يؤسس لها شباب مزود بالمعرفة..
صناعة السينما في الإمارات.. متى وإلى أين؟
لماذا يعتمد بعض الأفلام
مخاطبة المشاهد بالإنجليزية
وليد علاء الدين
تصدرت بيان لجنة تحكيم الدورة الثالثة من مسابقة
“أفلام من الإمارات” التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي في أبوظبي إشارة إلى
أن هذه التظاهرة السينمائية الثقافية التي يرعاها المجمع الثقافي في أبوظبي
قدمت اسهامات حقيقية وفعلية في نمو وتطور الإنتاج السينمائي في الإمارات.
وقد بدا واضحاً من خلال المتابعة أن أصحاب التجارب
المميزة في دورة المسابقة لهذا العام هم في الغالب ممن لم تلفت أعمالهم
انتباهاً كبيراً في الدورات السابقة، ما يعني أن إضافة جديدة حدثت في قائمة
الإبداع السينمائي المحلي، في المقابل لوحظ أن المبدعين الذين حققت تجاربهم
نجاحاً في الأعوام الماضية قدموا هذا العام أعمالاً احتفظت بقدر كبير من
التميز الأمر الذي يعني استمرار ألق الروح بداخلهم رغم الصعوبات التي تكتنف
العمل في هذا المجال والتي يكشف المشاركون الجانب الكبير منها في التحقيق
التالي الذي تداخل معهم حول أحلامهم وطموحاتهم ومشاريعهم السينمائية، فقد
أجمع السينمائيون على حاجتهم إلى الدعم المادي، وناشدوا الجهات جميعها رسمية
وفردية مد يد العون لتجربة السينما المحلية، وطالب معظمهم بانشاء اتحاد
للسينمائيين أو جمعية لهم لتكون بمثابة مظلة رسمية يتحركون من تحتها نحو
التحقق.
تنبع أهمية حصول فيلم “طوي عشبة” لمخرجه وليد
الشحي على جائزة أفضل فيلم روائي من أمور عدة أولها أن الفيلم هو نتاج تضافر
جماعي منظم شكلته نخبة من مثقفي ومبدعي رأس الخيمة بالتعاون مع اتحاد كتاب
وأدباء الإمارات فرع رأس الخيمة الذي يتخذون من مقره ما يشبه ورشة العمل لهم،
ونجاح الفيلم هو نجاح للمجموعة كاملة التي تضم مخرجين وممثلين ومؤلفين وكتاب
سيناريو وشعراء وقصاصين من أهل الإمارات، كما أن الفيلم الذي ينطق بلغة
سينمائية عالية أخاذة ومعالجة بصرية راقية وثيق العلاقة بالبيئة المحلية
يتغلغل بروحه في أبعادها وثناياها، وهو ما غاب إلى حد كبير عن معظم الأعمال
الأخرى التي شاركت في مسابقة هذا العام.
مخرج فيلم “طوي عشبة” وليد الشحي أرجع نجاح فيلمه
إلى مجموعة من الأسباب منها أن معظم الأفلام التي شاركت في المسابقة بغض
النظر عن مستواها كانت أعمالاً معاصرة بشدة، اتخذت من البيوت والأماكن
المغلقة بما تشكله من فضاءات ضيقة أماكن للتصوير والأحداث، بينما جاء فيلم
“طوي عشبة” ليقدم فضاء مفتوحاً ينتمي إلى بيئتنا ويعالج تيمة محلية تشغلنا،
وأضاف الشحي: أعتقد أن الصورة كانت المفتاح الرئيسي الذي ساعد الفيلم على
النجاح.
وأرجع وليد الشحي نجاح فيلمه إلى مجموعة “انعكاس”
الفنية التي تأسست بجهود فردية في رأس الخيمة، وقال: قبل تاسيس المجموعة كانت
أعمالنا فردية تنقصها عدة أمور، ولكننا استطعنا مع تكوين المجموعة أن نوزع
الجهود، اهتم كل فرد بتخصص واجتهد في تثقيف نفسه في مجاله ما أدى إلى تحسن
أوضاعنا، وها نحن نحصد ثمار تعاوننا. وأشار الشحي إلى مجموعة من الأفلام التي
اعتبرها مميزة في الدورة الثالثة في مسابقة “أفلام من الإمارات” منها فيلم
“البطل” سيناريو وإخراج يوسف إبراهيم، وفيلم “ما تبقى” لمخرجه صالح كرامة
الذي وصفه بالمميز على كل مستوياته، ومن تجارب الطلبة اشاد بأفلام “الكابوس”
للمخرج حمد سيف الريامي، “الأرضية المبتلة” للمخرجة لمياء قرقاش، فيلم
“الرعبوب” للمخرج فاضل سعيد المهيري.
