كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

علي بدرخان:

سعاد حسني طلبت الانفصال بعد أن صارحتها بارتباطي بفتاة أخرى

حوار- فايزة هنداوي:

 

رغم ابتعاده عن الإخراج منذ 13 عامًا، عندما قدّم فيلمًا عام 2002، فإن على بدرخان يظل اسما كبيرا فى تاريخ السينما المصرية، حيث قدّم 14 فيلما حتى الآن ما بين مخرج ومساعد مخرج، كثير منها يعد علامات مهمة، مثل «الجوع» و«شفيقة ومتولى» و«الراعى والنساء» و«الرجل الثالث» وغيرها، كما أنه يلعب دورا مهما فى تخريج أجيال من السينمائيين من خلال أكاديميته التى يدرِّس فيها مع مجموعة من الأساتذة عناصر السينما المختلفة من إخراج وتصوير وسيناريو وتمثيل وغيرها.

بدرخان يتمنى العودة إلى الإخراج، ولديه عدة مشروعات بالفعل. عن سبب تأخر هذه المشروعات ورؤيته لحال السينما فى هذا التوقيت، أجرت «التحرير» حوارا مع المخرج الكبير، الذى كشف فيه لأول مرة الأسباب الحقيقية لانفصاله عن السندريلا الراحلة سعاد حسنى، بعد أن استمر زواجهما أحد عشر عاما.

نعلم أن لديك عدة مشروعات سينمائية مؤجلة، فما أسباب عدم تنفيذها؟ ولماذا ابتعدت عن الإخراج السينمائى لمدة 13 عاما؟

- ابتعدت لعدة أسباب، أهمها أن شروط السوق الحالية لا تناسبنى، وأنا لا يمكننى العمل إلا بشروطى ووفقا لمعاييرى التى أعمل بها منذ أن بدأت مشوارى السينمائى، حيث أتعامل مع أفضل المصورين وأفضل مونتير، وهكذا، وأحيانا تعرض علىَّ موضوعات لا تناسب تاريخى فأرفض تقديمها، كما أن المنتجين يرفضون الأعمال التى أقدمها إليهم، لأنهم يرونها غير مناسبة للظرف الحالى.

هل توقف مشروع إخراج فيلم عن محمد نجيب؟

- كان يجب أن يكون من إنتاج جهاز السينما، وبدأنا التحضيرات له منذ عدة سنوات، لكنه توقف، وأتمنى استكماله لعرض حقيقة دور محمد نجيب فى ثورة يوليو.

وماذا عن فيلم «بلا عودة»؟

- «بلا عودة» من تأليف على الجندى، ويدور حول شخص مجرم قرر التوبة، وقد كان المرشح له هو أحمد زكى، الذى كان سينتجه أيضا، إلا أن ظروف مرضه حالت دون ذلك، وبعد وفاته لم أجد منتجا يتحمس له، وما زلت أبحث عن جهة إنتاج.

قدمت مع السبكى عدة أعمال منها «الرجل التالت»، هل ترفض تكرار التجربة معه؟

- على العكس، أنا أريد العمل مع السبكى، ولكن المواضيع التى يقترحها لا تناسبنى، إلا أننى أقدره وأعتبره أحسن منتج فى مصر، فهو يحب عمله ويتقنه، كما أنه هو الوحيد الذى كان ينتج فى أثناء الأزمة التى مرت بها السينما فحافظ على الصناعة.

لكن البعض يحمّله ما وصل إليه حال السينما من انهيار؟

- هذا ليس صحيحا، فالسبكى يقدم السينما التى يحبها، والتى تدر عليه أرباحا مادية، وهذا حقه، فى حين أن المنتجين الآخرين انسحبوا من السوق، كما أن الدولة تخلت عن دورها فى دعم السينما وإنتاج أفلام كبيرة.

هل ترى أن تدخل الدولة وإعادة تجربة الستينيات هما الحل؟

- بالتأكيد، فالدولة منوط بها إنتاج الأفلام الإنتاجية الكبيرة التى لا تهدف إلى الربح، مثل الأفلام التاريخية والأفلام التى تؤرخ لحرب أكتوبر، كما يجب إصدار قوانين لحماية الصناعة ودعم السينمائيين.

بعض الموزعين يقترحون زيادة عدد نسخ الأفلام الأجنبية التى تُعرض فى مصر، فما رأيك فى هذا الاقتراح؟

- أوافق تماما على هذا الاقتراح، لأننا ليس لدينا إنتاج سينمائى كافٍ لتشغيل دور العرض، والموزعون وأصحاب السينمات من حقهم تشغيلها، ولا بد من درّ الأرباح وتعويض ما ينفقونه عليها من أموال، وأنا أرى أن تحديد عدد الأفلام الأجنبية قرار تعسفى ويظلم الموزعين وأصحاب دور العرض، لذلك لا بد من زيادة عدد النسخ حتى تكون لدينا أفلام تكفى لتشغيل دور العرض.

ما رأيك فى مطالبة عدد من السينمائيين بإلغاء الرقابة على الأفلام وتحويلها إلى التصنيف العمرى فقط كما فى البلدان المتقدمة؟

- لا يمكن إلغاء الرقابة فى المجتمع، لأن هناك تدنيا ثقافيا واضحا حتى على مستوى النقابات الفنية، والفنانون ليس لديهم رقيب داخلى، ولكن يجب أن يكون العاملون فى جهاز الرقابة على درجة كبيرة من الثقافة والوعى، مع تعديل قوانين الرقابة لتخفيف القيود على المبدعين وقصرها على الأمور التى تؤثر على سلامة المجتمع، مثل الأفلام التى تشجع على العنصرية أو الحرب الأهلية.

وماذا عن تهمة تشويه سمعة مصر التى تواجه كثيرا من المبدعين؟

- ليس هناك ما يسمى تشويه سمعة مصر، فالسينما تنبع من المجتمع، ولا بد من معالجة مشكلاته لا تجميله.

كثيرا ما تثير آراؤك السياسية جدلا كبيرا، خصوصا بعد انتقادك فيها النظام السياسى الحالى، مما جعل البعض يتهمك بأنك تنتمى إلى تنظيم الإخوان؟

- انتمائى إلى الإخوان أقرب إلى النكتة التى لا يمكن تصديقها، وقد انتخبت حمدين صباحى فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة عام 2012، ولم أنتخب محمد مرسى، وأنا أقول رأيى فى الأحداث السياسية كمواطن مصرى لا كسينمائى، فالسينمائى من وجهة نظرى لا يجب أن يكون مناضلا سياسيا، ولا يجب أن تكون أفلامه عبارة عن منشورات وشعارات، ولكن عليه تقديم أفلام تهتم بالقضايا الإنسانية والاجتماعية لا السياسية، لذلك فإن «شباب امرأة» يظل أفضل أفلام صلاح أبو سيف، وليس «القاهرة 30» على سبيل المثال.

كيف ترى أن السينمائى لا يجب أن يناقش السياسة فى أفلامه، وقد قدمت فيلم «الكرنك» الذى انتقد نظام عبد الناصر، وكان بداية لموجة ما سمى بـ«الكرنكة» التى هاجمت نظام عبد الناصر بشدة؟

- فى «الكرنك» لم أقصد الهجوم على عبد الناصر، فأنا أحبه وتاريخى وانحيازاتى تؤكد ذلك، إلا أننى كنت أناقش قضية إنسانية، وهى قضية القهر الذى يؤدى إلى انهزام المجتمعات كما حدث فى نكسة 1967، فالفيلم هو صرخة ضد القهر، لكننى لست مسؤولا عن توقيت عرضه ولا عن موجة الأفلام التى بدأت بعده.

ما رأيك فى الدكتوراه الفخرية التى تمنحها أكاديمية الفنون لعدد من الفنانين فى الفترة الأخيرة؟

- تقليل من شأن هذه الدكتوراه، وتقليل من قيمة العلم، حيث أصبحوا يتعاملون مع هذه الشهادة كمجاملة لمن يساندون النظام السياسى، ولكننى أريد أن أضيف أن جميع الشهادات التى تعطيها الجامعات المصرية أصبحت بلا قيمة، وأصبح يحصل عليها غير المستحقين، بسبب منظومة التعليم الفاشلة التى تحتاج إلى تغيير جذرى.

بمناسبة التعليم، أنت خريج معهد السينما عندما كان مؤسسة تعليمية مهمة، وكان الطلاب يستفيدون منه أقصى استفادة، لماذا ساء حال المعهد فى رأيك؟

- المعهد جزء من المنظومة التعليمية التى فسدت، كما أن الطلاب أصبحوا غير مهتمين ولا يعملون على تطوير أنفسهم بالمشاهدات والقراءات، ولا يحترمون الأستاذ ولا يحترمون المكان.

لماذا قمت بإنشاء أكاديمية لتعليم السينما؟

- أحاول من خلال هذه الأكاديمية نقل خبراتى إلى الطلاب الراغبين فى التعلم لتقديم أجيال واعية بأهمية السينما ومتمكنة من فنياتها.

فى بداياتك عملت مساعد مخرج لعدد كبير من المخرجين مثل أحمد بدرخان ويوسف شاهين وشادى عبد السلام وفطين عبد الوهاب، بمن تأثرت أكثر؟

- تأثرت بتوفيق صالح ويوسف شاهين وأحمد بدرخان، لأنهم كانوا يعشقون السينما ويتقنونها بحق.

ما معاييرك لاختيار الأفلام التى تقوم بإخراجها؟

- أهم معيار أن يكون الفيلم ملامسا لقضايا المشاهدين ومحركا لأفكارهم.

كتبت فيلمين هما «الجوع»، و«الراعى والنساء»، لمذا لم تكتب أفلاما أخرى؟

- أنا أشارك دائما فى كتابة الأفلام التى أخرجها، ولكنى لا أضع اسمى إلا على الأفلام التى أكتب الجزء الأكبر فيها حفاظا على الحق الأدبى فقط.

من بين 10 أعمال، ما الفيلم الذى كنت أكثر سعادة وحماسا لإخراجه؟

- فيلم «الجوع»، لأنه كان يمثل تحديا كبيرا، فهو مأخوذ عن ملحمة الحرافيش، وكنت أنوى فى البداية تقديم القصة كاملة، إلا أن يوسف شاهين الذى كان يملك القصة فى هذا الوقت باع منها أجزاء كثيرة لعدد آخر من المخرجين، فكان التحدى هو أن أقدم من خلال الجزء الذى أمتلكه ما يعبر عن الحرافيش كاملا.

