كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أفلام تتناول لحظات زمنية لشخصيات سينمائية لتمنحهم وهم الخلود

أدالين براوان لم تَشِخْ منذ 1937 لكنها تعبت من الهرب

نيويورك: محمد رُضا

 

«عصر أدالين»، الذي بوشر بعرضه في كل مكان، والذي كتبه سلفادور باسكوفيتز وج. ميلز غودلو، وأخرجه لي تولان كريغر، دراما حول الخلود المستحيل إلا على الشاشة. بطلته (بلايك ليفلي) امرأة جميلة في التاسعة والعشرين من العمر.. المشكلة هي أنها في التاسعة والعشرين من العمر منذ سنة 1937 عندما صدمتها سيارة. ليس فقط أنها نجت من الموت، بل تجمّد العمر بها عند ذلك الحين، وها هي - ونحن في عصر ما بعد - بعد الحداثة، وهي ما زالت بالوجه الخالي من التجاعيد وعند تلك السن التي تفصل ما بين الصبا والنضج.

لكن أدالين، كما نراها اليوم، ليست سعيدة بشبابها الدائم، والفيلم يطلب منا ألا نتعجّب لذلك، فعلى عكس ما نتوقّعه إذا ما حدث لنا ما حدث لها، الحياة بلا عجز ولا شيب أو وهن تدعو للقلق، وفي حالتها، إلى الكآبة. سبب ذلك هي أنها لم تعد قادرة على ممارسة حياتها الاجتماعية. لا أصدقاء ولا أحباب والكثير من العزلة خوفًا من أن ينكشف أمرها.

«لقد تعبت»، تعترف في النهاية للمرأة التي أدركت سرّها «تعبت من الهروب». تسألها المرأة: «تهربين ممن؟ كل من تعرفينهم ماتوا». وهو السؤال ذاته الذي طرحته على نفسي جالسًا في عتمة الصالة بين نحو خمسين مشهدا معظمها من النساء. الجمهور الذي يتوجه إليه الفيلم أساسًا.

* ارتفاع عن سطح الواقع

لدى أدالين مشكلة حقيقية: ماذا لو التقت بمن قد تحب وتزوّجت منه وكبر هو وبقيت هي في مكانها؟ كيف سيكون شعور كل منهما حيال الآخر وقد بات كهلاً بعد عقود وهي ما زالت في مثل عمرها؟ هذه أسئلة مهمّة تطرحها أدالين مباشرة أو تنساب إلينا على نحو غير مباشر لتعكس الأزمة التي تعانيها. غيرها، مثل سوبرمان وباتمان والأرملة السوداء أو ووندر وومان أو سبايدر مان أو «ذا هلْك»،، تمتع بقدرات خارقة في الوقت ذاته. هؤلاء لا يكبرون لأنهم قدموا من كوكب بعيد أو تعرضوا للدغة سامّة أو لشحنة نووية أو لأن الأفلام قدمتهم على هذا النحو. لكن أدالين ليس لديها أي قدرات خاصة: لا تطير ولا توقف القطارات بيد واحدة أو توجه أشعة قاتلة لتنقذ الآخرين من الأشرار. هي امرأة عادية جدًّا باستثناء هذه الميزة التي لصقت بها صدفة.

الفيلم يقول كيف. لكنه يمضي سريعًا بالتفاصيل لأن لا شيء علميًا ممكن هنا. المشكلة هي أنه في الوقت الذي لا تملك فيه أدالين أي مزايا خارقة للعادة، لا تملك أيضا شخصية تستحق الاهتمام بها لأكثر من فترة تأسيسها. لباقي الفيلم هي شخصية مسطّحة غالبًا وبلا نتوءات تثير الاهتمام أو تعقد الأحداث على نحو تفاعلي حاد. لكن الأزمة تبقى سائدة. تطير فوق سطح الواقع على ارتفاع منخفض حتى لا يفلت الفيلم داخل الفانتازيا كثيرًا. هذا يتضّح جيّدًا من علاقة أدالين بتلك المرأة التي تذكّرها بأن لا شيء هناك يستدعي قلقها لأن كل من تعرفهم ماتوا.. طبعًا باستثنائها. لأن تلك المرأة ذات الشعر الأبيض والسن المتقدّمة ما هي سوى ابنة أدالين. تبدو أكبر سنّا من أمها الشابّة، لكنها أصغر منها في الواقع.

إنها معضلة أراد المخرج وكاتبيه معالجتها واقعيًا ومنحها طرحًا جادًّا كما لو أن مثل هذه الحالات ممكنة. ينطلق الفيلم من فكرة افتراضية (ماذا لو..) وينتهج أسلوبًا واقعيا. هذا يشبه معالجة ديفيد فينشر لفيلمه «القضية الغريبة لبنجامين باتون» (2008) فبطله (براد بت) يشهد حياة غريبة هي الأخرى إذ وُلد، حسب قصّة قصيرة كان ف. سكوت فيتزجرالد كتبها، عجوزًا ثم بدأ الحياة من تلك النقطة عائدًا إلى الرجولة ثم أخذ ينضوي رجوعًا إلى الشباب ثم إلى الطفولة. الفكرة هناك فانتازية خالصة، لكن معالجتها درامية جادّة لا تكترث كثيرًا لما حاول فيتزجرالد الرمز إليه إذ كان رأى أن العالم قد شاخ وأنه سيعود إلى بداياته بالتدريج ثم يموت.

«عصر أدالين» و«القضية الغريبة لبنجامين باتون» ليسا بالطبع الفيلمين الوحيدين الباحثين في تلك الثقوب الزمنية التي من المحتمل لإنسان ما إن يتسلل أو تجذبه هي، كما حال «الثقب الأسود» في الفضاء إليها من دون قرار منه. يمكن للمرء المتابع أن يُحصي ما لا يقل عن مائتي فيلم آخر تتعامل وموضوع خلود الفرد بما فيها أفلام دراكولا ذاتها.

* أصغر من ابنته

في الحقيقة دراكولا، قبل أن يكون مجرد شخصية مرعبة، هو تجسيد لذلك الادعاء بالخلود البشري. وُلد في عصر الاحتلال العثماني لأوروبا ونجا من سيوفه ليجد نفسه وقد أصبح شخصية وحشية لا تموت (إلا بشروط) ولا تشيخ تتجاوز أفعالها كل ما شهده من معارك ضد الأتراك في وسط أوروبا.

كما عهدناه في عشرات الأفلام هو مصاص دماء يعيش فقط على هذا الإدمان. لا يشرب شيئًا آخر ولا يأكل طعامًا. سيموت إذا ما طلع عليه ضوء النهار أو إذا ما تم طعنه بالصليب وهو نائم. بالتالي، ما نواجهه هنا هو جانب آخر من موضوع الشخص الذي توقف الزمن به فلا يشيخ ولا يستطيع أحد النيل منه بسهولة. الثقب الزمني هنا مرهون بإرادة شيطانية كون إحدى الوسائل القليلة المتاحة للتخلّص منه هو فعل ديني محض.

على أعتابه تم استخلاص الكثير من الحكايات. المخرج المستقل جيم يارموش قدّم قبل عام فيلمه الجديد «العشاق فقط بقوا أحياء» الذي لا يذكر اسم دراكولا، لكنه يقدّم حكاية عائلة صغيرة من مصاصي الدماء تعيش ضنك الحياة الحاضرة. ليست هناك تلك البهجة في طلب الدم ولا الرغبة في البقاء ولا الاكتراث لسرمدية الحياة. الأم (اسمها إيف/ حواء وتؤديها تيلدا سوينتون) والأب (آدم، ويؤديه توم هدلستون) عاشا منذ قرون ويمرّان الآن، وربما منذ عقود، بأزمة وجود.

هذا الموضوع الجاد بدوره يخرج من نطاق أفلام الرعب لأنه ليس مصنوعًا لها. كذلك ليس هو من تلك الأفلام المتفرّعة من الأصل الدراكولي والموجّهة إلى جيل تفترض هوليوود أنه لا يمانع مطلقًا فيما أن يكون مصاص الدماء شابًا بوسامة روبرت باتنسون أو أنثى بجمال كرستن ستيوارت، وذلك في السلسلة الناجحة «ملحمة توالايت» (2010 وما بعد).

