كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أفلام عراقية تقطف جوائز وتثير اهتمام الباحثين عن إجابات

آخرها «وطن: العراق سنة صفر»

لندن: محمد رُضا

 

فيلمان عراقيان شهدا في الأشهر الأخيرة اهتماما جيّدا يستحقّانه. قبل أيام انتهى المهرجان السويسري «Vision du Reel» بفوز الفيلم العراقي «وطن: العراق سنة صفر» لمخرجه عبّاس فاضل بالجائزة الأولى. قبله في أكثر من موقع، نال «أوديسا عراقية» لمخرجه سمير جمال الدين، أكثر من جائزة بينها واحدة باسم مؤسسة «نتباك» التي تمنح جوائزها للأفلام الآسيوية.
وهناك ما يجمع بين هذين الفيلمين عدا هوية مخرجيهما العراقية: الاثنان من السينما التسجيلية، والاثنان من تلك الأفلام التي تبحر في تصوير حال العراق قبل وبعد رحيل صدّام حسين، وكلاهما من الأعمال غير المستعجلة لتنضوي تحت مدّة زمنية معتادة. «أوديسا الفضاء» اقترب من ساعات ثلاث، بينما تبلغ مدّة عرض «وطن: العراق سنة صفر» نحو سبع ساعات.
*
واقع الحرب

* نقطة مشتركة أخرى بين هذين الفيلمين: كلاهما جيد في رصد الحالة الفردية وتعميمها جماعيا. يقصد عباس فاضل وسمير جمال الدين (يكتفي على الفيلم باسمه الأول) المرور من خلال الشخصي إلى المجتمعي. كلاهما يتناول حياة الأقارب الشخصيين وكيف تصرّفوا خلال الحرب على العراق (قبل وصول الأوضاع إلى الفوضى الحالية)، ويسرد في الوقت نفسه وضع العراق كبلد منهوب ومتشرذم وضحية سياسات عالمية أودت به إلى أسوأ مرحلة في تاريخه الحديث.
حقيقة أن كليهما فيلم تسجيلي تستوقفنا تحديدا.

هل خسرت السينما الروائية العراقية قدرتها على فرز الأحداث وصياغتها على نحو يجذب اهتمام مانحي الجوائز من مؤسسات ومهرجانات ونقاد؟ أم أن الأفلام التسجيلية أكثر بروزا كونها أكثر كشفا عن الخاص والشخصي وأقل عرضة لتأثير الدراما التي تجلب، مباشرة، احتمال التعامل مع حقائق أقل وخيالات أكثر؟

يلخّص المخرج عبّاس فاضل، ربما أكثر من سواه، الإجابتين عن هذين السؤالين وما يتفرّع عنهما. فهو كان قدّم فيلما روائيا لم يذهب بعيدا كما فعل «وطن...» هو «فجر العالم» (2008). والواقع أن ذلك الفيلم غرق في مستنقع سياسي يبدو أن فاضل تخلّص منه في فيلمه الجديد. لقد طرح هناك الحرب العراقية - الإيرانية من زاوية كيف أن العراق، تحت قيادة صدّام حسين آنذاك، هدم سعادة العراقيين بإرسال الرجال إلى الحرب وتمزيق الأواصر العائلية وتحويل أفراح الحب بين الأزواج السعداء إلى تعاسات. أخفق الفيلم، آنذاك، في لوم الطرف الإيراني في إشعال تلك الحرب وركّز على ما وجده خطأ العراق وحده، بينما إيران آنذاك، كما هي اليوم، لها حساباتها السياسية التي تريد فرضها على العالم العربي إن استطاعت.

وفي حين أن الحرب كانت وبالا على العراقيين جميعا بلا استثناء، فإن «فجر العالم» بدا فيه كما لو أنها كانت على طائفة معينة وحدها. كذلك لم يتعامل الفيلم ولا يتعامل والمنظور الأوسع لتلك الحرب برفضها كمبدأ، بل بنقده جانبا واحدا منها، بدا - ولو من غير قصد - تأييده لجانبها الآخر.

في كل الأحوال، هذا التداخل في الطرح لم يكن السبب الوحيد لعدم قدرة الفيلم الخروج من إطار التجربة المبكرة للمخرج، بل هناك المعالجة الفنية التي بقدر ما هي طموحة، بقدر ما كانت مكبّلة باختيارات المخرج من الموضوع وكيفية معالجته.

* دفتر ذكريات

* هذا جميعا منتفى من فيلمه الجديد «وطن...» الأوعى والأكثر قربا من العراقيين كعراقيين أولا حتى وإن كانوا يدركون قسوة النظام السابق ويركنون للحياة تحت وبالها. حال تتلبّد سحب خطر الهجوم الأميركي الحربي على العراق، يمنح المخرج، في بطئه المدروس جيّدا، لشخصياته تداول أخبار الاحتمال المتزايد (ولاحقا الغزو نفسه) من موقع وطني خالص حيث يعلن الجميع ولاءهم للوطن الذي آمنوا به.

هذا ما ساعد الفيلم الجديد على تجاوز عثرات الفيلم السابق خصوصا أن المخرج يبدو، غالبا بسبب خلفيته في السينما التسجيلية، كوّن لهذا الفيلم رؤية واسعة وشاملة وعرف لماذا عليه تحقيق هذا الفيلم بالشكل الذي يرد إلينا كأسلوب ومعالجة.

الوصف ذاته ينطلي على «أوديسا عراقية» لسمير جمال الدين (2014). وما يعجبك في هذا الفيلم البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج لتحقيق هذا العمل، تأليفا وتشكيلا وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصوّرة سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصّة بالفيلم ثم مزجها بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلّص من نصف ساعة أو نحوها رغم أن الإمكانية متوافرة. وهو إذ يفتح دفاتر وذكريات أقاربه المنتشرين حول العالم (من أميركا إلى أستراليا وسويسرا) يجد المشاهد نفسه أمام حشد من الشخصيات التي تعاطت مع السياسة على نحو حثيث مما عرّضهم لنقمة المسؤولين في العراق و- أحيانا - خارجه. في غمار ذلك يكشف عن تجارب إنسانية متواصلة مؤلمة، ولو أن المخرج لا يسعى، تحديدا، لمعالجة عاطفية. يسبر المخرج غور التاريخ العراقي الحديث من أيام الاحتلال البريطاني إلى نهاية النظام البعثي. وفي حين أنه ينتقد غياب الحريّة والنزعة للسُلطة وغياب الديمقراطية في كل العهود فإنه يسدد لنظام صدّام حسين أكثر نقده وما يعرضه من أسباب (وصور) تستدعي الموافقة على ذلك النقد. تعليق المخرج واف وهادئ، لكن تلك الكلمات المكتوبة عربيا وإنجليزيا على الشاشة تتكرر وتظهر على نحو شبه متواصل فاقدة القيمة خلال دقائق محدودة.

* وجهات متعددة

* منذ الغزو الأميركي للعراق، ذلك الذي انطلق من خطط مسبقة استندت إلى معلومات مفبركة كشفتها أفلام أميركية أساسا، والسينما العراقية، بشقيها التسجيلي والروائي، تدور طبيعيا، حول الحرب العراقية وإفرازاتها. أفلام محمّد الدراجي المتوالية («أحلام» و«ابن بابل» و«في أحضان أمي» ثم «تحت رمال بابل») شهدت رواجا إعلاميا كبيرا في وقت كان ينتظر فيه العالم سينمائيا عراقيا يطرح المسألة من وجهة نظره. «صمت الراعي» لرعد مشتت (2014) بحث في الفترة الزمنية التي حكم فيها صدّام حسين بأسلوبه غير المتهاون ساردا حكاية وأده لمعارضيه من أبناء الشعب أو، كما يعرض الفيلم، للفتاة التي قادها سوء طالعها لكي تكون شاهدة على قتل مجموعة من العراقيين ودفنهم جماعيا. و«حلبجة - الأطفال المفقودون» لأكرم حيدو، كان واحدا من تلك الأعمال التسجيلية أو الروائية التي تداولت مأساة الأكراد تحت عنف النظام الراحل.

العراقي الذي يستوطن بريطانيا قتيبة الجنابي، قرر في فيلمه الجيد «الرحيل من بغداد» (2010) الاختلاف. هناك موقف سياسي بالطبع من تلك الفترة، لكنها معممة وتنادي بعدم الاقتناص من تلك المرحلة على نحو من تصفية حساب عالق.

إذا ما أضفنا الأفلام التي حققها مخرجون أكراد عراقيون مثل «ذكريات منقوشة على حجر» لشوكت أمين كوركي و«بلادي الحلوة.. بلادي الحارة» لهاينر سليم و«حلبجة» نفسه، فإن معظم الأفلام العراقية حول الوضع العراقي ما زالت تدور في رحى أول من أمس، أي قبل وصول الأوضاع الحالية إلى مستوى لم تبلغه من قبل في أي من مراحل العراق في تاريخه.

لكن، وفيما تتداول هذه الأفلام جميعا وسواها الكثير تلك الأوضاع والأحوال السياسية، فإن الوميض الذي يمر بها جميعا هو طيبة الإنسان العراقي البعيد عن السُلطة وإغوائها.

