كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الواقعية في السينما المصرية ( 2- 2)

عدنان حسين أحمد

 

يعود إنتاج أول فيلم في مصر إلى عام 1927 حينما أقدمَ إبراهيم وبدر لاما، وهما من أصل فلسطيني، على إخراج فيلم يحمل عنوان "قُبلة في الصحراء". أما أول فيلم من إنتاج مشترك بين مصر وإيطاليا فهو فيلم "الصقر" الذي أُنجز عام 1950 وهو من إخراج صلاح أبو سيف.

حينما زار صلاح أبو سيف إيطاليا عام 1950 صرّح قائلاً: "لا أظن بأنّ الواقعية الجديدة في مصر كانت ثمرة التأثيرات الإيطالية. والواقع أنّ هذا الأسلوب كان قد بدأ في مصر في فيلم "العزيمة" الذي أخرجه كمال سليم عام 1939 " وقد باع قصته لشخص يُدعى ستولوف. تتمحور قصة الفيلم حول شخص سيئ الحظ أضاعَ بقرته التي كانت مصدر رزقه الوحيد. ويرى أبو سيف أن هذه الفكرة هي أساس فيلم "سارق الدراجة" لدِي سيكا! غير أن الباحث محمد حسن يعتقد أن هذا الكلام مبني على الظن وليست هناك حقائق تعزِّز هذا الادعاء. بينما يقول دي سيكا بأن الكاتب الإيطالي الشهير تشزري زافاتيني هاتفه ليلاً حينما كان منغمساً في قراءة كتاب جميل يحمل عنوان "سارقو الدراجات" للكاتب الإيطالي لويجي بارتلوني وقد وجد في الكتاب مادة ثرية يمكن نقلها إلى الشاشة. وهذا ينفي تماماً قصة البقرة الضائعة التي باعها كمال سليم إلى ستولوف!

وعلى العكس من ذلك يرى الباحث محمد حسن أن فيلم "وضاع حبي هناك" لعلي عبد الخالق قد اقتبس الموضوع بالكامل من فيلم "زهرة عبّاد الشمس" 1970 لدِي سيكا حيث تودِّع البطلة صوفيا لورين زوجها في محطة القطار ليلتحق بالجبهة. وكل الذي فعله علي عبد الخالق هو أنه بدّل أسماء الشخصيات والأمكنة وأبقى على الثيمة نفسها! ثم يتوصل الباحث إلى أن أكثر الأفلام المصرية مُقتَبسة من أفلام عالمية. ويستنتج بأن "السينما المصرية ليست مصرية تماماً" باستثناء عدد محدود من الأفلام التي نجت من التأثر أو الاقتباس المباشر سواء من أفلام عالمية أم من روايات أدبية ذائعة الصيت.

يرى النقاد بأن فيلم "العزيمة" لكمال سليم هو أول فيلم واقعي مصري، وقد استطاع المخرج أن يصوّر الواقع الاجتماعي للحيّ المصري وأن يقدِّم الجزّار والفرّان في أدوار مهمة. ومما لا شكّ فيه أن كمال سليم كان متأثراً بالواقعية الشعرية ويعرف جيداً أفلام رينيه كلير ومارسيل كارنيه وجان رينوار لكنه لم يستمر بإخراج أفلام واقعية على غرار "العزيمة".

بعد الحرب العالمية الثانية أنجز كامل التلمساني أول أفلامه "السوق السوداء" 1945 وعالج فيه مشكلة الاتجار بقوت الشعب لكن الفيلم فشل فاتجّه إلى الأفلام التجارية، علماً بأن علي أبو شادي والكثير من النقاد السينمائيين يعدّون "السوق السوداء" البداية الحقيقية للسينما الواقعية في مصر. وقد تجاوز فيه المخرج سينما التليفونات البيض، وقصص الحب المكررة، والملاهي الليلية وما إلى ذلك.

المرحلة الأولى

برز في الخمسينات من القرن الماضي خمسة مخرجين سينمائيين مثّلوا المرحلة الأولى من الواقعية المصرية وهم صلاح أبو سيف، توفيق صالح، يوسف شاهين، هنري بركات وكمال الشيخ. وقد ترك كل واحد من هؤلاء المخرجين الخمسة بصمة خاصة في تيار الواقعية المصرية حيث تأثر صلاح أبو سيف بالواقعية الجديدة وأخرج "لك يوم يا ظالم" 1950 وهو مقتبس عن رواية لأميل زولا لكن السيناريو رُفض لأن بطل الفيلم شرّير فأنتجه على حسابه الخاص. ثم أنجز فيلم "الأسطى حسن" 1952 الذي كان مرآة لحياة الفقراء المصريين. ثم توالت أفلامه الواقعية التي أرست شهرته كمخرج واقعي مثل "ريا وسكينة" 1953، "الوحش" 1954، "شباب امرأة" 1956، "الفتوة" 1997 وسواها من الأفلام التي يكون فيها البطل هو الإنسان الفقير، المسحوق بعد أن كان البطل من الباشوات أو الطبقة الثرية المترفة.

كان أبو سيف يختار موضوعات أفلامه بنفسه قبل أن يبدأ بكتابة قصة الفيلم التي يستقي مادتها من الملفات التي نشرتها الصحف. وهذه محاكاة واضحة للطريقة المتبعة في الأفلام الواقعية الإيطالية. استمد أبو سيف موضوعات أفلامه من قصص حدثت على أرض الواقع ثم نشرتها الصحف المحلية مثل قصة "ريا وسكينة" 1953 التي تتحدث عن امرأتين تحملان الاسم نفسه وقد روّعتا الإسكندرية بقتل النساء للاستيلاء على مصوغاتهن الذهبية. و "الوحش" 1954 الذي يتحدث عن المجرم الذي روّع الصعيد والمعروف باسم "الخيط". و "الفتوة" 1957 الذي قرأ أبو سيف تحقيقاً في إحدى الصحف عن تُجّار الخضار وكيف يديرون سوق الجملة.

استثمر أبو سيف تجاربه الشخصية في أفلامه كما هو الحال في "شباب امرأة" 1956 عندما سافر إلى باريس، و "بين الأرض والسماء" 1959 عندما تعطّل به المصعد هو وزوجته.

يرى الباحث أن أبو سيف قد دخل مرحلة الإنتاج الغزير بعد فيلم "الفتوة" حيث أنجز في المدة المحصورة بين الأعوام 1957 و 1968 ستة عشر فيلماً تنوعت موضوعاتها بين الواقعية والوطنية والعاطفية والغنائية. ومن أبرز تلك الأفلام "بداية ونهاية"، "القاهرة 30" وهما من إنتاج القطاع العام. ومن الأفلام التي أخرجها "السقا مات" و "حمّام الملاطيلي" رداً على نكسة حزيران حيث يعرض واقع الشعب المصري وكيف كان حال الناس قبل النكسة. جدير ذكره أن اسم نجيب محفوظ، أكبر كتّاب الرواية الواقعية في الوطن العربي، قد ارتبط بأفلام صلاح أبو سيف. استعمل أبو سيف لأول مرة الممثل غير المحترف حيث قدّم العديد من الشخصيات التي أصبحت محترفة مثل عماد حمدي، نجوى إبراهيم، حمدي أحمد، عبد العزيز مكيوي، محمود ياسين، لبنى عبد العزيز وغيرهم. كما كان صلاح أبو سيف متأثراً بالسينما الروسية الرمزية فلا غرابة أن يستعمل الرمز في معظم أفلامه.

لا يختلف توفيق صالح كثيراً عن صلاح أبو سيف من حيث ريادته للسينما الواقعية في مصر حيث سافر هو الآخر إلى باريس لدراسة السينما لكنه ترك السوربون ودرس الرسم والفوتوغرافيا فسُحبت منه المنحة فقرر العيش لسنيتن إضافيتين حيث شاهد الكثير من الأفلام والمعارض الفنية. وحينما عاد إلى القاهرة أنجز سبعة أفلام روائية طويلة أولها فيلم "درب المهابيل" 1955 الذي كتب له القصة والسيناريو نجيب محفوظ. يعتبر هذا الفيلم من أشهر الأفلام الكلاسيكية المصرية ويعد أنموذجاً رفيعاً للسينما الواقعية العربية. ثم توالت أفلامه الأخرى مثل  "صراع الأبطال" 1962، و "المتمردون" 1966، و "السيد البلطي" 1967 و "يوميات نائب في الأرياف" 1968 و "المخدوعون" 1973 وهو إنتاج سوري عن القضية الفلسطينية، و"الأيام الطويلة" 1980. يعتقد الباحث محمد حسن أن كل فيلم من أفلام صالح المذكورة أعلاه له مكانة خاصة في تاريخ السينما المصرية، ويرى أن المخرج قد تزوّد خلال المدة التي قضاها في باريس بثقافة سينمائية راقية نتيجة لمشاهدته العديد من المدارس والاتجاهات السينمائية التي سادت  ما بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة الواقعية الإيطالية الجديدة وكلاسيكيات السينما الألمانية والفرنسية والأميركية.

برز يوسف شاهين في خمسينات القرن الماضي وأنجز 42 فيلماً من ضمنها خمسة أفلام قصيرة. تنوع منجزه السينمائي بين أفلام اجتماعية وسياسية وتاريخية وسيرة ذاتية. وقد عُرف كسينمائي حينما أنجز فيلمه الأول "بابا أمين". ثم تعزز حضوره بفيلمه الثاني "ابن النيل" 1951 الذي تناول فيه الريف المصري. ثم عاد إلى الريف المصري ثانية من خلال فيلم "صراع في الوادي" 1954 إلاّ أنه وقع في فخّ السينما التجارية حينما اختتم الفيلم بنهاية سعيدة! أنجز شاهين فيلم "باب الحديد" 1958 الذي يعتبر أهم الأفلام الواقعية في تاريخ السينما المصرية. وقد وصل إلى قمة نضجه، كما يرى الباحث،  في فيلم "الأرض" 1969 الذي تناول فيه قضية الفلاح المصري. ناقش شاهين في "العصفور" 1972، و "عودة الابن الضال" 1976 أسباب نكسة حزيران عام 1967. أما مجموعة أفلامه التي تنطوي تحت موضوع السيرة الذاتية فهي على التوالي "إسكندرية ليه" 1978، و "حدوتة مصرية" 1982، و "إسكندرية كمان وكمان" 1990، و "إسكندرية نيويورك" 2004. وقد تأثر شاهين بفكرة توظيف السيرة الذاتية بعدد من المخرجين الأوروبيين الذين سبقوه إلى تجسيد هذا الجانب وعلى رأسهم فيدريكو فيلليني الذي استطاع الحديث عن همومه وهواجسه الذاتية دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع حيث يلتقي الهم الذاتي بالموضوعي فيؤلفان نظرة ثاقبة للواقع الاجتماعي والسياسي.