لكن ما تطرحه أفلام مصاصي الدماء ليس الحديث في الزمن بقدر ما هو حديث في الأشخاص وهذا ما يؤلف منهجًا قائمًا بذاته على العكس من الطرح الجاد للفكرة الفانتازية البادية في «عصر أدالين» أو «القضية الغريبة لبنجامين باتون». مثلهما في هذا الطرح «بين النجوم» لكريستوفر نولان الذي كان عليه أن يختار حكاية تتعامل أساسًا والفضاء الخارجي لكي يثب على موضوع الزمن الشائك.

بطله (ماثيو ماكونوهي) يستجيب لنداء الواجب ويعود إلى الملاحة لعله يستكشف كوكبًا صالحًا لحياة البشر بعدما تم دك كوكبنا هذا بكل أنواع الدمار والتلوّث. عندما تدخل مركبته، بعد أحداث جسام، في ذلك الثقب الأسود يصبح أصغر سنّا من ابنته التي تركها طفلة. هذا الحال غير البعيد تمامًا عن حال بطلة «عصر أدالين» مفسّر هنا علميًا. فسرعة الزمن الخارجي لا تقاس بتلك التي على الأرض، وبالتالي العودة من الفضاء وهو ما زال على هيئته، بينما كبر كل من على سطح الأرض عشرات السنين مسألة قابلة للحدوث.

والتعامل مع هذا الجانب من الموضوع، وتقديم ثقوب زمنية تمنح المرء القدرة على الانتقال من عصره الحاضر إلى الأمس أو إلى المستقبل موجود منذ سنوات بعيدة. رواية ه. ج. وَلز «عربة الزمن» تحوّلت أكثر من مرّة إلى فيلم سينمائي أفضلها ذلك الذي أخرجه جورج بال سنة 1960 من بطولة رود تايلور في دور ذلك العالم الذي يخترع مركبة تستطيع نقله عبر الأزمنة فإذا به يزور عددًا منها في مغامرة كبيرة متواصلة.

المخرج المعتزل نيكولاس ماير قام بالاستناد إلى الحكاية ذاتها سنة 1979 عندما حقق «زمن وراء زمن» Time After Time ليتحدث عن بطله ه ج وَلز نفسه (كما قام بتمثيله مالكولم ماكدوول) الذي يطارد سفاح لندن من زمن لآخر مارًا بأكثر من عصر من دون أن يتقدّم هو أو السفاح عمرًا.

* حكاية نورما

من الثمانينات ألفنا اعتماد الموضوع الماثل هذا في سينما أفلام الحركة والمغامرة والخيال العلمي. أبطال شخصيات الكوميكس جميعًا لديهن عقد مع الزمن لا يستطيع أحد فك شيفراته. سوبرمان وباتمان وسبايدر مان وآيرون مان والشخصيات الأخرى جميعًا، كلها توقف بها الزمن لسبب أو لآخر. يكفي أن بعضها يستطيع الدوران حول الأرض في ثوانٍ. هذا تجميد للزمن. وعندما تستطيع ووندر وومان الوجود في نقطتين متباعدتين خلال ثوانٍ قليلة فهذا أيضا لعب على الزمن.

كل هذه الأفلام والكثير سواها مما ألف مسلسلات سينمائية معروفة من بينها «هيلاندر» و«رجال إكس» وقبلهما «الرجوع إلى المستقبل»، يطرح جانبًا موازيًا. البطل ذو القوى الخارقة لا يمكن أن يكون له أب («سوبرمان») أو أب حي («باتمان»، «سبايدر مان») وذلك في استلهام ديني واضح. كذلك فإن المفهوم يحمل عقدة أوديبية في خلفية الفيلم ولو أن الغالب هو تنفيذ قرار عدم التركيز على هذا الجانب حتى لا يعرقل الخط النفسي أو العاطفي سياق الأحداث وإيقاع سردها.

تلك التي دخلت على خط الفكري استفادت من وجود عملين بارزين في الخط العريض من هذا النوع هما رواية أوسكار وايلد «صورة دوريان غراي» التي عمدت إليها السينما منذ سنة 1916 وأكثرت منها في الستينات تلفزيونيا وسينمائيًا والأسطورة التي كتبت غير مرّة «فاوست» وكلاهما يتحدث عن عقد مبرم مع الشيطان يؤمن لكل من الشخصيّتين الأساسيّتين خلودًا من دون أي عجز أو وهن جسدي. ما تعاني منه أدالين في «عصر أدالين» كانت نورما دزموند تتمناه لنفسها.

ونورما هي الممثلة التي شاخت في فيلم بيلي وايلدر «سنست بوليفارد» (1950)، لكنها ما زالت موهومة بأنها نجمة والنجوم لا تذبل. في لفتة رائعة من فيلم التأم عليه ثلاثة كتّاب بارعين، بينهم تشارلز براكيت ووايلدر نفسه، نشهد قوس قزح بلا ألوان تعيشه امرأة تخشى فتح النافذة على الحقيقة. فنورما كانت نجمة شهيرة بالأمس (أدتها غلوريا سوانسون التي بدورها كانت نجمة كبيرة وانزوت) واليوم هي ذكرى. وهذا التناول يتعلّق أيضا بالزمن، لكنه التناول الخالي من الغش.

الشرق الأوسط في

09.05.2015

 
 

في الذكرى المئوية لميلاد المخرج صلاح أبو سيف

أمير العمري*

تحل في العاشر من شهر مايو الذكرى المئوية لميلاد المخرج السينمائي المصري الراحل صلاح أبو سيف، الذي أثرى السينما والثقافة العربية عموما، ولعبت أفلامه دورا رائدا في تطوير الفن السينمائي.

توفي صلاح أبو سيف في يونيو/حزيران 1996 عن 81 عاما، بعد مسيرة فنية استمرت نصف قرن قدم خلالها الكثير من الأفلام التي حفرت لها مكانا في ذاكرة عشاق السينما في العالم العربي، وأسس لمدرسة سينمائية جمعت بين الواقعية والرومانسية، وتميزت بالنظرة الاجتماعية النافذة، واعتبره معظم النقاد رائد الواقعية الأول في السينما العربية، وفي مدرسته تخرج الكثير من السينمائيين العرب.

وعندما ننظر اليوم إلى تراث صلاح أبو سيف السينمائي نجد أن السمة الرئيسية التي تميز الأعمال الراسخة التي تركها لنا هي تلك المزاوجة الفريدة بين عالمي الأدب والسينما، ربما بفضل العلاقة الإبداعية التي جمعته بالروائي الراحل نجيب محفوظ الذي ساهم في كتابة أفلام أبو سيف التي تتميز بالحس النقدي الواقعي.

نجيب وصلاح

ويمكن القول إن محفوظ تعلم من أبي سيف تقنيات الكتابة للسينما، في حين تعلم أبو سيف من محفوظ كيف يتناول الواقع من خلال نظرة نقدية.

وقد شكل الاثنان معا وحدة ثنائية سينمائية فريدة كانت وراء الأفلام التي اشتهرت بواقعيتها، ولا تزال حية حتى يومنا هذا مثل "لك يوم ياظالم" (1951) و"ريا وسكينة" (1953) و"الوحش" (1954) و"شباب امرأة" (1956).

وقد وصل تعاون هذا الثنائي إلى ذروته في فيلم "الفتوة" (1957)، الذي يحلل ببراعة الاستغلال الاجتماعي من خلال خصوصية العمل في سوق كبير للخضراوات في أحد الأحياء الشعبية بمدينة القاهرة، وكيف يتم توارث نظام الظلم والقهر من جانب الكبير على الصغير، وكيف يبقى الناس مسلوبي الإرادة أمام جبروت الطاغية الذي يتحكم في مصائرهم.

ولا شك أن محفوظ الذي عرف بموقفه الذي لم يكن مؤيدا لحركة الضباط في يوليو/تموز 1952، كان يسقط الكثير من خلال سيناريو هذا الفيلم على ما يحدث في مصر عموما في تلك الفترة.

ترجع أهمية أبو سيف إلى أنه كان أول مخرج في السينما العربية يتمكن من تحقيق تراكم سينمائي مميز خلال سنوات قليلة من العمل في السينما، يتميز بواقعية ما يطرحه في أفلامه من قضايا، بينما آثر من سبقوه الاكتفاء بفيلم واحد واقعي مميز قبل الاتجاه إلى السنيما التجارية السائدة.

