كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

"سُبات شتوي": قوّة الحوار وسحر الصورة

عدنان حسين أحمد

 

ليس غريباً أن ينتزع المخرج التركي "نوري بِيلكَه جيلان" جائزتي السعفة الذهبية والفيبريسي عن فيلمه الروائي الطويل "سُبات شتوي" Winter Sleep فلقد سبق له أن فاز بالعديد من الجوائز العالمية المهمة مثل جائزة النقاد الكبرى والبرتقالة الذهبية وما إلى ذلك. تُرى، ما سرّ التقنيات والمقاربات الفنية التي يعتمد عليها جيلان في معظم أفلامه الروائية الطويلة على وجه التحديد؟ وهل تلعب الأفكار الإشكالية العميقة دوراً مهماً في تجسيد رؤيتة الفنية التي تراهن على جماليات خطابها البصري لكنها لا تهمل بعضاً من جوانب الخطاب الأدبي الذي قد ينطوي على رؤىً ثقافية وفكرية متعددة تحمل في طيّاتها خميرة لجماليات الصور البصرية الراكزة في أعماق العمل الإبداعي الناجح.

وقبل الخوض في تفاصيل هذه التُحفة السينمائية لابد من الإشارة إلى ولع جيلان بالمنحى الوجودي للكائن البشري سواء أكان ثرياً أم فقيراً، قوياً أم ضعيفاً، مثقفاً أم جاهلاً، طيّباً أم شرّيراً. وفي السياق ذاته يركِّز جيلان على رتابة الحياة اليومية في محاولة لإنقاذ الإنسان من وحدته واغترابه وعزلته الفردية سواء أكانت اختيارية أم جبرية.

ثمة ملامح مشتركة في العديد من أفلام جيلان من بينها تصوير بعض الشخصيات الرئيسية من الخلف حيث يقرّبها غالباً لتغطي الشاشة الكبيرة بأكملها، كما حصل في المشهد الذي تلى اللقطة الافتتاحية الكبيرة التي بدا فيها "آيدن" كائناً صغيراً أمام عظمة الطبيعة المنفتحة إلى أقصاها، وكأنَّ المخرج يدعونا لأن نغوص في ذهن البطل ونتفحّص طريقة تفكيره على وجه الخصوص ورؤيته للعالم بشكل عام.

البناء الدرامي

لو لم ينطوِ هذا الفيلم الطويل الذي بلغت مدته 196 دقيقة على مجمل عناصر الشدّ والتشويق والإثارة لما استطاع المتلقي العادي أن يتحمله أو يواصل مشاهدته حتى اللقطة الاختتامية. وبما أن المخرج جيلان وزوجته السينارست إيبرو هما كاتبان محترفان ولهما باعٌ طويل في هذا المجال ويعرفان أسرار اللعبة الإبداعية، فقد أدركا أهمية التشويق الدائم الذي يجب أن يكون مهيمناً وحاضراً على مدى الساعات الثلاث والست عشرة دقيقة. وقد نجحا فعلاً في شحن السيناريو الذي استوحيا مادته من قصة "الزوجة" للكاتب الروسي أنطون تشيكوف الذي يعتقد "أن واجب المبدع هو إثارة الأسئلة وليس تقديم الإجابات". تُرى، هل نجح الفيلم في إثارة أسئلة جوهرية تؤرق المواطن التركي الذي لا يختلف كثيراً في طبيعته الإنسانية عن أي مواطن عالمي آخر يعيش على وجه هذه المعمورة؟ فكلنا بالنتيجة أناس من لحم ودم ومجموعة هائلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية العميقة.

يتأسّس البناء المعماري لهذا الفيلم على سلسلة من الوقائع الشخصية المتصلة التي تتخللها بعض الأحداث الجانبية التي توازي في أهميتها الحدث الرئيسي للقصة السينمائية التي تقوم في جوهرها على عائلتين مختلفتين، الأولى ثرية ثراءً فاحشاً وهي عائلة آيدن وزوجته نهال وشقيقته نجلاء، والثانية فقيرة فقراً مُدقعاً وهي عائلة إسماعيل وزوجته سيفدا، وابنه إلياس، وشقيقه حمدي إمام الجامع في القرية. هذا بالإضافة إلى ظلال عوائل جانبية مثل عائلة سوافي صديق آيدن، وعائلة ليفنت المعلم الذي سيعتبره آيدن شخصية مُخادعة ولعوبة لا يمكن الاطمئنان إليها.

