كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

هوبير سوبير مغامر سينمائي يحلم برؤية البشير في السجن!

المصدر: "النهار" - تسالونيك ــ هوفيك حبشيان

 

"لقد جئنا كأصدقاء" للمخرج النمسوي المغامر هوبير سوبير (عُرض في برلين ونال جائزة في مهرجان ساندانس)، الذي أنجز في العام 2004 "كابوس داروين"، فيلم مدهش يتطرق الى بلاد تشهد نزاعات عرقية وسياسية ودينية منذ سنوات: السودان. يهبط سوبير في أحد المطارات البدائية في السودان بطائرة صغيرة مصنوعة يدوياً، قبل أشهر قليلة من استقلال جنوب البلاد في العام 2011. من هناك ينطلق الى لقاء السودانيين سواء أكانوا اناساً عاديين يخضعون لصنّاع القرار، أم تجاراً وأثرياء حرب. قصيدة بصرية عن الاستعمار الجديد في افريقيا لا تغيب فيها السخرية والأخطار.

في جلستنا الطويلة معه في مهرجان تسالونيك الأخير، أخبرني انه صنع الطائرة في مزرعته في بورغون وكان يستخدم أرض جاره المهملة للتمارين. روى انه تعرض لمضايقات كثيرة من الضباط السودانيين عندما هبط في السودان، لأنه كان يلبس "تي شرتاً" عادياً، لكنه أدرك بسرعة انه كلّ ما يحتاجه كي يحظى بالاحترام هو أن يلبس زياً عسكرياً، وهذا ما فعله، فبدأ العسكر يوجهون إليه التحية. خلال حديثنا، سألته عن درجة المساومة في أفلامه، كوني أعرف انه يضع فيها دائماً أقل مما يعرف، فقال ممازحاً انه يندم لأنه لم يستطع القبض على بعض حكّام السودان وأولهم عمر البشير والزج بهم في السجن!

·        *أنجزتَ أفلاماً في أماكن عدة من العالم. ما مكان الفضول في عملك؟ والى أي مدى على مخرج الوثائقي أن يكون انساناً منفتحاً مستعداً للتواصل مع الآخرين...

ــ أعتبره أساسياً. في النهاية، ما الذي نؤرخه؟ نحن نؤرخ رؤيتنا للعالم وعلاقتنا به. أجوبتي مثلاً تتوقف على الطريقة التي تطرح بها أسئلتك عليّ. حتى النحو الذي تنظر به اليّ خلال المقابلة مهم. اذا تبيّن لي انك مهتم، فسأبذل جهدي كي لا أخفي عنك أي شيء. انها مسألة أخذ وردّ. أحياناً الصلة تتم بسرعة، والسرعة ضرورية لأن اتمام فيلم وثائقي هو بمنزلة سفر حيث نجاحك يتعلق الى حدّ كبير بالآخرين. وأحياناً، ننتظر كثيراً ولا شيء يأتي.

·        هل الوثائقي عندك وسيلة لاكتشاف العالم؟

ــ بالتأكيد، ولكن يجب أن تتسلح بالفضول وأن تكنّ الحبّ للبشر في خيرهم وشرّهم، في عيوبهم ومزاياهم، وفي الأسئلة التي يشهرونها. في الحقيقة، أشعر نفسي محظوظاً كوني أعيش حياة مماثلة. ويجب أن أصرّح بأن رصيدي كبير عند بعض الجهات التي تمنحني المال. يمنحونني المال ويقولون لي "عد بعد ست سنوات مع فيلم". هذا أمرٌ لا يصدَّق. علاوة على ذلك، أنا أنجز الفيلم الذي أريده. لا تُفرَض عليّ أي قيود. الشرط الوحيد أن آتي بشيء مشوّق. الثقة التي محضوني إياها تتأتى من كوني محققاً ساذجاً أطرح أسئلة لا يطرحها غيري. هي أسئلة سخيفة أحياناً لكنها لا تفتقر إلى العمق. أسئلتي سهلة: كيف وصلتم الى هنا؟ ما الذي يحويه هذا الصندوق؟ حتى عندما أكون مزوداً معلومات كثيرة، أطرح أسئلة ساذجة، لأنني لا أريد ان أستعرض ما أعرفه. في "كابوس داروين"، سألتُ المومسات اللواتي كن يضاجعن الطيارين الذين ينقلون الكلاشنيكوفات، رأيهن في زبائنهن، وأنا مدرك تماماً جوابهن أنهن لا يكترثن. كانت تهمّني حقيقة أنهن لا يأبهن وهنّ على علاقة قوية بالطيارين. في رأيي، لا نسأل دائماً الأسئلة لتلقي الأجوبة، نطرحها للمزيد من الأسئلة.

·        هل تضع نفسك والشخصيات على قدم المساواة؟

ــ طبعاً، أتفادى أن أعامل الناس بفوقية. لا أقول لهم إنني أبيض وأعرف كلّ شيء وهم لا يعرفون أي شيء. لكن، شئت أم أبيت، أحمل في داخلي كلّ التاريخ الأوروبي، كرجل أبيض من أوروبا، والحماقات التي ارتكبها أسلافي الأوروبيون. فيَّ سيرة كلّ صنّاع الابادات والفاشيين والاصوليين الدينيين. أتكلم عن الأوروبيين الذين احتلوا القارة الافريقية وفرضوا على أهلها إلههم ونمط عيشهم ونهبوا ثرواتهم. هناك في داخلي هذا الإرث. لكنني أحاول باستمرار نسج علاقة جديدة مع هؤلاء، بمعزل عن تاريخنا الاستعماري البغيض.

·        هل يمكن اعتبار أفلامك جواباً عن هذا التاريخ واعادة اعتبار للعلاقة بين الشمال والجنوب؟

ــ انها محاولة لفهم العالم من وجهة نظر شخص أكثر حريّة من مجمل البشر. كنت في وسط أفريقيا، في مكان يحصل فيه اقتتال، وكان معظمهم يسألني: من الذي أرسلك الى هنا؟ لم يكونوا على علم بأنني كنت مستقلاً، أتيتُ اليهم بطائرتي. هذا شيء كان عصياً على التصديق بالنسبة اليهم. في بعض الأحيان، كان الموقف الذي وضعتُ نفسي فيه في منتهى الخطورة. ما ان يروك وحدك حتى تصبح لقمة سائغة. خصوصاً عندما يجب التعامل مع العسكر. في منتصف الرحلة، تعرضتُ لمضايقات كثيرة منهم، بعضهم كان يعتقد انني من الـ"موساد" او ما شابه ذلك. في النهاية، فهمتُ انه عليّ ارتداء الزيّ الرسمي الذي يرتديه الطيارون. علّقتُ أربع نجوم على كتفي، وفجأة صرتُ ربّاناً يضربون له التحية.

·        هل أعلنتَ نفسك ربّاناً؟

ــ لا، في الحقيقة، أنا ربّان طائرة، والا كيف تريدني ان أقود طائرة؟ باستثناء انني كنتُ أرتدي الـ"تي شرت". استغربتُ ان يتم استقبالي بشكل أفضل وأنا أرتدي البزة العسكرية التي تُعتبر أحد رموز الارث الكولونيالي.

