·
وفي أمريكا أدركت أنني كعربي ومسلم لاينقصني شيء....
·
للحضارة دورات وربما تعود الكرة إلى ملعبنا....
·
ولنا العبرة في قصة ملك انجلترا مع خليفة الأندلس!!...
في بهو أحد فنادق بيروت الراقية... كان الحظ حليفي بلقاء المخرج العربي
العالمي "مصطفى العقاد"، الذي قدم من خلال أعماله الإسلامية والعربية
صورة مشرقة وصل بها إلى العالمية بجدارة سبق بها غيره وحفر بها اسمه في
عالم الإخراج والإبداع...
وبالرغم من مشاغله العديدة الا أنه كان كريماَ مع "عربيات" وخصها
بحوار خاص وجرئ... و تحدث معنا من قلبه وعقله...
في زاوية هادئة بعيد عن ضجيج رواد الفندق جلسنا، سألته عن "حلب" و عن
أحلامه التي ولدت فيها.. أشعل غليونه وبعد لحظة صمت قصيرة تكلم وقال:
((حلب هذه المدينة الصغيرة التي أحملها في قلبي دائماَ هي مدينتي ، ولدت و
نشأت فيها.. كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية وكان يأخذني في
الصغر لأتابع كيفية عرض الأفلام وكيفية قص المشاهد الممنوعة ومع مرور
الوقت أصبحت مولعاَ بالسينما، وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمري قررت أن
أصبح مخرجاَ سينمائياَ وفي هوليوود تحديداَ ويا لها من ردة فعل كانت
لأهالي حلب بعد أن بحت لهم بأحلامي فقد أضحيت أضحوكتهم...
قالوا: "احلم على قدك، اذهب الى الشام أو مصر لتدرس الإخراج هناك"...
لكني كنت مصمماَ على هوليوود!!)).
يصمت قليلاَ... وهو يستعيد تلك الذكريات، ثم يعاود حديثه قائلاَ:
((عندما أعود الى الوراء أجد أن ما كنت أفكر فيه آنذاك كان ضرباً من
الجنون.
فأولاً ،، أبي رجل فقير " على قد حاله "..
ثانياَ،، الفكرة كانت مرفوضة اجتماعياَ..
لكنني قررت و عقدت العزم.. كنت حينها طالباَ في احدى المدارس الأمريكية
عندما قدمت طلباَ لجامعة "يو سي ال آي" شاء الحظ أن أحظى بالقبول..
عندها قال لي والدي "افعل ما تشاء لكنني غير قادر على اعانتك مادياَ" و
مكثت عاماَ كاملاَ أعمل لكي أوفر ثمن بطاقة الطائرة ، و قبل رحيلي أعطاني
والدي مصحفاَ و 200 دولار فهذه كانت أقصى قدراته..))
وعن رحلته قال:
((الرحلة كانت شاقة، فلقد ذهبت فقير مادياَ لكنني غني دينياَ وتربوياَ وقومياَ وهذا كان رأسمالي.. و عندما وصلت إلى أمريكا وعرفت المجتمع هناك
قدّرت قيمة الأخلاقيات التي ربّاني عليها والدي، لكنني لا أنكر أني حملت
معي بعض مركبات النقص وعلى مقاعد الدراسة ومع الاختلاط بعدة جنسيات
اكتشفت أنه لا ينقصني شئ كوني مسلم وعربي... وبعد هذا الاكتشاف حدث
انقلاب في تفكيري ومركب النقص تحول الى ثقة، ومن هذه النقطة بدأت أنقل
الخبرة إلى وطني وصممت أن أقدم لأمتي خلاصة تعبي و تصميمي وذلك عن طريق
الأفلام السينمائية، وتوجهت الى التاريخ ففي يوم من الأيام حكمنا
الأندلس وعلمنا "الهمج" الأروبيوون! نحن من علّم الفلك والطب واكتشف
الأبجدية))..
أشمئز من العرب الذين ينكرون هويتهم في الخارج
ويتابع:
((كان طريقي شاقاَ بمعنى الكلمة فلو لم أكن عربياَ لكان الأمر أسهل بكثير
فكون اسمي "مصطفى" هذا وحده يشكل صعوبة كبيرة كان بامكاني أن أغيره
لأمارس عملي بسهوله لكن كيف أغير اسمي الذي أورثني اياه أبي؟!، فلقد كنت
ولا أزال متشبثاَ به... وتابعت عملي باصرار وفرضت على الجميع في
هوليوود وخارجها احترام اسمي فلقد كنت أحترم نفسي لذلك فرضت على الآخرين
احترامي... انني أشمئز من بعض العرب الذين يأتون الى أمريكا ويغيرون
أسمائهم العربية ويتنكرون للغتهم العربية فقد لتسهيل أعمالهم))..