تشابك الأحداث

لم يلجأ جيلان إلى تقنية السرد الروائي المتوالي الذي يشي بالكلاسيكية والقِدم، وإنما اعتمد على التقنية المتشابكة التي تتداخل فيها الأحداث كي يكسر إيقاع السرد الطويل، ويُبعِد المُتلقي من السقوط في الرتابة والملل.

يلعب الطفل إلياس دوراً مهماً في سياق الأحداث على الرغم من ظهوره الخاطف والمبتسر لخمس مرات متفرقة سنتوقف عندها تباعاً وذلك لأهميتها في سير الأحداث وتفاقمها، بل إن دور هذا الطفل يكاد يكون موازياً لدور آيدن في تجسيد ثنائية الغنى والفقر من جهة، والقوة والضعف من جهة أخرى، آخذين بنظر الاعتبار أهمية الدور المُناط بأبيه إسماعيل، الخارج من السجن لتوّه، والعاطل عن العمل بسبب النظرة النمطية السيئة عن السجين الذي يلفظه المجتمع ولا يتقبله بسهولة حتى وإن عاد نادماً عما اقترفه من مخالفات وانتهاكات يُحاسب عليها القانون.

ينتبه آيدن وهو جالس في جوف السيارة إلى النظرة العدائية التي يوجِّهها له أحد الأطفال الخارجين لتوّهم من المدرسة ثم يتأكد لاحقاً أن الطفل ذاته هو الذي ضرب زجاج سيارته بحجر كبير وأوشك أن يسبب له حادثاً خطيراً لولا مهارة السائق هدايت الذي احتوى هذه الصدمة المفاجئة وظل مسيطراً على مِقْود السيارة. ثم نكتشف لاحقاً أن هذا الطفل قد انتقم لأسرته برمتها من آيدن الذي كان السبب وراء مصادرة بعض الأجهزة المنزلية كالتلفاز والثلاجة لأن والده لم يكن قادراً على تسديد إيجار المنزل لعدة أشهر، وحينما منع الشرطة من مصادرة الأجهزة المنزلية ضربوه ضرباً مبرحاً أمام أفراد أسرته وجعلوه يشعر بالخزي والعار.

لقد سارع جيلان إلى  زجّ المتلقين بهذا الحدث الذي يشي بثنائية الغنى والفقر من جهة، والقوة والضعف من جهة أخرى مشيراً من طرفٍ غير خفيّ إلى أنّ مْنْ يملك الثروة يملك القوة أو النفوذ بالضرورة. كما أنّ بعض شخصيات هذه العائلة الفقيرة مهمة جداً مثل حمدي، إمام الجامع، الذي يعظ الآخرين ويرشدهم إلى الطريق القويم لكنه في الوقت ذاته غير قادر على تسديد إيجار المنزل الذي يسكنه هو وشقيقه العاطل عن العمل.

يعوّل جيلان في هذا الفيلم على الحوار الذي يدور بين آيدن وبقية الشخصيات وعلى رأسهم شقيقته نجلاء وزوجته نهال وصديقه سوافي وإمام الجامع حمدي وبعض الزوار المقيمين في فندقه من الأجانب والسكّان المحليين، لكن القسم الأكبر من حوارات آيدن تكاد تنحصر بينه وبين شقيقته أول الأمر ثم زوجته لاحقاً، غير أن هذا الأمر لا يمنع آيدن من خوض حوارات أخرى مع صائد الخيول البريّة أو مع صديقه القديم سوافي أو مع المعلم ليفنت وسواه من الشخصيات التي تظهر وتختفي على مدار الفيلم.

لا شك في أنّ آيدن "هالوك بيلجينير" هو الشخصية الأكثر إشكالية في هذا الفيلم. فهو ممثل سابق أمضى ربع قرن في التمثيل وأدى العديد من الأدوار التي أحبها لكنه آثر العزلة في كبادوكيا وتفرغ لبعض أموره الشخصية مثل كتابة عموده الصحفي والتفكير بإنجاز كتاب عن "تاريخ المسرح التركي"، وإدارة بعض شؤون فندقه الذي يحمل اسم "أوثيللو" في إشارة واضحة إلى أن صاحبه يحمل للمسرح حُباً من نوع خاص.