"صلاح أبو سيف طور أسلوبه من فيلم إلى آخر، صانعا تراثا هاما من الأفلام التي رصدت الكثير من قضايا الواقع بعد الحرب العالمية الثانية، مرورا بمرحلة التغييرات الاجتماعية في المرحلة الناصرية، ثم مرحلة الوعي بعد هزيمة 1967"

حدث ذلك على سبيل المثال مع المخرج كمال سليم الذي لم يستطع قط أن يطور تجربته في فيلم "العزيمة" -الذي أخرجه عام 1939- في أفلامه التالية، كما اتجه المخرج المثقف كامل التلمساني بعد أن أخرج فيلمه "السوق السوداء" عام 1945 الذي يعد إحدى تحف السينما المصرية إلى إخراج أفلام أقل شأنا لا يتذكرها أحد اليوم.

واصل صلاح أبو سيف تطوير أسلوبه من فيلم إلى آخر، صانعا وحده تراثا هاما من الأفلام التي رصدت الكثير من قضايا الواقع بعد الحرب العالمية الثانية، مرورا بمرحلة التغييرات الاجتماعية في المرحلة الناصرية، ثم مرحلة الوعي بعد هزيمة 1967 كما تبدت في أفلام له مثل "القضية 68" الذي كان يوجه فيه نقدا لاذعا للتنظيم السياسي الواحد الذي كان يحكم مصر في عهد الرئيس عبد الناصر (الاتحاد الاشتراكي)، ثم في فيلم "حمام الملاطيلي" (1973) الذي كان يقدم صورة قاتمة لمجتمع الهزيمة ملقيا اللوم هذه المرة، ليس على السلطة، بل على أفراد الطبقة الوسطى الذين استغرقوا في الهروب من مواجهة ما يحدث في الواقع من تجاوزات، مفضلين النجاة الفردية بلا جدوى.

مقص الرقيب

وقد تعرض الكثير من أفلام صلاح أبو سيف للرقابة، فقد منعت الرقابة عرض أول أفلامه، وهو فيلم قصير بعنوان "نمرة واحد" أخرجه عام 1942 بسبب أسلوبه الكوميدي في تناول موضوع الموت.

وعادت الرقابة ففرضت على أبو سيف وضع لوحة في نهاية فيلم "الأسطى حسن" (1952) تقول إن "القناعة كنز لا يفنى"، كما أصرت الرقابة على ضرورة وضع لوحة في مقدمة فيلم "الوحش" (1954) تشير إلى أن أحداث الفيلم وقعت "في أقاصي الصعيد في الماضي".

وفي مدخل فيلم "شباب امراة" (1956) اضطر أبو سيف إلى وضع لوحة تقول إن الفيلم "مهدى إلى كل شاب يأتي من الريف إلى المدينة حتى يتعظ".

وواجه فيلم "القضية 68" غضبا شديدا من جانب السلطات، فقامت الشرطة بمحاصرة دار السينما التي كانت ستبدأ في عرضه، واعتدى رجال الأمن على أبو سيف بالضرب، ولم يتم السماح بعرض الفيلم إلا بعد تدخل مباشر من عبد الناصر تجنبا لاستخدام منع الفيلم للإساءة إلى النظام.

وواجه فيلم "حمام الملاطيلي" (1973) أزمة مع الرقابة بسبب مشاهده الجريئة التي تعرض للتفسخ الاجتماعي السائد في أوساط الطبقة الوسطى.

"استبعاد تجسيد شخصية إخوانية من فيلم "القاهرة 30" جاء بسبب وجود أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في المعتقلات وقت إعداد الفيلم، حيث اتفق أبو سيف مع نجيب محفوظ على ذلك حتى لا يُنظر إلى الفيلم وكأنه يؤيد السلطة في موقفها من الإخوان"

وقال أبو سيف إن الرقابة رفضت سيناريو فيلم "القاهرة 30" (1966) سبع مرات ولم تسمح به إلا في منتصف الستينيات شريطة تغيير اسمه من "القاهرة الجديدة"- وهو اسم رواية نجيب محفوظ المأخوذ عنها- إلى "القاهرة 30".

ويصور الفيلم الأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة في القاهرة في الثلاثينيات، رابطا على نحو فريد بينها وبين الفساد السياسي في أجهزة السلطة. وقد أصرت الرقابة على تغيير اسم الفيلم حتى لا يوحي بأنه ينتقد أوضاع "القاهرة الجديدة".. أي فيما بعد حركة الضباط في يوليو 1952.

ويذكر الباحث الإيطالي كورادو كيارنتين في مقدمة دراسة الماجستير التي أعدها عن "سينما صلاح أبو سيف" أن الرقابة كانت وراء حذف شخصية "مأمون رضوان" أحد أبطال الرواية الأربعة، وهي الشخصية التي ترمز إلى عضو جماعة الإخوان المسلمين، لكن أبو سيف قال فيما بعد إن استبعاد هذه الشخصية من الفيلم جاء بسبب وجود أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في المعتقلات وقت إعداد الفيلم، وإنه اتفق مع نجيب محفوظ على ذلك حتى لا يُنظر إلى الفيلم وكأنه يؤيد السلطة في موقفها من الإخوان!

كان أبو سيف يهتم كثيرا باختيار أماكن التصوير المميزة، وبالممثلين الذين ساهم في اكتشاف الكثير منهم، وكانت أفلامه تمتلئ بالتشبيهات والاستعارات التي كانت جديدة على السينما، وكان يتصف بالروح العصامية والصبر والقدرة المدهشة على الإنصات لمحدثيه والاستفادة مما يقوله الآخرون من رجالات الفكر والثقافة في عصره.

وقد صدرت عنه مجموعة كبيرة من الدراسات والكتب والأبحاث الجامعية في مصر وتونس وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

* كاتب وناقد سينمائي

الجزيرة نت في

09.05.2015

 
 

13 عاماً على رحيل «الفارس»

أمجد مصباح

مر أمس 13 عاماً علي رحيل أحد رموز السينما المصرية أحمد مظهر، والذي أطلق عليه فارس السينما، الذي أبدع علي مدار أكثر من 40 عاماً عشرات الروائع السينمائية، رغم بدايته المتأخرة نسبياً، حيث ترك الحياة العسكرية للتفرغ للفن.

المعروف أن أحمد مظهر قد تخرج في الكلية الحربية 1938 دفعة الزعيمين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، وكان قريباً جداً منهما.

بدأ مشواره السينمائى في النصف الثانى من الخمسينيات. كانت بدايته الحقيقية فى دور الأمير علاء فى فيلم «رد قلبي» وجذب الأنظار إليه بشدة وكان ذلك عام 1957، وأصبح أحمد مظهر أحد فرسان السينما، تنوعت أدواره بين الرومانسية والأدوار التاريخية والكوميدية أحياناً.

في المرحلة الأولى تألق بشدة في أفلام «دعاء الكروان» و«الطريق المسدود» مع فاتن حمامة، و«النظارة السوداء» مع نادية لطفى، و«غرام الأسياد» مع لبنى عبدالعزيز، و«مع الذكريات» مع مريم فخر الدين، و«غصن الزيتون» و«الجريمة الضاحكة» مع سعاد حسنى.

في عام 1962 قام أحمد مظهر ببطولة فيلم هو الأضخم إنتاجاً في تاريخ السينما المصرية «الناصر صلاح الدين» حيث جسد شخصية صلاح الدين الأيوبى القائد العربى المنتصر بمستوى لا يقل عن أي فنان في العالم.

كما برع أيضاً في تجسيد شخصية القائد سيف الدين قطز في فيلم «واإسلاماه» ولا ننسي أدواره الأخرى فى حقبة الستينيات في أفلام: «الأيدى الناعمة» و«الزوجة العذراء»، و«أنا بريئة»، و«اللقاء الثانى»، و«نادية»، و«لصوص لكن ظرفاء»، و«القاهرة 30».

وفى حقبة السبعينيات قدم أدواراً مختلفة تماماً فى أفلام: «الشيماء» و«إمبراطورية ميم» و«كلمة شرف» و«العمر لحظة» و«شفيقة ومتولى».

لن ينسي التاريخ لأحمد مظهر رفضه لتجسيد شخصية خالد صفوان في فيلم «الكرنك» 1975 لشعوره أن هذا الدور يتعارض مع صداقته للزعيم عبدالناصر، لدرجة انفعاله علي كاتب السيناريو الراحل ممدوح الليثي لمجرد عرض هذا الدور عليه.