المخرج المميز أمجد أبو العلاء حصل فيلمه “على
رصيف الروح” على جائزة أفضل فيلم روائي فئة الطلبة، وحددت لجنة التحكيم في
بيانها الأسباب التي استحق على أساسها الجائزة في مهارته في التعبير عن قضايا
ومشاكل الجيل المعاصر بلغة سينمائية راقية ولتمكنه الحرفي الممتاز. وهو
يشارك للمرة الثالثة في مسابقة “أفلام من الإمارات”، ولكنها المرة الأولى
التي يحصد فيها جائزة.
حول تجربته يقول أمجد أبو العلاء: أحاول في تجربتي
التركيز على النفس البشرية، أجتهد في تقديم صورة ما وراء المظهر الخارجي
للإنسان، في فيلمي الأخير “على رصيف الروح” اشتغلت بكثافة على هذه الجزئية،
إلا أنني من خلال تجاربي السابقة أدركت أن التركيز ينبغي أن يكون على الإنسان
في علائقه بمن حوله، الفرد في المجموعة، واستفدت من قراءاتي في علم النفس
الاجتماعي في تبئير الفكرة، وفكرة الفيلم الرئيسية هي أن “جواد” شاب يعيش وسط
مجموعة سيئة جداً ويبدو أنه يحاول تغييرهم إلى الأفضل، إلا أنه مقتنع بكونه
لم يحاول محاولة واحدة بجدية، إلى أن مات.
يستمر الفيلم، “جواد” لا يعرف الآن أنه ميت، ولا
ينبغي أن يعرف الجمهور ذلك فوراً، إلا أن محاولاته تتحول إلى جهد كبير مبذول
نحو تحقيق الهدف، وهو ما لم يحاوله وهو على قيد الحياة: أن يغير.
المقولة الرئيسة التي يتبناها الفيلم هي: “جواد..
أنت تحاول أن تغير أشياء كثيرة في ذوات الآخرين، لكنك لا تقوى حتى على تغيير
ذاتك”. هذه العبارة شكلت الخط الرئيس للموضوع، والهدف كان الحديث حول التغيير
كفعل وحول الرغبة في التغيير، لا أحد يمكنه أن يتغير دونما رغبة حقيقية
يصحبها فعل، وفي كل الأحوال لا أحد يتغير بين يوم وليلة، في الفيلم نلاحظ أن
جواد في قمة انهياره يختفي فيما يشبه الذوبان في الماء.
وأمجد يبدو سعيداً بما استطاع فيلمه أن يثيره من
جدل، وهو أكثر سعادة بما قاله المخرج محمد ملص رئيس لجنة التحكيم من أن
الفيلم يمثل خطاً جديداً في السينما العربية، وحول مطالب السينمائيين في دولة
الإمارات من أجل تحقيق طموحهم الفني قال المخرج أمجد أبو العلاء: المطلب
مختصر وواضح ولا يتطلب الكثير من النقاش حوله، نحن نطلب الحد الأدنى اللازم
لصناعة فيلم سينمائي، بعبارة مباشرة أعطونا سينما.
وأضاف: نحن الآن كلنا نعمل باستخدام كاميرات
الديجيتال، ولكن بتقنيات سينمائية، والسؤال: لماذا نضطر إلى سلك هذا الطريق
لصناعة فيلم سينما؟ الإمارات دولة - والحمد لله - غنية مادياً وفكرياً،
يمكنها دعم صناعة سينمائية إلى أقصى حد، تجاربنا أثبتت أن هناك مواهب قادرة
وطموحة ترغب في مواصلة هذا الطريق، كل العوائق أمام الصناعة السينمائية في
الدول الأخرى عوائق مادية، هنا في أرض الإمارات لا نتصور أن تصبح مشكلتنا
أيضا مادية، أعتقد أن الموضوع يتلخص في كلمة “الاهتمام”، من ينبغي عليه أن
يهتم ومتى وكيف يعرب عن اهتمامه هذا. وقال: السينما في النهاية عنوان للدولة
ومدخل مهم لتواصل الآخرين مع منتجها الحضاري والثقافي، والدورات الماضية من
مسابقة “أفلام من الإمارات” بينت أن هناك مجموعة من الشباب المبدعين الذين
يمتلكون الموهبة المميزة والمخيلة الخلاقة منهم هاني الشيباني ونواف الجناحي
وآخرون، فقط يرغبون مبدئياً في كاميرا تصوير سينمائي، تخيل كاميرا سينمائية
فقط لا غير، وكل ما عدا ذلك سنقوم به بأنفسنا، ونحن قادرون على ذلك.
المخرج حمد الجابري لخص مطلبه في أن تقوم وسائل
الإعلام المحلية وتحديداً القنوات التلفزيونية الفضائية والأرضية بتسليط
الضوء على الأعمال التي يقدمها شباب السينما المحلية، والتي تكشف عنها
وتقدمها مسابقة “أفلام من الإمارات”.
