كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

"في الهاوية": سؤال الحياة والموت

أمير العمري

 

المخرج الألماني المرموق "فيرنر هيرتزوغ" معروف بنزعته الإنسانية، أي اهتمامه بالمصير الإنساني، بالتوقف كثيرا في أفلامه الروائية والتسجيلية، أمام تيمة الوجود ومغزى ما نقوم به وعواقبه، كما أنه مهموم باكتشاف الجوانب الخفية في النفس البشرية عموما، ومحاولة فهم الدوافع الإنسانية وتعقيداتها وتناقضاتها

هذا البحث المستمر قاد هيرتزوغ إلى التوقف أمام جريمة بعينها، وقعت في منطقة ريفية من ولاية تكساس عام 2001، ليس بغرض البحث فيما يتعلق بدوافع مرتكبيها وما تلى القبض عليهم ثم محاكمتهم والحكم عليهم، بل مناقشة فكرة الحكم بإعدام إنسان من جانب إنسان آخر. هذه المسألة المركبّة التي تضع قرار "الموت" في أيدي البشر، وإذا كان جميع الأطراف، من القتلة وأقاربهم وأقارب الضحايا والشرطة ومنفذو الإعدام، يتفقون على إرجاع كل شيء كما نرى في الفيلم، إلى المشيئة الإلهية، فما هو دور الإنسان هنا في تقرير ما يجب أن يكون؟ 

في الهاوية

فيلم هيرتزوغ، وهو بعنوان "في الهاوية" Into the Abyss، يسرد في بدايته وقائع جريمة القتل التي اشترك فيها شابان كانا في التاسعة عشرة من عمرهما، هما مايكل بيري وجيسون بيركت، قتلا سيدة وحيدة كانت تقوم بإعداد الطعام في مطبخ منزلها، ثم تخلصّا من جثتها بإلقائها في بحيرة قريبة، بهدف الاستيلاء على سيارتها الفاخرة، ثم عادا فقتلا إبنها وصديقه لكي يحصلان على مفتاح شيفرة بوابة الدخول إلى حيث توجد السيارة.

حُكم على المتهم الأول بالإعدام، وعلى الثاني بالسجن لخمسة عشر عاما. وهو ما يتوقف أمامه هيرتزوغ في سياق فيلمه، لمعرفة السبب، لكن اهتمامه الرئيسي، ليس مُنصبّا على الجانب البوليسي في الموضوع، فلا تساؤلات هنا حول ما إذا كان المتهم مذنب أم بريء، فلا شك في أنهما مدانان، وقد اعترفا بالفعل بذلك، والأدلة موجودة وواضحة، وما يسرده الشرطي في الفيلم من تفاصيل مدعومة بفيلم فيديو صورّته الشرطة لمنزل الضحية وما وقع داخله وفي المنطقة المحيطة به ليلة وقوع الجريمة الثلاثية، كافٍ تماما ودامغ، لكن اهتمام هيرتزوغ هنا يتركّز على محاولة فهم عقلية مرتكبي الجريمة، فيم كانا يفكران وقتها وكيف ينظران إلى ما حدث الآن بعد مرور سنوات، أي بعد أن كبرا وعاشا تجربة السجن، وخصوصا أن أولهما مايكل، يظهر أمام الكاميرا في الفيلم ليتحدث قبل ثمانية أيام فقط من تنفيذ الحكم بإعدامه.

ويصور هيرتزوغ غرفة الإعدام من الداخل، والسرير الذي سيرقد فوقه مايكل ثم يتم تقييده بالأحزمة قبل حقنه بحقنة سامة، ويوجه الكثير من الأسئلة إلى مايكل الذي يبدو مبتسما قانعا بمصيره، لا يخالجه أدنى أمل بتغييره قانعا بأنها مشيئة الله، مكررا أنه أدرك وتعلم الكثير خلال فترة سجنه التي تجاوزت تسع سنوات  قضاها في السجن.

ذنب الأب

يلتقي هيرتزوج بالجاني الثاني جيسون، الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة وقد تعلم داخل السجن، وهو يلوم والده الذي أهمل تربيته منذ الصغر على ما انتهى إليه، ووالده نفسه محكوم حاليا بالسجن لمدة أربعين عاما وليس أمامه أي أمل في الخروج حيا، وهو يعترف بالتقصير في تربية ابنه وتوفير الرعاية له بسبب إدمانه المخدرات والخمر، ثم ارتكاب العديد من الجرائم. والرجل يعرب عن حزنه الشديد على إعدام مايكل صديق ابنه الحميم كما يقول، ويشرح لهيرتزوغ أنه قدّم شهادة أمام المحكمة لصالح ابنه وقال للمحلفِّين أنه يتحمل مسؤولية انحراف الإبن وأنه يشعر بأنه رجل فاشل، لم يُكمل تعليمه وتخلّى عن رعاية ابنه مبكرا، وطالب المحلَّفين بألا يحكموا على جيسون بالإعدام، وقد تعاطف معه عضوان في هيئة المحلفين فحصل جيسون على حكم بالسجن فقط، الأمر الذي يضع نظام العدالة الأمريكية محل تساؤل!

نتعرّف أيضا على المرأة التي فقدت والدتها وشقيقها في الحادثة، وهي تتحدث عن الفترة الصعبة التي عاشتها بعد فقدانهما، وكيف أنها ظلّت لأربع سنوات لا تستطيع مغادرة منزلها، وتقول أيضا أنها لاتزال من مؤيدي الحكم بالإعدام بشكل عام، كما تروي كيف حضرت تنفيذ الإعدام في مايكل وكيف أنه نظر إليها وهو في طريقه للموت وقال لها إنه يسامحهم جميعا!
هيرتزوغ في حواره مع مايكل قبل أن يُعدم، يقول له من وراء الكاميرا، إنه ربما لا يحبه، ولكنه يرفض فكرة أن يأخذ أي إنسان حياة إنسان آخر، أي يُحدِّد  موقفه بوضوح في الفيلم بأنه ضد الحكم بالإعدام. ولكن فيلمه ليس مجرد بيان احتجاج على عقوبة الإعدام، بل تأمُّل مشاعر كل من الضحايا والمجرمين خلال تلك اللحظة الفارقة في مسار حياتهم، واختبار كيف تلقي الأحداث الاستثنائية بظلالها على مصائر البشر. هناك نوع من العبث يتعلق بالدافع لارتكاب الجريمة، أي سرقة سيارة للاستمتاع بقيادتها، وهو ما أدّى إلى إراقة كل هذه الدماء، ثم الوقوع في أيدي الشرطة، في عمر مبكر للغاية. وهناك فكرة الموت المعلن المحدد سلفا باليوم والساعة وكيف يواجه الإنسان مصيره هكذا قانعا بعدم قدرته على تغييره، وكيف تعمل آلية الإعدام نفسها في الولايات المتحدة، وما شعور القائمين على تنفيذ الإعدام.

هذا فيلم حزين يفيض بالألم والشقاء، يجعل الضحايا مثل المذنبين، فكلهم تعساء. تقول إبنة وشقيقة السيدة القتيلة إن حياتها كلها كانت سلسلة من الأحداث المؤسفة، فقد انتحر شقيقها وتوفى والدها قبل أسبوع من زفافها، وقتلت شقيقتها وفقدت أقارب آخرين لها في جرائم قتل أخرى، وكأن المنطقة التي تعيش فيها أصبحت منطقة للقتل فقط!

بعض الأمل

الشخصية الوحيدة التي لديها قبس من الأمل هي زوجة القاتل الثاني جيسون، تظهر مبتسمة طول الوقت أمام الكاميرا، سعيدة بأنها أصبحت حاملا من جيسون. ويسألها هيرتزوغ كيف حدث الحمل بينما جيسون نفسه يقبع وراء القضبان منذ سنوات، وأن الزيارات المرتبة التي تقوم بها له في السجن، غير مسموح فيها بأكثر من التلامس بالأيدي؟ فتجيب بأنها قد حملت وفقط.. أي أنها لا تريد أن تكشف كيف أمكنها التحايل لكي يحدث الحمل. وهي الآن تنتظر مولودها في ترقُّب، كما أن لديها أمل في أن يخرج جيسون بعد فترة من السجن ليستأنف الاثنان حياتهما معا.

كاميرا هيرتزوغ تتوقف طويلا أمام الشخصيات التي يحاورها، تحصر الوجوه في لقطات قريبة، تريد أن تتسلل إلى داخل العيون، وأن تقرأ ما في الصدور، وتلتقط كل إيماءة أو ارتجافة أو ارتعاشة جفن أو عين، ولعل المقابلة الأهم والأكثر تأثيرا في الفيلم كله، هي مقابلة هيرتزوغ مع فريد ألين، مسؤول غرفة الإعدام بالحقن السامة في إحدى مدن ولاية ألاباما، وقد أشرف لسنوات على ما يقرب من 125 عملية إعدام، وهو يصف في حديث تلقائي مسترسل، مشاعره وهو يتطلع إلى عيني الضحية الراقدة في استسلام قبل أن تواجه مصيرها، ويروي بوجه خاص تأثير تنفيذ إعدام سيدة وقسوة التجربة عليه، الأمر الذي دفعه بعد ذلك إلى رفض عقوبة الإعدام ثم استقال من عمله وقبِل التضحية بمعاشه التقاعدي لكي يحصل على راحة البال، وأصبح يكتفي حاليا بتربية الحيوانات الأليفة ورعايتها والتطلع إليها وهي تكبر، أي أنه يعيش تجربة بثّ الحياة بعد أن كان يزرع الموت!