في حقبة الثمانينيات والتسعينيات قل إنتاجه نسبياً، ولم يشارك سوى في عدد محدود من الأفلام منها: «النمر الأسود» و«سيدة الفندق» و«حكاية في كلمتين»، كما قدم مجموعة من الأعمال الدرامية، منها مسلسلات «محمد رسول الله» و«ضمير أبلة حكمت» و«ليالى الحلمية».

أحمد مظهر يعتبر حالة فريدة في تاريخ السينما، فارس بمعني الكلمة، كان محل احترام وتقدير الجميع بحسن الخلق والتعامل الراقى مع الجميع، أعماله السينمائية ستظل خالدة في زمن كان بحق عصر السينما الجميل، رحل يوم 8 مايو 2002 عن عمر ناهز الـ85 عاماً.

الوفد المصرية في

09.05.2015

 
 

«الهايكو» و«نصبة» و«بتول» و«ما تبقي» يحصدون جوائز «لقاء الصورة » 2015

القاهرة ـ «سينماتوغراف» : محمد البحيري

أعلنت لجنة تحكيم الدورة الحادية عشر لمهرجان لقاءالصورة المقام بالمعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة الأفلام الفائزة في مسابقة المهرجان لعام 2015، وهى 3 أفلام من بين 24 فيلما.

وأكد الناقد السينمائي الطاهر الشيخاوي أن اللجنة اتفقت على منح جائزة المهرجان للثلاثة أفلام بالتساوي وهي فيلم «الهايكو» للمخرجة رانيا فؤاد، وهو تحريك بتقنية الروتوسكوب، كما أنه تأويل متعدد الطبقات لثلاث نصوص متشابكه تضم شعر الهايكو من الشرق، وصوت وصورة من الغرب، ويتسم الفيلم بأسلوب يعكس حالة ذهنية غير محددة وموضوعه يتسم بالحزن.

وفيلم «نصبة» للمخرج ابانوب نبيل، والذي يتناول قصة شاب يبلغ من العمر 29 عاما من الطبقة المعدمة، ليست له أي علاقة بالسياسة ولا يدري ما كان منتظر حدوثه خلال الثورة المصرية، تدفعه الظروف للتواجد في أحد الأزقة الخالية من الناس، ويجد اثنين من الرجال، فيقرر الانتظار معهما لحين مطلع الفجر.

 وفيلم «بتول» للمخرج إيهاب عبده وهو روائي قصير، يركز على المجتمع المنغلق الذى يدفع الناس لكسر قواعده.

 كما منحت شركة اروما – التي تتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي في إقامة المهرجان –  جائزة أخرى لفيلم «ما تبقي» للمخرج سعد سمير وهو فيلم روائي صامت، انتاج عام 2014، وتدور أحداثه من خلال رجل يحاول التأقلم مع حياته العائلية بعد حادث سيارة تعرض له، والجائزة عبارة عن دعم كامل في مرحلة الانتاج وما بعد إنتاج للفيلم المقبل للمخرج.

 وقالت «نوعيمى كان» مسئولة المهمات الثقافية بالمعهد الثقافي الفرنسي في تصريحات خاصة لـ«سينماتوغراف»إن الجوائز المقدمة للثلاثة أفلام الفائزة في الدورة الحادية عشر لمهرجان لقاء الصورة، هي دعوة شاملة يقدمها المركز الثقافى الفرنسى لمخرجى الأفلام الثلاثة لحضور ثلاثة مهرجانات دولية وهي Premier plan، Entrevves de Belfort ، ANNeCY (Animation).

وفي ذات السياق قالت لجنة التحكيم إنها ترى أن الجوائز التي تمنح لهذه الأفلام  الثلاثة لا يصبح اعتبارها حكما أكاديميا أو جرفا نهائيا بأفضلية فيلم عن آخر لأن طبيعة العمل الفني يمكن النظر إليها من عدة زوايا.

يذكر أن المهرجان عرض اليوم  الجمعة، فيلم «التصويب على الهدف والتوجيه» من إخراج أليزابت لوفري وهو إنتاج فرنسي عام 2013، وتبعه عرض الفيلم التونسى «بيدون 2»، إخراج الجيلاني السعدي، إنتاج 2014.

ممثلة فرنسية تحشر الأمير هاري في فيلم دون علمه

باريس ـ «سينماتوغراف»

جازفت الممثلة الفرنسية كميل كوتين، التي تؤدي دور إمرأة باريسية متهورة في فيلم كوميدي، بتسلّق بوابات قصر كنسينغتون في لندن، معلنة رغبتها بالزواج من الأمير هاري، وهذه المجازفة كلّفتها ليلتين في السجن.

اُحتُجِزَت ممثلة فرنسية شابة بسجن بريطاني على مدار ليلتين، بعدما قامت بتسلق بوابات قصر كنسينغتون في لندن مرتديةً حذاء بكعب عالٍ لكي تقوم سراً بتصوير فيلم كوميدي عن امرأة باريسية متهورة تود الزواج من حفيد ملكة إنكلترا الأمير هاري.

وشهد الفيلم الذي طرح باسم Connasse: Princesse des coeurs اصطفاف أعداد كبيرة من الفرنسيين أمام دور السينما لمشاهدته، وقدّرت وسائل إعلام محلية تلك الحشود بحوالي 500 ألف شخص، هرولوا جميعهم إلى متابعة أحداث الفيلم (الذي تم تصويره بالكامل بواسطة كاميرا خفية)، وذلك خلال الأسبوع الأول من عرضه.

وتدور قصة الفيلم حول امرأة باريسية لا تطاق، تقوم بدورها الممثلة كميل كوتين، التي أتمت لتوها عامها الـ30، وقررت أنها باتت تمل من استخدام وسائل المواصلات العامة، ودفع الضرائب، أو أي من مشاكل الحياة اليومية التي يواجهها البشر.

وللحصول على المشاهد التصويرية التي تريدها للفيلم، كانت كوتين على استعداد للقيام بأي شيء، لدرجة أنها وافقت على تسلق بوابة قصر كنسينغتون في لندن. ورغم توقعها صعوبة ذلك الأمر، إلا أنه قد ثبت لها أنه أسهل مما كانت تتوقع أو تتصور.

وقالت في تصريحات أدلت بها لموقع ألوسين المهتم بأخبار السينما: «كنت أخشى أن يتم إلقاء القبض عليّ حتى قبل أن أضع أصابعي على البوابة. لكني بقيت هناك لمدة 10 دقائق وأنا أنادي (هاري! هاري !) دون أن تسمع الشرطة أي شيء من ذلك».

وحين حضرت الشرطة وطالبتها بالنزول، قالت لهم: «هل لكم أن تفتحوا لي الباب؟ أريدكم أن تحضروا لي هاري».

وكما كانت تأمل هي وطاقم إخراج الفيلم، فقد تم اقتيادها في الأخير إلى قسم الشرطة من أجل استجوابها والتحقيق معها بخصوص ما حدث.

وقضت الممثلة ليلة ثانية في السجن، بعد اقتحامها مراسم تغيير الحرس الشهيرة خارج قصر باكنغهام، لرغبتها في أن تظهر بالفيلم وكأنها تملك القدرة على العمل كمسؤولة عن الحركات الجسدية لأفراد الحرس، في محاولة من جانبها للظفر بقلب هاري.

ولخشيتها من أن يتم منعها من تصوير أية مشاهد أخرى، اضطرت كوتين إلى إخبار الشرطة بأنها كانت تقوم بمشاهد تمثيلية لإدراجها بحفلتها الخاصة بتوديع العزوبية.

وأضافت أنها اضطرت لعرض الفيلم على محامين بريطانيين أبدوا إعجابهم به. لكن لم يتضح ما إن كان الأمير هاري يعلم مشاركته بطولة هذا الفيلم أم لا.

ملتقى سيدي قاسم للسينما المغربية يبدأ 14 مايو

المغرب ـ «سينماتوغراف»

تنظم جمعية النادي السينمائي لسيدي قاسم ما بين 14 و18 مايو الجاري الدورة السادسة عشرة لملتقى سيدي قاسم للسينما المغربية، وذلك تحت شعار «السينما من أجل تنمية الوعي الاجتماعي والجمالي».