·
قاطعناه بالسؤال: ماذا عن
اليهود في هوليوود فمن المعروف أنهم يمسكون زمام الأمور هناك؟
أجاب:
((اليهود هم المتحكمون لأنهم يمسكون هوليوود من عصبها وهو "المال"، ويجيدون السيطرة عليها مالياَ لكن ابداعياَ لا!!... فسيطرتهم مالية لا ابداعية... و اليهودي في النهاية يهمه فقط كسب المال بغض النظر عن
الوسيلة، لكن لديه خطوطه الحمراء والويل لمن يتخطاها وهي معروفة.. منها
عدم التطرق بأي شكل كان لقضية فلسطين واسرائيل)).
اليوم نعيش حاضراَ أشبه بالغيبوبة .. و واقعاَ متشرذم
فكرياَ و
معنوياَ
مع اننا من رواد الحضارة
...
((مشكلتنا دائماَ هي عدم اعترافنا بأخطائنا ودائماَ لدينا "الشمَاعة"
التي نعلق علينا أخطائنا... نحن شعوب عانت من الاستعمار ولانزال نعاني
منه، فنحن مستعمرون من الداخل لأننا ببساطة لسنا من صناع القرار في
أوطاننا... نحن لا نتعب في أي نوع من أنواع التصويت فالقرار مأخوذ عوضاَ
عنا... هذا يعني أننا نخضع لعملية "تقليص" لعقولنا... وازاحة عملية
التفكير عنها!... انظري الى الكثافة السكانية في بلادنا العربية ولانزال لا نقوى على ردع إسرائيل الضئيلة من ممارسة طغيانها... فقط الآن بدأت
عملية البحث عن سبب لهذا التخاذل بعد ما جرى مؤخرأ... ربما يحصل تغيير
الأن أو لاحقاَ، فللحضارة دورات وربما تعود الكرة الى ملعبنا من يدري))...
·
الأستاذ "مصطفى العقاد" حيث أننا نعيش في الوقت الحالي أزمة العراق فما هو
رأيك في الرئيس المخلوع "صدام حسين"؟ وهل تربطكم علاقة بالقيادات
العربية في مجال عملك؟
((ربما تصدمين لو قلت لك أن ثمة علاقة شخصية كانت تربطني بـ "صدام حسين"
ولقد رأيت منه خيراَ، ففي يوم من الأيام أراد أن يتولى تمويل فيلم "صلاح
الدين" لكن ظروف حرب الخليج آلت دون تحقيق هذا المشروع... وأيضاَ تربطني
علاقة شخصية بالرئيس الليبي معمّر القذافي، فالقذافي عرف حاجة الإعلام وقال لي: "السينما سلاح أقوى من الدبابات".. وهو من قام بتمويل فيلمي "الرسالة" و"عمر المختار")).
ويستأنف حديثه:
((الشعب العراقي مثقف و عظيم لكنه "تعتّر" أي أُضعف... ومن من شعوبنا
لم يتعتّر؟!))...
التطرف بكافة صورة هو عين الجهل
يصمت قليلاَ... ويعيد اشعال غليونه ويستطرد حديثه بلهجة مصحوبة بنبرات
الأسف:
((اليوم توجد موجة تطرف خطيرة و بدأت تظهر في العراق بشكل فجائي،
فالتطرف هو عين الجهل ولا أقصد التطرف الديني فقط فالتطرف في مفهومه العام
هو عامل إضعاف للكائن البشري... سأروي لك قصة لأصور لكِ جهل الإنسان
المتطرف، شائت
الظروف أن أتحدث مع أحد الأشخاص المتطرفين بشأن سيناريو يتعلق بأحد أفلامي
وبينما كنا نتحدث..
قال لي: "ان ما تفعله حرام في حرام و سيجازيك الله على أفعالك المشينة،
كيف تقدر أن تخلق في الصور روحاً لتحركها؟!"...
·
سألته: "هل الصور التي تصدر في
المجلات حرام؟"....
أجاب قائلاَ: "لا هذا تجميد للظل مسموح به"..
حاولت عبثاَ أن أوضح له أنني فقط أحرك الصورة في السينما ولا أخلق فيها
روحاَ..
وبشئ من العصبية علق قائلاَ: "هذا الشخص كفر"...
ولا يدري دون أن يعلم أعطاني صفة الخلق وهذا من شأن رب العالمين وحده عز
وجل.. ألا يدرك هذا الشخص أن الذي اخترع نظرية التصوير كان مسلم وعربي
هو "الحسن ابن الهيثم الأندلسي"..!!))
·
روايتك أيضاَ تدل على أنه لدينا
نوع من أنواع القمع الفكري والإبداعي،،
((بالطبع لدينا قمع فكري... لذا كنت أرّكز على الإعلام الخارجي وأردت أن
أقدم تعريفاَ للحضارة الإسلامية وتقديم صراعاتنا مع الحضارات وبعده
انتشار الإسلام، لكن يظل الأساس هنا في بلداننا العربية لذا سأركز في
المرحلة المقبلة على الإعلام الداخلي))..