فيلم "في الهاوية" محاولة هادئة للتغلغل في جنبات موضوع ذهني، فلسفي ونفسي مثير، رغم ثقل حواراته وتدفقها أحيانا خارج السياق، فهيرتزوغ يترك الكاميرا ترصد كل ما تعبر عنه الشخصية التي يحاورها دون مقاطعة أو تدخل بالرأي، بل يكتفي فقط بالإنصات. ويترك للمشاهدين بالتالي حرية الوصول إلى رأي وموقف.

"ضائع في الظلام"

محمد هاشم عبد السلام

يقول المؤرِّخ السينمائي الفرنسي الكبير هنري لانجلوا: "لا تقولوا عن فيلم ما إنه مفقود حتى ينتهي البحث عنه، والبحث لا ينتهي".

"ضائع في الظلام" هو عنوان أحد أقدم الأفلام الإيطالية الدرامية التي ظهرت في مطلع القرن الماضي، والتي ترجع إلى بدايات السينما الصامتة. كذلك يشير الكثير من المؤرخين والنقاد إلى أن الفيلم أيضًا من أوائل الأفلام الإيطالية التي تُعتبر أحد مصادر الإلهام الأساسي لما يُعرف بتيار الواقعية الجديدة الإيطالية في الأربعينات. وفيلم "ضائع في الظلام" من إنتاج عام 1914 ومن إخراج "نينو مارتوجليو"، وهو مقتبس عن مسرحية إيطالية قديمة يرجع تاريخها إلى عام 1901 تقريبًا، وهي من تأليف الأديب الإيطالي "روبيرتو براكو". تلك فقط هي المعلومات التاريخية التي نعرفها عن الفيلم إلى جانب بعض الصور الفوتوغرافية والمطبوعات البالية.

أما قصة الفيلم فتدور حول الفتاة الشابة "باولينا" (فيرجينيا بلاستيريري)، وهي ابنة غير شرعية لدوق "فالينزا"، والتي تحيا حياة بائسة، وتعيش في فقر مدقع يضطرها إلى التسول في الشوارع. وأثناء تسول باولينا هنا وهناك، تلتقي مصادفة بالشاب عازف الكمان الأعمى "نونزيو" (جيوفاني جروسو الابن)، الذي يعاني بدوره من استغلال وسوء معاملة زوج والدته. بالتدريج، يتقاربان ويتقاسمان الهموم، وشيئًا فشيئًا يُحبّ أحدهما الآخر. أما الدوق العجوز، وقد شعر بالندم وتأنيب الضمير في أواخر أيامه، فيحاول البحث عن ابنته باولينا، لكنه لا ينجح في النهاية، وفي آخر المطاف يترك ثروته وكل شيء لخليلته "ليفيا". في حين، تستمر حياة الفقر والبؤس والتسكُّع في الطرقات والأزقة التي يحياها نونزيو وباولينا.

أما فيلم، "ضائع في الظلام" 2014، الفيلم الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا بالأساس، والمُنجَز بعد مرور مائة عام تحديدا على الفيلم القديم، فهو للمخرج التسجيلي والمصوِّر الإيطالي لورينزو بيتزانو، وقد أنجزه حول لغز ضياع الفيلم القديم ومحاولة العثور عليه. يمتدّ زمن عرض الفيلم لساعة وثلث الساعة تقريبًا. أما سيناريو الفيلم فقد كتبه فيدريكو فا?ا، ويقوم ببطولته، إن جاز التعبير، دينيس لوتي، وهو باحث في جامعة "بادوا"، تنقّل بين العديد من أقسام الأرشيفات المتنوعة المختصة في السينما ومجالات حفظ وصيانة وأرشفة الأفلام، ومن بين أدواره في الحياة على حد قوله، تتبع آثار الأفلام المفقودة.

يفتتح لورينزو فيلمه، بالتحدث عن مدى أهمية الفيلم القديم ودوره المحوري في تاريخ السينما الإيطالية وتأثيره على العديد من المخرجين منذ خروجه إلى النور في بدايات القرن وحتى فترة الحرب العالمية الأولى وما بعدها إلى أن ظهر تيار الواقعية الجديدة في إيطاليا، وذلك عبر تحدُّثه مع العديد من النقاد والباحثين. ثم يأخذنا بعد ذلك الباحث دينيس لوتي في رحلة أخرى تطلعنا على الأمر الذي تسبّب في فقدان هذا الفيلم وملابسات هذا الاختفاء. وقد لجأ المخرج لورينزو لبعض اللوحات المرسومة والملونة يدويًا من أجل إيضاح أو إحداث بعض النقلات التي كان يصعب التعبير عنها أو تجسيدها.

الفيلم القديم، كما يخبرنا لوتي، نظرًا لأن شركة صغيرة هي التي قامت بإنتاجه، ولأنه أيضًا لم يحقق نجاحًا جماهيريًا يذكر، لم يطبع منه الكثير من النسخ السلبية أو النيجاتيف، وتلك التي طُبعت لم يتبقّ منها في النهاية سوى نسخة واحدة نجت بعد سنوات الحرب، وكانت محفوظة في أرشيفات "مركز السينما التجريبية" في روما.

كانت نسخة الفيلم تُعرض مرارًا وتكرارًا في قاعات العرض للمتخصص أو لمن يرغب في مشاهدته من المهتمين إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية، وسُرقت نسخة الفيلم بالإضافة إلى نسخ وحيدة لأكثر من ثلاثمئة وثلاثة عشر فيلمًا من تراث السينما الإيطالية، إلى جانب العديد من المعدات السينمائية، وذلك من جانب وحدات الجيش الألماني التي فرّت من إيطاليا في خريف عام 1943. وعبر المزيد من التحرِّي والبحث والتنقيب، نكتشف أن الأفلام والمعدات لم تُسرَق أو بالأحرى لم يتعمّد الجيش الألماني سرقتها ولم يتسبب في تبديدها أو ضياعها.

نكتشف أن الأفلام والمعدات تم تحميلها ذات يوم على متن أحد القطارات القادمة من روما، والتي كان من المفترض به أن يتوقف في فينيسيا، حيث أراد موسوليني وهتلر آنذاك أن يبنيا أو يؤسسا استوديوهات وأماكن جديدة، في جمهورية سالو الناشئة، لإنتاج أفلام تخدم مخططاتهما وتوجهاتهما السياسية، وذلك في "سينيفيلاجيو" أو "جزيرة السينما" التي احتلّت حدائق وأجنحة البينالي والتي تأسست عام 1943 كي تحلّ محل أو تلعب دورًا مماثلا للدور الذي تقوم به مدينة السينما الإيطالية "شينيشيتا". حيث كان يرى موسوليني أنه قد فقد أقوى سلاح في الحرب، على حد قوله، وهو السينما. وفي فينيسيا، حدث ما لم يكن متوقعًا، إذ لم يتوقف القطار هناك دونما سبب واضح، ومن ثم، سار كل ما على متنه من أفلام ومعدات صوب جهة أخرى غير معلومة.

محاولا تتبُّع خط سير ذلك القطار ومعرفة مصير ما كان على متنه من مواد ومعدات وأفلام، بعضها لا توجد منه أي نسخ أو نيجاتيفات، تشكل جزءًا من تاريخ صناعة السينما الإيطالية كما أسلفنا، انطلق لوتي في أنحاء أوروبا باحثًا عن تلك الكنوز ولغز اختفاء تلك المواد وذلك القطار، وقد اصطحبنا معه في رحلة ممتعة وشيقة ومؤلمة في نفس الوقت لنا نحن في منطقتنا العربية، حيث لا يوجد أرشيف سينمائي أو سينماتيك بمعنى الكلمة في بلداننا، كما يتبدى لنا في الفيلم، ولو حتى على مستوى ذلك الموجود في مدن صغيرة بعيدة معزولة لم يسمع بها أحد في بلدان فقيرة بأوروبا. وهو أمر مرير بالفعل ويدعو للحسرة، لا سيما مع مشاهدة مدى الدقة والاهتمام والاعتناء الذي يتم التعامل به مع تلك الكنوز المؤرشفة، والتي يرجع تاريخ بعضها لبدايات عصر السينما في تلك البلدان.