وصرحت إدارة الجمعية أن حفل افتتاح المهرجان سينطلق يوم 14 مايو (السابعة مساء) بالقاعة الكبرى لبلدية سيدي قاسم بتكريم لطيفة نمير وتقديم المشاركين في مسابقة محمد مزيان للسينمائيين الهواة، وعرض الفيلم القصير «الخبز المر» للمخرج حسن دحاني، ويعقبه الفيلم الطويل «وداعا كارمن» للمخرج محمد أمين بنعمراوي.

ويتواصل المهرجان يوم 15 مايو بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بتنظيم ورشات حول «القراءة الفيلمية» من تقديم بوشتى فرق زايد وإدريس القري وعبد الرزاق الزاهر لفائدة طلبة المركز، وورشة المونتاج الرقمي لفائدة الهواة من تقديم جمال لمودن بمدرسة العقيد العلام عبد القادر، وورشة التصوير لفائدة تلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي من تقديم مراد خلو بمقر دار العجزة.

ويتم الاحتفاء بـ«ليلة االفيلم المغربي القصير» ابتداء من السابعة مساء بالقاعة الكبرى للبلدية، بعرض فيلم «رحلة في الصندوق» لأمين صابر (خارج المسابقة)، وعرض 10 أشرطة للمخرجين الهواة المشاركين في مسابقة محمد مزيان 11 للسينمائيين الهواة، وهي «أفراك» لمصطفى عبايد، و«المياوم» لمحمد الوالي كمال، و«النفق» لخالد الغرد، و«المحفظة السوداء» للمداني عدادي، و«أناروز» لمصطفى اوكويس، و«الإغراء الأخير» لإدريس بوصرحان، و«داخل الإطار» لنبيل جوهر، و«نكهة التفاح» لإدريس الباين، و«الطريق المجهول» لرشيد سعايدي، و«الظرف» لمراد العباري، وعرض الفيلم القصير «الطفل والخبز» لمحمد كومان (خارج المسابقة).

يحضر هذا الاحتفاء بالفيلم المغربي القصير أعضاء لجنة تحكيم مسابقة محمد مزيان، التي يترأسها المخرج سعد الشرايبي، وتضم في عضويتها الناقد السينمائي بوشتى فرق زايد والفنانة سهام أسيف ولطيفة نمير، ولجنة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية المكونة من عبد السلام هليلي وعبد الكريم واكريم وحسن وهبي.

ويتم صباح يوم 16 مايو بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين تنظيم «ماستر كلاس» للمخرج سعد الشرايبي، وحفل توقيع إصدارات سينمائية تتمثل في كتاب «مفتاح نظرية السينما» من إصدار الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ترجمة محمد عبد الفتاح حسان ونور الدين بوخصيبي وبوبكر الحيحي، وكتاب «محمد مزيان … سينمائي وحيد متمرد» من إصدار جمعية النادي السينمائي بسيدي قاسم وإعداد أحمد سيجلماسي وتقديم فريد بوجيدة، وبقاعة الخزانة البلدية أفلام سينمائية للأطفال، وحفل تكريم الفنانين ثريا العلوي ونوفل براوي (ابتداء من السابعة مساء) بالقاعة الكبرى لبلدية سيدي قاسم مع عرض الفيلمين القصيرين «رحيل» و«سراح مؤقت» والفيلم الطويل «يوم وليلة» للمخرج نوفل البراوي ومن بطولة ثريا العلوي.

أما يوم 17 مايو (10 صباحا) بقاعة الخزانة البلدية، فيتم تنظيم أفلام صباحية سينمائية للأطفال، ويتم في السابعة مساء بحديقة شارع الرباط بواسطة القوافل السينمائية عرض الفيلم القصير «جمعة مباركة» لأسماء المدير، والفيلم الطويل «عطش» للمخرج سعد الشرايبي.

ويتم يوم 18 مايو يتم عرض فيلمين قصيرين «جمعة مباركة» لأسماء المدير و«دنيا» لجنان فاتن المحمدي والفيلم الطويل «عطش» للشرايبي.

ويختتم ملتقى سيدي قاسم للسينما المغربية، في نسخته 16، بعرض الفيلم القصير «الخبز المر» للمخرج حسن دحاني وعرض الفيلم الطويل «يوم وليلة» للمخرج نوفل براوي، وذلك بموازاة مع تنظيم معارض للكتاب السينمائي وآلات التصوير السينمائي والفوتوغرافي وملصقات الأفلام وبعض المنتجات الفنية.

سينماتوغراف في

09.05.2015

 
 

"رقصة الواقع" سيرة ذاتية وخيال مُجسد من الواقع

زكريا حسن

رقصة الواقع The Dance of Reality فيلم  ناطق بالإسبانية من إنتاج عام 2013وهو من نوعية  السيرة الذاتية وهي هنا خاصة بكاتب ومخرج الفيلم  أليخاندرو خودوروفسكي.

 ما يميز الفيلم هو دمج السيرة الذاتية  بالخيال (الفانتازيا) وهنا الخيال ليس لمجرد الخيال  فبعض الأحداث و الشخصيات التي تبدوا خياليه بمواقفها واحياناً بمظهرها هي تُمثل انعكاس للواقع  بالنسبة للكاتب بمدلول  نفسي وفلسفي بمعنى انه  يريد  تغير شكل الواقع  في سيرته  الذاتية  الى خيال بمفهومة من خلال الأحداث وشكل الشخصيات , ففي اللوحة الدعائية، وهي من المشهد الاخير بالفيلم تقف بعض الشخصيات من الفيلم وهي التي  تُمثل رؤيه وفلسفة  المخرج من الواقع  وتقف خلفها شخصيات غير ظاهرة الوجه هي التي تُمثل الواقع بشكل تعبيري كالشخصيات التي تسير في الفيلم مرتديه أقنعة فالرقصة في اسم الفيلم  لها  معنى مجازي  تعكس فلسفته للواقع من خلال الخيال الذي اراده لسيرتة الذاتية وهذا الاسلوب  جعل الفيلم مختلفا وخاصا جدا .

مُعاناة نفسية للجميع 

يُعبر أليخاندرو في النصف الأول من الفيلم عن مرحلة طفولته المتخبطة وعلاقته بأبية وامه، في العائلة اليهوديةذات الأصول الأوكرانية المهاجرة لتشيلي موقع أحداث الفيلم،وهنا معنى التعبير مبني على مزج الواقع وهو السيرة الذاتية بالخيال، وهو هنا له بعد نفسي وفلسفي  داخل إطار درامي، وتعكس الألوان  المستخدمة  في بعض المشاهد  البعد الدرامي والنفسي واحيانا أخرى تعكس الرؤية الخيالية.

في النصف الاول من الفيلم تؤثر جوانب  شخصيه الاب خايمي من انتمائه السياسي ومعتقده الديني وفكره الجنسي على ابنه وزوجته فشخصية الاب المنتمي  للشيوعية والمتأثر بستالين بالإضافة لقوته وقسوته التي تظهر في معاملته للعامة ولزوجته وبشكل خاص لابنه فهو يريده  بصوره معينه ويضعه في عده  اختبارات للوصول لهذه الصورة التي بمخيلته ليصبح شخصيه قوية. وهو يعامل زوجته معاملة سيئة غيرادميه بجانب إيحاءاتهالجسدية واللفظية الجنسية الفجة.

أما الأم  فهي  الحالمة التي تتحدث في كامل حوارها بالفيلم بالغناء بشكل اوبرالي بطريقة ساحرة وخيالية متماشية مع افكارها ومعتقداتها الروحانية، وهنا تظهر  فلسفه المخرج للشخصية انها واقعيه كأم ولكن بفكره هو ورؤيته الخيالية للشخصية،  فهي مع حبها لابنها وزوجها على الرغم من معاملته السيئة لها فهي الزوجة المقهورة  التي لا تعرف كيف تدافع عن نفسها او عن ابنها فيظهر أليخاندرو خودوروفسكي في الفيلم وهو في سنه الحالي بجانب نفسه وهو طفل في الفيلم  في لحظات مهمه نفسية ومعنوية فهو لم يجد احدا يقف بجانبه في تلك اللحظات فقرر ان يقف هو بجانب نفسه.  

