كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

رامبو – 4 (2008)..

بطل مشوَّه وحرب قذرة!

أحمد عبد الرحيم

 

لماذا تعيد استخدام، أو بالأحرى تُحيى، رامبو بعد 20 سنة من فيلمه الأخير ؟ الأمر بسيط. الاسم له شهرته، والنجم الذى مثَّله، سلفستر ستالون، لا يزال حياً، ويحتاج – وقتها – بشدة إلى أى فيلم ناجح بعد أن خبا نجمه وهبطت أسهمه، ولا توجد كتابة "أصلية" فى هوليوود منذ التسعينيات !

..ولكن ربما هناك ظروف جعلت من شخصية جون رامبو ليس كجندى جريح، وإنما كماكينة قتل، شيئاً جذاباً ومطلوباً فى 2008. ظروف لن تجعل رامبو "أثر" من مستنقع الحرب الأمريكية-الفيتنامية (بين 1961 و1973)، أو "أنتيكة" من 3 أفلام هوليوودية سابقة (بين 1982 و1988)، وإنما رمزاً لصمود المحارب الأمريكى، وترويجاً لأهمية الحرب أيضاً !

فى الأساس، تُطلق كلمة "حرب فيتنام" على الحرب الأهلية التى شبَّت بين فيتنام الشمالية والجنوبية سنة 1955 وانتهت بانتصار فيتنام الشمالية سنة 1975. يجئ التدخل الأمريكى فى هذه الحرب مبكراً جداً. فلأن فيتنام الشمالية كانت ذات نظام شيوعى مدعوم من حلفاء الشيوعية وأولهم الإتحاد السوفييتى، كان من الطبيعى أن تساند أمريكا فيتنام الجنوبية ذات النظام الرأسمالى، المدعوم منها ومن دول رأسمالية أخرى، وذلك حفاظاً على النفوذ الأمريكى هناك، ولقطع الطريق أمام توغل المعسكر الشيوعى؛ والذى كانت تعيش معه وقتها حرب باردة. لكن بعد سنوات من مساعدات بسيطة شملت إرسال مستشارين عسكريين، بدأت أمريكا فى التورط فعلياً فى هذه الحرب سنة 1961 بإرسالها 400 جندى، تضاعفوا بعدها لآلاف مؤلفة، على امتداد 12 سنة لاحقة من عمر المعارك الحربية بينها وبين فيتنام الشمالية. وهكذا، نُفِى الشباب الأمريكى إلى أرض غريبة، ليحترقوا فى أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مقاتلين جنود فيتناميين، قاتلين مدنيين عزل أيضاً، ماحين قرى فقيرة لا يقطنها إلا النساء والشيوخ والأطفال، ومرتكبين جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية؛ من أول الاغتصاب الجنسى، إلى الرش الكيماوى للحقول والبشر، وصولاً للمذابح الجماعية لمواطنين غير مسلحين. كل ذلك لتحقيق أجندة استعمارية كبرى، لا شعور لها، ولا ضمير فيها، لتُعرَف فيتنام بـ"مقبرة الضمير الأمريكى".

جون رامبو كان واحد من هؤلاء الشباب الذين سوقوا إلى المستنقع الفيتنامى ليغرقوا فى ممارسة الظلم والخسة والهمجية. هو جندى خارق المهارة، علّمه جيشه ممارسة القتل كالتنفس، مما حوّله إلى ما يشبه وحش فرانكنشتاين؛ كائن مشوّه، مرفوض، يكره نفسه والعالم. فى أول أفلامه First Blood أو الدماء الأولى (1982)، المأخوذ عن رواية لديفيد موريل، يهيم رامبو فى مدن أمريكا بعد نهاية حرب فيتنام، مقرراً زيارة أحد زملاء القتال فى بلدة صغيرة، ولكنه يقابل تعسف واضطهاد من مأمورها، مما يعيده إلى ذكريات الحرب، ويثير الوحش الرابض، لينطلق كقنبلة فى وجه الجميع. بدا الأمر هنا وكأن رامبو ينتقم من "السلطة" الغبية التى أرسلته إلى حرب غبية، ليفقد إنسانيته، وكأن وحش فرانكتشاين يثأر من صانعه. فى الجزء الثانى Rambo 2 أو رامبو 2 (1985) يُستدعَى الوحش لإنقاذ أسرى أمريكان فى فيتنام، ليعيش نفس الحرب الأولى مجدداً، ولكن ضد قادة سوفييت متحالفين مع الفيتناميين، تماشياً مع حالة الحرب الباردة وقتها بين أمريكا وروسيا، ليهلل الجمهور للبطل هذه المرة، والذى يستثمر إمكانياته العبقرية لحساب دولته، بدون نسيان اصطدامه بسلطتها مجدداً، والتى تظهر كمخادعة وأنانية وحمقاء. فى الجزء الثالث Rambo 3 أو رامبو 3 (1988) يستكمل رامبو خدمة أمريكا-الحرب الباردة، بالوقوف مع المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتى لأفغانستان، وطبعاً ينتصر انتصارا لا يقل عن سابقه. مثل 2، و3، يستأنف Rambo 4 أو رامبو 4 (2008) حرب رامبو ضد أعداءه غير الأمريكيين، وذلك عندما نراه وقد قارب الستين من العمر وأعتزل الحياة، مستقراً فى قرية بتايلاند قرب حدود بورما، بائعاً للثعابين، وناقلاً للمواطنين فى قاربه، وكيف يؤجره قس مسيحى كى ينقل بعثة إنسانية، ستعالج ضحايا التمرد ضد الحكم العسكرى الدموى فى بورما. لكن بعد أن يهاجم الجيش البورمى البعثة، ليقتل 2 منها ويأسر الباقى، يستنجد القس برامبو، الذى يتجه مع مجموعة مرتزقة لإنقاذ أفراد البعثة، وهو ما ينجح فيه بالفعل، لكن ليس قبل ذبح وفرم وشوى الجيش البورمى عن بكرة أبيه !

ينتمى الفيلم لنوعية Gorilla War أو فيلم حرب الجوريلا؛ القائم على مجموعة مرتزقة، يستخدمون تكتيكات حربية وأسلحة خفيفة وحركة حرة، ويحاربون قوة عسكرية أضخم حجماً وتسليحاً وأكثر ثباتاً، وذلك – فى الأغلب – بهدف تحرير أسرى حرب، عبر معارك تدور فى غابات. هذه الأفلام انتشرت فى الثمانينيات، عبر قائمة طويلة تضم – كأمثلة – Uncommon Valor أو شجاعة غير عادية (1983)، Let's Get Harry أو هيا لنُرجع هارى (1986)، وDelta Force 2أو القوة دلتا 2 (1990). بالإضافة إلى ذلك، ينتمى رامبو 4 لفروع أخرى فى الفيلم الحربى، مثل فيلم العملية الحربية الواحدة، سواء إنتمت لحرب معلنة؛ مثل الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء فىThe Bridge on the River Kwai  أو جسر على نهر كواى (1957) أو حرب غير معلنة؛ مثل التدخل الأمريكى العسكرى فى الصومال سنة 1993، والذى اُستوحى منه فيلم Black Hawk Down أو سقوط الصقر الأسود (2001). كذلك فيلم المحارب المنفى؛ الذى يشبهِّه الكاتب ستانلى جيه. سولومون فى كتابه "أنواع الفيلم الأمريكى"، ترجمة الأستاذ مدحت محفوظ، صـ342، بأسطورة شمشمون "الذى كان محارباً جباراً يوماً ما، ثم تضعف قواه، ويُسجن فى أرض أعدائه" ليبدو زاهد فى الحياة، لامبالى تجاه الأحداث العظمى حوله، ولكن عندما تناديه الظروف، يُوقظ البطل داخله، وينخرط فى المعركة، محققاً مبادئه الكامنة، ومحطماً عدوه، وأبرز مثال لهذا الفرع فيلم Casablanca أو كازابلانكا (1942). ناهيك عن ظنى بأن رامبو 4 ينتمى أيضاً لنوعية فيلم الحرب الدعائى، الذى يروِّج للقوة الحربية لدولة، وذلك – هنا – من خلال محاربها الذى لا يشق له غبار؛ فإذا كان رامبو، وحده، قادر على دحر جيش بأسره، فماذا بشأن جيش من محاربين مثله ؟!  

هذا الفيلم ضايقنى وأزعجنى على أصعدة كثيرة. بادئ ذى بدء، هو فيلم فقير، بليد، وبلا تميز يذكر فى أى من عناصره الفنية؛ بداية من السيناريو الذى كتبه ستالون، وصولاً للإخراج الذى أضطلع به ستالون. تبدو فكرة الفيلم كخليط غير مبهر من أفلام الثمانينيات المذكورة، يكرر استهلاك نقاط متعددة منها بدون إبداع أو حيوية. ستالون، كممثل، كان فى أسوأ حالاته. باستثناء المشهد الأخير الذى يعود فيه لموطنه، قدم أداء متداع، يتراوح بين ملامح مرتعشة ووجه نعسان. بدا الحوار – ظاهرياً – عميق، بينما هو فى الواقع شديد الركاكة والسخف؛ فقط تذكر جملة الفيلم الأشهر "عش من أجل لا شئ، أو مت من أجل شئ" كى تتأمل الاستفزاز. تتابعات الأكشن لم تكن على مستوى الثلاثة أفلام السابقة، أو حتى شئ قريب منها. إنها مجرد مشاهد قتالية تقليدية، لا يمكن مقارنتها إلا بأفلام الأكشن V أو الأفلام-المصنوعة-خصيصاً-للفيديو، والتى تتصف بانخفاض الميزانية والموهبة. ذروة الأحداث كانت ضعيفة. ستالون، ككاتب مع السيناريست آرت مونتراستيلى، عمد إلى حل كل شئ بمدفع مجنون فوق جبل؛ يحصد أرواح كل الأعداء فى جميع الأماكن ! اختصر هذا المعركة لتتابع شبيه جداً بالمحاكاة الكوميدية لرامبو فى نهاية الفيلم الساخر Hot Shots 2 أو طلقات ساخنة 2 (1993)، لدرجة أن أكثر عشاق رامبو، أو أفلام الأكشن، إخلاصاً لابد أن يغادروا مقاعدهم غير راضين.

