د. جابر عصفور يكتب من قلب العاصفة (2)
الكنيسة المصرية تنتقل من الحياد الصامت إلي الانحياز
المعلن للذين يكرهون السينما
·
شيخ المصادرات عطا الفيومي يرحب بموقف المتشددين الأقباط.. ويطلب نسخة من
فيلم «بحب السيما» لعرضها علي لجنة خاصة برئاسة شيخ الأزهر
·
الشركة التي أنتجت الفيلم سارعت
برفعه من دور العرض لتفسح المجال لفيلمي «تيتو» و«عوكل»!
الرقابة ترفض استئذان الكنيسة في عرض الفيلم لحرصها علي إبعاد الأعمال
الفنية عن المؤسسة الدينية < إبداعات الفن ليست نصوصًا دينية.. وهي تقدم
صياغة مجازية لا يحكم عليها إلا النقاد المتخصصون < عرض فيلم «آلام المسيح»
أطاح بقاعدة شبه ثابتة قضت بعدم عرض الأفلام التي تصوره عرضًا عامًا < حملة
الهجوم التي تعرض لها مسلسل «أوان الورد» جعلت التليفزيون المصري يتوقف عن
إعادة عرضه < الناصريون لم يتوقفوا أمام البعد السياسي للفيلم الذي يربط
بين التطرف الديني والتسلطية السياسية < الرقابة اعتمدت في ترخيصها بعرض
الفيلم علي لجنة ضمت 13 من كبار المثقفين المهتمين بالسينما بينهم 8 من
الأقباط < منشورات تطالب المسيحيين بمقاطعة الفيلم وحملة علي الإنترنت
تدعوهم إلي عدم مشاهدته لأنه يسيء لدينهم < المتزمتون من العاملين في دور
السينما كانوا يصرفون الجمهور عن مشاهدة الفيلم ويدفعونهم لمشاهدة أفلام
أخري
لا أظن أن فيلما عربيا أثار في السنوات الأخيرة ما أثاره فيلم "بحب السيما"
للمخرج المصري «أسامة فوزي» وكاتب السيناريو «هاني فوزي»، فقد أهاج الفيلم
الكثيرين قبل عرضه بسبب ما تناثر عنه من أخبار تشير إلي موضوعه، وطالب
البعض بعرضه علي الكنيسة لإبداء الرأي فيه، ولكن الاقتراح لم يلق قبولا،
حرصا من القائمين علي جهاز الرقابة في مصر علي إبعاد الأعمال الفنية عن
المؤسسة الدينية، ولذلك لم تأخذ الرقابة رأي الأزهر في عرض فيلم "آلام
المسيح" الذي أخرجه «ميل چيبسون»، ولم تأخذ الرقابة ـ بالقياس نفسه ـ رأي
الكنيسة في فيلم "بحب السيما" الذي يعالج ـ فيما يعالج ـ التزمت الديني
الموجود عند بعض الأسر المسيحية المصرية.
وكان منطق الرقابة علي المصنفات الفنية مرتبطا بمبدأ بسيط وواضح وحاسم في
آن، وهو أن أعمال الفن إبداعات خيالية وليست نصوصا دينية، وأن المغزي
الديني الذي تهدف إليه، أو الموضوع الديني الذي تعالجه، لا وجود له ولا
معني بعيدا عن العمل الفني المتضمن فيه، والذي هو صياغة مجازية أو رمزية لا
يحكم عليها إلا نقاد الفن والمتخصصون فيه. وللجمهور العادي أن يقبل هذا
العمل أو يرفضه، فهذه حريته التي لا ينازعه فيها أحد، وإذا رأت المؤسسة
الدينية أو غيرها من المؤسسات السياسية أو الاجتماعية في العمل ما يسيء
إليها ـ في تأويل أو فهم بعض رجالاتها ـ فبوسعها الاحتجاج بإبداء الرأي، أو
اللجوء للقضاء.
قاعدة ثابتة!!
