على خلفية نجاح الدورة الثالثة
سينما الإمارات بين الواقع وتطلعات المستقبل
تحقيق: عزالدين الأسواني
بعد جهد شاق وعمل متواصل استطاع مسرح الامارات ان
يستفيد من تجاربه وخبراته وهو يقف الآن على ارضية صلبة في المهرجانات العربية
والدولية واستطاع ان يحصد الجوائز، ومن بعده جاءت الاعمال الدرامية
التلفزيونية لتحقق هي الاخرى نجاحات على الصعيد المحلي والعربي لتفرز الساحة
الفنية الاماراتية كوادر لها وجودها وبصمتها سواء في الاعمال المحلية أو
الخليجية والعربية، غير ان الفنان والمبدع الاماراتي لا يرضى بالوقوف عند حد
معين او يترك مجالاً دون ان يقتحمه متحدياً ومجرباً ومستعرضاً لمواهبه
الكامنة.
وها هو الآن يتعاطى مع لغة الصورة ويقتحم عالم
الفن السابق بكل جرأة مسجلاً سبقاً خليجياً يحسبه له التاريخ، ومع علمنا
بصعوبة العمل السينمائي وحاجته لتقنيات وتمويل وكوادر عديدة، إلا ان الفنان
الاماراتي بإصراره ومجهوداته الشخصية يجبرنا على رفع القبعة وهو يناضل من اجل
البناء والتأسيس لحركة سينمائية اماراتية جادة.
ومع انتهاء الدورة الثالثة لمهرجان افلام من
الامارات والذي ينظمه المجمع الثقافي في ابوظبي، وعلى هامش العروض السينمائية
المحلية التي استضافتها دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة الاسبوع الماضي
اقتربنا من المهتمين والعاملين في هذا المجال لنتعرف على تجاربهم الابداعية
وطموحاتهم المستقبلية ومدى الصعوبات التي تواجههم.
في البداية التقينا الشاعر والسينمائي مسعود أمر
الله كونه صاحب اعمق تجربة سينمائية ومديراً لمهرجان «افلام من الامارات» وهو
الذي يأخذ على عاتقه مهمة تفعيل الحركة السينمائية الاماراتية ويقضي معظم
وقته ناصحاً للشباب وموجهاً لهم واضعاً خبراته في خدمة الجميع، وسألناه أولاً
عن بداية اهتمامه بلذة الصورة فقال:
تجربتي الابداعية بدأت مع الشعر واستمرت معي لفترة
طويلة وكانت تراودني اثناءها فكرة ملحة لكتابة الشعر بالصورة، انطلاقاً من
قدرة الشاعر على خلق صورة شاعرية متخيلة من خلال الفضاءات الدلالية التي
تتيحها المفردة وبعد التحاقي بكلية الاعلام عام 1984 ازداد هاجسي بالصورة الى
ان قدمت عام 1988 أول عمل في مشروع التخرج عن الجامعة، واستمرت كتابتي للشعر
حتى عام 1991 ثم انطلقت بعد ذلك مع لغة الصورة كبديل.
ووجدت حينها ان الدراسة النظرية والانطباعات
الشخصية لا تكفي لاخراج عمل سينمائي الى النور، فذهب الى اميركا وبريطانيا
والتحقت بدورات لفهم التقنيات وكيفية التعامل معها، وقدمت بعد ذلك بأول فيلم
بعنوان «الرمرام» عام 1994 وهو أول تجربة حقيقية لي في عالم السينما، وعلى
الرغم من ان الفيلم قوبل بالترحاب واحدث صدى طيباً في الداخل والخارج إلا
انني لم اكن راضياً عنه تماماً لاحساسي بامكانية تقديمه بصورة افضل.
وكنت اتوقع ان يفتح هذا الفيلم الابواب امامي لكن
النتائج جاءت عكسية الى ان قدمت عام 1996 فيلم بعنوان «الغرفة القزحية»
بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على بداية السينما، وقدمت بعد ذلك فيلماً
تسجيلياً بعنوان «عصر الباروك» اضافة للعمل في المجمع الثقافي الذي اتاح لي
العمل والاحتكاك مع عالم الصورة التلفزيونية فعملت كمخرج لبرامج تلفزيونية
كثيرة واخرجت حفلات تلفزيونية لعدد كبير من المطربين.
