاسر “ملح هذا البحر” ممثّلاً عن فلسطين، وخارج المسابقة وخارج اي إطار
رسمي في المهرجان الفرنسي تم عرض فيلم عادل أديب “ليلة البايبي دول” ممثلاً
السينما المصرية.
منذ أن صعد تييري فريمو، مدير المهرجان العام، منصّة الصالة
الرسمية الكبيرة لتقديم الفيلم مرتدياً الشال الفلسطيني المعروف، تدرك أن
الفيلم حقق، بمجرّد وجوده، معنى شاملاً لهويّته وأنجز للحال السياسي من
وجهة النظر الفلسطينية في ذلك الصراع القائم بين فلسطين و”إسرائيل” نصراً
إعلامياً يتعدّى الرمز الذي يعنيه الشال. وهذا الشال شوهد في أرجاء القاعة
الضخمة حول أعناق العديد من الأجانب الحاضرين جاؤوا بتأييدهم لما هو
فلسطيني، لكنهم قبل عرض الفيلم ثم بعد عرضه لم يكن هؤلاء كل من صفّق، بل
شاركت القاعة بأسرها في التصفيق لفيلم يحارب بالصورة السينمائية في قضيّة
جوهرية يعيدها الى أبسط قواعدها: الإنسان في مواجهة النظام. الفرد ضد
السُلطة والمظلوم في مناهضة الظالم بأي وسيلة يستطيع مناهضته بها. “المهم”،
يقول بطل الفيلم عماد (صالح بكري) لبطلته ثريا (سهير حمد) “أن يبقى رأسك
مرفوعاً”.
في فيلمها الطويل الأول ترصد المخرجة الفلسطينية ماري آن جاسر
حكاية فتاة فلسطينية وُلدت في بروكلين في نيويورك من أب وأم فلسطينيين
وُلدا في فلسطين ونزحا في نكبة العام 1948 الى لبنان صغيرين مع والديهما
اللذين ولدا في فلسطين. التاريخ الشاسع لفلسطين يتم تلخيصه في بضعة مشاهد
حواراً وصوراً في مطلع الفيلم حين تصل ثريا الى المطار “الإسرائيلي”
وتتعرّض للاستجواب عن سبب زيارتها وعن تاريخها العائلي، موقف الفيلم من
السلطة “الإسرائيلية” يبرز من تلك المشاهد الأولى (ويتكرر لاحقاً) وهو
مستمد من الموقف الذي تبنيه المخرجة بنجاح من تلك السلطة ومن مفهوم الوطن
ومعنى افتقاده وكيف أحيلت أملاك عربية الى غزاة قدموا من وراء البحر او تم
تدميرها كما لو أنها لم تكن.
ثريا جاءت الى فلسطين لمهمّة معرفة جذورها ولاسترداد ما يقارب
ال 360 جنيهاً استرلينياً كانت في ودعة البنك الفلسطيني- البريطاني حين
غادر والدها فلسطين قبل ستين سنة. المصرف، يقول لها مديره البريطاني، لا
يستطيع صرف المبلغ لطول المدّة التي مضت عليه، أوّلاً، ولتوقّفه عن العمل
خلال سنة النكبة حيث خسر كل سجلاته مصوّراً الوضع على أنه وضع جديد لا يحق
لها مطالبته بأموال أودعت فيه حين كانت هناك دولة فلسطينية.
في خلال تلك الأيام الأولى من زيارتها لرام الله، بعدما منحت
فيزا لأسبوعين فقط، تتعرّف على الشاب عماد (صالح بكري) الذي يعمل جرسوناً
في مطعم من ذلك الذي يستقبل زبائن فلسطينيين فوق العادة، مديرين ورجال
أعمال و-نسبياً- رجالاً أثرياء. وتلتقي بعماد مرّة أخرى خلال بحثها عن عمل
وهو يعرّفها على والدته التي تخرج من البيت، في مشهد ليس فقط قابلاً
للتصديق بل يتكلّم أطناناً عن العادات العربية وعن التصرّف السلوكي للأم
حين يخبرها ابنها بأن معه فتاة في السيارة. تخرج لتستقبلها كما لو كانت
ابنتها الغائبة او كما لو أن ابنها سيعقد قرانه عليها من دون ريب.
تتعرّف كذلك على مروان (رياض عديس) الذي يحلم بأن يصبح مخرجاً
مهمّاً. يحمل الكاميرا، في غضون انتظار مثل تلك الفرصة، ليصوّر الأشياء كما
تحلو له كأي هاو ما زال في السن الأولى من لملمته بعض أفكاره.