·        هل ثمة منهجية تستند اليها خلال العمل؟

ـــ ما هي طريقتك للقاء امرأة؟ يكفي أن تكون نفسك. بعضهم يعتمد منهجية، أنا أفعل ما استطيع. أمشي وفق غريزتي وشغفي. استكشاف افريقيا بالطائرة هو اصلاً كليشيه كولونيالي. هذا ما كان يفعله المستعمر. من جهتي، كنت أريد وصف هذا الكليشيه بغية تعطيله. في المقابل، لا أخفي انني مهتم بهذا الجانب المغامراتي فيَّ. يمكن القول ان المغامرة هي منهجيتي. حتى الأمس القريب، كنت أتأمل كثيراً في ماهية المغامرة. مثلاً، الماساي الذي يذهب لاصطياد الأسد، هذه ليست مغامرة، انما شخص يقتل أسداً. هذه حياته وواقعه اليومي. أما بالنسبة إلينا نحن الغربيين، فالذهاب لاستكشاف فيتنام أو القطب الجنوبي، مغامرة. في البدء، كنت أعتقد ان المغامرة اختصاص غربي، لكني اكتشفت انها موجودة في كلّ الحضارات تقريباً، وانها حملت عندنا أبعاداً تملكية. بمعنى ان المغامر الغربي يصل الى مكان يكتشفه، وسرعان ما يستثمر فيه. تراه مثلاً يفتتح فيه مقهى "ستاربكس". هذه هي الامبريالية بعينها. أول العسكريين الفرنسيين الذين ذهبوا الى السودان كانوا فعلاً مغامرين، ويكفي ان ننظر الى صورهم. كانوا مجانين وظرفاء، تمتلكهم الرغبة في معرفة ماذا يحصل في افريقيا. كانوا يسرقون زوجات الآخرين، وهذه أيضاً من الأشياء التي اشتهر بها الاستعمار. انها جزء من التاريخ الكولونيالي. حتى القبائل الافريقية تسرق نساء بعضها البعض. وتسرق الأبقار أيضاً. الاستعمار حوّل مسألة السرقة هذه الى فسق، فشرّع المواخير. لم أتطرّق الى هذا الموضوع في الفيلم، لكنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ الكولونيالي الذي يستند بشكل اساسي الى ثلاثة أشياء: الفساد، تجارة الأسلحة والبغاء.

·        *هل احتكاكك بثقافات عدة واتقانك ستّ لغات ساعداك في عملك الوثائقي؟

ــ بالتأكيد. لكن رغبتي في الاطلاع على الحضارات هي التي جعلتني أتعلم اللغات. كنت أريد السفر الى أميركا اللاتينية، كولومبيا تحديداً، فتعلمتُ اللغة الاسبانية. من الأفضل أن تتكلم لغة البلد الذي تريد ان تنصع فيه فيلماً.

·        أنت تتولى مراحل انجاز الفيلم كافة: الكتابة، التقاط المَشاهد، المونتاج، الانتاج. هل الهدف من هذا هو وضع اليد على المُنتَج النهائي والتحكم بكلّ القرارات في شأنه؟

ــ اعتدتُ على هذا. أخترتُ هذا الطريق، لكني أدفع الثمن وهو ان كلّ فيلم لي يستغرق انجازه ستّ سنوات. لو تسنى لي تكليف الآخرين بعض المهامات، لوفرتُ الكثير من الوقت. لو لم أنجز هذا الفيلم في السودان، لما أنجزته في أي مكان آخر، ولما أنجزه أحدٌ غيري. أحياناً، اتمام مثل هذا الفيلم يكلّفني غالياً، أصاب بالأمراض، وأتعرّض لطلقات نارية. لا أعرف كم مرة في حياتي يمكنني أن أنجز فيلماً في مثل هذه الظروف. لا يمكنني أن أنجز عشرة أفلام على هذا النحو.

·        ماذا تفعل عندما تتعرض لمثل هذه المواقف؟ الا تصاب بالكآبة أو الخيبة؟ الا تبدأ بكره كل ما حولك؟

ــ لا. طبعاً، لن أتعاطف كثيراً مع مَن يهاجمني بالكلاشنيكوف، ولكني لن أكره الكينيين أو السودانيين لهذا السبب. رأيتُ بؤساً كثيراً في هذه المنطقة. أحوالهم البائسة تجعلهم يخرجون عن أطوارهم أحياناً. تعاملتُ مع ضباط في منتهى الجنون. عندما تراهم تفهم كيف وصلوا الى مثل هذه الحال. فهؤلاء يحاربون طوال عمرهم لمصلحة الآخرين، لمصلحة النفط تحديداً. يأتمرون ويتلقون مرتباً، هم أصحاب أرض ولكنها سُلبت منهم.

·        ألا تخاف أحياناً؟

ــ لا، لا أخاف، عندما أكون في قلب المشكلة،. عليَّ تجاوز الأزمة واصلاح الوضع. تجدني قلقتُ لاحقاً. لطالما حشرتُ نفسي في ظروف صعبة. طائرتي حطت أكثر من مرة في أماكن مهجورة وعرة. لكني لم أفزع الا عندما كنت أجلس الى طاولة المونتاج أرتبّ ما لديّ من صور، وقد رأيتُ نفسي غير مرة، أسأل نفسي: "ماذا تفعل هنا؟". في الواقع، اذا تعرضتَ للخطر وأنت تقود طائرة، فلا وقت لديك لتصاب بالهلع، عليك استيعاب الموقف.

·        ولكن، أليس الوثائقي بالنسبة اليك طريقة لقطع الطريق أمام فيض الصور التي تجتاحنا من كلّ حدب وصوب، حدّ انه لم يعد في مقدورنا أن نميّز الصورة الحقيقية عن الزائفة؟

ــ مسألة الحقيقي والزائف حساسة جداً. عندما تُشاهد فيلماً ترى صوراً تتعاقب. تعيشها كما لو التُقطت كلها في وقت واحد، ولكن هناك في الواقع أشياء صوّرتها بعد عام ثم أدرجتها في سياق المونتاج. اذاً، لا مفر من الزائف. نحن الآن، أصبحنا نغرق في طوفان من الصور. عندما تتجاوز الأشياء حدّها المعقول، تصبح بلا معنى. صورتُ 400 ساعة لانجاز هذا الفيلم، الأمر الذي يحتاج الى أكثر من شهرين مشاهدة. انه أشبه بأن يكون لديك منجد ضخم مع كلّ الكلمات داخله، وكلّ ما عليك فعله هو أن تكتب رواية انطلاقاً من الكلمات المتوافرة. تصاب بالجنون لأنه عليك أن تختار الكلمة التي ستبدأ بها الرواية.

·        الا ان صورة معينة تفرض نفسها، أحياناً، أليس كذلك؟

ــ صحيح. بعض الصور أعرف عند التقاطها أنها ستكون في الفيلم.

·        أيهما يستغرق وقتاً أطول عندك، التصوير أم المونتاج؟

ــ المونتاج.

·        مع الوقت، أبدأتَ تصوّر ساعات أقل من الـ"راشز"؟

ــ صورتُ كثيراً لأجل هذا الفيلم. أحياناً، تعتقد انك في الوجهة الصحيحة، وعندما تكتشف انك اخطأت، تكون خسرتَ ثلاثة أيام تصويراً. ولكن، كي تكتشف غلطتك عليك أن تخسر الأيام الثلاثة.

·        حدثني قليلاً عن الشخصيات. هل تتعاطف معها مهما يكن؟

ـــ على الأقل أكون مدشوهاً بالبعض منها اذا لم أكن متعاطفاً. لستُ منحازاً الى عمر البشير مثلاً، ولكن تبهرني شخصيته وكلّ هذا السيرك الذي من حوله.

·        *أين تجد مواضيعك؟ في الصحف؟ في الواقع؟ في السينما؟...

ـــ أطالع كثيراً، أتابع عن كثب كلّ ما يتعلق بالتاريخ. أستطيع أن أقول انني مهووسٌ بجمع المعلومات. عندما أتي الى هنا (تسالونيك) لثلاثة أيام، أحاول أن أفهم كيف تسير الأمور. لي عطشق شديد لأن أفهم وأستوعب. نحن الذين لا ترضينا أحوال هذا العالم، نحاول دائماً اصلاح فيه أشياء معينة من خلال الاسئلة التي نشهرها. طرح الرؤية البديلة مهم بالنسبة لي.