ولحسن الحظ لم تتحرك مؤسسة الأزهر في مصر عند عرض فيلم "آلام المسيح"
واقتصر الأمر علي انتقادات وجهها بعض مشايخ الأزهر، مقابل استحسان غيرهم،
فضلا عن هجمات لم تتوقف طوال فترة عرض الفيلم من بعض ممثلي التطرف الديني
في مصر، خصوصا أولئك الذين تمسكوا بالدلالات الحرفية للقرآن الكريم فيما
يتصل بصلب المسيح، ومع هؤلاء طائفة من الرافضين لمبدأ ظهور الأنبياء بوجه
عام علي شاشة السينما أو خشبة المسرح. وقد كان لتأثير هؤلاء ما منع عرض
أفلام "المسيح" في مصر لسنوات طويلة، صاغت ما بدا للبعض قاعدة ثابتة، إلي
أن أطاح بهذه القاعدة قرار عرض "آلام المسيح" والحماسة التي أبدتها جماهير
المشاهدين أثناء العرض، خصوصا أن فترة العرض تزامنت وارتفاع موجة غادرة من
الصلف الإسرائيلي في البطش بالشعب الفلسطيني. وما اقترن بهذه الموجة من
اغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين، الأمر الذي أثار في نفوس المشاهدين لفيلم
"آلام المسيح" تداعيات ربطت بين ما فعله اليهود قديما بالمسيح، وما يفعله
الصهيونيون حديثا بالشعب الفلسطيني الذي سال دمه، كما سال دم الشهيد أحمد
ياسين. وقد ربط الكثيرون بين الماضي والحاضر، وجعلوا اغتيال الشيخ ياسين
موازيا لاغتيال المسيح بالصلب، حتي لو كان الصلب علي سبيل التشبيه. ولم تخل
ملابسات "آلام المسيح" من مصادفة إيجابية، هي توافق زمن العرض مع قدوم عيد
القيامة الذي كان حافزا لمشاهدة الفيلم عند الأسر المسيحية المصرية، ولا
أعرف هل حدث الأمر نفسه في الأقطار العربية الأخري أم لا، فالمهم أن فيلم
"آلام المسيح" رأته الجماهير العربية التي لم تأبه بأصوات المتطرفين
المسلمين التي ضاعت أصداؤها وسط الحماسة الجماهيرية لمشاهدة الفيلم الذي
حاول أباطرة اليهود ـ سدي ـ إيقاف عرضه ومحاربته في الولايات المتحدة
نفسها.
وحدث الأمر نفسه مع فيلم "بحب السيما" ولكن في سياقات مغايرة، فالفيلم
مصري، يدور حول أسرة مسيحية تبرز للمرة الأولي علي الشاشة بسلبياتها
وإيجابياتها. وهي أسرة مكونة من أب أرثوذكسي متزمت وأم تنتسب إلي طائفة
مغايرة، بروتستنتية ـ إنجيلية، تبدو أكثر تسامحا وتحررا، الأمر الذي يبرز
بعض أوجه التناقض الطائفي بين المسيحيين، لكن ضمن علاقات أوسع، يتجاوب فيها
السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وذلك علي نحو يبرز محبة الفن ـ
السينما ـ ومغزاه في واقع متخلف. صحيح أن شخصيات مسيحية عديدة ظهرت في
الأعمال الأدبية التي كتبها مبدعون مسلمون وغير مسلمين، ابتداء من جرجي
زيدان مرورا بنجيب محفوظ ويحيي حقي وليس انتهاء بإدوار الخراط. وقد انتقلت
بعض هذه الشخصيات إلي شاشة السينما المصرية، عندما تحولت الأعمال الواردة
فيها إلي أفلام، بل إن بعض الأفلام التي لم تؤخذ عن أعمال روائية سابقة ضمت
عددا دالا من الشخصيات المسيحية، متابعة روح التسامح المصري التي سمحت بعرض
الفيلم القديم "حسن ومرقص وكوهين"، للمخرج فؤاد الجزايرلي في الأربعينيات،
وذلك في سياق يبدأ من العشرينيات التي شهدت الفيلم القصير "برسوم يبحث عن
وظيفة" للمخرج محمد بيومي، ويمتد إلي ما بعد الأربعينيات التي شهدت ـ إلي
جانب "حسن ومرقص وكوهين" ـ "فاطمة وماريكا وراشيل" من إخراج حلمي رفلة.
وكان حضور مثل هذه الأفلام التي جمعت بين المسلمين والمسيحيين واليهود، أو
بين المسلم والمسيحي فقط، مقترنا بالمبدأ الذي أرسته ثورة 1919: "الدين لله
والوطن للجميع". وهو المبدأ الذي اقترن بالأفق المفتوح للمجتمع المدني
الحديث فيما ينبني عليه من حرية الاعتقاد والعبادة، الأمر الذي يكفل ـ
دستوريا وقانونيا ـ للأقليات الدينية الحقوق نفسها التي تتمتع بها
الأغلبية. ولذلك أبرزت شاشة السينما المصرية الشيخ المعمم مع القسيس، في
عدد لا بأس به من الأفلام، رمزا للوحدة الدينية التي يغمرها التسامح، كما
أبرزت من الشخصيات المسيحية ما أكمل صورة العائلة المصرية، خصوصا في عنصر
أساسي من عناصر تكوينها.
ولكن ظل ذلك في حدود يحرص الدائرون فيها علي عدم الاقتراب من المناطق
الشائكة. وما حدث مع عرض مسلسل "أوان الورد" للصديق العزيز وحيد حامد ـ
أكمل الله شفاءه ـ يمكن أن نعده دلالة لافتة في هذا الاتجاه، فالمسلسل الذي
لقي نجاحا جماهيريا كبيرا، قام علي قصة حب بين ضابط شرطة مسلم وفتاة
مسيحية، تنتهي العلاقة بينهما بالزواج الذي باركته الأم وبعض الأقرباء.