إليك ما هو أخطر. رامبو الأول (1982) كان يُفترض أنه فيلم ضد-الحرب، والفيلمين التاليين فى (1985) و(1988) على التوالى، كانا ضد-أمريكا، بعض الفيتناميين، والإتحاد السوفييتى، من خلال حرب جهنمية فى كل مرة. لذلك، دعنا لا نكن شاعريين فى المكان الخطأ؛ فأفلام رامبو ليست سوى أفلام حركة / حربية، هدفها الدعاية للمحارب الأمريكى الصنديد، وإمتاع المشاهدين بمعادلة "جيش واحد" يواجه "جيش من رجل واحد". ورغماً أن ستالون يعرف جيداً أن رامبو وحش صناعة أمريكية (لذا رفض فكرة لهذا الجزء، يعمل فيها رامبو كدبلوماسى فى الأمم المتحدة، وله زوجة وابن)، ورغماً أن فكرة الوحش كان لها أن تصنع دراما قوية، أو دراما؛ فإن ستالون لم يستغل إلا الجانب السطحى من هذا "الوحش"، مع الإفراط فى استعراض وحشيته، زائد صياغة رسالة تعجز هذه المرة عن الزعم بأنها ضد-الحرب، لأنها فى حقيقتها ضد-السلام !

رامبو – كالمعتاد – دخل حرباً، ضد أشرار متجبرين، كى ينتصر فيها. ثم اختار فى النهاية أن يعود – أخيراً – إلى موطنه فربما روحه التائهة تجد خلاصها، ولكن ليس قبل واحد من أكبر حمامات الدم التى يمكنك أن تشهدها فى فيلم سينمائى. إنه لم يحارب من أجل الانتصار، بقدر ما حارب من أجل الإبادة الجماعية، متحولاً إلى سلاح دمار شامل يمشى على قدمين، والفرق الوحيد بينه وبين القنبلة الذرية أنه لا يترك إشعاعاً دائماً مكان انفجاره!

راقب ماذا فعل عندما حاول قائد الجنود البورميين الهرب، لقد مزقه بسكينته حتى نزع أحشاءه؛ وهى – بالمناسبة – طريقة شنيعة للقتل كان يستخدمها جيش Viet Cong الفيتنامى الشيوعى فى أوائل الستينيات؛ أى أن رامبو – المُفترض مجيئه من دولة أكثر تحضراً – صار فى همجية أعداءه القدامى. ثم أنظر له فى المعركة الأخيرة وهو يمحو جنود بورما من على وجه الأرض، بدون أن يأخذ أسرى، أو يقبل مستسلم، أو يترك أحداً حى لوجه الله؛ لتكتشف أنه أصبح أكثر شراً من أعداءه الحاليين ! ستالون يثبت هذه الجولة أن سبيل الوحش المخبول القبيح، المسمى رامبو، هو السبيل الوحيد لتنجو فى هذا العالم، ليصبح رامبو لا شئ سوى حرب أمريكية أكثر منه محارب أمريكى، وأداة لصناعة أموال من شباك التذاكر، ولتنس – أرجوك – أى إدعاء بكونه شخصية درامية لها أعماق ومعانى. لذلك، فإن عودته لوطنه فى مشهد الختام تبدو مفرغة المعنى. من ناحية ستسأل مراراً، فى حيرة، لماذا لم يفعل ذلك منذ البداية ؟! ومن ناحية أخرى، أنت تعلم أن هذه العودة ليست خلاصه الذى يبحث عنه، أو فوزه بسلامه الداخلى المفقود منذ عقود، فالحرب صارت هى خلاصه وسلامه، كـ"الشئ الذى يموت من أجله"، ولا "حياة" بدونه. يتكامل مع ذلك ما أُعلن مؤخراً من أن رامبو سيعود قريباً جداً فى فيلم جديد / حرب جديدة، عبر جزء خامس من تأليف وإخراج وتمثيل ستالون أيضاً، مما يحسم أن وطن رامبو هو القتل ولا شئ غيره!    

تبتعد عن هذا المعنى المزعج.. كى يصدمك الفيلم بأمر مزعج آخر. من المؤكد أن ستالون، كمخرج، سأل نفسه ماذا سيفعل بميزانية متهالكة مثل 50 مليون دولار كى يجذب الجمهور ؟ (رامبو 3، المنتج قبلها بـ20 عام، تكلّف 63 مليون دولار)، كيف سينافس أفلام أكشن فى نفس السنة تكلّفت ميزانيات فلكية، كفيلم أنديانا جونز The Kingdom of the Crystal Skull أو مملكة الجمجمة الكريستالية، المُنتج بـ185 مليون دولار، وفيلم جيمس بوند Quantum of Solace أو كم العزاء، المنتج بـ219 مليون دولار، وThe Chronicles of Narnia 2 أو تاريخ نارنيا 2، المُنتج بـ246 مليون دولار ؟ كيف سيدهش ستالون الجيل الجديد ببطله القديم القادم من الثمانينيات ؟ والحق أنه وجد الإجابة. إنها ليست فى المأزق الدرامى، أو البعد الفلسفى، أو حتى الأكشن العظيم. إنها فى اللحم المفروم !  

ذهب ستالون بالعنف فى فيلمه إلى درجة R فى التصنيف الرقابى، ليصنع كل ما يحلو له من رؤوس تتفجَّر، وأجساد تتقطَّع لأشلاء، وجالونات لا حصر لها من الدماء، فى عنف غير إنسانى، أو صناعة سينما غير إنسانية ! أنا لا أستطيع نسيان المعركة الختامية، عندما يقف رامبو وراء مدفعه الشيطانى، كى يقتل فى مذبحة كبرى كل الأعداء، محولاً إياهم إلى مئات الأوصال الممزقة، وأطنان من اللحم المفروم (عدد القتلى : 236 !)، منهياً نصف كومبارس هوليوود بالإضافة إلى معدتى ! هذا شئ مريض، ومُمرِض، يختلف تماماً عن العنف الكارتونى الذى شاهدناه فى الأفلام الثلاثة الأولى، والتى كان الجندى فيها يتلقى رصاصة، ثم يمثل السقوط، ودمتم. إن هذا التتابع هو أقرب ما يكون للكابوس الذى عاشه جون رامبو نفسه فى فيتنام، وحكى جزءاً منه فى نهاية الفيلم الأول، حينما إنفجر جسد زميله أمامه، ثم التصقت أجزاء من لحمه به. وبناءاً على ذلك، كما ترى، فإن هذا الفيلم أصبح شريراً كالحرب، ونحن – كالمشاهدين المساكين – صار علينا التحول إلى معقدين نفسياً مثل رامبو !  

إذا كان هذا مزعج؛ فإليك أكثر أوجه الفيلم إزعاجاً على الإطلاق. بمشاهدة متأنية، سترى أن هذا الفيلم يقدم حرب رامبو فى فيتنام؛ قبل انسحاب القوات الأمريكية سنة 1973، وإن تم ذلك بطريق غير مباشر. فجنود النظام البورمى يبدون كجنود الجيش الفيتنامى، وفلاحى بورما الفقراء يبدون كفلاحى فيتنام الفقراء، وخلفيات المكانين واحدة، بل أنهما متقاربين على الخريطة، وحقوق الإنسان مهدرة فى الحالتين، خاصة معارضى السلطة القمعية، ورامبو ليس إلا "شمشون الذى سُجن فى أرض أعدائه"، ووجب عليه استعادة قوته واستحضار قدراته، كى يلعب دور المُخلِّص الأمريكى الشهم، ويُكمل مهمته الأمريكية المقدسة فى بداية الألفية الجديدة، معطياً النموذج المعلِّم، والقدوة الحسنة، لكل مجند أمريكى شاب، خاصة هؤلاء الذين كانوا يُشحَنون إلى العراق وقت عرض الفيلم، تحت شعارات صريحة الكذب مثل نشر الحرية والديموقراطية.

لتدعيم هذه النظرة، تأمل المبدأ المستفز للبطل "عش من أجل لا شئ، أو مت من أجل شئ" ! بشكل ما، يمكنك قراءتها كستالون، الذى أعلن أن مناهضى الحكم فى بورما سنة 2008، والذين هرّبوا الفيلم بعد منعه رقابياً فى بلدهم، رددوها ضد طغيان الديكتاتورية العسكرية هناك، ليعتبر ذلك "أكثر لحظة فخر عاشها فى عمره الفنى". ولكن بشكل آخر، يمكنك أن تقرأها كنداء دعائى للتجنيد، يساند الجيش الأمريكى، ويجلب مزيداً من الجنود لحرب العراق، وهى حرب فيتنام الثانية، التى صُنع فيها اللحم المفروم الحقيقى لسنوات امتدت بين 2003 و2011. والعجيب أن ذلك يتوافق مع قرارات الرئيس الأمريكى جورج. دبليو بوش فى العام السابق مباشرة، 2007، والتى طلبت أكثر من 21 ألف جندى جديد للسفر إلى العراق. ليظهر الفيلم كدعوة إلى حرب قذرة جديدة، تفرّخ آلاف الجنود المشوهين نفسياً، والذين يقتلون بلا ضمير، بشكل إبادى مرعب، مهدرين حقوق وحياة الإنسان، على نحو أفظع من العدو الذى يحاربونه (تشير إحصائيات أجرتها جامعات أمريكية وكندية وعراقية أن ضحايا الغزو الأمريكى للعراق وصلوا لأكثر من 450 ألف عراقى، مقابل أقل من 4500 جندى أمريكى)، وإلا عليك أن تسأل ببديهية : لماذا لا يكون مبدأ البطل "عش من أجل شئ" كنوع من التغيير ؟!

رامبو 4 فيلم حربى كريه مثل بطله. إنه عمل عنيف لعين، به صور فظيعة ومتوحشة، يعوِّض بها غياب السيناريو الجيد والميزانية الكبيرة. أسوأ ما فيه؛ إعلاءه لأسطورة محارب مسخى، لا يرحم كالطاعون. وأخبث ما فيه؛ ترويجه للحرب التى تمحو العدو من الوجود، كهدف نبيل يجعل للحياة قيمة.

موقع الكتابة الثقافي في

11.05.2015

 
 

مائة عام من السينما ـ نظرة معاصرة (1)

كتب: أمير مصطفى

اليوم وبعد مرور عقدين كاملين على تصنيفِ السنيمائيون المصريون لمشوارِ السينما المصرية عبر قرن من الزمان، وترتيب أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، أحاولُ إعادة مشاهدة تلك الأفلام المائة لمعرفة الأسباب الحقيقية فى هذا الترتيب، للوقوف على سر عظمة تلك الأفلام تحديدًا ومحاولة البحث عن إجابة لذلك التساؤل المخيف :

لماذا انهارت السينما المصرية رائدة تلك الصناعة العظيمة فى الشرق بل ومن أهم روادها فى العالم؟

قررت الدخول… دخول هذا العالم عبر أهم بوابة له طبقًا لذائقتى الخاصة فقط ! وبدأتُ بمشاهدة واحد من أقرب الأفلام لقلبى وهو (سواق الأتوبيس) معجزة السينما المصرية.

سواق الأتوبيس (إنتاج 1983) يحتل المركز رقم 8 ضمن قائمة المائة.

قصة و سيناريو و حوار : بشير الديك ومحمد خان ! ، مدير تصوير : سعيد الشيمي ، مونتاج : نادية شكرى.