مفكرة

من «أرض حمراء»

* قبل التصوير:

* في سعي ديزني لإعادة إنتاج أفلامها الكارتونية الكلاسيكية كأفلام حيّة (على غرار فيلمها الأخير «سندريلا») سيقوم المخرج الأميركي بل كوندون بتحقيق «الجميلة والوحش» مسندا بطولته إلى إيوان مكروغر، وستانلي توشي، وإيما واتسون.

* في التصوير:

* رايان رينولدز يقوم ببطولة فيلم جاسوسي جديد بعنوان «Deadpool» من إخراج تيم ميلر (مخرج «Thor» قبل عامين): حكاية عميل سابق للمخابرات والقوى الأمنية يتحوّل إلى مرتزق نشط ذي قوّة خارقة وباسم جديد هو «ديدبول».

* بعد التصوير:

* انتهى المخرج الأرجنتيني دييغو مارتينيز فيغناتي من تصوير فيلمه الثالث «الأرض الحمراء» الذي خصه لطرح موضوع التلويث البيئي من خلال سائق شاحنة تنقل المخلّفات الكيماوية لدفنها في الريف. عندما يتعرّف على بطلة الفيلم ويقع في الحب تلفت نظره إلى خطورة ما يقوم به وتطالبه بالتوقف.

http://aawsat.com/sites/default/files/styles/article_img_top/public/1430998174979302200.jpg?itok=jGtAnM3thttp://aawsat.com/sites/default/files/styles/article_img_top/public/1430998174979302400.jpg?itok=P6cZE7B4

الفتاة المهددة بالقتل في «يتبع»

شاشة الناقد

* Dancing With Maria

* إخراج: إيفان جرغوليه تسجيلي * الأرجنتين ـ إيطاليا * (*3)

هذا الفيلم التسجيلي الذي شهد آخر عروضه الدولية في إطار مهرجان غوتنبيرغ السويدي قبل أسابيع يدور حول امرأة في التسعين من عمرها اسمها ماريا فوكس تقوم بتعليم الفتيان والفتيات الرقص بأسلوب فني خاص بها. على كبر سنّها ما زالت تقوم بتلك الرقصات الذي تعتبرها انعكاسات روحية تتناسق والموسيقى. بين طلابها (معظمهم من الإناث) مصابون بمتلازمة «داون» التي تؤثر على الشكل والسلوك. مثير للاهتمام بسبب موضوعه وطريقة تنفيذه التي لا تتدخل للتأكيد على ما لا لزوم لتأكيده.

* It Follows 

* إخراج: ديفيد روبرت ميتشل * روائي ـ رعب * الولايات المتحدة* (*2)

جاي (مايكا مونرو) فتاة عادية تمارس الحب مع شاب لا تعرفه لتكتشف أن هناك لعنة (تشبه الفيروس) تنتقل بين الممارسين. تخرج من آخر مُصاب بها لتدخل الشخص السليم وعلى هذا الشخص البحث عن شخص سليم لممارسة الحب معه لكي يتخلّص من المرض. حياة بطلة الفيلم تنقلب رأسا على عقب لأن الفيروس سيأتي على شكل شبح لا يراه أحد إلا هي ليقتلها. مثير للمتابعة لهواة أفلام الرعب لكنه لا يصل إلى مستوى أعمال المخرج جون كاربنتر الذي يبدو على المخرج ميتشل كثرة التأثر بمنهجه في العمل.

* Stranded in Canton

* إخراج: مانز مانسون* تسجيلي* الدنمارك* (*3)

دراما وتسجيلي يتحسّن بالتدريج ليصل إلى تجسيد شحنة إنسانية جميلة وقاتمة في الوقت نفسه: تاجر أفريقي كان حط في مدينة كانتون الصينية ليصنع فانيلات لصالح أحد السياسيين المرشّحين للرئاسة في أنغولا. لكنه بعد عام لم ينجز ما جاء لأجله وصاحب المخزن (لبناني!) يريد أجرة التخزين. يتابع الفيلم مساعي هذا الأفريقي للخروج من أزمته وهو من يتّصل بزوجته ليخبرها بأن كل شيء على ما يرام. ينتهي الفيلم به وهو في وضع أسوأ مما كان عليه في البداية.

المشهد

أورسون وَلز في مئويته

* مات أورسون وَلز، سنة 1985، وهو يتمنّى أن يستطيع إنجاز الفيلم الذي كان بدأ العمل عليه «الجانب الآخر من الريح» سنة 1970. كأفلام أخرى لهذا النابغة، واجه هذا المشروع مصاعب مالية جمّة أخرت إنجازه حتى عام 1975 قبل أن يتوقف العمل به تماما. الآن، وبمناسبة مرور مائة سنة على ولادة وَلز (6 مايو/ أيار، 1915) يتم تجهيز نسخة مكتملة من الفيلم الذي قاد بطولته آنذاك المخرج الراحل جون هيوستون مع المخرج الذي لا يزال بيننا بيتر بوغدانوفيتش.

* إتمام العمل تطلّب جمع مبلغ مليوني دولار من هواة السينما، طالما أن شركات الأفلام التي خيبت أمل وَلز آنذاك ما زالت لا تدري لماذا عليها أن تشارك اليوم. والجمهور كان حاضرا. المبلغ تم جمعه في 24 ساعة فقط، حسب صحيفة «ذا نيويورك تايمز».

* حياة أورسون وَلز كانت حزينة للغاية و«الجانب الآخر من الريح» يعبّـر عنها. هو تمويل فرنسي - إيراني (أيام الشاه) تعرقل تنفيذه كما تعرقل تنفيذ سواه من إخراجه، ومن بينها فيلمه الذي ربح جائزة «كان» سنة 1952 وتم تقديمه هناك تحت علم المغرب (رغم أن تمويله ورد من إيطاليا والولايات المتحدة أساسا). المال كان عقبة من البداية، وفي عام 1971 شهد الفيلم عثرته الأولى: مصلحة الضرائب الأميركية طالبت الفنان وَلز بدفع ضريبة عن التمويل الذي حصل عليه من فرنسا. هذا أخر العمل، ريثما يجمع وَلز المال المطلوب، حتى مطلع 1973.

* الفيلم يتمحور حول الروائي المعروف إرنست همنغواي الذي كان صديقا لوَلز، الذي انتحر سنة 1961. على نحو غير منطقي باشر وَلز التصوير قبل أن يقرر ما إذا كان يريد تمثيل دور همنغواي بنفسه أو إسناده إلى صديقه الآخر هيوستون. لذلك صوّر بعض المشاهد المفترض أن تحوي شخصية همنغواي من دون إظهاره ريثما يتم له الاختيار.

* هذا سيكون سببا في انزلاق المشروع لكنه ليس السبب الأساسي. وحسب مذكرات بيتر بوغدانوفيتش فإن هوليوود كانت تتحاشى الانخراط في أي مشروع موقع باسم وَلز. كتب: «الناس كانوا يحبون أن يقولوا إنهم تناولوا العشاء مع وَلز، لكن لا أحد منحه المال». وهذا ينسحب على العديد من المشاريع التي كانت بحوزته والتي صوّر بعضها واضطر للانكفاء عنها لاحقا.

* الفيلم المذكور ليس التحية الوحيدة المتوقعة لوَلز. إلى جانب أسابيع وأشهر في مؤسسات سينمائية وطنية في لندن وتورنتو ونيويورك، تم ترميم فيلم قام بتمثيله من دون إخراجه هو «الرجل الثالث» الذي حققه كارول ريد وشارك في بطولته جوزيف كوتون، ذاك الذي ظهر في فيلم وَلز الأول «المواطن كاين» سنة 1941.

* وَلز عندنا لم يحظ مطلقا باهتمام النقاد البواسل. لكن هذا ليس غريبا. الغريب أن المخرجين الراحلين لا يحظون بأي تقدير حقيقي. هل سمعت عن أسبوع لأفلام كمال الشيخ بعد رحيله أو حتى يوسف شاهين (باستثناء بعض العروض القليلة الخجولة)؟. متى حقق خيري بشارة ورأفت الميهي وعلي عبد الخالق (من بين آخرين) آخر أعمالهم؟ وبعد زوبعة الحزن والمقالات المتباكية، هل هناك من سيذكر الراحل (حديثا

سعيد مرزوق؟

DVD

Winter Sleep (3*)

إخراج: نوري بيلج شيلان (تركيا – 2014)

الفيلم الفائز بذهبية «كان» في العام الماضي ليس أفضل ما حققه المخرج التركي المعروف، لكنه يفي بالحاجة التي من أجلها تم إنجاز الفيلم: أخذ فصل وموقع من حياة في بلدة تعيش في منعزل بيئي شاسع (الأناضول) للتمحور حول العلاقة بين الرجل الذي يدور في فراغ البحث عن أسباب نزعته للهيمنة على الآخرين وفي مقدّمتهم زوجته. قائم على الكثير من المشاهد الحوارية المكثّفة لكن من يرغب في النفاذ منها كعائق والاهتمام بها كأسلوب لطرح درامي عميق الدلالات سيجد نفسه بمعية فيلم جيّد.

(1*) لا يستحق (2*) وسط (3*) جيد (4*) ممتاز (5*) تحفة

نحن والصورة

أبيض وأسود بالألوان

محمد رُضا

معظم الناس باتوا يقتنون كاميرات الديجيتال إن لم يكن على نحو آلة التصوير بحد ذاتها، فمن خلال استخدام الهاتف الجوال بغاية التصوير. السائد هو أن يلتقط المرء الصور بجهازه الجوال أو بالكاميرا الصغيرة إذا ما استحوذ عليها، ثم يحفظ، ويبعث بنسخة منها إلى أصدقائه أو ينشرها على الـ«فيسبوك» العزيز ثم يلتفت لغيرها.