·        *أفلامك لا تنطوي على رسالة مباشرة كما في العديد من الأفلام الوثائقية...

ـــ لستُ مبشّراً. لستُ مكلفاً برسالة معينة. عندما رسم بيكاسو "غرنيكا"، رسمها لأنه كان عليه أن يفعل ذلك. كان يعيش أزمة داخلية. فهم ماذا يحلّ بغرنيكا فأراد أن يعبر على طريقته، محوّلاً التراجيديا الى تحفة فنية. ولكن هل لوحته منعت الحروب مجدداً؟ لا أظن.

·        *يحملنا هذا الى سؤال المناقبية في السينما الوثائقية...

ـــ لا أحب محاصرة العمل الوثائقي بالثوابت. لا نستطيع أن نقول انه علينا أن نفعل كذا وكذا. كلّ ما نعلمه ان الفيلم الوثائقي ينبغي أن يكون مخلصاً للحقيقة. لا يمكن أن تصوّر شخصاً ينام على الرصيف وتعرّفه للمشاهد باعتباره جثة. هذه اسمها كذبة. يوجد سينمائيين يعملون وفق هذا المنطق. هناك كلمة مرور بين الصانع والمتلقي لا يجوز تجاهلها. لا يمكن أن تصوّر في تونس مثلاً وتدعي انك صوّرتَ في قرية لبنانية. حتى لو كان هذا أمرُ طبيعي في التلفزيون الأميركي، لأنه يعتقد انهم "كلهم عرب". اما الـ"ميز ان سين"، فهذا مختلف تماماً. لا ضير أن أقول لك "أجلس هنا، ضعّ ربطة العنق على هذا النحو"، ولكن لا يمكن أن احوّلك من بيار الى جان جاك، ولا يمكن أن أقول اك ان تحكي حكاية ليست حكايتك. الاعادة أيضاً شرعية بغية الوصول الى المعلومات التي أريد الحصول عليها. أكرر مرة واثنتين كي اقتنع بما اراه، الاعادة الثالثة هي عادة تلك التي اعتمدها في المونتاج النهائي. لا يمكن أن تقول للشخصية ماذا عليها أن تقول، ولكن يمكن أن توجهها لتلقي خطابها بطريقة أفضل. علماً ان التلفزيون الهابط يفعل كلّ هذا باستمرار وينسف كلّ الأخلاقيات. شخصياً، لا أجري مقابلات، انما أبادر الى فتح نقاش. أفضّل الحوار على المقابلة.

·        *سؤال أخير: الى أي حدّ تساوم عندما تنجز فيلماً؟

ـــ كلّ فيلم يقوم على شيء من المساومة. بامكانك ان تصوّر شهراً كاملاً وتتوقف عن التصوير، وهذا في ذاته مساومة، لأنه بامكانك الاستمرار في التصوير شهراً آخر، الا انك تقرر في لحظة ما التوقف. أعتقد ان فرانسيس كوبولا هو الذي قال: لا ننتهي من اتمام فيلم، نهمله فحسب!

انتقام ستانلي كوبريك

هـ. ح.

كان ستيفن كينغ يكره ستانلي كوبريك ويكره الاقتباس الذي قدّمه لروايته "شاينينغ"، ويكره السينما بشكل عام. ظلّ يتكلم عنه بالسوء طوال سنوات، حتى انه شجع نقلها الى مسلسل من 3 حلقات (1997) انتهى في القمامة. اتهمه بأنه استبدل السخونة بالبرودة. في الرواية، كان كلّ شيء ينتهي في النيران؛ في الفيلم اختُتمت الحوادث في الثلج والجليد. 20 سنة بعد "نورث باي نورثوست"، تذكر كوبريك درس هيتشكوك: الرعب في وضح النهار أقوى. وعظمته انه كان يدمّر الرواية التي يحملها الى الشاشة، ليستخرج منها فقط بعض الخطوط العريضة وبعض التيمات التي تخدم رؤيته للطبيعة البشرية. فعل هذا مع كلّ الكتب تقريباً. معظم الكتب التي أفلمها كتب متواضعة أنجز منها افلاماً كبيرة، حيّة، سجالية، معولمة. وهذا ما يبرر كره الروائيين له، وليس أولهم ووحيدهم ستيفن كينغ، اذ واجه المسألة نفسها مع فلاديمير نابوكوف يوم اقتبس "لوليتا". خرج نابوكوف من العرض الأول للفيلم مبتسماً، وقال: بعتُ حقوق الاقتباس الى السيد كوبريك لكنه اقتبس شيئاً آخر، وهذا جيد، الآن استطيع ان ابيعها مرة جديدة! (نعرف ماذا فعل بها لاحقاً ادريان لاين في نسخة 1997). المهم: بدأ كينغ يكره كوبريك بعد الاقتباس، لكن اللافت ان كوبريك كان يحتقره وهو ينجز الفيلم. حتى انه لم يبخل في ابتكار اساليب الانتقام. ففي "شاينينغ"، سيارة العائلة فولكسفاكن صفراء. في الرواية كان لونها أحمر. عندما يهرع الرجل الأسود الى فندق "أوفرلوك" لانقاذ العائلة، نرى على الطريق سيارة فولكسفاكن حمراء محطمة. في كتاب ستيفن كينغ لا توجد سيارة محطمة. كلّ ما فعله كوبريك هو تحطيم السيارة الحمراء ورميها على قارعة الطريق (هامش الفيلم)، واستبدالها بواحدة صفراء!

النهار اللبنانية في

10.05.2015

 
 

سينما 2015 تقدمها: خيرية البشلاوى

جمهورية إمبابة.. واقعية "أبيحة" غاب عنها الإنسان

ينتمي فيلم "جمهورية إمبابة" مثل معظم أفلام السبكي إلي ما يمكن تسميته "الواقعية الأبيحة" التي تمزج بين الدمامة أو القبح الشكلي والسفالة علي مستوي المضمون. إنها انعكاس للجانب المتدني من الثقافة الشعبية بعد مراحل من التراجع الاجتماعي والتشوهات العمرانية التي أصابت الأماكن والشرائح الشعبية غير المحظوظة من الناس.

يقول آخر: واقعية القاع في السلم الاجتماعي.. والقبح العشوائي.

وليس المقصود الإهانة أو الاساءة لصناع هذا النوع من الإنتاج. ولكنه توصيف لنوع البضاعة الاستهلاكية الرائجة في الانتاج السينمائي الشائع. ومن خلال عينات من هذا الانتاج تخصصت فيها أسرة السبكي الذين صارت لهم بصمة غائرة في بدن السينما المصرية في مرحلة من مراحل تطورها وإليهم يعود فضل بقاء الصناعة علي قيد الحياة.

والسينما كظاهرة اجتماعية ليست منفصلة عن الواقع وما طرأ عليه.. وهي كعمل جماعي يشارك في صنعه فئات عديدة يستهلكه جمهور عريض يعكس بالضرورة ما آلت اليه الثقافة السائدة التي تمد الجمهور بزاده الترفيهي.

والراقصات اللاتي يظهرن في أفلام "الواقعية الأبيحة" "بورتريهات" مشوهة في صفحات مجلد عريض لعشرات الراقصات اللاتي ظهرن علي الشاشة المصرية منذ بدايات هذا الفن في الثلث الأول من القرن العشرين..وكذلك المطربين الشعبيين وصناع الفكاهة.. الخ.