وما أصعب الأفلام التى قمت بتصويرها؟

- «شفيقة ومتولى» كان أصعب فيلم، لأن أحداثه تدور فى حقبة تاريخية مختلفة، وتم تصويره فى أماكن خارجية ذات طبيعة صعبة.

كان زواجك من سعاد حسنى ثم انفصالكما مثار أحاديث الوسط الفنى والإعلامى طوال سنوات طويلة، وأشيعت أسباب كثيرة حول أسباب انفصالكما، فما الأسباب الحقيقية للانفصال؟

- بعد 11 عاما من الزواج، مرت علاقتنا العاطفية بمرحلة فتور، مما جعلنى أرتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة أخرى، وصارحت سعاد بهذه العلاقة، واقترحت عليها أن تسمح لى بالتجربة لعلها تكون نزوة ثم أعود إلى علاقتنا مرة أخرى، إلا أنها رفضت وغضبت بشدة، وطلبت الانفصال، وبعد فترة من الانفصال أصبحنا صديقين، وكنا على اتصال مستمر حتى قبيل وفاتها فى لندن.

من خلال علاقتكما التى استمرت طويلا، ماذا تعلمت من سعاد حسنى وماذا أضفت إليها؟

- تعلمت منها ضرورة معايشة المكان، حيث كانت تحضر إلى الاستوديو قبل تصوير المشهد بنصف ساعة على الأقل، لتجلس على الكرسى وتعايش الأشياء التى ستتعامل معها حتى تظهر بطبيعتها، كما تعلمت منها أن المخرج يجب أن يحترم الممثل، أما أنا فساعدتها فى تنمية ثقافتها ووعيها من خلال الاندماج مع أصدقائى والاشتراك معهم فى الأحاديث ومناقشة القضايا العامة، كما أصبحت تهتم بتقييم مواضيع الأفلام ورؤيتها العامة وليس دورها فقط.

هل كانت تستعين برأيك فى ما يعرض عليها من أعمال؟

- سعاد كانت ذكية، وكانت تجمع آراء المقربين الذين تثق فيهم، مثلى ومثل صلاح جاهين، حتى تقدم أعمالا متميزة.

بحكم الزواج والصداقة التى استمرت بينكما هل ترى أن سعاد حسنى قد انتحرت بالفعل أم تم قتلها كما يظن البعض؟

- ليس عندى معلومة يقينية، ولكن بحكم علاقتى بها أتوقع أن تكون قد انتحرت بالفعل، خصوصا أنها كانت حزينة بسبب تغير شكلها، حيث أصبح جمهورها لا يعرفها، وكانت لا تريد أن تعود إلى مصر بهذا الشكل.

مَنْ من الممثلات الحاليات يمكن أن تكون امتدادًا لسعاد حسنى؟

- لا توجد بديلة لسعاد حسنى، لأنها تمتلك روحًا متفردة، ولكن تعجبنى من هذا الجيل ياسمين عبد العزيز، لأنها موهوبة.

لماذا تركت فيلا بدرخان التى تحمل كثيرًا من ذكرياتك؟

- أنا مرتبط نفسيا بهذه الفيللا، لكننى تركتها بسبب الظروف المعيشية، وهو ما أحزننى بشدة، خصوصا أن أصدقائى أصبحوا لا يزورونى كثيرا بسبب بُعد المسافة، حيث أقطن حاليا فى مدينة 6 أكتوبر.

بالصور.. 8 نجوم تركوا الجيش والشرطة من أجل «الفن»

محمد منسي

يُحب معظم المصريون "العمل الميري" نظرًا لما يتمتع به من امتيازات، وخير دليل على ذلك الأمثال الشعبية "دبورة على كمي ولا فدان عند أمي" و"إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه"، إلا أن عدد من نجوم الفن تمردوا على ذلك وتخلوا عن مناصبهم في القوات المسلحة والشرطة، من أجل "الفن".

أحمد مظهر .. عقيد جيش

لُقب مظهر بفارس السينما المصرية، تخرج من الكلية الحربية عام 1938 مع الرئيسين أنور السادات وجمال عبدالناصر، وألتحق بعدها بسلاح المشاة، وانتقل لسلاح الفرسان وتدرج إلى أن تولى قيادة مدرسة الفروسية وشارك في حرب فلسطين عام 1948 ثم تفرغ للتمثيل وانتهت حياته العسكرية برتبة عقيد.

سيد زيان .. طيار

التحق زيان بمعهد الطيران، حيث تخصص في هندسة الطائرات ثم عمل بالقوات الجوية في القوات المسلحة، إلا أنه ترك ذلك المجال من أجل "الفن".

عبدالخالق صالح .. لواء شرطة

مواليد 1913، تخرج من كلية الشرطة، عمل في سلك البوليس، وأنهى حياته العسكرية لواء بالبوليس، وبدأ بعد ذلك حياته الفنية عام 1958، مع المخرج عز الدين ذو الفقار.

محمود قابيل .. ضابط استطلاع

تخرج قابيل من الكلية الحربية عام 1964 وعمل ضابطًا بالقوات المسلحة، وظل ضابط استطلاع طوال فترة حرب الاستنزاف والإصابة التي لحقته حالت دون مشاركته في حرب أكتوبر 1973، ثم اتجه إلى الفن وشارك في أفلام عديدة قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التجارة، ثم عاد مرة أخرى في التسعينيات إلى السينما.

صلاح الدين ذو الفقار .. ضابط شرطة

تخرج صلاح من كلية الشرطة عام 1946، ليعمل ضابطًا ثم مدرسًا بالكلية، إلا أنه استقال ليتفرغ للفن، بعد أن منحه أخوه عز الدين ذو الفقار دورًا في فيلم "عيون سهرانة".

إيهاب نافع .. طيار مقاتل

تخرج من الكلية الجوية عام 1955 ومارس عمله كطيار مقاتلات، وقدم أول بطولاته السينمائية عام 1963 في فيلم "الحقيقة العارية" بجانب زوجته الفنانة ماجدة الصباحي، التي انفصل عنها فيما بعد.

يوسف السباعي .. عميد جيش

تخرج من الكلية الحربية عام 1937، وبدأ التدريس لطلبة الكلية الحربية سلاح الفرسان. وأصبح مدرسًا للتاريخ العسكري بالكلية الحربية عام 1943. وأختير مديرًا للمتحف الحربي عام 1949، وتدرج في المناصب حتى وصل لرتبة عميد وتقاعد عن الخدمة العسكرية، ليبدأ بعدها حياته الفنية حتى أصبح "فارس الرومانسية".

ممدوح الليثي .. ضابط شرطة

حصل على بكالوريس الشرطة، وكذلك ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس عام 1960، كما حصل على دبلوم معهد السيناريو، عام 1964، عمل في بداية حياته في الصحافة وهو مازال طالبًا بالشرطة لكنه ترك الشرطة واتجه إلى الفن.

التحرير المصرية في

21.05.2015

 
 

شهيد”.. لا كرامة لحقوقي في وطنه

بلال فضل – التقرير

بعض الأفلام تختار لك وقت مشاهدتها، فيزيدها توقيت المشاهدة أهمية وجمالًا، هذا ما حدث لي مع فيلم (شهيد)، الذي جاء مفاجأة جديدة من مفاجآت السينما الهندية، بعد فيلم (Lunch Box) الذي انبهرت به حين شاهدته قبل عام، بشكل جعلني أحرص على البحث المُلح عن الأفلام التي تخرج عن القوالب المعتادة للسينما الهندية، والتي تعودنا على ميلها للمبالغة في الفرح والحزن والرقص والغناء والأكشن والتمثيل.

“هل للمتهم بالإرهاب حقوق قانونية؟، وهل يصبح الدفاع عنه تواطؤًا مع الإرهاب، خصوصًا إذا اعترف المتهم بضلوعه في الجرائم الإرهابية؟”، يطرح فيلم (شهيد) الهندي للمخرج هاسنال ميهتا، هذه الأسئلة التي أصبحنا نواجهها في مصر بقوة مؤخرًا، وسط حالة السعار التي يواجه الكثيرون بها كل من يعترض على خطورة التسرع في أحكام الإعدامات في مناخ قضائي مسموم تحوّل فيه القضاء المصري من حكم إلى خصم. والمثير أن الفيلم الهندي (شهيد) لا يطرح هذه الأسئلة للنقاش من خلال قصة مختلقة مفعمة بالميلودراما؛ بل من خلال تقديمه وقائع حياة واحد من أبرز الناشطين الحقوقيين الهنود في الفترة الأخيرة، وهو المحامي شهيد عزمي، الذي دفع حياته ثمنًا لانحيازه للعدالة؛ حيث أصبح اسمًا على مسمى، بعد أن تم اغتياله عام 2010 في مدينة مومباي، التي ترافع في محاكمها عن عدد من أبرز المتهمين في قضايا الإرهاب، ليحصل خلال سبع سنوات فقط من عمله الحقوقي، على أحكام بالبراءة لـ 17 متهمًا، مثبتًا قيام أجهزة الأمن بتلفيق الأدلة التي تم اتهامهم بها، وحصولها على اعترافات بعضهم عبر التعذيب، وكانت آخر قضية ترافع فيها شهيد عزمي، هي قضية فهيم أنصاري أحد المتهمين في تفجيرات مومباي التي وقعت عام 2008، والذي منحته المحكمة العليا في الهند البراءة بعد اغتيال شهيد بفترة، ليثبت للجميع أن شهيد عزمي كان محقًا في اتخاذ قرار الدفاع عنه، برغم أن ذلك القرار كلفه الثمن الأغلى على الإطلاق: حياته التي لم تدم سوى 32 عامًا فقط.