ينطلق لوتي في رحلته من ميلانو حيث يلتقي هناك ببعض هواة السينما (السينيفيليين) الذين يرشدونه ويضعون له خطة بحث قد تفيده وذلك بعدما يطلعونه على ما لديهم من مواد نادرة. ثم يتجه بعد ذلك إلى روما وغيرها من المدن الإيطالية حيث توجد أرشيفات السينما والمكتبات السينمائية بالجامعات والمعاهد. بعدها يتوجه لوتي إلى العديد من الأرشيفات السينمائية في أوروبا، حيث يحتمل أن يكون القطار قد توقف أو مرّ، فبعد ذهابه إلى فيينا حيث "متحف السينما النمساوي" يتوجه إلى العاصمة الألمانية برلين، حيث متحف السينما و"استوديوهات بابلسبيرج" وغيرهما من أماكن الحفظ والأرشفة. وعندما لا يعثر على بغيته، يسافر إلى منطقة أخرى في بولندا، حيث يصل إلى بلدة صغيرة تدعى "كوستبراو". ويختتم جولته في النهاية بالذهاب إلى روسيا، وبالتحديد إلى "جوسفيلموفوندو" في موسكو.

المثير في الأمر، أنه خلال رحلة لوتي البحثية الشيقة، نجح بمحض الصدفة البحتة في العثور على العديد من الأفلام أو أجزاء الأفلام أو أشرطة الصوت لأفلام، كان يعتقد منذ سنوات بعيدة أنها قد فُقدت أثناء الحرب ولا أثر لها. كذلك نتبين أن الكثير من الأفلام القديمة ليست صالحة كلها لأن يعاد استعادتها أو ترميمها، مع الأسف، نظرًا لأن بعضها تتغير ألوانه أو إضاءته ويفقد الكثير من حالته التي كان عليها في الأصل.

من ناحية أخرى، نكتشف مع لوتي ومخرج الفيلم أن الأمر قد تجاوز موضوع الفيلم المفقود وتاريخ السينما إلى البحث في تاريخ إيطاليا نفسه عبر ومن خلال السينما. وأن الفيلم، عن طريق رحلة البحث تلك، يسلط الضوء على التاريخ السياسي كذلك وما تعرّض له المخرجون والفنانون على يد موسيليني، إلى جانب التركيز أيضًا على إيضاح الدور الذي لعبه مثل هذا الفيلم الصامت المفقود، وغيره من الأفلام القليلة، أمام ما كان يسمى وقتها بأفلام "التليفون الأبيض" الهروبية المخدِّرة التي كانت تعم السينمات الإيطالية أثناء فترة حكم موسوليني.

ولد المخرج والمصور لورينزو بيتزانو في كيافاري، بالقرب من جنوة عام 1977. انتقل لورينزو إلى فينيسيا لاستكمال دراسته، حيث حصل على شهادة الدبلوم من معهد الفنون هناك، ثم بدأ عمله في أنظمة التصوير التليفزيوني. كذلك عمل بيتزانو كمصور ومدير تصوير داخل إيطاليا وخارجها، وهو يعمل حاليًا في مجالي التليفزيون والسينما. وفيلم "ضائع في الظلام"، هو ثالث أفلامه التسجيلية، بعد فيلميه "عندما كان التليفزيون مجانيًا بإيطاليا"(2010)، و"على سفر" (2011).

رحيل "العسكري" و "بن مختار"

ضاوية خليفة

فقدت السينما الجزائرية منذ أيام قامتين كبيرتين قدّم كل منهما إبداعات فنية ترسخت في ذهن وفكر المشاهد، ويتعلق الأمر بالمخرجين "ربيع بن مختار" (1944-2015) و"عمار العسكري" (1942-2015) الذي ينتمي إلى الرعيل الأول من السينمائيين الذين برزوا في فترة ما بعد الاستقلال فاسحين المجال لمخرجين كُثر، وبرحيلهما تكون السينما والثقافة الجزائرية قد فقدت الكثير.

فقد عمل الرجلان على إثراء الإنتاج السينمائي على فترات متقطعة بأعمال نوعية تحمل قيما فنية وأبعادا إنسانية، ترجمت وبقوة النضال التاريخي للشعب وصورّت التنوع الثقافي للبلد، فرغبتهما في تطوير سابع الفنون كانت أقوى من الظروف، وقلة الإمكانيات لم تُقلِّص إرادتهما في زرع ثقافة سينمائية واضحة المعالم والرؤى ونقل ملامح المجتمع الذي يعيشان فيه بكل تحولاته على الشاشة، بل كلاهما كسب الرهان وجعل الصورة تؤرِّخ للذاكرة الجماعية والشعبية بنجاح.

عاد "عمار العسكري" ابن مدينة بونة (عنابة) إلى مسقط رأسه، تاركا خلفه رصيدا سينمائيا ثريا، وتاريخا مشرفا يشهد له بكفاءته وتميز أعماله، فلطالما ارتبط اسمه بأفلام الثورة وقضايا التحرر، إذ عبّر عن هذا التوجه والالتزام بلغة الصورة منذ زمن الأبيض والأسود، سواء في "دورية نحو الشرق" 1971، و"المفيد" 1978، أو بـ "أبواب الصمت" 1989، وصولا إلى "زهرة اللوتس" 1998، وأعمال أخرى مثل "اليوم الأول" الذي يُعدّ أول فيلم أنجزه برفقة الراحل "محمد زينات" بعد تخرجه من جامعة بلغراد حيث درس المسرح، السينما والتلفزيون تخصص إخراج، فقد كان "عمار العسكري" من المحظوظين كونه استطاع إتمام دراساته العليا بين الجزائر ويوغسلافيا، كما نالت أعماله تتويجات عدة في مهرجانات وطنية ودولية بقرطاج (تونس)، فيسباكو "وأغادوغو"، عنابة (الجزائر).

خاض "عمار العسكري" في حياته العديد من المعارك ورفع الكثير من التحديات، فهذا المجاهد والمثقف الذي يعي جيدا معنى الاستعمار وعايش سنوات الإرهاب ظلّ ثابتا على مواقفه، ولم يطمح لأي منصب رغم العلاقات الجيدة التي كانت تربطه بأصحاب القرار وكبار المسؤولين، ولطالما أبدى عدم رضاه عن المشهد الثقافي والوضع الذي آلت إليه سينما بلده التي ولدت من رحم المعاناة وعلى الرغم من إمكانياتها البسيطة والمتواضعة جدا في فترة ما بعد الاستقلال استطاعت فرض نفسها وأسهمت في إثراء الرصيد الفني وشاركت في أكبر المهرجانات الدولية، وكان صاحب "دورية نحو الشرق" يتساءل دائما عن الهدف من إنجاز أفلام لا تجد طريقا أو مكانا للعرض، فلم يكن فقيد السينما مخرج مناسبات، يطلّ على جمهوره في التظاهرات الثقافية حال كثيرين اليوم، بل كان يدعو دائما لإنشاء قاعدة ثقافية بعيدة أو طويلة المدى، وجعل السينما الجزائرية مرجعية الباحثين والدارسين والمهتمين، ومفخرة السينما العربية التي تجمع بين المتعة والتشريف وليس التتويج فقط.

وقد أشاد رفقاؤه من الفنانين والمجاهدين بهذه القامة الفنية التي خدمت التاريخ والسينما والوطن، مؤكدِّين أنه عاش مكافحا ومدافعا عن وطنه وفنه، عُرف بالمنضبط في عمله، الثابت على مواقفه، الوفيّ لإنسانيته، والفخور بانتمائه المغاربي الأفريقي، كما أن رقي فكره وخصوصية السينما التي يقدمها، جعلته يتمتع بسمعة دولية واسعة ويحظى بتكريمات عدة، آخرها كان منذ شهرين بمبادرة من جمعية "مشعل الشهيد"، وقتها لم ينسب التكريم لشخصه بل للفنانين والفنيين الذين أسّس معهم منذ 17 عاما جمعية "أضواء السينمائية" التي تضم اليوم ما يزيد عن700 مشارك، وتحتفظ بتجهيزات وعتاد تقني هام يوضع تحت تصرف المهنيين، وتمتلك أرشيفا سينمائيا قيِّما في الوقت نفسه، فهذه الجمعية التي كانت تمثل متنفسه بعد الكاميرا، كان يعوِّل كثيرا عليها لإحداث نهضة حقيقة في القطاع السينمائي والسمعي البصري، فبعد كل التحديات التي واجهها والخطوات التي قام بها العسكري لفرض هذه المؤسسة غير التجارية هل ستصمد في المرحلة المقبلة والقطاع يشهد توافد كبير للانتهازيين والدخلاء؟!