عماد كان تلقّى موافقة من جامعة كندية لمنحة دراسية وهو يحلم
بالذهاب الى هناك حيث لن يشاهد بعد اليوم جندياً في حياته كما يقول،
معلّقاً على مشاهد التعسّف الذي تمارسه القوّات “الإسرائيلية” بحق
الفلسطينيين، وهو ممنوع عليه مغادرة رام الله “خلص، هذه هي الحدود بالنسبة
لي” يقول وهو يخرج من سيارته الكالحة الى ثريا عند حدود البلدة. يقفان عند
تلّة تشرف على المستعمرات والمدن “الإسرائيلية” الممتدة من ذلك المكان عبر
الأفق الى حيث البحر “هناك”، يشير بأصبعه كما لو كان يرى ما يتحدّث عنه
“البحر، لم أزره من سبع عشرة سنة”.
ثريا تقرر أن الطريقة الوحيدة للحصول على مال أبيها هو سرقة
المصرف والثلاثة يشتركون في السرقة بعدما زوّدوا أنفسهم برشاش من دون رصاص
ويهربون بالغنيمة خارج القطاع الى داخل “إسرائيل” ملفّقين حضوراً يهودياً.
يعبرون الحاجز بسيارة عليها لوحة مسروقة ويمضون بعيداً في أرض الوطن وصولاً
الى البحر.
بعد بهجة الوصول يزور الثلاثة المنزل الذي وُلد فيه والد
ثريّا، يجدونه بالطبع محتلاً. النزيلة الحالية يهودية تعرف أن البيت محتل
من قبلها لكنها تتمسّك بأن أهل ثريا هم الذين تخلّوا عنه. ثريّا تكرر لها
أنهم أجبروا على التخلي عنه، “هذا بيتي” تقول لليهودية التي تحاول،
إنصافاً، أن تقبل بعض الموقف لكن ليس كلّه. تستقبل الثلاثة وتتيح لهم
البقاء الى أن يغادر عماد وثريا المكان ويبقى مروان في ضياقة المرأة ولا
نعد نراه فيما بعد.
الآن يقصد عماد بلدة الدويما حيث وُلد هو. الآن هي خراب كامل.
أطلال ممنوعة على شهود العيان يتخيّلها عماد وثريا جنّتهما. يشتريان فراشاً
ووسادات ولحفاً ويحلمون بالزواج والإنجاب بعدما وجدوا في بعض البيوت
المدمّرة ركناً يأويان إليه، الى أن يُكتشف أمرهما من قبل أستاذ يهودي في
رحلة يحاول فيها تعليم طلاّبه التاريخ اليهودي. لكن المخرجة تدبّر خلاصاً
لهذه الورطة كما كانت دبّرت خلاصاً لكل ورطة سابقة كانت حقيقتهما المموّهة
تكاد أن تُكشف. في قمّة سعادتهما تدرك أن النهاية ستكون وبالاً لكنها تتأخر
الى حيث ينكشف كل شيء في النهاية. هو ينتهي سجيناً كونه بلا أوراق ثبوتية
تخوّله أن يكون في فلسطين المحتلّة سابقاً، وهي يتم ترحيلها. الحلم بينهما
ينتهي لكن حلم الأرض واستعادتها يتواصل.
في القصّة كل ما تحتاجه السينما الفلسطينية من ذخيرة تطلقها في
اتجاه الوضع المؤسف الذي يعشيه الفلسطينيون والمرحلة القاتمة للصراع القائم
بينهم وبين الدولة التي احتلّتهم. وهو يقول كل شيء بصراحة ومن دون خوف من
اتهام بأنه ذو وجهة نظر واحدة ويفصح للمشاهدين أن المسألة ليست أرضاً كانت
بلا شعب حتى جاء اليهود، بل شعبها كان موجوداً وتم ترحيله وقضم حقّه في
الوجود الا ضمن الرقع التي بالكاد يحترمها العدو. طوال الفيلم هناك تصوير
للجدار العازل وللأرض المفتوحة التي تم توطينها من قبل اليهود القادمين من
غير تربة تلك الأرض. طوال الفيلم هناك نفحات من مياه الجبل ومياه البحر
وتصوير لأديم هذه الأرض الثكلى بالنضال. بعد قليل من شكوى عماد بأنه مجبر
على العيش في حدود البلدة وعن رغبته في ألا يشاهد جندياً “إسرائيلياً” بعد
اليوم، يتعرّض لمحاولة إذلاله عند حاجز “إسرائيلي” حين عودته وثريا من فوق
تلك التلّة التي جلسا يتحدّثان فوقها. يُطلب منه رفع قميصه يفعل. يُطلب منه
خلع سرواله والوقوف عارياً يفعل. ترقب هي ويرقب المشاهد معها. الصورة أفضل
من ألف كلمة بالفعل.