في احد المشاهد  عند ذهابه للبحر لكي  يُخرج  غضبه الداخلي عندما وصف بالشاذ برمي الأحجار في البحر تظهر له ملكه الكؤوس وتنهاه عن فعل ذلك ليجد البحر قد القى بكميات كبيرة من سمك السردين على الشاطئ وتأتي كميات كبيرة من طيور النورس  لتأكلها ثم يأتي الناس يهاجمون الطيور لأخذ السمك ويظهر أليخاندرو خودوروفسكي وهو في سنه الحالي مع نفسة وهو صغير ويدور حوار نفسي:

شعرت بالحيرة هل عليَ أن أتعذب بغم السردين أم أسعد لبهجة النوارس؟   

الكفة مالت لصالح غم السردين عندما رأيت النوارس تحرم من وليمتها..

في ذلك العالم الذي أشعر بأني غريب فيه  كل شيء كان مترابطًا.. نسيج من المعاناة والإبتهاج .  

وأي مشهد  وقوفه مع اليخاندرو وهو صغير يحاول الانتحار من فوق الصخور على البحر ومحاولة منعه  من خلال الحوار النفسي ايضا مع استخدام  اللونين الازرق والابيض وزاويه الكاميرا لاندماجهم مع السماء كأنهم طيور محلقه  بأرواحهم.

ربط الأجزاء الخيالية بالواقع من خلال تسلسل الاحداث تمت بشكل سلس ومعبر وجيد وايضا التعبير النفسي الظاهروغير الظاهر داخل أليخاندرو الطفل واخراجه من خلال أليخاندرو  وهو في سنه الحالي .

سلام داخلي   

الجزء الثاني من الفيلم  يصور رحلة خايمي التي تتبدد بها افكاره السياسية والدينية و تُحول  شخصيته ويرى خلالها ما يغير تفكيره  بالتدريج فهي في بدايتها عكس نهايتها.  

يذهب خايمي لقتل الرئيس التشيلي كارلوس إيبانيز لإنه يراه ديكتاتورا لتظهر ازدواجية خايمي فأفعاله  افعال  ديكتاتور وفي نفس الوقت يكره كارلوس إيبانيز الديكتاتور. وكان الهدف من اغتياله تمهيد في النصف الاول من الفيلم وفجر لحظه القيام بقتلة بعد اصابة خايمي بالطاعون وكان على وشك الموت فأحس  بما يعاني به المجموعة المصابة  بالطاعون المهملين والمنبوذين حتى الماء لا يقدرون على الحصول عليه فذهب اليهم بالماء وتمت العدوى. وهنا كان للألوان دور فملابس المصابين بالطاعون والشمسيات التي يحملونها ولون الارض التي كانوا يقفون عليها امام البحر وملابس خايمي جميعها في لون واحد فهي بشكل رمزي، لون الموت فالمصابون بالطاعون اموات لا محاله بطبيعة الحال في وقتها، وايضا خايمي توفي  كتفكير واعتقادات بشكل مبدئي عندما بدل ملابسه مع عامل الاسطبل وقام  بدفنه ووضع له شاربا وكأن تلك البذلة لابد لها من الشارب فهو  شارب الديكتاتورية مثل ستالين و كارلوس إيبانيز. ومن بعدها بدأ عقله الباطن بالتحرك نحو وعيه فيحدث نفسة عند نومه ليقول عن كارلوس إن جرائمه ليست نتيجة نفس آثمة بل بسبب كرمه المغمور ليستيقظ ويعنف نفسه فهو مازال يقاوم افكاره وعند محاوله اغتياله كارلوس تصب يده بالشلل.

يأتي بعد ذلك بشكل متزامن من خلال تتابع الأحداث تعامل الام مع اليخاندرو دون وجود الاب فاليخاندرو يواجه بعض المشاكل فتقوم والدته بحلها بأسلوب به سلام روحي ونفسي وبشكل ساحر وخيالي تركت تأثيراً واضحاً على شخصية أليخاندرو، ومن ثم  يتوقف ظهور أليخاندرو وهو في عمره الحالي لحظة ليرى ان والدته تقف بجانبه وهو طفل.

ومن خلال تلك الاحداث تمر الايام على خايمي ليظهر بلحية وبشعر طويل يشبه المسيح وعلم تشيلي  مطلي على ذراعيه وبِحاله يرثى لها، وفي هذا المشهد يتضح انه مع مرور الزمن قد فقد الذاكرة ثم عادت اليه وكأنه ولد من جديد  ولكن مازالت  يده مشلولة.

يقوده القدر نحو مواقف واحداث تقوم بشكل تفسي بتطهيره  فيذهب بالصدفة للعمل نجار يقوم بمساعدتة  في محنتة ويتعلم منه دروسا انسانيه من خلال الدين ثم يذهب معه الى الكنيسة للتبرع لها بكراسي قاموا بصنعها ويحضر مراسم دينيه ويشارك بها بصدق روحاني كأنه تطهير لروحه من الحاده، وبعد ذلك يقع خايمي في يد  جماعة نازية موالية للرئيس كارلوس إيبانيز ويتم القبض عليه وتعذيبه  بقسوة وعنف وكأنه تطهير لشخصيتة العنيفة القاسية. وبعد معاناته يتم تهريبه الى بلدته بعد تنازل الرئيس عن الحكم ويعود لمنزله وللمرة الثانية تعالجه زوجته بشكل نفسي و هذه المرة من شلل يده عن طريق تخليصة وبشكل نهائي من افكاره السابقة ليظهر بعد ذلك بملابس غير التي اعتادها، وهو يحتضن زوجته بشكل رومانسي ومعهما اليخاندرو ليحل السلام الداخلي لجميع الشخصيات المتخبطة التي تعاني ويُستكمل تكوين شخصية   اليخاندرو بشكل جديد.

ينهي  أليخاندرو خودوروفسكي الفيلم بمشهد يظهر به وهو في سنة الحالي وفي نهايتة يقف خلف الشخصية التي ترتدي الهيكل العظمي باللون الأبيض والأسود التي ترمز للموت امام  اليخاندرو وهو صغير بملابس رجل الإطفاء حين حلم بالموت وبجانبه شخصيات الفيلم باللون الأبيض والأسو، ويقف من خلفهم الشخصيات الرمزية  فالرمزيه بالنسبه له تُكمل رؤيته.

عين على السينما في

09.05.2015

 
 

"ذيب": الصحراء خارج الكادر الاستشراقي

فراس خوري*

يروي فيلم "ذيب" قصة الفتى ذيب، ورحلته مع أخيه الشاب في صحراء شبه الجزيرة العربية. في عام 1916، تقع على حسين، أخي ذيب، مهمة إرشاد ضابط إنجليزي من أجل مهمة غامضة، ينضم ذيب إلى هذه الرحلة التي ستغير مجرى حياة كل المشتركين فيها.

بغضّ النظر عن قصد أو وعي الكاتب والمخرج للآتي، إلا أن فيلم "ذيب" للمخرج الأردني ناجي أبو نوار (يعرض في فلسطين هذه الأيام) يظهر وكأنه دمجٌ موفق لمكونات أساسية لثلاثة أنواع سينمائية كلاسيكية في فيلم عربي واحد، والأهم أن شخصياته كانت تعيش في بدايات القرن الماضي.

أفلام رعاة البقر(Western): هذا النوع من الأفلام هو أميركي أصلاً، اشتهر حتى فترة ستينيات القرن السابق. عادة ما تدور أحداثه في الصحراء الغرب-أميركية، حيث يلعب خلاء البادية دوراً مركزياً في قصة الفيلم. الشر في هذه الأفلام منفلت ولا من يكبحه، فالسلطة المركزية تبدو دائماً ضعيفة أمامه.

تدور أحداث قصص رعاة البقر عادةً في فترة بُعيّد الثورة الصناعية، فهناك إذاً صراعٌ بين القديم والحديث الذي غالباً ما يتمثل بسلطة القانون التي تحاول تطويع البرية للحضارة. كما أن صراع الحضارات ماثلٌ في العديد من هذه الأفلام، يكون هذا الصراع عادةً بين السكان الأصليين، والذين يصورون كتقليديين وهمج، مقابل المستعمِر الذي يُصوّر العاقل الذي عليه الاختيار دوماً بين الخير والشر.