و"جمهورية امبابة" الفيلم الذي كتب له السيناريو مصطفي السبكي يجمع الركائز الرئيسية للفيلم "الشعبي" كما روجت له السينما في الحقبة الأخيرة وعمادها الرئيسي الافراط في الحسية والنزول إلي قاع لغة التعبير البصري واللفظي حيث اللحم البشري للاناث وذبذبات طبقات الشحم أو تضاريس القوام ملفوفا داخل النسيج الشفاف والتصميمات الكاشفة لأردية الرقص ذات الألوان الفاقعة.

حتي بدل الرقص هنا أيضا دالة علي مستوي الذوق وما آلت اليه الفنون الشعبية مثل الرقص البلدي وكذلك "الطرب" أصوات قوية وحالة ميلودرامية ثقيلة في التعبير عن الشجن والغدر والدنيا اللي "زي السينما والمسرح".

إلي جانب هذه العناصر الساخنة المثيرة توجد شحنات العنف والشخصيات الفاسدة التي تتبناها كإحدي وسائل تحقيق الذات. حيث الفلوس أو "الذراع" والاثنان يوفرهما العنف العدواني والصفاقة والتمادي في السفالة كنوع من البطولة.

مثل هذه الأفلام تغيب فيها "البطولة" ويضيع معها معني "النبل" وتنعدم بها الانسانية وتحل محلها وسائل متنوعة تعبر عن الوحشية والشبق الخسيس للمال والجنس.

في "جمهورية إمبابة" تجميع عشوائي يفتقد الاطار الفني المحكم لاشكال الترفيه المختلفة التي لا تتجمع هكذا إلا في "الموالد" حيث الراقصة. والفتوة. وتاجر الكيف. وفرقة "العصابة" للاغنيات الشعبية. وفرقة "المزمار" الشعبي. وبدلة تاجر المخدرات ابن البلد. وذلك التاجر الأنيق الذي يقف وراء الستار ولا يظهر سوي في ركن قصي من المسرح بنظارة طبية وهندام ومظهر خادع!! وكذلك يوجد "شيوخ العرب" سكان البوادي والجبال تجار المخدرات

وإلي جانب هؤلاء وعلي هامش هذا العالم الاجرامي ستجد "بائعة الخبز" أم حسن الغلبانة "أحلام الجريتلي" و "حسن" باسم سمرة الملتزم الطيب الذي ظل يمشي جنب الحيط ويؤمن بالله وبالدين الاسلامي ويحب ويسعي للزواج في الحلال. ولكن هدير الإنحطاط السلوكي والاخلاقي يدفعه دفعا إلي طريق الحرام بعد أن فشل في الزواج من حبه الوحيد "فريال يوسف" وبعد أن قام الفتوة الذي طمع في عروسه بحرق سيارته التي يأكل منها عيش. وحرق منزله وحرق أمه بداخله!!

تيار الظلم العنيف يجذب "حسن" بعيداً ويسوقه إلي طريق لم يكن يسعي إليه ولأنه إنقاد إلي الحرام إذن عليه أن يدفع الثمن بحرق "أمه" منطق "العدالة الالهية" السقيم فوسط طيات السفالة المركبة الطاغية تنهزم الأخلاق الحميدة. والدين القويم ويصبح "الحرام" في تجلياته الاجتماعية المختلفة أمرا مقضيا ولا فرار منه.. ويصبح الغوص في "الدم" نهاية أكيدة عبرت عنها اللفظة الأخيرة من الفيلم حيث حسن غارق في الدم وكفه مرفوعة كعلامة للإدانة لأنه أصبح ملوثا.

كاتب السيناريو والمخرج يحرقان "القمامة" التي تشكلت منها المادة الموضوعية للفيلم بتفاصيله وشخصياته مخلفان رائحة كريهة "وفنا" دميما وسعي غير مشكور لينشر القبح بينما يسلي. ويطرح بضاعة رديئة لأناس "عطاشي" و"جوعي" إعتادوا هذا النوع من الترفيه.

والفيلم الهروبي يعكس ليس فقط "واقعية أبيحة" وإنما متضمنة عينات من البشر ليسوا مختلفين عن جوهر النماذج العديدة التي انتشرت في سنوات ما بعد الثورة. تعيش علي شتي أساليب البلطجة.

"طه" "أحمد وفيق" الذي يتاجر في البنزين المسروق ويغشه علي رصيف الشارع في "جمهورية إمبابة" و "ميادة" "علا غانم" العاهرة الطيبة التي ترفض الحرام ولكنها مضطرة لممارسته. و "ذوق" "محمد فاروق" البلطجي والقواد المتمرس الذي يبيع شقيقته "سلمي" "فريال يوسف" للمعلم ياسين تاجر المخدرات "ايمن قنديل" وحسن "باسم سمرة" الذي ابتعد عن الحلال وحقق حراكا اجتماعيا له ولأمه ولكنه دفع الثمن في النهاية.. و "نهلة" التي اغتيلت بسكين مغروس في بطنها وهي حامل والأب السكير "طرابيك" الخ الخ وكلها شخصيات لها نصيب من الواقع. وممثلون لعبوها بحرفية غليظة. ففي العشوائيات لا يوجد جمال ولكن هناك جماليات للفقر وقوالب فنية لصياغة الجرائم وأفلام العنف.

المخرج أحمد البدري خضع لسيناريو عشوائي لا منطق فيه للتفاصيل المتجاورة. ولا لأشكال الأثاث أو بعضه في بيوت بعض الشخصيات "أسرة ذوق وسلمي وفاطمة نموذجاً ولا مبرر مقبول -من وجهة نظري- لتجريد جموع سكان هذا "الحي" من قدرتهم علي مواجهة هذه البلطجي الحاكمة في العموم لمقدرات السكان.

الأحداث يفترض أنها بعد ثورة يناير.. ولكن لعل المخرج والكاتب يريدان أن يصلا بجمهور الفيلم إلي حقيقة ان الحال هو الحال وربما أسوأ والناس الغلابة ليس أمامهم سوي الانحراف والاناث علي اختلاف مستوياتهن ومواقعهن ونياتهن مجرد بضاعة لاستهلاك الذكر. يشتريها ويتحكم فيها. لا فارق بين ميادة وسلمي و أم حسن وفاطمة ونهلة وصديقتها.. الخ.

"جمهورية امبابة" واقع "بدون الف ولام" أبيح وقبيح وعشوائي ولا انساني ولا ديني ولا أي شيء ينتمي لأي نوع من الوسامة أو الجمال. ولكنه ليس قدراً كما يفترض الفيلم وكما تدلنا النهاية.

المساء المصرية في

10.05.2015

 
 

في الذكرى المئوية لميلاده..

صلاح أبو سيف «أستاذ الواقعية»

يحتل صلاح أبو سيف مكانة بارزة فى السينما المصرية، حيث أخرج عددا كبيرا من أهم أفلامها التى شكلت وعى المصريين، ومن أبرزها «شباب امرأة» و«الزوجة الثانية» و«القاهرة 30» وغيرها، كما مارس كتابة السيناريو وألَّفَ فيه عدة كتب، ويعتبر نموذجًا للفنان متعدد المواهب، ورائدا للسينما الواقعية، ولا ينسى التاريخ أن أبو سيف هو الذى علَّم الروائى الكبير صاحب «نوبل» نجيب محفوظ كيفية كتابة السيناريو، وجذبه إلى عالم السينما الساحر، وقد استطاع أبو سيف حل المعادلة الصعبة التى ترهق كل المخرجين فى العالم، وهى معادلة القيمة الفنية وشباك التذاكر.

«التحرير» وبمناسبة الذكرى المئوية لميلاد أبو سيف، تلقى الضوء على «عبقرى» السينما، وأهم مراحله الفنية، ومدى تأثيره على أجيال متعددة من السينمائيين، بداية من موجة الواقعية الجديدة التى مثَّلها خان والطيب وبشارة إلى الأجيال الجديدة ومن أبرزهم أحمد عبد الله وهالة خليل وأيتن أمين.