هناك حدود لقدرات المخرجة على صعيد تشكيل الفيلم فنيّاً. إنه
بحاجة الى صياغة سينمائية حقيقية وكاملة عوض صياغته الحالية التي هي أقرب
الى المقال النثري، لكنه لا يحوي ضعفاً ظاهراً او ركاكة في التنفيذ. يتقصّد
ما يقول ويجد الشكل الفني المناسب له.
على العكس الكامل منه يأتي فيلم “ليلة البايبي دول” الذي عُرض
في حفل خاص خارج الإطار الرسمي في المهرجان. والمرء إذ يأسف أن فيلماً
مصرياً لم يدخل المهرجان رسمياً، الا أنه سعيد بأن هذا الفيلم بالتحديد لم
يستطع ذلك وبقي عرضه في إطار نحو مائة وخمسين مشاهداً معظمهم من العرب. لأن
هذا الفيلم الذي يعود به المخرج عادل أديب الى السينما بعد غياب عشر سنوات
هو النوع الذي لا يجب أن يُصنع على هذا النحو إطلاقاً.
في مطلع العرض وقف المخرج على المسرح وتحدّث عما يعنيه الفيلم
إليه وطلب من ممثليه ليلى علوي، محمود عبد العزيز، محمود حميدة، نور
الشريف، سلاف فواخرجي، جمال سليمان، غادة وجميل راتب الصعود الى المسرح
ففعلوا، كما طلب من الممثل عمر الشريف، الذي لا علاقة له بالفيلم، الصعود
ففعل. وبعد التقديم والتصفيق استلم المنتج عماد الدين أديب وتحدّث لفترة
وجيزة ذكر فيها أن الغاية من خلال هذه الإنتاجات الكبيرة تحقيق العالمية
للفيلم العربي.
من هنا أول اختلاف. إنه في المفهوم. ما أنجزته الأفلام العربية
من وصول للعالمية كان عبر الطريقين معاً: أفلام صغيرة مثل الفلسطيني
“الجنّة الآن” واللبناني “سكر بنات” والتونسي “صمت القصور” لمفيدة التلاتلي
(1994) وأفلام كبيرة مثل المصري “الإسكندرية ليه” ليوسف شاهين والجزائري
“بلديون” لرشيد بوشارب.
بل كما حققه قبل ساعات قليلة فيلم ماري آن جاسر من نجاح من دون
أن تتمتّع بأي من هذه الإمكانيات المادية التي صُرفت على فيلم “ليلة
البايبي دول”. فالمسألة ليست مسألة كم أصرف، والموضوع ليس على نحو أن
الطريقة لإيصال رسالة سياسية عربية هي أن ننجز عملاً تكلفة تواجده في “كان”
وحدها كافية لأن تنتج خمسة أفلام مصرية او عربية أخرى صغيرة.
المسألة هي المعرفة. والمعرفة تؤدي الى الجودة وغيابها يؤدي
الى عكس ذلك وهذا ما ينجزه الفيلم الذي قيل إنه جاء في أربع ساعات، ثم تم
توليفه الى ثلاث ساعات. النسخة التي عُرضت هنا وصلت الى الساعتين والأربعين
دقيقة تقريباً.
الفيلم، خليط موجع من الطروحات. الفيلم يطرح في فترته الزمنية
كل ما يصادفه من شأن: احتلال فلسطين، حرب الكويت، حرب العراق، العنصرية
الأمريكية، المسألة الديمقراطية، السياسة الخارجية للولايات المتحدة،
التطرّف، سجن أبو غريب، أحداث 11/،9 المحافظين الجدد، والضغط الأمريكي على
الحكومة المصرية بقطع المعونات وصولاً الى الهولوكوست ذاته.