تحمس مخرج هذا الفيلم وكاتبه هاسنال ميهتا لتقديم قصة حياة شهيد عزمي، عقب فترة قصيرة من اغتياله، لينجز الفيلم بعد عامين من العمل في سرية تامة، ويعرضه في مهرجان تورنتو الدولي عام 2012 وسط توقعات بمنع عرضه في الهند، وهو ما شعر به الكثيرون، حين تأخر عرض الفيلم داخل الهند؛ حيث لم ير النور داخل الهند إلا في أواخر عام 2013، جاء حماس هاسنال ميهتا لعمل الفيلم، بسبب تأثره الشديد بشخصية شهيد عزمي، الذي التقى به قبل عامين من اغتياله، خلال تحضيره لمشروع فني عن قضايا المتهمين بالإرهاب، وربما لم يكن سيجد من يساعده على إنتاج فيلم كهذا، يتناول شخصية لعب الإعلام الرائج دورًا كبيرًا في تشويهه بين الناس، وإظهاره بمظهر المدافع عن الإرهاب والكاره لاستقرار المجتمع الهندي، لولا أنه وجد منتجًا متحمسًا هو المخرج أنوراج كاشياب، الذي تحمس لصنع الفيلم، تقديرًا منه لشهيد عزمي الذي قام بالدفاع عن فيلم سابق قدمه أنوراج كاشياب في عام 2004 حول عمليات إرهابية وقعت في مدينة مومباي؛ حيث واجه الفيلم الذي حمل عنوان (الجمعة السوداء)، مشاكل مع الرقابة لفترة طويلة، بسبب تصويره كيف تقوم أجهزة الأمن بتعذيب بعض المتهمين لانتزاع اعترافات منهم، لكن الفيلم رأى النور في النهاية، لعدة أسباب من بينها الدعم القانوني الذي قدمه شهيد عزمي.

يبدأ فيلم (شهيد) بمشاهد لاهثة الإيقاع، تصور اندلاع أعمال شغب لأسباب دينية في شوارع الحي الفقير الذي يعيش فيه شهيد مع أمه وإخوته في مدينة مومباي، وكيف تشعر الأم بالرعب على تعرض أبنائها للقتل، لدرجة أنها ترفض فتح باب الغرفة الفقيرة التي يعيشون فيها، والتي لا بد أن تصعد إليها بسلم، برغم معرفتها أن شهيد ابنها هو الذي كان يطرق الباب، لكن مشاعر الخوف شلت قدرتها على التفكير، وجعلتها تخشى من أن يدخل خلفه من يقوم بقتل جميع أفراد الأسرة؛ فقررت للحظات أن تضحي به لكي يعيش بقية أبنائها، لكنّ أخاه الأكبر أصر على فتح الباب وأدخله إنقاذًا لحياته، لنرى كيف أثرت تلك الحادثة المفزعة على تكوين شهيد النفسي، وجعلته يقرر أن يواجه البطش الذي يتعرض له أبناء طائفته من المسلمين بالعنف المسلح؛ فقام بالهروب إلى القسم الباكستاني من مقاطعة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، ليقضي هناك فترة وجيزة في معسكر تدريب للمقاتلين المسلمين، الذين يتم إعدادهم لمحاربة السلطات الهندية، لكن شهيد خلال وجوده في المعسكر، يفاجأ بعملية إعدام تتم لشخص وصفه قادة المعسكر بالجاسوس، حيث قرروا قطع رأسه بالسيف دون محاكمة، فنراه يجري بجنون خائفًا ورافضًا أن يعود إلى هذا المكان الذي سيحوله إلى وحش يشبه الوحوش الذين رآهم في شوارع مومباي؛ ولذلك يقرر أن يترك هذا الطريق الذي لا يشبهه أبدًا وأن يعود إلى أسرته من جديد.

بعد عودته إلى مومباي، تلقي سلطات الأمن القبض عليه بالصدفة خلال عملية مداهمة متكررة للشارع الذي يقيم فيه، وبعد القبض عليه يتم اتهامه بالاشتراك في مؤامرة إرهابية لاغتيال بعض السياسيين، ويرينا الفيلم في مشاهد صادمة وصادقة، كيف يتعرض شهيد للتعذيب الوحشي، الذي يجعله يقرر الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، لكي يرتاح من وطأة التعذيب والإهانة والرمي في الزنزانة عاريًا وحيدًا، وبسبب تلك الاعترافات المنتزعة بالتعذيب، يصدر عليه الحكم بالسجن سبع سنوات، يقضيها في سجن تيهار في نيودلهي، ويرينا الفيلم كيف يتحول السجن إلى مفرخة لإنتاج المزيد من الخلايا المتشددة، وكيف يصبح الانتماء إلى تنظيمات دينية بديلًا عن بقاء السجين في حالة ضياع حقيقية داخل أسوار السجن، وهو المصير الذي كان يمكن أن يلقاه شهيد عزمي، لولا أن ساق الله إليه معتقلًا سياسيًا اسمه وار ساب، قرر أن يتبناه فكريًا وإنسانيًا، ونصحه بدراسة القانون، إذا كان راغبًا حقًا في رفع الظلم عن من هم مثله، معتبرًا أن “الالتحاق بالنظام القانوني واللعب على ثغراته هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسلكه من هم أمثاله؛ لأن طريق العمل المسلح لن يحقق أي انتصارات، وستكسب فيه الدولة دون محالة”.

بعد تبرئته التي جاءت متأخرة من التهم التي اعترف بها تحت وطأة التعذيب، وهي تبرئة يستغلها وار ساب لإثبات وجهة نظره في إمكانية انتزاع أي مكاسب من خلال العمل القانوني لمصلحة العدالة، يخرج شهيد من السجن، ويبدأ في دراسة القانون في مومباي، وبعد حصوله على شهادة في القانون، يعمل شهيد في مكتب المحامي مقبول ميمون لعدة أشهر، قبل أن يبدأ عمله كمحامٍ مستقل في مكتب صغير داخل دكان متواضع، بعد أن تلقى دعمًا ماليًا من أخيه الأكبر عارف، ويلتقي في هذه الفترة بسيدة جميلة اسمها مريم، مطلقة ولديها طفل صغير، وتنشأ بينهما قصة حب جميلة، ومع تطور العلاقة العاطفية بينهما، ندرك أن إقناع شهيد لأمه وإخوته بالزواج من مطلقة ليس أمرًا سهلًا؛ ولذلك فهو يتزوج مريم دون إخبار أهله في البداية، ثم يبدأ بشكل تدريجي في تعريف زوجته عليهم، ويضطرها في أحد المشاهد لارتداء الحجاب الكامل، لكي لا تنفر منها أمه المتدينة، وتوافق مريم على مضض لأنها تحبه وترغب في إكمال حياتها معه، ومع ذلك لم يسر لقاء مريم بأسرة شهيد على ما يرام، لكنه واصل حياته معها في منزلها في سعادة كان يظن أنها ستدوم.

يبدأ شهيد في الدفاع بحماس شديد عن عدد من المسلمين الهنود الذين تم القبض عليهم طبقًا لقانون مكافحة الإرهاب، متعاونًا في ذلك مع بعض المنظمات المدنية، يحقق نجاحه الكبير والملفت الأول، حين يحصل على البراءة للمتهم عارف بانوالا، الذي تم اتهامه بالاشتراك في تفجير أتوبيس بمدينة بومباي عام 2002، ويتوالى بعد ذلك دفاعه عن أحد المتهمين في قضية تفجير قطار بمدينة بومباي عام 2006، ليتم انتقاده إعلاميًا بشدة ويتهم بالدفاع عن الإرهابيين، ويبدأ في تلقي مكالمات تهدده هو وأسرته، ويبدأ في الاستغراق في عمله، بشكل يؤدي لحدوث مشاكل بينه وبين زوجته مريم، وتزداد الأمور سوءًا، حين تتحول التهديدات اللفظية إلى اعتداء بدني، حين يتعرض للضرب وتسويد وجهه بالزفت عقب خروجه من المحكمة في إحدى الليالي.

اختار مخرج الفيلم اللقطة التي يبدو فيها وجه شهيد مسودًا بعد الاعتداء عليه، لتكون لقطة أفيش الفيلم، لكنه اختار أيضًا أن يرسم على وجه بطل الفيلم الممثل راج كومار راو، علامات التحدي والرغبة في إكمال مشواره في الدفاع عن المتهمين بالإرهاب، وقد وجدت وأنا أقرأ عن الفيلم، أن مشهد تسويد وجه شهيد كان نقطة مشتركة بين مخرج الفيلم وبين شهيد عزمي نفسه؛ حيث سبق أن تعرض المخرج ميهتا هاسنال نفسه لتسويد وجهه في عام 2000 من قبل أعضاء في حزب (شيف سينا) اليميني المتطرف، والذين فعلوا به ذلك اعتراضًا منهم على فيلم له حمل عنوان (لا تأخذها على قلبك)، ناقش فيه مشاكل المهاجرين في مدينة مومباي، ويبدو أن هذه التجربة المؤلمة جعلت ميهتا هاستال يأخذ قصة الفيلم على قلبه؛ فقام بتصوير كثير من مشاهده في سرية تامة، لكي لا يتعرض لتعطيل التصوير، حتى أكمل الفيلم على خير ما يرام، وبدأ يناضل بعد ذلك من أجل خروجه إلى النور.

خلال مرافعة لشهيد عزمي في إحدى القضايا، يرينا الفيلم كيف يثير أداؤه القانوني المتميز استفزاز المدعية العامة التي تمثل الحكومة، والتي اندفعت إلى اتهامه بأنه يدافع عن الإرهابيين بقوة؛ لأنه كان في السابق إرهابيًا وتعرض للسجن على ذمة قضية إرهاب، فيرد عليها شهيد بغضب شديد، طالبًا منها سحب اتهامها فورًا؛ لأنها تهدر حق المتهمين في الدفاع والمثول أمام محاكمة عادلة، رافضًا أن يضع نفسه موضع الدفاع، ليذكرنا موقفه القوي بأن اختياره الدفاع عن المتهمين بالإرهاب، لم يكن إلا وسيلته الخاصة للرد على الظلم الذي وقع عليه من قبل، خاصة وأنه يعرف جيدًا كيف يتم انتزاع الاعترافات بالتعذيب، لكنه في نفس الوقت يرفض أن يحول حياته الشخصية إلى منطلق للدفاع عن موكليه؛ بل يركز على استخدام ثغرات “السيستم” التي حدثه عنها رفيق سجنه، لكشف قيام أجهزة الأمن بالتلاعب في القضايا، وقيامها باستدعاء شهود زور، يمكن له بالتركيز في استجوابهم، أن يقوم بفضح تناقضاتهم، بشكل لا يدع أمام القاضي فرصة لإدانتهم، حتى لو كان راغبًا في ذلك؛ ليظل أقصى ما يمكن للقاضي أن يفعله، هو أن يقوم بعرقلة الإفراج عن المتهم أطول فترة ممكنة، لكن شهيد يواصل ضغطه بالقانون على المحكمة، حتى ينتزع لموكله البراءة، بالطبع ستشعر بالأسى وأنت تشاهد أداء القضاة الهنود في الفيلم، وتتذكر المهازل التي يقوم بها محمد ناجي شحاتة وإخوته في محاكمنا الشامخة، فتدرك حجم المأساة التي نعيشها.