علّم نجيب محفوظ السيناريو..

والنتيجة: روائع سينمائية

كتبت- نانسي حبيب:

كان المخرج الكبير صلاح أبو سيف يعتبر كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم، وربما كان هذا سببا فى مشاركته فى كتابة السيناريو لكثير من أفلامه، حتى يضمن أن يكون متفقًا مع رؤيته السينمائية. كان مخرج الواقعية يبحث دائما عن الواقع، ويستمد منه أفلامه، لذا كان لا بد أن يجتمع مع ملك الأدب الواقعى.

كانت الساحة السياسية فى مصر فى فترة الأربعينيات مليئة بالأحداث، التى لا بد، وأنها تركت أثرها فى المخرج الشاب آنذاك صلاح أبو سيف، الذى كانت نقطة تحوّل فى حياته، عندما التقى بالأديب الشاب آنذاك نجيب محفوظ.

ويحكى محفوظ عن بداية علاقته بالسينما قائلا «عرفنى صديقى المرحوم الدكتور فؤاد نويرة بصلاح أبو سيف، وطلب منى أن أشاركهما فى كتابة سيناريو فيلم للسينما، اخترنا له فى ما بعد اسم (مغامرات عنتر وعبلة)، وكان صلاح أبو سيف هو صاحب فكرة الفيلم، وشجعنى للعمل معه أنه قرأ لى (عبث الأقدار)، والحقيقة أننى تعلمت كتابة السيناريو على يد صلاح أبو سيف».

أما المخرج الكبير صلاح أبو سيف فيحكى ذكرياته عن بداية دخول محفوظ السينما: «بدأنا نفكر معا فى (مغامرات عنتر وعبلة) عام 1945، وكتبناه سنة 46، وتم تصويره 47، وعرض 48، كان قصة عبد العزيز سلام، ولم يكن فيها جديد عن الفيلم، الذى سبق إخراجه عن نفس الموضوع. فكرت فى أن يكون الجديد أن تكون الحروب بين العرب وعدو خارجى، وليس بين العرب والعرب.

وافقنى نجيب محفوظ، وقررنا أن تكون الحروب فى الفيلم بين العرب والرومان، كما صورنا فى الفيلم شخصية يهودى قام بتمثيلها زكى طليمات، وجعلناه يلعب على الطرفين: العرب والرومان، تم تصوير الفيلم فى أثناء احتدام المشكلة الفلسطينية، وبدأ المونتاج بعد تقسيم فلسطين فى نوفمبر 47، وإن كان قد عرض فى ديسمبر 48 بعد إنشاء إسرائيل. والغريب أن الحوار الذى كتبته مع نجيب محفوظ وردت فيه بعض العبارات والشعارات، التى رفعتها ثورة 23 يوليو بعدها مثل (نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا)، بل والأغرب أن شخصية اليهودى فى الفيلم كانت له عصابة على عينه تماما مثل موشى ديان بعد ذلك، ولم يكن ديان قد أصيب بعد ووضع هذه العصابة».

وكانت تلك هى البداية فحسب، لينطلق بعدها الثنائى فى عدة أفلام ناجحة دخلت فى قائمة أفضل مئة فيلم فى السينما المصرية، ففى عام 1953 كتب محفوظ قصة وسيناريو فيلم «ريا وسكينة»، مستلهما إياه من تحقيق صحفى عن الجريمة الشهيرة، وبعدها بعام قدما فيلم «الوحش». وبعد تعاون فنى امتد نحو 13 عاما كان صلاح أبو سيف أول من أقدم على إخراج فيلم سينمائى عن رواية لنجيب محفوظ، وهكذا خرج فيلم «بداية ونهاية» عام 1960 لتنتبه بعدها السينما إلى عظمة روايات نجيب محفوظ.

والتعاون بين محفوظ وأبو سيف ممتد، فلا يمكن أن تنسى فيلما مثل «الفتوة» أو «القاهرة 30»، ويكفى أن تتوقف أمام فيلم مثل «بين السما والأرض» لتعرف كيف يمكن أن يجتمع عملاقان ليخرجا معا تحفة فنية. والعجيب أن الفيلم كله مأخوذ عن تجربة شخصية لأبو سيف، عندما تعطل به المصعد مع زوجته فخطرت له الفكرة وحملها إلى نجيب محفوظ.

لم يكن محفوظ يقبل أن يتنازل عن إحساسه بالواقع المصرى، وكانت هذه هى النقطة نفسها التى تميّز بها صلاح أبو سيف، الذى كان يصر على أن ينقل الواقع، وهكذا كوّن الاثنان معا ثنائيا واقعيا متجانسا، وكأن كل منهما كان يبحث عن الآخر ليكمل به إبداعه. وهكذا أخرج محفوظ أفضل ما فى أبو سيف، وأخرج أبو سيف أفضل ما فى محفوظ، وخرجنا نحن بروائع سينمائية.

مخرجون: أفلامه «مدرسة»

كتب- عمر خليل:

«الفتوة» و«الزوجة الثانية» و«شباب امرأة».. وغيرها من الأفلام، كانت وما زالت تعيش فى وجدان وذاكرة الجماهير، ولكن ماذا عن «أهل الصناعة»، وأى منها شكل وجدانهم إلى الحد الذى تمنوا تقديم أحدها؟

فى البداية، أكد محمد أبو سيف، ابن المخرج الكبير صلاح أبو سيف، أن تقديمه فيلم «النعامة والطاووس» ليس إلا محاولة للإفراج عن أحد أحلام والده الذى جاهد الرقابة طويلًا لتحقيقها، مشيرا إلى أن جميع أعمال والده بمثابة تاريخ يفخر به.

المخرج الكبير على عبد الخالق، نفى أن يكون فيلمه «شادر السمك» هو النسخة المعاصرة من فيلم «الفتوة»، مشيرا إلى أن تلك المقارنة ترجع إلى تشابه «تيمة» الفيلمين، حيث رصدا فكرة الصعود من القاع إلى القمة، وما ينتج عن ذلك من غرور وتجبر وفساد، خصوصًا مع تشابه أماكن الأحداث (سوق خضار وشادر سمك)، أما «شباب امرأة» فهو أحب أفلام الراحل إلى قلبه، لأنه مصنوع بتميز على جميع المستويات.

المخرجة هالة خليل، أكدت أنها تربت وجدانيًّا على أعمال أبو سيف، مشيرة إلى أن فيلم «بداية ونهاية» هو أقرب أعماله إلى قلبها، مضيفة أن «القاهرة 30» و«ملحمة عظيمة» تتيح لأى مخرج تقديم صراع مجتمعى محبوك دراميًّا وبحرفية عالية. المخرج الكبير داوود عبد السيد، وصف أستاذه أبو سيف بأنه «عبقرى»، مضيفًا أنه تأثر بعدد كبير من أفلامه لكن يبقى «الفتوة» هو الأبرز بينها كذلك «الزوجة الثانية».

بشارة: المقارنة بين فيلم ومسلسل «الزوجة التانية» غير موضوعية

كتبت- فايزة هنداوى:

فيلم «الزوجة الثانية» من أفلام صلاح أبو سيف، التى شكلت علامة مميزة فى السينما المصرية، وقد أعاد المخرج خيرى بشارة تقديم نفس القصة فى مسلسل تليفزيونى، وهو ما فتح باب المقارنة بين الفيلم والمسلسل.

المخرج خيرى بشارة، قال إن هذه المقارنة «غير موضوعية»، لأن الفيلم تم تقديمه فى ساعتين، بينما المسلسل فى 20 ساعة.

بشارة أوضح فى تصريحات خاصة لـ«التحرير» أن السبب فى هذه المقارنة للحنين الدائم إلى الماضى.