لاحظ الكثير أن "عمار العسكري" أخذ اهتماما كبيرا في الإعلام والعزاء عكس المخرج "ربيع بن مختار" الذي توفِّي قبله بيومين، مع تسجيل شح كبير للمعلومة في وسائل الإعلام الجزائرية، فقد كُتب لمخرج فيلم "تينهينان" أن يرحل في صمت كما اختار وفضّل العمل دائما، وظلّ يمارس هوايته وشغفه السينمائي بعيدا عن الأضواء، فابن مدينة بجاية الساحلية درس الإخراج بمعهد باريس للسينما ما بين 1964 إلى 1966، واشتغل مدير تصوير في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، كما عمل مساعدا للمخرج "عز الدين مدور" في "جبل باية" سنة 1999، ولـ"إبراهيم تساكي" في "قصة لقاء"، وتعاون أيضا سنة 1996 مع "بلقاسم حجاج" في "ماشاهو"، وبعد هذه التجربة في السينما الأمازيغية وجّه اهتمامه كمخرج للفيلم التسجيلي والروائي، وأثبتت أعماله تعلقّه بالتراث الثقافي للجنوب الجزائري وتمسكه بالإرث الشعبي لمنطقة القبائل، سواء في فيلم "آثار على الرمال" 1975،  "مراطون تمنراست" المنتج سنة 1992، أو في "تينهينان" 2009 الذي كتبه برفقة مولود بلعربي وتناول من خلاله جوانب هامة ومختلفة لملكة الطوارق ملهمة الشعراء والفنانين والمستحوذة على فكر الأدباء والباحثين.

 كما واصل في أخر أفلامه "ذات مرة بقرية" أو "من قصة لأخرى" العمل على نفس التيمة، ومن خلال اهتمامه بالتراث الثقافي الصحراوي والأمازيغي يكون "ربيع بن مختار" قد تابع وثمّن جهود "عبد الرحمن بوقرموح"، "عز الدين مدور" وآخرون ممن أرادوا تقديم مواضيع وقصص راسخة في الذاكرة الشعبية، واللغة الأمازيغية جزء من تلك التركيبة التي حافظت على خصوصيتها رغم تفتُّح المجتمع على مواضيع أخرى وتعدد اهتماماته.

الجزيرة الوثائقية في

07.05.2015

 
 

أرض بلا خبز… رؤية الواقع بروح سيريالية

المخرج الاسباني «لوي بونويل» وثائقياً

القاهرة ـ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم:

يعتبر لوي بونويل (22 فبراير/شباط 1900 – 29 يوليو/تموز 1983) أحد أهم مخرجي السينما، والصوت السيريالي الأعلى في فن السينما، وأفلامه الشهيرة والمؤثرة في تاريخ السينما، التي ناقشت قضايا مصيرية لم تزل تدهِش مشاهديها، من حيث الأفكار ومعالجة الموضوعات وفق رؤية بصرية خاصة ببونويل، إضافة إلى خلق مساحات تتماهى بين الحلم والواقع. ومن هذه الأفلام على سبيل المثال.. «سمعان العمودي 1965، حسناء النهار 1967، سحر البورجوازية الخفي 1972»، الحائز جائزة الأوسكار. إلا أن لبونويل تجربة وثائقية وحيدة لافتة تمثلت في فيلم «أرض بلا خبز» Land Without Bread 1933. ومن خلال هذه التجربة يمكن ملاحظة كيف كان بونويل ينظر إلى الواقع، ويُعالجه فنياً، حتى لو جاء في شكل فيلم من الممكن أن يكون وثائقياً.

وجهة النظر الجمالية

عن كتاب «لاس أوردس» لمدير المعهد الفرنسي في مدريد، بدأ بونويل التحضير لفيلمه الوثائقي «أرض بلا خبز». ويدور حول سكان قرية (لاس أوردس) المعزولة والواقعة في شمال غرب إسبانيا، على الحدود مع البرتغال. أرض بعيدة عن أي من معالم الحضارة، يعيش سكانها وكأنهم في العصور الوسطى. مفردات الحكاية إذن مُستمدة من الواقع، سواء على مستوى الموضوع أو الشخصيات، فلم يستعن بونويل بممثلين لتأدية بعض الأدوار، بل اعتمد كلية على الشخصيات الحقيقية في القرية.

إلا أن الحس السيريالي كان لم يزل يسيطر على بونويل، الذي قام قبل ذلك بإخراجه لفيلمين يعتبران من أوئل الأفلام التي حملت الفكر والروح السريالي، وهما «كلب أندلسي» 1982 و»العصر الذهبي» 1930. فهذه الأرض البعيدة عن مظاهر المدنية، التي يخيّم عليها الموت والخراب، أوحت بمعالجة فنية تشبه الواقع، من دون أن تنقله، خاصة أن الانجذاب لمظاهر الموت من أكثر أفكار السريالية وضوحاً.

هذه هي وجهة النظر الجمالية التي انطلق منها بونويل لمعالجة موضوعه، وأعاد إنتاج الواقع الحقيقي، وحوّله إلى واقع فيلمي على هذا الأساس.

الإيديولوجيا

لم يكن بونويل يتحرك بعيداً عن مفهومه الإيديولوجي، الناقد بشدة للمؤسسات الرسمية للدولة.. الساسة والكنيسة والجيش، ويرى أنهم سبب الخراب وتشوه الإنسان في كل مكان. فالفيلم رد فعل لبونويل على موقفه السياسي من اليسار الإسباني وقتها، الذي كان يرى أن هناك طفرة من التقدم في جميع مناحي الحياة، ليخرج بونويل بفيلمه «أرض بلا خبز» ليكشف لهم زيف خطابهم الدعائي. وبذلك أعاد بونويل تقديم الواقع الحقيقي إلى واقع فيلمي، من خلال مفاهيمه ووجهة نظره الذاتية. وسيتضح الأمر أكثر عند مناقشة التقنيات السردية التي اعتمدها، على مستوى … المكان، الشخصيات، والبناء الفيلمي.

المكان

اعتمد بونويل على مكان واقعي، فلم تكن هناك ديكورات، أو أي شيء مصنوع، لكنه لم ينقل الواقع كما هو، بل سيطرت عليه نظرة سيريالية، قادت وجهة نظره لتصوير واقع القرية … الأزقة الضيقة/البيوت الخافتة الإضاءة، والأشبه بقبور الموتى/المنازل شبه المتهدمة مقابل الكنائس الشاهقة الارتفاع/المدرسة والتلاميذ الحفاة/ حظائر الحيوانات، والمقابلة بينها وبين بيوت سكان القرية. كما جاءت الأماكن في أكثرها خاوية وشبه مهجورة، وكأنها أرض أصابتها لعنة أو وباء قضى على ساكنيها، إضافة إلى تصوير القرية من أعلى وكأنها أرض للمقابر الجماعية، وقد اتضح الأمر أكثر في عملية دفن الطفلة الصغيرة، وتمرير جثمانها في النهر، حتى تعبر إلى الضفة الأخرى، حيث تم دفنها أخيراً في مقابر القرية. فهناك رؤية روائية لسرد الحكاية، رغم النهج الوثائقي الذي التزمه بونويل ليسرد حكايته. فإن كان النهج وثائقيا من حيث الأسلوب، فإن الرؤية روائية، وهو نوع من المزج بين الشكلين الوثائقي والروائي، وإن لم يكن في صورة مباشرة، كما في أفلام الدوكيودراما.

الشخصيات

لم يعتمد بونويل على شخصيات خيالية، أو على ممثلين يقومون بأداء شخصيات حقيقية، بل جعل شخصيات القرية تقوم بأداء أدوارها الحقيقة أمام الكاميرا، وأتى بها من خلال تصرفاتها وأفعالها الطبيعية واليومية… من جمع الحطب وفروع الأشجار من الجبال/تناول الطعام/التدخين/الأطفال في المدرسة/النساء وهن يغسلن الملابس في مياه النهر/الجلوس أمام أبواب البيوت. كما لم تكن هناك بطولة لشخصية دون أخرى، بخلاف الأم التي تفقد طفلتها، وتطالع موتها. إضافة إلى حالة حاول بونويل التدليل عليها طوال الفيلم، وهو عدم وجود فارق بين شخصيات القرية وحيواناتها … فالمرأة التي تقوم بتحضير الطعام القليل أمام منزلها، يقابلها الخنزير الذي يبحث عن طعامه بين القمامة، والأشخاص المرضى والهزيلون يسيرون بجوار حيواناتهم الهزيلة. وأخيراً مشهد موت الحمار من أثر لدغات النحل، يقابله مشهد موت الطفلة، وكأنه تمهيد له، وأن هذا المصير هو المصير الحتمي لسكان القرية.

البناء الفيلمي

يعتبر الموت الثيمة الرئيسية للفيلم، ومن خلالها قدّم بونويل رؤيته للقرية المنسية على الحدود الإسبانية. وما بين اللقطات الواقعية وإعادة بناء هذه اللقطات في سياق خاص وفق هذه الرؤية ووجهة النظر الإخراجية.. خلق بونويل عالما متكاملا ما بين البشر وحيواناتهم، مما وحد المسافة أو الخط الفاصل بينهما، فلا فارق بين حياتهم وحياة الحيوانات… طفل يشرب من الماء الجاري مقابل خنزير يشرب من المكان نفسه/سقوط غزال من قمة الجبل/جثة الحمار المتعفنة/قطع الأشجار/وجوه العجائز المتغضنة/حالات مرض الملاريا.