وينجح الزواج رغم المقاومة التي ظلت أطراف عديدة تمارسها علي امتداد
المسلسل. وكان "أوان الورد" في ذلك يستجيب إلي الأصول الراسخة للتسامح
الديني في المجتمع المدني المصري الذي شهد الكثير من هذه الزيجات، خصوصا
قبل أن تنبح أغربة التطرف التي جاءت من الصحراء، محملة بغبار التعصب
وجراثيم التمييز الديني. وكان مسلسل وحيد حامد ردا مباشرا علي ما أشاعته
هذه الأغربة وحملته من آثار ضارة مدمرة.
ولذلك كان من الطبيعي أن تهاجمه أصوات التطرف الديني المسلم، وتدعو إلي
إيقافه. لكن الأكثر دلالة أن الأصوات المسيحية كانت أعلي أصوات الاحتجاج،
وأبرزها حدة في الهجوم. ولكن سرعان ما هدأت العاصفة عندما انتهي المسلسل،
وأدخلتنا الدنيا التي نعيشها في دوامات جديدة، وأحداث مفاجئة، وإحباطات
متكررة، فانداحت دوامات العنف، غير أن الآثار ظلت قائمة، ولم يعرض
التليفزيون المصري المسلسل من يومها، ولم تعرضه قناة غير مصرية، فيما أعلم.
وفي هذا السياق، دخل قطاع الإنتاج في التليفزيون المصري إلي الدائرة نفسها،
فأنتج "فيلم هندي" الذي فاز بإحدي جوائز المهرجان القومي للسينما في مصر.
وهو فيلم يتناول حياة شاب قبطي يؤدي دور البطولة في الأحداث، وتربطه علاقة
صداقة حميمة بصديق مسلم. ولكل منهما خطيبة من الديانة نفسها، مسلمة في حالة
المسلم الذي أدي دوره أحمد آدم، ومسيحية في حالة المسيحي الذي أدي دوره
باقتدار صلاح عبدالله. وينتهي الفيلم بفشل البطلين في علاقة الحب،
واحتفاظهما بالصداقة التي لم تؤثر فيها بعض أشكال السلوك المتزمت للخطيبة
المسيحية. وقد مرّ الفيلم بلا ضجة، أو اعتراض، لأن السيناريو كان من الذكاء
الذي تباعد بالأحداث عن حقول الألغام التي اقترب منها مسلسل "أوان الورد".
وهو الاقتراب الذي أسهم ـ في سياق التقبل لقصة "فيلم هندي" ـ في تشجيع
كاتب السيناريو هاني فوزي الذي كتب سيناريو "فيلم هندي" علي الاقتراب أكثر
فأكثر من مناطق الألغام، وكتابة سيناريو فيلم "بحب السيما" الذي كان واضحا
منذ البداية استفزازه للأفكار المستقرة للمجموعات المسيحية المحافظة،
دينيا، واستفزازه بالقدر نفسه للمجموعات الناصرية، سياسيا.
الناصريون والكنيسة
ولم يبد الناصريون احتجاجا دالا في عنفه علي الفيلم، فيما عدا مقال للكاتب
المسرحي محمد سلماوي في جريدة الأهرام بتاريخ 7/6/2004، وذلك في موازاة بعض
الأصوات المشابهة سياسيا. وكان الاحتجاج مقترنا بجعل عبدالناصر المقابل
الرمزي سياسيا للأب المتطرف اعتقاديا، وذلك بما يجعل من التسلطية السياسية
الوجه الموازي للتطرف الديني. وقد أضيفت إلي ذلك ملاحظة سليمة لو أخذنا
الوقائع بحرفيتها، فالتطرف الديني لم يعرف في زمن عبد الناصر، والنكسة لم
تكن نتيجة هذا التطرف بل كانت إحدي أسبابه. ولم يخلُ الأمر من تلميح بأن
السيناريو هرب إلي زمن عبد الناصر خوفا من مواجهة الزمن الحاضر، أو ايجاد
مبرر فني للهجوم علي عبد الناصر، والربط بين الاستبداد السياسي والتطرف
الديني. وقد شغل هذا النقد البعض لكن لوقت قصير. وسرعان ما اختفت
الاستجابات للبعد السياسي في الفيلم، بل اختفي البعد السياسي نفسه في غمرة
العنف المتصاعد للاستجابات المسيحية التي لم تر في الفيلم سوي جرأة دينية
غير مقبولة.