وعن سبب حماسه لتقديم ذلك العمل، قال بشارة إن الفترة التاريخية التى تدور فيها الأحداث ثرية ومشجعة، إضافة إلى الإسقاطات السياسية والاجتماعية التى يحتويها مؤكدًا أنه لم يتأثر بصلاح أبو سيف كما قال، لأنه يقدم نوعية مختلفة من الدراما، مضيفا أن الفيلم يمثل جزءًا من ذاكرته كمخرج.

نساء «أبو سيف».. نسخة من الواقع

كتبت- رانيا يوسف:

لا يمكن وصف المخرج الراحل صلاح أبو سيف بـ«نصير المرأة»، ورغما عن هذا كانت نماذجه النسائية المطروحة فى أعماله هى الأكثر حيوية وطزاجة وحضورا.

فى البداية، تؤكد الناقدة خيرية البشلاوى، أن أكثر ما يميز أبو سيف أنه كان «معجونا» بمصريته، ومن ثم لم يقدم أبطال أفلامه عموما بمعزل عن واقعهم الاجتماعى أو السياسى، وبتعبير أدق كان يعى جيدا طبيعة البيئة التى يتناولها، لذا كانت شخصياته انعكاسا لها، فمثلا فى «الزوجة الثانية» قدم 3 بورتريهات نسائية (سناء جميل، سعاد حسنى، سهير المرشدى)، لكل منهن طبيعتها المختلفة، ورؤيتها وأسلوبها فى التعامل مع الحياة، فكلهن بنات البيئة اللاتى ينتمين إليها وكذلك سلوكهن.

البشلاوى واصلت قائلة إنه فى فيلم «القاهرة 30» قدم نموذجا آخر لما يمكن أن تمارسه البيئة المحيطة من قهر على الجميع، ومن بينهم النساء، وهو الدور الذى جسّدته باقتدار سعاد حسنى، فهى البنت الطموحة التى حالت ظروفها الاجتماعية دون ذلك، بينما بقية شخوص الفيلم نتاج لهذا المجتمع وانكساراته، كذلك شفاعات فى «شباب امرأة»، وشخصية الأم والابنة فى «بداية ونهاية»، حتى فى «القادسية» قدم نماذج لسيدات محاربات بنات بيئتهن. باختصار قدم عبر أعماله «ألبوما» كبيرا للمرأة فى بيئات متنوعة سواء فى الريف أو الحضر، رصد من خلاله كيف تشتبك المرأة مع الواقع، ووفقا للمقومات التى شكلت شخصيتها، وأثرت بسلوكها.

الناقد نادر عدلى، أكد هو الآخر أن أبو سيف لم يكن متبنيا قضايا المرأة على الشاشة فقط، فقد تناولها فى إطار تناوله الواقع بوصفها جزءًا منه، مشيرا إلى نجاحه فى تقديم أكثر من نموذج وبحرفية عالية، مثل ما قدمه فى أفلام «بداية ونهاية»، و«القاهرة 30»، كذلك أفلام مثل «الزوجة الثانية» و«أنا حرة»، وفيلم «الوسادة الخالية»، الذى استعرض من خلاله ليس فقط نموذجا نسائيا له خصوصيته، لكنه قدم صورة للطبقة المتوسطة من منظور معاصر، ورصد عبر فيلم «البداية» كيف همّش المجتمع دور المرأة مقابل سيطرة الرجل.

الناقد محمود قاسم، أوضح أن صورة المرأة فى السينما قبل صلاح أبو سيف لم تخرج عن طرح شخصية الراقصات والنماذج المقهورة الضعيفة، مشيرا إلى أن أبو سيف نجح فى فتح الباب لطرح وجهة نظر مغايرة عن المرأة المصرية، كما فى فيلم «أنا حرة»، راصدا من خلاله النهضة التى شهدها المجتمع فى تلك الفترة، مضيفا أنه ساعده على ذلك كون أغلب أفلامه مقتبسة عن نصوص أدبية.

التحرير المصرية في

10.05.2015

 
 

Hot Pursuit... كثير من الضحك والاحترام!

كتب الخبرربيكا كيغان

من وراء ظهر ريز ويذرسبون، ارتسم تعبير ساخر على وجه صوفيا فيرغارا عندما كانت ويذرسبون تحاول التحدث بجدية عن الماركة الشخصية القوية التي تتمتع بها فيرغارا: {يمكن أن نعرف فوراً ما تحبه صوفيا!}.

·        حين بدأت فيرغارا تصدر صوتاً غريباً، التفتت ويذرسبون إليها فوراً وقالت: {لماذا ترسمين هذا التعبير على وجهك؟}.

فيرغارا وويذرسبون بطلتا فيلم الكوميديا الجديد Hot Pursuit وهما متناقضتان في الشكل الخارجي والطباع.في الفترة الأخيرة، اجتمعت الممثلتان اللتان طوّرتا معاً مشروع فيلم Hot Pursuit مع مخرجة العمل آن فليتشر (تشكل هي أيضاً حالة نادرة باعتبارها امرأة تعمل في مجال إخراج الأفلام الكوميدية) للتحدث صراحةً عن المال والإعلام والتحديات التي تواجهها المرأة في عالم الأفلام.

·        ريز، تتفوهين ببعض العبارات الإسبانية في هذا الفيلم. هل تجيدين هذه اللغة بطلاقة؟

ويذرسبون: أتحدث اللغة الإسبانية بمستوى تلاميذ الصف السابع.

صوفيا فيرغارا: حين أسمعها تتكلم الإسبانية، أدرك لماذا يعتبرني الأميركيون مضحكة. كان ذلك المشهد أحد أفضل المشاهد بالنسبة إلي لأنني شاهدتُ كيف كانت تكافح وتعاني. يصعب التركيز على التمثيل تزامناً مع الترجمة. لا يمكن أن تنبثق العواطف كما يجب. لقد استمتعتُ بهذا الوضع لأنها شعرت بما أشعر به كل يوم.

·        شاركتما معاً في إنتاج هذا الفيلم. كيف تطورت فكرة المشروع؟

ويذرسبون: لم يحصل أي تطور في مجال الكوميديا النسائية. يجب أن نقوم بما نريد فعله بنفسنا. لطالما كنت من أشدّ المعجبين بصوفيا ففكرتُ بأن نتحدث بكل بساطة كي أعلم إذا كانت تريد أصلاً أن نعمل في فيلم مشترك. تحدثنا عن بعض الأفكار المضحكة، ثم قررنا تطوير هذه الفكرة معاً.

يرتكز الفيلم فعلياً على الاختلافات القائمة بيننا. أشعر بأن صوفيا تطرح وجهة نظر معينة ويتوق جمهور ضخم في أميركا اللاتينية إلى رؤية من يمثّلهم على الشاشة، وقد حان الوقت لفعل ذلك نظراً إلى عدد المشاهدين اللاتينيين الذين يتهافتون لمشاهدة الأفلام. هي تعرف نفسها وجمهورها أكثر من أي ممثل آخر عملتُ معه يوماً. يجب أن نحقق كل ما يفتقر إليه العالم. لم يبادر أحد إلى تطوير فيلم مماثل.

·        صوفيا، ما سبب هذه الفجوة الكبيرة بين حجم جمهور السينما اللاتيني وعدد الأفلام التي تكون من بطولة ممثلين لاتينيين؟

فيرغارا: تتعلق المشكلة الأساسية بغياب الأشخاص اللاتينيين الذين يبتكرون محتوىً جيداً. يشارك عدد كبير منهم في المسلسلات الطويلة. ثمة شحّ في عدد الكتّاب اللاتينيين. لا يتحمّل الكتّاب الأميركيون مسؤولية هذا الوضع بحسب رأيي. يكتب الجميع عن ما يعرفونه. أنا معجبة بالأشخاص الذين يكتبون عن شخصية «غلوريا» في مسلسل Modern Family. هم رجال في معظمهم ولديهم زوجات شبيهات بشخصية جولي بوين، لكنهم لم يتعاملوا يوماً مع امرأة لاتينية.