القصّة التي تحتوي على كل هذا الزخم تتحدّث عن رحلة ينظّمها
مصري يعيش في أمريكا (محمود عبد العزيز) حيث يتلقى العلاج بسبب عدم الإنجاب
تاركاً زوجته العازفة في الأوركسترا وحدها سنة كاملة، لمجموعة أمريكية
(نراها في مشهد ثم لا نعود نراها إطلاقاً) الى مصر بقيادة سارة (ليلى علوي)
اليهودية المنتمية الى الحزب الديمقراطي التي تقود حملة لإرساء السلام حول
العالم وتحضر للغاية ندوة تقام في مصر. في الوقت ذاته يتصيّد الحضور
الأمريكي المدني الإرهابي رضوان الأسيوطي (نور الشريف) الذي كان تعرّض في
سجن أبو غريب للتعذيب والاعتداء، ومن ذلك الحين انقلب إرهابياً. سائق
التاكسي شكري (جمال سليمان) هو معرفة سابقة وعليه معاونة رضوان لكنه يلتقي
بمنظّم الرحلة (عبد العزيز) الذي يريد استغلال الليلة الوحيدة التي سيقضيها
في مصر للاختلاء بزوجته العازمة (سلاف فواخرجي) لكنه سيفشل في الاختلاء بها
رغم المحاولات فهما لا يملكان الآن بيتاً في مصر والغرفة التي كانت محجوزة
له في الفندق أعطيت لسواه والسرير الذي يلجأ إليه في المستشفى يتم كشفه
وشقّة شكري في مصر القديمة يداهمها البوليس الساهر على مصلحة القانون
ويمثّله الضابط (محمود حميدة) الذي يتعقّب شكري ويبحث عن رضوان، وهذا
الأخير يكتشف أن الجنرال الأمريكي (جميل راتب) الذي أشرف على سجن أبو غريب
موجود في مصر ما يزيد من حقده ومن رغبته في تفجير الفندق بأسره. نفهم من
خارج الفيلم أنه زرع عبوات فيه ويكفيه أن يضغط على زر الريموت كونترول، لكن
هذا لا يحدث ولا يحدث أيضاً أن يخلو الزوجان معاً.
كل واحد من هذه الشخصيات تقريباً لديه فلاشباكات متكررّة تنتقل
به من الزمن والمكان الحاليين الى مكان ما: عدة مشاهد فلاشباك في نيويورك،
وعدة مشاهد فلاشباك في العراق، وأخرى في فلسطين وكل مجموعة تفتح الباب على
قصّة وشخصيات إضافية. في بعض الأحيان (كما في مشهد راقصة وجندي “إسرائيلي”
يطلق النار على نفسه) لا نعرف من هي هذه الشخصيات الدخيلة ولماذا تفعل ما
تفعل. او كيف تعرّف نور الشريف بالفتاة التي شاهدها آخر مرّة حين كان كل
منهما في الرابعة من عمره. المنطق في آخر قائمة العناصر التي يعمد إليها
الفيلم. هناك الى جانب حسن السرد وحسن التوظيف. اما المقدّمة فهي لسوء
التركيب وسوء التنفيذ درامياً مع أطياف من المشاكل التي عانت منها السينما
في مصر مثل الموسيقا الصادحة في أماكنها الصحيحة حيناً وفي أماكنها غير
المطلوبة في معظم الأحيان، والمواقف التي تخلط الكوميديا بالدراما بالوطني
بالسياسي بالعاطفي وبالتشويقي وليس على أفضل وجه.
فيلم عادل أديب لا يخفي نقده للوضع لا في مصر ولا في العالم،
لكنه مثل رشاش مفتوح على كل الاتجاهات وكل رصاصاته تذهب سدى.
مهرجان الشرق الأوسط يكشف
عن قواعده الجديدة
أعلن محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
عن تفاصيل الدورة الجديدة من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، وذلك
في إطار الاستراتيجية الثقافية للعاصمة الإماراتية، وبحيث استوجب ذلك تطوير
قواعد المهرجان في دورته الثانية التي تنعقد من 10 إلى 19 أكتوبر/ تشرين
الأول 2008 في أبوظبي، ليصبح المهرجان عشرة أيام بدلا من خمسة، ويثبت موعده
سنوياً في نفس الفترة من كل عام، وأصبح يمنح جوائز نقدية لصناع الأفلام
يزيد مجموعها على مليون دولار أمريكي، وهي أكبر جوائز نقدية على مستوى كل
مهرجانات السينما في العالم.