يعتقد الباحث بأن شاهين لا يتحدث عن الواقع من منطلق النرجسية وإنما يتحدث عن نفسه ليكشف من خلالها تناقضاته وهواجسه وأفكاره وعائلته ومحيطه الاجتماعي. تتميز أفلام شاهين بانطوائها على إبهار في الفكرة وإبهار في التصوير، خصوصاً في اختياره للكادرات، كما يُعنى كثيراً بعنصر الأغنية التي لابد أن تكون ذروة لحدث درامي. أما آخر أفلامه التي اختتم بها تجربته السينمائية فهو فيلم "هي فوضى" الذي يعتبر من الأفلام الواقعية التي تعكس الفساد الحكومي. وقد نال شاهين العديد من الجوائز المحلية والعالمية من بينها التانيت الذهب، والدب الفضي، وجائزة الإنجاز العام من مهرجان "كان" السينمائي الدولي.

يعتبر هنري بركات شيخ المخرجين المصريين بحق فقد أنجز ما يربو على التسعين فيلماً. وكانت موضوعات أفلامه متنوعة غير أن أول أفلامه الواقعية هو فيلم "دعاء الكروان" 1959 وقصة الفيلم مأخوذة عن رائعة طه حسين التي تحمل الاسم ذاته. ويعد أحد الأفلام الكلاسيكية في تاريخ السينما المصرية حيث أماط المخرج اللثام عن واقع التخلف والقهر الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري. أخرج "في بيتنا رجل" 1961 عن رواية لإحسان عبد القدوس، و "الباب المفتوح" 1963 عن قصة للطيفة الزيات حيث يناقش فيه قضية المرأة، و "الحرام" 1965 عن قصة ليوسف إدريس ويعتبر من أنضج الأفلام الواقعية في السينما المصرية كما يعبِّر بصدق عن حياة العمال في الريف المصري. كتبَ هنري بركات معظم سيناريوهات أفلامه غير أن روائعه الأربعة آنفة الذكر قد حفرت اسمه في تيار الواقعية المصرية آخذين بنظر الاعتبار أن بركات قد انتقل من غرفة المونتاج إلى الإخراج عام 1952 بعد أن اكتشفته الممثلة المصرية من أصل لبناني آسيا داغر ليُخرج لها فيلم "الشريد" عام 1942.

أما المخرج الخامس والأخير من المرحلة الأولى فهو كمال الشيخ الذي أنجز فيلمه الأول "المنزل رقم 13" 1952 والذي اعتمد فيه أسلوب التشويق والإثارة. وفي عام 1954 أنجز فيلم "حياة أو موت" وهو أول فيلم مصري يصور بكامله تقريباً في شوارع القاهرة. يدور هذا الفيلم حول فتاة صغيرة تذهب إلى الصيدلية لشراء دواء لوالدها المريض غير أن الصيدلي يعطيها سماً قاتلاً ويظل يبحث عنها قبل أن تصل إلى والدها. وهو يشبه "سارق الدراجة" لدي سيكا من حيث البحث في شوارع روما. كما أخرج "اللص والكلاب" 1963 عن رواية لنجيب محفوظ. يتمحور هذا الفيلم حول قضية محمود أمين سليمان الذي لقبته الصحافة بالسفاح لارتكابه عدة جرائم. ويعتبر هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية. كما أخرج "ميرامار" 1961 عن رواية لنجيب محفوظ تحمل الاسم ذاته. بدأ كمال الشيخ حياته السينمائية في غرفة المونتاج مثل بركات لكنه سرعان ما غادرها إلى عالم الإخراج السينمائي. ونال العديد من الجوائز في المونتاج والإخراج السينمائيين.

المرحلة الثانية

كانت السينما المصرية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات تمرّ بمرحلة أفلام المقاولات التي لا تمت للسينما بصلة فهي بعيدة عن الحقيقة وتهدف إلى تحقيق الأرباح المادية الكثيرة حيث  كان المخرجون المصريون ينجزون أفلاماً للخليج العربي تستجيب لذائقة الجمهور الواسع بحجة "أن الجمهور عايز كده" ومع ذلك فقد خرج في الثمانينات جيل جديد يشكِّل امتداداً طبيعياً لجيل صلاح أبو سيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين وهؤلاء  هم على التوالي محمد خان، عاطف الطيّب، خيري بشارة، داوود عبد السيد، شريف عرفة ورأفت الميهي.

يرى الباحث محمد حسن أن ظهور الواقعية الجديدة لم يكن وليد المصادفة فلقد كانت ظروف صناعة السينما المنهارة، واطلّاع المخرجين على التيارات والاتجاهات السينمائية الجديدة في العالم، وحماس المخرجين الشباب الذين كانوا تلاميذ للمخرجيين الواقعيين المصريين القدامى هي التي دفعتهم لخلق تيار المرحلة الثانية حيث حاول أقطابها أن يرسخّوا أساليبهم الفنية ويدمغوها ببصمتهم الخاصة بهم.

بعد عودة محمد خان من لندن التي درس فيها السينما وشاهد فيها الكثير من الأفلام البريطانية والفرنسية والتشيكية والأميركية أخرج عام 1978فيلم "ضربة شمس" حيث صوّر معظم الفيلم في الديكورات الطبيعية وكان بداية لموجة جديدة اسمها "الواقعية الجديدة" أو "السينما الجديدة" التي اهتمّت بالخروج إلى الشارع، وتصوير الناس الاعتياديين، وتجسيد معاناتهم بواسطة الكاميرا المحمولة كما فعلوا الواقعيون الإيطاليون الجدد آنذاك.

أنجز محمد خان فيلم أكثر من عشرين فيلماً من بينها "موعد على العشاء" 1981 ثم تلاه بأفلام أخرى مثل "الثأر" و "مشوار عمر" و "أحلام هند وكاميليا"، و "أيام السادات" و "بنات وسط البلد" و "في شقة في مصر الجديدة". يقول الناقد علي أبو شادي عن هذا المخرج المبدع: "فسينما محمد خان تخاطب عقل ووجدان الجماهير . . ولا تتملّق غرائزهم . . وهي سينما راقية ونظيفة لا تخضع لمواصفات الحدّوتة التقليدية بأفاقاها الضيّقة وإنما تتعامل مع الواقع الرحب، تعيد بناءه من جديد لتخلق عالماً مماثلاً لا يحاكي الواقع، بل يعلو فوقه ويتأمله، يصوغه بشكل فني ليطرح من خلاله رؤيته لما يمرّ به مجتمعه متوغلاً في أحراش نفوس مجتمعه مقدِّماً لنا نماذج تنبض بالحياة".

يركِّز محمد خان في معظم أفلامه على الناس البسطاء فلا غرابة أن تكون الشخصيات نمطية لجهة انتمائها إلى الواقع. كما يهتم خان بالتكوين واللون والدقة في التعبير. ويستعمل اللقطة العامة في كل أفلامه وخاصة في الشواراع والساحات وهو ذات الأسلوب الذي يستعمله أنطونيوني الذي تأثر به خان كثيراً وأفصح عن هذا التأثر أكثر من مرة حيث قال: "تأثرت بأنطونيوني على وجه الخصوص فهو الذي دفعني إلى تغيّير فكرتي القديمة عن السينما. فالسينما ليست مجرد حدّوتة تُروى". 

كتب خان غالبية سيناريوهات أفلامه القائمة أساساً على الشخصيات أكثر من قيامها على الحكاية، وشخصيات أفلامه بسيطة وعادية تمتهن غالباً مهناً شعبية. يصرّ خان على التصوير الخارجي وفي الأماكن الحقيقية بعيداً عن الأستوديوهات لتأكيد نزعته الواقعية الجديدة. لابد من الإشارة إلى أن محمد خان كان ناقداً سينمائياً وقد أصدر كتابين في هذا المضمار الأول عن السينما المصرية والثاني عن السينما التشيكية.

على الرغم من أن عاطف الطيب لم يعش سوى 47 عاماً إلاّ أنه كان أكثر مخرجي الواقعية الجديدة ظهوراً وانتشاراً. كما كان أكثرهم التصاقاً بالجماهير لأنه قدّم صورة واقعية للمواطن المصري. ففي فيلم "مقايضة" 1978 وهو فيلم قصير تناول فيه هموم الإنسان المصري البسيط حيث يقوم فلاح مصري بمقايضة محصوله الذي حققه خلال عام كامل بجهاز راديو! أما أول أفلامه الروائية الطويلة فهو "الغيرة القاتلة"  وهو مأخوذ عن مسرحية "عطيل" لشكسبير. أما فيلمه الثاني فهو "سواق الأتوبيس" 1982 وهو من الأفلام الواقعية وأكثرها اقتراباً من الناس ومعاناتهم. ثم أنجز "التخشيبة" 1984 وهو فيلم درامي اجتماعي يروي قصة طبيبة تجد نفسها متورطة في تهمة لا أساس لها من الصحة. ومن بين أفلامه المهمة الأخرى فيلم "الحُب فوق هضبة الهرم" الذي يتناول فيه معاناة زوجين لم يستطيعا إيجاد شقة فيمارسان الحب تحت سفح الهرم ويقعان في قبضة شرطة الآداب. أما فيلم "البريء" فيتناول المخرج بطش السلطة في تعذيب النزلاء وقتلهم في المعتقلات وباستغلال جهل المجنّد العسكري في تنفيذ الأوامر حيث اختصر بعض النقاد فكرة الفليم "قمع الحرية بجهل الأبرياء".