·        هل لديك أولاد؟

لا، فقد انتقلتُ إلى مجال الإخراج ثم تلاحقت الأفلام وسرعان ما بدأتُ أركز على العمل ونسيتُ حياتي الشخصية. كان لديّ الدافع لفعل ذلك ثم تابعتُ التقدم إلى أن استنتجتُ فجأةً: {لم أعش ذلك الجزء من حياتي!}.

ويذرسبون: في المقام الأول، أظن أننا لا نطور أداء النساء في مجال الإخراج والكتابة بالمستوى المطلوب. من واجبنا جميعاً أن نجلب متدرّبات ونسمح لهنّ بالمجيء إلى مواقع التصوير لمشاهدتنا ونحن نعمل، ويجب أن نشجّعهن على ذلك. وثمة ظاهرة غريبة أخرى: لا أدري إذا قرأتم كتابOff Sidelines للكاتبة كيرستين جيليبراند عن كيفية تشجيع النساء على المشاركة في السياسة وجميع المجالات. المثير للاهتمام أن المرأة تريد أن يُطلَب منها القيام بنشاط معين بدل أن تتطوع بنفسها. نحن لا نأخذ المبادرة لأننا نعتبر الأمر متسلطاً من الناحية الثقافية.

ويذرسبون: يجب أن تكون المرأة حازمة بعض الشيء وأن تشجّع نفسها ويجب أن تقتنع ببراعتها، لكننا لا ننمّي هذه الميزة. لا تقول المرأة لنفسها: «أنا كاتبة بارعة بالفعل. وأعتقد أنني سأكون مخرجة جيدة أيضاً». لكني أظن أن الوضع بدأ يتغير حين أشاهد نساءً مثل تينا فاي وإيمي بولر وإيمي شومر اللواتي لا يبدين أي اهتمام برأي الناس.

·        صوفيا وريز، أنتما ناشطتان جداً على مواقع التواصل الاجتماعي. هل تدفعان لشخص ما لتنشيط حساباتكما أم تفعلان ذلك شخصياً؟

فيرغارا: أقوم بذلك شخصياً. يجب التصرف بصدق لأن الناس ليسوا أغبياء. أكتب التغريدات بنفسي منذ عام 2010.    

ويذرسبون: إنها أداة تسويقية مدهشة. إنها طريقة للتواصل مباشرةً مع الجمهور. كشفت لي عن قوة هذه الوسائل.

فيرغارا: لقد علّمتُها كل شيء تعرفه!

·        ريز، خلال احتفال الأوسكار، نشرتِ هاشتاغ #Askhermore لتشجيع الصحافيين على السجادة الحمراء على التحدث مع الممثلات عن مواضيع أخرى عدا الأثواب. هل سمعتِ أي أسئلة مختلفة؟

ويذرسبون: نعم. أطلقتُ الحملة قبل ساعة من العرض، ولم أكن أعني بذلك أن الملابس ليست جميلة أو أنيقة. لكن تصبح المحادثات عن النساء في حفلات توزيع الجوائز تافهة ومحرجة أحياناً. لسنا عارضات أزياء. لا أحد يفكر بالتحدث مع الممثلين الرجال عما يرتدونه. وفق بعض تجاربي، حين نجلس حول طاولة مستديرة مع عدد من النساء المخضرمات والناجحات، أتوقع أن أسمع أسئلة عن تجربة التمثيل في فيلم معين أو أداء مخرج العمل، لكني أسمع السؤال التالي: «ما رأيك بصور جنيفر لورانس العارية؟». أرغب في أن أجيب: «لا أعرف جنيفر لورانس أصلاً. لا رأي لي بالموضوع».

فيرغارا (وهي تتنشق الهواء في المطعم): تفوح رائحة حلوى «ترافل».

فليتشر: صحيح.

ويذرسبون: لنأخذ استراحة إذاً!

صوفيا، قرأتُ في مجلة «فوربس» أنك الممثلة التلفزيونية الأعلى أجراً...

فيرغارا: لا تصدّقي جميع الإشاعات.

·        هل هذه إشاعة؟ مجلة «فوربس» ذكرت المعلومة.

ويذرسبون: أظن أنه أمر مدهش. نحن النساء لا نتحدث عن وضعنا المالي. كنت أتكلم مع هذه المرأة في الليلة السابقة بشأن الممثلين الشباب الذين يتجولون مع رجال أعمال مهمّين ويستثمرون في «تويتر» و»أوبر»، لكن يتراجع عدد النساء اللواتي يتصرفن بهذه الطريقة. يجب أن نكون أكثر صراحة بشأن تلك المحادثات.

فيرغارا: في النهاية، تشتري النساء منتجات أكثر من الرجال. نحن من ينفق المال في المنزل.
ويذرسبون: عادت ابنتي يوماً إلى المنزل وهي تبكي وقالت لي: «أمي، أخبرني أحدهم بأنك جنيتِ أموالاً طائلة...». فسألتُها: «ولماذا تبكين؟ اجتهدتُ كثيراً لتحقيق ذلك. يجب ألا تشعري بالإحراج مطلقاً من امرأة ناجحة في هذا العالم».

متناقضتان تتقاسمان الاحتراف

وُلدت ريز ويذرسبون القصيرة في نيو أورليانز. عمرها 39 عاماً، وهي معروفة بشكل أساسي بأدوارها في أفلام درامية مثل Wild و Walk the Lineوأفلام كوميدية مثل Legally Blonde. تعكس خصائص المرأة الجنوبية الجميلة واللائقة التي تتمتع بشخصية من الطراز الرفيع.

أما صوفيا فيرغارا، فتبلغ 42 عاماً وهي ممتلئة الجسم. ولدت في بارانكيلا، كولومبيا، وهي معروفة بشكل أساسي بأدائها دور الأم المشاكسة غلوريا ديلغادو بريتشيت في مسلسل Modern Family الذي يُعرَض على قناة {إي بي سي}، فضلاً عن أدوارها البارزة في أعمال مثلCover Girl، وهي تعكس شخصية المرأة اللاتينية المثيرة والعفوية.

تتقاسم المرأتان الاحتراف التام في العمل وقد كشفتا عن هذه الميزة في Hot Pursuit. في الفيلم، تؤدي ويذرسبون دور شرطية عصبيّة تكون مسؤولة عن حماية فيرغارا، أرملة أحد تجار المخدرات.

The Seven Five... لماذا يُخطئ الشرطيون؟

في هذه الفترة التي تشهد تدقيقاً مكثفاً ومستجداً بممارسات الشرطة وتكتيكاتها في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، يكشف الفيلم الوثائقي The Seven Five عن حجم الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها رجال الشرطة حين تسمح الظروف بذلك.

يتمحور فيلم The Seven Five الجديد حول قسم شرطة نيويورك المعروف بسمعته السيئة وحول {أكثر شرطي فاسد على الإطلاق}. يعيدنا الفيلم إلى وباء الكوكايين الذي تفشّى خلال الثمانينات، حين كانت المخدرات والأموال إغراءات سهلة بالنسبة إلى رجال الشرطة الضعفاء الذين يتولون حماية المجتمع من فوضى الجرائم.

يجب ألا يخلط أحد بين فيلم تيلر راسل والحوادث التي جذبت الانتباه الوطني إلى عمل الشرطة في الفترة الأخيرة، إذ ينجح هذا الفيلم في شرح سبب الأخطاء التي يرتكبها الشرطي، وقد أصبحت هذه النزعة أشبه بثقافة وقانون بحد ذاته.