هذا هو التصوير اليوم موجزًا.

ليس هناك من حالات إبداع إلا في محيط محدود. قليلون من المستخدمين يصوّرون لأنهم يحبون التصوير. الغالبية تحب أن تصوّر وهناك فرق. فمن يحب التصوير هو هاوٍ قد يتحوّل إلى محترف أو قد يبقى هاويًا. في الحالتين علاقته مع الصورة هي علاقة عاطفية ذات رغبة في التمكن من الصورة فنيّا. يضع عينه على الفتحة ويأخذ وقته في المعاينة. يدرس الموضوع المصوّر والضوء الذي عليه والبعد في المسافة بينه وبين الموضوع، وما إذا كان سيرغب في استخدام «الزوم» أو استخدام أي مرشّح ذكي أو عدسة إضافية. يضع كل ذلك في الحسبان لجانب السؤال الأهم: لماذا؟

لن يصوّر موضوعًا لا يشعر تجاهه بالعناية. لن يلتقط صورة لا يكترث لها. ليس هو في هذه المهنة لكي «يكبس» على الزر، بل ليجعل من التصوير فنّا «يرش» عليه رؤيته كمبدع.

ونصيحتي للسياح العرب الذين سيتوافدون قريبًا على مدن الغرب أن يزوروا متاحف الفوتوغرافيا الموزّعة في أرجاء كل مدينة إن كانوا مهتمّين بالتصوير. أما إذا كان اهتمامهم التقاط الصور، فليس في هذه الدعوة ما يلبّي حاجتهم إلا إذا كانوا يتمتعون بما يكفي من الفضول.

من يحب التقاط الصور لا يكترث لكل ما سبق من ظروف وشروط وعناصر. لقد وفّر له صانع الكاميرا أو صانع الهاتف الأسس التقنية لالتقاط صورة واستخدامها إلكترونيًا فيما بعد. وهذا هو كل ما يريده من الكاميرا.

كم من مرّة مررنا أمام مشهد شاب يحاول تصوير صديقته فيوقفها على بعد سبعة أمتار لكي يلتقط لها صورة وسط الزهور في الحديقة الغنّاء أو تحت تلك الشجرة الباسقة أو بالقرب من النافورة. خلال ذلك يضطر العابرون للتوقف بينما يقوم الأستاذ الفنان من دون اكتراث لهم بأخذ وقته ليضغط على الزر ويأخذ الصورة التي يبتسم لها ولنفسه، كما لو أنه حقق معجزة.

لجانب إزعاج المارّة (هل هذا يهم بين جيل الأنا الحالي؟) تلك المسافة البعيدة للمحبوبة لن تنتج لقطة جيّدة. لو استخدم «الزوم» لقضى على المحيط الطبيعي. لو لم يستخدم «الزوم» لبدت الفتاة كما لو كانت وجهًا ثانويًا وسط كل الشواغل الأخرى. ما كان بحاجة إليه المصوّر هو الخروج من صندوق التقليد والبحث عن وسيلة أجدى لاستخدام وقته. لعله لو اقترب من الفتاة وطلب منها أن تمد يدها للماء، أو طلب من صديقه أن ينام تحت تلك الباقة من الورود وصوّره عن قرب. أو - الأفضل دومًا - الابتعاد عن تقليعة تصوير الوجوه والأشخاص الذين يعرفهم والانطلاق لتصوير أفكار وحالات.

مارست هواية التصوير الفوتوغرافي لبضع سنوات. التقطت كاميرتي الثانية في مدينة نيويورك (الأولى كانت آلة بسيطة في صندوق لغير المحترفين). اشتريت كاميرا رائعة بـ«زوم» كبير في مطلع الثمانينات خلال مروري بأحد شوارع المدينة. وجدت بالصدفة محلاً يبيع الجديد بأسعار مخفّضة. كاميرتي (من نوع «بنتاكس» اليابانية) لم يزد سعرها، و«الزوم» الذي اشتريته لها بـ260 دولارا. «يا بلاش». بقيت معي لسنوات أصوّر فيها، ثم عندما توقفت عن العمل كان اهتمامي بالتصوير قد توقف أيضًا. لكني أشعر اليوم برغبتي الشديدة في العودة إلى التصوير الفوتوغرافي. مثل أي هواية أخرى، هي علاقة حب مع الحياة. وأنا ما زلتُ مبتدئًا.

الشرق الأوسط في

07.05.2015

 
 

فيلم فرنسي عن قضية المهاجرين وبحثهم عن بر الأمان

«سامبا»: مللت من البحث عن اسمي

المصدر: علا الشيخ ـــ دبي

عندما وصل سامبا إلى مرحلة اليأس، وقرر أن يعود إلى وطنه السينغال، بعد 10 سنوات قضاها في باريس لاجئاً غير شرعي، وقفت أمامه أليس محاولة إثناءه عن هذا القرار ليرد عليها: «مللت البحث عن اسمي، واستعمال هويات لأناس رحلوا، كدت أنسى من أنا، كدت أنسى اسمي»، لتجيبه: «إذا نسيته قف واصرخ بسامبا، فسيعتقد الناس أنك تدعوهم للرقص»، هذا المشهد من فيلم «سامبا» للمخرجين أوليفييه نقاش وإيريك توليدانو، وعرض سابقاً في الدورة الفائتة من مهرجان «دبي السينمائي»، ويعرض حالياً في بعض دور السينما المحلية، وهو من بطولة شارلوت جينسبور، عمر سي، طاهر رحيم،

الفيلم قائم في الأساس على قضية المهاجرين الأجانب، الذين يقصد معظمهم البحر للوصول إلى فرنسا، ومع ارتفاع وتيرة الغارقين من المهاجرين العرب والأجانب، الهاربين من بطش أنظمتهم، ومن الجماعات المتطرفة، وغرق معظمهم، يأتي هذا الفيلم ليحكي جزءاً من معاناتهم، حتى بعد وصولهم إلى بر الأمان، حسب اعتقادهم. تبدأ الحكاية عنما نرى «سامبا» الشاب السينغالي، يعمل في مطعم، ويغسل الصحون، من الوهلة الأولى تدرك تهذيبه وانطواءه، ليتحول المشهد مباشرة إلى مكان يعج بأناس من مختلف اللغات، لتدرك أن هؤلاء تم القبض عليهم من قبل السلطات الفرنسية وتم تحويلهم إلى مكتب العناية بالمهاجرين، يظهر إلى جانب سامبا شاب اسمه ويلسون سيكون له الدور في المشاهد اللاحقة.

سامبا تم القبض عليه، عندما اعتقد أنه، وبعد قرار مديره في المطعم لتثبيته في وظيفة طباخ، يستطيع تقديم أوراق رسمية للحصول على الإقامة الشرعية، لكن ما حدث عكس توقعاته وتم القبض عليه وتحويله إلى دائرة المهاجرين، هناك يلتقي مع شابتين متطوعتين في مثل هذه القضايا، أليس ومانو، قبل هذا المشهد ترى أليس، وهي تتلقى التعليمات من قبل زميلتها مانو بألا تتعاطى مع المهاجرين إلا بشكل رسمي، ولا تسمح لعاطفتها بالانجراف، ولا تمنح رقم هاتفها لأي شخص منهم، وتطبق ثقافة الابتعاد التي تقع فيها مانو نفسها لاحقاً.

سامبا، اسمه ليس صدفة، فهو كناية عن رقصة مشهورة، لكن شخصيته لا توحي بأنه اسم على مسمى، فالفيلم تناوله كحالة فردية ضمن جماعة، والأهم أنه لم يقدمه كنموذج معصوم من الخطأ، فالتعاطف معه نسبي، بل إنك كمشاهد ستجد نفسك متعاطفاً مع غيره من المهاجرين، خصوصاً أثناء التحقيق معهم في مقر الجمعية التي تهتم بهم بعد تهديد السلطات لهم بالترحيل، فلن يمر الرجل الكبير السن الذي يتحدث العربية لأنه من تونس مرور الكرام، وهو يحاول شرح قضيته للمسؤولة أنه هرب إلى فرنسا بعد أن تم قتل أصدقائه على يد متطرفين، ولن يمر الهارب من بطش ونزق رئيس كوريا الشمالية، وهو يستجدي عطف من يحقق معه أن عودته إلى بلاده تعني موته، أما ويلسون الذي يحكي أنه من البرازيل، فقصته مختلفة، لأن المشاهد سيعرف أنه جزائري، واضطر أن يقول أنه برازيلي لأن النظرة إليه كجزائري فيها الكثير من التفريق.

قصص كثيرة تسمعها في تلك الجمعية بلغات مختلفة، جمع بينها الهرب من بطش أنظمتها ومن الحروب الأهلية، ومن الجماعات المتطرفة.