وعن الهموم السينمائية يقول المخرج مسعود امر الله
انها كثيرة ولا تنتهي وهي بالمناسبة هموم جماعية وليست فردية، فالشاعر
والكاتب مثلاً لا يحتاج سوى ورقة وقلم لكي يبدع ويكتب، بينما السينمائي يحتاج
الى اشياء كثيرة حتى يستطيع ايصال ابداعه للناس أو على الاقل لكي ينجز اعماله،
وتجربتي مع فيلم «الرمرام» كانت قاسية الى حد بعيد، ولم يكن هناك اي دعم من
اية جهة سواء على صعيد التمويل او التشجيع أو حتى الاستشارة، لم يكن هناك من
تأخذ رأيه الفني على الاطلاق.
ولذلك جاءت فكرة ان يخرج هذا الهم الى النور
لتشجيع الكوادر وفكرنا بعمل مسابقة للافلام في اطار مهرجان ووجدنا تشجيعاً من
المهتمين السينمائيين الذين لديهم هم خفي بالعمل السينمائي، وبدأ المهرجان في
دورته الاولى بواحد وتسعين فيلماً بتنظيم من المجمع الثقافي وها نحن في
الدورة الثالثة نسير بخطى واثقة متطلعين الى الافضل على الرغم من اننا مجتمع
سينمائي صغير يحاول ان يستفيد من تجارب الآخرين والاستفادة من بعضنا البعض.
وتشكلت مجموعات سينمائية من خلال التجارب مثل
مجموعة صقر الصحراء ومجموعة انعكاس وغيرهما، وهذه المجموعات تحاول ان تخلق
اجواء من المنافسة فيما بينها مما يعود على الحركة السينمائية بالفائدة
واعتقد ان هذه المجموعات مع مرور الزمن ستؤسس لحالة سينمائية جيدة.
وعن الصعوبات التي تواجه السينمائي يقول مسعود امر
الله: مازلنا نعاني حتى الآن من عدم وجود مدرسة اكاديمية تدرس السينما،
فهؤلاء الشباب يحاولون قدر الامكان الاستفادة من الدراسة النظرية والعمل خلف
كاميرا الفيديو لان يصنعوا فيلماً روائياً قصيراً، اضافة لعدم توفر التمويل
وهو الركيزة الاولى التي يحتاج اليها اي عمل، ومع غياب الدور السينمائي
المؤسساتي للجهات التي يمكن ان تأخذ على عاتقها عملية التمويل.
بالاضافة الى مشاكل اخرى كثيرة، ودعني اقول لك
بصراحة انني كنت اقول في عام 1995 ان السينما ليست موجودة فلماذا الحديث
عنها، اما الآن ورغم كل هذه الصعوبات استطيع القول بأن لدينا بالفعل واقع
سينمائي يمكن ان ينطلق من خلاله واعتقد ان حالنا افضل من دول اخرى ليس لان
صناعة السينما موجودة لدينا ولكن لان هناك منفذاً امام المهتم الاماراتي
ليقول كلمته عبر الكاميرا السينمائية، على الاقل نستطيع الآن ان نبرز الصورة
الاماراتية وانت تجلس الآن وتشاهد فيلماً من الامارات.
ونحن في منطقة الخليج ننطلق من ارضية واحدة مع
الاخذ بعين الاعتبار ان السينما ليست اموالاً فقط، السينما جزء من ثقافة
الشعوب وارث معلوماتي يعتمد على الخبرات المتراكمة عبر العمل الطويل، ولا
يمكن للاموال وحدها ان تحقق صناعة سينمائية، نعم نحن مقصرون على مستوى الصورة
لكن لا تنسى ان مجتمعنا تعود ان يكون صاحب كلمة، فالبدوي تعود ان يقرض الشعر
في حين انه لم يتعاط مع الرسم، وعموماً السينما عمرها الآن مئة عام فقط
وبالتالي هي جديدة علينا ومازالت كذلك.
ومع ذلك فانت ترى الآن مهتمين بالسينما ولو انهم
قلة قليلة، كما انك لو نظرت الى الحركة المسرحية في الامارات ستجد عمرها 25
عاماً او اكثر بقليل في حين ان عمر السينما لا يتجاوز ثلاث سنوات فقط ومع ذلك
نرى اعمالاً كثيرة واقبالاً من الشباب على العمل السينمائي، ثم لا تنس ايضاً
ان السينما ليست مخرجين فقط وانما كوادر في مختلف المجالات، فنحن ليس لدينا
محترفون في فن التصوير او الاضاءة او الديكور والمونتاج، المخرج منا يحمل
كاميرته ويخرج باحثاً عن موضوعه ويعمل كل شيء.