وأضاف: بعض هذه الأفلام استطاع أن يحقق قدراً
عالياً من المعرفة به وبالثقافة التي ينتمي إليها في محافل عربية ودولية،
وبدأ العالم يعرف أن ثمة محاولات نحو اسهام سينمائي في بلد خليجي لم تكن له
تجارب في هذا المجال من قبل، ونجحت محاولات عدة في لفت الانتباه إليها وإثارة
التساؤل حول مدى قدرة هذه الأرض على رفد حركة السينما المستقلة.
واعتبر الجابري أن تسليط الضوء إعلاميا هو الخطوة
الأولى التي ينبغي أن تتحقق، وقال: نحن واثقون من أن تجاربنا ستلفت الانتباه
وستستقطب إليها العديد من الفرص للتمويل والإنتاج والتبني والدعم، وسيعرف
معهد لفنون السينما طريقه إلى أرض الإمارات، وستبدأ صناعة سينمائية حقيقية،
واضاف: إذا لم تتوفر لدى رجال الأعمال الإماراتيين - برغم ما عهد عنهم من بذل
ودعم للثقافة- الرغبة في دعم مسيرة السينما المحلية فعلى الأقل ليساعدنا
الإعلام المحلي بتسليط الضوء على تجاربنا.
وحول تجربته الخاصة قال الجابري: أسعى في تجربتي
إلى تمثيل الألم في كل صوره وتجلياته وأشكاله المختلفة، وقد يكون الألم هو
اكثر ما يوحد البشر، نحن نتألم ونحن نحب، وحين نفارق أو نمرض.. كل إنسان
عنده ألمه الخاص أيضا.أختار لأفلامي قوالب تجريبية جديدة، أسقط من خلالها
الألم بقسوته من خلال الترميز والعبث والتجريد في محاولة لكسر حواجز
التقليدية التي اعتدنا عليها في تناولنا للأفلام.
وقال: على الجانب التقني تواجهني وزملائي عديد
المشكلات، كعدم توفر مجلات أو كتب متخصصة أو صعوبة مشاهدة التجارب المهمة في
تاريخ السينما العالمية والعربية، ولا يخفف علينا وطأة هذا الغياب سوى الجهد
الذي يبذله المجمع الثقافي في أبوظبي سواء عبر توفير فرص الإطلاع على تجارب
أو كتابات مهمة، أو عن طريق هذه التظاهرة السنوية التي يتبناها، اي مسابقة
“افلام من الامارات”، كما أن عدم توفر المختصين من الحرفيين والتقنيين في
مجالات كالإضاءة والصوت والمونتاج والماكياج تشكل عوائق أكثر صعوبة في
طريقنا، ورغم ذلك ها نحن نتحدث حول تجارب سينمائية تستحق الحديث حولها، فما
بالك لو توفرت لنا الإمكانيات؟
المخرج سعيد علي محمد الظاهري وجه رسالة إلى كل من
يتردد في خوض تجربة إنجاز فيلم سينمائي من الموهوبين الإماراتيين، وأضاف:
أقول من الخطأ أن نتوقف عن العمل بحجة عدم وجود دعم، أقول لهم علينا أن نبذل
كل ما في وسعنا وأن نثبت كفاءتنا في تقديم سينما تضم الجيد والمتوسط وحتى
الرديء من التجارب، بهذا نخلق خالة من التفاعل عبر السينما، وبهذا فقط يأتي
الدعم وتتخلق بذور الاهتمام لدى الآخرين الذين في اعتقادي لم تكتمل قناعتهم
بعد بما نفعله وبأهميته في رفد الفعل الثقافي الوطني، وعلينا أن نكمل لهم
قناعتهم تلك لكي يقوموا هم بالتحرك نحونا في ثقة بجدارة ما نقوم به.
وقال:صحيح أن الدعم المادي إلى جانب المعنوي من
شأنهما أن يسرّعنا من خطى السينمائيين، وأن يعجلا باستكمال مشاريع كثيرة تصب
في مصلحة صورتنا، إلا أن غياب هذين الدعمين ليس بقادر على وأد التجربة
والحلم، على قدر ما نملك ونستطيع نحن نعمل وفي الحالتين سنصل، ربما نصل
متأخرين كثيراً إلا أننا سنكون سعداء حقا بما أنجزناه.