بطولة : نور الشريف ، ميرفت أمين ، عماد حمدى

إخراج : عاطف الطيب

المفارقة :

كون نور الشريف مع عاطف الطيب توأمة فنية وإبداعية من نوع خاصٍ، كان قوامها الأساسي ليس فقط التفاهم والتناغم الفكري والثقافي ولكن الأهم هو الهم الواحد؛ فقد جمعهما سويًا نفس الهم الإنساني الذي كان أقوي دافع ومحفز إبداعي لإنتاج أعمال فنية عبقرية، يأتى على رأسها هذا الفيلم فى ثاني تجربة تجمعهما معًا بعد فيلم محدود الإمكانات جدًا اسمه (الغيرة القاتلة) إنتاج العام 1982 وهو أول أفلام عاطف الطيب على الإطلاق، وبطولة نور الشريف ويحيى الفخراني فى محاولة شديدة السذاجة تقترب من البله لإعادة إنتاج رائعة شكسبير عطيل!

ولحسن حظ الجميع، إن هذا الفيلم لم يعرضْ تجاريًا إلا بعد عرض الفيلم الثانى لعاطف الطيب وهو (سواق الأتوبيس) مما جعل الجمهور والنقاد يغضون الطرف عن هذا الفيلم الكارثيّ ويستحوذ على عقولهم ووجدانهم (سواق الأتوبيس) .

بعد عهد السبيعنيات المخزي للسينما المصرية وأفلام التعريّ فى لبنان جاء عهد أفلام المقاولات ونظرية (الجمهور عايز كده). وكانت السينما المصرية فى بداية الثمانينات فى حالة من السوءِ تقارب بل وقد تتجاوز ما هى عليه الأن!

فى وسط هذا المستنقع الكئيب، يطف للسطح فجأة فيلم مصرى يتألق فى مهرجانات دولية عديدة ، ويمثل مصر فى أكثر من محفل سينيمائى دولى ويظل يطوف العالم خلال عامٍ كاملٍ قبل عرضه التجارى حتى فاز نور الشريف بطل الفيلم بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان نيودلهى، وبهذا يصبح أول ممثل مصرى يحصل على جائزة دولية فى مهرجان حقيقى .

وحينما طُرح الفيلم جماهيريًا حققَ نجاحًا تجاريًا ساحقًا مما يدعونا لتأمل تلك المعجزة.

طوال عمر السينما المصرية وحتى الآن لدينا مفهموم سخيف عن الجمهور والمهرجانات ، هناك دومًا صراع بين المهرجانات وبين الجمهور، وهو ما يتبناه الفنان المصرى منذ بدأ الخليقة السنيمائية، كأنّه صراع بين الثقافة والغوغائية دون أن يبذل أدنى جهد ليسأل نفسه سؤال واحد بسيط :

لماذا تلك الأزمة هنا فقط فى مصر؟

لماذا ما تكون جوائز الأوسكار غالبًا لأفلام تحقق أعلى الأيرادات فى شباك التذاكر؟ هل الفنان الأمريكى أكثر عبقرية وتألق من الفنان المصرى بحيث يستطيع حل تلك المعضلة؟

جاء عاطف الطيب بهذا الفيلم ليقدم الجواب الناجع ويحل تلك الأزمة عبر إخراج فيلم يحصد العديد من الجوائز ويحقق الشعبية الجماهيرية فى ذات الوقت .

كان جوابه يتمثل فى إتقان جوانب (الصناعة) من حبكة درامية منطقية و أداء متألق للممثلين وبراعة للتصوير والديكور إلى آخره . وهذا ما يهم النقاد ومحكمون المهرجانات ، وقدم خلال هذا الإتقان فيلمًا يصوغ قصة شديدة الإنسانية تمس قلب كل مشاهد فى أي زمان ومكان.

إن الفكرة الأساسية للفيلم هى إنسانية بحتة، سبق تناولها ف العديد من الملاحم العالمية وهى باختصار:

أسرة بسيطة يصاب عائلها بانكسار ما ، مما يهدد بنهايته ونهاية تلك الأسرة كلها من بعده وسلوك الأبناء تجاه هذا الموقف بكل التمزق والاستسلام والأنانية الذى يساعد على انهيار هذه الأسرة لولا صمود فرد واحد مازال يحمل قيم الأسرة القديمة ويجاهد لمقاومة هذا الأنهيار.

هذا الخط الدرامى ينطبق على تركيبة أي أسرة فى أي مجتمع، قصة قابلة للحدوث فى أي زمان وأي مكان.

العبقرية المطلقة لهذا الفيلم تتجلى فى انحيازه لقالب الواقعية الاجتماعية لتناول تلك القصة الإنسانية ، فكل أماكن الأحداث تقليدية للغاية نعرفها ونحيا فيها ونحفظ تضاريسها، كل أبطال العمل أشخاص نلتقى بهم فى حياتنا اليومية يتحدون لغة نفهمها ويناقشون مشكلات تمس حيواتنا جميعًا ، نستشعرُ ذات العبء الملقى على كاهل (حسن سلطان) وكأنه على كواهلنا جميعًا.

إن الفيلم يتحدث عن واقع نحياه يوميًا ولا نلتفت له لانغلاقنا على ذواتنا.

الفيلم يرصد ما خفى عنا فى هذا الواقع بوعى ومرارة وصدق بعيدًا عن أي خطابة أو افتعال أو مبالغة.

فنجد (حسن) شاب مصرى عادى جدًا متوسط التعليم ، حارب فى أكتوبر كآلاف غيره وعاد لكسب رزقه بالوسيلة الوحيدة المتاحة لأمثاله، بأن يكون سائقًا لأتوبيس نقل عام ، ومتزوج من فتاة تحبه ويحبها ولديهما طفل وحيد ( هذه الفتاة كان أنتزعها من زيجة أفضل عبر عريس عائد من الخارج محملاً بالثروة).

تبدو كل مشكلة (حسن) فى أنه يعمل عمل إضافي لتحسين الدخل بكونه سائقًا لتاكسى أشتراه بنقود زوجته، وزميله الكمسري الشاب (الضيف) الذى يلح عليه فى طلب يد أخته الصغرى التى مازالت (تلميذة) والتى فى ذات الوقت يريد أن يشتريها عجوز ثري هو تاجر مخدرات سابق.

من هذه النافذة الضيقة يخرج بنا (حسن) إلى المأساة الأرحب إنسانياً حينما يكتشف بالصدفة أن أباه صاحب ورشة الأخشاب العجوز المريض مهدد بفقدان الورشة التى هى حصاد عمره بسبب ضرائب متراكمة قيمتها 20 ألف جنيه ، بعد أن ترك إدراة الورشة لزوج إحدى بناته الأربع الذى بدد عائدها ولم يوف الضرائب المستحقة فى أوقاتها. هذه الورشة فى هذا الزمن هى رمز للصناعة المصرية الأصيلة التى تنهار أمام كل ما هو مستورد ، جاهز ، أجنبي ، رديء الصنع.

هنا يصبح الأب (المعلم سلطان) رمزًا لمجتمع كامل وليس مجرد صاحب ورشة نجارة؛ ولأن حسن هو ضمير هذة الأسرة ، رمز للشباب المصرى الذى أنصهر فى حرب أكتوبر ودفع كل حياته ليخرج من بعدها لا حصل على شيء فهو يدافع عن كل ما حارب من أجله وتصبح الورشة هى الوطن الحقيقى الذى يدافع عن بقاءه أمام الغزو الاستهلاكى. يتألق بشير الديك عبر هذا السيناريو بعيدًا عن الخطابة وبسلاسة تامة ليوضح مأساة هذا الجيل بمنتهى الذكاء.

فحسن يجاهد ضد بيع الورشة ويتفاوض مع الضرائب على دفع نصف المبلغ مؤقتاً لمنع بيع الورشة فى المزاد . وفى نفس الوقت الذى تدور فيه الملايين فى سوق صفقات وهمية مستفزة يصبح تدبير عشرة آلاف جنيها لإنقاذ ورشة صناعية ضربًا من المستحيل! حيث يخرج حسن فى رحلة طويلة يطوف بها على بيوت شقيقاته لمساعدته فى تدبير المبلغ.

ويوضح لنا السيناريو بذكاء مستتر أن الشقيقات تزوجن بصعاليك بدأوا حياتهم بنقود أبيها ، إلا أنهم كانوا أكثر ذكاءً وفهمًا لقواعد اللعبة الجديدة (القذرة). فأحدهم تاجر انفتاح (سجاير أجنبى وسفن آب) فى بورسعيد لا يقدم لحسن سوى (غدوة سمك) ، ومنها يخرج حسن لدمياط للأخت الثانية (الحاجة) المتزوجة من (الحاج تابعى) الذى يستمع لتفاصيل المحنة من حسن ولا يهتم سوى بالإنقضاض على البيت والورشة لشراءهما بثمن بخس قبل أن يلحق بموعد الصلاة!

ويستمر حسن فى المقاومة ويصدم حتى أمام الحلول البديلة التى يطرحها باقى أفراد الأسرة المستسلمون للهزيمة مثل أن تتزوج الأخت الصغرى من تاجر المخدرات الذى سينقذهم بأمواله من الإفلاس والتشريد ، وكما تحولت الورشة إلى رمز للوطن تتحول الأخت الصغرى إلى رمز للمستقبل المهدد بالضياع فيصرخ حسن فى وجه الجميع :

الورشة مش هتتباع ، وكوثر مش هتتجوز أبو عميرة

وهى أهم صيحات المقاومة على الإطلاق بدون إى مبالغة ولا خطابة ، ويخرج حسن ليستأنف رحلة البحث عن منجى لكنه  يواجه بإخفاق آخر على مستوى الحب فى زمن توحش المادة .

يفجع حسن حين يجد زوجته تضع بيع التاكسى الذى اشترى بنقودها مقابل الطلاق ، فالحب ذاته لا يسوى عن الزوجة / الحبيبة خمسة آلاف جنيه . الزوجة التى لازالت تغريها الأم برفاهية الحياة التى تنازلت عنها من أجل (حسن).

وتأتى المبادرة والتضحية الوحيدة من الأخت التى تعمل بالخليج وتقدم مدخراتها هى وزوجها التى كانوا يريدون بها شراء شقة بثمن غربتهما.

زوجها الشاب الذى كان زميلاً لحسن نفسه فى الحرب ، واحد من (شلة القراوانة) الجيل الذى عاد ليتغرب عن وطنه أو يعمل جارسونا داخله ويقف عاجزاً يراقب بمراره ثمرة ما بذله من دم . وكأنّ هذا الجيل مازال مستمرًا فى دفع الثمن وحده دون المطالبة بشئ تكون المساعدة الوحيدة الممنوحة من قبله.