يصور ويخرج واحياناً يمثل، ثم يعود الى بيته ويجلس
على الكمبيوتر ليضع اللمسات الاخيرة، ثم ان هناك عامل الجمهور فهذه الصناعة
تحتاج الى جمهور متابع هو الذي يرفعك لانجاز الافضل وفي ظل غياب الجمهور
عندنا قياساً لعدد السكان بما فيه من اطفال وعجائز ومن لا تعنيه السينما فإن
المردود المادي سيكون ضعيفاً ولن يغطي تكاليف الانتاج.
وعن دور المجمع الثقافي يقول المخرج سعود امرالله
ان المجمع هو جهة منظمة ووظيفة المهرجان تقتصر على عرض الافلام على الجمهور
لكن ما يحدث معنا هو عكس ذلك، نحن نؤسس لحركة سينمائية مع ان المفترض هو ان
تكون الحركة موجودة ليأتي المهرجان ويبرزها، نحن نقوم احياناً بعمل المونتاج
لبعض الافلام داخل المجمع الثقافي، ونساعد المخرجين في شتى المجالات سواء
الفنية أو الشخصية مثل مساعدتهم للتفرغ فنخاطب جهات عملهم، أو بإصدار تصاريح
التصوير اذا تطلب الامر.
ونقوم بترويج الاعمال اعلامياً، كذلك نقوم بجولات
لعرض الافلام داخل الدولة وخارجها، وقد عرضنا في 26 مهرجاناً عربياً ودولياً،
وفي العام الماضي فاز فيلم «جوهرة» في مهرجان الشرق الاوسط في بيروت، وقمنا
الآن بمخاطبة عدة مهرجانات عربية ودولية لنشارك فيها، اما على صعيد الداخلي
فنحن بصدد عروض في جمعية الصحفيين واتحاد الكتاب بأبوظبي ورأس الخيمة وجامعة
الامارات، كما ان السفارة المصرية طلبت ان نعرض بعض الافلام ضمن انشطتها
الثقافية.
وينهي مسعود امر الله كلامه بأنه متفائل بالمستقبل
السينمائي للامارات منوهاً بأن كل شيء في الدنيا يبدأ صغيراً ثم يكبر،
والخطوات الاولى للسينما الاماراتية يمكن ان تمثل الشرارة الحقيقية للانطلاق
وان كانت بمجهودات فردية، المهم ان يستمر العمل وان تتضافر الجهود للارتقاء
بهذا الفن الى الافضل.
وعن تجربته السينمائية يقول المخرج نواف الجناحي
ان انطلاقته جاءت من خلال عشقه للسينما التي أخذت كل تفكيره فقرر دراستها حتى
يتمكن من ان يعيشها بكل تفاصيلها الممتعة والصعبة في آن واحد، وفي ظل غياب
كتاب السيناريو يضطر نواف الجناحي لكتابة افلامه بنفسه مع انه مؤمن بأن لكل
مجال مبدعيه، لكن الواقع يفرض نفسه ليكتب ويخرج اعماله «هاجس» عام 2002 وفيلم
«على الطريق» 2003.
ثم اخيراً فيلم «ارواح» 2004 وعن تجربة الكاتب
المخرج نواف: من الافضل ان يكون داخل العمل اكثر من عقل حتى يأخذ العمل حقه،
فربما تكون لمخرج آخر وجهة نظر مغايرة لتناول النص المكتوب، لكن اذا وجد
الانسان المدرك لكل فن على حدة فلا بأس، فكاتب النص يمكن ان يعرف خفاياه وهو
الاقدر على احساسه، فإذا كان متمكناً من فن الاخراج فسوف يخرج بعمل متكامل،
اما اذا كان ضعيفاً في احد المجالين فالاولى الا يخوض هذه التجربة.
عموماً فإن التنظير في هذه المسألة يظل مجرد كلام
والمحك الحقيقي هو ان نشاهد العمل ومن بعدها نحكم على النص والاخراج،
فالمسألة ليست مع أو ضد على طول الخط، المهم في المقام الاول مصلحة العمل
واعتقد ان كل من يقوم بالكتابة والاخراج يعرف مواطن قوته وضعفه ولا اظن انه
يقدم على ذلك من دون وعي وإلا فإنه سيسيء لعمله ولنفسه.