وحول تجربته الخاصة قال الظاهري:أركز في أعمالي
على فن الإضحاك، أسعى إلى أن أجعل الناس يفهمون شيئاً ما وهم يضحكون ويبتسمون
وسعداء، في اعتقادي أن مساحات السعادة في هذه الدنيا أرحب كثيرا من مساحات
الحزن، وأننا يمكن أن نبني داخل هذه المساحات ونؤسس ونحلم، ولكن للأسف الناس
يميلون إلى تضخيم فكرة الحزن والبؤس والأسى، وأحياناً يخلطون بين الأمور
فيقرنون السعادة بالثراء والفقر بالحزن أو غير ذلك من ثنائيات وهمية، في
تجربتي أحاول أن أقول لا لهذه النظرة المغلوطة، وأسهم في إضفاء بعض البهجة
على جو “المسابقة” التي تحفل بمحاولات حزينة، “يا ناس” هناك وجوه أخرى في
الحياة، وسط الفقر المدقع هناك سعادة، وسط المعاناة والتعب في الحياة ثمة
بسمة، أبحث عن هذه الوجوه وأقتنص لحظات بهجتها لأسكبها أمام الجميع معلناُ
انتصار الفرح على الحزن.
مجموعة رأس الخيمة
المخرج أحمد سالمين ناصر يعمل من داخل مجموعة
انعكاس الفنية في رأس الخيمة، وهي واحدة من تجمعات الإنتاج التي أشادت بدورها
لجنة تحكيم الدورة الثالثة من المسابقة معولة عليها في إنجاز وتحقيق أفلام
مهمة، والاستفادة من الخبرات الفنية والتقنية المتوفرة في البلاد كي تصعد
باكتمال فني وتقني محترم.
المطالب كثيرة ومتعددة، ولكن يمكنني أن أوجزها في
طلب واحد وهو “الالتفات”، هذا ما قاله المخرج أحمد سالمين، وأضاف: أقصد أن
تلتفت إلى ما تقدمه كل الشرائح والفئات والجهات المختلفة، رسمية حكومية
ومستقلة، جمعيات ذات نفع عام، أي كيانات أخرى، أن يلتفت الجميع لمشروع
السينما المحلي الوليد، أتكلم عن الإلتفات هنا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من
معاني العون والمساعدة، كل قدر استطاعته وبقدر طموحه في تحقق المشروع.
وأضاف سالمين: نحن مازلنا في طور التجريب، الأمور
التي نريد أن نقدمها من خلال فننا هذا ما زالت في طور التجريب، وأصف التجريب
في الحالتين بأنه قد قطع شوطاً كبيراً نحو النضج واختصر الزمن بشكل لافت،
وقال: أتصور بعد سنين بسيطة يمكننا أن نتحدث عن تجربة سينما إماراتية شبه
مكتملة، لأن كل عشاق السينما في الإمارات يعملون على صب إنتاجهم في العمق
المطلوب، وفقا للمتوافر لهم من أدوات معرفية أو تقنية.
وحول الرؤية التي ينشغل بتقديمها قال: في كل أطياف
الفنون هناك صرخة، ربما لا تستطيع أن تفسر أو أن تحلل ماهيتها أو بُعدها، إلا
أنها في الأخير صرخة إنسانية، التعبير عن هذه الصرخة قد يعجز فنانين في بلد
يمتلك سينما متطورة، وقد يربكهم بشدة أيضاً هذا السؤال: ما الذي تسعى للتعبير
عنه من خلال فنك؟ المسألة صعبة، تتعلق بوظيفة الفن، وتتداخل مع فلسفة كل فنان
ورؤيته للحياة ولا يمكن إيجاز ذلك خلال دقائق.أنا وزملائي نعمل في مجتمع به
العديد من الخطوط الحمر، وعلينا من أجل عملنا ومن أجل مجتمعنا أن ندفع بهذه
الخطوط الحمر في اتجاه المزيد من الحرية، نحاول أن نوسع فضاء الحرية ليس من
أجل أن نعبث كيفما يحلو لنا، ولكن لأن الفن في حاجة إلى الحرية.
وقال سالمين: أنا عضو في مجموعة “انعكاس” الفنية،
نسعى من خلال جهدنا إلى تأسيس قاعدة تصلح للبناء عليها، نجتهد في إنتاج أفلام
قادرة على التعبير عن لحظاتنا الراهنة، كل ما نتمناه كسينمائيين التفاتة طيبة
ومزيدا من الحرية. أعطونا هذا الفضاء لنتنفس. وأضاف: ولا ينفي ذلك أهمية
الدعم المالي، ربما يكون التجاهل دافعاً في بداية الأمر، إلا أنه يتحول إلى
عبء ويولد الإحباط، ونحن قادرون حتى الآن على التحايل على فكرة الدعم ومواصلة
العمل إلى أن يلتفت إلينا من يريد أن يمد يد العون لثقافته وحضارته ويساعد في
رسم صورة صحيحة عن حضارة هذا البلد.