في تأكيد على مهارة شهيد عزمي القانونية، يرينا الفيلم كيف يستغل ثغرة في قضية فهيم أنصاري الذي تم اتهامه بالاشتراك في تفجيرات مومباي لعام 2008؛ حيث يقوم بالتركيز على خريطة زعمت أجهزة الأمن أن موكله قام بمنحها للإرهابيين، ليستعينوا بها في التفجيرات، فيرصد التناقض بين كون ملابس المتهم كلها غارقة في الدماء، بينما تخلو الخريطة التي كان يفترض أنها في جيبه من أي دماء، ليتخذ من تلك التفصيلة منطلقًا لإثبات تلفيقها كدليل، وهو ما يزعج الادعاء جدًا ويحرجه أمام الرأي العام وينسف كل جهوده لتلفيق القضية، فيكون ذلك دافعًا لتعجيل كارهي شهيد عزمي باغتياله، ليتم إطلاق الرصاص عليه في مكتبه من قبل اثنين من المسلحين، ليلقى حتفه على الفور، ولا يكتب له أن يشهد براءة موكله التي جاءت بعد فترة من اغتياله؛ لأن أجهزة الأمن فشلت في تقديم أي أدلة تربط المتهم بالتفجيرات.

الجميل أن مخرج الفيلم وكاتبه، وبوعي شديد، لم ينه فيلمه باغتيال شهيد؛ بل اختار أن يكون المشهد الأخير في قاعة المحكمة التي تنظر قضية فهيم أنصاري، حيث واصل رفاق شهيد تأدية مهمته القانونية حتى نجحوا فيها على أكمل وجه، لإيصال رسالة بأن اغتيال شهيد عزمي، برغم كل ما سببه من وجع وأسى للمدافعين عن حقوق الإنسان، لم يقض على إصرارهم في استكمال مهمتهم النبيلة، في إيقاف العبث الأمني بالقانون، واستغلال مشاعر الخوف التي يشعر بها الشعب الهندي، لتقديم كباش فداء إلى الإعدام، بدلًا من مواجهة حقيقة الفشل الأمني الذي يعجز عن توجيه ضربات قوية وناجعة للإرهاب.

كما قرأت، لم يلق الفيلم في البداية استقبالًا جماهيريًا جيدًا، لكنه بتأثير الاستقبال النقدي الجيد، الذي جعل حتى الكارهين لمضمونه لا يغفلون التميز الفني الذي صنع به؛ مما أدى إلى ارتفاع إيراداته شيئًا فشيئًا، ليحقق إجمالي إيرادات وصلت إلى 400 مليون روبية، وهو ما يعتبر نجاحًا تجاريًا مدهشًا، قياسًا إلى ميزانيته المنخفضة، وموضوعه المستفز للكثيرين الذين لم يقدروا تضحيات شهيد عزمي في حياته، ولم يحزنوا كثيرًا على رحيله؛ لأن فكرة الدفاع عن أي متهم، حتى لو كان متهمًا في قضية إرهابية، تزعجهم وتربكهم، وهو ما نشهده ونعيشه في بلادنا اليوم، حيث يتشدق الكثيرون بمبادئ قانونية؛ مثل (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، و(لكل متهم الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة)، لكنهم يصفقون لانتهاك هذه المبادئ التي تمثل جوهر العدالة، ويرحبون بتحول النظام القضائي إلى مكان لتصفية الحسابات والثأر والانتقام وغيرها من المعاني البدائية التي تجاوزتها كل المجتمعات المتحضرة، وهو ما يجعل مصير كل المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان، شبيهًا بمصير شهيد عزمي، سواءً بالاغتيال المعنوي أو التنكيل الأمني، وربما بالقتل على أيدي الذين تعرضوا لغسيل الدماغ، من يدري؟، فنحن الآن في زمن الزند، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التقرير الإلكترونية في

21.05.2015

 
 

الوثائقي والمؤسسات التعليمية

المصطفى الصوفي

أصبح من الضروري لدى العديد من الأكاديميين والباحثين والنقاد السينمائيين، انفتاح الممارسة السينمائية على المؤسسات التعليمية والجامعية، وذلك بهدف تقريب ثقافة الصورة إلى الطلبة المتعلمين، ومختلف التربويين، وجعل السينما أداة من أدوات التواصل والتعلُّم، فضلا عن تبسيط المنظومة التربوية، وتوافقها مع البرامج التعليمية، كحل مناسب، يضاف إلى حلول أخرى، للنهوض والسمو بالممارسة التعليمية.

ولعل الفيلم الوثائقي، الذي حظي باهتمام كبير من قبل الطلبة والباحثين في أطروحاتهم العلمية والجامعية، أصبح واحدا من الخصوصيات، الثقافية والإبداعية، التي استهوت الكثير من المخرجين هواة ومحترفين، من أجل ولوج الحرم الجامعي والتربوي، وكشف القناع عن الكثير من الجوانب المغيبة في تلك المؤسسات، وطرح العديد من الإشكاليات وفق منظور سينمائي وإبداعي هادف، وتسليط الضوء على ظواهر عدة تُميِّز العديد من المؤسسات، لطرحها ومناقشتها مع المهتمين والفاعلين، ضمن استراتيجية سينمائية تربوية تخدم في العمق العملية الإبداعية والتربوية معا.

خلق ثقافة سينمائية

في هذا الإطار، شهدت مدينة خريبكة، التي تحتضن العديد من التظاهرات السينمائية الوطنية الدولية، من أبرزها مهرجان السينما الإفريقية، الذي يعد أكبر تظاهرة سينمائية على الصعيد الإفريقي، والذي يقام منذ سنة 1977، فضلا عن المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، تنظيم الدورة الخامسة من مهرجان الشريط الوثائقي التربوي من 8 إلى 10 من شهر مايو الجاري، والذي  تعقده جمعية الأنشطة السينمائية التربوية بالتعاون مع شركاء عدة من بينهم المركز السينمائي المغربي، ونيابة وزارة التربية الوطنية، والمجمع الشريف للفوسفات، وغيره.

وتروم هذه التظاهرة السينمائية الوثائقية التربوية دمج الوسائل السمعية البصرية في المنظومة التربوية باعتبارها، عملا أساسيا للارتقاء بالأداء التربوي، وذلك من أجل خلق ثقافة سينمائية، تُحقِّق للمتعلمين القدرة على الفهم الصحيح والسليم لفلسفة الصورة ودلالتها، وتحليل الخطاب السينمائي وفق نسق علمي وإبداعي وتوظيف مكوناته في البرامج التعليمية.

عشرة أفلام وثائقية

وطيلة أيام المهرجان، الذي عرف تنظيم سلسلة فقرات خصبة من ندوات، وورش، وعروض أفلام متميزة تخدم صالح المنظومة التعليمية، استحسنها المتتبعون، وذلك ضمن مسابقة رسمية أشرفت عليها لجنة متخصصة ترأسها الناقد السينمائي والأكاديمي خليل الدامون رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب، وضمت في عضويتها كلا من السينمائي عبد الله المركي، والإعلامي والناقد السينمائي سعيد المزواري.

وقد أجمعت لجنة التحكيم بالمناسبة، على تميز أفلام المسابقة الرسمية، التي بلغت عشرة أفلام وثائقية، وذلك عبر تنوع مواضيعها وتيماتها، وقوة مستواها شكلا ومضمونا، صوتا وصورة، وبحثا حثيثا من أجل إقناع المشاهد بجدوى السينما الوثائقية في علاقتها بالنسق التربوي، وجعل الفيلم مادة خصبة للتربية والتعلم.

وقد عادت الجائزة الكبرى لهذا المهرجان لفيلم (كيو ـ كناوة) لمخرجه عبد الحكيم الجعواني من مدينة الصويرة، وذلك لبعده الشاعري والجمالي، وتسليطه الضوء على جانب مهم من المنظومة التعليمية وهو النشاط الموازي للدروس النظامية، فضلا عن تركيزه على موسيقى (كناوة) بأبعادها الإفريقية والكونية والتربوية الهادفة.

أما الجائزة الثانية فعادت للفيلم الوثائقي (كلام لحشومة) لمخرجه محمد برادة من مدينة تطوان شمالي المملكة، وذلك لقوة الموضوع، وبعده التربوي والأخلاقي الراقي، وجرأته وتسليطه الضوء على تيمة مسكوت عنها في المؤسسات التعليمية، تروم في الأساس تهذيب السلوك لدى المتعلمين. فيما آلت الجائزة الثالثة لفيلم (التوأم لغز التشابه) لمخرجه عمر ملوك من مدينة السمارة من الإقاليم الصحراوية.

السينما الوثائقية أداة معرفية

وإلى جانب الورش واللقاءات بين النقاد السينمائيين وضيوف المهرجان، والطلبة، والتربويين، تم تنظيم لقاءين فكرين مهمين، أطرّهما باحثون ومتخصصون، وذلك لمقاربة قضايا الفيلم الوثائقي في علاقته بالمنظومة التعليمية والتربوية، بهدف إذكاء روح الإبداع السينمائي الوثائقي لدى الطلبة، وجعل السينما الوثائقية أداة معرفية وتواصلية، تروم تطوير المواهب، والمدارك وملكات المعرفة والإبداع. ويتعلق الأمر بالدرس السينمائي الذي قدّمه الناقد السينمائي مجيد سيداتي الأستاذ الباحث في مادة التواصل والسينما بكلية الآداب ابن مسيك بمدينة الدار البيضاء، حول مقومات الكتابة السينمائية في الشريط الوثائقي، فضلا عن ندوة فكرية تمحورت حول موضوع السينما الوثائقية والتعليمية، والفيلم الوثائقي بين التوثيق والتخييل.