وفى مشهد من أروع مشاهد السينما يلتقى حسن بأصدقاء الحرب تحت سفح الهرم فى ضوء الفجر على خلفية لحن ” قوم يا مصرى ” من وراء غيمة تثير الشجن لدرجة البكاء ولكنها تحث على الاستيقاظ من الغفلة فى ذات الوقت!

إن رحلة (حسن) تنتهى بموت الأب وضياع الورشة الذى كان حتمياً أمام كل هذه الظروف ، تنتهى الرحلة البائسة بعدما تتكشف لـ (حسن) الفجيعة الكبرى ، وهى أن كل شئ تغير وإن الشقيقات بعن أبيهن ثمناً لعلاقات جديدة وحشية.

ولإن حسن نفسه كان مسؤلاً حين سكت وهو يرى نشالاً يسرق راكبًا فى الأتوبيس فى أول الفيلم ، إلا أن الأمر أصبح شخصياً الأن فنجده يطارد النشال الأخر الذى فعل نفس الشئ فى آخر الفيلم وينهال عليه ضربًا وهو يصرخ فى لحظة وعى وتحول ” ياولاد الكلب”.

كتب وكتاب في

11.05.2015

 
 

ضمن أنشطة سينما الصندوق الأسود

أمين صالح يناقش العلاقة الجدلية بين الرواية والفيلم

إبراهيم الملا (أبوظبي)

استضافت صالة سينما الصندوق الأسود مساء أمس الأول بمعرض أبوظبي للكتاب، الأديب والناقد والسيناريست البحريني أمين صالح لمناقشة السؤال الحائر والمتجدد حول العلاقة الجدلية بين فن الرواية وبين الأفلام المقتبسة عن نصوص روائية ذات خصوصية لغوية وتخيلية تصنع فوارق عديدة وشائكة بين نص سردي مفتوح على التأويل والسفر الذهني، وبين تكوين بصري محكوم بزمن معيّن، ويروي حكاية ما مرهونة بحدود هذا التكوين وهذا الزمن.

في بداية مداخلته حول هذه العلاقة الملتبسة بين الرواية والفيلم، أشار صالح إلى أن السينما في سنوات ولادتها الأولى اعتمدت على مصادر أدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية، وقال: «إذا كانت الرواية تنشّط وتفعّل مخيلتنا، فإن الفيلم المأخوذ عن الرواية ينشّط ويفعّل ذاكرتنا التي اختزنت أحداث وشخوص الرواية، ثم ينتقل إلى المخيلة على مستوى جمالي مختلف».

مسألة خلافية

مضيفاً أن مسألة إعداد وتحويل رواية ما إلى فيلم كانت مسألة خلافية لم يتم حسمها إلى الآن، وستظل حاضرة مع كل تحويل لنص أدبي إلى الشاشة، موضحاً أن الذي ينشّط عملية التحويل هو اعتبار الرواية والفيلم مجالين مثاليين للسرد، وهما الأكثر رواجاً وشعبية، فالرواية هي مصدر ثري للمادة الجاهزة حيث الشخوص والقصص والأحداث، بينما النصوص المكتوبة خصيصاً للسينما قليلة ونادرة، ولكن ـ كما أشار صالح ـ هناك أيضاً الدوافع التجارية حيث تستثمر السينما نجاح وشهرة الرواية وليس فقط رصانة ومتانة وقوة المادة الأدبية من أجل تحقيق الربح.

وطرح صالح خلال الندوة عدداً من الأسئلة الحاضرة في ظل هذا التودّد الشرس بين الفيلم والرواية، فمثلا ما هي المشكلات التي تواجه المخرج عند معالجته لرواية تبلغ صفحاتها المئات وتحتوي على العديد من الخيوط السردية، وما هي البنية السينمائية الملائمة لتحويل عناصر الرواية الأصلية إلى الشاشة؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة أشار صالح إلى بعض الملاحظات المهمة في هذا السياق مثل التعرف على الفروقات التقنية بين الرواية والفيلم، حيث إن الأشكال الأدبية الخاصة والمستقلة تأصّلت بفعل القراءة، أي عبر العلاقة المباشرة بين الكاتب والقارئ، فالأداة الرئيسية هنا هي اللغة بكل دلالاتها وإيحاءاتها ورموزها، وبواسطة هذه اللغة يتحقق الاتصال والتفاعل والتأثير، فهي الطاقة التي يستخدمها الكاتب للتعبير، ويستخدمها القارئ لتذوق النص، والاستغراق في عالم ينبعث ويتشكل مع تطور أحداث وتحولات الرواية حتى الوصول إلى الخاتمة.

أما في السيناريو المكتوب فقط للمخرج السينمائي فتنعدم تقريباً العلاقة بين النص والقارئ، لأن لغة الكتابة لا تملك وظيفة أدبية وتعبيرية إزاء هيمنة الصورة والصوت والصمت، وحتى الحوار وهو العامل المشترك بين الفلم والرواية يفقد خاصيته الأدبية، إلا في حدود ضيقة كي يصبح متناغماً مع الصورة.

الترجمة والتأويل

ويستشهد صالح بعبارة للمخرج الروسي الشهير تاركوفسكي وهي أن: «الاختلاف الأساسي أن الأدب يستخدم الكلمات لوصف العالم، بينما في السينما، العالم يظهر نفسه بشكل مباشر».

ومن هنا يشير صالح إلى الصعوبات التي تواجه نقل أي رواية إلى عمل سينمائي، لأنه لا يمكن نقل وحدة أو بنية متكاملة (في الرواية) إلى وسط آخر دون تفكيك تلك الوحدة، وهدم ـ أو على الأقل ـ تغيير تلك البنية.

فالإعداد بطبيعته هو تكثيف، يستلزم الاختصار والحذف وتركيز البؤرة على مظاهر معينة وإغفال مظاهر أخرى، وإعادة ترتيب أو تنظيم عناصر السرد القابلة للتحويل أو خلق عناصر جديدة، ومن هنا ـ كما يوضح صالح ـ يمكن وصف الفيلم بأنه قراءة أخرى للنص الأدبي، وهو تأويل أكثر منه ترجمة سينمائية.

ومن المعضلات الأخرى التي أوردها صالح عند تحويل الرواية إلى فيلم وجود إشكالات حول الموثوقية والمصداقية وعدم خيانة الأصل الروائي، فقد يحكم على الفيلم بالنجاح أو الإخفاق بناء على مدى اقترابه أو مدى ابتعاده عن النص الأصلي.

وحول ما إذا كانت كل رواية تصلح لأن تتحول إلى فيلم، اعتمد صالح رأي المخرج أندريه تاركوفسكي بأن ليس كل عمل نثري قابلا للتحويل إلى الشاشة، بينما الأعمال الأدبية التي تتمتع ببنية متكاملة وتفاصيل دقيقة وشخصيات مرسومة بحيث تحمل أعماقاً لا يسبر غورها بسهولة، يمكن أن تكون مغرية للمخرجين أصحاب الرؤى الاستثنائية.

وأكد صالح أن الكثيرين يرون بأن قصص الجريمة العادية وكتب المغامرات أو الأعمال الأدبية المتواضعة أو المتوسطة هي الأنسب للتحويل إلى الشاشة، حيث قام المخرج الأميركي الشهير أورسون ويلز مرة باقتباس قصة بوليسية عادية وحقق منها تحفة فنية باسم: «لمسة شرّ» وكذلك فعل الفرنسي غودار مع بعض أفلامه الأولى.

سينما وروايات ونقد «واقتصاد» في «بحر الثقافة»

فاطمة عطفة (أبوظبي)

بدأت فعاليات «بحر الثقافة»، يوم الأحد، بحديث د. نصر عارف حول «ثلاثية العلم والثقافة والوعي»، وانتهت بحديث د. فاطمة الشامسي حول «مساهمة المرأة في الاقتصاد»، مروراً بحوارات مفتوحة مع ضيوف معرض أبوظبي للكتاب، ونافذة على الآداب العالمية، وقراءة في رواية «مجانين بيت لحم» للكاتب أسامة العيسة، الفائز بجائزة الشيخ زايد، إلى جانب حديث عبد الرحمن الصالح حول تجربة كتابة السيناريو: فيلم «بس يابحر» نموذجاً.

وكان حديث د. صلاح فضل مركزاً على النقد الروائي المعاصر فأشار إلى «فن الشعر» لدى أرسطو ورأيه في المحاكاة المسرحية، أما الرواية فعمرها لا يزيد عن 400 سنة. وأجمل د. فضل في حديثه الخطوط العريضة للنقد الروائي المعاصر، تاركاً المجال الباقي للحوار، واعتبر أن تاريخ الرواية يبدأ من ثربانتس: «دون كيخوته»، لما فيها من وعي تاريخي والانتقال من عصر إلى عصر بفعل التطور الحضاري، والعنصر الثاني أن الرواية تعبر عن وقائع يعيشها الناس وتحاكي الحياة، والعنصر الثالث أن اللغة في الحكايات الأولى لم تكن عنصراً جوهرياً في الصياغة الأدبية، منوهاً بأهمية القراءات المتعددة للرواية، دون الاكتفاء بقراءة واحدة.

وإذا كان فيلم «بس يابحر» لخالد الصديقي يعتبر نقلة نوعية في تاريخ السينما العربية، كما قال عبد الرحمن الصالح، فقد تناولت د. فاطمة الشامسي حضور المرأة الإماراتية في مجال العلم والعمل ومساهمتها في الاقتصاد، مشيرة إلى أن الدولة فتحت لها الأبواب واسعة حتى أكدت حضورها وتحصيلها أعلى مستويات التعليم، وأثبتت مشاركتها في مؤسسات متعددة، لكنها ما تزال بحاجة إلى مساهمة أكبر في مجال سوق العمل.

الإتحاد الإماراتية في

12.05.2015

 
 

مديرة مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة:

الرقابة الذاتية تدفعنا إلى الوقوع في منطق المتطرفين

خالد الكطابي - قرطبة ـ «القدس العربي»:

تعتبر ماني ثيسنيروس، مديرة مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة، أن السينما هي العدو الأول للتطرف لأنها تشمل الفن النقدي الذي يساعدنا على العيش، رغم تناقضاتنا، وعلى مواجهة أولئك الذين يريدون فرض قالب فكري واحد، أولئك الذين يتلاعبون بالاضطرابات بحثا عن عدو خارجي. 

وأشارت إلى أن هناك هجمات تستهدف تدمير ركائز المجتمع الحر، وأن الخوف الذي يؤدي إلى الرقابة الذاتية يدفعنا إلى الوقوع في منطق المتطرفين. إنه فخ الاعتقاد بأننا في مواجهة الآخر. فرفض المسؤول الفرنسي عرض فيلم «تومبوكتو» للمخرج عبد الرحمن سيساكو، ومحاولة مهرجان فيسباكو الفاشلة لاستبعاد هذا الفيلم لأسباب أمنية، التي أجهضت من قبل رد فعل السينمائيين، يعني الاستسلام لمنطق المواجهة الحتمية. فهذا الفيلم يشكل خطرا على المتطرفين لأنه يكشف أنهم بشر، متناقضون مثلنا. 