ويلفت الانتباه ـ في هذا السياق ـ أن الكنيسة المصرية اتخذت موقفا ذكيا من
الضجة التي آثارها الفيلم، فقد آثرت الصمت، ولم تبد أي تعليق رسمي. وفي
المقابل اعتمدت الرقابة في الترخيص بعرض الفيلم علي لجنة من كبار المثقفين
والمثقفات، نصفهم تقريبا من المسيحيين والمسيحيات، وأعلن الجميع في اللجنة
حماستهم لعرض الفيلم. واقترح البعض منهم حذف بعض الكلمات التي وجد فيها
إثارة زائدة للمشاعر، وتقبـل المخــرج والمنتجـة ـ الفنانة إسعاد يونس ـ
الاقتراح في رحابة صدر. وأخذ الدكتور يونان لبيب رزق علي الفيلم الذي يدور
في الحي الذي نشأ فيه شخصيا أنه يخلو من أسرة مصرية فاعلة في الأحداث،
الأمر الذي قد يوهم أن المسيحيين المصريين يعيشون في عزلة، أو "جيتو" لا
يؤثر أو يتأثر بالعائلات المسلمة المحيطة التي تعودّت علي الحياة والمصالح
المشتركة مع إخوانهم في الوطن. وكانت ملاحظة يونان لبيب رزق مثار نقاش
كبير، ولم ينفع في ردها أن هناك جملة ترد في بعض المشاهد للجار المسلم، فمن
الواضح أن الفيلم بأكمله يبدأ بالأسرة المصرية المسيحية وينتهي بها. وقيل
في الرد علي ما أثاره يونان لبيب رزق، وما قبله هو من الناحية الفنية، إن
الفيلم يهدف إلي وضع حياة الأسرة المسيحية التي يتناولها تحت المجهر، وأنه
لم يشغل نفسه بالسياقات الدينية الأوسع في وحدة التنوع المائزة للمجتمع
المصري، بل انشغل بمشكلات هذه الأسرة من حيث هي تمثيل لغيرها من الأسر
المسيحية، لكن بما لا يمنع من تأثرها بالمؤثرات السياسية والاجتماعية
والاقتصادية والثقافية في المجتمع المصري كله. وكما اقتنع يونان لبيب رزق
بهذا التبرير، في حماسة إعجابه بالفيلم، اقتنع غيره من الذين كانت لديهم
أسئلة موازية. وانتهي النقاش بعد ساعات طويلة إلي الموافقة علي الفيلم
بالإجماع. وكان أعضاء اللجنة ـ إلي جانب يونان لبيب رزق ـ نبيل بباوي وقدري
حفني ومني مكرم عبيد وهدي بدران وأسامة الغزالي حرب وناجي فوزي ونادر عدلي
وكمال رمزي وماجدة موريس وأحمد صالح وجورج إسحاق وكاتب هذه السطور. وكان
واضحا في تشكيل اللجنة أنها تجمع تيارات فكرية مختلفة، وأجيالاً متباينة،
وللمرأة فيها حضور دال، وللمسيحيين فيها نصيب غير قليل. ولم يكن من المقبول
أن تقتصر عضوية اللجنة علي المسيحيين وحدهم، أو المسلمين وحدهم، فضمت
الجميع بلا تفرقة في دائرة الثقافة، احتراما لمعني المواطنة، وتأكيدا لحضور
المعايير المدنية للفن، ومن منظور الفن.
دعوة للمقاطعة
وما إن عرض الفيلم حتي قامت عاصفة من الهجوم غير المسبوق، وتتابعت المقالات
الرافضة، والتعليقات الحادة والاتهامات الجارحة. ووصل الأمر إلي حد توزيع
منشورات تطالب المسيحيين بمقاطعة الفيلم وعدم مشاهدته، عملا بنصيحة بعض
القسس الذين اتهموا الفيلم بالهرطقة الدينية والتحلل الجنسي. وتجاوز الأمر
توزيع المنشورات إلي القيام بحملة علي الإنترنت لمقاطعة الفيلم، وذلك عبر
رسالة بالبريد الإلكتروني تصل إلي المسيحيين فقط، وقد نشر وائل عبد الفتاح
ـ في جريدة "صوت الأمة" بتاريخ 2004/7/5 فقرات من هذه الرسالة التي تدعو
المسيحيين إلي عدم مشاهدة الفيلم الذي يسيء إلي دينهم. وتطالب الرسالة
متلقيها بإعادة إرسالها إلي كل الأصدقاء كي تتسع دائرة المقاطعة، وتمنع
نجاح الفيلم.
وكان واضحا منذ اللحظة الأولي أن العاصفة مسيحية بالدرجة الأولي، وأن أغلب
مظاهر الهجوم وأكثر أنواعه حِدِّة جاءت من المسيحيين المصريين الذين يصوّر
الفيلم بعض جوانب حياتهم للمرة الأولي، وبجرأة لم تحدث من قبل. ولا يزال
يدهشني علي نحو خاص تحويل الفيلم إلي فيلم ديني بشكل كامل مع أنه ليس كذلك،
واختزاله في بعد واحد لا يساعد علي فهمه حق الفهم، فالفيلم الذي يضع
المشكلة الدينية للتطرف في صدارة علاقاته لا يفصل هذه المشكلة عن غيرها،
ويؤكد ـ علي نحو ضمني بتجاوب سياقاته ـ أن هذه المشكلة لا يمكن إدراكها إلا
في علاقاتها بغيرها من المشكلات والأبعاد. وللأسف غاب إدراك ذلك عن
الكثيرين من الذين دافعوا عن الفيلم، واقعين ـ دون أن يدروا ـ في شباك
الخطابات النقيضة التي اختزلت الفيلم في ملاحظات دينية ضيقة، وذلك علي نحو
ما ظهر في موجات المقالات والتعقيبات الدفاعية، والحوارات التي أخذ بعضها
طابع التبرير الذي لم يخل من اعتذار في البرامج التلفزيونية المختلفة.