المخرجة سعيدة عامر العامري أخرجت فيلم “الشلة بين
الماضي والحاضر” الذي شاركت به في الدورة الأولى من المسابقة كما شاركت في
بعض أفلام تعريفية حول المجمع الثقافي وأعمال أخرى، وشاركت كمصورة وساعدت في
مونتاج عدد من الأفلام لمخرجين شباب، وتقول في تبرير توقفها عن العمل بعد
مشاركتها الأولى: أحتاج إلى تشجيع، من أهلي ومن أفراد المجتمع، عندما يكون
العمل الذي تقوم به صعباً ومفتقراً للعون تحتاج فقط إلى قليل من الاهتمام
والتشجيع.
وأضافت: أرغب في فرصة لكي أتعلم على يد خبيرة،
وفرصة لأشاهد إبداعات أكثر، أرغب في مكان به خبراء وبه أرشيف سينما، وبه
أفكار تتولد وأعمال تتلاحق، أشعر بالعجز الشديد والضعف لمجرد التفكير في
الجهود التي نضطر إلى بذلها من أجل إخراج فيلم جديد، علينا أن نقوم بكل شيء،
وأكون في كل مكان في الوقت نفسه، بينما لا أحد يشجعك من المقربين منك، هو
مناخ يصعب معه العمل، لأن الرغبة المتقدة اليوم تخبو غداً إذا لم تجد من
يمدها بالوهج.
وقالت العامري:أرغب في فرصة لممارسة العمل والتعمق
في دراسة فنون السينما، أقول لك بصراحة أكثر: في أبوظبي نستطيع القول بأننا
لا نملك تسهيلات تخص صناعة فيلم، في دبي التسهيلات والإمكانات في هذا المجال
أكبر، وهو أمر ربما يزيد العبء على الفتيات ممن يرغبن في العمل في هذا
المجال، لأن ظروف المجتمع لن تسمح لها بما يحصل عليه الشاب من فرص للبحث في
دبي والتنقل وإنجاز الأعمال.
وقالت: كانت فرصتنا أكبر عندما كنا طالبات ما زلنا
في كليات التقنية، حيث توفر الكلية ما نحتاج إليه، أما بعد التخرج فلا يوجد
مسرب واحد يمكننا من خلاله استكمال الطريق، وهو ما حدث معي: أنجزت كل عملي
خلال فترات الدراسة وبعد التخرج توقفت تماماً واكتفيت بالتطوع في مساعدة
الزملاء والمشاركة في تنظيم أو إنجاز فعاليات لها علاقة بالسينما في انتظار
تحقق الحلم. عندي أفكار وأتمنى الشروع في تنفيذها، ولكن شعوري وقد يكون
شعوراً خاصاً- بأنني في حاجة إلى شيء ما يساعدني في تحقيق تطور، لا أرغب في
تكرار نفسي، ولذلك أنا متوقفة حتى إشعار آخر، وما شاهدته من تجارب خلال
الفترة الماضية يزيد من خوفي لأنني ينبغي أن أقدم تجربة تضاف إلى ما قدمه
زملائي في العمل السينمائي.
وترى المخرجة الشابة علياء خوري التي شاركت أيضا في الدورة الأولى من
المسابقة ثم توقفت أن تطوراً لافتاً يتضح فيما يقدمه الشباب في تجربة
السينما المحلية الآن، وأضافت: لاحظ أننا نتحدث عن تجربة لا يتجاوز عمرها عدد
أصابع اليد الواحدة، وبرغم ذلك أفرزت مجموعة لافتة من الأسماء حمل كل واحد
منهم بذرة خصوصيته في تجربته.
قدمت تجربتي الوحيدة في الدورة الأولى من مسابقة
“أفلام من الإمارات”، ومن وقتها إلى الآن أتابع بشغف التطورات الحادثة في هذا
المجال، والروح المتألقة التي تقود أعمال الشباب، وفي الوقت نفسه أنشغل ببعض
تجارب سيناريوهات كتبتها وأنتظر اللحظة والفرصة المناسبتين للشروع فيهما بعد
أن أكون قد اكتسبت المزيد من الخبرة من خلال المشاهدة والمتابعة والاحتكاك،
مشكلة صغيرة تواجهني وتتمثل في رغبتي في عرض تلك السيناريوهات على خبراء لكي
أهتدي برأيهم فيها وأطور عملي من خلال رؤاهم، وهو أمر غير متوفر لنا حالياً،
سواء في نادي سينما أو معهد أو خلافه، ما عدا ذلك من أمور فلا أرى أية صعوبات
أمام الشروع في فيلم سينمائي، بخاصة وأن كليات التقنية توفر لخريجيها الفرصة
في استخدام كل أجهزتها ومعداتها في أي وقت يرغبون في ذلك، وأتمنى أن أكون
مستعدة بمشاركة أو أكثر للدورة الرابعة من المسابقة في العام القادم إن شاء
الله.