"صُوّر الفيلم من وجهة نظر بطله البدوي"

يطرح فيلم ذيب ويعالج، بكل وضوح، كل ما ذُكر أعلاه. غير أنه يجري تعديلاً وتصويباً تاريخياً جذرياً لسرديات أفلام رعاة البقر الأميركية. ففي الوقت الذي توصف محاولات تطويع البرية للحضارة في أفلام "رعاة البقرة" كفعلٍ إيجابيٍ، ويكون السكان الأصليون (الهنود الحمر) أعداء تلك المحاولات؛ فالأمر معكوسٌ تماماً في "ذيب".

صوّر الفيلم من وجهة نظر السكان الأصليين أو أهل المكان، بدو صحراء شرقي الأردن. يصف "ذيب" دخول الأجنبي (التركي أو الإنجليزي) بحضارته وحداثته كفعل كارثي يزعزع النظام المجتمعي، ويطوّر نزاعات داخلية، ويؤدي إلى الموت والدمار.

اللقطة الأخيرة في الفيلم، هي إيماءة واضحة لأفلام رعاة البقر. البطل الذي يمتطي حصانه - جَمَله في حالتنا - ويسير بالفلاة صوب الأفق.

أفلام البلوغ (Coming of Age): يعالج هذا النوع من الأفلام عادةً قصص طفل/مراهق (عادةً ذكر)؛ يمرّ خلال قصة الفيلم بمغامرة توصله، رمزياً، في النهاية إلى بلوغ سن الرشد. أي أنه يتحّول من طفل الى رجل، وما يتبع ذلك من تحمل مسؤوليات واتخاذ قرارت مهمة.

يمكن رؤية دلالات واضحة لهذه القصة في فيلم ذيب، حتى أن كاتب السيناريو استعمل أعرافاً سينمائية مألوفة في قصته. فالطفل ذيب في البداية لا يخوّل لاستعمال البندقية، وحين يُمتحن في المرة الأولى في منتصف الفيلم، يَفشل بإطلاق النار، حتى ينجح بالنهاية بفعلته فيستعمل المسدس ويصيب الهدف.

الطفل، الذي لم يستطع ذبح الماعز في بداية الفيلم، سيتحوّل إلى رجل يطلق النار ويقتل المجرم. كلها تحولات واضحة للشخصية المركزية والانتقال من العجز والاتكال عند الطفل، إلى القرار والتنفيذ عند الرجل.

في بداية الفيلم يتوه ذيب في الصحراء، فهو إذاً "لا يعرف طريقه"، ثم وبعد الصعاب والمصائب؛ يتعلّم كيف يقرأ النجوم ويعرف طريقه في الصحراء. حتى أنه في النهاية يركب جَمَلَه وحده، ويسافر واثقاً من أنه "يعرف الطريق".

الطريق في القصص هي دائماً رمزية (طريق الإنسان/حياته) وعملية (جغرافيا الرحلة) وهذا ما ينقلنا إلى النوع الثالث.

أفلام السفر (Road Trip): الحياة هي رحلة، هذا هو لبّ أفلام السفر دائماً. هذه الرحلة مليئة بالمصاعب، ولكن كلها تجارب يمكن للمرء أن يستفيد ويتعلم منها. في أفلام السفر، الشخصية المركزية دائماً تكتشف عن نفسها وعن بيئتها أموراً جديدة، ثم تتصالح وتتقارب من بيئتها.

خرج الطفل من البيت في رحلة، ولن يعود إلى البيت نفس الشخص الذي خرج. الرحلة منذ خطواتها الأولى متعثرة وصعبة، وكلما مر الوقت، ستزداد صعوبة وقسوة. ولكن في النهاية، كل ما مر به ذيب في الرحلة، لم يزده إلا قوةً وصلابةً.

لم يقع ناجي أبو نوار في فخ الاستشراق الذاتي الذي يقع فيه العديد من المخرجين حين يصورون بيئتهم البدائية. وإذا ما قسنا الفيلم بحسب أبطاله (وهذا ما أوجب فعله دائماً)، فسنجد أنه قد صوّر من وجهة نظر بطله البدوي، الذي ظهر عند أبو نوار كإنسان لا يشعر بالدونية أمام الأجنبي. وهو ما يحسب للمخرج والكاتب.

* سينمائي من فلسطين

العربي الجديد اللندنية في

09.05.2015

 
 

Millennium Trilogy.. فتاة وحيدة في عالم الرجال

علياء طلعت – التقرير

قدم ستيغ لارسن لعالم الأدب ثلاثية مختلفة، أنصفت المرأة بطريقة لم يعتدها أحد؛ فلم تظهر الأنثى في رواياته مهيضة الجناح تحتاج من يعينها ضد من اعتدى عليها، بل أعطى مثالًا مختلفًا وهي “ليزابث سالاندر” الفتاة المتوحدة الأقرب للوحشية والتي يكرهها المجتمع وينبذها، ويحكم عليها من مظهرها مباشرة دون معرفة ما أدى لهذا التحول في شخصيتها، والتي تحصل على انتقامها بنفسها، وتضع هي القوانين التي تفرق بين الخير والشر؛ فالشرير من وجهة نظرها هو من يكره النساء.

واستلهم الكاتب الكثير من التفاصيل في رواياته من حياته الشخصية، لنجد نقاط تشابه متعددة بين “Mikael Blomkvist” بطل الروايات وبين ستيغ نفسه؛ فهو أيضًا صحفي يعمل في مجلة ويتناول قضايا شائكة من المجتمع السويدي تجعله في خطر دائم، بينما الدافع الأكبر وراء كتابته في هذا الموضوع المؤلم هو مشاهدته في مراهقته فتاة يتم الاعتداء عليها من قبل مجموعة من الشباب دون أن يستطيع أن يحرك ساكنًا، وهي الحادثة التي ظلت في ذاكرته طوال الوقت ليقدمها بعد سنوات كليزابيث سالاندر، وهي الشخصية الرئيسة التي نوى أن يكتب عنها عشر روايات، ولكن وافته المنية بعد كتابة ثلاث فقط، وهم: The Girl with the Dragon Tattoo،وThe Girl Who Played with Fire، وThe Girl Who Kicked the Hornets’ Nest، وتم ترجمة هذه الروايات إلى اللغة العربية.

وبالطبع هذه الروايات الأكثر مبيعًا والبالغة التشويق والإثارة مطمع للقائمين على صناعة السينما؛ ولذلك تم تقديمها في أفلام مرتين، الأولى في ثلاثة أفلام سويدية، والثانية في فيلم أمريكي واحد تناول الجزء الأول من الروايات فقط.

The Girl with the Dragon Tattoo

هذا الجزء يمكن اعتباره مقدمة لبقية الأفلام؛ فشخصية “ليزابيث سالاندر/ NoomiRapace) لم تكن بطلة الأحداث الرئيسة، مثلما سيحدث في الجزئين الثاني والثالث؛ بل البطل هي الجريمة نفسها، والتي ساهمت ليزابيث وميكائيل بصورة متساوية في حل لغزها، والوصول للحقيقة بعد 40 عامًا من الغموض.

وتم الإشارة خلال أحداث الفيلم إلى ماضي سالاندار دون الخوض في الكثير من التفاصيل؛ ليعلم المشاهد فقط أنها صاحبة ماضٍ أليم هو السبب في شخصيتها الغريبة.

نعود إلى البداية ووصف ليزابيث، هي فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها، ترتدي السواد مع مكياج أسود كثيف والعديد من الأقراط على أنفها وأذنيها، عنيفة للغاية، وتحترف التتبع واختراق أجهزة الحاسب، مع ذاكرة فوتوغرافية متميزة، وصنفتها الحكومة كإنسانة مضطربة؛ لذلك هي تحت وصاية أحد الأشخاص وهو الذي يتحكم فيما تحصل عليه من أموال، ولكن بعد إصابة الوصي عليها بجلطة يتم فرض وصاية شخص آخر عليها، وهو من وضع علامة أخرى سوداء في سجل الرجال لدى ليزابيث.

تتضح أولى العلامات على العنف في شخصية ليزابيث وقدرتها على الانتقام والوقوف في وجه الظلم، عندما اعتدى عليها جنسيًا الوصي عليها، وقد سجلت هذه الحادثة الكاميرا المثبتة في حقيبتها؛ حيث قامت بالانتقام منه لاحقًا، ونقشت عبارة تدل على ما فعله على صدره بآلة رسم الوشم، وهددته بالفيديو الذي صورته.