يُعتبر تعريف {الشرطي الصالح} محور العمل كله. بغض النظر عن معنى هذه العبارة بالنسبة إلى الرأي العام والمسؤولين المنتخَبين والقضاة وقسم شرطة نيويورك بعد صدور فيلمSerpico  الشهير، هي تعني {عدم التخلي عن شرطي آخر لأي سبب}.

كان مايكل داود رئيس حلقة فاسدة من رجال الشرطة في المخفر 75 المحاصر في بروكلين، حيث كانت مظاهر الفقر واليأس والقتل والإدمان متفشية أصلاً. اكتشف داود وجود وسائل لجني المال بسهولة، فسرق وسطا وأخذ الرشاوى من تجار المخدرات وأدار في النهاية شبكته الخاصة لتوزيع المخدرات مع شريكه كيني أوريل. لقد حوّل هذا الرجلان مكاناً سيئاً إلى مكان أسوأ بكثير.

يستعمل فيلم راسل صور داود المأخوذة من الأرشيف وهو يدلي بشهادته أمام لجنة مكافحة الفساد، ويتكل على نشرات الأخبار التلفزيونية ومقابلات معاصرة مع رجال شرطة قذرين وعملاء من إدارة مكافحة المخدرات كان هؤلاء الشرطيون قد باعوهم من أجل مصالحهم، وقد حاول ضباط الشؤون الداخلية تدريجاً الحصول على معلومات سرية عن هؤلاء الرجال.

تفاخر بالبطولة

يسمح الفيلم لهؤلاء الرجال الذين يبدون في منتصف عمرهم بالتفاخر للمرة الأخيرة ببطولاتهم وتفسير سلوكهم في المرحلة السابقة. يكتفي راسل بعرض لمحة عامة عن خلفية هؤلاء الرجال الذين لم يتعلموا على ما يبدو مبادئ الحق والباطل من أكاديمية الشرطة أو من أهاليهم. لكن كان سبب انحرافهم بسيطاً: لقد اجتاحتهم موجة عارمة من تفشي المخدرات والجرائم في أعنف مخفر في نيويورك حيث {تشعر بعدم قيمتك وتضطر للسير مع التيار السائد}.

يستعمل رجال الشرطة كلمات عامية، كما يفعل أبطال برامج الواقع حين يشاركون في تجارب الأداء الخاصة بأحد أفلام سكورسيزي! يبدو المسؤولون الذين يطاردونهم أكثر عقلانية لأنهم يدركون مدى صعوبة القبض على شرطي فاسد ويعرفون حجم العناء لإدانته بعد القبض عليه.

في حي عدائي {يمكن أن يخيف كلينت إيستوود نفسه}، وجد هؤلاء طريقة للتقدم والازدهار من خلال السرقة والعمل لصالح أشخاص كان يُفترض أن يعتقلوهم ويسحبوهم من الشوارع.

إنها قصة حزينة ومألوفة جداً مع أن طريقة سردها مثيرة للاهتمام في هذا الفيلم. لكن من خلال الابتعاد عن المسائل التي وضعت الشرطة تحت المجهر بعد حوادث مدينة فيرغسون، يبدو فيلمThe Seven Five قديماً بعض الشيء. هل تذكرون الأيام التي اقتصرت فيها المشكلة على رشوة رجال الشرطة؟!

فيلم Maggie ... تحوّل حزين في عالم الزومبي!

حتى هذه المرحلة من الطفرات الفيروسية القائمة منذ عقود، شاهدنا جميع المصائب التي قد تسببها لنا كائنات الزومبي. هذه الكائنات لا تموت، حتى لو تعفنت جثثها وأصبحت خضراء، وهي لا تكف عن مطاردة الأدمغة ولحم البشر (بوتيرة بطيئة في العادة). لهذا السبب، يُعتبر فيلم Maggie غير متوقع.

يتمحور فيلم Maggie حول {الأموات السائرين} ويعجّ بمظاهر الشؤم: تدخل شابة في دوامة موت مرعبة ومُحبِطة يكون الموت فيها أقل الأهوال رعباً!

أكثر ما يثير الدهشة في هذا العمل هو الرفيق الحنون والحزين الذي يعتني بها في مرحلة احتضارها: إنه والدها الهادئ والحساس والمفجوع ويؤدي دوره أرنولد شوارزنيغر بطريقة مؤثرة جداً.

بعد استيعاب الجو العام، لنتحدث عن أساس الفيلم. تعرّضت {ماغي} لما تسميه نشرات الأخبار فيروس {الموت المتنقّل}، إذ لا يمكن تسميته في هذه الظروف فيروس {الأموات السائرين}.

المجتمع لا يزال ناشطاً والمستشفيات ليست مكتظة والحكومة تجمع المصابين في مخيمات الحجر الصحي حيث ينتظرون {دورهم}. لا يعني ذلك أنهم يتلقون العلاج أو يتعافون. بل إنهم ينتظرون نهايتهم بكل بساطة.

{وايد} هو مزارع من الغرب الأوسط وقد أشرف على حرق المحاصيل التي اعتبرتها نشرات الأخبار سبب العدوى (كائن مضاد للتعديل الوراثي/مشكلة غذائية؟). هو لا يحمل مسدساً إلا حين يضطر لإجلاء الجيران، منهم طفل، لأنهم {تحوّلوا} واختبأوا من السلطات.

ثم تعود {ماغي} (أبيغيل بريسلين) إلى ديارها. تعلم ما يحدث لها ولا تستطيع منع نفسها من نزع الجلد المتضرر وتضرب إصبعها بقوة كمحاولة يائسة ومتهورة لوقف المرض: {ما نفع الإصبع إذا كانت الذراع كلها ستسقط؟}.

يبدو مصير بريسلين مأساوياً كأي بطلة في أفلام الزومبي الحديثة، وهي تبرع في هذا الدور. لا يظهر شوارزنيغر الذي يلعب دور {وايد} كبطل أفلام الحركة في هذا العمل. بل إنه يتفاعل (ويوشك على ذرف الدموع في معظم الأحيان) مع تحذيرات ونصائح زوجته الثانية القوية (جولي ريتشاردسون)، وهي نقيبة محلية وطبيبة حنونة. هي تقول له: «فكر بما اضطررت لفعله اليوم وما ستضطر لفعله مستقبلاً. ماذا سيحصل حين تقترب من تلك المرحلة؟».

بني ورمادي

قام هنري هوبسون، مصمم العناوين (الأسماء التي تظهر في المقدمة) الذي أصبح مخرجاً، بتصوير فيلم Maggie بلونَي البني والرمادي الناعمَين اللذين يشيران إلى الخريف، ما يعني أن العالم لا يزال مستمراً ولكنه يستعد بكل حزن لاستقبال الشتاء القادم. تبدو التأثيرات جيدة وهي أفضل من تلك التي تظهر على التلفزيون أسبوعياً.

لكنّ المشاهد المألوفة والمستهلكة في هذا النوع من الأفلام المرتبطة بتدمير العالم تلقي بثقلها على فيلم Maggie. نعلم الخيارات المريعة التي ستضطر {ماغي} ووالدها لمواجهتها. أدى ارتفاع عدد الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تتمحور حول كائنات الزومبي وتُعرَض منذ خمسين سنة تقريباً، بما في ذلك وفرة الأفلام الحديثة التي تصبّ في هذه الخانة، إلى تراجع الاهتمام بهذا الموضوع.

رغم جو الحزن والوحدة الذي يطغى على فيلم Maggie، لا مجال لابتكار مفاجآت جديدة في عالم الزومبي!

الجريدة الكويتية في

10.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)