بعد دخول
ملف الفيلم مكتب النائب العام
بحب السيما فيلم ديني بشهادة المؤلف
أعد الندوة للنشر ـ علا الشافعي / سيد محمود حسن
بدخول ملف
فيلم بحب السينما إلي مكتب النائب العام, انتقل الجدل حول الفيلم إلي
مرحلة
جديدة, فالاختلاف مع موضوعه أخذ الآن ثقل الدعاوي القضائية
التي يطالب فيها
المعترضون بوقف عرض الفيلم, لأنه يسئ إلي الدين المسيحي, والمؤسف أن
مئات
القراءات النقدية التي دافعت عن الفيلم كقيمة فنية رفيعة لم تفلح في توضيح
الصورة
أمام المعترضين, ومن منطلق إيمان الأهرام العربي بضرورة
ترسيخ قيمة حرية الاختلاف
دعت المجلة نجوم الفيلم وصناعه إلي ندوة لتأمل المسار الجديد الذي اتخذه
الفيلم
بحضور مجموعة من المثقفين المعنيين بوضع الأقباط والمهتمين بحرية
التعبير, وكنا
نتوقع حضور هذه النخبة من النجوم, علي الأقل لأنهم في حاجة إلي من يدعمهم
في
مواجهة هذا المناخ الرقابي المتشدد, غير أن بعضهم فضل
الغياب, مما رسخ لدي
البعض الانطباع بأن النجوم لا يلتزمون.
وأيا كان الموقف من هؤلاء النجوم,
كان قرار عقد الندوة ضروريا لتوسيع زوايا النظر إلي الفيلم.
في بداية الندوة
أكد خيري رمضان مدير تحرير الأهرام العربي علي القيمة الفنية الرفيعة
للفيلم,
مشيرا إلي أن جانبا من الجدل حوله كشف عن وجود قوي أخري تقف وراء دعاوي
المصادرة
التي تلاحق الفيلم.
وأضاف رمضان إنه من المؤسف فعلا غياب نجوم الفيلم وصناعه
عن الندوة, وهو ما يؤكد مجددا علي وجود نوعية من النجوم لا
تؤمن بقيمة الالتزام
ولا تهتم بالدفاع عن أعمالها.
وقد بد أت الندوة بكلمة من هاني فوزي مؤلف
الفيلم,. كشف فيها عن تطور مراحل تنفيذه, ونفي ما أشيع عن وجود قوي
خفية عملت
علي تأخير ظهوره, وقال إن تأجيل تنفيذ الفيلم يعود لأسباب إنتاجية بحتة
لا علاقة
لها بموضوعه.
ومن جهته طلب عاطف حزين سكرتير تحرير المجلة مزيدا من التفاصيل
من مؤلف الفيلم عن حقيقة ما تردد بشأن موضوعه, وهل تضمن
بالفعل أطيافا من السيرة
الذاتية لمؤلفه؟
أجاب هاني فوزي: إنه لا يستطيع القول إن الفيلم هو سيرة ذاتية
تطابق حياته تطابقا كاملا, لأن أي عمل فني فيه جزء من الواقع
ونسبة من الخيال,
فلا يوجد فيلم خيالي بنسبة%100 وكذلك لا يوجد فيلم يطابق وقائع حقيقية
مطابقة
كاملة إلا الفيلم التسجيلي.
ومضي فوزي يقول: عندما بدأت كتابة بحب السينما
كانت لدي رغبة في تجاوز كل القيود والتابوهات, ومن ثم وجدت
أن رواية الأحداث من
عين الطفل, تقدم لي هذه الإمكانية في السرد الحر, كما أن فترة
الستينيات مثلت
لي فترة مثالية لطرح الفكرة التي مرت بمشكلات رقابية عديدة إلي أن أجازها
علي أبو
شادي في اليوم الأخير لعمله في جهاز الرقابة.
وأكد فوزي أن لديه شعورا بأن
جانبا من الضجة حول الفيلم مفتعل, لأن الفيلم عادي, وكان من الممكن
التعامل معه
كفيلم كوميدي حول مغامرات طفل.
ثم تحدث الدكتور محمد عفيفي, أستاذ التاريخ
الحديث في جامعة القاهرة والمتخصص في تاريخ الأقباط, مؤكدا
أن الكنيسة القبطية لم
يكن لديها أي مشكلات كبيرة في التعامل مع قضايا فنية تثيرحساسية لدي مؤسسة
دينية
مثل الأزهر, ومن ذلك قضية تجسيد الأنبياء والشخصيات الدينية
والتاريخية, لكن
موقف بعض مؤسسات الكنيسة المتحفظ علي فيلم بحب السينما يعود
بالأساس إلي موضوعه
الذي عرض الحياة اليومية لأسرة مسيحية بطريقة بسيطة, كاشفا عن وجود
حساسيات بين
الطائفة الأرثوذكسية والطائفة الإنجيلية, وهذا هو جوهر المشكلة وما أزعج
مؤسسات
الكنيسة فعلا يعود إلي عمق تأثير السينما وسحرها
الجماهيري.