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي،
والذي انعقد أمس الأول في جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في القرية
العالمية بمدينة كان وضمن فعاليات مهرجانها السينمائي الدولي، وحضر المؤتمر
عدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية التي أبدت اهتماماً ملحوظ بالحضور
السينمائي البارز للعاصمة الإماراتية وجهودها لأن تصبح مركزاً عالمياً
لصناعة السينما.
وشارك في المؤتمر الصحافي كل من نشوة الرويني مديرة المهرجان،
وعيسى المزروعي مدير إدارة المشاريع في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث،
وعبدالله البستكي مدير مسابقة أفلام من الإمارات، وجون فيتزغيرالد مدير
البرنامج، وأدريان بريغز مديرة وحدة تمويل الأفلام، وسمير فريد مستشار
المهرجان.
ومن حيث المفهوم أصبح مهرجان الشرق الأوسط الوحيد من نوعه بين
مئات المهرجانات الذي يمنح جوائز لكل أنواع الأفلام الثلاثة (روائية
وتسجيلية وتحريك)، سواء للأفلام الطويلة أم القصيرة أم أفلام الطلبة. وتمنح
القيمة النقدية لجوائز اللؤلؤة السوداء مناصفة بين المنتج والمخرج، إلى
جانب جائزتين لأحسن ممثلة وأحسن ممثل، وجائزة لأحسن إسهام فني في الفنون
السينمائية المختلفة ما عدا الإخراج والتمثيل.
وأصبح المهرجان يتكون من عشرة أقسام وهي المسابقات الثلاث
للأفلام الطويلة والقصيرة وأفلام الطلبة، وبرنامج عروض خاصة، وبرنامج أفلام
دول مجلس التعاون الخليجي، وبرنامج مخرجات من العالم العربي، وبرنامج تكريم
شخصيتين منهما شخصية عربية، وتمّ في الدورة الثانية إضافة برنامج أفلام
البيئة، وبرنامج مهرجان المهرجانات الذي يعرض مختارات من أفلام المهرجانات
الأخرى، وبرنامج تاريخي، ومسابقة للإعلانات.
وسيكون مجموع الأفلام التي ستعرض في المسابقات الثلاث من
الأنواع الثلاثة 60 فيلماً (18 فيلماً طويلاً، 22 فيلماً قصيراً، 20 من
أفلام الطلبة)، وهي مسابقات دولية مفتوحة لكل الدول، حيث توضح إدارة
المهرجان أنه ليس المقصود من اسم المهرجان أن يقتصر على أفلام الشرق الأوسط
مثل مهرجانات أفلام البحر المتوسط أو أي منطقة جغرافية أخرى، وإنما المقصود
التعبير عن طموح مهرجان أبوظبي في أن يكون محورياً في هذه المنطقة من
العالم.
وقالت نشوة الرويني: نعمل على أن تكون ال 60 فيلماً المتسابقة
على جوائز المليون دولار كعرض عالمي أول في المهرجان، أي خارج بلدانها، أو
قبل العرض في هذه البلدان، مع استثناء الأفلام التي عرضت في مسابقات ثلاثة
مهرجانات فقط هي برلين وكان وفينيسيا.
وهذا العام ولأول مرة يقيم المهرجان معرضاً للملصقات تحت عنوان
“ملصقات الأفلام العربية” يضم 50 ملصقاً أصلياً من مختلف الدول العربية،
ومن فترات من تاريخ هذه السينما.
أوراق ناقد
النجاح العربي السينمائي
ما يفعله هذا المهرجان أفضل من سواه هو لفت النظر الى سينمات
الدول ذات الانتاجات المحدودة. تلك التي لا صناعات سينمائية كبيرة فيها
لكنها تتقدّم بأفضل ما لديها وهذا ما يتيح لهذا الأفضل أن ينتشر على نحو
استثنائي لافتاً الأنظار لا الى تلك الانتاجات المميّزة لها فقط، بل الى
وضع هذه السينمات الراهن ما يجعل النقاد والأسواق التجارية تهتم بملاحقة كل
جديد تنتجه هذه السينما الى أن تأتي ضربة قاضية علي فيلم ظُن به أنه سوف
يحمل المشعل خطوات أخرى الى الأمام، لكنه على العكس يخمده ويصير لزاماً على
تلك السينما أن تبدأ محاولاتها من جديد.