عودة إلى سامبا الذي يلتقي أليس، ويستشعر المتفرج لحالهما أنه ثمة شرارة حب ستنمو على السطح، ولابد للتطرق إلى شخصية أليس، التي تشكو حالها لسامبا، فهي تعمل منذ 15 عاماً في شركة أغذية، اعتقدت أن حياتها تقف فيها، فلا حب ولا صديق ولا أبناء، إلى أن وصلت إلى مرحلة الإنهاك الذي ترجمته بإنزال جامّ غضبها على زميلها وكسر هاتفه وقلع شعره، فتم تحويلها إلى الطب النفسي، ووجودها في جمعية اللاجئين نوع من العلاج، كي تدرك أن ثمة قضايا أكثر هماً من قضيتها، وبالفعل تتحسن حالة أليس، وتبدأ بتخفيف جرعات أدويتها، وكل هذا بسبب الحب، وبسبب أنها شاهدت معاناة آخرين.

القضاء يقف في وجه سامبا، الذي يعيش مع عمه، ويقرر ترحيله، لكن المشهد كان فيه الكثير من التواطؤ معه، من حيث ردة فعل الشرطية التي قالت له أصبحت حراً، فقال لها إنه تجب عليه العودة، وبابتسامة مبطنة تشعر بأنها قالت له: «تستطيع المكوث لكن انتبه إلى الدوريات»، هذه النصيحة وجهها عمه له أيضاً «من اللحظة يجب أن تستغني عن عاداتك وطريقة ملابسك، يجب أن تقلدهم، سترتدي المعطف، وتحمل تحت إبطك مجلة أو كتاباً، وتركب القطار بطريقة قانونية، من اللحظة يجب أن تشبههم كي لا تتعرض للاعتقال»، لكن ما أن بدأ سامبا تقليدهم، حتى بات يشعر بأن الجميع أصبح يراقبه ويكشف سره، فضاقت به الحال، وقرر خيانة صديقه الذي التقاه في الجمعية وأوصاه بأن يجد له حبيبته، وبعد أن وجدها مارس الحب معها، وهذا كان كفيلاً بأن يظهر سامبا كشخص غير معصوم من الخطأ.

في المقابل، تظهر شخصية ويلسون وهو في الحقيقة اسمه وليد، الذي وقف إلى جانب سامبا كثيراً، حتى أنه دله على طريقة شراء هويات مزورة معظمها لأناس فقدوا حياتهم، وبدأ سامبا في كل عمل يستخدم هوية لشخص غيره، كثرت الأسماء لديه، وشيئاً فشيئاً بدأ ينسى اسمه، كحال ويلسون الذي قرر أنه برازيلي، بعد أن وجد أن أصله الجزائري لن يقربه من المجتمع الفرنسي، إذاً نحن هنا أمام مشكلة الهوية ونظرة الآخرين إلى تلك الهوية، لكن تكاتف بعض السكان المحليين معهم، والذي من خلاله عرف المشاهد أصل وليد ظهر في المشهد الذي يهرب فيه مع سامبا من ملاحقة الشرطة، ويقصدون شقة يطلبون من العاملة فيه أن تخبئهما، فيتحدث وقتها بالعربية، ويكشف سامبا سره.

مشهد الهروب من الشرطة، وتسلق أسطح البنايات، إلى أن أصبحا فوق المدينة، وبرج إيفل يطل عليهما، اختصر كل مشاعر الخوف والقهر والإحباط والقلق، التي تعتري الشباب الذين يقررون في لحظة تتساوى فيها معه الحياة والموت أن يتركوا كل شيء من أجل ما يسمى الحياة، هذا المشهد تحديداً نستطيع القول عنه إنه سينمائياً متكامل العناصر، جمع فيه التمثيل مع الحوار واللقطات التصويرية، ووصلت الرسالة الخالصة للفيلم.

لحظة انفعال مشتركة بين سامبا وأليس، كانت كفيلة بتفريغ كمية شحنات كثيرة كانت بحاجة إلى بر أمان، فكلاهما لديه مشكلاته الخاصة في طريقة الاندماج مع المجتمع، ففي الحوار الذي جمعهما أثناء التحقيق في أروقة الجمعية، تؤكد أليس لسامبا أنه يجب مرور عام على حكم القضاء، كي يستطيع تقديم أوراقه مرة أخرى للجوء الشرعي، فيصرخ سامبا الذي ظل هادئاً طوال مدة الفيلم، ويقول: «أي عام هذا الذي تتحدثين عنه، وأمي تنتظر مني أن أرسل لها نقوداً بسبب الحاج صاحب البقالة، أمي هذه التي شاهدت زوجها يذبح أمام عينيها، وتعتقد أنني أعمل في وظيفة مرموقة»، غضبه هذا جعل أليس ترد عليه بغضب مضاعف «ماذا تعرف عن الحياة، تريد أن تعمل طوال حياتك لتصل إلى حالتي، لا حب لا أصدقاء لا عائلة»، لكن هذه الشعلة هي التي قربت بين قلبيهما وبدأت علاقتهما معاً في تحدٍّ لقوانين الهجرة حتى ولو بالتحايل. تستمر المشاهد وتمر بكثير من التفاصيل، مثل التفصيل الذي جمع بين سامبا وعمه المقيم في فرنسا 25 عاماً في غرفة فقيرة يشاركه إياها سامبا، بلا زوجة ولا أبناء، يفقد هو الآخر وظيفته بعد أن دهمت الشرطة مقر عمله تسأله عن سامبا، فينظر سامبا إليه، ويقول: «وعدتني أن نعود إلى السينغال عودة الملوك»، على أمل أن يعيد البسمة إلى وجه عمه الذي بدأت علامات الإحباط تعتريه.

القصة تنتهي مع خروج صديق سامبا من الجمعية، وحصوله على إقامة لمدة 10 سنوات، هو أدرك بتهرب سامبا منه أنه وجد حبيبته وخانه معها فقرر الانتقام منه، يستدرجه إلى احتساء شراب احتفالاً بالإقامة الشرعية، مع محاولة سامبا الهروب منه بسبب موعده مع حبيبته أليس، حتى يتحجج بأنه يشعر بالبرد فيلبسه صديقه سترته، ويواجهه بالحقيقة ويحاول ضربه، فيثير لفت انتباه الشرطة هو يريد الانتقام منه من خلال ترحيله، وتهجم الشرطة عليهم فيهربان حتى يصلا إلى قناة ماء، كأن مصير اللاجئين دوماً مرتبط بالبحر أو النهر، يلقيان بنفسيهما إليه، ينجو سامبا ويموت صديقه، وتلعب الصدفة دورها عندما قرر سامبا وعمه العودة طوعاً إلى السينغال، يخلع سامبا سترة صديقه ويعطيها لأليس في لحظة الوداع، وفور وصولها سيارتها تكتشف وجود محفظة في السترة فيها الهوية المختوم عليها إقامة شرعية لمدة 10 سنوات في فرنسا تخص صديقه الذي مات، تحاول إقناع سامبا بأن هذه فرصته الوحيدة، ويقرر المجازفة مرة أخرى. وبالفعل تنتهي الحكاية في الفيلم مع مشهدين أولهما أليس وهي عائدة إلى عملها بشكل متوازن وفرح، والثاني مع سامبا الذي أصبح طاهياً في مطعم مرموق، وبات اسمه لامونا على اسم صديقه الذي بلعته المياه.

الخلاصة أنك كهارب من الموت من بلادك إلى بلاد تعتقد أنها ستحتويك، لن يكون سهلاً، ستشقى حسب الفيلم، وستظل هارباً طوال عمرك إذا لم تشرعن وجودك، ستنسى اسمك وهويتك، إلى حين يأتي القرار العادل لإنصافك.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

07.05.2015

 
 

من بطولة مورغان فريمان وديان كيتون

«خمس رحلات».. العقار بأي قيمة يحسب؟!

عبدالستار ناجي

يعتقد الكثيرون ان قيمة العقار هو ما ينحصر بالجانب المادي البحت. ولكن فيلم خمس رحلات 5 Flights up يذهب بنا الى كم من الحقائق الجديدة التي تعمق معاني ودلالات العقار الذي نمتلكه

عبر حكاية زوجين يعيشان حياتهما في ذات الشقة لأكثر من أربعة عقود فماذا تعني تلك الشقة بالنسبة لهما انها حكاية تبدو بسيطة ولكنها في حقيقة الامر تفتح الباب على مصراعيه امام كمية من الاسئلة التي تتجاوز الابعاد المادية البحتة .

اليس كارفر مورغان فريمان فنان تشكيلي يقيم مع زوجته روث ديان كيتون في ذات الشقة التي شهدت كل مراحل حياتهما وارتباطهما تقع في موقع متميز وتمتلك اطلالة على جسر بروكلين وامام المتغيرات والظروف المادية التي تحيط بهما خصوصا مع الازمة الاقتصادية وعدم بيع الفنان لأعماله التشكيلية وايضا مرض زوجته يفتح باب الحوار للسؤال عن القيمة التي يمكن ان تحققها هذه الشقة ذات الموقع المتميز وتتصدى للمهمة ابنة روث التي تعمل كوكيلة لبيع العقارات

هنا تبدأ الحكاية بدخول بعض الزبائن وخروجهم وكم آخر من الحكايات حيث تزدحم الشقة كل يوم بالزائرين والزائرات والمتطفلين والمتطفلات. كل ذلك يتزامن مع تهديدات ارهابية بتفجير جسر بروكلين مما يؤكد الدافع لدى ذلك الثنائي بالانتقال الى مكان آخر خصوصا مع مرض كلبهما الذي ظل يرافقهما لسنوات طويلة

ولكن هل المادة هي كل شيء في تفسير قيمة العقار؟ هذا السؤال يصدح في وجدان وذاكرة هذا الثنائي الذي يرى الامور بمضامين وفكر مختلف فهو الفنان التشكيلي وهي المدرسة المتقاعدة عندها يكتشف ذلك الثنائي ان ذاكرتهما هنا وأيامهما هنا وجيرانهما هنا وكل جزء في هذه الشقة هو حكاية وموقف ولحظة وذكرى وعبق وشذى وحكايات تبدأ ولا تنتهي

فهل قيمة العقار يحسب بالمادة وقيمة المتر المربع او هو شيء ما أبعد لا يحسه وكيل العقارات بل المالك والاسرة التي عاشت وتعرف أدق التفاصيل عن المكان وظروفه وسكانه ومحيطه.