وعن مدى استفادته من تجاربه السابقة يقول نوافق ان
لكل تجربة ايجابياتها وسلبياتها، والمبدع الحق هو الذي يستفيد من اخفاقاته
قبل انجازاته، ومع اعتزازي بكل تجربة على حدة في ظل ظروفها فأنا اتطلع لتقديم
الافضل وتطوير ادواتي من خلال القراءة والاطلاع ومن ثم التجويد، اما عن
الصعوبات التي تواجهني كمتعاطٍ مع السينما فهي كثيرة ولا حصر لها، فنحن نخلق
بمفردنا ظروفنا التي ننطلق منها من دون اي دعم أو تشجيع.
واصعب شيء عند السينمائيين هو ان يكونوا مستقلين
وهذا يتنافى مع العمل السينمائي الذي يحتاج الى العمل الجماعي وتكاتف الجهود،
نحن نتحايل على الواقع بطريقة ما لكي نقدم اعمالاً جيدة، غير ان الحماس وحده
لا يمكن ان يخلق صناعة سينما بمعنى الكلمة، فنحن في مجتمع لا يستوعب ماهية
السينما وغير قادر على التأسيس لها بالشكل الجاد والمطلوب، اما على الصعيد
الفردي فأنا متفائل واستطيع ان اقول بأن التطور ممكن والارتقاء الى الافضل من
خلال المنافسة يمكن ان تمهد لحركة سينمائية جيدة، المهم في الامر ان العجلة
دارت ونأمل ان تستمر، واعتقد اننا نقود الساحة الخليجية الآن على المستوى
السينمائي من خلال تجربتنا.
اما المخرج خالد الرايحي فيقول عن تجربته انها
بدأت عام 1997 عن طريق الهواية، وقام بتصوير الاعمال الكوميدية من خلال قصص
بسيطة تعتمد على الصورة في المقام الاول، وكان الممثلون في هذه الاعمال من
اقاربه واصدقائه الى ان تخرج من كلية التقنية قسم الاخراج التلفزيوني عام
2001 وعن الاستفادة من الهواية والدراسة يقول خالد: للاسف لا توجد لدينا
دراسة سينمائية اكاديمية فنحن درسنا الاخراج التلفزيوني والعمل الاذاعي واننا
مع الاعلانات والبرامج الوثائقية.
وحاولت ان اعتمد على نفسي في تصوير وانتاج الاعمال
التي احبها، واستعنت بخبرات ممثلين معروفين بخبراتهم امثال عبدالله صالح
وعادل ابراهيم وغيرها، وهؤلاء كان لهم دورهم في التشجيع والتوجيه وكان أول
عمل قدمته بعنوان «الخرافة بين الحقيقة والخيال» وقمت بإخراجه مع زميلي ياسر
القرقاوي عام 2001.
وانتجنا بعد ذلك عدة افلام قصيرة لكننا توقفنا بعد
ان وقفت المادة في طريقنا ولم نستطع تمويل اعمالنا مع عدم توفر الكاميرات،
اما فيلم «الساعة» آخر اعمال انتاجي 2003 بطولة الفنان عبدالله صالح والطفل
طارش منصور، وشاركت بهذا الفيلم في الدورة الاخيرة من مهرجان «افلام من
الامارات» وحصل على شهادة تقدير وتنويه بطريقة معالجة الفكرة سينمائياً.
وعن العوائق التي تواجهه يقول المخرج خالد الرايحي
انها كثيرة مثل نقص الخبرات والتدريبات علاوة على التمويل وعدم توافر تقنيات
السينما، ونحن في مجموعة «صقر الصحراء» نحاول ان نكون بذرة لامبراطورية
سينمائية متقدمة ليس على مستوى الدولة وانما على المستوى الخارجي ايضا،
ولدينا افكار جديدة نبحثها ونحاول بلورتها، اما على الصعيد العملي فنحن نعيش
اجواء من التنافس بشكل حميمي وبمجهودات فردية خاصة، ونحتاج فقط ان تشجعنا
الجهات المعنية بإنشاء ناد للسينما في مختلف امارات الدولة.
|