فبخبرة فنية، وبأسلوب يطبعه الهزل والإحساس المرهف، يبطل سيساكو بشكل عابر مفعول هذه الدينامية الرهيبة. فمد الجسور نحو ثقافات أفريقيا يعني الإنصات إلى المبدعين الأفارقة، لأنهم أول من يعانون من التطرف.. أفلامهم تتحدث عن المعاناة، العاطفة، السعادة والإنسانية.

وأكدت ثيسنيروس أن استمرار مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة، تم بفضل دعم الناس، سواء في المؤسسات أو المجتمع، الذين ما زالوا يؤمنون بالثقافة. 

وأضافت، إذا تخلينا عن الاعتقاد بالثقافة، وفي حالة توقف المهرجان سوف نفقد فضاء حيويا للتبادل والحوارعلى جانبي المضيق. هذا الفضاء إن بقي فارغا ستحتله الأصولية والجهل والعنف.

فالعالم يتغير، يتطور. وهناك ديناميات تساهم في تقارب أو تباعد المجتمعات التي تتميز بحركة مستمرة. ففي السنوات الأخيرة، تعرض العالم الغربي بشكل مضاعف لضربات من قبل الحركات الأصولية القادمة من بلدان أخرى، وتمثل رد فعل حكوماتنا في خفض الحريات بدعوى الأمن القومي في حالة إسبانيا. ونتكلم أيضا عن الدول المجاورة التي نتشارك معها التاريخ والثقافة. كما أشارت ثيسنيروس إلى أنه لا يمكننا أن نتحدث عن سينما أفريقية واحدة، لأننا في بعض الأحيان ننسى أنها قارة تحفل بثقافات مختلفة جدا، والميزة التي تطبع السينما الأفريقية هي نظرة القرب، أي محاولتها الحكي من الداخل لما تعيشه في الواقع وأخذ الكلمة للتعبير عن تلك القارة المنسية.

وأضافت أن أفريقيا تنتج أكثر من 2000 فيلم في السنة وهي تشكل القوة العالمية الثالثة في السمعي البصري، بعد هوليوود وبوليوود. وأن ست دول فقط: جنوب أفريقيا والمغرب ومصر والجزائر وتونس ونيجيريا خاصة، تتوفر على صناعة سينمائية. 

وتقول ماني إنه بعد سنوات من الاستقلال برزت الحاجة للمخرجين الأفارقة للتعبير عن أنفسهم، واتخاذ السينما كأداة للتحدث مع الذات، فقد تم حرمان أفريقيا من التعبير لعدة قرون. 

وفيما يتعلق بسينما المغرب البلد المجاور لإسبانيا ترى ثيسنيروس أن ليلى الكيلاني المخرجة الوحيدة التي تضيف تحليلا جديدا ومبتكرا من جيل الشباب ومنظورا مختلفا للواقع. وفيما يتعلق بالسينما في جنوب أفريقيا، أشارت إلى أن المنتج ستيفن ماركوفيتز هو المنتج المثالي لهذه الصناعة برمتها، حيث عمل على تشجيع الإنتاج المشترك داخل القارة نفسها. وأعلنت ماني أن جنوب أفريقيا والمغرب يحتلان الصدارة من حيث الجودة وإنتاج الأفلام، التي تحتل مساحة أكبر في برمجتنا. كما أكدت ماني أن اختراع السينما وصل إلى أفريقيا كبقية دول العالم، حيث قام الأخوان لوميير بنشر السينما كشكل من أشكال الترفيه التجاري. ومع ذلك، فمنذ الأيام الأولى لاستقلال الدول الأفريقية المختلفة، كانت السينما في أفريقيا مراقبة ومنتجة أساسا من قبل المستعمرين الأوروبيين. وأول فيلم أفريقي تم إنتاجه على الأرض الأفريقية، على يد مخرج أفريقي مستقل عن أي سيطرة خارجية، نجد علامة فارقة تتمثل في فيلم «بوروم ساريت»، الذي أخرجه الكاتب السنغالي عثمان سيمبين عام 1963. وانطلاقا من هذا الفيلم، ومن هذا التاريخ، بدأت تنمو قائمة صانعي الأفلام الأفريقية باطراد يزيد بالتوازي مع العصر، وحسب تطور كل بلد أفريقي.

وتلفت ماني الانتباه إلى أن هناك دولا أفريقية لا تتوفر على قاعة سينما واحدة، رغم توفرها على مخرجين، لذلك فتوزيع الفيلم في الداخل أو الخارج يعتبر حقا معجزة.

وتبقى السينما لجميع هؤلاء المخرجين والمنتجين أداة مهمة تجعلهم مشاهدين ومرئيين، إنها طريقتهم لتقديم أنفسهم للعالم وصرخة دالة على وجودهم. لكنها تبقى غير متكافئة بالنظر إلى صرخة الأقوياء.

وعن نقل مكان انعقاد المهرجان من مدينة طريفة، التي شهدت دورته الأولى سنة 2004، إلى مدينة قرطبة انطلاقا من الدورة التاسعة سنة 2012 تعتقد ماني ثيسنيروس، أن مدينة الخلافة ستشكل أفضل سجادة حمراء وأحسن مكان لإقامة هذا الملتقى السينمائي، لتوفرها على بنيات تحتية مهمة ونظرا لإمكانياتها السياحية الهائلة ونشتغل على أن يتردد صدى المهرجان وقرطبة في جميع أنحاء العالم.

واستقرت ماني، التي قضت سنوات عديدة في المهجر، بطريفة سنة 2003وأن أول التقاء لها بالقارة الأفريقية كان صادما، لأن المدينة التي تشكل نقطة عبور نحو أوروبا شكلت بقعة سوداء لضحايا الهجرة السرية التي لا يمكن تجاهلها. ورغم تقارب المسافة التي تفصل بين المضيقين فقد كان هناك جهل لما يعيشه كل منا عن الآخر جعلنا نفكر في أن السينما ستشكل أداة لبناء جسر المعرفة ما بين إسبانيا وأفريقيا.

لقد تميز المهرجان في دوراته الماضية بالطابع التحسيسي والتربوي كهدف وحيد لكننا اليوم نراهن على أن يساهم في تطبيع صورة الأفريقي والسينما الأفريقية، ونقترب أكثر من إزالة ونزع صفة الأفريقي، لأننا نعتقد أن ما تحتاجه أفريقيا هو أن ينزعوا عنها النعوت ووقف التوسيم حتى تتمكن من الاندماج وتستفيد من تكافؤ الفرص..

واعتبرت ثيسنيروس أن التلفزيون يشكل إحدى الوسائل الإعلامية التي بإمكانها نشر الفيلم الأفريقي، سواء في أفريقيا أو في العالم، في الوقت الذي انتقدت فيه عدم إقدام القنوات التلفزيونية الأفريقية ببرمجة أفلام مخرجيها واقتنائها.

وتضيف قمنا بمجهود كبير حتى يتمكن السينمائي الأفريقي من وضع اعتباري لأنه في المهرجانات الدولية الأخرى يظل في الزاوية الخلفية، ورغم الأزمة التي تمر بها إسبانيا والتي أثرت على المهرجان، ما يجعلنا نقاوم ونناضل حتى نستمر في التواصل الإنساني بين الشمال والجنوب…

وماني ثيسنيروس من مواليد 1958 في مدريد قامت بتأسيس مهرجان السينما الأفريقية في طريفة ومركز الطرب للانتشار الثقافي بالمضيق وهو منظمة غير حكومية هدفها وضع خطة شاملة لتعزيز ونشر وتطوير دور السينما في أفريقيا، وجعل الفيلم أداة لتحقيق التنمية والتقدم. كما ساهمت في خلق سينما الرحل والسينما المتنقلة لتعزيز نشر السينما الأفريقية من خلال الجولات الثقافية في إسبانيا وعرض الأجهزة السمعية والبصرية المحمولة في أفريقيا. كما شاركت في إنشاء شبكة من المهرجانات السينمائية الأفريقية لتعزيز ونشر الفيلم الوثائقي في القارة السمراء.

أن تنظر أفلاما أفريقية على لوحات إعلانية في دور السينما الأوروبية يعتبر حلما، لذلك نحن لا نريد وقف نضالنا حتى تنفيذ هذا الحلم.. وفي هذه الأوقات من الأزمة التي نعيشها ويعاني منها المهرجان أيضا، وتجسد ذلك في تقليص الميزانية المعتمدة والتغييرات الجذرية في مشاريعنا وعدد المدعوين… فللخروج من هذه الوضعية يجب سن قانون رعاية حقيقية للثقافة بحيث يمكننا من إيجاد طرق جديدة ليتم تمويلها من قبل القطاع الخاص أيضا. ومع ذلك، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع الاعتماد حتى على الدعم التقليدي، فهذا العام وأكثر من أي وقت مضى، سيستمر المهرجان بفضل الجهود التي يبذلها جميع المهنيين الذين يؤمنون به.

القدس العربي اللندنية في

12.05.2015

 
 

دليل الشيطان إلى هوليوود:

نصائح أسطى في فن السيناريو (3)

بلال فضل – التقرير

أواصل في هذه الحلقة نشر نصائح كاتب السيناريو الأمريكي الشهير جو إيزسترهاس للراغبين في كتابة السيناريو، والتي بدأت نشرها في الأسبوع الماضي، وهي جزء من أحد فصول كتابه الممتع (دليل الشيطان إلى هوليوود)، وكلها نصائح تأتي منطلقة من تجربته العريضة داخل هوليوود، ويمزج فيها بين حلول للمشاكل العملية وبين نصائح نظرية عامة، بأسلوب لا يخلو من السخرية من نفسه ومن مهنته، كما لا يخلو من تصفية الحسابات مع خصومه داخل هوليوود أيضًا:

ـ إذا أردت أن تكتب قصة بوليسية غامضة، اجعلها غامضة عليك أيضًا. أعتقد بأن القصة البوليسية الناجحة هي التي تخدع الجمهور، هي القصة التي لن تختل حتى وإن بدّلت في نهايتها، وتظل فيلمًا مثيرًا مشوقًا متكامل الأركان. فعلى سبيل المثال، إذا بدّلنا المشهد الأخير من (غريزة أساسية)، وجعلنا كاثرين تقتل كين، أو حتى جعلنا كين يقتل كاثرين، فإن الفيلم لن يختل فيه شيء، ولكن النهاية الملتبسة جعلت الفيلم أكثر مفاجأة. ويصدق الأمر نفسه على فيلم Jagged Edge، فإن الفيلم سيظل متماسكًا ومنطقيًا، ولن يختل فيه شيء، إذا اتضح أن لاعب التنس هو القاتل وليس جيف بريدجز، ولكن عندها لن يكون الأمر مفاجئًا؛ لذا فقد كان جيف بريدجز الأمثل لدور القاتل؛ لأنه دائمًا ما يقوم بأدوار الشاب الشعبي الطيب.