التعليق

لعب التعليق المُصاحب للفيلم دوراً درامياً أعطى عدة دلالات… فهو من جهة جاء كالمحاكاة الساخرة للأفلام الروائية التي تعالج الواقع، بداية من نبرة الصوت المتعالية والتقريرية، وغير المتعاطفة بالمرّة، إضافة إلى سرد المعلومات شبه الإحصائية والحقائق الجغرافية للمنطقة التي تدور فيها الأحداث. فالتعليق يتجاوز الحياد ــ أشبه بالتقرير الحكومي ـ إلى السخرية، والسخرية بدورها من الأفكار الرئيسية للمدرسة السيريالية.

الموسيقى

ووفق مفهوم التضاد لتعميق حس السخرية السوداء، تؤكد الموسيقى هذا الإحساس. فالموسيقى التي توحي بالعظمة والرّقة تتناقض واللقطات التي اختار بونويل أن يعرضها على الجمهور. فهو لا يريد من المُشاهد أن يتعاطف مع ما يراه، ولكنه يريد من خلال القسوة أن يجعله يفكر أكثر من مجرد التعاطف.

الرواية السينمائية للواقع

هناك بعض الشواهد التي تثبت أن بونويل تحايل على الواقع الحقيقي من أجل الواقع السينمائي، بهدف خلق المعنى الذي يقصده، وهو ما يدخل في البناء الدرامي للعمل ككل، كما يؤكد توظيف النهج الوثائقي (الحقيقي) في بناء روائي (خيالي) كما تصوّره بونويل ــ يعتبر الكثيرون أن الفيلم ينتمي للشكل الوثائقي تماماً ــ ففي فيلم وثائقي حديث بعنوان «سكان لاس أوردس ما زالوا أسيري بونويل» للمخرج رامون جيلنج، وهو فيلم حول آراء سكان هذه القرية في تجربة بونويل… نجد أن المخرج تقابل وبعض السكان الذين عاصروا تصوير «أرض بلا خبز» ليسردوا كيف تلاعب بونويل بالواقع، ضاربين عدة أمثلة… كطلاء الحمار ببعض العسل حتى يتجمع فوقه النحل في سرعة وكثافة شديدة، وأن الطفلة الميتة في نهاية الفيلم، وتصوير طقوس دفنها كانت نائمة، إضافة إلى أن الغزال الذي سقط من فوق قمة الجبل تم توجيه رصاصة له، لأنه تسلق الجبل في مهارة، ولم يسقط من جرّاء نفسه.

فيلم بحريني يفوز بالجائزة الكبرى… وفلسطين تفوز بجائزة

17 بلدا في «مهرجان سوس الدولي للفيلم القصير» في المغرب

الرباط ـ «القدس العربي»:

نال فيلم قصير من البحرين الجائزة الكبرى لـ«مهرجان سوس الدولي للفيلم القصير»، الذي إختتم فعاليات دورته الثامنة بمدينة آيت ملول (جنوب).

وتدور أحداث الفيلم الذي يحمل عنوان «مكان خاص جدا» لمخرجه «جمال الغيلان» حول سيدة تمتهن نظافة مرحاض، وشغلها إزالة النفايات ومخلفات البشر، في صمت تام إزاء ما يمكن أن تراه وأحياناً تُتّهم بالسرقة من طرف شخص ما، وهذا بدوره يهدد استمرارها في العمل.

وأفاد بلاغ من الجهة المنظمة تلقت «القدس العربي» نسخة منه أن جائزة الجمهور آلت للفيلم الأردني «الساعة الأخيرة» لمخرجه رؤى العزاوي، كما حاز كل من فيلم «اللّغز» لفداء السباعي من المغرب و«صوت بارد» لهشام عمارة على تنويه لجنة التحكيم.

وتوّج الفيلم الفلسطيني «قصص واحدة» لمخرجته وفاء نصر بجائزة الفيلم الوثائقي، في حين حاز فيلم «إنّه ضرب على السّطح» لمخرجه «تيمور قادري» من إيران على جائزة لجنة التحكيم في الصنف نفسه، كما تمّ التّنويه بفيلمين وثائقيين، الأوّل يحمل عنوان «وصيّة» لمحمد بلخشر من اليمن، و»المهرّبون» لمخرجيه التونسيين العربية العياشي ومروان الطرابلسي.

وترأس لجنة التحكيم الأكاديمي المغربي المسرحي عبد الكريم برشيد، وعضوية كل من الناقد السينمائي محمد اعريوس، والمخرج المقيم في بلجيكا عمر خليفة، والمخرج والناقد العراقي برهان شاوي، ومن تونس الناقد الناصر الصردي.

وفي صنف الفيلم التربوي، منحت لجنة التحكيم ـ المكونة من الناقد المغربي عبد السلام دخان والمخرج المصري أحمد توفيق ـ فيلم «الدوّامة» لمخرجه عبد المجيد ادهابي الجائزة الكبرى للمهرجان، في حين حصل فيلم «وتبقى الدموع» لمخرجه «محمد مجبور» على تنويه خاص، وكانت الجائزة التشجيعية من نصيب الفيلم التربوي «رغم كلّ شيء» لمخرجه الحسن بوزيد.

وشهد حفل الإختتام تكريم المخرج المغربي بوشتى الإبراهيمي، رئيس غرفة السمعي البصري في المركز السينمائي المغربي، وأحد المخرجين الذين طبعوا أسماءهم في مجال الأشرطة الوثائقية في القناتين الأولى والثانية، كما كان الرجل قد أخرج عشرة أفلام قصيرة وعددا من الأفلام الروائية الطويلة.

وكان مهرجان سوس الدولي للفيلم القصير، قد إنطلق يوم 30 نيسان/ أبريل المنصرم، وامتد على أربعة أيام توزّع برنامجها على دورتين تدريبيتين حول موضوع «صناعة الفيلم الروائي» و«صناعة السيناريو»، بالإضافة إلى عرض عدد من الأفلام المشاركة في المهرجان والتي مثّلت 17 بلدا، فضلاً عن تكريم مجموعة من الوجوه الفنّية المغربية والعربية بما فيها السينما التونسية التي حلّت كضيف شرف على الدّورة الثامنة.

القدس العربي اللندنية في

07.05.2015

 
 

محيي إسماعيل:أنا أهمّ من عادل إمام ومُعلم نور الشريف

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

محيي إسماعيل فنان مصري صاحب رؤية فلسفية خاصة في أعماله، وصاحب نظرية السيكودراما في التمثيل، قدم عشرات الأعمال، واختار لنفسه مكانا مختلفا، حيث تخصص في مناقشة عقد النفس البشرية، ويشهد على ذلك فيلمه "خلي بالك من زوزو" في شخصية الشاب الثوري المعارض الشهير بكلمة "جمعاء"، ودوره الأهم في فيلم "الإخوة الأعداء". 

·        سألنا الفنان محيي إسماعيل: أين أنت؟ 

ضحك قائلا: "كويس إن في لسه حد فاكرني.. أنا موجود بس الإعلام اللي بعيد عني". 

·        أنت تاريخ طويل من الفن، كيف تقول هذا؟ 

لا أحب الإشادات والمجاملات، وجملة "أنت تاريخ" وهذا الكلام الفارغ، دعونا ندخل في الموضوع أفضل. 

·        فترة طويلة من الاختفاء، فهل تحضّر مفاجأة أم كعادتك اخترت العزلة؟ 

انتهيت أخيرا من العمل الوثائقي الذي يرصد قصة حياتي، وهو بعنوان "الفيلسوف"، يقع في ساعتين إلا ربع الساعة، عملت عليه أربع سنوات، وهو عبارة عن 45 فقرة، لإبراز أهم ما تعرضت له من مشاكل وأزمات، وعلاقتي بكبار النجوم اليوم. فهل يعلم أحد أنني الذي علّمت نور الشريف التأليف. اسألوه، فهو على قيد الحياة ويستطيع أن يكذّبني، أنا أيضا الذي اكتشفت إلهام شاهين وهي لا تزال طالبة في المعهد وقدّمتها إلى المخرج ناجي أنجلو في فيلم اسمه "تحقيق"، وأنتج العمل ممدوح الليثي عن قصة الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، وطاف الفيلم 12 مهرجانا دوليا. يرصد العمل أيضا علاقتي بأحمد زكي، فهو توثيق لحياتي، لكن ليس بشكل تقليدي، وهناك شخصيات عالمية في الشريط تتحدّث عني، ليعرفوا قيمة هذا الرجل، فأنا بدأت حياتي في السينما العالمية.

·        لماذا ابتعدت عن التمثيل؟ 

دعونا نكون صريحين، المناخ في مصر غير صحيّ وغير محفّز على الإبداع. طيلة اليوم يتحدثون في السياسة ورجالها والأحداث التي نمرّ بها. وأنا لا أحبّ، كما نقول بالمصري، "اللت والعجن" في الكلام، فأنا أحب أن أعيش في مناخ صحي. كلّ يوم يمر من عمري سيتمّ محاسبتي عليه أمام الله. 