يتوسع الباحث في شرح مضامين غالبية أفلام عاطف الطيب ومن بينها "المزمار" الذي يتناول فيه أحد الشباب الذين يعرضون فكرة الزواج على فتاة أحبها وصادف أنها تمتلك شقة في وسط البلد حيث تذهب مع صديقها ورئيسها في العمل لرؤية الشقة فيتهمها أحد ضباط الشرطة بالدعارة. أما "كشف المستور" 1994 فيتناول فيه موضوع الدعارة المنظمة حيث تقوم المخابرات المصرية بإعداد فتيات يمارسن الجنس مع الشخصيات الدبلوماسية كطعم للحصول على معلومات سرية بحجة خدمة الوطن. لابد من الإشارة إلى فيلم "ليلة ساخنة" 1995 حيث يُصوَّر الفيلم كله في التاكسي في ليلة رأس السنة. يخلص الباحث محمد حسن إلى أن غالبية أفلام عاطف الطيب تحريضية وتسلّط الضوء على المواطن المصري المسلوب حقه ويعاني من السلطة التي تنتهكه على الدوام.

خلال مشواره الفني خلق خيري بشارة بصمته الخاصة من خلال أفلامه الواقعية التي تنطوي على شاعرية معينة. ففي "الأقدار الدامية" 1982 حاول تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر قبل حرب 1948. وفي "العوّامة 70" عرّى بعض أوجه الفساد في المجتمع كما جسّد معاناة الجيل الذي عانى من نكسة حزيران. اختار الناقد علي أبو شادي فيلم "الطوق والإسورة" 1986 من بين أفضل 27 فيلماً في تاريخ السينما العربية. أما فيلم "أمريكا شيكا بيكا" 1993 فقد قدّم فيه مجموعة الشباب الذين يقررون السفر إلى أمريكا بغية إيجاد فرص عمل لتحقيق أحلامهم لكنهم يقعون ضحية النصابين فيُتركون في غابات رومانيا وتكون النتيجة أشدّ من الفقر الذي كانوا يعانون منه. اشترك بشارة في كتابة جميع سناريوهات أفلامه كي يضمن تحقيق الواقعية الجديدة التي ينتمي إليها كموجة فنية جديدة آنذاك.

ربما يختلف داوود عبد السيد عن أقرانه في كونه يحب التصوير داخل الأستوديو كما تنحو بعض أفلامه إلى تجسيد فكرة النهايات المتعددة كما فعل في فيلم "الكيت كات". أنجز السيد عدداً من الأفلام الوثائقية قبل أن يبدأ بإخراج الأفلام الروائية وأولها "الصعاليك" الذي تناول فيه رحلة صعود الصعاليك من قاع المجتمع إلى قمة النشاط الاقتصادي والسياسي كاشفاً من خلالهما الواقع المصري على حقيقته من دون رتوش. أما في "أرض الأحلام" 1993فيتناول السيد قصة نرجس علي ريحان التي تستعد للسفر إلى أميركا لكنها تفقد جوازها وتذكرة السفر فتنهمك في البحث عنهما طوال الليل وحينما تجدهما تلغي فكرة السفر وتقرر البقاء. يركز السيد في "أرض الخوف" 2000 على تجارة المخدرات حيث يُجنّد أحمد زكي من قبل المخابرات ليكشف تجار المخدرات من خلال العمل معهم.

لا يخرج شريف عرفة عن الأنساق الواقعية الجديدة في مختلف أفلامه ولكن اسمه يكاد يقترن بموضوع الإرهاب الذي ركز عليه في العديد من أفلامه مثل "الأقزام قادمون" 1987، و "الملائكة لا تسكن الأرض" الذي يعتبر أول فيلم مصري يتناول ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني بشكل مباشر. و "اللعب مع الكبار" 1991 الذي يتناول فيه شخصية حسن بهلول "عادل إمام" الذي يبلغ مباحث أمن الدولة عن قضايا إرهابية سوف تحدث ويدّعي أنه يعرف بها من خلال الأحلام بينما يشير واقع الحال إلى أن صديقاً له يعمل في بدالة الاتصالات التي يتنصت من خلالها على جهاز المخابرات فيحيطه علماً بها. يغوض في موضوع الإرهاب من خلال فيلمي "الإرهاب والكباب" 1992، و "طيور الظلام" 1995 موضحاً أن الإرهاب هو الوجه الآخر للفساد. أما "اضحك الصورة تطلع حلوة" 1998 فيتمحور على التفاوت الطبقي في المجتمع المصري حيث تقع فتاة من القرية في حب ابن رجل أعمال.

اكتفى الباحث محمد حسن بالإشارة إلى أفلام رأفت الميهي وهي "عيون لا تنام"، "السادة الرجال"، "ميت فل وتفاحة"، "سمك لبن تمر هندي"، "سيداتي آنساتي" و "قليل من الحب كثير من العنف"، وذكر بأن الميهي مخرج واقعي جاد ويُعنى بقضايا المجتمع المصري السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم توقف عند البيان الذي أصدرته جماعة السينما الجديدة نقتطف منه المقطع الآتي: "إن الذي نريده سينما مصرية، أي سينما تتعمق في حركة المجتمع المصري، وتحلل علاقاته الجديدة، وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذه العلاقات".

يحلل الباحث محمد حسن ثلاثة أفلام وهي "الكيت كات" لداوود عبد السيد و "الإرهاب والكباب" لشريف عرفة و "ليلة ساخنة" لعاطف الطيب متوصلاً في تحليلاته إلى ثمانية مؤشرات وهي: "طرح موضوعات اجتماعية واقتصادية وسياسية والتركيز على الناس العاديين في لحظات بطولية. والتصوير خارج الأستوديو وفي الأماكن الحقيقية والضوء السائد. وتفضيل اللقطات العامة والطويلة والمحافظة على الاستمرارية الزمكانية في اللقطة الطويلة. واستعمال الكاميرا الخفية في بعض الأحيان. واستعمال الطريقة التوثيقية في تصوير الأحداث. واستخدام الممثل غير المحترف. واستعمال الحوار البسيط والعفوي بين الناس. وأخيراً اجتناب الحيل السينمائية في المونتاج والإضاءة وحركة الكاميرا".

يتوصل الباحث محمد حسن في ختام كتابه إلى مجموعة من النتائج المهمة من بينها أن جميع الأفلام الواقعية تطرح مشكلات اقتصادية يعاني منها المجتمع المصري. كما تركز على تفشي البطالة وندرة فرص العمل الأمر الذي يدفع الشباب إلى التفكير بالهجرة. نوّه الباحث إلى تأثير دي سيكا على المخرج عاطف الطيب في عدة نواحي مثل اختيار الموضوع، والنهايات المفتوحة، واستعمال الأسلوب البسيط في سرد الموضوع. كما أشار إلى تأثير بازوليني في داوود عبد السيد وخاصة في نظرته للمرأة. لفتَ الباحث الانتباه إلى التعبيرَين الجديدَين اللذين شاعا في السينما الإيطالية وهما "سينما المافيا" و "السينما السياسية".

وفي السياق ذاته ركزّت السينما المصرية على موضوع المخدرات والقضايا السياسية. استنتج الباحث بأنّ جيل الثمانينات أو جيل المرحلة الثانية قد اعتمد على ممثلين محترفين بعكس أقرانهم من جيل الخمسينات حيث قدموا عادل إمام، أحمد زكي، نور الشريف، محمود عبد العزيز وغيرهم من النجوم المحترفين الذين وصلت شهرتهم كل الآفاق العربية. وكان مخرجو هذا الجيل أكثر جرأة من جيل الخمسينات في طرح هموم الإنسان المصري ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أما الخلاصة الأخيرة التي لا تقل أهمية عن سابقاتها فهي أن غالبية المخرجين الواقعيين قد عملوا في بداية حياتهم في إخراج الأفلام الوثائقية الأمر الذي جعلهم يكرسون الاتجاه الواقعي بروحية عالية وحرفية قلّ نظيرها.

ملاحقة لصوص المعابد

قيس قاسم

يصطحبنا الألماني "ولفغانغ لوك" معه في مغامرة وثائقية مهمة يلاحق فيها نُهّاب الحضارات ولصوص الآثار، الأشد نفوذاً في العالم إلى أقاصي الأرض لنكتشف سوية ومن خلالها التعارض التاريخي والحضاري مع الاستغلال الاستعماري، والتنافر الشديد بين حقوق ملكية الشعوب وبين أطماع مافيات الآثار العالمية.

فاتحاً المجال، بما يوفرّه من صورة بانورامية عن الظاهرة، لإسقاط مادته التسجيلية على تجارب شعوب وحضارت، غير حضارة شعب الخمير الكمبودية التي يُكرِّس موضوع فيلمه عن السرقات وعمليات التدمير الفظيعة التي تعرضت لها، إلى أخرى عداها لأن مسوغات اللصوص القانونية والأخلاقية واحدة، تقريباً، يتعكّزون عليها في كل مكان ينهبونه وفي أي زمان يحلّون فيه كأسياد عنوة، ومن هنا تأتي قابلية نص "ملاحقة لصوص المعابد" على التأويل وإسقاط فكرته على تخوم مساحات كبيرة يمكن تخيُّلها من وحيّ رحلة البحث الشاقة عن نُهاب "محاربي" معبد كو كير الكمبودي وعودة بعضهم سالمين، رغم الجراح، إلى معابدهم التي كُلِّفوا قبل حوالي ألف عام بحمايتها

حكاية المحاربين المَنْهوبين بدأت مع إعلان مزاد "سوتَبيز" النيويوركي الشهير عن قائمته السنوية المعروضة للمزايدة ومن بينها تمثال قديم من الحجر الرملي قُدِّرت قيمته بعدة ملايين من الدولارت.