وعلى الرغم من انشغال آيدن بالكتابة وانهماكه المتواصل في بعض الأمور الاجتماعية التي تدور في منزله، إلاّ أن ذلك لم يمنعه من الدخول في حوارات طويلة مع شقيقته نجلاء وزوجته نهال، لكن هذه الحوارات تتحول غالباً إلى نقاشات حادة وسجالات لاذعة تفضي به إلى التوتر والانفعال فهو في قرارة نفسه يشعر بأنه أفضل من الآخرين، وأذكى منهم، ولابد أن يكون هو الآمر الناهي وصاحب القدح المعلّى. إن تعويل جيلان على الحوار في بناء هذا الفيلم هو تحدٍ كبير بحد ذاته. فالخطاب الأدبي هو العدوّ اللدود للسينما لأن هذه الأخيرة تعوّل على الخطاب البصري، بل إن جُل ما يقوم به المخرجون المبدعون هو تحويل الخطاب الأدبي إلى خطاب بصري ينطوي على قليل من الكلام وكثير من الدهشة المرئية.

وما دمنا بصدد الحديث عن تشابك الأحداث فلابد لنا أن نتناول التناقضات الكثيرة التي تنطوي عليها شخصية نجلاء "ديميت آكباغ" وإحساسها بالزمن، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل آيدن ونهال "ميليسا سوزان" وسوافي "تامر ليفنت" الذين أمدّوا الفيلم بمعطيات أساسية لعبت دوراً مهماً في التصعيد الدرامي للقصة السينمائية التي شُيّدت بنيتها المعمارية بطريقة احترافية شديدة الإتقان.

الإحساس بالزمن

يتجلى الإحساس بالزمن بقوة لدى نجلاء التي انفصلت عن زوجها لسبب لم نعرفه على مدار الفيلم، وقد أوقعها هذا الطلاق في فراغ قاتل لم تستطع أن تملأه إلاّ بالنقاشات المتواصلة مع شقيقها آيدن وزوجته نهال لكن هذه النقاشات لم تكن إيجابية دائماً، إذ سرعان ما تنقلب إلى النقيض لتصبح وسيلة للإثارة والاستفزاز اللذين يفضيان إلى الانفعال والسقوط في دائرة الغضب من قبل الطرفين.

تُبدي نجلاء اهتمامها ببعض الافتتاحيات التي يكتبها آيدن وتُعرب عن إعجابها بالافتتاحية التي حملت عنوان "فقدان الحسّ الجمالي في قرى الأناضول" وتتساءل باندهاش عن الكيفية التي يجد فيها آيدن الموضوعات المثيرة للاهتمام، لكن هذا الإعجاب سرعان ما يتلاشى ليحلّ محله الغمز واللمز والاستفزاز خصوصاً حينما تشير إلى الصحيفة المغمورة التي ينشر بها مقالاته، أو أنه يدّس أنفه في القضايا الدينية ويتحول إلى إمام واعظ من دون أن يمارس أي طقس ديني.

ثم تذهب أبعد من ذلك حينما تخبره بأنه لم يزُر حتى قبري أبيه وأمه فكيف يبيح لنفسه الحديث عن مفاهيم الدين الإسلامي ويقدِّم أحكامه النقدية في هذا الصدد؟ ونتيجة لهذا الفراغ الذي يعاني منه حتى آيدن نفسه فإنه ينشغل بقراءة رسالة بعثتها فتاة من قرية "غريب  كوديّو" تطلب فيها المساعدة لأنها تريد أن تفتح دورة لتعليم القراءة والحياكة في القرية فيطلب رأي سوافي وشقيقته في الأمر.