ـ إذا كنت تكتب فيلمًا بوليسيًا، فلا بأس من أن تترك الجمهور متحيرًا في نهاية الفيلم. إذا كانوا متحيرين، فإنهم سيتحدثون ويتناقشون مع أصدقائهم ومعارفهم حول الفيلم ونهايته. وعند عرض فيلم (غريزة أساسية)، كان الناس يتناقشون حول ما تعنيه جرّافة الثلج التي كانت تحت السرير. هل تعني أن كاثرين قتلت مايكل باستخدامها؟، أم تعني أنها لم تقتله لأنها كانت تحبه والدليل أن الجرافة لا تزال تحت السرير فهي لم تستخدمها؟. وفي فيلم Jagged Edge، اكتشف سيسكل وإيبرت أن الكثير من الناس لم يميزوا تحديدًا من الشخص الذي كان ملقى على الأرض، عند سقوط القناع  في نهاية الفيلم، هل كان لاعب التنس الذي قام بتجسيده مارشال كولت؟، أم كان جيف بريدجز؟، ولذلك ذهب الكثيرون لمشاهدة الفيلم مرة أخرى، وبذلك حصد الفيلم أرباحًا أكثر.

بالتالي؛ إذا تركت جمهورك متحيرًا في نهاية الفيلم، فاعلم أنهم أعجبوا بالفيلم؛ لأنه إذا لم يعجبهم فلن يذهبوا لمشاهدته مرة أخرى، وسينصحون أصدقاءهم بعدم مشاهدته وسينتقدونه نقدًا حادًا. أعتقد أن الناس يعجبهم جدًا أن يتم خداعهم في نهاية أي فيلم بوليسي، بأن تكون النهاية في اتجاه مختلف تمامًا عما كانوا يفكرون فيه. ولكن، أعلم أن العديد من المديرين التنفيذيين في شركات الإنتاج سيختلفون معي؛ فهم يرون أن الجمهور بحاجة إلى نهاية مريحة تجعلهم يغادرون السينما وهم سعداء؛ نهاية كنهايات المسلسلات التليفزيونية. وأقول لأولئك المتشدقين بشباك التذاكر إن كلا من Basic Instinct و Jagged Edge كانت نهايتاهما مفاجئتين، وحققا أعلى الإيرادات أثناء عرضهما.

ـ اشرح كل شيء في السيناريو؛ لا تكن كتابتك مجرد دليل لصناعة فيلم، بل عملًا أدبيًا متكاملًا، اكذب على نفسك؛ حاول أن تقنعها أنه كما أن الملايين ستشاهد فيلمك، فإن الملايين أيضًا ستقرأ السيناريو الذي تكتبه، وبهذا ستكتب نصًا سينمائيًا مثاليًا!

ـ تستطيع أن تسقط مخرج فيلمك بـ “الوقفات” و”الأحوال”؛ عندما تكتب مشهدًا، حاول أن تتحكم في الوقفات بين الكلمات، حدد وقفات كل شخصية أثناء الكلام، كأن تكتب “سكت ثلاث ثوانٍ ثم قال”، وعندها سيقرأ الممثل ما كتبته، وحتما سيتأثر برؤيتك، وسينفذها مهما حاول المخرج توجيهه لغير ذلك. كما أنك إذا وصفت طريقة الشخصيات في إلقاء الكلام، كأن تقول “قال بلطف/ بحدة/ بخبث… وغيرها”، فسيقرأها الممثل وحتمًا أنه سيؤثر في أدائه. وعلى مدار خمسة عشر فيلمًا، لم يكتشف هذه الخدعة سوى مخرج واحد: إنه كوستا جافاراس، وقال لي “بلطف” بعد صمت طويل: “أنا المخرج و ليس أنت، أفهمت؟”.

ـ استخدم مكواتك؛ يقول المخرج و كاتب السيناريو بول توماس أندرسون كاتب ومخرج فيلم (بوجي نايتس)، إن “كتابة السيناريو تشبه كي الملابس. فأنت تتحرك للأمام و للخلف لتزيل العراقيل”.

ـ الكثير كثير؛ لا تجعل نصك الأصلي قصيرًا و مختزلًا، ولا تقلق إذا وصل إلى 140 صفحة؛ فإن المنتجين عندهم قناعة، بأن كل ما تكتب قابل للاقتطاع، في الوقت الذي إذا كان نصك يصل لـمئة صفحة سيتساءلون “أين باقي النص؟”.

ـ ماذا تفعل إذا كتبت نصًا سينمائيًا طويلًا؟: لا تتبع قواعد الهوامش. واملأ الصفحة بالكتابة، لن يلحظ القارئ أن الصفحة استغرقت في قراءتها أكثر من دقيقة (وهي قاعدة معروفة أن الصفحة الواحدة في أي سيناريو لا تستغرق في قراءتها أكثر من دقيقة)، وهذا ما فعلته في كتابتي لفيلم Betrayed؛ فقد كان نصي يحتوي على ثلاثين صفحة طويلة أكثر من اللازم، و لكنه كان نصًا ممتازًا. والحقيقة أنني لم أرد تدميره عن طريق الاقتطاع منه أو اختصاره؛ لذلك قمت بالكتابة في الهوامش جميعها. وأثناء تصوير الفيلم، تلقيت مكالمة من المنتج إيروين وينكلر ليخبرني أنه تم تصوير نصف السيناريو وأنه من المتوقع أن إجمالي المشاهد التي تم تصويرها سيستغرق عرضها ثلاث ساعات. واضطررت للسفر إلى موقع تصوير الفيلم في كندا، وقمت بالاختصار والاقتطاع من النصف الذي لم يتم تصويره بعد، أنا متأكد أنني حذفت نصف الفيلم بجرة قلم واحدة، لأدرك أنه من الممكن بالفعل أن تدمر الكتابة في الهوامش أساس الفيلم. ولكن كما قلت سابقًا، لقد كان السيناريو عظيمًا. لقد قرأه الكثيرون وأعجبوا به جميعًا، وعندما فشل الفيلم قالوا إن النص السينمائي كان جميلًا لكن المخرج كوستا جارافراس دمره.

ـ بقدر الإمكان قم بتكثيف السيناريو الذي تكتبه؛ مسكين أنت. يقول آرثر كريم: “دائمًا ما يكون هناك من يريد ايقاف المفك عن العمل”.

ـ إذا كان نصك السينمائي جميلًا أعد كتابته؛ إن السيناريو الجيد هو السيناريو الذي رسمت شخصياته رسمًا جيدًا وحُبكت أحداثه، و ليس مهمًا أن تكون لغته بليغة، فإذا كان أسلوب الحوار أسلوبًا أدبيًا يتفوق على الأحداث والشخصيات، فإنه في هذه الحالة سيكون النص قصة قصيرة أو رواية وليس نصًا سينمائيًا، وفي فن كتابة السيناريو كلما كانت اللغة بسيطة كلما كان أفضل.

ـ لا بأس من تكرار نفسك في السيناريو؛ هناك قاعدة سينمائية قديمة تقول: لماذا تستخدم الشيء مرة واحدة، بينما تستطيع استخدامه أكثر من مرة؟

ـ اختر أسماء شخصياتك طبقًا لوقعها؛ في فيلم (غريزة أساسية) أسميت المحقق “نيك كوران”؛ لأنني كنت أرى أن هذا الاسم سيجعل الشخصية جميلة وحادة في الوقت نفسه، كما أسميت البطلة “إليزابيث تراميل”؛ لأنه يعطي انطباعًا بالأرستقراطية والترهيب في الوقت نفسه. اعتقدت شارون ستون أنني أسميتها “تراميل” نسبة إلى “الكفن في الميثولوجيا الأسكوتلاندية”، وحيّتني على ذكائي، و لم أصحح لها اعتقادها في البدء، ولكن لأنني مجري الأصل، لم أستطع أن أمنع نفسي من ألا أصحح لها، لأقول إنني أسميت شخصيتها على اسم آلان تراميل، أحد لاعبي البايسبول المفضلين لديّ.

والحق أنني أسميت العديد من شخصيات أفلامي على أسماء لاعبي البايسبول المفضلين لديّ؛ فعندما أشرع في الكتابة، أضع موسوعة البايسبول على مكتبي لأختار منها أسماء شخصياتي. كما أنني اعتدت أيضًا على اختيار أسماء قديمة وتقليدية لشخصيات أفلامي؛ أعتقد أن أسماء مثل بيرت وأوستين ودايلانز وحتى جاجرز، هي أسماء تكررت كثيرًا على الشاشة الفضية. وأعتقد أن اسمًا مثل “جاك” هو اسم صالح لكل العصور. بينما اسم كـ “دايلانز” قد ينتهي خلال عامين، ويصبح اسمًا غير عصري، ويتم استبداله بأسماء كـ “آشر أو إيمينم”.

ـ لا تطلق على شخصيات أفلامك أسماءً لأغراض شخصية؛ لقد أسميت شخصية النذل في فيلم F.I.S.T باسم توم فيل، وهو اسم رئيس تحرير جريدة Cleveland Plain Dealer الذي كنت قد اشتبكت معه في الماضي، عندما كنت أعمل مراسلًا في نفس الجريدة التي يترأس تحريرها. لقد كنت أبتهج من فكرة أن هذا الرجل الذي كان السبب في فصلي سيرى نفسه على الشاشة في صورة شخص سيئ و شرير. ولم أكن أعلم وقتها أن شركات الإنتاج تتعاقد مع شركات بحثية للبحث عن أسماء جميع الشخصيات التي يحتويها نص الفيلم. وأرسلت الشركة تقريرًا يقول: “توم فيل كان رئيس جو إسترهاز في جريدة  Cleveland Plain Dealer وقام بفصله”.

ـ لا تسم أبدًا إحدى شخصيات أفلامك على اسم حبيبك أو حبيبتك؛ لقد تعلمت الدرس وقد كان مؤلمًا. لقد أسميت بطلة فيلم Showgirls “نومي ميلون” بهذا الاسم؛ لأنه كان “اسم الدلع” لزوجتي في طفولتها، كما أنني أناديها به في اللحظات الأكثر عاطفية. ولم أنادها بهذا الاسم ثانية، خاصة بعد أن ظهرت إليزابيث بيركلي وهي عارية لزوجتي، في موقع التصوير قائلة لها: “أهلا يا نومي.. أنا نومي”، وبالطبع لم أنادها بذلك الاسم أيضًا، بعد أن أصبح Showgirls أحد أفشل الأفلام في تاريخي السينمائي.