الفيلم كتبه شارلي بيكر وأخرجه ريتشارد لونكرين اما البطولة فقد تقاسم محاورها الاساسية عبر الثنائي النجم مورغان فريمان وديان كيتون ومعهما في الفيلم كاري بريستون وسنثيا نيكسون.. وقد استند الفيلم على نص روائي باسم روث واليكس للروائية الاميركية جيل كيمنيه.

كل الامور وكل الاحداث في الفيلم تبدو بسيطة ولكنها تدهشنا عبر تلك البساطة المتناهية بحصادها ومحصلتها حيث قيمة العقار حينما يتحول الى سكن حقيقي هي أكبر من كل الامور المادية ولهذا وافق نجم كبير بقيمة ومكانة مورغان فريمان على أن يقدم البساطة بقيمها الكبرى.

النهار الكويتية في

07.05.2015

 
 

رسائل البحر” آدم الحداثي والعهد الآتي

كتب: محمد ماهر بسيوني

كلما شاهدت فيلما لـ “داود عبد السيد” أو أعدت مشاهدته، يعاودني شعور يقيني، بأنه فيلسوف مشغول بالسؤال المركزي في الفلسفة، ألا وهو سؤال الوجود والحياة، وقد اتخذ من السينما واسطة يعرض لنا عن طريقها رؤيته للعالم، كما اتخذ أفلاطون من تقنية الحوار المسرحي وسيلة لعرض فلسفته.

تنتمي سينما “داود عبد السيد” إلى ما يسمى “سينما المؤلف”، حيث يتم الجمع فيها – من قِبَل المخرج – بين الإخراج والتأليف أو كتابة السيناريو والحوار على أقل تقدير إذا كان النص السينمائي مأخوذا عن عمل أدبي.

هذه الهيمنة على كل من التأليف والإخراج؛ تضمن الانسجام الكامل ما بين الأفكار التي يريد المؤلف طرحها وبين طريقة تنفيذها وإيصالها بأكبر درجة من الحرص والأمانة؛ فوضوح الفكرة في ذهن المخرج؛ يضمن وصولها بأكبر درجة ممكنة من الوضوح للمشاهد.

ولذا نجد “داود” كثيرا ما يستخدم تقنياتٍ روائية في أفلامه، على الرغم من تمكنه من تقنيات الصورة السينمائية؛ فنجده مثلا يستخدم تقنية الراوي العليم في فيلم “مواطن ومخبر وحرامي” وتقنية الراوي المشارك في فيلم “أرض الخوف” وتقنية تعدد الرواة (تعدد الأصوات) في فيلمه “رسائل البحر” الذي تدور حوله السطور القادمة.

تبدأ الأسئلة التي يطرحها الفيلم من اختيار عنوانه؛ فما المقصود بالرسائل، هل هي تلك الورقة الموضوعة في زجاجة أو قمقم مغلق؟ أم الرسائل هي كل ما يحيط بنا من أحداث وأشخاص، وهل يمكن اعتبارها علامات لها منطقها، أم هي فوضى بلا معنى؟ وما المقصود حقيقة بالبحر، هل هو تلك المساحة الهائلة من الماء المضطرب المالح الذي لا يروي العطش؟ أم أنه رمز لمعنى خفي وأكثر تعاليا؟ هل تأتي الرسائل من البحر أم أن البحر هو المَعْبَر ووسيلة الاتصال والمرسل كائن آخر؟ هل لدى الإنسان من يكاتبه أو يراسله حقا؟!

للإجابة على هذه الأسئلة يجب ملاحظة أن “داوود” يمزج بين ما هو واقعي وبين ما هو ميتافيزيقي، ويعيد صياغة أسئلة الإنسانية الوجودية في قالب حكائي بسيط يعتمد في تطوره سرديا على شخصيات قلقة تنتابها هواجس عميقة حول جدوى وجودها، معبرا بهذه النماذج عن تاريخ التطور العقلي والنفسي والروحي للجنس البشري.

يبدو المشهد الافتتاحي إعادة لبدء الخليقة، فالكاميرا تطالعنا بمشهد البحر المظلم في تكسر صفحته، واضطراب أمواجه، في مشهد يعيد لنا ذكرى فوضى العماء الأول، ثم تظهر طافية على سطحه قارورة زجاجية تحمل رسالة ورقية؛ فكأنها روح الله التي أخبرنا سفر التكوين التوراتي أنها كانت ترف على الماء، حين كان على وجه الغَمْر (البحر) ظلمة، نقطة انبلاج المعنى في خضم من الفوضى والظلمة المدلهمة.

لكن ليس كل إنسان قادر على تلقي رسالة البحر. فالغالبية ترفض استلام الرسالة -خشية الجهد الذي يتطلبه فك شفرات الرسالة وما يتبع ذلك من البدء في الدخول في التجربة – قانعة بالسير في مسار لا مغامرة فيه ولا مخاطرة؛ فحركة الرسالة على وجه المياه المعادلة لحركة الروح كما يري القديس “أمبروسيوس” إنما هي حركة حب مستمر لعمل خلاّق في حياة الإنسان. والعمل الخلّاق لا يكون إلا اختيارا من نفس تسعى للمغامرة وتجريب الجديد والانعتاق من الماضي المُعيق.من هنا يتم قراءة المشهد التالي باعتباره صياغة حداثية للعهد ما بين الله والإنسان.

فالعهدين القديم والجديد يرى في الإنسان حاملا للخطيئة، وأن خروجه من فردوس عدن كان سقوطا جبريا باعتباره عقوبة على الخطيئة الأصلية. وأن على الإنسان أن يشقى في الأرض حتى يكفر عن خطيئته ويكون جديرا بالصعود إلى الفردوس السماوي.

لكن “آدم” الجديد (“يحيى” – قام بدوره “آسر يس”) هو الذي يطلب الهبوط من جنة عدن إلى الأرض (اختار لها السيناريو أن يكون معادلها الموضوعي مدينة الإسكندرية، وهو في رأيي اختيار موفق؛ فهي مدينة كوزموبليتانية تعايشت فيها على مدى العصور ديانات وفلسفات وعقائد وبشر من كل أجناس العالم، كأنها صورة مصغرة من الأرض) رغم التلويح له بالفردوس السماوي مباشرة (يرمز له طلب أخيه الأكبر منه السفر معه إلى أمريكا، وحين يفضل يحيى الذهاب إلى الإسكندرية يخبره أن عرض الذهاب لأمريكا سيظل قائما).

إن آدمنا الحداثي يرى أن عالم جنة عدن قد ضاق عليه؛ لذا فهو يسعى لرحابة الهبوط للأرض والدخول في مكابدة التجارب ومعاناة العمل الخلاق ولذة الكسب البسيط الناتجة عنه.

من هذا الفهم للمشهد الافتتاحي يمكننا تأويل باقي مشاهد الفيلم وأحداثه وشخصياته والمسار السردي لكل شخصية ولتفاعلهم مع بعضهم البعض.

آدم الحداثي ووعي المغامرة واللايقين

كان هبوط آدمنا الحداثي هبوطا اختياريا – وليس سقوطا عقابا على خطيئة كحال آدم التراثي – ولهذا فمن المتوقع ألا تتملكه الحالة النوستالجية المعروفة لبيت الأب ولا رحم الأم وأن يصفي وعيه من الحنين إلى الماضي تماما.

ولكن اللاوعي له ألاعيبه الخفية التي تجعله حاضرا ومتحكما في السلوك وإن بدا الوعي مسيطرا ويفرض سلطانه. فعلى الرغم من أنه يتطلع إلى حياة بلا قيود من الأوامر والنواهي ولا حتى التوجيه، مع الاستعداد لدفع ثمن تلك الحرية بتحمل الوحدة – فبخلاف آدم التراثي؛ فإن آدمنا الحداثي وحيد تماما؛ فحين هبوطه لم تكن بصحبته حواء لتؤنس وحشته – فإنه يتوقع أن هناك يدا مرشدة تعنى به وتنظم له حياته، وحين تمشي الأمور على غير ما يتوقع وتدهمه ضائقة مالية ناتجة عن عدم وصول التحويل المالي من أخيه وعدم قدرته على الصيد؛ فإنه يثور في وجه البحر متهما إياه بالعبث والفوضى. على الرغم من أن وعيه يجعله دائما مرحبا بالمغامرة وبذل الجهد وألا تكون هناك ضمانة مسبقة لأي عمل حتى لو كان هذا العمل هو الاستماع إلى الموسيقى؛ فهو يقول لنورا (عازفة البيانو التي أحبها وهو يظن أنها مومس) حين تهديه “استريو” لكي يستمع للموسيقى الكلاسيك التي يعشقها؛ أنه يفضل ألا يمتلكه؛ لإنه يريد أن يسبق سماعه للموسيقى جهدا مبذولا بحيث يكون فعل الاستماع مغامرة غير مأمونة العواقب؛ فمرة يكون الأوركسترا سيئا ومرة العزف هائل أو قائد الأوركسترا غير جيد، وحينا كل عاصر الفرقة ممتازة وعلى ما يرام.