"لي عرض مسرحي بعنوان "بياعين الهوى". من يشاهده سيقول: مَن عادل إمام؟ ومن هو سعيد صالح؟ "

·        ولهذا أنت بعيد عن اللقاءات في الصحف والفضائيات؟ 

لست ممن يفضّلون طرق أبواب الإعلام، فمن يبحث عني سيجدني. أنا حي أرزق، ولست سلعة مثل الكثير من الفنانين ممن يعرضون أنفسهم وأحيانا يدفعون ثمن غلاف مجلة. أنا لست كذلك، أنا يا سادة فيلسوف، أنا الذي تخصصت في فن من أصعب الفنون، وهو فن العقد البشرية، قدمتها بكل ما تحمله من تفاصيل، من يريد أن يتحدث عني فليشاهد أعمالي، يشاهد "الإخوة الأعداء" و"خلي بالك من زوزو" وغيرها. لكن يبدو أن الناس لا ترى سوى عادل إمام ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي. ولاحظت منذ فترة ضجّة في الصحافة المصرية عن دريد لحام وسُرِدَت صفحات كاملة له. وأنا أسأل: من دريد بالنسبة لي؟ "ولا حاجة". 

·        وما هي الجهة المنتجة لفيلمك الوثائقي؟ 

أنا منتجه وكلفني 200 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى 90 ألف جنيه تكلفة الترجمة إلى لغات عدّة. فالعمل سيتمّ ترجمته إلى اللغة الإنجليزية أيضاً. 

·        لماذا تظن أن الجمهور لا يتذكرك؟ 

لا، أعلم أن الجمهور يعرف من هو محيي إسماعيل، ولكن أنا أقول مثلا إن أعمال عادل إمام تعرض ليل نهار، وأنا العبقري هناك تعتيم على أعمالي بشكل لا محل له من الإعراب، فهل التجاهل عن عمد أم أن محيي إسماعيل سقط سهوا من الذاكرة؟

·        من يزورك في منزلك؟ 

لم يدخل بيتي فنان منذ ما يزيد عن الأربعين عاما، وأتحدى أي فنان يستطيع أن يقول إنه دخل بيتي طيلة هذه السنوات. فأنا أعمل في صمت وأعيش في الظل. وهذا ليس معناه أني قطعت علاقاتي بهم. فكلهم أحبائي، لكن أنا أعشق الكتابة، والكتابة لها طقس بالنسبة لي، فأنا أحب ممارسة اليوجا والتأمل، وهذان الشيئان مع الضوضاء لا يجتمعان، لذا أفضل أن أعيش كما أنا معظم حياتي خارج مصر. 

·        لك رواية بعنوان "المخبول"، بها أحداث عن الثورة المصرية رغم أنّها كتبت عام 2001، فكيف ذلك؟ 

نعم، فمن قرأ هذه الرواية التي كتبتها منذ سنوات سيعرف أني كنت من أوائل المتنبئين بالثورة المصرية، فكل تفاصيل ما حدث موجود في روايتي، وتلميحات أيضا عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. 

·        سمعنا منذ فترة أن روايتك هذه سيتم تحويلها إلى فيلم سينمائي؟ 

وتم تحويلها بالفعل، وهو الآن مشروع بين يدي المخرج عادل الأعصر، لكن يبقى التمويل حائلا دون خروجه إلى النور.

·        فنان بحجمك لماذا لا يتواجد في المهرجانات المصرية؟ 

قلة أدب وإجرام.. فلا أحد يدعوني، والسيدة نفسها المسؤولة عن المهرجان قد لا تعرفني. والأمر نفسه ينطبق على وزير الثقافة الذي لا يعرفني. وهذا ليس تقليلاً من شأني، لكنْ هو جهل منهم. فلا أحد يستطيع التقليل من شأني.

حتى مسرحياتي لا تعرض.. فلي أربع مسرحيات يتم التعتيم عليها بشكل كبير، رغم أنها تتحدّث عن تاريخ مصر. وأذكر من هذه المسرحيات "الليلة العظيمة" التي قام فيها عبدالناصر بالثورة، للمؤلف الكبير عبدالقادر حاتم، وجسّدت من خلالها شخصية ديليسبس، وشاركني فيها مها صبري وعباس فارس. وهناك عرض مسرحي آخر بعنوان "بياعين الهوى". من يشاهده سيقول: مَن عادل إمام؟ ومن هو سعيد صالح؟ وعرض آخر اسمه "المغناطيس" لنعمان عاشور، ومسرحية "القاهرة في 1000 عام"، حيث لعبت دور شخصية نابليون. كان معي سعيد صالح، وكان العمل من تأليف صلاح جاهين. بسبب كلّ هذا الظلم الذي تعرّضت له في حياتي، قمت بعمل هذا التوثيق الذي تعبت واجتهدت فيه على مدار أربع سنوات. 

"عدم دعوتي إلى المهرجانات قلة أدب وإجرام.. فلا أحد يدعوني، والسيدة نفسها المسؤولة عن المهرجان قد لا تعرفني. والأمر نفسه ينطبق على وزير الثقافة الذي لا يعرفني"

·        تشعر بالظلم؟ 

لا أشعر بالظلم فقط، بل بقمة الظلم. لأن لا أحد يعرف قيمتي. فلا أنسى مثلا ما قاله عمر الشريف لي: "انت بتمثّل ازاي". إذ كنت زرته مرة في كواليس فيلمه "أيوب" بعدما طلب التعرف إليّ عن طريق ممدوح الليثي. وكان عرفني من خلال مسلسل "بستان الشوك" عن رواية عالمية. واسألوا عمر عن هذا الكلام. قابلني ذات مرة في كازينو ليلا، وفي اليوم التالي كتب في الصحف: "يتشرف عمر الشريف بلقاء النجم العبقري محيي إسماعيل"، وتساءلت الصحف الروسية عن كيفية قيامي بشخصيتي في "الإخوة الأعداء" وكرّمني سابقا الرئيس محمد أنور السادات. 

·        لماذا أيضا لا تتم دعوتك إلى مهرجان "المينودراما"؟ 

فن المينودراما أنا رائده وقدمته منذ 45 عاما، ولا يتم دعوتي إليه، ويكتفون بـ"العيال الصايعة"، وأنا الرائد أجلس في منزلي، ولا عُمْر حدّ قالي "آلو". 

وأنهى محيي حواره معنا بجمله مؤثرة إذ قال: "تعرفون أنا مثل من؟ أنا مثل جمال حمدان، تعرّفوا إليه بعدما احترق منزله وتُوفي".

عادل إمام: تسجيل قصة حياتي مجرد "تخريفات"

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

أعرب النجم المصري عادل إمام عن اندهاشه مما تردد أخيرا حول قيامه بتسجيل قصة حياته في حلقات تليفزيونية لتعرض في برنامج. 

وقال الفنان الملقب بـ"الزعيم"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن كل ما قيل في هذا الشأن "تخريفات"، وإنه لم يفكر في تسجيل قصة حياته لتعرض في برنامج، نافيا ما يشاع كذلك عن نيته كتابة مذكراته.

وعبر إمام عن استيائه الشديد من سلسلة الأخبار المفبركة التي تم تداولها عنه أخيرا، ووصفها بأنها زائدة عن الحد، قائلا: "هي الناس بتوع الإشاعات مش وراهم غير عادل إمام؟ وكمان أنا أعرف إن اللي بيسجل قصة حياته بيكون قرّب يموت؟ حد عارف إني قربت أموت ومش عايز يقول؟".

وأضاف أنه وبشكل شبه يومي تصله اتصالات من صحافيين وقنوات فضائية للتأكد من صحة أخبار تم نشرها في الصحف والمواقع و"فيسبوك" عنه. "مرة يقولون إني ميت وأنا حي أرزق، ومرة أخرى يقولون إن بلطجية تعدّوا عليّ أثناء ذهابي لتصوير مسلسلي الجديد، وهي أيضا شائعة".

وكانت أخبار نُشرت عن تسجيل عادل إمام حلقات تسرد قصة حياته تعرض خلال برنامج تلفزيوني تقاضى عنها 8 ملايين دولار.

وأوشك إمام على الانتهاء من تصوير مسلسله "أستاذ ورئيس قسم"، الذي يجمعه لأول مرة مع الإعلامية نجوى إبراهيم، والتي عادت إلى الأضواء بعد سنوات غياب، والعمل يخرجه وائل إحسان، ويعرض في شهر رمضان القادم.

النحلة زينة طليقةً.. ثورة الفرد على القفير

بسمة الخطيب

أربعون عاماً مضت على بثّ أوّل حلقة من مسلسل الكرتون الياباني، "مغامرات مايا نحلة العسل"، التي نعرفها باسم "النحلة زينة". لكن مطلع مايو/أيار من عام 1975 ليس المولد الحقيقي لأشهر نحلة على الشاشة الصغيرة، فهي ولدت عام 1912، حين أصدر كاتب الأطفال الألماني، والدمار بونسيلر (1880 - 1952)، كتاباً في أقلّ من 200 صفحة، بعنوان "مايا نحلة العسل"، لاقى نجاحاً عالمياً لاحقاً. 

وقد حوّلت مؤسسة "زويو" ("نيبون للتحريك" اليوم)، في اليابان، قصّة الكتاب إلى مسلسل تحريك من 52 حلقة، عرضت على شاشة تلفزيون أساهي، NET سابقاً، ثم تمّت دبلجتها إلى الإنكليزية ولغات عالمية عدّة.