كان من الطبيعي ـ في سياق تصاعد الهجوم علي الفيلم أن تقوم مجموعة من
الرموز المسيحية باللجوء إلي القضاء لإيقاف عرضه لأنه يسيء ـ في تقديرهم ـ
للكنيسة المسيحية التي لم يسبق ـ في رأيهم ـ الإساءة إليها علي هذا النحو.
وقد أبرز المدّعون أوجه هذه الإساءة التي قدّروها أو تخيلوها، ابتداء من
التعريض بالكنيسة ـ ومن ثم الطائفة ـ الأرثوذكسية لحساب الكنيسة الإنجيلية،
مرورا بالمشاهد التي لا تليق بالكنيسة المسيحية، وانتهاء بما رآه المدّعون
تجديفا دينيا وكفرا واجب العقاب.
وتضمَّن منطوق الدعوي ـ من هذا المنظور ـ اتهام الفيلم بإثارة العداء بين
طائفتين مسيحيتين داخل الديانة الواحدة، وازدراء هذه الديانة بوجه عام عن
طريق الاستخفاف بمكان عبادتها الذي يستمد من ديانته قداسته: الكنيسة. ونفهم
ذلك كله من خطاب الدعوي المستعجلة التي انعقدت لها جلسة 3/7/2004، حيث تأجل
النظر إلي جلسة 24/7/2004. وهي الجلسة التي أعلنت التأجيل للحكم الذي صدر
بالفعل في يوم الثلاثاء العاشر من شهر أغسطس الماضي، حيث رفض رئيس محكمة
الأمور المستعجلة الدعوي المرفوعة التي تطالب بوقف عرض الفيلم. وأكد رئيس
المحكمة «نادر عليوة» في حيثيات الحكم أن المحكمة "غير مختصة بنظر الدعوي
بصفتها قضاء مستعجلا". وأضاف أن "مقدمي الدعوي رفعوها عقب مشاهدتهم الفيلم
وخرجوا إثرها بانطباع أنه يحمل ازدراء للطائفة الدينية الأرثوذكسية التي
يقدّرها العالم وشعب مصر وأن المحكمة لا تخالف هذا التقدير". وأضاف أن
"أساس القضاء العاجل لا يمتد ليشمل التعمق في أخذ الحق، وأن ما طالب به
أصحاب الدعوي يتمثل في انطباعات شخصية من المشاهد دون أن تكون هناك عبارات
مباشرة تفيد بازدراء الأقباط مما لا يعين المحكمة علي تبين القصد منها،
وبالتالي تعذَّر عليها التعمق في دلالات ومقاصد الفيلم".
وكان حكم المحكمة ـ في هذا الاتجاه ـ حلقة جديدة في سلسلة أحكام القضاء
المصري المتعلقة بحرية الرأي والإبداع. وهي حلقة يتناغم فيها الحكم مع
الحكم السابق الذي أصدره قاض آخر مستنير هو «سلامة سليم» الذي أصدر في
الخامس عشر من سبتمبر لسنة 1997 ميلادية حكمه العادل برفض دعوي مصادرة كتاب
"رب الزمان" لسيد القمني، تماما كما أصدر زميل له حكما عادلا لاحقا برفض
دعوي مصادرة رواية «محمد عبد السلام العمري» "الجميلات". وقس علي مثل هذه
الأحكام غيرها الذي يعيد إلي الأذهان ذكري الأحكام الجليلة الدالة علي
استنارة القضاء المصري، ورسوخ التقاليد التي صنعها قضاة من طراز عبدالعزيز
فهمي وعبد الرزاق السنهوري وعبدالحميد بدوي وغيرهم من القضاة العظام الذين
لم تذهب تقاليدهم سدي، ولا تزال تؤثر في أجيال جديدة من القضاة الذين تنزل
أحكامهم السكينة علي نفوس المثقفين المصريين، ومعهم العرب، وذلك بما يزيدهم
حماسة في التمسك بحرية إبداعهم المحاصرة من كل صوب وحدب، والدفاع عن هذه
الحرية، وعدم التنازل عنها مهما كانت وطأة الهجوم عليها من كل اتجاه.
وقد صدر الحكم برفض دعوي إيقاف فيلم "بحب السيما" دفاعا عن الحرية
الإبداعية في سياق متوتر، تولت الدفاع عن الفيلم فيه مجموعات المثقفين
المستنيرين علي اختلاف طوائفهم الاعتقادية وانتماءاتهم السياسية، كما دافعت
عنه "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" في جلسة تاريخية لابد من تقدير الذين
أقاموها والذين أسهموا فيها، كما ظلت الصحافة وأجهزة الإعلام المصرية
والعربية حريصة علي تأكيد أهمية توسيع مساحة الحرية الإبداعية وعدم تضييقها
حماية للفن والمجتمع علي السواء. وبالقطع، فإن حكم محكمة الأمور المستعجلة
لابد من فهم دلالته في هذا السياق، وفي علاقته بالسياق الأوسع من تاريخ
الاستنارة الإبداعية العربية التي لم تتوقف عن اقتحام المدارات المغلقة
وإنطاق المسكوت عنه من الخطاب الاجتماعي السياسي الثقافي الديني، وذلك في
الوقت الذي لم تكف فيه قوي التسلط السياسي والتصلب الاجتماعي والتزمت
الاعتقادي والتحجر الثقافي عن الهجوم علي الحرية الإبداعية ومحاولة
استئصالها.