المخرج فاضل سعيد المهيري الذي نال شهادة تقدير
بخاصة عن فيلمه “الرعبوب” لمحاولته في تقديم فكرة يصعب تنفيذها قال: كل ما
ينقصنا في مجال السينما هو أن تلتفت إلينا الحكومة وتمد يد الدعم إلينا، هناك
جهود جيدة مبذولة إلا أنها من دون الدعم لن تتواصل. وأضاف: ما زلنا كمخرجين
في الإمارات لا نعرف المعنى الحقيقي لكلمة سينما، علينا أن ندركها أولاً
ونسبر غورها قبل أن نطالب بتكوين جمعية أو رابطة للسينمائيين تتضمن نادياً
للسينما ونشاطات أخرى. وأضاف موضحاً زاويته الخاصة في العمل: أنشغل في رؤيتي
للسينما بالبحث وراء الأشياء لقراءة وجهات نظر أخرى بخلاف ما تفرضه القراءات
السطحية للعلائق بين تفاصيل الحياة وموجوداتها.
وأشار إلى أن الإتقان هو أكثر ما ينقص تجربتنا
السينمائية، مضيفاً: أفلامنا تبدو ركيكة ومفتقدة للحرفة، حتى فيلمي يعاني من
شيء من هذا القبيل في الأمور التقنية وعلى رأسها الإضاءة والصوت، وأعتقد أننا
يمكننا أن نعوض هذا النقص من خلال مزيد من الإخلاص في العمل، ليست القضية أن
نقوم بتصوير بعض المشاهد فحسب، لابد من التعامل مع التجربة بمزيد من الجدية
في كل عنصر من عناصر التوليفة الفيلمية، وللأسف فإن التفكير السائد يعتقد أن
القضية قضية تصوير فحسب، وهو قصور في الثقافة السينمائية نعاني منه من ناحية،
أو استعجال لانتهاء التجربة من ناحية أخرى. واختتم المهيري كلامه بالقول:
ألاحظ أن الكثير من الأفلام التي يقدمها الشباب يعتمد اللغة الإنجليزية في
مخاطبة المشاهد، وفي اعتقادي أنه إذا لم تكن لغة الإبداع هي لغتنا فهي تنأى
بالعمل عنا، كما ألاحظ أن الكثير من الأفكار تدور في فلك التقليدية وأن
الأفكار الجديدة نادرة إلى حد كبير.
سعيد سالمين الذي شارك بتجربته الإخراجية الأولى
“بقايا تراب” في دورة المسابقة لهذا العام قال: خطوة وراء خطوة تنتهي الدروب
الطويلة، ونحن الآن في الدورة الثالثة من المسابقة والكل يلاحظ ما طرأ على
التجربة من تطورات، سواء من حيث ظهور شباب جدد، أو من حيث تطور التجارب
الأقدم، وأضاف: ما أرجوه أن تنتبه الشركات العاملة في المجالات ذات الصلة:
الدعاية والتسويق، الإنتاج وغيرها وتحضر فعاليات المسابقة لتتابع بنفسها ما
نقدمه، ومن وجهة نظر عملية بحت سيجد هؤلاء فيما تعرضه المسابقة ما يحقق
مصالحهم ومن هنا تلتقي المصالح وتندفع التجربة نحو التحقق. وأضاف: أعتقد أن
ما حققناه على المستوى الفني والإبداعي في تجربة السينما جدير بأن تتم
رعايته بشكل كبير وجاد، لماذا لا تتبنى الدولة تجربة سينمائية كبيرة تعتمد
فيها على عبقرية هاني الشيباني ووليد الشحي وآخرين ممن أثبتوا كفاءتهم في
الإخراج والتمثيل والسيناريو وغيرها من فنون، وتصبح هذه التجربة نواة نؤسس
عليها انطلاقتنا المرغوبة.
المخرج عبد الحليم قايد قال: أول ما نطالب به
تشكيل اتحاد عام للسينمائيين الإماراتيين، ومن بعده تأتي كل الأمور الأخرى،
النادي والأرشيف، معهد لتدريس الفنون السينمائية وغيره، وكذلك عبره نستطيع أن
نطالب بالمساعدة والدعم من الحكومة ومن الشركات الكبرى، وأضاف: شبابنا يبدعون
ويمتلكون الموهبة والطموح ولكنهم لا يجدون الفرصة التي تُظهر ما لديهم من
قدرات ومواهب. هذا الوطن الذي نعيش على أرضه يستحق منا أن نمنحه كل ما لدينا
من قدرات، ونتمنى أن نجد من يساعدنا في تمثيل ثقافتنا وحضارتنا بما يليق بها
وبمكانتها.