عام 1979، أُنتجت سلسلة جديدة من المسلسل بعنوان "المغامرات الجديدة لمايا نحلة العسل"، بشراكة يابانية نمساوية ألمانية، وتعتبر في ألمانيا رمزاً فنّياً. وعام 1990 بدأ بثّ المسلسل بدبلجة أميركية وموسيقى تصويرية مختلفة، على شاشة نيكولوديون، ضمّ الجزأين معاً. 

ويذكر أنّ شخصية "نحول" لم ترد في الكتاب، بل أضيفت لتكون إلى جانب النحلة مايا، كحلّ درامي لتحاشي المونولوغ وتحويله إلى حوار فعّال. 

ثم انقطعت أخبار مغامرات النحلة عقوداً، كانت محطات تلفزيونية كثيرة حول العالم تعيد حلقاتها القديمة خلالها، واستمرت العروض المسرحية والترفيهية المستوحاة من هذه الشخصية والمسلسل أيضاً، حتى أنتجت شركة "ستوديو 100" البلجيكية، عام 2012، 78 حلقة جديدة من "مغامرات النحلة مايا"، مدّة الحلقة 13 دقيقة، بتقنية ثلاثية الأبعاد، دُبلجت إلى لغات عالمية، ثم تمّ الارتكاز عليها في إنتاج فيلم بالعنوان نفسه عام 2014، باللغة الفرنسية.

حين كتب بونسلير الكتاب كان هدفه إيديولوجياً تعليمياً، رمز إلى النحلة مايا بالمواطن، والخلية هي المجتمع المنظّم المتماسك، وكان هروب النحلة من القفير جريمة لا تغتفر، لكنّ طموحها باكتشاف العالم وحدها والتحليق خارج سرب النحل كان كبيراً. أصرّت النحلة على اختبار الحياة والحرية في الخارج، فتعرّضت لمخاطر كثيرة، وليست "مغامرات" كما حوّرتها السلسلة اليابانية المصوّرة، ولكنّ إنقاذ مايا للقفير من هجوم مباغت للدبابير غفر لها جريمتها، فمنحتها الملكة العفو، وكلّفتها بتعليم النحلات الصغيرات، وهي رضيت بهذا، وعادت تحت جناح الملكة!

في النسخة الأخيرة، إعادةٌ للحكاية الأولى وليست متابعة لمغامرات مايا، وفي الحلقة الأولى تُبدي ملكة النحل تفهّماً لرغبة مايا في اختبار الحياة البرية وحدها، وتسمح لها بترك القفير، وهو ما يتناسب مع مسار الحريات الفردية الذي تطوّر خلال غفوة مايا الأخيرة. 

النحلة الثائرة صارت مغامِرة فقط. تقوم بمغامرات لطيفة، غير خطيرة، تشبه مغامرات شخصيات أخرى قلّدتها، وقد جنحت شخصيها إلى السلام، ربما، بعدما ثبت ما قد يكون للرسوم المتحركة من تأثير على الأطفال، المؤهلين للتحوّل إلى ثوار وربما متمرّدين. 

ليس هذا فقط، النحلة زينة، كانت من أولى الشخصيات الكرتونية الأنثوية الشجاعة والقوية، التي تملك التحكّم بمصيرها، بعكس أميرات القصص الخرافية اللواتي ينتظرن قبلة الأمير، وإنقاذ الفارس لهن، أو تدخّل العرّافة لسحر مصيرهن رأساً على عقب.

الفيلم الفلسطيني "عُمَر" بدور العرض في 5 دول عربية

القاهرة- العربي الجديد

بعد جولة ناجحة في المهرجانات السينمائية حول العالم، أثمرت عن جوائز عديدة وترشيح لجائزة أوسكار، ينطلق الفيلم الفلسطيني "عُمَر" للمخرج هاني أبو أسعد في دور العرض في 5 دول عربية لمدة أسبوعين فقط.

وابتداء من الأربعاء 20 مايو/أيار، ينطلق الفيلم في دور العرض المصرية، ثم ينطلق في الإمارات والكويت وعُمان والعراق في اليوم التالي، وهو نفس موعد عرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي، حيث حصد الفيلم أولى جوائزه.

وعن خطوة إطلاق "عُمَر" في دور العرض العربية، يقول المنشط السينمائي علاء كركوتي: الشهر الحالي هو الموعد الأنسب لإطلاق الفيلم، فهو يأتي بعد جولات ناجحة بأكبر المهرجانات الدولية من بينها جوائز الأوسكار، كما أنه يأتي قبل دخول المخرج هاني أبو سعد في فيلمه المقبل.

وأضاف كركوتي: حضور الفيلم في المهرجانات يجعل الرغبة في مشاهدته مستمرة، وبانطلاقه بالتزامن في 5 دول عربية، يحقق أحد أهدافه بدمج الأسواق السينمائية العربية في سوق واحد كبير أكثر قدرة على استقبال الأفلام المتميزة، وبحيث يستفيد الفيلم بانتقال سمعته لدى الجمهور من بلد لآخر".

ويقول المخرج هاني أبو أسعد: "أنا سعيد لحصول الفيلم على فرصته للانطلاق في العالم العربي، فهذا يعني الكثير بالنسبة لي، كما أنني أعتبر الفيلم بمثابة تحية لأفلام الإثارة المصرية. إنه فيلم عن الحب والصداقة والثقة ضد خلفية القمع السياسي؛ الموضوعات التي نتعامل معها بشكل يومي في حياتنا، وخاصة في هذا الوقت".

ويحكي الفيلم قصة الشاب الفلسطيني "عُمَر" الذي اعتاد تجنب رصاصات المراقبين أثناء عبور الجدار العازل من أجل زيارة حبيبته نادية، لكن فلسطين المحتلة لا تعرف الحب البسيط، ولا الحرب واضحة المعالم. وعلى الجانب الآخر من الجدار، يصبح الخباز الشاب سريع التقلب؛ مناضلاً من أجل الحرية، عليه مواجهة خيارات مؤلمة في الحياة بشجاعة، وعندما يتم أسر عمَر بعد إحدى عمليات المقاومة، يقع في لعبة القط والفأر مع الشرطة العسكرية. الشك والشعور بالخيانة يهددان الثقة بينه وبين شريكيه وصديقي طفولته أمجد، وطارق شقيق نادية. سريعاً تصبح أحاسيس عمَر ممزقة كما المشهد الفلسطيني. ولكن سريعاً يصبح جلياً أن كل ما فعله كان من أجل حبيبته نادية.

فيلم "عُمَر" من تأليف وإخراج هاني أبو أسعد، ويشارك في بطولته آدم بكري وليم لوباني وإياد حوراني وسامر بشارات والممثل والمنتج الفلسطيني الأميركي وليد زعيتر الذي شارك بإنتاج الفيلم أيضاً من خلال شركته "إخوان زعيتر".

ورشح الفيلم ضمن القائمة في النسخة 86 من جوائز الأوسكار بفئة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، وحصد خمس جوائز سينمائية، بينها جائزة النقاد بقسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي، وجائزة أفضل فيلم ضمن جوائز آسيا الباسيفكي السينمائية، وجائزة المهر العربي لأفضل فيلم روائي من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجائزة لجنة تحكيم الشباب في مهرجان غنت السينمائي الدولي ببلجيكا، وجائزة الجمهور لأفضل فيلم في مهرجان ليالي أفلام حقوق الإنسان بإيطاليا.

كما حصل أبو أسعد على جائزة المهر العربي لأفضل مخرج فيلم روائي وجائزة أفضل مخرج ضمن جوائز جمعية نقاد السينما الآسيوية، ومؤخراً فاز مدير التصوير إيهاب عسل بجائزة الضفدع الفضي من مهرجان كاميراميدج السينمائي في بولندا.

العربي الجديد اللندنية في

07.05.2015

 
 

«عبد الخالق»:

قطاع الإنتاج أوهمنى بتولى الحكومة مسئولية «رنين الصمت»

أبدى المخرج على عبد الخالق استياءه من الموقف المخذل الذى اتخذه قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى تجاه مسلسل «رنين الصمت» الذى كان من المتوقع ان يقوم باخراجه منذ 4 أشهر وكان مرشح لبطولته الفنان أحمد عبد العزيز وخالد النبوى، حيث قال إنه فى أول الأمر تلقى اتصالا هاتفيا من المخرج احمد صقر رئيس قطاع الإنتاج مطالبا بتولى مهمة إخراج مسلسل «رنين الصمت» الذى تدور أحداثه حول المشاكل التى تقابل اهالى سيناء وأبطالهم ومرورهم بالظروف الصعبة بعد حربى الاستنزاف وأكتوبر 1973.. وقد تردد عبد الخالق فى الموافقة فى البداية بسبب مرور القطاع بأزمة مالية معروفة قد تعيق إنتاج اى عمل ضخم تاريخى مثل هذا. ولكن صقر أكد له أن الحكومة المصرية تدعم هذا العمل بشدة وتعلم به وتدعمه كمشروع فنى قومى.