وانتهي عفيفي إلي القول إن الكنيسة
المصرية ليست تيار ا واحدا, فالذين اتخذوا موقفا مناهضا من الفيلم لا
يمثلون
الكنيسة, وإنما يمثلون التيار المتشدد بداخلها, والذي عبر عن نفسه من
خلال بيان
لجنة المصنفات الكنسية, وهو بيان هزيل جدا.
وتحدث نجاد البرعي المحامي
والناشط في مجال حقوق الإنسان, مؤكدا أن المجموعة التي تقدمت ببلاغات ضد
الفيلم
إلي النائب العام هي الوجه الآخر لما كان يفعله أصوليون مصريون, أشهرهم
يوسف
البدري, كان يلاحق كل مبدع يجرؤ علي طرح وجهة نظر مغايرة
لتصورهم عن
الإسلام.
عبر البرعي عن دهشته لوجود لجنة تسمي بـ لجنة المصنفات المسيحية,
وقال: إن هذه اللجنة التي كشف عنها للمرة الأولي ستلعب في
المستقبل الدور نفسه
الذي يلعبه مجمع البحوث الإسلامية في ملاحقة المبدعين, وقال البرعي إن
هذا
الاكتشاف يأتي في سياق تطورات اجتماعية وسياسية تدفع المجتمع المصري كله
إلي مزيد
من التشدد والانغلاق يزيد منها التحريض الذي يمارسه رجال الدين
لدفع الناس لمعاداة
حرية الرأي والتعبير, ومن ذلك ما تردد عن وجود تعليمات وجهها بعض رجال
الكنيسة
لمنع المسيحيين من مشاهدة الفيلم.
ودعا البرعي إلي تكاتف المبدعين المصريين
ورجال الصحافة لمعالجة قانونية للأزمة والمطالبة بإلغاء المادة رقم(98
و) من
قانون العقوبات الخاصة بازدراء الأديان لأنها تستخدم الآن لقمع الحريات.
وتحدث
الناقد السينمائي عصام زكريا عن القيمة الفنية, لكنه أكد صعوبة الحديث عن
هذه
القيمة خارج الأزمة المثارة حول الفيلم, الذي وصفه بأنه فيلم
رفيع المستوي,
وبسبب قيمته الفنية تمكن من تجاوز العقبات الرقابية, لأن العمل الفني
المتميز
يفرض نفسه.
وقال زكريا إن الفيلم ليس هو أول فيلم يتناول حياة الأقباط, لكنه
أهم فيلم تناولها في سياق تعرضه لفترة تاريخية مهمة هي فترة
الستينيات.
ويقول
زكريا: للأسف هناك من طالب من النقاد بحذف بعض التعبيرات الخشنة من لغة
الحوار,
ولو فعلنا ذلك لأصبح الفيلم مثل الطبعة المهذبة من ألف ليلة لا
قيمة حقيقة
لها.
وهنا تدخل محمد حبوشة مدير تحرير الأهرام العربي, مؤكدا أن لغة الحوار
بدت في أحيان كثيرة فجة وجارحة بصورة أثرت علي درجة الاستمتاع بما في
الفيلم من
جماليات ومعان راقية.
ومن جديد عاد هاني فوزي, مؤلف الفيلم للحديث عن
فيلمه, مؤكدا أن حديثه في البداية عن اعتبار موضوع الفيلم موضوعا
كوميديا, لم
يكن إلا بغرض واحد هو السخرية من القراءات التعسفية التي عملت علي اختزال
الفيلم
علي الرغم من كونه يتحمل تأويلات وقراءات كثيرة, والفيلم
بهذا المعني يحتاج إلي
أن يقرأ ككل متكامل وليس بهذا الأسلوب التعسفي الذي يتوقف أمام مشاهد معينة
أو بعض
الألفاظ التي ترد في سياق كاشف عن روح أصحابه, وأكد فوزي أن الغرض
الأساسي من
تقديم جمل الشتيمة المبتذلة داخل الكنيسة هو الكشف عن قشرة
التدين الهشة التي يتمسك
بها الأشخاص, وللأسف هناك مسيحيون كانوا يظنون أنهم خارج الواقع, وجاء
الفيلم
ليضغط علي هذا الجرح الذي أكد أن المسيحيين لايزالون يعيشون في قمقم,
وقال فوزي
هناك قراءة مهمة للفيلم. ينبغي أن تركز علي نقده للسلطة بكل
تيماتها وأفكارها
وأنماطها سواء في مجال الدين أو العلم أو الطب, والفيلم يكشف حجم الكذب
والتناقضات في تعاملنا مع ثلاثة تابوهات هي الجنس و الدين والجريمة. غير
أن
المفاجأة الحقيقية في الندوة جاءت من الكاتب الإسلامي ممدوح
الشيخ, الذي قدم
قراءة مغايرة للفيلم خارج سياق الإشادة بموضوعه, وأكد أن الفيلم استفزه
كمسلم,
وتفهم أسباب غضب المسيحيين من موضوعه, فالفيلم مكتوب من داخل نموذج
فكري, وقال
أنا كمسلم ضد الفيلم لأسباب دينية محضة, فهو ضد تعزيزقيمة الإيمان
الديني, سواء
كان إيمانه بالمسيحية أم الإسلام, هو جزء من منظومة الإلحاد الربوبي,
التي
انتشرت أخيرا, ورأيي أن ما أطلق علي الفيلم من تهم لم يلق
جزافا, فالفيلم ملئ
بالصدمات ونحن مجتمع يحكمنا القانون والدستور, وكلها تشريعات تعطي للرافض
للفيلم
حق التقاضي وتساءل الشيخ هل العمل الفني يعطي لصاحبه قداسة تجعله في حل من
أن يراعي
أي اعتبارات دينية.