وتتعدد تناقضات آدمنا نتيجة اصطراع وعيين داخله؛ أحدهما يشده للماضي ولقيم تقليدية يرفضها وعيه الآخر الذي يدفعه إلى اجتراح التجارب والخروج من وحدته، وهذا يفسر الجانب الأعظم من شهوته العارمة للدخول في تجارب كثيرة ـ حتى لو كانت مؤذية له – من أجل الاستمتاع بمسرات بسيطة ولكنها تمنح لحياته نشوة التجربة وبكارتها (مثل: شرب الخمر لأول مرة، والإنصات للموسيقى الليلية مجهولة العازف، وتأمل الألعاب النارية في سماء ليلة رأس السنة).

تتجسد تلك التناقضات في وقوعه في حب فتاة من ماضيه، أو تصوره أنه قد وقع في حبها، لأنه ما لبث أن أقلع عن هذا الحب دون تردد حينما أدرك أنها مثلية الجنس، بينما لا يستطيع أن يقلع عن حب نورا – حتى وهو يعتقد أنها مومس – ويريد الزواج منها.

إن ما يميز آدمنا أن نتيجة صراع وعييه؛ محسومة دائما لصالح وعي المستقبل والمغامرة والتساؤل، حتى لو لم يمنحه ذلك الوعي يقينا ما، فهو مثلا حين تصله رسالة البحر يظل يبحث عن معنى لها دون جدوى، ويعرضها على بشر من جنسيات مختلفة وألسنة مختلفة فلا يعرفون ترجمتها، رغم أنها مكتوبة بحروف لاتينية، وكأن رسالة البحر له: ليس عليك أن تفهم كلماتي، ولكن عليك ألا تكف عن المغامرة والبحث والسؤال.

وحين يسأل أحد ممثلي الوعي الماضوي (جارته الإيطالية العجوز) هل يتزوج نورا المومس أم لا؟ تقول له: “وليه تشتري التروماي وانت تقدر تدفع ثمن التذكرة؟”، هذا الرد الذي يعكس قيمة تعلي من المادي هي أيضا محور صراع آدمنا مع الحاج هاشم (مالك شقة الإسكندرية) الذي يريد إخراج السكان من عمارته ويستعمل في سبيل ذلك الوعد والوعيد والإغواء والتهديد (في مشهد يقوم بإعطاء آدمنا تفاحة رمز الإغواء ويرفض آدمنا أن يأكل منها – ورمز التفاحة رمز تكرر كثيرا في أعمال داوود عبد السيد السينمائية – فيتبعه بالوعيد ويبدأ في استغلال علاقة آدمنا بنورا في محاولة طرده من الشقة، وكأنه يحاول تلطيخه بالخطيئة ليطرده كما طُرِد آدم التراثي من الفردوس.

كان لابد لآدم الحداثي أن يدخل في تجربته الأرضية ليُصفَى وعيه من شوائب علقت به تحمل قيما قديمة وليكون جديرا بتلقي رسالة البحر له، وليجد حواءه التي تدعوه بدورها للانفتاح على وعي المغامرة وثقافة البحث والسؤال –لا تخبره قط أنها ليست مومس، ولا أنها هي نفسها عازفة البيانو – ولو منحه ذلك الوعي حالة اللايقين التي تدفعه للمزيد من المغامرة، بحيث تكون الرحلة هي الهدف لا محطة الوصول.

حين ينسى آدمنا ماضيه وماضي نورا، ويتخلى عن شقته ويهرب بها، حينها يجد فيها حواءه التي سيكمل معها مغامرته، حواءه التي تدفعه إلى التمسك برسالة البحر رغم عدم معرفته لما تحتويه، وحينها يرتقيان ليكونا آدم وحواء حداثيين، عرشهما على الماء، فوق الجثث الطافية، وعلى أنقاض عالم قديم.

*ناقد فني وباحث أكاديمي

كتاب وكتاب في

07.05.2015

 
 

أمير كوستوريكا يكتب عن دروس الإخراج السينمائي

ترجمة: محسن ويفي

فكرة القيام بتعليم شخص ما كيف يصنع فيلما، هي فكرة طموح ومثيرة ايضاً. لكنها، في رأيي، ليست رائعة نهائيا. لقد قمت بتدريس السينما لمدة عامين في جامعة كاليفورنيا في نيويورك وانتهى الامر باحساس بانه من المستحيل تقديم أية مؤشرات حقيقية عن السبيل لصنع فيلم. ومع ذلك، اعتقد بانه من الممكن عرض افلام معينة وتحليلها، مع امثلة محددة للمناظر او اللقطات، كي نتبين كيف يستخدم كل مخرج موهبته كي يصنع فيلما. 

بالنسبة لي ، أؤمن ان الدرس الاول والاكثر اهمية لمخرجي المستقبل هو تعليمهم كيف يصيرون مؤلفين، كيف يتعلمون وضع رؤيته (او رؤيتها) داخل الفيلم. قبل كل ذلك، تعد السينما فنا تعاونيا، حيث تتعامل باستمرار مع الشكوك والاراء المختلفة للاخرين. ولدى صناع السينما الشبان غالبا افكار كثيرة رائعة ولكن مع خبرة قليلة للغاية، وما يحدث ان افكارهم هذه تتكسر عندما يواجهون متطلبات الواقع. ولكي تتجنب ذلك، عليك ان تكون قادراً على فهم من انت، ومن اين اتيت، وكيف لكل هذه الخبرة ان تترجم الى لغة فيلمية.

فعلى سبيل المثال، لو انك نظرت الى افلام فيسكونتي (Vesconti)، سترى في الحال اسلوب إخراجه المتأثر بحقيقة اخراجه للاوبرات نفس الشيء مع فيلليني ( Fellini) فيمكنك ان تلاحظ المصمم الرسام خلف المخرج. ومن الواضح ان الطريقة التي كبرت بها في شوارع سراييفو، في اتصال متواصل مع الناس، ومشحونا بطاقة تهمة لا تشبع، قد اثرت في مشواري الخاص بالسينما بدراسة كل افلام صانع فيلم وبفضول، حتى – منذ – الدقائق الخمس الاولى، ستلاحظ ان لكل منهم طريقته الخاصة في كيفية بناء فيلمه لو انك من ثم ميزت وقارنت بين كل اتجاهات صانعي الافلام، في النهاية ستكون قادراً على تحديد طريقك الخاص.

برنامجي

نقدم كل فترة من تاريخ السينما درسا مختلفا لمن يريد دراسته فمثلا، دائما ما ابدا مع طلابي بعرض فيلم "الاطلنطي" لجان فيجو لانني احس انه يمثل افضل توازن ممكن ما بين الصوت والصورة . لقد صور هذا الفيلم في الثلاثينات المبكرة، حيث كان كل شيء لا يزال جديدا نسبيا، وكان الصوت والصورة يستخدمان بقدر كبير من الحذر والاعتدال، الان، عندما اشاهد افلاما حديثة اصدم من كيفية امتزاج كلا العنصرين فهناك مبالغة منظمة اراها غير صحية على الاطلاق. 

بعد الاطلنطي، سانتقل بشكل عام الى جان رينوار (Jean Renoir) – وفيلم – قواعد اللعبة (Laregle du jeu) الذي اعتبره شخصيا التحفة الاعظم فيما يتعلق بالاخراج السينمائي بالنسبة لي، يعد هذا الفيلم ذورة الرشاقة في التعليق، بتاطير منقذ بابعاد بؤرية لا هي طويلة ولا قصيرة، دائما مغلفة برؤية انسانية ، بغنى بصري رائع وبعمق عظيم للمجال اكثر من ذلك، لقد كان رينوار – وربما حتى والده، المصور التشكيلي – الذي اثر في مزاجي للخلق الدائم للتطاير شديد العمق وشديد الغنى حتى وانا اصور لقطات قريبة، فهناك شيء ما يكمن خلقها ، فالوجه دائما موصول بالعالم الذي حوله.

إذا عدت الى برنامجي، سانتقل الى الميلودرامات الهوليوودية للثلاثينات والدروس المذهلة التي تقدمها المتعلقة بالبنية، البساطة، وكفاءة السرد. كانت هناك ايضا السينما الروسية بحسها الرياضي الغالب للاخراج، ثم سينما ما بعد الحرب – الثانية الايطالية مع فيلليني بطريقته في ربط جماليات ممتازة مع نوع من الروح المتوسطية التي تجعل من فيلم ما، متذبذبا وجذابا مثل عرض سيرك اخيرا، هناك السينما الاميركية في الستينات والسبعينات والطليعة، وباسلوب حديث على نحو حازم للسينما، حتى ان مخرجين مثل سبيلبرج (Spielberg) ولوكاس (Lucas) قد انتقلا بها الى خطة اخرى في الثمانينات.