الفيلم الوثائقي يزهر داخل المؤسسات 

ومن أجل تسليط مزيد من الضوء على هذه التظاهرة السينمائية، التي تزاوج بين الوثائقي والتربوي، وفق صورة إبداعية رقيقة، قال مدير المهرجان الأكاديمي والسينمائي عبد اللطيف ركاني في تصريح خاص للجزيرة الوثائقية بالمناسبة، إن هذه التظاهرة المهمة للفيلم الوثائقي التربوي ليست استنباتا طفيليا، ضمن شبكة من المهرجانات الوطنية، والتي يقر أكثر من متتبع أنها وصلت إلى حد التخمة، مما خلق نقاشا حول مدى صحية هذه الظاهرة وهو نقاش مشروع، كما أن هذا المهرجان ليس ترفا فكريا وانجرارا وراء موضة اسمها المهرجانات، بل هو استجابة لحاجة ملحة، لجعل الفيلم الوثائقي يزهر داخل المؤسسات التعليمية، وجعل أجيال الغد من التلاميذ والطلبة، يستمتعون بثقافة الصورة، التي تعد أداة حقيقية للتثقيف والتعلُّم، وتهذيب الذوق الفني والجمالي، وبتيمات الفيلم الوثائقي التي يشتغل عليها المخرجون كل واحد على حدة، هذا فضلا عن مواكبتهم لما جد في مجال السينما الوثائقية التعليمية والتربوية، في أفق استثمار الخطاب السينمائي الوثائقي، كمرتكز حقيقي لتخصيب المدارك المعرفية والأنساق البيداغوجية في المؤسسات التعليمية.

الريبورتاج يطغى على السينما الوثائقية  

وأضاف ركاني أنه إذا كان من وراء ظهور السينما الوثائقية على مرّ التاريخ السينمائي العالمي، عدة عوامل منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي، كالتطور التقني المتمثل في ظهور كاميرا محمولة، ذات ضجيج ضعيف أثناء التصوير، وقادرة على التسجيل المتزامن، لكل من الصورة و الصوت، فضلا عن كون السينما الوثائقية أو الفيلم الوثائقي يظلّ حبيس التعريف المتداول ألا وهو المعالجة الخلاقة للواقع، فإننا نعيش اليوم ظروفا تتميز بثورة معلوماتية يمكن القول معها أن كل فرد تقريبا أصبح متملكا لـ "كاميرا" (كاميرات رقمية صغيرة الحجم و متطورة، هواتف نقالة...) إضافة إلى إمكانية ولوجه إلى برامج المونتاج... هذه الوضعية كرّست هيمنة تقنيات المباشر وجعلت الريبورتاج يطغى على السينما الوثائقية  يتكلم باسمها، والأخطر من ذلك هو أن الواقع صار مختزلا في مظاهره، والفن في تسجيله الخام لهذه المظاهر، متناسين أن قيمة الفن تكمن في مدى قدرته على إظهار المخفي.

ولفت ركاني إلى أن التفكير في خلق المهرجان الوطني للفيلم الوثائقي التربوي بخريبكة أملته الحاجة إلى الانفتاح على تجارب راقية وطنية وعربية ودولية، خلق فضاء لتأطير الطاقات الشابة التي وجدت نفسها حاملة للكاميرا، وشغوفة بتوثيق كل ما تراه يستحق المشاهدة، نظرا للجو العام الذي ذكرناه، دون أن تكون لها دراية بالثقافة السينمائية و بقضايا الكتابة – القراءة السينمائية، وبالتالي فإن النظرة التي تحكمت فينا منذ البداية هو أن نجعل من هذا المهرجان فضاء للتفكير في السينما بصفة عامة، وفي الفيلم الوثائقي بصفة خاصة، وربط ذلك بالمدرسة، آملين في جعل ممارساتنا سواء تعلّق الأمر بالتعبير بواسطة الفيلم أو باستعمال الفيلم كوسيلة بيداغوجية أو ديداكتيكية ممارسات واعية.

ترسيخ قيمة الفيلم الوثائقي

وشدّد مدير المهرجان بالمناسبة على أن المتتبع لسلسة الأنشطة التي نقوم بها يدرك جليا توجهات هذا المهرجان الفريد، من خلال فيض من الندوات الفكرية، والدروس السينمائية التي تعاطينا معها مثل "إشكالية الصدق والكذب في الفيلم الوثائقي"، "الفيلم الوثائقي بين الإخراج وحجة الصورة"، "العملية التعليمية التعلمية، السينما الوثائقية: الفيلم الوثائقي بين التوثيق والتخييل"، "مقومات الكتابة السينمائية في الفيلم الوثائقي"، الأمر الذي يوضح أننا نعطي قيمة فضلى للفيلم الوثائقي، عرضا، ومناقشة، بين المهنيين والباحثين والأكاديميين، والتربويين، وذلك من أجل الرقي، بثقافة الفيلم الوثائقي، داخل المؤسسات التعليمية، التي تُعتبر فضاء راقيا ومهما، لإشاعة وترسيخ فلسفة هذا المكوِّن الإبداعي والثقافي والجمالي.

وأضاف أن ترسيخ قيمة الفيلم الوثائقي، من خلال هذه التظاهرة السينمائية التي تعد شامة الثقافة الفوسفاتية نسبة إلى عاصمة الفوسفات مدينة خريبكة، يأتي أيضا بالإضافة إلى الندوات الفكرية وحلقات النقاش، من خلال تنظيم العديد من الورش التكوينية للطلبة والتلاميذ، أو من خلال عرض عدد من الأفلام المقترحة، وهذه السنة تم عرض جملة من الأفلام الوثائقية المغربية والعربية الجميلة، وهي "الحال" للمخرج المغربي أحمد المعنوني، و"صداع"  للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني، و"الماء الفضي" للمخرج السوري محمد أسامة و "أشلاء" للمخرج المغربي حكيم بلعباس، وهي تجارب سينمائية وثائقية، وإن كانت مختلفة، لا أنها تقدم إشراقات وإطلالات إبداعية مهمة، ونماذج فيلمية ممتعة، يستشف من خلالها المتلقي والجمهور، كم هو جميل وساحر هذا الإبداع السينمائي الوثائقي، الذي يلامس قضايا، ومواضيع ذات أبعاد اجتماعية ووجدانية وإنسانية مشوِّقة للغاية.

التخييلي أكثر عكسا للواقع

كما أشار ركاني إلى أن تنظيم الدورة الخامسة من المهرجان تحت شعار "علينا تخييل الواقع لجعله قابلا لإعمال الفكر فيه"، لم يكن عبثا، بل جاء بوعي كبير اليوم، على أن الحدود بين السينما التخييلية والسينما الوثائقية تظلّ وهمية، مدركين أن طبيعة السينما نفسها (أضواء على شاشة) تجعل منها حتى في أقصى درجات الواقعية، كذب يمكن أن يقول الحقيقة، مضيفا أن تاريخ السينما يزخر بالعديد من المفارقات، فكم من فيلم وثائقي مسخ الواقع، وكم من فيلم تخييلي كان أكثر عكسا للواقع، وأكثر مصداقية، مؤكدا على أن إدارة المهرجان الوطني للفيلم الوثائقي التربوي بخريبكة تعمل قدر المستطاع من أن تُغيِّر بوصلة التقابل، من بوصلة وثائقي في مقابل تخييلي إلى بوصلة الإبداع. و في هذا الإطار فإن الأفلام الوثائقية التربوية المنتجة إلى الآن وإن حققت تقدما ملموسا على المستوى التقني، فإن البعد الجمالي الإبداعي لا زال يشكل بالنسبة  لنا مطمحا كبيرا، ورهانا مستقبليا كبيرا من الضروري كسبه والحفاظ عليه.

الجزيرة الوثائقية في

21.05.2015

 
 

فيلم (طبقة الصوت المثالية 2)

عودة إلى العروض الموسيقية الكوميدية

عمان - محمود الزواوي

فيلم «طبقة الصوت المثالية 2» فيلم موسيقي كوميدي من إخراج الممثلة إليزابيث بانكس، وهو أول فيلم روائي طويل من إخراجها إلى جانب إخراج ثلاثة أفلام قصيرة، وتشارك في بطولة هذا الفيلم، وهي منتجة مشاركة للفيلم. ويستند هذا الفيلم إلى سيناريو للكاتبة السينمائية كاي كانون، بالتعاون مع الكاتب ميكي رابكين الذي وضع شخصيات القصة. والكاتبة كاي كانون هي مؤلفة سيناريو الفيلم السابق «طبقة الصوت المثالية» (2012).

ويواصل فيلم «طبقة الصوت المثالية 2» أحداث ومغامرات الفيلم الأول، وهو فيلم نسائي بامتياز. فهو من إخراج الممثلة إليزابيث بانكس وسيناريو الكاتبة كاي كانون وتقوم ببطولته مجموعة متكاملة من الممثلات اللاتي يعود معظمهن من الفيلم الأول، وفي مقدمتهن أنا كيندريك وريبيل ويلسون وبريتاني سنو وأنا كامب، وتنضم إليهن في هذا الفيلم الممثلة هالي ستانفيلد. ويعود في أحداث قصة الفيلم الجديد الفريق الغنائي الجامعي بيلاز الذي يكون في قمة نجاحه بعد فوزه ببطولة كابيلا الجامعية على مدى ثلاث سنوات متتالية. إلا أن هذا الفريق الغنائي يتعرض لمحنة غير متوقعة أثناء تقديم أحد عروضه الغنائية في مركز لنكولن الشهير بمدينة نيويورك بحضور الرئيس باراك أوباما حين يسقط عن الممثلة الكوميدية الأسترالية البدينة جزء من ملابسها بطريق الخطأ ويكشف عن جزء من جسمها، ويسبّب ذلك إحراجا للجامعة التي يرتبط بها هذا الفريق الغنائي خلال نقل هذا العرض على شاشات التلفزيون. وتقرر الجامعة حرمان هذا الفريق الغنائي من المشاركة في المسابقات الجامعية إلى أن يثبت وجوده عن طريق الفوز ببطولة العالم في مسابقة غنائية لم يسبق لفريق غنائي أميركي أن فاز بها من قبل. ويتعين على عضوات الفريق تقديم بعض التنازلات المتعلقة بالمسيرة المهنية لبعضهن وتعزيز أواصر الصداقة بينهن والتماسك والتحالف وتقديم أفضل عروضهن الغنائية الممكنة للفوز بالبطولة العالمية.