وأضاف عبد الخالق: «فكرة دعم الحكومة للمشروع شجعنى على التوقيع عليه وبالفعل بدأت فى التحضيرات وكل الموافقات الرقابية وموافقات الشئون المعنوية تمت بسلام ولكن لم يتصل بى قطاع الإنتاج حتى هذا الوقت لاستكمال تحضيرات العمل، وظللت فى محاولات للتواصل مع صقر ولكنه فى كل مرة يقول لى لا توجد ميزانية تكفى لإنتاج العمل وأنا بدورى أرفض أن يقدم مثل هذا العمل المهم الذى يحتاج لديكورات ومعدات وملابس وغيرها من الأمور المالية الكبيرة التى لا يستطيع عليها القطاع وحده.. وعندما واجهت صقر بقوله لى بأن الدولة تدعم المشروع نفى ما أوهمنى به من قبل وقال ان المشروع ليس له صله بالحكومة وأنه خاص بالقطاع نفسه والقطاع ليست لديه الميزانية المالية الكافية لإنتاجه حاليا وسيكتفى هذا العام بإنتاج مسلسلات أخرى مثل «دنيا جديدة» و«اسرار»»

من جانب آخر أوضح عبد الخالق أن هذه ليست المرة الأولى للقطاع فى التوقيع معه وإهمال أعماله فمع اول فترة تولى فيها المخرج أحمد صقر رئاسته وكان وقتها عبد الخالق يبحث لمنتج لمسلسله «خريف السعادة» الذى كان قد كتبه وكان قيد الانتاج والتنفيذ أواخر عام 2013 وقد قام وقتها بالاتفاق مع كل من جمال سليمان وميرفت أمين وكانت تدور أحداثه فى إطار اجتماعى حول عدد من القصص الإنسانية، وفوجئ باتصال من صقر وقتها يطالبه بالتعاقد على سيناريو العمل لمشاركة قطاع الانتاج به ووجد عبدالخالق هذا الاتفاق فرصة جيدة بالنسبة له لتقديم عمل اجتماعى لائق ولكن منذ هذا الوقت والسيناريو حبيس الأدراج لديهم ولا توجد أية بوادر إنتاج لعدم وجود ميزانية كافية لتقديمه.

يذكر أن آخر أعمال عبد الخالق كان مسلسل «البوابة الثانية» الذى تم تقديمه عام 200 وكان من بطولة النجمة نبيلة عبيد وهشام عبد الحميد.

روز اليوسف اليومية في

07.05.2015

 
 

السينما العربية والتراجع الفني والمهني

عمان - محمود الزواوي

هناك مثل عربي يقول «إعرف الكتاب من عنوانه». وينطبق هذا المثل بادىء ذي بدء على قوائم أسماء العاملين التي تظهر في مقدمة ونهاية الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية العربية خلال السنوات الأخيرة. فقد دخلت في هذه القوائم بعض العبارات التي تتحدّى قواعد اللغة العربية وتهجئتها. وأصبحنا نرى في هذه القوائم عبارات مثل «مساعدين تصوير» و»فنيين إضاءة» بدلا من «مساعدو تصوير» و»فنيو إضاءة»، حيث يتحوّل «المبتدأ» و»المضاف» باللغة العربية إلى اسم مجرور ولا تحذف منه نون المضاف. وعلى صعيد آخر هناك الأخطاء المتكررة في التهجئة، حيث تحوّل «مساعدو» إلى «مساعدوا» و»فنيو» إلى «فنيوا»، بإضافة حرف الألف في نهاية الكلمة، أي كما تكتب في الأفعال. وقد شاهدت فيلما يقوم فيه الممثل إدوارد بدور رئيسي ويحتل المرتبة الثالثة بين أبطال الفيلم، إلا أن اسمه كتب على الشاشة «إداورد» بدلا من «إدوارد»، وكتب في فيلم آخر «أدوارد». وبوسعنا أن نتصور شعور هذا الممثل حين يرى اسمه المكتوب خطأ على الشاشة.

وإذا دلت هذه الأمثلة على شيء فهي تدل على أن مخرج الفيلم ومنتجه وكاتب السيناريو وغيرهم من المشرفين على إنتاج الفيلم لم يراجعوا ما كتبه فني محدود المعرفة اللغوية وقواعد اللغة العربية في مقدمات ونهايات الأفلام قبل أن تعرض هذه الأفلام والمسلسلات التلفزيونية على ملايين المشاهدين العرب، بمن فيهم صغار السن الذين يتعرضون لهذه الأخطاء اللغوية.

الأخطاء اللغوية هي مجرد أمثلة على التراجع الفني والمهني الذي شهدته السينما والمسلسلات التلفزيونية العربية خلال العقود الأخيرة. وقد تزامن انخفاض الإنتاج السينمائي مع تراجع واضح في المضمون. فقد أصبحت الأفلام الجادة ذات الرسالة شيئا نادرا وسط فيض من الأفلام الترفيهية. ومع أن الأفلام الكوميدية والغنائية كانت تحتل ركنين هامين في السينما العربية منذ بداية السينما الناطقة، بفضل المواهب الكوميدية الفذة وعمالقة المطربين والمطربات الذين نهلت من عطائهم الفني عدة أجيال عربية، فقد تحوّلت معظم الأفلام الكوميدية الراهنة إلى أفلام تهريج، فيما يتطفل أصحاب الأصوات المتواضعة أو الضعيفة على الأفلام الغنائية التي نشاهدها في هذه الأيام.

وهناك مظاهر كثيرة أخرى للتراجع الفني والمهني في السينما والتلفزيون. ولنأخذ كمثال على ذلك تصوير المسلسل التلفزيوني الرمضاني «كلام على ورق» الذي استخدمت في جميع حلقاته تقنية الصورة المائلة، أي «شقلبة» الصورة في مشاهد المسلسل. وأغلب الظن أن مصور المسلسل ومخرجه ومنتجه يعتقدون أنهم حققوا «انتصارا» فنيا فذا لم تحققه هوليوود حتى الآن. وقد عاد استخدام هذا الأسلوب على مسلسل «كلام على ورق» بأثر معاكس، حيث قوبل تصوير المسلسل بموجة من انتقادات النقاد والتعليقات الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوقف عدد كبير من المشاهدين عن استكمال متابعة حلقات المسلسل.

ومن نقاط الضعف الفني المتكررة في الأعمال السينمائية والتلفزيونية تكرار المشاهد التي تجمع بين اثنين من الممثلين ويسمع صوتاهما بمستويين متفاوتين، بحيث يصعب سماع أحدهما في كثير من الأحيان نتيجة خلل فني في توصيل أجهزة الصوت. ومثل هذا الخلل شيء لا يغتفر في هذه الأيام بالنظر للتقدم الذي تم تحقيقه في هذا المجال، خاصة إذا ما تذكرنا أن ضبط مستوى الصوت شيء ضروري ومسلّم به، كما أنه عملية بسيطة جدا خلال عملية المونتاج. وتقع المسؤولية النهائية عن هذا الخلل على عاتق مهندسي الصوت والمخرج والمنتج الذين يبدو أنهم لم يشاهدوا العمل السينمائي أو التلفزيوني في صيغته النهائية قبل عرضه على الجمهور.

ومن المظاهر المثيرة للاستغراب في الأعمال السينمائية والتلفزيونية العربية ظهور عدد كبير من الممثلين الشباب الملتحين في أدوار البطولة دون أن تتناسب لحاهم مع تلك الأدوار. ومن الواضح أن بعض هؤلاء الممثلين الملتحين ينتجون الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي يقومون ببطولتها، ويفرضون رغباتهم على المخرجين. وتعبّر هذه الظاهرة عن التضحية بالمستوى الفني لهذه الأعمال في سبيل إرضاء غرور هؤلاء «النجوم». ولو أن هؤلاء الشباب الملتحين عاشوا في أيام الزمن الجميل لما تجرأ أي منهم أن يتخطى عتبة مكاتب عظماء المخرجين السينمائيين الراحلين مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وحسن الإمام وهنري بركات وأحمد بدرخان وعاطف سالم لأن عواقب ذلك ستكون وخيمة بحقهم. ومن أبرز علامات التراجع الفني والمهني السينمائي الحالي التراجع الواضح لدور المخرج. وفي هذا السياق، تحدثت الممثلة الراحلة هند رستم، عند اعتزالها العمل السينمائي، عن «تراجع مكانة المخرج الذي تعوّدت أنه قائد العمل، ولكن في الفترة الأخيرة أصبحت تشعر بأنه تابع للفنان».

ومن الواضح أن معظم مخرجي الأفلام والمسلسلات التلفزيونية العربية غائبون هذه الأيام عن نظرية «المخرج المؤلف» التي ترى أن المخرج هو المؤلف الحقيقي للعمل السينمائي أو التلفزيوني، أي أنه المؤلف الفعلي أو القوة الدافعة الخلاقة الرئيسية للعمل السينمائي أو التلفزيوني الذي يحمل اسمه.

الرأي الأردنية في

07.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)