 ظهور التمثال حفّز المحامية الأمريكية "تيس ديفيز"، الناشطة في إعادة الآثار المسروقة إلى أصحابها ومستشارة الحكومة الكمبودية، لكشف الحقيقة وتجريم المزاد على أساس معرفتها الدقيقة بتاريخ التمثال وظروف اختفاء تماثيل مشابهة له من كمبوديا خلال السبعينيات.

على خط بحثها عن خيوط تربط عرض التمثال بسرقة معبد "كو كير" تَدخَل المخرج "فولغانغ لوك" وقرّر مشاركتها المغامرة حتى نهايتها وعلى وقع الصيحات التي تعالت في وسائل الإعلام الأمريكية تدخّلت الشرطة الفيدرالية لمعرفة عائدية "المحارب" وكشف الغموض الذي يحيط بأصله وكيف وصل إلى نيويوك.

واحدة من محفزات البحث عن أصل التمثال يعود إلى قوة نفوذ الجهة المالكة له: "مزاد "سوتَبيز". فهو من بين أكثر المزادات العالمية غنى ونفوذاً ولهذا فمهمة مواجهته قضائياً تتطلّب قوة موازية لقوته وهذا ما لا يتوفر عند أصحاب التمثال: كمبوديا، الفقيرة والمنشغلة بمشكلات أكبر من البحث عن تماثيل حجرية سُرقت منها قبل عقود!

في القسم الأول يقدم الوثائقي موقفاً إيجابياً للشرطة الأمريكية، التي تتعامل بجدية مع جرائم سرقة الآثار وتضعها بنفس مستوى جرائم تهريب المخدرات والبشر، وهذا ما يُفسِّر سرعة تدخلهم وإيقافهم عملية عرض وبيع التمثال في المزاد كإجراء احترازي أولِّي، اعتمدوا فيه على مسوِّغات قانونية وشكوك قوية بوجود تلاعب وتسهيل لعمليات سرقة آثار يُحرِّمها القانون الدولي ثبتتها المحامية في مقال نشرته في إحدى الصحف الأمريكية بعد فشل المزاد بإيقاف نشره، وعزّزته بأدلة قوية أثبتت فيها بيع المزاد وخلال ثلاثة عشر عاماً أكثر من 300 قطعة أثرية مسروقة لا تُقدَّر بثمن. كما أعطى قرار التجميد بدوره لصانع الوثائقي متسعَّاً من الوقت للتحرُّك على مساحات أكبر من نيويورك ومجالاً أرحب لتعميق بحثه في موضوع اعتبره حضارياً، ثقافياً، بالمقام الأول وعلى هذا الأساس خاض فيلمه مغامرة البحث عن التماثيل المسروقة.

إلى "فنوم بنه" العاصمة جاء الوثائقي، ومنها ذهب إلى أقاصي غرب البلاد حيث المعابد القديمة تتوسّط الغابات المطرية الكثيفة، ليطلِّع بنفسه على روائع فن نحت التماثيل في المعابد الكمبودية وعلى شواهد حضارة شعب الخمير وليتأكد بنفسه من حجم الخراب الذي لحق بها. لقد صوّر "مجازر" شنيعة ارتُكبت بحق حضارة إنسانية من قبل لصوص محليين ودوليين تعاونوا على إزالة جزء مهم من الموروث الفني والحضاري لشعب يشعر بالفخر بما أنجزه مبدعو حضارته الأوائل ومصدر من مصادر رزقهم اليوم.

دخل بصحبة علماء آثار إلى المعبد الذي كان فيه التمثال قائماً وتوضحّت له أهميته النابعة من أهمية بقية الأجزاء، فالتمثال الصغير هو جزء من نصب ملحمي يُعدّ أول عمل "ثلاثي الأبعاد" في التاريخ يصور تسعة محاربين ورد ذكرهم في ملحمة "مهابهارتا" الشهيرة ومن هنا جاءت أهمية التماثيل واكتسبت قيمتها التاريخية والحضارية.

لقد قطع اللصوص أوصال المحاربين كما تُقطع الأشجار ونقلوها إلى الخارج فيما ظلّت بعض بقايا السيقان والأقدام ثابتة في مكانها والتي ستتحول لاحقاً إلى دليل على عودة التماثيل المسروقة إلى المعبد الكمبودي الهمجور الآن كلياً من زواره.

سيربط الوثائقي سرقة التماثيل بحقبة السبعينيات وبالحرب الأمريكية الفيتنامية حيث جرت خلالها عمليات نهب واسعة من قبل المحتلين أو السكان المحليين الجائعين، الذين وجدوا في الآثار مصدراً وحيداً لعيشهم في زمن المجاعة، كما وجد ثوار الخمير الحمر والفيتناميون الشماليون في بيعها مصدراً لتأمين السلاح لهم في مواجهة الأمريكان، إلى جانب ما وفرّه سقوط الحكومة الكمبودية الموالية للأمريكان من حرية التحرك دون مراقبة على طول الحدود النهرية والبرية التي باتت مفتوحة للمهربين واللصوص. يعرض الوثائقي الألماني الفرنسي المشترك تسجيلات قديمة لعمليات قصف مدينة "فنوم بنه" وأدغالها ويتوصل من خلالها إلى حقيقة أن التماثيل التسعة قد سُرقت عام 1972 بالتحديد، أي قبل أكثر من أربعة عقود على تاريخ ظهورها الحالي، وأن أحد البريطانيين من جامعي التحف والذي أسّس لنفسه اسماً نظيفاً في كمبوديا كانت له صلة مباشرة في عمليات تهريب "المحاربين" إلى بريطانيا أولاً. يتوقف "ولفغانغ" عند بقية الآثار المدمرة لسرقة آثار شعب الخمير ومن بينها خسارة أبنائه لموروثهم الثقافي وأيضاً للسياحة المعتاشين عليها. فمنذ أن جُرِّدت المعابد من تحفها النادرة توقف السياح عن زيارتها فازداد فقر سكانها على ما هم عليه من فقر.

كما أن بعض المعابد نفسها قد انهارت بالكامل وتساقط حجرها لأن اللصوص كانوا يحفرون دوائر واسعة حول التماثيل التي ينوون سرقتها ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى أضعاف حاملات بناء المعبد فتسقط كلها. خسارات وأضرار لا يعبأ بها اللصوص وفوق كل ذلك لا يُقَدمون إلى المحاكم ولا يُدانون فيها لأن المحتلّ الفرنسي قد أصدر قوانين مسبقة تحميهم. مفارقة ستصطدم بها المحامية "ديفيز" حين سيواجهها محامو دفاع المزاد النيويوركي بدساتير المحتلّ الفرنسي لكمبوديا والتي تنصّ على أن المعابد وسط الغابات لا تعود ملكيتها لأحد ولا حتى  للدولة نفسها فهي ملك مشاع. نص يفتح باب السرقة على سعته ويفتح الشهية على نهب الآثار، وتكشف عن استهتار المحتل بحقوق الشعوب الخاضعة له.  هنا يُدخل الوثائقي الرائع قصة مثيرة لها صلة بفكرته الأساسية عن الكاتب الفرنسي الشهير "أندريه مالرو" وزوجته اللذان دخلا كمبوديا في بداية العشرينيات و"أخذا" تماثيل منها بطريقة تعكس العقلية الاستعمارية والنظرة الدونية لأملاك الغير بوصفها أملاكاً مشرعة لهم. "لقد أراد مالرو سرقة تماثيل من المعابد وبيعها وقد كان له ما أراد" على حد تعبير زوجته التي لم تجد غضاضة في فعلتهما مثل الحكومة الفرنسية التي ستتوج فعلة كاتبها وبعد عقود بتعيينه وزيراً لثقافتها رغم إدانة الحكومة الكمبودية وسجنها له ثلاث سنوات بعد أن ألقت عليه القبض متلبساً بسرقته!

يَنْضم الوثائقي إلى صفوف المدافعين عن الإرث الإنساني ويسجل تفاصيل نشاطهم الذي اشتدّ بعد بروز قضية التمثال على نطاق واسع وسيدعم جهودهم، بوسيلته كفن سينمائي مسؤول أخلاقياً عن تقديم الحقيقة، حين يكشف بعض خفايا سرقة "المحاربين" عبر مقابلات أجراها مع البريطاني الملقب بـ "جامع التحف" والذي سيعترف بعلمه بالعملية التي جرت عام 1972 ووصول التماثيل إلى احدى العوائل الغنية في بريطانيا عن طريق بانكوك وبيعها فيما بعد إلى عوائل أوروبية أخرى حتى تصل إلى مزاد نيويورك.

بدورهم سيُثبت علماء آثار تعاطفوا مع المنهوبين الصلة القوية بين التماثيل والأجزاء الناقصة منها والباقية في موطنها ما سيدفع "سوتَبيز" للتراجع عن بيع التمثال بعد أن شعر بخطورة وضعه واحتمال كشف بقية سرقاته كما فعل الوثائقي حين راح يتابع بقية المحاربين في متحف "متروبوليتان" الأمريكي للفنون وإجبار إدراته على إرجاعها إلى موطنها الأصلي وبهذا، وبقوة حججه البصرية، فتح الوثائقي ممراً للراغبين السير فيه لاسترجاع كنوزهم الثقافية والحضارية من سُرّاقها.

الجزيرة الوثائقية في

18.05.2015

 
 

زوم

«أريد حلاً» مساء اليوم على شاشة مترو المدينة...

بقلم محمد حجازي

غابت القضايا المهمة عن سينمانا العربية..