وتتخلل أحداث فيلم طبقة الصوت المثالية 2» سلسلة متواصلة من المواقف الكوميدية والعروض الموسيقية الرائعة والجميلة، كما تتخلل هذه الأحداث بعض العلاقات الغرامية الجانبية. ويتميز الفيلم بقوة الإخراج وسلاسة السيناريو والحوار وقوة أداء الممثلات في الأدوار الرئيسية والمساعدة، وفي مقدمتهن أنا كيندريك وريبيل ويلسون، إلى جانب أداء الممثلة ومخرجة الفيلم إليزابيث بانكس والممثل مايكل هيجينز في دوري مذيعين يتعقبان الفريق الغنائي في كل مكان. وتنجح المخرجة إليزابيث بانكس في أول فيلم روائي طويل من إخراجها في نقل خبرتها السينمائية والتلفزيونية الطويلة في التمثيل إلى ميدان الإخراج. ومما قالته هذه المخرجة «بما أن الجمهور أعجب بالفيلم الأول إلى درجة كبيرة، فقد شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه هواة السينما وتجاه زملائي الممثلين في المواظبة على تكريس اهتمامي لهذا الفيلم في كل يوم».

وصعد فيلم «طبقة الصوت المثالية 2» في أسبوعه الافتتاحي إلى المركز الأول في قائمة الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات في دور السينما الأميركية، وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية لهذا الفيلم 108 ملايين دولار خلال الأيام الثلاثة الأولى لعرضه، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 29 مليون دولار. وافتتح هذا الفيلم في 3473 من دور السينما الأميركية، وعرض في 45 دولة حول العالم، بينها دولتان عربيتان.

ومخرجة الفيلم إليزابيث بانكس نجمة مرموقة من نجمات هوليوود، ويشتمل رصيدها السينمائي على بطولة 70 فيلما سينمائيا ومسلسلا تلفزيونيا، من ضمنها سبعة أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية في كل من العامين 2014 و2015. وفازت خلال مسيرتها الفنية بثماني جوائز سينمائية وتلفزيونية. وبلغت هذه الممثلة القمة في رباعية أفلام الحركة والمغامرات «مباريات الجوع» التي صدر الأفلام الثلاثة الأولى منها بين العامين 2012 و2014، وسيعرض الفيلم الرابع في هذه السلسلة في أواخر العام 2015. وحققت الأفلام الثلاثة الأولى في هذه السلسلة نجاحا جماهيريا كبيرا، وبلغت إيراداتها العالمية الإجمالية 2,31 مليار دولار.

الرأي الأردنية في

21.05.2015

 
 

الفيلم في غياب السيناريو

فيم فيندرز ترجمة: أمين صالح

فيم فيندرز، مخرج ألماني شهير، حقق عدداً من الأعمال الهامة في السينما العالمية. هنا يتحدث عن تجربته في تحقيق فيلمين له: (أجنحة الرغبة -Wings of (Desire، (باريس تكساس - Paris Texas).. نفّذهما من دون أن تتوفر له القصة، ومن غير الاستعانة بسيناريو متكامل، محدّد الشخوص والأحداث والحبكة.. منطلقاً من مكانٍ ما، صورةٍ ما، رغبةٍ ما في «الحفر عميقاً داخل المكان»، في اكتشاف شيء يراه في حالة جنينية، غامضة، مكتنفة باللغز.

ظللت أتجوّل في برلين لأسابيع، لشهور، محدّقاً في المباني والأماكن، ملتقطاً الصور، منصتاً إلى اللغة الأم، الألمانية، كما لو أسمعها للمرة الأولى. كنت أعيد اكتشاف بلادي.

كنت أرغب في معرفة كل شيء عن سكان برلين، ماضيهم، تاريخهم، أفكارهم السريّة. المدينة هي التي استمالت هذه الرغبة. أردت أن أروي قصة هذه المدينة. كانت لا تزال مدينة منقسمة. شعبان مختلفان كانا يعيشان هناك، رغم أنهما يتحدثان اللغة نفسها. إنها المدينة ذات السماء المنقسمة، إذا جاز التعبير. سمّيت مشروعي «السماء فوق برلين»، لكن لم تكن هناك قصة على الإطلاق، ولا أي مفتاح. بل حتى لم تكن لدي شخصيات مرسومة. لا شيء غير الرغبة في الحفر عميقاً داخل هذا المكان.

بحثاً عن فيلم

بالطبع كنت أبحث عن الشخصيات. لقد حاولت أن أجد بعضاً ممن يتواجدون كثيراً هنا وهناك، مصادفين العديد من الأشخاص، من أجل أن أكون قادراً على النظر إلى الكثير من الشقق، وأن أدرس حيواتهم. فكرت أن أجعل بطل الفيلم ساعي بريد، أو سائق تاكسي، أو إطفائياً. فكرت أن يكون طبيباً أو بائعاً متجولاً. فكرت في الغرباء الذين يصلون ويضيعون، مثلي. لكن ولا واحد من شخصياتي الرئيسية المحتملة حقق، حتى على نحو ضئيل، رغبتي في اكتشاف هذه المدينة، وفي كشف النقاب عنها.

كنت بالفعل ممسوساً بذلك المكان. شعرت بوضوح تام أن المدينة ترغب في أن تتحوّل إلى فيلم، وتريد أن تستخدمني كأداة لفعل ذلك. وأنا بدوري كنت راغباً في ذلك.

فيما كنت أتجوّل، وأحدّق في البيوت، رأيت كمية هائلة من التصاميم والديكورات والدعامات والنصُب والأقواس وأشياء لم ألاحظها من قبل. الكثير منها كانت تحتوي على أشكال أو رسوم لملائكة.. وهذا الشيء أدهشني حقاً. المقابر أيضاً كانت مزدحمة بأشكال الملائكة. بالنتيجة، راحت المدينة على مهل تفرض هذه الأشكال عليّ.

المدينة فرضت الشخصيات الرئيسية، وكنت واثقاً من أن المدينة أيضاً سوف تعتني بقصتهم.

شرعت في هذا الفيلم من غير أن يتوفر لديّ سيناريو. على الجدران في مكتبي ألصقت الكثير من الصور التي التقطتها للأماكن التي من المفترض أن تظهر في الفيلم، ولمختلف الأشخاص الذين أردت أن أكتشفهم بوساطة الملائكة، والكثير من الأفكار للمشاهد. الاحتمالات كانت لا نهائية. بوسع الملائكة أن يظهروا في أي مكان. ومن خلال إدراكهم الحسي، يمكن لأي شيء أن يتكشف. ليس فقط لأنهم غير مرئيين، بل إن بمقدورهم أيضاً سماع أكثر أفكار البشر سريّةً.

إن عملية تحقيق فيلم من غير وجود سيناريو يشبه إلى حد بعيد كتابة الشاعر لقصيدته. مثلما هو لا يعرف سلفاً ما الذي سيقوله في البيت التالي من القصيدة، كذلك أنا لا أعرف ما الذي سأصوره في اليوم التالي. كل شيء ممكن مع هؤلاء الملائكة. الأماكن كانت كلها مصطفة على ذلك الجدار في مكتبي، وبمجرد التحديق فيها أجد الإلهام الذي يساعدني في اليوم التالي من التصوير.

اليوم، فيلم (أجنحة الرغبة - Wings of Desire) يعد وثيقة تاريخية عن المكان الذي زال نهائياً. هذه المدينة لم تعد موجودة. مدينة جديدة حلّت مكانها.

بحثاً عن هويّة

في الأفلام الأميركية نفتقد الواقع، نفتقد الهوية. قليلة هي الأفلام التي نجد فيها أجواءً محلية قوية، أو تبدو محددة ودقيقة، أو تبدي اهتماماً بالصفات المميزة. الأفلام الأميركية تتجنب ذلك لأنها تخشى أن يفقد الجمهور اهتمامه. كما لو أن الكثير من «الواقعية» و»الحقيقة المحلية» سوف يتعارض أو يتضارب مع «القصة». القصص تبدو أكثر وضوحاً وهيمنة.. إنها في المركز، في بؤرة الاهتمام. القصص تريد أن تكون الأولى في ترتيب الأسماء، أن تكون في موقع متقدم.

عندما جلسنا معاً، أنا وسام شيبرد (كاتب السيناريو، وهو ممثل وكاتب مسرحي)، في العام 1982، للبدء بتشكيل نصٍ لفيلم سوف يحمل اسم «باريس - تكساس»، روى كل منا الكثير من القصص من أجل اكتشاف أرضية مشتركة. لكننا أدركنا أننا لن نجد ذلك في «قصة ما». ثمة الكثير من القصص، كانت متصلة ولا نهائية، فيما كنا نتبادل الحديث.

بالأحرى، اكتشفنا الأرضية المشتركة في المكان: الغرب الأميركي، وبصورة دقيقة أكثر، في صحراء الغرب، التخم الذي يفصلها عن المكسيك. تلك الأماكن المنسية، المهمَلة، الصغيرة، في منتصف اللامكان.

لم يتعيّن علينا أن يقنع أحدنا الآخر بأن ذلك المكان جدير بأن ننطلق منه لتحقيق فيلمنا هناك. كنا نعرف. لا مجال للشك أو الاعتراض. لا إعادة نظر.

لذا عندما اتفقنا على أن فيلمنا سوف يبدأ من هناك، من دون أي نقاش، تقريباً أشبه باتفاق صامت، منحتنا الصحراء شخصيتنا وقصتنا. رجل بلا ذاكرة يحاول أن يعيد اتصاله بالماضي، وأن يجد عائلته المفقودة.

عندما استحضرنا، أنا وسام، اسماً للمكان، صار بوسعنا كتابة المشهد التالي. خط سير الرحلة أضحى هو مجرى قصتنا. وعنوان الفيلم، باريس - تكساس، لم يكن اسم مدينة، بقدر ما صار مجازاً لسيرة بطلنا الممزقة.

أنا وسام شيبارد لم نكتب أبداً سيناريو كاملاً. كتبنا نصفه، وكان في نيّتنا أن نصوّر حتى المنتصف، وأن نتعرف جيداً على شخصياتنا، أن نعرف كل شيء عنها ثم نكتب النهاية التي سوف تتجلى من هذه الشخصيات على نحو عضوي، وعلى نحو طبيعي، وليس من رحم قصة اخترعناها منذ وقت طويل، قبل أن تسنح لشخصياتنا الفرصة لأن توجد. سام كان يرافقنا أثناء التصوير، يسافر معنا، يختبر معي المكان والممثلين، بعدئذ يكتب المشاهد فيما نتقدم ونعمل متعاونين.

كانت فكرة جميلة، غير أنها لم تنجح. عندما صورنا الفيلم أخيراً، بعد تأجيل لفترات متعددة، لأسباب تتصل بالتمويل، في الدرجة الأولى، كان سام قد وقّع عقداً كممثل في فيلم آخر يصوّر بعيداً في الشمال. لذلك باشرت تصوير فيلمي من غير وجود كاتب إلى جواري. بعد وقت، بدأ السيناريو يتناقص حتى لم تعد هناك صفحات مكتوبة، وأنا لم أكمل بعد نصف الفيلم. لذلك توقفنا عن التصوير.