وأشار الشيخ إلي ضرورة الوعي بالسياق التاريخي الذي ظهر
فيه الفيلم, فالكنيسة في العشرين عاما الأخيرة كان لها رهان
سياسي, هو الرهان
علي دعم أكبر للعلمانيين لمواجهة المناخ الإسلامي المتطرف, واليوم
الإلحاد
الربوبي طال الكنيسة من خلال الفيلم, لذا كان من الطبيعي أن ينتفض
المتدينون
لمواجهته, خاصة أن طاقم الفيلم في معظمه من المسيحيين.
وتعقيبا علي رأي
الشيخ أكد نجاد البرعي أنه يدخل في منظومة فكرية تدفع المجتمع كله إلي
الإنغلاق أو
الخوف من الحرية, وإذا كان الشيخ يتحدث عن القانون وأهمية
الالتزام به, فعلينا
أن نفهم أن القانون كائن اجتماعي يستدعي دائما لأسباب سياسية, لكن يمكن
أيضا
التكاتف لتغييره خاصة أن مصر عرفت في السبعينيات نوعا آخر من الإسلام, هو
الإسلام
البدوي المتشدد, والذي أفرز إلي جواره مسيحية متشددة.
وفيما يتعلق بمسألة حق
الرافضين للفيلم في التقاضي, فللأسف هو شكل من أشكال إساءة استخدام هذا
الحق,
فلا يوجد نص قانوني واحد يعطي الحق لأي جهة دينية في الرقابة باستثناء
التفسير
المتعسف للفتوي التي قدمها مجلس الدولة عام1994 من خلال
المستشار طارق البشري,
ومادمنا اتفقنا علي أن الفن وجهات نظر, فلا يمكن وضع الدين كمعيار للحكم
عليه,
وفي هذه الحالة سنخسر الدين والسياسة معا.
رياض أبو عواد المحرر الثقافي
لوكالة الأنباء الفرنسية تحدث عن الفيلم, مؤكدا أن جزءا من رفض الفيلم
يعود إلي
جهود المؤسسة الدينية وسعيها لخنق المجتمع وتضييق هامش الحريات, وللأسف
بدأ هذا
السعي منذ سنوات بفضل أفكار البترودولار.
ومرة أخري طلب هاني فوزي مؤلف الفيلم
الكلمة ليؤكد رفضه للطريقة التي تحدث بها ممدوح الشيخ, خاصة إشارته إلي
وجود طاقم
مسيحي وراء الفيلم, مشيرا إلي أن الفيلم من إنتاج الشركة العربية, لذلك
فهو لم
يفهم القصد من وراء عبارة إن الفيلم غير برئ, وقال فوزي:
علينا أن نتعامل مع
شخصيات الفيلم بوصفها شخصيات تمثل نفسها, فعدلي البطل ليس هو كل مسيحيي
مصر في
الستينيات, بدليل أن كل الشخصيات من حوله تختلف معه, ومن ثم فالمطلوب
أن نتعلم
قيمة الاختلاف.
وامتدادا لهذه الرؤية أكد عصام زكريا رفضه لطريقة التفكير
البوليسي التي يتعامل بها البعض مع الفيلم, مشيرا إلي ضرورة
أن تكون الإباحة هي
الأصل, وليس التحريم, ومن ثم فالمطلوب مزيدا من الحريات والجرأة في
اقتحام
التابوهات. والدفاع عن الفيلم لأنه قدم صورة مختلفة للأقباط بخلاف الصورة
التي
تقدمها الدراما التليفزيونية.
ويبدو أن هذا الرأي فتح شهية هاني فوزي للكلام
مجددا, وأكد أن الفيلم هو أيضا فيلم ديني, ولا أفهم منطق الذين يتصورون
أنه ضد
الدين, فعل سبيل المثال نجد فكرة الخلاص الموجودة في المسيحية التي تقول
إن
الإنسان خاطئ بطبيعته, فهو يذهب إلي الخطأ ويرتكبه إلا إذا
أراد الرب له غير
ذلك, فعدلي بطل الفيلم وصل إلي الخلاص عندما أضاء الله قلبه, فهو لم
يستطع أن
يغير نفسه, لكن تغير عندما وصل الإيمان الحقيقي إلي قلبه ثم مات وهو
يصلي*
|