الملاحقة مستمرة
ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يعلن المستشار نجيب جبرائيل أحد رافعي
الدعوة، ومعه مجموعة من القساوسة ينوبون عن غيرهم من الكهنة الذين وقَّعوا
علي عريضة الدعوي، رفضه الحكم، وعدم توقّفه عن ملاحقة الفيلم قضائيا، وقال
ـ فيما نقلته عنه الصحف ـ إن محكمة القضاء الإداري تنظر في الثاني والعشرين
من أغسطس في دعوي أخري أقامها مع أربعين قسيسا وبعض رجال القانون، بينهم
مسلمون وأقباط، ضد وزيري الثقافة والداخلية ورئيس الرقابة الفنية للطعن في
قرارهم بعرض الفيلم باعتبار القرار قرارا سلبيا. وأشار إلي أن نيابة
الاستئناف تحقق حاليا في البيانات المقدمة من عدّة جهات مسيحية بعد انتهاء
النيابة من سماع أقوالهم، ملحا علي أنه "سيتابع مقاضاة الفيلم" حتي ينجح في
وقف عرضه.
الطريف أن الفيلم توقف عرضه بالفعل. ولكن من الشركة المنتجة بحجة أن
إيرادات العرض لم تعد تكفي لاستمراره، ولذلك دفعت الشركة بأفلام أخري غيره
من إنتاجها، كما دفعت غيرها من الشركات بأفلام موازية، أفلام تتناسب و "لغو
الصيف" الذي تحدث عنه طه حسين بوصفه نقيض "جد الشتاء". وقد أغضب سحب الفيلم
المخرج الذي اتهم شركة الإنتاج بتعمد سحب الفيلم رغم زيادة إيراداته، طمعا
في أرباح أكبر. وأعلن أن الفيلم تعرض لتآمر المتزمتين العاملين في دور
السينما، وأن بعض موظفات وموظفي شباك التذاكر كانوا يصرفون الجمهور الراغب
في مشاهدة الفيلم، ويدفعونه إلي مشاهدة أفلام أخري مثل "عوكل" أو "تيتو" أو
ما أشبه من أفلام لغو الصيف. وقد وجدت هذه الأفلام من النجاح الجماهيري ما
يطرح العديد من الأسئلة عن نوعية الجمهور المصري المشاهد للسينما، وفئاته
العمرية، ومستوياته الثقافية، في السنوات الأخيرة. وهي أسئلة تدفع إليها
حقيقة بسيطة مؤداها أن فيلم "بحب السيما" رغم العاصفة التي أثارها، وحيوية
الحياة التي يصورها، وخطورة القضايا التي يتعرض لها، لم يحقق في دفعة عرضه
الأول في قاعات الدرجة الأولي سوي أقل من مليوني جنيه مصري، بينما جاوز
الفيلم الأخير لمحمد سعد "عوكل" رغم تفاهته، وسطحية الشخصيات التي يصورها،
والضحكات البلهاء التي يثيرها عشرين مليون جنيه.. فتأمل!؟
أصولية المنظور
وأتصور أن هذا الوضع المقلوب هو الوضع الطبيعي الذي يتسم بتشجيع التفاهة
بوصفها تسلية خالصة، لا تزعج أحدا، ولا تدعو إلي تفكير، وذلك مقابل
الازورار عن الأعمال الفنية الجادة، والتربص بكل ما يدعو إلي إعمال الفكر،
أو يقتحم المناطق المسكوت عنها سياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا، أو يخرج
علي التأويلات الدينية الجامدة، وحيدة البعد، تقليدية الرؤية، أصولية
المنظور. ولذلك فإن النجاح الجماهيري لأفلام الترفيه الصيفية الخشنة هو
المعادل الموضوعي لعدم الإقبال الجماهيري علي الأفلام الجادة، أو الجسورة.
وهو ـ في الوقت نفسه ـ المعادل الموضوعي المعبِّر عن رضا القوي التقليدية
والمجموعات المحافظة (المتحكمة في الوعي العام بوسائل إعلام وتثقيف
متواطئة) عن الأعمال التي تعمل علي تخدير العقول، والإبقاء عليها في
سباتها، في مقابل مهاجمة الأعمال الإبداعية التي تضع هذه العقول موضع
المساءلة. وفي الوقت نفسه، تدفعها إلي وضع كل شيء موضع المساءلة.