حضور الحياة داخل الصورة

كانت افلامي الاولى كطالب تمتلك تماسكا رائعا على المستوى الفني لكنها لم تكن مثيرة للمشاهدة واعتقد ان واحدا من الدروس الاساسية التي تعلمتها اثناء دراستي السينمائية في تشكيوسلوفاكيا، كان المدى الذي تقف عنده السينما بين كل الفنون الاخرى فيما يتعلق بجانبها التعاوني ، لا اتحدث فقط عن فريق العمل الذي يصنع الفيلم وانما ايضا ما يوضع امام الكاميرا، ما يصنع روح المنظر ويبعث فيه حياة ، اكتشفت باعتباري مخرجا انني املك مجالا متسعا من عناصر تحت تصرفي حتى انني احشد نوعا من الفيسفساء حتى ينعبث وهج فريد فيبعث الحياة في المنظر ، هناك شيء ما موسيقى جدا يتعلق به، كما لو، في استخدام انواع مختلفة من الصوت، كنت احاول خلق احساس متناغم داخل لا شعور المتفرج وليس نقل رسالة منطقية ذهنية. وهذا يفسر لماذا استغرق قدرا كثيرا من الوقت في تحضير كل لقطة ودائما ما اتأنى في تصويري احاول ان اجعل كل مجال العناصر المختلفة متوافقا مع كل مجال المستويات المختلفة الى ان تبرز العاطفة المطلوبة عبر الصورة وهذا يفسر ايضا كل هذه الحركة الكثيفة في افلامي. اكره فكرة ايضاح مشاعر الشخصيات عبر الحوار. اشعر ان العواطف المعبر عنها بالكلمات بديلا عن الافعال هي اداة بسيطة اختارتها السينما مرارا وتكرارا في غالب الاحيان. إنها مثل المرض، لهذا احاول ان اجعل شخصياتي تتكلم قليلا بقدر الامكان، وإذا كان عليها ان تتحدث اتأكد من انهم او الكاميرا سيكونون في حالة حركة. هناك منظر واحد في فيلم "قطة سوداء ، قطة بيضاء" ما زلت شديد الاعجاب به على وجه الخصوص ، إنه منظر لممثلين اثنين يتشبثان بخاتم مطاطي ويعترف كل منهما للاخر بحبهما. فالطريقة التي صورت بها المنظر هي ان يدور الخاتم وتصاحب حركته حركة للكاميرا، وعندي، ان هذه الحركة الدائرية – فالدائرة هي الشكل الهندسي الاكثر روعة في العالم – جعلت اللقطة ساحرية بخلاف الكلمات التي يمكن ان تقولها الشخصيتان الاثنتان كل منهما للاخر.

ذاتية كمبدأ

الخطأ الاسوأ الذي يمكن لصانع افلام شاب ان يرتكبه هو الاعتقاد بان السينما هي فن موضوعي، فالسبيل الوحيدة الصحيحة كي تصيح مخرجا ليس فقط في امتلاكك لوجهة نظر شخصية وانما ايضا ان تفرضها داخل الفيلم. على كل مستوى فانت تصنع فيلمك، كما لو انك تصنعه لنفسك، دائما على امل بطبيعة الحال، ان ما احببته فيه، سيحبه ايضا الاخرون. لو انك حاولت صنع فيلم للجمهور، فانك ان تفاجئهم ولو انك لم تفاجئهم فانك ان تجعلهم يتاملون او يتطورون. ولهذا، يعد الفيلم اولا واخيرا فيلمك هل عليك كتابة السيناريو بنفسك كي تصير المؤلف الحقيقي للفيلم باكمله؟ لا اعتقد ذلك. بل على العكس، فانا اؤمن بان لديك حرية اروع للحركة لو ان كل ما تفعله هو الفيلم. عادة ما اعيد معالجة سيناريو شخص آخر، ولكن في موقع التصوير، اضيف الكثير من نفسي حتى اقوم على نحو منظم بمباشرته. فالسيناريو هو مجرد اساس، ركيزة اتكئ عليها لبناء هندسة الفيلم لم اسمح لنفسي إطلاقا بان اظل محبوسا داخل النص اظل منفتحا على الافكار الجديدة التي يقدمها الممثلون او ظروف التصوير وفوق كل ذلك، ودائما ما اتاكد ان الفيلم سيحتوي على كل انواع نفس العناصر الشخصية. وهذا يفسر الوجود الدائم للهائمين، للاعراس، لفرق موسيقية نحاسية، واشياء اخرى دائما في افلامي. فهذه هي وساوسي التي تظهر بانتظام، تشبه قليلا حمامات السباحة في لوحات هوكني (Hockney) التشكيلية. 

فالعناصر هي دائما ذاتها، ولكنني اعيد وضعها بشكل مختلف في كل مرة كي تروى حكاية اخرى على مستوى تكتيكي ايضا، يعد اخراجي ذاتيا تماماً. فكل مخرج يواجه من الناحية الاساسية، معضلة عندما يحين وقت وضع الكاميرا. فلابد ان يكون هناك قرار فني يتخذ معتمداً على منطق ما وحتى تأويل اخلاقي او اعتماداً على غريزة نقية. 

ودائما ما اجعل غريزتي ترشدني ولكنني اتفهم الاخرين عندما يجدون ان المنطق اكثر ضمانا. على أية حال، ليست هناك بالفعل قواعد – نحوية – سينمائية او بالاحرى هناك مئات منها، طالما ان كل مخرج يبدع قواعده او يبتكر قواعده الخاصة.

على الكاميرا ان تقرر كل شيء 

عندما اقوم بتحضير منظر ما، دائماً ما ابدأ بتحديد موضع الكاميرا، طالما انني اؤمن بان الاخراج يتضمن اولا وقبل كل شيء التحكم في المكان، وماذا تريد ان تراه داخل هذا المكان هذا هو اساس كل سينما الان، يجب ان يمارس هذا التحكم في المكان عبر الكاميرا وعلى الممثلين ان يتمثلوا للتأطير السابق التحضير، ولي لأي طريقة اخرى فأول كل شيء، ولأسباب عملية فان من الايسر ان تطلب من ممثل ما ان يتكيف مع المحددات البصرية عن التكيف مع الجانب التكتيكي من افكار الممثل وحينها، ستقوم الكاميرا بمساعدة المخرج في توجيه الممثلين بمعنى، لو انه يعرف كيف يفرضها كعين للمنظر، فانه يعطي للممثلين نقطة مرجعية تجعل من كل شيء بسيطا وواضحا، فالكاميرا هي حليف المخرج طالما انها مصدر قوته، إنها النقطة التي يحدد على اساسها كل قراراته حتى ولو كانت مع ذلك اعتباطية.

في رأيي الخاص، فان الخطأ الذي يرتكبه المخرجون المبتدئون هو التعامل مع السينما باعتبارها شكلا من مسرح مصور فيكونون شديدي الامتنان لعمل الممثلين.

حتى انهم يجعلون منه الافضلية ولا يتمكنون من فرض وجهة نظرهم البصرية وعادة ما يشتغل هذا الميل ضدهم، طالما ان الممثلين في حاجة لمن يوجههم وفي احتياج للتأطير داخل مكان متغير الحدود فالمخرج الذي يسمح لممثلين بان يظلوا مطلقي السراح سيجد نفسه في الحال ضعيفا وغير حاسم، وسيسبب ذلك لهم الذعر والهلع.

في نفس الوقت عليك تجنب ضيق الافق، فعندما يكون من المهم للغاية الاقتراب الملموس من تصوير منظر ما، فانه من الاهمية القصوى ايضا، ان تصير مستقبلا لمفاجآت وافكار من خارجك وبينما اعرف دائماً ما سيكون عليه المنظر الذي اريده، فمن النادر ان اتمكن من تخمين ما سيتبدى عليه في النهاية.

اقترب من كل فيلم كما لو أنه اول فيلم 

لأي مخرج هدف جمالي واحد فحسب عند صنع فيلم ان يتحفز بما ينوي تصويره اعرف انه منظر رائع عندما اشعر بدقات قلبي اسرع ونفس مبرر صنعي للافلام هو شعوري بهذا الاحساس. احتاج للعبور الى العالم بفعل تقديم الفيلم. وعندما اصنع ذلك، أؤمن بان ذلك الاحساس يمر عبر الشاشة، وان المتفرج سيشعر به بدوره ولتحقيق هذا، برغم ذلك اعتقد انك في حاجة للاقتراب من كل فيلم كما لو انه فيلمك الاول.

تجنب الوقوع في الروتين، ولا تقف ابداً للاستكشاف او للاستنباط ومع الخبرة صار الامر سهلا للغاية ان تعود للعادات القديمة وللتغير البسيط للعدسات كي تخلق ديناميكية جديدة. لكن عليك ان توقف نفسك عن فعل ذلك فمثلا، ارفض دائما تغطية منظر ما فاقرر طريقة واحدة للتصوير واثابر عليها، حتى لو ان ذلك سيسبب صداعا اثناء التوليف. فانه تحد متواصل ولكنه يجبرني على التفكير في القرارات التي على اتخاذها في موقع التصوير ولا اتردد ابدا في الدفع باية فكرة الى منتهاها . هناك اوقات عندما كنت اجادل بشأن رد الفعل المتأخر للقطة، لكنني اجبرت نفسي على سبر الغور الى اقصى حد، للدخول الى القلب، لنفسي جوهر المنظر وهذا يفسر كيف انتهت بي الحال الى تصوير خمس عشرة او عشرين لقطة من اجل لقطة واحدة.