مشاهدة مغايرة
ولمزيد من إلقاء الضوء على التجربة السينمائية
الاماراتية سعينا إلى زاوية مشاهدة مغايرة عبر عيون سينمائيين ونقاد شاركوا
السينمائيين الإماراتيين احتفاليتهم المميزة: المخرجة دارين علي البو
فلسطينية تقيم في الإمارات، شاركت بفيلمها “هوية” على هامش المسابقة من ضمن
برنامج بانوراما عربية، ولها رأي في ما يقدمه سينمائيو الإمارات، تقول: لاحظت
وجود تفاوت شديد بين مستويات الأعمال المشاركة في المسابقة، ولكن بشكل عام
أستطيع القول بأن هؤلاء المبدعين يمتلكون قدراً عالي الثقة في قدراتهم
وتقودهم رغبة كبيرة الى تحقيق شيء، أكيد هناك الكثير من الأشياء التي تنقص
التجربة والتي ينبغي عليهم أن يتعلموها، ولكن مجرد وجود سينما محلية إماراتية
فهذا شيء يبعث على الفخر لأن هؤلاء المبدعين خلقوا شيئاً من لا شيء.
وأضافت دارين: أنت تعرف أنه منذ ثلاث سنوات لم يكن
هناك شيء اسمه سينما في الإمارات، والآن أمام هذا الكم الكبير من الأفلام بما
تحتويه من تجارب مميزة، وخيال واسع، لابد وأن نبدي إعجابنا بالتجربة، هناك
ضرورة للتركيز على بعض نقاط الضعف، إلا أن الخطوة جديرة بالتشجيع والرعاية
والدعم.
وأضافت:معظم التجارب المقدمة بدت متأثرة بالأماكن
التي تلقى فيها المبدعون خبراتهم الأولي مع السينما، وكذلك بجنسيات المدرسين
الذين علموهم هذه الفنون واللغات التي درسوا بها، وأراه أمراً طبيعياً إذا لم
يتجاوز الأمر التجربة الأولى أو الثانية كحد أقصى ليتجاوز المبدع بعدها هذه
التأثرات وينطلق عبر عالمه الخاص، لأننا عندما نشرع في تجربة جديدة لا نستطيع
التخلي عن الأسباب التي ولّدت فينا الدوافع في القيام بهذه التجربة، هذه
الدوافع هي مزيج تأثرات بتجارب ما أو خبرة ما وغير ذلك مما لابد وأن يظهر
أثره في التجارب الأولى لكل مبدع. والذي ينبغي أن يتخلى عن تأثراته تلك من
خلال الاحتكاك والانتباه إلى التعليقات التي تثيرها تجربته وهكذا.المهم في
الأمر أن هؤلاء الشباب لديهم حس، ويمتلكون الموهبة، لأنهم لو لم يكونوا
يمتلكونها لما اقتحموا هذا الأمر منذ البداية.
الناقد والمخرج والمنتج السينمائي التونسي فيصل
الحصائري الذي تابع للعام الثاني التجارب التي شاركت في مسابقة “أفلام من
الإمارات” له وجهة نظر حريصة على المشروع الذي رآه جديراً بالطرح والجهد، لذا
فلم يتردد في الإشارة إلى كل ما رآه عيباً ينبغي العمل على تفاديه، قال: كون
الناس يجتمعون في كل سنة ليشاهدوا أفلامهم وأفلام الآخرين وتدور بينهم
مناقشات ومقارنات، هذا يكفي لكي يكون خطوة أولى في فهم أنه قد توجب على
الإماراتيين أن يصنعوا صورتهم بأنفسهم، عوضاً عن أن تُصنع من قبل الغير أو أن
يتم تمريرها عبر منوعات بسيطة في التلفزيون، فقد بدأ الهاجس عند هؤلاء الشباب
بأنهم لابد وأن يشرعوا في صناعة سينما، وأظن أنهم قادرون على ذلك.
وأضاف الحصائري: هذا هو الجانب الإيجابي من
الصورة كما أراها، ولكن بقيت المشاكل نفسها المتعلقة بأمور مهمة تأتي الكتابة
في أولها، لأنهم لا يعرفون بعد كيف يكتبون سيناريو، وليس لديهم أدوات لفهم
الكتابة، يعتقدون أن الومضة الأولى تكفي لإنجاز فيلم، وهو ما يجعلهم سريعين
في مسألة الإنجاز، بمعنى أنهم يستعجلون العمل قبل نضجه، ولا يمنحون الفكرة
وقتها لكي تتطور وتأخذ أبعادها، فيبقى السرد أو السيناريو هو الخلل رقم واحد
في هذه التجربة.