ولا غرابة ـ والأمر كذلك ـ في أن يتجمع أربعون من رجال الدين الأقباط ورجال
القانون المسيحيون والمسلمون، في الرابع من شهر يوليو الماضي وأن يذهبوا
إلي النائب العام في مصر، مقدمين إليه مذكرتين تطالبان بوقف عرض فيلم «بحب
السيما» لأنهم يعتبرونه «مسيئا للأقباط». وصرح راعي الكنيسة المعلقة في مصر
القديمة ـ حسب ما ذكرت جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 6/7/2004 ـ أن المذكرة
تضمنت خمسة عشر بندا تدور حول ازدراء العقيدة المسيحية وإهانة المقدسات،
وخاصة بيت الله ودور العبادة، استنادا إلي المشاهد التي تضمنها الفيلم،
والتي قامت المجموعة بتقديمها أمام محكمة الأمور المستعجلة التي حكمت برفض
الدعوي. وأوضح الراعي أنه من أبرز هذه المشاهد تلك التي تتضمن عبارات علي
لسان بطلة الفيلم (ليلي علوي) تعكس سخرية واستهجانا لتعاليم الدين المسيحي
فيما يتعلق بالصوم، وربط الفيلم بين الصوم والانحلال الخلقي، إذ جعله نظاما
متزمتا ومقيتا يؤدي بالزوجة إلي الخيانة الزوجية. وأشارت المذكرة إلي أن
الفيلم تضمن «إساءة للسيد المسيح، إذ يظهر الفيلم طفلا واقفا أمام صورة
المسيح ويخاطبه بالعامية المصرية محتجا علي إرادته قائلا: إنت ما عندكش غير
جنة ونار»، كما تضمن الفيلم إساءة وتحقيرا للكنيسة كمكان للعبادة من خلال
مشاهد في الفيلم تدور داخل الكنيسة، من بينها مشهد شاب وفتاة يتبادلان
القبلات، ومشهد آخر لطفل يبول من برج الكنيسة علي الجالسين فيها.
وأعلن المستشار نجيب جبرائيل الذي يتزعم الحملة القانونية ضد الفيلم أن
المشاركين في رفع الدعوي طالبوا بتقديم المنتج والمخرج وكاتب السيناريو
والممثلين إلي المحكمة الجنائية بتهمة ازدراء الدين المسيحي، وباعتبار أن
ما تم ضد الأخلاق وضد النسيج الوطني في مصر، ومخالف للدستور. وأكد هذه
الأقوال صالح محمد الدمرداش أحد المحامين المسلمين المتضامنين مع موقف
رافعي الدعوي، موضحا أن مشاركته في رفع الدعوي تأتي علي أساس رفض أي مساس
بالعقيدة بغض النظر عن الديانة، لأنه إذا ضاعت هيبة الدين فعلي الدنيا
السلام. وأشار إلي أنه يجب أن يكون هناك فاصل بين الفن الهادف والفن الذي
يصل إلي درجة الإسفاف ويتخذ الدين وسيلة للسخرية. وأضاف : «نحن نرفض تشويه
العقيدة المسيحية حتي لو كان المخرج والمنتج وكاتب السيناريو من المسيحيين،
لأن الشخص العادي يجب أن يحترم عقيدته الدينية التي ينتمي إليها، وأن يدافع
عنها أساسا، ولا يجب المساس بها واتخاذها وسيلة للكسب بطريقة مشروعة أو غير
مشروعة. والطريف أن المحامي المسلم عندما سُئِل ما إذا كان قد شاهد الفيلم
أم لا؟ أجاب بأنه لم يشاهد الفيلم إلي وقت تقديم المذكرتين وتسجيل إدانته.
مظاهرة الكاتدرائية
وقد أكد المحامون ورجال الدين أنهم يقيمون الدعوي ضد الفيلم بمبادرة شخصية
منهم، وليس باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي لم يصدر عنها أي تعليق
رسمي علي الفيلم، ذلك علي الرغم مما ذكرته بعض الصحف ـ ومنها «الرأي العام»
الكويتية بتاريخ 9/7/2004 ـ من حدوث مظاهرة في السابع من يوليو 2004 داخل
الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حيث تجمع ما يزيد علي خمسمائة من الأقباط
قبل أن يلقي البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس موعظة الأربعاء،
وردَّد المتظاهرون الذين تجمعوا في بهو الكاتدرائية هتافات ضد الفيلم
ومخرجه، ورفعوا شعارات تؤكد أن الفيلم يسيء للأقباط. وحاول المتظاهرون
الخروج إلي الطريق العام، لكن قوات الأمن منعتهم، وتدخَّل عدد من قيادات
الكنيسة، وأقنعوا الثائرين بالهدوء، وألقي البابا موعظته كالمعتاد، وتجنب
الحديث عن الفيلم الذي أثار الضجة. وهو موقف يكشف عن محاولة إعلان الحياد
في قضية خلافية.