على الجانب الآخر، كان ميكائيل بلوميفست/ Michael Nyqvist، يمر بوقت عصيب؛ بسبب محاولته الكشف عن التلاعبات المالية والجرائم التي اقترفها أحد كبار رجال الأعمال في السويد، ولكن كل المصادر الخاصة به والأوراق التي حصل عليها اختفت؛ وبالتالي يواجه قضية قد تنهي مسيرته المهنية تمامًا.

الشخصية المحورية الثالثة في الفيلم، هي “هنريك فانجر/ Sven-Bertil Taube“، الثري ذو الثامنة والثمانين عامًا، والذي يحيا في حزن دائم لمدة أربعين عامًا؛ بسبب اختفاء ابنة أخيه في غموض، وهو اللغز الذي لم تقدر تحقيقات الشرطة على كشفه، وعندما شعر بدنو أجله يقرر أن يفتح القضية للمرة الأخيرة، فيجعل الشركة التي تعمل بها “ليزابيث” تبحث حول “ميكائيل”، وعندما يتأكد من قدرته في الوصول للحقيقة؛ يدعوه ليبدأ البحث حول ما حدث “لهارييت”.

تبدأ من هذه النقطة الأحداث الرئيسة للفيلم؛ حيث ينتقل “ميكائيل” للريف ويبدأ البحث في العديد من الوثائق والأوراق حول اختفاء هارييت، ومعرفة خفايا عائلة “فانجر” غريبة الأطوار والتي يحظى كل شخص منهم بشخصية أغرب من الأخرى والعديد من الأسرار وماضٍ مخز، وفي ذات الوقت لا تزال ليزابيث تخترق حاسوبه؛ لذلك تعلم حول بحثه الجديد، ويثير انتباهها وتبدأ في محاولة حل اللغز معه عن بعد، وترسل له بعد ذلك بداية الخيط، ليصل الفيلم لقمة التشويق، والخطوة تلو الأخرى يتعارف الاثنان وتشاركه فعليًا في البحث حول هارييت.

قد يحتار المشاهد لماذا ساعدت ليزابيث ميكائيل في بحثه، هو في النهاية رجل، الجنس الذي طالما عانت منه وكرهته؛ ربما لمست فيه الصدق والعدالة، أو أن القضية ذاتها كانت في دائرة اهتمامها، وهو الدفاع عن المرأة المعتدى عليها؛ حيث قادتهم الأدلة لعدد من حوادث القتل لفتيات شابات.

وبعد انتهاء البحث في القضية والوصول إلى الحل، تنقذ ليزابيث حياة ميكائيل مرتين، مرة عندما حاول القاتل أن يتخلص منه، ومرة ثانية عندما أحضرت له الأدلة التي كانت تنقصه في المحاكمة، ثم تختفي عن الأنظار.

تم تقديم هذا الفيلم مرة أخرى من إنتاج أمريكي عام 2011، من بطولة Daniel Craig وRooney Mara، وفاز بجائزة أوسكار وترشح لأربع غيرها، وعلى الرغم من النجاح الذي لاقاه هذا الفيلم؛ إلا أن النسخة السويدية تعتبر الأقوى والأكثر قربًا من الرواية، ربما لما تحمله الأخيرة من العديد من التفاصيل الشخصية حول ليزابيت، فجاءت النسخة الأمريكية كفيلم إثارة بطلته فتاة مضطربة اجتماعيًا دون أن يعرف المشاهد جذور هذا الاضطراب، وفقد العنصر الذي يهم الكاتب فعليًا، وهو توضيح المعاناة التي تعيشها المرأة الغربية في مجتمع على الرغم من أنه يبدو من الخارج يقوم على المساواة والإنسانية؛ إلا أن المرأة لازالت الجانب الضعيف الذي يتحمل الكثير في صمت.

صفحة النسخة الأمريكية

صفحة النسخة السويدية

إعلان الفيلم:

The Girl Who Played with Fire

على الرغم من كون الجزئيين الثاني والثالث يدوران في نفس فلك الجرائم والإثارة والتشويق مثل الجزء الأول؛ إلا أن ماضي ليزابيث في هذا الجزء هو بطل الأحداث؛ فنتعرف على طفولتها، وعائلتها، والوصي عليها، وباقي تفاصيل حياتها.

يبدأ الفيلم بعد مرور 4 سنوات على أحداث مغامرة ليزابيث وميكائيل، وانقطاع العلاقة بينهما؛ بل تركت ليزابيث السويد، ولكنها تقرر العودة لتشعل النيران في البلد بأكملها.

وتتزامن عودتها مع اشتراك صحفي جديد في فريق تحرير مجلة ميلينيوم، وهو يبحث مع حبيبته الكاتبة بدورها في موضوع شائك للغاية، حول مجموعة من الشخصيات الهامة في الدولة والتي تستغل الفتيات وتعتدي عليهن بطريقة وحشية، ولكن هذا البحث لم يكتمل بسبب حادثة قتل الصحفي وخطيبته، وهي الجريمة التي سيتم بسببها توجيه أصابع الاتهام لليزابيث، وتصبح مطاردة من الجميع.

ويبقى هنا السؤال: لماذا تم اتهام ليزابيث في هذه الجريمة، ومن يريد محاصرتها والتخلص منها؟ وما هي مصلحته في ذلك؟

كل هذه الأسئلة لها إجابات في ماضيها، وهو ما يكتشفه ميكائيل خطوة بعد الأخرى، من خلال تتبع قصة حياتها من أطراف مختلفة، بهدف الدفاع عنها، والحصول على أدلة لتبرئتها، على الرغم من أنهما لم يتقابلا طوال أحداث الفيلم، ولكنه مد لها يد المساعدة المرة بعد الأخرى؛ ربما ردًا لجميلها الذي يطوق عنقه، أو لإيمانه ببراءتها.

لنكتشف أن الموضوع أكبر من حوادث اعتداء على فتيات، أو اضطهاد لفتاة مختلفة عن مجتمعها؛ بل تدخلت الكثير من العوامل السياسية، بالإضافة للكثير من الأسرار التي تعرفها ليزابيث منذ طفولتها.

صفحة الفيلم

إعلان الفيلم:

The Girl Who Kicked the Hornets’ Nest

الفتاة التي ركلت عش الدبابير، فعلًا هذا هو أفضل وصف لليزابيث، وقد بدأت ذلك منذ طفولتها؛ فوالدها كان يعتدي على والدتها بالضرب مما أدى لإصابتها بعاهة مستديمة، فما كان من الصغيرة سوى إلقاء علبة لبن مليئة بالجاز عليه، ثم إشعال النيران به، وبعدها تم إيداعها في مشفى للمرضي النفسيين، وتعرضها للاضطهاد ولم يصدق أحد حقيقة أنها فعلت ذلك دفاعًا عن والدتها، وكانت هذه الندبة الأولى التي شكلت عداءها لنوعية معينة من الرجال، وعلى قمة هذه القائمة والدها بالطبع.

ومنذ حادثة إشعال النيران، لم تقابل والدها سوى في نهاية الجزء الثاني، ليحاول قتلها بمساعدة أخيها غير الشقيق، ولكنها تنجو بأعجوبة؛ لتحاكم بتهمة محاولة قتل والدها للمرة الثانية.

خلال هذه المحاكمة تتضح كل الأمور المخفية، لنعرف الدور الحقيقي لوالد ليزابيث، والصلات التي تجمعه بكبار رجال الدولة، وهم من حاولوا التخلص منها سواء في المصحة، أو في توريطها في قضية القتل، أو بالتشكيك في قدراتها العقلية ومصداقيتها، ولكن بمساعدة ميكائيل وأخته المحامية الجنائية، يتم حل اللغز وتكشف الحقائق.

صفحة الفيلم

إعلان الفيلم

الثلاثية يمكن تصنفيها كأحد أفضل أفلام التشويق والإثارة التي يمكن مشاهدتها؛ فمع كثرة التفاصيل في الروايات، ومحاولة نقلها بدقة في الأفلام جاءت الأخيرة مليئة بالأحداث، والتي تجعل المتفرج في حاجة للتركيز بشدة حتى لا يفوته أحدها، ولمعاودة المشاهدة أكثر من مرة.

التقرير الإلكترونية في

09.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)