اعرف ان ذلك كثير جدا. إنه عدد ضخم وهو مخيف بالنسبة للمنتج ولكن عندما اكتشف ان ستانلي كوبريك (Stanley Kubrick) يصور خمسين لقطة في فيلمه الاخير، فذلك يبعث الطمانينة في نفسي.

 تحرير: لوران تيرارn

ذاكرة السينما: هيروشيما حبيبتي

عرض: كمال لطيف سالم

فيلم “هيروشيما حبيبتي” قصيدة سينمائية أخرجها آلان رينيه عام 1959. وقد حقق الفيلم نجاحا فنيا هائلا في داخل فرنسا وفي خارجها. واعتبره النقاد أروع أفلام تيار «الموجة الجديدة» في السينما

لقد كان المخرج شديد الرغبة في معالجة مشاكل عصره الجادة. فأخرج فيلما هاجم فيه الاستعمار بعنف، وهو فيلم «التماثيل تموت أيضا» عام 1952. ثم فيلم «الليل والضباب» - عام 1956 - عن معسكرات الاعتقال النازية وحينما دخل ميدان الأفلام الروائية الطويلة عالج أكثر المشاكل المعاصرة حدة والتهابا، وهي مشكلة القنبلة الذرية.. مشكلة الحرب والسلم. فقدم (هيروشيما حبيبتي) عام 1959.

ممثلة فرنسية جاءت إلى هيروشيما لتصوير فيلم عن القنبلة الذرية.. تنشأ بينها وبين مهندس ياباني علاقة غرامية، تثير في ذاكرتها جانبا من حياتها خلال الحرب في بلدتها الفرنسية - أثناء الاحتلال النازي - وعلاقتها بجندي ألماني شاب!. في الجزء الأول من الفيلم يقدم لنا المخرج، عن طريق فن المونتاج, مأساة هيروشيما من خلال أجزاء من الجرائد السينمائية والأفلام التسجيلية ومن بعض الأفلام الروائية اليابانية. وقد أعيدت صياغتها معا ببراعة وقوة. وصوت إنساني لا يفتأ يكرر «لا. لم نر شيئا من هيروشيما!». 

ومع الأحداث التي تدور بين الممثلة الفرنسية والمهندس اليابانى في حبهما الخاطف الكبير، خلال أربع وعشرين ساعة.. في بيوت المدينة وشوارعها ومطاعمها، وفي المحطة, تختلط ذكريات الحرب في فرنسا والعقاب الشديد الذي لحق بالمرأة - وكانت في ذلك الحين شابة صغيرة السن - لأنها أحبت عسكريا ألمانيا شابا. قتلوه بعد ذلك أمام عينيها. وتلتحم الدراما الفردية بالمذبحة الجماعية في صرخة إنسانية واحدة تنطلق من قلب الفيلم فتهز أعماق أي متفرج: «كيف يمكن عمل ذلك. لمخلوق إنساني. وللملايين من البشر!؟» تلك هى «التيمة» الرئيسية في الفيلم. صيحة مدوية ضد الحرب النووية الحديثة التي توشك أن تدمر الإنسان والعالم. وكل ما على الأرض من حياة

لقد كان فيلم (هيروشيما حبيبتي) أروع إنتاج فني «للموجة الجديدة» - ليس فقط لأسلوبه الثوري في المعالجة السينمائية للموضوع. وإنما أيضا لوقفته الإنسانية العميقة الصلبة إزاء مشكلة الحرب والسلم. نسي صاحب المقال ومترجمه الإشارة إلى الدور الذي لعبته كاتبة النص وهي مارجريت دوراس في نجاح الفيلم.

الوعي السينمائي ورفض الدلالة

د.شاكر عبد العظيم جعفر

ترتبط السينما بتاريخ غير بعيد مع الانسان وهذا واضح للجميع ، الا انها ولارتباطها بالآلة وتطوراتها نلاحظ تطورها المتسارع بكل مكوناتها ، ما جعل ثمة تداخل رهيب مابين السينما وعلوم ومناهج اخرى ، قد يرفضها دارسو السينما والباحثون والعاملون فيها ، وهو امر مهم جدا يسعى لمحاولة تقشير ما علق بجسد الفن السينمائي من خارجه ومحاولة النظر الى السينما بكونها ناتجة من اتحادات ليست من صميمها ، بمعنى ان السينما تعول على مجالات اخرى لتكميل ذاتها . وهو امر يحاول هذا الكتاب الاشتباك معه ومعالجة تلك الاشكالية بطريقة مثيرة للإعجاب وتشير الى ذائقة سينمائية ووعي غي منمط امتلك حريته ، فانطلق يتساءل ويتشاكل ويرفض ويحقق ويزيح . من اجل فلم سينمائي نابع من روح السينما وليس من مكونات مجالات اخرى . فالسينما عقل حاذق وآلة بحس رفيق وقدرة على التشكيل والبناء الصوري .

في كتاب (دلالة السينما ) للناقد والمخرج السينمائي العراقي فراس الشاروط هناك سعي حثيث الى ايجاد افضل الطرق لملاحقة المصطلح بعد انتقاله من بيئة سابقة الى بيئة لاحقة ، بمعنى ان المصطلح الداخل الى المجال السينمائي سيكتسب وجوده ودلالاته وفق سياقه الجديد بعيدا عن مفايهم اللغة والنحو والاتجاه نحو لغة مختلفة عن اجناس ادبية اخرى.

فما هي الدلالة في السينما اذا ما عرفنا ان ثمة اتفاقا على كون اللفظ المفرد لا دلالة له الا بدخوله في سياق يحدد دلالة تلك المفردة ، فهي متغيرة بتغير السياق ، وهناك اشكالية اخرى فيما يتعلق بالدلالة والمعنى ، اذ ان المعنى يهتم بدراسة تراكيب السياقات وبناء الدلالة تهتم بالمفردة . والهدف هو تخليص فن السينما من تبعات المصطلح اللغوي الذي يتعامل معها كلغة ولا باس بذلك ، ولكن ان يزيح عنها خصوصيتها الفنية الى مشكلات علم اللغة والدلالة ما يمنح تلك الخصوصية في التحليل الفيلمي او النقد السينمائي .

فالسينما هي فن مستقل ، وهي مزيج فيزياوي . وخصيصة المزيج ان تجانسه ظاهري خادع يسهل بقليل من الجهد فصل مكوناته واستقلالها ، والسينما ليست خليطا ، (الصوت من الموسيقى والقصة من الادب والتمثيل من المسرح والتكوين من العمارة ) ، فهذا خطأ ، لان السينما ليست عملية الصاقية (كولاجية) بل هي كينونة لا مجال الى فصل مكوناتها.

والسينما صناعة بالمعنى الاقتصادي ، وهو ما لايمكن ان يوجد في اي فن اخر ، هي فن مرتبط بعلاقة متبادلة بين الانسان والآلة وهنا تساوي اهمية المستهلك اهمية الفن نفسه.

وبخصوص الدلالة السينمائية مع خطورة استخدام هذا المصطلح ، لا تبنى على اساس اللقطة او المشهد لانها ، خلافا اللغة الطبيعية ، لا تمتلك ارثا تداوليا يفتح افق الدلالة على اتفاق عام ، فالسينما تؤسس في كل فيلم لنظام تعبيري مختلف ليست له مرجعية راكزة في ذهن المتلقي او في تراث السينما نفسه.

الفيلمولوجيا ، لو اتيحت له فرصة الاستقلال لكان بديلا عن اللغة السينمائية التي شاعت في المدونات النظرية والاجرائية في البحوث السينمائية ، وهذا ما يعني دراسة التعبير السينمائي مستقلا عن تأثيرات غيره من العلوم ما يضمن استقلال البحث عن تأثيرات تلك العلوم ومناهجها.

وفق ذلك يمكن ملاحظة القدرة التجاوزية للسينما لمفهومي الدلالة والمعنى من خلال قدرتها على تجاوز الاصل الواقعي والذهني للمعنى ، فاذا كان المعنى يتأسس وفق معطيات الواقع العينية او على تجاوز عينية الواقع عبر نشاط تخييلي او تجريدي ، فإن السينما تتأسس على واقع غير عيني ، لانها تعمل على صنع واقعاا موازٍ تختلط فيه مفاهيم الادراك بمعطياته الحسية والتخيلية والتجريدية.

اذا كان المبدع السينمائي يفكر باللغة ، ويرى ان السينما لغة بصرية ، وانها وسيلة تعبير كاللغة تماما ، فليس في وسعه التخلص من ظل سلطة اللغة في ابداعه السينمائي ، وان على المبدع السينمائي ان يعي ان استخدامه اللغة في السينما انما يجعلها هي ذاتها مكونا دلاليا ضمن مكونات السينما .

جاء الكتاب بثلاثة فصول ألحقت بها هوامش تعريفية بالمصطلحات الواردة بالكتاب ، فكان الفصل الاول (الدلالة بين اللغة والسينما) والفصل الثاني (السينما من الدلالة الى التعبير الفيلمي /الفيلمولوجيا) والثالث (المكون الدلالي وكيفية توظيفه سينمائيا) . الكتاب فيه من المعلومات عن السينما الشيء الجميل والمثري للقارئ ، وهو يستحق القراءة بجدارة لانه يمتلك متعة عاليه في الاسلوب وطريقة تناول المعلومة . انه كتاب رائع ومن اجمل ما قرأت لعام 2014.

المدى العراقية في

07.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)