وبشكل فجائي يضيف:
((من منظوري يجب تغيير عدة معتقدات في البلدان العربية))..
·
كيف؟!
((صحيح أننا قوم نائمون ونتحرك دائماَ بعد فوات الآوان وأحيان كثيرة
يأتي تحركنا بلا فائدة... لكن هناك دور هام للإعلام لأنه بإمكانه أن يكون
عامل تحريضي، ففي زمن التكنولوجيا المتطورة كل شئ ممكن وبإمكاننا أن
نستغل التقنيات الحديثة لصالحنا القومي))...
·
ماذا يستطيع جيلك سيدي من
المفكرين والمبدعين العرب أن يقدموا لجيلنا لكي نسير بخطى ثابتة؟
((صحيح،، الآن يجب أن نسلم الرسالة لكم... انه دوركم و علينا أن نرشدكم الى الدرب الصحيح وننبهكم على الأخطاء التي ارتكبناها لكي تتفادوها.. يجب
أن ندعمكم بالثقة وأهم شئ أن تفخروا بدينكم وأصولكم ودائماَ تسلحوا
بالعقل والكلمة الواعية))...
·
هناك مشروع فيلم ((صلاح الدين
الأيوبي)) الذي طالما تحدثت عنه وأردت اخراجه أين هو الآن ومتى سيرى
النور؟
((الآن هو التوقيت المناسب لفيلم "صلاح الدين"، فسيرة صلاح الدين هي
الإسقاط المعاصر للأحداث التي تجري على الساحة اليوم، وفي زمنه كانت
فلسطين كما هي عليه الآن لكن هو جاء و"نظّف" ووحد وغزى أخلاقياً..
إنني أريد إخراج صلاح الدين لتثبيت عروبة القدس... لكنني لا أزال أبحث عن
تمويل لهذ المشروع الضخم، لأن تكلفته باهظة وأنا مصمم وفي التصميم تكمن
العزيمة))...
عملي القادم يروي قصة ملك انجلترا الذي طلب من خليفة
الأندلس أن تصبح انجلترا بلد مسلم
·
وهل هناك مشاريع لأفلام أخرى؟
((نعم،، هناك فيلم عن "صبيحة الأندلسية"... المرأة التي حكمت الأندلس، وهناك أيضا فيلم آخر يروي قصة ملك من ملوك انجلترا الذي أرسل في عام
1213م وفد الى الخليفة في الأندلس يطلب منه ثلاثة أشياء:
أولاَ،، أن أن تكون انجلترا تحت حماية الخليفة.
ثانياَ،، أن تصبح انجلترا بلد مسلم.
ثالثاَ،، تدفع انجلترا جزية إلى الخليفة.
الطريف في القصة ان الوفد عندما وصل الى قرطبة كان مبهور بالحضارة هناك
آنذاك... والمفارقة الأطرف أن الوفد طَرد من قبل الخليفة، باعتقاد أن
أي ملك يحكم شعبه ويسلمه إلى قوة أخرى ليس أهلاَ لحمايته!!...
ويعلق بأسى: أنه لإسقاط معاصر مريع، اليوم يذهب العربي الى أوروبا مبهور
بالحضارة الغربية!))..
·
ألا تعتقد أن هذا العمل من
الممكن أن يسبب لك مشاكل؟
((هذا العمل سيتم بأيدي كتّاب أجانب وعرب، العنصر الأجنبي يجب أن يتواجد
ليكون التأثير أقوى... ولكي تصل رسالتنا يجب أن نستعمل كوادرهم ولغتهم، فعندما تَنقل الرسالة من الغربي الى الغربي يكون صداها أعلى))....
·
سيدي في ختام الحوار الذي
أمتعتنا به ماهي الكلمة التي توجهها لنا ولجمهورك من خلال مجلة "عربيات"؟
((أقول أن ثقتي بالإنسان العربي كبيرة وهذا من واقع خبرتي الشخصية فلقد
أتيت من بيئة فقيرة واستطعت أن أحقق أهدافي بعد مثابرة عنيفة... وأتمنى
من كل عربي ومسلم أن يتمسك بأخلاقياته لأن الغرب ليس أفضل منا بشئ وأتمنى
أن نتخلص من مركبات النقص المتفشية في مجتمعاتنا...
وأتمنى منكم في عربيات أن تستمروا وتثابروا لتصلوا الى أقصى مراحل النجاح، لأن ما رأيته وسمعته عن عملكم "يرفع الرأس"، استمروا ولا تخافوا فقط
تسلحوا بالعزيمة والإصرار... وليكن الله نصيركم)).
|