ما عدنا نشاهد أفلاماً تثير الجدل، تحدث خضَّة مجتمعية، أو تدفع الروّاد للتزاحم عند شبابيك تذاكر الصالات، هناك لا مبالاة عند المبدعين، ومثلها أيضاً عند محبي مشاهدة الأفلام وصولاً إلى كسل أقرب إلى صفات المكسيكيين الذين ينامون أكثر مما يستيقظون، أو إلى تنابل عبد الحميد.
لم يخرج إلينا فيلم يقول هذه واحدة من قضاياكم المهمة نرصدها، نتابعها، نعطي رأياً فيها. أبداً نظل على طريقة الـ  BLA.. BLA.. BLA.. الفرنسية «جعجعة من دون طحين»، والسبب أزمات الأمة، وتدهور حال المثقفين، وعدم ثقة متبادلة بين المبدعين والمتلقين جعلت الأمور تذهب إلى نهايات مؤسفة، مخزية لا تحتمل حتى الشفقة.

نقول هذا في مناسبة العرض الخاص لفيلم عمره 40 عاماً بالتمام والكمال عنوانه: أريد حلاً، ثالث أفلام المخرج المتميّز سعيد مرزوق، تعرضه عند السادسة والنصف من مساء اليوم شاشة مترو المدينة بالتعاون مع نادي لكل الناس، في ساعتين إلا خمس دقائق، عن قصة للروائية حُسن شاه كتبتها خصيصاً للسينما بطلب شخصي من سيدة الشاشتين فاتن حمامة، عندما طلبت منها وضع سيناريو يتناول حق المرأة التي يطلقها زوجها إستناداً إلى قانون واضح، غير ظالم، خصوصاً وأن شاه قانونية وكاتبة صحافية وناقدة فنية لطالما عرفناها زميلة مخضرمة تحضر إلى جانبنا الكثير من دورات مهرجان كان السينمائي الدولي للإستزادة من ثقافة السينما التي يؤمّنها هذا المنبر العالمي المتميّز والأول.

عام 75 عرض نص الفيلم على أكثر من منتج، والكل ارتعبوا منه، وقال معظمهم الموضوع ليس مناسباً، ليس تجارياً، والفيلم لن يعرف النجاح أبداً وبالتالي فهو مشروع خاسر، فكان أن اتصلت السيدة فاتن بالمخرج مرزوق وطلبت إليه تولّي اخراج الفيلم، فإستمهل السيدة الكبيرة حتى يقرأ النص، وقدّم بعدها عدة إقتراحات اعتبرت لاحقاً تطويراً وتجديداً لما هو وارد من أفكار في السيناريو ثم جرى تأمين المال اللازم للتصوير.

وكانت المفاجأة حين عرضه لأول مرة عام 75، ونتذكر أن بيروت حظيت بعروض جماهيرية في أحد العيدين (الفطر أو الأضحى) مع عبارة: بحضور السيدة فاتن شخصياً. في القاهرة تظاهرة حب وتقدير للفيلم، ومناخ قلب الدنيا على قانون الأحوال الشخصية المعتمد، أدى الفيلم معها إلى الدفع في اتجاه تغيير إحدى مواده لكي تتناسب وما أورده الفيلم من ظلم يطال المرأة المطلقة، وقد تدخّل الرئيس الراحل أنور السادات شخصياً وأدلى بدلوه لصالح الفيلم وتبدّلت احدى مواد القانون التي كانت سائدة على مدى ثلاثين عاماً.

ندوات ولقاءات وأسابيع لم تنتهِ أبداً على الشاشات المصرية، وزحام غير مسبوق لحضور الشريط، واتصالات لم تتوقف بفريق الفيلم، إلى حد أن السيدة الكبيرة أم كلثوم اتصلت شخصياً بالكاتبة حُسن شاه لكي تهنّئها على الفيلم، في وقت كانت السيدتان على خلاف طوال عشر سنوات خَلَتْ، بفعل مقالة كتبتها حُسن عن أم كلثوم، لكن «ثومة» تجاوزت هذا وقامت بواجب المباركة والدعم لفيلم حمل قضية على هذا المستوى، وحرّك الدولة وأجهزتها لكي تبادر وتغيّر ما هو خاطئ وسائد على مرأى من الجميع.

هي فرصة تتيحها مساء اليوم مترو المدينة لمشاهدة متجددة لفيلم بهذه الأهمية، فربما حرّك في سينمائيينا بعضاً من المسؤولية الأدبية التي يتحمّلونها من دون تكليف، لأن يحمّلوا أعمالهم قضايا وموضوعات ذات أهمية بدلاً من العبثية والسطحية السائدة في طرح قضايا المجتمع خصوصاً المرأة فيها، حيث نتفق جميعاً على أن السينما العربية أساءت كثيراً إلى صورة المرأة ولم تعرف كيف تعيد تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، فهي إما راقصة أو خائنة، أو زانية، أو مبهورة بجسدها الذي هو العلامة الفارقة في إهتمام معظم الأفلام.

قلّة من الأشرطة عرفت الطريق إلى قضايا المرأة، و«أريد حلاً« من أبرزها وجيد إطلاع جيل اليوم على حيثياته، فقط لمعرفة الطريق إلى السينما التي تقوم بواجبها في تحريك المجتمع، وتصحيح الأخطاء، والوقوف على تماس مع الموضوعات التي تمس صورة المخلوقات الجميلة والفاعلة في مجتمعنا: النساء

شريطان مميّزان من النوع العاطفي الكلاسيكي بطلهما واحد البلجيكي شونارتز

مزارع مع المخرج فنتربرغ.. وضابط ألماني مع صول ديب.. نجح في كليهما...

شريطان جميلان وقويان ورائعان على شاشاتنا، وهما موعدان لن يكونا وحيدين على شاشاتنا للمرحلة المقبلة، فالبرمجة تعدنا بأفلام متميّزة وعميقة في المستقبل المنظور والأبعد.

{ Far from the Madding Crowd

للمخرج توماس فنتربرغ عن سيناريو ديفيد نيكولس استناداً إلى كتاب (توماس هاردي)، يقدّم إمرأة جميلة توزعتها عواطف ثلاثة رجال، وعادت في النهاية إلى الشاب الأول الذي أحبّها بشكل حقيقي وصادق، لكن في صياغة جاذبة لشخصية باتشيبا ايفردين (كاري موليغان) الجميلة الشابة التي ورثت منزلاً رحباً عن ذويها وصودف أن ليس في الجوار سوى الراعي الذي يفهم في قطيع الأغنام غير غبريال أوك (ماتياس شونارثز) الذي لم يتأخّر منذ تعرّف عليها من طلب الزواج منها. لكنها اعتذرت لأنها لا تفكر في الأمر حالياً.

ثم تقرّب منها رجل إستثماري ميسوراً حبّها من كل قلبه، فاعتذرت منه ووعدته بالتفكير لاحقاً في الموضوع، وكان شريفاً معها فأنقذها من كل ديونها، لكنه لم يفز بها، وحده الرقيب فرانك دوغيت (سام فيليبس) فاز بقلبها وتزوجت منه إلا أنه بدا مجنوناً غير منضبط وضايق غبريال، وقام بحركات مزعجة مع عمال المزرعة، وكانت نهايته برصاصة من المستثمر الذي حاول إنقاذ المرأة.
ظل غبريال الشهم الأوفى بين الجميع، وحزم حقائبه للمغادرة فلحقت به وطلبت منه أن يطلب يدها، فحصل وقبلت معتذرة عن كل ما فات.

شريط مؤثر وجميل موسيقاه صاغها كرينغ آرمسترونغ.

{ (Suite française):

هذا الفيلم كان بالنسبة إلينا إكتشافاً... دخلناه على هذا الأساس، وفزنا بشريط أحببناه كثيراً لصدقه وأسلوبه المباشر، مع المخرج البريطاني صول ديب عن سيناريو وضعه مع مات شارمان إستناداً إلى كتاب وضعته الشابة إيرين نيميروفسكي، إبنة المرأة التي عاشت في منزل الصبية لوسيل آنجيلييه (ميشيل ويليامس) كمربية لكنها إعتقلت من قبل الألمان ولم يعرف مصيرها.
لوسيل هي بطلة الشريط: إمرأة جميلة، كانت عيون الألمان تكاد تلتهمها، لكن ضابطاً واحداً منهم هو برونو فون فالك (أيضاً ماتياس شونارتز) حسّاس ويتذوق الموسيقى مثلها، وزوجها الشاب غادر للقتال على الجبهة في حقبة الإحتلال الألماني لفرنسا، لذا فهي تعيش مع حماتها السيدة أنجيلييه (كريستين سكوت توماس) التي أخفت عنها أن عريسها فُقدَ منذ أشهر على الجبهة.

وما إن عرفت بالأمر حتى اندفعت لوسيل إلى أحضان الضابط الألماني متجاوزة الكلام عن خيانتها لفرنسا، وسوى ذلك، لكنها في السر إستغلت ثقة الضابط وحَمَتْ في مكان بعيد عن الأعين في منزلها المزارع بنوا (سام ريلاي) الذي قتل ضابطاً ألمانياً كرّر عدّة مرات رغبته في معاشرة زوجته.

برونو تجاوز كل الإعتبارات وخاطر في مساعدتها لكي تهرِّب معها بنوا عبر الحواجز الألمانية إلى باريس. ولم تعد تراه بعد ذلك.

الشريط تكلف 15 مليون يورو، وصوّر في منطقة هانيوت البلجيكية.

فيلمان بطلهما واحد: ماتياس شونارتز، المولود في آنتويرب - بلجيكا، عمره الآن 48 عاماً، وواضح أنه سالك بقوة كنجم مميّز.

«ماد ماكس» يستأنف حضوره مع تشارليز ثيرون كبطلة وليس توم هاردي

ساعتان من المشاهد المذهلة التي توقف نبض القلب وتحفّز على التصفيق...

عاد جورج ميلر مع (Mad Max: Fury Road).

المخرج الذي صنع نجومية ميل غيبسون مع «ماد ماكس»، ويومها لا ننسى أننا ذهلنا في المؤتمر الصحفي بقصر مهرجان كان القديم حين حضر النجم غيبسون شخصياً أمامنا لنفاجأ بأن الرجل القوي، المدجج بالعضلات على الشاشة، الطويل القامة، ليس إلا شاباً قصيراً، نحيل الجسم يكاد لا ينتبه إليه أحد واقفاً أم جالساً.