بحثاً عن نهاية

على كل حال، كنت أفكر في النصف الثاني من القصة، وأنا في حالة يأس شديد، ولا أعرف كيف أنهي الفيلم. كل ما أعرفه أنه سينتهي في مكان ما في تكساس. (لأني هنا لا أريد أن أختبر ذاكرة من شاهد الفيلم، فسوف أشرح: بطل الفيلم فاقد للذاكرة، وهو أخيراً يعثر على ابنه في لوس أنجلس، ثم يعود مع ابنه الصغير إلى تكساس ليعثر على زوجته، أم الطفل). هكذا، فإن كل ما نعرفه هو أن الأحداث سوف تعود لتدور في تكساس.

لم أستطع أن أفكر في أية طريقة مرضية ومقبولة لإنهاء قصتنا، إلى أن تخليت عن محاولة اختراعها وشرعت في التفكير في الأماكن التي كنت أعرفها. تذكرت إلى أي مدى أثّرت فيّ مدينة هوستون بوصفها «مدينة الفُطْر» التي نمت بمثل لمح البصر، طالعةً من اللامكان. تذكرت وفرة «الفضاء» في تكساس. والقصة أخذت في التشكّل. تذكرت بورت آرثر، أكثر البلدات التي زرتها في حياتي إثارةً لليأس. تذكرت صورةً التقطتها لحانة رخيصة تضم مكاناً فيه يمكن إشباع الرغبة الجنسية عن طريق اختلاس النظر. والقصة بدأت تتخذ المسار الصحيح.

تحدثت إلى سام عبر الهاتف ووصفت له تلك الأماكن. هو على الفور فهم ما أريد. بناءً على وصفي لتلك الأماكن، كتب ما اعتبره من أكثر الصفحات إدهاشاً في أي سيناريو قرأته في حياتي. لقد كتب تلك الشخصيات المضطربة بناءً على معرفته بالأماكن المضطربة.

عبر الهاتف أملى عليّ المشاهد. كان ذلك قبل انتشار أجهزة الفاكس. ثم باشرت تصوير الجزء الثاني من فيلمي بناءً على المعرفة الكثيفة للأماكن. لم يكن لدينا أي وقت للقيام بمزيد من البحث عن مواقع. لم تكن هناك حاجة لذلك: تلك المواقع قد ارتادت قصصها، وليس العكس.

الأمكنة تكشف القصص وتجعلها تحدث. ليس صحيحاً أن القصص تحدث بأية طريقة كانت، وهي تحتاج فحسب إلى «مواقع» لكي تحدث. إننا نعثر على الأشياء مصادفةً. في طريقنا نجد الصور أو القصص. نحن، في أفضل الأحوال، مكتشفون لها، ولسنا مخترعين.

الإتحاد الإماراتية في

21.05.2015

 
 

الترافيك ينقضّ على دنيا مسعود

محمد الخولي

القاهرةلن يمرّ هذا الأسبوع من دون أن يكون اسم المطربة دنيا مسعود (الأخبار 20/9/2006) حاضراً في دعوى قضائية تتهمها بـ«ازدراء الأديان»، وسيطالب المحامون بمنعها من دخول البلاد، وإسقاط الجنسية المصرية عنها! هكذا تسير الأمور دائماً، خبر يحمل صورة أو تصريحاً لشخص ما يتعلّق بالدين، فيسارع أحد المحامين الغيورين الى تجهيز عريضته القانونية وتقديمها للقاضي الذي يحدّد جلسة سريعة للحكم في القضية.

وهذا الأسبوع كان أسبوع دنيا مسعود، شغلت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بسبب تاتو وضعته على ظهرها في أحد الإعلانات لحفلة لها.

الوشم سبب الأزمة عبارة عن بيت شعر اقتبسته من قصيدة «زرقاء اليمامة» للشاعر المصري أمل دنقل، وكتبته كوشم على ظهرها «خصومة قلبي مع الله».

كان الأمر ليمرّ بسلام لولا أن الأمر يتعلّق بالله، وهو المادة التي تُسحر كل رواد المواقع الإخبارية واللاعبين على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً أن الصورة سبب الأزمة تعود إلى شباط (فبراير) الماضي، خلال إعلانها عن إحدى حفلاتها في باريس.

موقع «اليوم السابع» التقط الصورة من على الصفحة الرسمية لدنيا، ووضعها كخبر على الموقع الذي يسعى دائماً إلى مشاهدات تمكّنه من المنافسة على البقاء كأحد أهم المواقع الإخبارية. لذلك، لا يجد الموقع أيّ أزمة في اختلاق أزمات من الفراغ، كلّ شيء مباح من أجل “الترافيك”.

رسمت الفنانة تاتو على ظهرها بيتاً من قصيدة أمل دنقل

الموقع نشر صورة لظهر دنيا مع خبر بعنوان «دنيا مسعود تثير الجدل بسبب خصومة قلبي مع الله». وبذلك، انتقل الهجوم في المساحة الضيقة على صفحة دنيا على الفايسبوك إلى المواقع الإخبارية، فتبارت المواقع في نشر الخبر، ولكن لكل واحد منها نكهته الخاصة.

منهم من وعد قارئه بالتفاصيل التي دفعت دنيا إلى الإلحاد، ومنهم من تحدث عن «الفنانة المغمورة التي ألحدت لتصنع لنفسها دعاية». وتنافست المواقع على تغطية الحدث الأهم في تاريخ البشرية «إلحاد دنيا مسعود»، واستعانت المواقع بمحللين نفسيين ورجال دين للبحث في أسباب توجّه الشباب إلى الإلحاد، وخطورة الإلحاد على البلاد والعباد. ورويداً رويداً، انتقلت أزمة دنيا إلى شاشة التلفزيون، وفي برامجه وطبعاً كانت التعليقات سواء على المواقع الإخبارية أو على الصفحة الرسمية لدنيا ممتلئة بنصائح ودعوات بالعودة إلى الله.

وتعاني المواقع الإخبارية المصرية من أزمة كبيرة. يبحث كل واحد منها عن زوّار بأيّ طريقة، لذا تكون أخبار المنشطات الجنسية، وأسباب سرعة القذف في العلاقات الجنسية، وأخبار الدين والعناوين الصفراء أكثر الأخبار قراءة على هذه المواقع.

الأخبار اللبنانية في

21.05.2015

 
 

حسن مصطفى: «ناظر مدرسة المشاغبين» وأستاذ الكوميديا الأطول عمرا فنا وعطاء

كمال القاضي - القاهرة ـ «القدس العربي» :

إشتهر بالأدوار الكوميدية على خلفية أدائه المرح في المسرح، وربما كانت بدايته الناجحة في مسرحية «أصل وصورة» عاملا أساسيا في أن يصنف حسن مصطفى فنانا كوميديا بامتياز، ولكن ذلك لم يمنعه من القيام بأدوار مختلفة مجافية للنمط الكوميدي المعهود. وليس غريبا أن يكون هو نفسه من قدم شخصية معاون البوسطة مع القدير شكري سرحان في فيلم «البوسطجي» المأخوذ عن رواية»دماء وطين» للروائي يحيى حقي، حيث قدم ببراعة دورا مركبا تراوحت طبيعته بين العامل البائس موظف الحكومة، وذلك الشخص المتواطئ مع العمدة المتلصص على أخبار أهل القرية الكاره لمدير مكتب البريد والمعادي للضبط والربط والنظام.

وبين هذا الدور التاريخي ودوره مع فؤاد المهندس في واحدة من بطولاته الكوميدية مع شويكار كانت المسافة شاسعة فشخصية «فانتو ماس» إحتلت حيزا بارزا وكادت تطغى على الأدوار الرئيسية، ولا نبالغ إذا قلنا إنها أثارت غيرة المنافسين له في هذا اللون الخفيف، فقد تأكدت قدرة الفنان على التباين في الأداء وإمتصاصه للشخصيات بكل إختلافاتها النوعية والمزاجية.

تميز الفنان حسن مصطفى، الذي رحل عن عمر يناهز 81 عاما بالتلقائية الشديدة وخفة الظل وهذه السمة كانت هي الغالبية على معظم أدواره إذ لا يمكن أن ننسى دوره في فيلم «أميرة حبي أنا» مع سعاد حسني وحسين فهمي وسمير غانم وعماد حمدي، حيث أسند إليه المخرج الكبير حسن الإمام دور موظف وهو دور عادي للغاية كان يمكن أن يمر مرور الكرام لولا أن أداء الفنان القدير كان فارقا بما أضافه عليه من مكسبات الطعم ونكهة الكوميديا الخاصة، فضلا عن إمتزاج الدور بالموسيقى والمسرح باعتبار أن الموظف كان مسؤولا عن الفرقة المسرحية للشركة ومحبا للفن ودائم التشجيع لأميرة أو سعادة حسني على التفوق في التمثيل والغناء، هذه الخصوصية للدور الصغير كانت سر النجاح ومفتاح الشخصية التي لعبها الراحل باقتدار فعاشت طويلا وبقيت راسخة في الذاكرة كدور لا يقل أهمية عن أدوار أخرى تميز فيها الممثل المحترف.

في فيلم «أفواه وأرانب» وقف الفنان الكوميدي أمام سيدة الشاشة فاتن حمامة ليلعب دورا مغايرا هو خولي في عزبة محمود ياسين يعتمد عليه في كل كبيرة وصغيرة تخص الزراعة وأحوال الفلاحين، إلى هنا يبدو الدور عاديا أيضا ولا يحتاج للممثل بخبرات حسن مصطفى، لكن يحدث التحول وتبرز مستويات التركيب في الشخصية بظهور «زاهية» أو فاتن حمامة، التي تسلبه صلاحياته بما تتميز به من جدية ودأب فيكشر «فتحي الفوكهي» الفلاح الطيب عن أنيابه، مدافعا عن موقعه ومكانته لدى محمود بيه، الذي ركز إهتمامه كله على الزائرة الجديدة من خلال حوار بسيط وتفاصيل صغيرة تتجلى موهبة الفنان في أضيق المساحات الدرامية وهي براعة أشبه ببراعة كاتب القصة القصيرة الإحترافي المخضرم حين تسفر قدراته عن الموهبة والخيرة.