في العام الماضي انطلق فيلمان مميّزان من هذه الفئة. فيلمان
صغيران من بلدين لا صناعة سينمائية فيهما بل مجرد انتاجات متفرّقة وسوق
محدودة ومحاولات مبذولة من قِبل مخرجين يحرقون كل الجسور بينهم وبين الواقع
المحيط بهم سعياً لإنجاز أفلامهم على النحو الذي يرغبونه وبإيمان مطلق
بفاعلية هذا النحو وقدرته على الوصول الى الناس. فيلمان لكل منهما طبيعته
الخاصة- المختلفة فنيّاً ومضموناً لكنهما ينطلقان جواهر حين النظر من
خلالهما الى البلدين اللذين جاءا منهما.
الفيلمان هما “أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان” للمخرج
كرستيان مانجو من رومانيا و”سكر بنات” للمخرجة نادين لبكي من لبنان. الأول
عُرض في المسابقة وخطف سعفتها الذهبية، والثاني عُرض في تظاهرة “نصف شهر
المخرجين” الذي كان أنجح فيلم تم عرضه في ذلك القسم المهم، على صعيدي
النقد، وهو الصعيد الفني، والجماهيري، وهو الصعيد التجاري.
كلا الفيلمين حقق نجاحا كاملاً: طار وحط من مهرجان الى آخر
وعُرض تجارياً مستردّاً تكاليفه غير الباهظة بسهولة وبل أضعاف تلك
التكاليف. وكلاهما ركّز الأنظار الى هذين البلدين. وكل من هذين البلدين عرف
سابقاً ذات الشهرة المفاجئة: رومانيا سبق لها وأن ظهرت فجأة على السطح
بفيلم أسبق عنوانه “موت السيد لازارسكو” الذي أخرجه كرستي بويو، ولبنان شهد
عدّة نجاحات سابقة خاطفة مثل أفلام عدّة للراحل مارون بغدادي في الثمانينات
ومثل فيلم فيليب عرقتنجي الأول “الباص” وهو المخرج الذي كرر في فانيسيا
-والى حد- ما فعله فيلم نادين لبكي في “كان” إذ قدّم فيه فيلمه الثاني “تحت
القصف” وحقق به نجاحاً مشابهاً وإن أقل أثراً وحجماً.
هذا العام لدى السينما الفلسطينية ذات الإمكانية ولو أنه سيكون
من الصعب إنجاز ذات النجاح الذي حققه فيلم “سكّر بنات”، ففيلم ماري آن جاسر
آيل الى نجاح لافت نقدياً وتجارياً خصوصاً إذا ما فاز بجائزة أفضل فيلم في
نطاق مسابقة تظاهرة “نظرة خاصّة” او بجائزة “الكاميرا الذهبية” لأول فيلم.
كما يفصح الموضوع الرئيسي اليوم، فإن الفيلم يقدّم للسينما
الفلسطينية ما قدّمه فيلم هاني أبو أسعد لتلك السينما حين أنجز عمله السابق
“الجنّة الآن”. وكان ذلك الفيلم اشترك في مهرجان برلين السينمائي الدولي
ونجح في نطاقه وتوالت نجاحاته الى أن وصل الى الترشيحات الرسمية النهائية
كأفضل فيلم أجنبي للأوسكار وذلك لم يحدث لأي فيلم عربي من قبل.
العالم العربي للأسف لا يعرف لا قيمة هذه المحاولات الجسورة
والناجحة ولا كيف تهيّىء المشاهد الغربي لمراجعة مترسّباته من المفاهيم حول
العرب والمسلمين. لا يدرك أن نجاح فيلم سينمائي واحد هو أفضل من عشرات
المقالات ومئات الصور ومئات ألوف الدولارات تُصرف في محاولات إعلامية يرمي
إليها الغربي نظرة سريعة فيفهم أنها رسمية ومدفوعة.
العالم العربي، بعد كل هذه التجارب، لا يزال لا يقدّر حق
التقدير حقيقة أن السينما هي رأس الحربة في النجاح لا الإعلامي فقط، بل في
أي غاية سياسية أخرى يتوخّاها هذا البلد او ذاك. لو كان يعرف لكان من السهل
على دوله إرساء الحوافز والإمكانيات لمزيد من هذه الأفلام عوض أن يُترك
الأمر لكل سينمائي على حدة ينهض ويسقط ثم ينهض ثم يسقط في بحثه عن وسائل
تمكّنه من الاستمرار.
الخليج الإماراتية في 18
مايو 2008
|