لكن هذا الموقف يمكن فهمه من منظور آخر، مغاير، خصوصا حينما نضع في
الاعتبار ـ ما لاحظه محرر مجلة «المصور» القاهرية بتاريخ 9 يوليو 2004 ـ أن
تسعة من الكهنة أصحاب البلاغ أو المذكرة، من إبراشية القاهرة التي تتبع
البابا شنودة مباشرة بوصفه أسقفها، كما أن أحدهم هو القس بطرس بطرس جيد
كاهن كنيسة السيدة العذراء بالزيتون، وهو ابن شقيق البابا في الوقت نفسه.
ويلفت الانتباه ـ من هذا المنظور ـ أن البابا لم يبق علي حياده طويلا، فقد
نشرت جريدة «الأهرام» القاهرية في صفحتها الأولي (بتاريخ 15/8/2004) أن
البابا قال إن «فيلم بحب السيما» يعد تدخلا في شئون الكنيسة.
والمسافة ما بين تصريح البابا الأخير وبداية تقديم المذكرات إلي النائب
العام لا تزيد علي شهر إلا بأيام معدودة. ولكنها مسافة تكشف عن تحولات
دالة، أبلغها دلالة تحول موقف الكنيسة من الحياد الصامت إلي الانحياز
المعلن إلي صف من تولوا الهجوم علي الفيلم، وتحريك الدعاوي القضائية ضده.
ويلفت الانتباه ـ في هذا السياق ـ ما نشرته جريدة «المصري اليوم» (بتاريخ
18/8/2004) في صفحتها الأولي ـ أي بعد رفض محكمة الأمور المستعجلة دعوي
إيقاف الفيلم ـ أن الكنيسة الأرثوذكسية طلبت رسميا رأي الأزهر ومجمع البحوث
الإسلامية في فيلم «بحب السيما» الذي تطالب بعض القيادات المسيحية بوقف
عرضه في دور السينما. وأكد المستشار نجيب جبرائيل (الذي وصفته الجريدة بأنه
محامي البابا شنودة الثالث والكنيسة الأرثوذكسية) أنه تقدم بمذكرة رسمية
إلي مجمع البحوث الإسلامية، يطلب فيها رأي الأزهر في فيلم «بحب السيما».
وصرح المستشار للجريدة بأنه قدم المذكرة إلي الشيخ إبراهيم الفيومي أمين
عام مجمع البحوث الإسلامية، وذلك طبقا للقانون 103 لسنة 1961 الذي يعطي
الأزهر حق فحص المصنفات الفنية، وأضاف أنه سيطلب من محكمة القضاء الإداري
التي تنظر دعوي وقف عرض الفيلم إلزام الرقابة علي المصنفات الفنية بتسليم
نسخة من الفيلم للمحكمة لعرضها علي مجمع البحوث الإسلامية.
الشيخ الفيومي علي المسرح
ومن جانبه، أعرب أمين عام مجمع البحوث الإسلامية (المشهود بمصادراته
العديدة التي رفض بعضها القضاء) عن ترحيبه بالمذكرة التي تقدمت بها الكنيسة
المصرية عبر محاميها الذي يتولي الإجراءات القانونية، مؤكدا أن رسالة
الأزهر الأساسية هي المطالبة بوقف عرض أو تداول المصنفات الفنية والمؤلفات
التي تحتوي علي ازدراء الأديان أو إساءة للذات الإلهية والأنبياء. وبادر
الشيخ الفيومي بطلب نسخة من الفيلم لعرضها علي لجنة خاصة في المجمع برئاسة
شيخ الأزهر لإعلان الرأي النهائي في الفيلم محل الشكوي. ولم يفت الشيخ
الفيومي أن يشدّد علي أن رسالة الأزهر الأساسية هي المطالبة بوقف عرض
وتداول أية مصنفات فنية أو إصدارات تشتمل علي الإساءة إلي الذات الإلهية
والأديان السماوية والأنبياء. وأرجع تأخر إعلان رأي الأزهر في الفيلم إلي
أن مجمع البحوث الإسلامية ينتظر طلب الجهات المختصة لفحص الأعمال التي تعرض
عليه، سواء كانت هذه الجهات شخصيات اعتبارية أو طبيعية. ورافق المستشار
نجيب جبرائيل في زيارته لمجمع البحوث الإسلامية كل من القمص مرقس عزيز كاهن
الكنيسة المعلقة في مصر القديمة، وممدوح نخلة مدير مركز الكلمة لحقوق
الإنسان.
وقد أوضحت جريدة «المصري اليوم» بتاريخ (18/8/2004) سر التوجه إلي مجمع
البحوث الإسلامية فيما نقلته عن المستشار نجيب جبرائيل من أنه قرر
الاستعانة بالمجمع، خصوصا بعد أن قرأ في الجريدة نفسها (العدد 68) تحت
عنوان «مصدر بالبحوث الإسلامية: سنوصي بمنع بحب السيما لو طلبوا رأينا».
وهو إعلان دفع المجموعة المحاربة للفيلم إلي اللجوء إلي المجمع للاستعانة
برأيه المؤيد لموقفهم، قبل مشاهدة الفيلم، في المعركة القضائية ضد الفيلم.
|