ـ بعض الأسماء تجعلك تضحك بشدة؛ ففي كل مرة يظهر فيها مذيع النشرة في فيلم Jagged Edge، كانت عينة الجمهور التي تشاهد الفيلم قبل عرضه تضحك بشدة، ولم نعرف سببًا لذلك الضحك إلى أن غيرت اسم المذيع، فقد كان اسمه في السابق ديك وأصبح اسمه توم، وأخبرني أحد أصدقائي المنتجين أن اسم بيتر أيضًا يجلب الضحك لصالات العرض.

ـ ويمكنك اللعب في بعض الأسماء؛ كانت الناقدة جانيت ماسلين دائمًا ما تتحامل عليّ بالنقد في جميع أفلامي. وعندما قمت بكتابة فيلم (آلان سميثي: احترقي هوليوود احترقي)، أبدعت شخصية خيالية لناقدة سينمائية تكره أعمال كاتب سيناريو يدعى جو إسترهاز، وأسميتها جانيت ماسلين. ولكن، الشؤون القانونية في الشركة المنتجة للفيلم، طلبوا مني تغيير اسم الشخصية الخيالية جانيت ماسلين، وبالفعل غيرت الاسم لـ ” شيلا ماسلين، ثم إلى شيلا كاسلين”. وتأكدت بنفسي أن المخرج اختار لهذا الدور ممثلة فائقة الجمال.

ـ تستطيع أن تختار أسماء شخصياتك ببعض الذكاء؛ ففي فيلم Silver كانت إحدى الشخصيات تتحدث في الهاتف صائحة: “أنت خسيس حقير قذر يا مايكل. أنت منافق يا مايكل. أنت عار على البشرية يا مايكل”. ألا تلاحظ تكرار اسم مايكل هنا في الحوار. السر ببساطة: أنني قبلها بأربع سنوات كنت قد طردت وكيل أعمالي مايكل أفيتز.

ـ كيف تتعامل مع انقطاع الإلهام وتوقف الكتابة؟ الفياجرا هي الحل. أخبرني أحد كتاب السيناريو الذي لن أذكر اسمه بالطبع، عن قصته مع التوقف عن الكتابة، أثناء قيام كاتبنا بكتابة أحد السيناريوهات، توقف عن الكتابة ولم يستطع أن يكمل السيناريو، فقام بأخذ حبة فياجرا، وقال في نفسه إذا نجحت الفياجرا في أمر، فلا بد وأنها ستنجح في الأمر الآخر، وبعد أخذه للحبة لم يتغير الأمر ولم يستطع الكتابة، لكن الفياجرا عالجت الأمر الذي أنتجت من أجله، ولم تعالج حالة التوقف عن الكتابة لدى كاتبنا، فتحدث الكاتب إلى صديقته وذهب إليها، ولكن بمجرد وصوله تشاجرا، وترك منزلها غاضبًا بعد مشاجرة عاصفة، ووصل إلى بيته وجلس على كرسيه محاولًا استكمال نصه، لكنه لم يستطع، نام الكاتب على سريره، وأخذ يفكر لماذا لا يستطيع الكتابة، وبعد دقائق وجد الكاتب نفسه يستطيع الكتابة وليس الأمر الآخر.

ـ حاول ألا تكتب في حوارك تلك العبارات الرنانة التي يمكن أن يرددها أي أحد ولا تحمل أي ابتكار فني؛  إذا كتبت ذلك النوع من العبارات، فإن ذلك سيكون دون قصد منك، سوف تخرج منك تلك العبارات كجزء من وجدانك. خلال مسيرتي الفنية التي بلغت خمسة عشر فيلمًا، كتبت من قبل جملتين تقليديتين شهيرتين أو غير شهيرتين، إحداهما في فيلم Flashdance تقول: “لو بطلنا نحلم، نموت”، والأخرى في فيلم (فتيات الاستعراض)، تقول: “ما هو شعورك وأنت وحيد ولا تجد من يطرق بابك؟” وبعد عشرين عامًا من كتابتي تلك العبارة في فيلم  Falshdance أخبرني كاهن الكنيسة التي أتردد عليها، أن تلك العبارة كانت ملهمة له طيلة حياته.

ـ لا يستطيع أحد أن يتوقع أن تصبح جملة في حوار فيلم، جملة دارجة تتكرر على الألسنة؛ كان المسؤولون في الشركة المنتجة لفيلم Jagged Edge  يعتقدون أن الجملة الأخيرة في الفيلم ستتكرر كثيرًا على الألسنة وستصبح جملة دارجة يرددها الناس. فبعد معركة دامية وحامية بين جيف بريدجز وجلين كلوز، نظر روبرت لوجيا إلى جثة جيف الملقاة على الأرض قائلًا: “عليه اللعنة، كان خسيسًا” لم يتذكر أحد هذه الجملة، وأغلب الناس لم يسمعوها من الأساس أثناء مشاهدتهم الفيلم.

ـ اقرأ لنفسك الحوار بصوت عالٍ؛ عندما ترى أنك قد أكملت كتابة السيناريو، قم بالترتيب لقراءة السيناريو بحضور أصدقائك ومن تثق في آرائهم، فكلما قرأت الكلمات التي كتبتها، كلما ازدادت رغبتك في تعديلها وتجويدها حتى تكون صحيحة تمامًا.

ـ قم بتشغيل شريط الكاسيت الذي سجلت فيه الحوار؛ عندي قناعة بأن أولئك الكتاب الذين يقودون سياراتهم في ضواحي وشوارع لوس أنجلوس، بلا هدف يفعلون ذلك، لأنهم استمعوا إلى الأشرطة التي سجلوها لأنفسهم، وهم يقرؤون الحوار الذي قاموا بكتابته.

ـ أنت أفضل من شريط التسجيل؛ يقول بادي تشايفسكي: “أريد أن أجد شريط تسجيل ماهر في قراءة السيناريو مثلي. الكتابة هي أن تجعل كل ما تكتب وكأنه يسقط من رأسك مباشرة”.

ـ إصبع القدم المكسور كحل آخر لانقطاع الإلهام والتوقف عن الكتابة؛ اشترت لي زوجتي من أحد معارض الفنون حجرًا منقوشًا، عليه عبارة “Writer block” -أو انقطاع الكاتب عن الكتابة- وكنت أضعه دائمًا على مكتبي، وفي يوم من الأيام، كنت أعاني من انقطاع الإلهام والتوقف عن الكتابة، فقمت بضرب سطح المكتب بقبضتي، فوقع الحجر على إصبع قدمي الأكبر، لقد كان يؤلمني ألمًا شديدًا، وضعت عليه ثلجًا ولكن دون جدوى، وظل يؤلمني ألمًا أشد، ذهبت إلى الطبيب، فقال لي إن الإصبع مكسور، ولم يكن لدى الطبيب ما يفعله لي سوى أن يقوم بوضع ضمادة على الإصبع المكسور، ويقوم بلصقه مع الإصبع المجاور له، وعدت إلى المنزل وجلست أمام مكتبي، فوجدتني فيما يشبه المعجزة أكتب. وبعد هذا الحادث بست سنوات، لا يزال إصبعي الأكبر يؤلمني في الأوقات التي يكون فيها الجو باردًا، وأخبرني الطبيب أنني أعاني من التهاب في مفصل الإصبع، وبالطبع قد تطول فترة انقطاع الإلهام وتقصر.

ـ إذا وجدت عنوانًا جيدًا لفيلمك، فاعلم أنك قد قطعت نصف الطريق؛ عنوان الفيلم أمر مهم، ويؤثر على الإيرادات، على الرغم من أن الطريق إلى العنوان الجيد أو حتى الرديء، قد يكون ملتويًا، أو حتى مليئًا بالعوائق.

اتفق الجميع في شركة الإنتاج على أن عنوان فيلم F.I.S.T هو اسم مثالي. ولكن، الفيلم نفسه لم يكن جيدًا، لقد كان Flashdance أيضًا عنوانًا عظيمًا، وكان السيناريو الأصلي للفيلم من كتابة توم هيدلي، وقمت أنا بإعادة كتابته، كعادة معظم نصوصه السينمائية التي أعدت أنا كتابتها، وكان عنوان الفيلم من اختيار توم هيدلي. لقد كان Jagged Edge أو الحد المسنون عنوانًا جيدًا، ولكنه لم يكن من اختياري، كنت  قد اخترت Hearts of Fire أو قلوب النار عنوانًا للفيلم، ولكني كنت مخطئًا، فلم يكن هذا الاسم مناسبًا لهذا النوع من الدراما، وكان Jagged Edge من اختيار أحد مساعدي الإنتاج الذي فحص السيناريو إلى أن وصل إلى هذا الوصف لسلاح الجريمة: “سكين ذات حد مسنون”. وقمت بعدها باستخدام اسم Hearts of Fire لأحد أفلام الوك أند رول التي كتبتها، وقام ببطولته وقتها بوب دايلان. ولكنه لم يفلح أيضًا، ولم يشاهد أحد الفيلم. لقد كان الفيلم سيئًا، لدرجة أنه بالفعل قتل مخرجه وصديقي ريتشارد ماركواند.

لقد كان عنواني المفضل في أفلامي، هو Telling Lies in America أو حكي الأكاذيب في أمريكا؛ وهو فيلم غير تقليدي عن شاب مجري يطمح في أن يكون كاتبًا. وكان العنوان الأصلي للفيلم هو Magic man، وقمت بتغيير الاسم ليصبح Telling Lies In America؛ مما جعل المديرين التنفيذيين بشركة الإنتاج لا يلاحظون أنه نفس السيناريو الذي قرؤوه من عشر سنوات ولم يوافقوا عليه؛ لذلك فإن السبيل الوحيد للتحايل على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بشركة الإنتاج ولتجنب التقارير المتعلقة بهذا السيناريو، هو تغيير عنوان الفيلم.

نعم لقد احتلت على شركة الإنتاج، ولكن الاحتيال أعطاني أفضل أسماء أفلامي على الإطلاق. ما الذي تتوقعه من شاب يربح الملايين من تأليف القصص، أي من اختلاق الأكاذيب. وكان أسوأ العنواين التي اخترتها لأفلامي هو An Alan Smithee Film: Burn Hollywood Burn؛ فهو عنوان طويل جدًا وغبي جدًا وغريب وشاذ، ولكنني أحد القلائل المعجبين بالفيلم والكارهين لاسمه. ختامًا، دعني أقول إن الرب أوحى لي بعنوان أحد أفلامي وأكثرها نجاحًا، كنت في طريقي إلى شركة الشحن الشهيرة (فيديرال إكسبريس) حاملًا في يدي ظرفًا أصفر مغلقًا يحوي سيناريو فيلم Love Hurts حتى أقوم بإرساله إلى وكيل أعمالي، و بينما أنا أسير جاء بخاطري عنوانًا آخر للفيلم، ألا وهو Basic Instinct. فعدت إلى المنزل سريعًا، وفتحت المظروف، وبدلت ورقة الغلاف وكتبت على الورقة الجديدة Basic Instinct  (غريزة أساسية).