ومع مرور الوقت بين عام 1979 و2015، بدا أن غيبسون ليس ملائماً للشريط الجديد فتمت الإستعانة بـ توم هاردي ومعه المرأة الأجمل على الشاشة تشارليز ثيرون، مع بعض الأسماء غير الرنانة الأخرى: نيكولاس هولت، روزي هانتغتون، زوي كرافيتز، ريلاي كوغ، ناثان جونس، ميغان غال، هوغ كايس بيرن، جوش هيرمان، إستناداً إلى سيناريو تعاون عليه ميلر مع بريندان ماكارثي، ونيك لاتوريس، وتم التصوير في ناميبيا بميزانية مئة مليون دولار مع شريط في ساعتين من الزمن، في ثالث فيلم ضمن السلسلة التي انطلقت عام 79، ثم عام 81، وفي ثالث تجربة حملت عنوان (Mad Max Beyond Thunderdome) عام 85.

26 عاماً بين أول «ماد ماكس» وآخر «ماد ماكس»، وبعد 30 عاماً على آخر نسخة من الفيلم، ودائماً مع مبتكر هذه الشخصية وداعمها المخرج ميلر، وكانت المؤثرات مدهشة مع فريقين من أخصائيي المؤثرات الخاصة والمشهدية بقيادة: جابان دكنز، وجوشوا براملي، ومونتاج مبهر لـ جابسون بالانتين، ومارغريت سيسكل.

متابعة الفيلم متعة كاملة.

ساعتان لا هدوء إطلاقاً إلا للحظات ومن ثم جحافل من الوجوه المتوحشة في آليات عملاقة أقرب إلى سباقات «الستوكار» لتحظيم السيارات، وأسلحة متعددة ضخمة وخاصة ولقطات تقطع الأنفاس عن صدم وسحل ومشاهد مذهلة للقتل والضحايا، مع فيلم يعرضه مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 68 التي انطلقت في 13 الجاري، وهو مبرمج للعرض قبل 24 الجاري في عرض خاص خارج المسابقة.

الشريط جميل، مع مخرج أطلق السلسلة عام 79، وبدا هنا أستاذاً في المؤثرات المشهدية، وكل ما شاهدناه كان مدهشاً، و«الكاستنغ» مع توم هاردي لا نعتقد أنه كان موّفقاً، على الأقل السيناريو لم يعطه حقه كبطل، وكانت المشاهد القوية والرئيسية لـ تشارليز ثيرون التي تظهر مع شعر قصير جداً، ويد يسرى مقطوعة من ساعدها، وكل هذا لم يخفِ جمالها الصارخ، ولا قدراتها الرائعة كممثلة متميّزة ورائعة.

المحور الخاص بالموضوع هو المجموعات التي تنتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن المياه والبترول، وكأنما هذا هو سبب حروب المستقبل، زيادة المياه كمشكلة على المشاكل التي نعاني منها.

جورج ميلر قدّم فيلماً مختلفاً، ومؤثراً وسيعيش كثيراً على الشاشات العالمية.

تحضير 
زوجان...

أعلنت يونيفرسال عن موعد إطلاق فيلم الزوجين الأشهر في السينما: براد بيت وأنجلينا جولي بعنوان: (By the Sea) عن نص لها أخرجته بنفسها ويعرض جماهيرياً في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

الأجواء من باريس الستينات والسبعينات, أنتجته جولي بنفسها أيضاً وفيه فريق أوروبي أمام الكاميرا: ميلاني لورانت، نيلز آريستروب، ميلفيل بوبود وريتشارد بوهرنغر. 

مناسبة 
مئوية...

احتفلت مصر بالمئوية الأولى لولادة المخرج الكبير صلاح أبو سيف يوم الأربعاء الماضي في 13 الجاري بمركز الثقافة السينمائية وعرض بالمناسبة شريط: لا تُطفئ الشمس، مع فاتن حمامة، شكري سرحان، عماد حمدي، نادية لطفي، أحمد رمزي، ليلى طاهر وعقيلة راتب. ثم جرى حوار حول الفيلم ومناخه. 

خليج 
مهرجانان...

مهرجان أبو ظبي السينمائي في طور التجميد، والإكتفاء بدعم صناعة الأفلام.

مهرجان دبي السينمائي الدولي (بين 9 و16 كانون الأول/ ديسمبر المقبل) في دورته الـ 12 يحيي ملتقى دبي السينمائي لتعزيز سوق الإنتاج المشترك للسينما العربية، ودعم الانتاجات المستقلة، وسيظل الباب مفتوحاً وختاماً حتى الأول من آب/ أغسطس المقبل.

يجري هذا وبرنامج إنجاز الذي يعتمده المهرجان دعم حتى الآن 110 أفلام آخرها:

- إن شاء الله إستفدت (للأردني محمود المساد)، روحي (للبنانية جيهان شعيب)، الكلاسيك (للكردي  العراقي هلكوت مصطفى)، شبابيك الجنة (للتونسي فارس نعناع)، السمك يقتل مرتين (للمصري فوزي صالح)، 3000 ليلة (للفلسطينية مي المصري)، آراب آيدول (للفلسطيني هاني أبو أسعد)، جلد (للسورية عفراء باطوس)، الوجه الآخر لتشرين (للبنانية ماريان زحيل)، ثقل الظل (للمغربي الحكيم أبو العباس). 

اللواء اللبنانية في

18.05.2015

 
 

ظهور واختفاء سُعاد حُسني في فيلم تسجيلي لرانيا اسطفان

أريج جمال

كانت المخرجة اللبنانية رانيا اسطفان قد وقفت في منتصف صالة سينما "زاوية" بوسط البلد، حيثُ الإضاءة خافتة، والجمهور في انتظار بدء العرض، حين قدمت فيلمها بعبارة واحدة "بعد ما سعاد دارت العالم، هلأ رجعت ع بيتها".

الشغف بجمال سُعاد حُسني، لا يمكن اعتبار هذا رأيًا انطباعيًا هُنا، هو المُفتاح الأكثر أهمية في تلقي الشريط السينمائي "اختفاءات سُعاد حسني الثلاثة"، فاسطفان التي كتبت أطروحتها السينمائية عن سُعاد في أستراليا، قررت مُعايشة روح الفنانة الاستثنائية مرّة أخرى مدة عشر سنوات هي مُدة إنجاز الفيلم، هُنا لا يُمكن تجاهل نوع الفيلم التسجيلي، وأنه تم إنتاجه بشكل مُستقل وبمنحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق عام 2011.

يتكوَّن الشريط التسجيلي من مشاهد مُجمعة لسُعاد من أفلامها السينمائية طوال تاريخها، ووفقًا لرؤية نفسيَّة وفنيّة معينة تقوم لرانيا اسطفان بإعادة سرد سيرة سُعاد مرّة جديدة بشكل مُلبِّس داخل الفيلم، كانت عبارة واحدة تتردد بأشكال مُتباينة في أفلام سُعاد التي اُقتطعَت منها اللقطات، " الخيال دايمًا بيكون أجمل من الحقيقة". الأمر الذي يبدو مُحمِّلًا بالمعنى داخل الشريط لم يكن أكثر من مُصادفة على أرض الواقع، العبارة التي كانت تقولها سُعاد في أفلامها، أو يقولها آخرون عن الشخصيّات التي كانت تلعبها، تبدو كأيقونة انبنت عليها حياة سُعاد على الأقل داخل هذا الشريط. يتكون الفيلم من مُقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، تحكي فيه المُخرجة اسطفان حكاية بديلة أو مُفترضَة لحياة سُعاد حسني ملكة الظهور والاختفاء، منذ البدايات الأولى، الانطلاق والشغف اللانهائي بالحياة، مرورًا بالصعود والنجاح والتحقق ثم الانهيار إلى الموت انتحارًا في نهاية الأمر.

على مستوى الحكاية تلتقط رانيا، المُتعلقة وجدانيًا كثيرًا بسُعاد، من أفلام السينما المصرية، ما يمكن أن يُعيد حكي قصة حياة سُعاد حُسني، الجديد في الفيلم ليس هُنا، حكاية سُعاد الحقيقية معروفة، على الأقل في شكل محدد ومحفوظ، لكن ما تلعبه اسطفان فنيًا هو محاولتها الدؤوبة للاقتراب من روح الفنانة المُعذَبة، كأنما تتفرج اسطفان على سُعاد التي أتت العالم بتصورات مثاليّة عن الحُب والفن والتحقق تصورات ربما لم تجدها فعليًا، هُنا حيثُ لا يُمكن الاختلاف مع ما تقره رانيا من أن موت سُعاد هو موت انتحار، إن حياة تحتمل كل هذا الحزن، الوجودي ربما، السابق على الحياة، الذي لا يحتاج إلى كثير من مُسببات منطقيّة على أرض الواقع ، ولا يعدمها أيضًا، حياة مثل هذه سوف تقود إلى الانتحار الرمزي على الأقل.

اللعبة في "اختفاءات سُعاد حسني الثلاث" هي لعبة مونتاج، تحاول استنطاق صمت سُعاد في المشاهد التي تتكلم فيها في السينما، غوايتها كأنثى، وحدسها الدائم، على الأقل يبدو كذلك في أفلامها الأخيرة، بدنو السقوط وحتميته، جمعت اسطفان مشاهد  من أفلام سينمائية عديدة لسُعاد وهي على شفا السقوط من بناء شاهق، كأنما اسطفان تُبعثُ سُعاد عن طريق الخيال، الذي هو لعبة الفن المُفضلَّة، مرّة جديدة من أفلامها، كي تقول الأشياء التي تخصها، عن حياتها على نحو لا يمكن وصفُه، إنما فقط الاستغراق به.