وإذا كانت هذه ملامح أداء حسن مصطفى في السينما، فهناك من الأعمال التلفزيونية ما يستحق الإشارة كونها أعمالا ساهمت في نجاحه وإرتباط الجمهور به كممثل قدير تجاوز فكرة البطولة وإجتهد وأجاد في ما أسند إليه وقدم نماذج مهمة من دراما عائلية ومتنوعة كان من بينها مسلسل «أوراق الورد» مع المطربة وردة الجزائرية، في فترة الثمانينيات، حيث جاء دور الأستاذ قمحاوي المدرس بالتعليم الأساسي بارزا إلى حد كبير فهو من حاول التقرب من زميلته في المدرسة «وفاء» وإرتبط بها عاطفيا، ولكنه لم يظفر بحبها فظل يسعى لنيل الرضا والود، واستمرت الأحداث على هذا النحو تخبرنا في كل حلقة عن الجديد والمثير في تجربة العاشق الولهان.

وللأمانة فإن دور حسن مصطفى في هذا المسلسل كان الأميز لا سيما المشاهد التي جمعت بينه وبين ملك الجمل فهي الأكثر حيوية وصدقا.

وفي سياق الحديث عن الأدوار التليزيونية، لا يمكن إغفال الدور الرئيسي والجماهيري في مسلسل «البرادعي»، وهو العنوان المتداول بين الناس لواحد من أهم الأعمال الفنية البوليسية في فترة الثمانينيات المذكورة سلفا، فمن خلاله حقق الراحل شهرة واسعة والتصق به إسم الشخصية من فرط الإعجاب بها، ولم يكن هذا الدور بالقطع هو الوحيد الذي ترك أثرا إيجابيا في مسيرة النجم التلفزيوني والمسرحي الكبير، فهناك العشرات من الأعمال والأدوار الناجحة نذكر منها فقط الأهم والمتميز من وجهة نظرنا.

ونعود إلى المسرح الذي نوهنا عنه في البداية بإشارة سريعة إلى مسرحية «هالو شلبي» التي جمعت نجوما كبارا باتوا بعد ذلك علامات تجارية في دنيا المسرح، عبد المنعم مدبولي وعبد الله فرغلي، وسعيد صالح، وأحمد زكي «هؤلاء عملوا فيما بعد مع حسن مصطفى في السينما، فهناك من الأعمال التلفزيونية ما يستحق الإشارة كونها أعمالا ساهمت في نجاحه وإرتباط الجمهور به كممثل قدير تجاوز فكرة البطولة وحققوا نجاحات أكبر في مدرسة المشاغبين المسرحية الأكثر شهرة، والتي لعب فيها الفنان القدير الراحل دور الناظر عبد المعطي مع سهير البابلي ويونس شلبي وعادل إمام وهادي الجيار، وقد شكلت هذه المسرحية محطة رئيسية ومهمة في مشواره الفني الطويل، وبامتداد نجاحها جاء دوره الثاني في مسرحية «العيال كبرت» مع المجموعة نفسها أحمد وسعيد ويونس، باستثناء عادل إمام، الذي لم يشاركهم البطولة، ولكن شخصية أخرى إنضمت لفريق الإبداع هي الفنانة كريمة مختار لعبت دور الأم، كما هو معتاد وحجزت لنفسها مكانا بارزا على خشبة المسرح لتتبارى كل ليلة مع حسن مصطفى وبقية النجوم لتقديم أفضل ما لديهم لإسعاد الجمـهور.

هكذا أمضى الفنان الراحل حياته متنقلا بين مستويات ثلاثة من فن التمثيل مسرح وسينما وتليفزيون لم يدخر جهدا ولا وقتا ولم يبخل على جمهوره بالموهبة التي حباه الله بها فكانت سببا في شهرته وتميزه تزوج الرجل من الفنانة ميمي جمال، ولكن لم يشكلا ثنائيا فنيا مثل شويكار وفؤاد المهندس، بل ظل كل منهما يبدع على حدة وقليلة هي الأعمال التي جمعت بينهما على عكس الحياة الزوجية والأسرية التي تأكدت يوما بعد يوم، وإمتدت إلى أخر العمر.

رحل الفنان والنجم المسرحي والتلفزيوني وترك كنزا ثمينا يتمثل في ما أوردناه من أعمال مهمة ذكرنا من بينها مسرحيته الأهم «أصل وصورة «، التي وجه فيها بجرأة نقدا شديد اللهجة لصحافة الإثارة في أوائل القرن العشرين، وسخر من الميل إلى الفبركة وإختلاق القصص الوهمية، داعيا إلى تحري الدقة والأمانة كي تصبح الكلمة المكتوبة بحق جسرا يصل القارئ بالحقيقة.

القدس العربي اللندنية في

21.05.2015

 
 

نجله: الدولة أهملت ذكراه منذ وفاته

كتبت- آية رفعت

حلت منذ أيام ذكرى مئوية ميلاد المخرج الراحل صلاح أبو سيف، الذى يعتبر أحد رواد الأفلام الواقعية بالسينما المصرية، حيث استطاع أن يقدم طوال تاريخه الفنى أكثر من 43 فيلما من أهم أفلام السينما المصرية، وعلى رأسها فيلم «الزوجة الثانية» و«سلامة فى خير» و«الوسادة الخالية»، و«شباب امرأة» و«بين السما والأرض» وغيرها. وبعد مرور 19 عامًا على وفاة الفنان الراحل يتحدث نجله المخرج محمد أبو سيف عن طباع والده وذكرياته معه.. بدأ أبو سيف حديثه واصفًا الوضع السينمائى بعد وفاة أبيه قائلا: «السينما افتقدت الكثير من الخبرة والواقعية والاهتمام بالتنوع فى الموضوعات، حتى الشباب من المخرجين الذين يحملون أفكارًا جيدة لا يجدون لهم مكانًا كبيرًا، وقد تغير شكل الواقعية التى قدمها أبو سيف، والتى كان يراها واقعية للمكان والحدث والأشخاص.. فللأسف يعتقد الكثير من المخرجين الآن مثل خالد يوسف وغيره أن ما يقدمونه من أحداث مثيرة فى المجتمع هو الواقعية ولا يعرفون أن الواقعية ليست نقل الواقع كما هو وإنما نقله بشكل جيد.. ويوجد القليل من المخرجين القادرين على نقل الواقع مثلما فعل محمد خان فى «فتاة المصنع» وداود عبدالسيد وهالة خليل.. ويجب على المخرج أن يتعامل مع الواقعية بمنطق الجدية وليس المتاجرة بآلام الناس مثلما يفعل خالد يوسف وأمثاله».

وعن شخصية أبو سيف التى لا يعرفها الكثيرون قال محمد: «كان والدى من النوع الهادئ قليل الكلام ولكنه كان صارما وليس عصبيا وعصاميًا وأكثر ما يرفضه فى حياته هو الفشل والواسطة، وكان ذلك من أكثر ما عانيت منه معه.. كان يعامل أفلامه كأنها أولاده فأحسست أننى لى 45 أخًا آخرين يهتم بهم، ورغم أنه لم يجعلنى أشعر بغيابه كأب إلا أن خلافنا على فكرة العمل بالسينما كانت كبيرة، فبعد أن انهيت دراستى ذهبت وطلبت منه أن يترك لى فرصة الالتحاق بمعهد السينما وكان من أهم أساتذته آنذاك.. فرفض بشدة وقال لى أنه يشفق علىَّ من صعوبة المجال ولن يسمح لأحد باتهامه بإدخال نجله للمجال بالواسطة.. وعندما ذهبت لتقديم ورقى تم رفضى وفوجئت أنه هو من طلب من زملائه عدم قبولى.

وأضاف محمد أنه قرر خوض التحدى وإثبات أنه مخرج شاطر بدون مساعدة أبيه وتعمد نقل أوراقه من مجموعة أبو سيف فى المعهد ليتتلمذ على يد المخرج محمد محسن، وعندما تخرج فى المعهد وافق أبوه على الاستمرار بتدريبه، وأكمل: عملت معه كمساعد فى فيلم «حمام الملاطيلى» وكان يعاملنى بشدة أكثر من تلامذته والعقاب بالنسبة لى يكون مضاعفا عن أى أحد آخر.. ولم يقتنع بأول أعمالى «التفاحة والجمجمة» فقد أعجبته الفكرة ولكنه لم يكن راضيا مئة بالمائة، ولكنه اقتنع بقدرتى كمخرج عندما شاهد فيلمى «نهر الخوف» ولكن بشكل عام هو كمعلم كان لا يريد توجيهى ولكنه يرشدنى للكتاب الذى أجد فيه المعلومة وبالتالى قدم للوسط جيلاً من المثقفين القارئين.

كان من أهم ما يميز الراحل صلاح أبوسيف تقديمه للرواية السينمائية والتى اختفت بشكل كبير وعن أسباب اختفائها قال محمد إن المشكلة فى الكتاب أنفسهم ففى عهد والدى كانت توجد أسماء كبيرة مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وغيرهم ولكن الآن لا توجد روايات تصلح للسينما، والجزء الأكبر أن كتابة السيناريو أصبحت مهنة من ليس له مهنة وهذا ما حذر منه أبو سيف قديما حيث وصل اهتمامه بالسيناريو إلى إنشائه لقسم خاص بالسيناريو بمعهد السينما.

وعن اهتمام الدولة به قال أبو سيف إن والده أكثر من حصل على التكريم من بين أبناء جيله من المخرجين ولكنه فوجئ بعد وفاته أن الدول العربية والمؤسسات المستقلة تقيم احتفاءات بذكراه بينما الدولة المصرية لا تقدم شيئًا.. مضيفًا إنه اعتقد أن الاحتفال بالذكرى المئوية كان يجب أن تبدأ به وزارة الثقافة المصرية ولكنه فوجئ بالفضائيات العربية والمؤسسات المدنية وتخصص أسبوعًا لأفلامه كأقل تقدير.

وعبر محمد عن ترحيبه بإعادة تقديم أعمال الراحل فى شكل جديد بشرط أن يكون من يقدم عملا من كلاسيكيات السينما أن يكونوا على دراية لأهمية العمل مثلما حدث مع «الثلاثية» ولكن المشكلة أن النموذج الخاص بمسلسل «الزوجة الثانية» كان غير مشرف وتم تقديمه بشكل سيئ للغاية.

روز اليوسف اليومية في

21.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)