المشكلة الأولى تكمن في عدم القدرة أو امتلاك
أدوات الكتابة للسينما، ربما هم يعرفون الكتابة في الشعر والقصة وغيرهما،
ولكن الكتابة السينمائية لها أدواتها التي لم يستطيعوا استيعابها بشكل دقيق،
وهو أمر له علاقة بالمحيط الذي يعيشون فيه، بالتعليم الذي يحصلون عليه ومدى
علاقته بالأمر، وهو أمر يتأكد من تكرار السقوط في الفخ ذاته في العام الماضي
وهذا العام، وبشكل عام ونظراً للمعدات البسيطة التي يتعاملون بها يبقى الخلل
في المعدات والتقنيات وليس في المخيلة.
وقال الحصائري: هذا العام هناك بعض الأفلام الجيدة
من منظور أنها تبشر بالخير، من هؤلاء نواف الجناحي الذي احتفظ بمستواه نفسه
من العام الماضي، فقط كان الاختلاف في مدة الفيلم، وليد الشحي صاحب “طوي عشبة”،
سعيد الظاهري الذي أقام فيلمه على فكرة يصعب تصور مجرد التفكير فيها من
الأساس، ورغم أن تنفيذه لها جاء في مستوى متوسط إلا أنها كانت واصلة، ولكن
تبقى له قدرته على تقديم قصة كوميدية إلى حد كبير وجميلة جداً تلعب على
العلاقة بين الظاهر والخفي، وأفلام أخرى كثيرة مميزة، من الفتيات أذكر أمينة
المرزوقي التي أنجزت فيلماً جديراً بالاهتمام، جميلاً وشاعرياً.
هناك غياب شديد لمفهوم الفيلم الوثائقي، الشباب
هنا يعتقدون أنه يكفي أن تحشد مجموعة أشخاص يتحدثون عن موضوع ما بالتتالي
لتحقيق فيلم وثائقي، هذا ما يمكن أن نسميه بالريبورتاج المطول، الموضوع،
النقص هنا نقص تأطير، وهو كذلك موضوع موهبة، الموهبة موجودة لدى البعض وغائبة
عن الكثيرين، ولكن من لا يمتلك الموهبة منهم يمتلك المثابرة، وأحياناً تقود
المثابرة إلى حفز الموهبة، هناك حماس جماعي وعمل بروح الفريق، شباب يتعاونون
بشكل جميل على مستوى التمثيل والإدارة والتنظيم والفنون الأخرى، تجد أن
الأسماء دائماُ تتكرر في قوائم الأفلام، هذه الروح الجماعية عامل صحة يساعد
في خلق نواة سينمائية محلية، وهناك عصر حاضر، شباب يتحدثون بكثافة حول واقعهم
اليومي، وانبهار بالظاهر المادي للحياة وما يترتب عنه من مشكلات، وأضاف:
لاحظت شيئاً غريباً عند كثيرين من الشباب في هذه الدورة من المسابقة، قد تبدو
ملاحظتي طرفة أكثر منها ملاحظة نقدية، وهي تكرار عناصر مثل السيارة، الموبايل،
عنصر الطريق، حتى ليبدو أن المخيلة عند الشباب مرتبطة بمادية حياتهم اليومية
وبالظاهر الذي يشكل صورتهم الاجتماعية، يبدو أن المخيلة لديهم قائمة على
فضاءات عمودية لها علاقة بالمدن التي تستدعي الطرقات التي تستدعي بدورها
السيارات، لا تمتلك مخيلتهم فضاءً أفقياً منفتحاً، لذلك فإن فيلم “طوي عشبة”
لمخرجه وليد الشحي فاجأ الجميع ببعده عن المدينة، دارت أحداثه في موقع قريب
من العين “خمس دقائق من مدينة العين” وهو صحراء جافة، ليست أيضا تراثاً،
ولكنها مصدر إلهام مثلها في ذلك مثل المدينة و البحر والسماء وغيرها.
خلل آخر كبير ويطال نسبة قدرها 99% من تجارب
الشباب هنا لخصه الحصائري في عدم القدرة على توظيف الموسيقا، وقال: عنصر
الموسيقا ضعيف جداً، قد تفاجأ بأن الفيلم من أوله إلى آخره ينتقل بك من
معزوفة إلى معزوفة وفي أغلب الأحيان هي معزوفات لمشاهير ملحنين، يبقى هذا
الأمر دليلاً على المعرفة والشعور والحس والموهبة، وأعود لأؤكد أن هذا
الموضوع له علاقة بالمحيط الثقافي وشكل الدراسة، والقدرة على متابعة أفلام
أخرى بخلاف الأفلام التجارية الأمريكية أو الهندية التي تحتل قاعات العرض
السينمائي.
وأضاف: هناك غياب واضح لثقافة سينمائية، وهو أمر
متوقع مع غياب مكتبة أفلام متخصصة أو ناد للسينما وغيرها من أشياء تسمح لهم
بأن يحتكوا ويكونوا لأنفسهم ثقافة سينمائية من خلال المشاهدة.
|