بحلول نهاية العرض، بدا فيلم رانيا اسطفان كتحية لعدّة اختفاءات، اختفاء هذا الدور المؤثر للسينما المصرية في البلاد التي حولها، لبنان مثلًا، الدور الماضي الذي لم يعد، اختفاء حقبة الفيديو، اختفاء سُعاد الإنساني والفني، والاختفاء الالتباسي لها داخل الفيلم، كل مشاهد الفيلم ليست سُعاد فعلًا، إنها شيء يشبهها، الأدوار التي لعبتها، في الحياة والسينما، لكنها أيضًا سُعاد على نحو ما، داخل الشريط لا يمكن تجاهل طريقة صناعته البسيطة والمؤثرة من مُخرجة تقول عن سُعاد أنها "فاتت على عيلتها"، و"أنها أبدًا لم تسأمْ منها، لأن أحدًا لا يسأمْ من شخص يُحبه"، هنا حيثُ الفن في أبسط صوره وأكثرها عُمقًا، حين يتصل بالوجدان، لا وجدان المُتلقي فقط، لكن الفنان أيضًا.

عين على السينما في

18.05.2015

 
 

«سكر بنات» اللبناني يثير أزمة ثقافية في مصر!

كمال القاضي - القاهرة ـ «القدس العربي»:

في الأفلام العربية الفرنسية ذات الإنتاج المشترك هناك دائما أطر وسياقات تحكم المسألة الإبداعية وتتحكم فيها إلى حد كبير، فغالبا ما يكون التعاون في الإنتاج بين ثقافتين مختلفتين مدعاة للخلاف حول ما يتم إنتاجه، حيث لا يرون للمشاهد العربي اختيار القضايا التي تتحمس لها المؤسسات السينمائية الغربية، ويساوره الشك في نزاهتها وموضوعاتها، ويربط بينها وبين محاولات التسلل إلى العقل الجمعي العربي، لتغيير النمط التفكيري للثقافة العربية السائدة، خاصة ما يتصل منها بالثوابت والقناعات الاجتماعية التي تحسبها بعض الاتجاهات في الغرب محض رجعية. وكثير من الأفلام التي أنتجت بالشراكة العربية الأوروبية أحدثت صدمات ورفضها أو تحفظ عليها الجمهور، وربما من بينها فيلم «سكر بنات» أو «كراميل» الذي أنتج عام 2007 وما زال يحدث ضجة عند عرضه في أي من الاحتفاليات الرسمية أو غير الرسمية.

الفيلم لمجرد أنه مختلف وجريء في طرح ما تتبناه الكاتبة والمخرجة نادين لبكي يتصوره البعض خروجا فنيا وثقافيا على الأخلاق، ودعوة للتحرر والانفلات، ولأنه يعكس أفكار المخرجة اللبنانية وممول إنتاجيا من مؤسسة فرنسية، فهو يطابق في أهدافه ومراميه بقية الأفلام الأخرى، التي يتشكك فيها الجمهور ويراها نواة لثقافة غربية تسعى للهيمنة والتغيير واللعب في الدماغ.

وقد يكون ذلك واردا في بعض التجارب ذات الخصوصية السياسية، ولكن ليس هذا مبررا لرفض كل الفنون الوافدة، فما نعتقد في بطلانه يحتمل أن يكون تطورا في الرؤية الفنية لقضايانا الأساسية، ولا يمكن أن يكون التطور في الرؤية وإعادة النظر سببا خلافيا يحتم علينا معه مقاطعة المنتج الجديد، حتى إن اختلفنا معه من الناحية الشكلية، وتحفظنا على طريقة المعالجة، فنحن هنا نكون قد أوصدنا نافذة نطل منها على العالم ونتأمل من خلالها المثير والمختلف، وهي بالطبع ليست الطريقة المثلى في التعامل مع الوافد من الإبداع، ولنقرأ أحداث الفيلم المثير للجدل، الذي منع عرضه في احتفالية خاصة في أحد قصور الثقافة في مدن الأقاليم، علي خلفية ما أثير حوله من لغط جراء سوء الفهم والاعتقاد الخاطئ بأنه يصدر أفكارا تحررية تسيء لمجتمعاتنا الشرقية المحافظة، وهو الزعم الذي كان بمثابة طعم ابتلعه الرافضون باسم الأخلاق، فيما أن الحقيقة تشي بعكس ذلك، لا سيما في ظل تركيز نادين لبكي على فصامية المجتمع المحافظ، الذي يضع عذرية الفتاة مقياسا رئيسيا للعفة والشرف، ولا يتسامح مع من يثبت فقدانها لتلك الخصوصية، وتقبل بالتحاليل والخديعة ويمارس التدليس على نفسه، بينما هناك مئات المآسي والجرائم ترتكب يوميا على الملأ، من دون أن يحرك المجتمع المحافظ ساكنا، وقد دللت الكاتبة والمخرجة وبطلة الفيلم على هذا التناقض بالحرب الإسرائيلية على لبنان، التي جرت أحداثها ووقائعها المأساوية عام 2006 قبل تصوير الفيلم بنحو ثمانية شهور فقط.

وليس مشهد الشرطي الذي يتربص بالبطل والبطلة ويتلصص عليهما في سيارتهما الخاصة ببعيد عن إشكالية التعامي عن القضايا الكبرى والانشغال بالتفاصيل الحياتية الصغيرة، تغطية أو توطئة، حيث الأشياء كلها متصلة منفصلة لا يفرق بينها سوى النظرة الأحادية للظواهر الشكلية والاعتناء بتنظيف السطح الخارجي فقط، ليبدو براقا وجاذبا وعلى ما يرام. وفي السياق نفسه تطرح لبكي قضية إنسانية أخرى تراها ذات صلة بالموضوع، ألا وهي العنوسة ومأساة سن اليأس التي تؤرق المرأة وتقض مضجعها وتوصلها إلى الهلاوس جراء حرمانها من ممارسة حقها الطبيعي في الحياة باكتمال علاقتها بالرجل.

تلعب الكاتبة والمخرجة في فيلمها «سكر بنات» على الفراغات الواسعة في محيط المرأة وواقعها الخاص جدا، فترسم صورا لتشوهات قائمة وآمال مفقودة وأحلام مجهضة يتم التعويض عنها بلحظات سعادة افتراضية مصطنعة تلخصها المخرجة في مشهد الزفاف، حيث تلجأ البطلات «ليال» نادين لبكي ونسرين «ياسمين المصري» و»ريما» «جوانا مكرزل» وجيزيل عواد «جمال» وسهام حداد «روز» إلى اختلاس الفرح كسرا لطوق التعاسة وتحايلا على ظروفهن المريرة التي جعلت منهن مجرد «ماشطات» لصبايا ينقصهن الجمال والجاذبية .

تترك نادين الإحساس التراجيدي بقصص الفتيات يتداعي بهدوء، من دون انفعالات متصاعدة من خلال أدوات التأثير الطبيعية المتمثلة في الموسيقى والصورة وفنية المونتاج فضلا عن الأداء الاحترافي في التمثيل والإخراج، وهو ما شكل عوامل الإقناع وسهل لغة التعبير ووضع النقاط على الحروف في الرؤية الإنسانية التي ظلمها السياق الحسي وجعلها من وجهة نظر البعض فضحا لمشاعر المرأة وخدشا لحياء الرجل المحافظ .

القدس العربي اللندنية في

18.05.2015

 
 

زبيدة ثروت توصي بدفنها بجوار العندليب الأسمر

أحمد عدلي

أوصت الفنانة القديرة زبيدة ثروت بدفنها بجوار العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ خلال ظهورها مع الاعلامي عمرو الليثي في لقاء تليفزيوني نادر لم تظهر فيه بوجهها بشكل واضح، بينما تحدثت عن معاناتها مع التدخين.

القاهرةأوصت الفنانة القديرة زبيدة ثروت بأن تدفن بعد وفاتها بجوار الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، مشيرة إلى أنها بادلته الحب لكنها لم تجروء على الاعتراف له، بينما لم يصارحها بسبب ظروفه المرضية، وطلب من المقربين منه وضع صورتها معه في قبره.

وقالت زبيدة في أول ظهور تليفزيوني لها منذ 30 عاماً تقريباً مع الإعلامي عمرو الليثي في برنامجه "بوضوح" على شاشة قناة "الحياة" أن والدها رفض تزويجها من عبد الحليم حافظ وانه رد عليه قائلاً "مش هزوج بنتي لمغنواتي"، مشيرة إلى أنها أحبته بشدة بعد عملهما سوياً في فيلم "يوم من عمري".

وأكدت على أن والدها كان شخصية صعبة للغاية بسبب طبيعته العسكرية، حيث كان ضابط بالقوات المسلحة مشيرة إلى أن أموال والدتها ومجوهراتها تعرضت للمصادرة بعد ثورة 23 يوليو 1952.

وأشارت زبيدة إلى أنها كانت تنتمي للأسرة المالكة في مصر حيث أن والدتها هي حفيدة السلطان حسين كامل الذي حكم مصر في بداية القرن الماضي، مشيرة إلى أنها لم تشعر بالضرر بشكل مباشر من الثورة لكون عمرها وقتها لم يتجاوز 8 سنوات، بينما تعرضت ممتلكات كثيرة لوالدتها للمصادرة.

وكشفت زبيدة عن أن الفنان حسين رياض كان يحبها بشكل علني، فيما أكدت أنها سعت للقاء رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلي منصور من أجل طلب العفو منه عن الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي حكم مصر لمدة 30 عاماً خاصة وأنها تحبه بشدة.

قالت زبيدة أنها تعاني من التدخين وإدمانها لهذه العادة التي اضطرتها للخضوع لجراحة كبيرة، مشيرة إلى أنها لا تستطيع التوقف عن التدخين.

وحرصت ثروت على أن لا تظهر بوجهها بسبب علامات التقدم في العمر حيث تم تصوير اللقاء من الجانب ولم تظهر الكاميرا وجهها كاملاً طوال الحلقة.