ولا تدخلنا في التجربة”.. في فيلم Prisoners

جنة عادل – التقرير

أبانا الذي في السموات

ليتقدس اسمك،

ليأتِ ملكوتك،

لتكن مشيئتك،

كما في السماء كذلك على الأرض،

أعطنا خبزنا كفاف يومنا،

واغفر لنا ذنوبنا و خطايانا،

كما نحن نغفر أيضًا لمن اخطأ وأساء إلينا،

ولا تدخلنا في التجربة،

ولكن نجنا من الشرير

لأن لك المُلك والقدرة والمجد الآن وإلى الأبد.

آمين.

بتلك الصلاة، يبدأ المخرج الكندي “دينيس فيلنوف”  Denis Villeneuve فيلمه المدهش “Prisoners”،  أو”السجناء” من إنتاج العام 2013، عن قصة العبقري الأمريكي “آرون جوزيكوفسكي” Aaron Guzikowski ، وكأنه بذلك يضع  الفكرة الرئيسة أو الـ”تيمة” العامة للفيلم أمام المشاهد منذ اللحظة الأولى.

على ملصق الفيلم كتب “إن رجلًا فقد كل شيء، لقادر على فعل أي شيء”، وخلال الأحداث، يجسد النجم “هيو جاكمان” Hugh Jackman التطبيق الفعلي لتلك العبارة.

تبدأ الأحداث أثناء احتفال أسرتين أمريكيتين معًا بعيد الشكر، تجمع الأسرتين صداقة قوية كما يبدو من تعامل أفرادهما معًا، وتخيم أجواء احتفالية حميمية على الجميع حتى يكتشفوا أن الصغيرتين “آنا” و”جوي” اختفوا ، بعد أن كانتا تلعبان بالقرب من شاحنة متوقفة أمام منزل قريب.

يبدأ الهلع في السيطرة على الجميع، يتصل “هيو جاكمان” Hugh Jackman أو “كيلر دوفر” بالشرطة بينما يبدأ  “تيرانس هووارد”Terrence Howard أو “فرانكلين برتيش” في البحث عن الفتاتين بالقرب من البيت.

منذ تلك اللحظة وحتى نهاية الأحداث تقريبًا، تسيطر حالة من الكآبة والتوتر على جميع الشخصيات، وتنتقل ببراعة منهم إلى المشاهد عبر الأداء المتميز لطاقم الفيلم، لاسيما “جاكمان”، و “جاك جلينهول” Jack Gyllenhaal أو المحقق “لوكي” الذي يظهر على ساحة الأحداث، ويوكل إليه متابعة قضية الفتاتين.

تشير أصابع الاتهام إلى “آليكس جونز” الذي يؤدي دوره النجم Paul Dano، وهو شاب متأخر عقليًا، يحيا مع عمته “هولي جونز” بالقرب من الأسرتين، وهو صاحب الشاحنة إياها، يستجوبه “لوكي” فلا يصل معه لشيء، ولكنه كذلك لا يتسطيع التخلص من إحساسه بتورط الفتى في اختطاف الصغيرتين.

من هذه النقطة تبدأ “التجربة” التي ستجعل من شخصيتي “كيلر” و”لوكي” انعكاسًا لإحداهما الأخرى، فكلاهما -وإن اختلف الدافع- يبحثان عن تحقيق العدالة بعودة الصغيرتين ومحاسبة الجاني، وكلاهما لا يملك سوى حدسه دليلًا لإدانة “آليكس”، ولكن طريقة كل منهما لتحقيق غايته ستختلف كثيرًا.. كثيرًا جدًا.

فبينما يتمسك “لوكي” بالقواعد المهنية للبحث والاستجواب والتحقيق، ويستميت في محاربه شياطينه الداخلية كما يقولون، تخرج التجربة أسوأ ما في “كيلر” ليتحول لشخص قاس عنيف دموي، وتتلاشى الرحمة من قلبه بينما يتشوه مفهومه عن الصواب والخطأ سريعًا.

يقرر “كيلر” اختطاف “آليكس” الذي يتأكد من تورطه في اختفاء الفتاتين، وتعذيبه حتى يعترف بمكانهما، يطلب المساعدة من “فرانكلين” الذي يرفض في البداية، ثم يوافق على مضض علّهما يتوصلا لما قد يساعدهما في الوصول للفتاتين.

مع تطور الأحداث، نرى التوحش الذي يصيب “كيلر” ويمحي تمامًا صورة الأب المحب والرجل المتدين التي ظهر بها في البداية، ليحل محلها صورة أقل آدمية.

يكتشف “كيلر” تورط “هولي جونز” عمة آليكس التي تؤدي دورها النجمة “ميليسا ليو” Melissa Leo فيلاحقها، ليكتشف في النهاية أنها هي من قامت باختطاف الفتاتين، ضمن مجموعة من الأطفال، وأن “آليكس” نفسه كان أحد ضحاياها يومًا.

تمر الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم “كيلر” و”لوكي” بذات الصراع النفسي، ذات “التجربة”، فقط تختلف مساحة وطريقة التعبير عن ذلك الصراع على الشاشة، أما في حالة “كيلر”، يصبح هذا الصراع مباشرًا واضحًا للمشاهد، لنرى تحوله من الأب المحب المسيحي الملتزم الذي يعلق الصليب في سيارته ويرسم السمكة على لوحتها المعدنية، ويتلو الصلوات في كل حين، إلى ذلك المجرم الذي يعذب شخصًا مدفوعًا بغضبه الشخصي ورغبته في تحقيق العدالة من وجهة نظره، ما يجعله يجد نفسه فيما بعد عاجزًاعن إتمام الصلاة، تحديدًا الجزء القائل “واغفر لنا ذنوبنا و خطايانا، كما نحن نغفر أيضً لمن اخطأ وأساء إلينا”، ونلاحظ هنا أن بالرغم من تحوله العنيف، إلا أنه لا يملك إلا أن يعترف لنفسه أن تلك التغيرات لا تؤهله لطلب المغفرة.

أما عن شخصية “لوكي”، فقد اعتمد كلا من “فيلنوف” و”جلينهول” على الرمزية ولا سواها في تجسيد صراعاته، بدء من الرعشة التي كانت تصيب عينيه كلما ازدادت الضغوط من حوله، والتي ترمز لمعركته الداخلية مع شياطينه الخاصة، والتي يحرص كل الحرص على أن يخفي منها أضعاف ما يبدي، وحتى الوشوم التي تغطي جسده والتي تشي بماضي سيئ، لم يشر “لوكي” إليه إلا اقتضابًا في مشهد واحد فقط، يعترف فيه بأنه أودع مؤسسة قانونية لرعاية الأحداث وهو صغير، تلك الوشوم التي تعمد إخفاءها في المشاهد التي تعامل فيها مع ذوي الطفلتين، بينما تعمد إبرازها أثناء تحقيقه مع المجرمين والمشتبه بهم.

كذلك وشم النجمة الثمانية على عنقه، والتي ترمز للإلهة “عشتار”، ربة الحب والجمال والتضحية، والتي لم يعادل جمالها سوى مكرها وقدرتها على الوصول إلى مبتغاها، ما يشير لأنه ليس تجسيدًا للخير الخالص.

وتستمر الرمزية في الخاتم الذي يرتديه “لوكي” والذي يحمل رمز الماسونية، وإن كانت الماسونية كلمة سيئة السمعة نظرًا لما يحيط بها من غموض، إلا أن الماسونية ذاتها تقوم باختصار على فهم العلاقة بين الخالق والمخلوق، بغض النظر عن الديانة، فهو “هندسة الكون” إن جاز التعبير، وهو الشيء الذي يمثله “لوكي” في الفيلم، فبينما يحيط “كيلر” نفسه بالعديد من رموز المسيحية ويردد الصلوات بانتظام،  بينما يفشل في الاختبار الحقيقي ويتحول وحشًا، يبدو “لوكي” بمحاولاته المستمرة للالتزام بالقيم الإنسانية والمهنية، أقرب لفهم “هندسة” الله لتلك المتاهة التي وجدا نفسيهما فيها.

كما تستمر الرمزية في القلادة التي وجدها “لوكي”، والتي تعود لزوج “هولي” الراحل، والتي تحمل رمز المتاهة،  والتي ظهرت في مشهد آخر بجوار ورقة كتب عليها “إنه المتاهة لتعود للبيت”، وهي الرسالة التي كتبتها ” هولي” للطفلتين أثناء اختطافها لهما للتلاعب بعقليهما، وهو ما كانت تفعله مع كل ضحاياها، في إشارة للتجربة التي يجب عليهم المرور بها.

الفيلم الغني بالتفاصيل والرموز يتجاوز فكرة فيلم الجريمة والتشويق -وإن كان يحققها بنجاح تام-، ليحمل بعدًا فلسفيًا يلازم المشاهد منذ اللحظة الأولى، وحتى بعد أن يغادر قاعة السينما، فالفيلم الذي يحمل عنوان “السجناء”، لا يشير للفتاتين المختطفتين ومن سبقهما من أطفال، وإنما لشخصيات الفيلم جميعًا، فمحور الفيلم ليس حادث الاختطاف نفسه، وهو ما يتضح في المساحة الزمنية الضيقة جدًا المفردة له على الشاشة، وإنما يستخدم صانعو الفيلم الحادث كبوابة يعبرون منها لرصد التحول الهائل الذي يطرأ على الشخصيتين الرئيسيتين “لوكي وكيلر”، باعتبارهما رمزًا للإنسان بوجهيه الطيب والشرير، وسلوكه عندما يتعرض لما لا قبل له به، وهو ما يتسبب في أن يتحول أحدهما “كلير”، وحشًا، ولكن يبقى هذا الوحش في النهاية، أسيرًا لإرادة الرب التي تفصح عن نفسها رويدًا رويدًا، حتى تتحقق كاملة، حتى “هولي جونز” التي تقول أنها تشن حربًا على الله بما تفعل، تبقى أسيرة لإرادة الرب التي تقضي في النهاية بهروب إحدى الطفلتين، ما مهد لانكشاف أمرها وهلاكها، ليربح الله الحرب في النهاية، وهي الفكرة التي يرسخ لها الفيلم، الله يربح دومًا، ربما لا يسلك أقصر الطرق لذلك ولا أقلها إيلامًا أو أكثرها توقعًا، ولكنه يربح دومًا، وفي النهاية، تتحقق مشيئته على الأرض، كما تحققت في السماء.

التقرير الإلكترونية في

12.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)