إيلاف في

18.05.2015

 
 

صندوق «سند» يفتح باب التقدم للاستفادة من منح التمويل للمشاريع السينمائية

كتب: أحمد الجزار

أعلنت twofour54 عن فتح باب تقديم طلبات الحصول على منح «سند» لمرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج للمشاريع السينمائية من مختلف أنحاء الوطن العربي للعام 2015. وسيواصل الصندوق تلقي الطلبات حتى نهاية شهر يونيو المقبل، على أن يتم الإعلان عن المشاريع التي تم اختيارها بتاريخ 31 أغسطس المقبل. ويقدّم صندوق «سند» وللسنة السادسة على التوالي، منحاً مالية سنوية لدعم صنّاع السينما العرب تبلغ قيمتها الإجمالية 500 ألف دولار، وتصل إلى 20،000 دولار أمريكي للمشروع الواحد في مرحلة التطوير، و60،000 دولار للمشروع الواحد في مرحلة ما بعد الإنتاج.

وقد سبق للصندوق أن ساهم في تمويل أكثر من 100 مشروع فيلم كجزء من دوره في دفع حركة صناعة السينما في الإمارات والوطن العربي. وقالت نورة الكعبي، الرئيس التنفيذي لـtwofour54: «تهدفtwofour54 إلى تقديم مزيد من الدعم لصنّاع السينما المحليين والعرب، ويعتبر صندوق»سند«واحداً من المبادرات المهمة التي تحقق هذا الهدف، فهو يساعد السينمائيين المبدعين في الإمارات والعالم العربي على بناء مستقبلهم المهني وتحقيق مشاريعهم، وتطوير المحتوى العربي، ومساعدة المشاريع الحاصلة على منح التمويل في تحقيق حضور سينمائي بارز على الساحة الدولية».

وأضافت: «يسعى الصندوق إلى تسليط الضوء على نخبة من المشاريع السينمائية المبتكرة والتي تمتلك لغة سينمائية رفيعة ومجدِدة، من أجل تدعيم جهود مبدعيها وصانعيها وتذليل جزء من المصاعب التي تعترض صناعة السينما العربية». وتشارك الأفلام التي يموّلها صندوق «سند» بشكل منتظم في مهرجانات سينمائية عالمية رائدة مثل مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا وتورنتو، وهذا يدل على التزام «سند» المستمر في دعم أفلام السينمائيين العرب المميزة في مختلف المحافل الدولية.

وسبق أن شهدت المسابقة الرسمية لمهرجان كان عرض فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصر الله، كما عُرض فيلم «بلادي الحلوة.. بلادي الحادّة» للمخرج هينر سليم في قسم «نظرة ما،، وفيلم»على الحافّة«للمخرجة ليلى كيلاني في نصف شهر المخرجين في المهرجان ذاته. وتم عرض أفلام»ذيب«و»التحرير 2011«و»كما لو أننا نمسك بكوبرا«في مهرجان فينسيا، وشهد مهرجانا برلين وتورنتو عرض أفلام»بيع الموت«لفوزي بن سعيدي، و»عالم ليس لنا«للمخرج مهدي فليفل، و»الأوديسا العراقية«للمخرج سمير، و»لما شفتك«للمخرجة آن ماري جاسر، و»الوادي«للمخرج غسان سلهب.

المصري اليوم في

18.05.2015

 
 

"الشاهد والشهادة": كمال جنبلاط يروي سيرته

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

"المعلم" و"الفيلسوف"، والمؤمن بتعاليم غاندي، والعلماني في وطن يغرق في دوامة الطائفية، والمحارب للفساد والمحاصصة و"صانع الرؤساء"، يعود اليوم، بعد 38 عاماً على استشهاده، ليروي لنا تاريخه بنفسه، من خلال شريط وثائقي للمخرج هادي زكاك مدته 90 دقيقة، جاء مثله تماماً مزيجاً متجانساً من الانسانية والسياسة والفلسفة والمبادئ وحمل عنوان "كمال جنبلاط: الشاهد والشهادة". الفيلم الذي انتجته "رابطة أصدقاء كمال جنبلاط" يفتح باب التاريخ الذي لم نتفق عليه يوماً نحن اللبنانيين، ويجعلنا شهوداً على أجزاء من سيرة رجل اتفق الجميع على وصفه بـ "المعلم". كمال جنبلاط الحرية والاشتراكية والعروبة الذي ولد عام 1917 واغتيل عام 1977، وما بين التاريخين رحلة ومحطات متداخلة ومتوازنة بين الحميمي والانساني والسياسي والنابض بالمواقف الصلبة والمعرفة اللامتناهية والاهتمامات الكثيرة. هذه المحطات نتابعها حيناً بصوت "المعلم" عبر عدد كبير من مقابلاته المصورة وصوره الأرشيفية القديمة وكتاباته الشخصية (من هنا اهمية الفيلم وابتكاره في جعل كمال جنبلاط شاهداً ومُعرّفاً بتاريخه الشخصي)، وأحياناً اخرى يسردها صوت الممثل رفعت طربيه. وما بين الصوتين صورة سينمائية يشكلها هادي زكاك بحسّ فني عابق بالحميمية والنوستالجيا والتساؤلات والتفاصيل. كتابات كمال جنبلاط ومقابلاته هي حجر الأساس الذي اعتمد عليه السيناريو الشبيه بسيرة تنطلق من الولادة والطفولة والدراسة والقيادة والحزب والرحلات الدائمة الى الهند، هو التواق الى منبع الروحانية، ثم عمله السياسي وانجازاته الاصلاحية والحركة الوطنية والاستقلالية التي راهن عليها طوال عمره الذي انتهى في 16 آذار 1977. لحظة اعاد زكاك تقديم فرضيتها بأسلوب سينمائي عابق بالتوتر والتشويق وحافل بأدق التفاصيل، وسيرة أعاد شحنها بمحطات مؤثرة وحميمة، ابرزها شهادة الابن وليد جنبلاط الذي تميّز بعفويته وصراحته، وبرفقته ندخل قصر المختارة ومعه نلج حميمية غرفة المعلم ونفلفش أشياءه وكتبه التي تملأ المكان تماماً مثل حضوره الآسر. سيرة انسان واب وصديق وثائر ومناضل ومدافع عن استقلال لبنان وأفكاره السياسية والفلسفية، تنطلق من عند ذلك الطالب النابغة الذي درس الفلسفة في مدرسة عينطورة وباريس، ولا تنتهي عند تلك الرصاصات الباردة التي حطمت زجاج سيارة المرسيدس السوداء وآمال شعب بكامله، لأن ما يعلق في الاذهان هو وجه ذلك المفكر الذي قال "نحن لا نموت، بل نعبر"، وذلك القائد الحالم بدولة ديموقراطية علمانية تحترم الانسان وتحافظ على كرامته وحريته.

Mad Max: Fury Road 3D صراع وحشي على النفط والماء

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

أخيراً، وبعد 30 عاماً على آخر جزء من اشهر ثلاثية اسطورية لافلام الحركة والاثارة Mad Max التي اطلقها المخرج جورج ميلر للمرة الاولى عام 1979، واطلق من خلالها نجومية ميل غيبسون، وعرفت شهرة كبيرة في الثمانينات، يعود فيلم التشويق والاكشن الشهير "ماد ماكس" الى الشاشات الفضية في جزء جديد ومختلف واستعراضي بعنوان Mad Max :Fury Road. طبعاً لا داعي للقول انه اكثر الافلام انتظاراً في العالم، (وخصوصاً ان كثيرين كانوا قد فقدوا الأمل بعودته) وقد شكلت مشاركته في مهرجان كانّ السينمائي (خارج المسابقة الرسمية) ليل الاربعاء 13 ايار 2015 الحدث الابرز، وذلك قبل يوم واحد من بدء عرضه في دور العرض العالمية ومنها لبنان.

الى المناطق النائية في صحراء أوستراليا يحملنا المخرج الاوسترالي ابن الـ 70 عاماً جورج ميلر ليقدّم حروبا وصراعات على الماء والنفط أعادت الانسان الى نوع من وحشية العصور الأولى. الظالم الدموي جو (هيو كيز- بايرن) سيطر على الماء والنفط وحوّل الناس عبيداً لديه والقى القبض على ماكس (طوم هاردي). لكن الامبراطورة المغامرة فيريوزا (شارليز ثيرون) تتمكن من تسديد صفعة موجعة له عندما تخطف زوجاته الخمس في صهريج وقود. جو يطلق وراءها جيوشه، وماكس يتمكن من تحرير نفسه وعليه الان اختيار في صف من عليه ان يقف في المعركة الشرسة التي توشك ان تندلع... هواة السلسلة القديمة، وهم كثر طبعاً، يلاحظون فوراً ان الشريط الجديد مختلف تماماً عن الاجزاء السابقة، وخصوصاً من ناحية البطولة التي لم تعد محصورة بماد ماكس. بل تخطته لتصبح مركزة اكثر على شارليز ثيرون التي تسحب بساط الرمال من تحت قدميه وتعيده الى الصفوف الخلفية، لتصبح هي في الصدارة بكل قوتها الجسدية وحضورها الجذاب والانثوي رغم شعر رأسها المحلوق وعضلاتها البارزة وغضبها الساطع. اما من لم يتسن لهم مشاهدة الثلاثية السابقة، فهم حتماً لن يتأثروا بالسيناريو التقليدي، بل هم يرفعون القبعة احتراماً ويصفقون طويلاً للخلاق جورج ميلر ولجنونه المشهدي المشرقط رغم بلوغه السبعين. الجميع من دون استثناء يقعون تحت سحر مشهديته وادارته الفنية وازيائه وماكياجه الفج وموسيقاه ومناخاته المتوحشة واجوائه المتفجرة بالجنون والقسوة لكن المضبوطة من اول الشريط الى آخره. الجميع يذهلون بتداخل البشاعة والجمال، الاضاءة والصوت، الالوان الترابية والنارية نهاراً والباردة والزرقاء ليلاً، عبر ايقاع كهربائي واكشن مكثف يقدمهم جورج ميلر من خلال استرسال لا يتوقف لأخذ النفس للمطاردات العنيفة والمتواصلة والحركة الاستعراضية المصورة من دون مبالغات في استخدام المؤثرات الرقمية وتصوير تمّ بتقنية الـ 3D.

النهار اللبنانية في

18.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)