سوف تتأجل هذه الحكاية مثلما تأجلت حكايات أخرى لتجد طريقها إلى الاشتباك الدرامي لاحقاً بحسب الخطة التي اقترحها كاتبا السيناريو جيلان وإيبرو ورسما فيها شبكة من العلاقات الداخلية المعقدة التي تكشف في أقل تقدير طريقة تفكير عدد من المواطنين الأتراك الذين يفكرون بخدمة مجتمعهم ثقافياً ومعرفياً بعيداً عن الدوافع الأخرى التي قد تقع في إطار الجوانب الضيقة التي لم يعرها مخرج الفيلم أي اهتمام يُذكر.

تتفاقم الخلافات بين آيدن وشقيقته حينما تتحدث نجلاء حول مفهوم الشر وكيفية التعاطي معه من دون مقاومته، لكن آيدن يعتقد أن العكس هو الصحيح ولابد من مواجهة الشرّ والتصدي له بقوة. كما تفكر في إلقاء بعض المحاضرات في هذا الصدد الأمر الذي يكشف بأن نجلاء لم تكن امرأة بسيطة فهي تقرأ الصحف والمجلات والكتب وتتابع الافتتاحيات التي يكتبها آيدن وتتمنى لو ينشرها في الصحف التركية الكبرى كي تكون في متناول جمهور واسع من القرّاء. كما أنها كانت تترجم بعض الكتب لكنها انقطعت عن الترجمة لأسباب لم نتعرّف عليها، ويبدو أن الطلاق قد قلَب حياتها رأساً على عقب. وحوّلها إلى امرأة متقلبة تُغيّر لونها عدة مرات في اليوم الواحد.
لا يمكن التوقف عند كل الخلافات بين آيدن وشقيقته فهي كبيرة بمكان ولا نستطيع حصرها في هذا المجال الضيق، لكننا يجب أن نعترف بأنهما يقفان على طرفي نقيض، فهو مُجدّ واجتماعي وهي كسولة وانطوائية. وبسبب اندحارها الصامت وخسارتها غير المُعلنة فقد تركت إسطنبول وجاءت لتدفن نفسها في حفرة في كبادوكيا وتعيش بصحبة هذا الأخ المتكبِّر الذي يتطلّع للآخرين من علوٍ شاهق مُردداً على سمعها مقولته الأثيرة بأنّ الحياة تحتاج إلى عمل وشغف بشيئ ما على الأقل، بينما تستغرق هي في كسلها وتطفلها على الآخرين.

قطع الأحداث والعودة إليها

يعتمد جيلان على تقنية قطع الأحداث ثم العودة إليها في الوقت المناسب كي يحقق فعل التشويق والإثارة ويتخلص من الرتابة والملل. فإلياس الذي كسر زجاجة نافذة السيارة سوف نراه أكثر من مرة تحت ذرائع شتى، من بينها الاعتذار عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه وشعوره بالندم تجاه سلوكه العدواني إثر مصادرة الجهات المعنية لأجهزتهم المنزلية. وحينما يرفع آيدن يده كي يُقبِّلها إلياس يُغمى عليه ويسقط أرضاً، ومع ذلك لم يتنازل آيدن عن ثمن الزجاج الذي حطّمه الطفل ولا عن الإيجارات المتأخرة التي لم يستطع إسماعيل تسديدها لأنه عاطل عن العمل منذ خروجه من السجن حيث لم يجد فرصة عمل، فأصحاب المهن الحرة يخشون من توظيف السجناء كما أن المجتمع لا يتقبلهم بسهولة لذلك ظل مُعتمداً على أخيه الأصغر، إمام الجامع الذي يتقاضى راتباً محدوداً جدا.

تأكيد الذات

يشكِّل مجيء المعلم ليفنت علامة استفزازية فارقة في حياة آيدن، ذلك لأن نهال تريد أن تُبعد زوجها عن الاجتماعات التي تقوم بها الجمعية الخيرية التي تهدف إلى جمع التبرعات للمدارس المحلية الموجودة في قرى كبادوكيا، لكن آيدن يرى في هذا المعلم وغداً وشخصاً مُخادعاً كما أن شكوكه تتفاقم حينما تطلب منه أن يغادر القاعة لأن الاجتماع خاص، فتساوره الشكوك بأنها تريد أن تتحدث على سجيتها وهي مُحاطة بالرجال فقط وربما تريد أن تخفي عليه بعض الأسرار. كما شعر آيدن بالإهانة لأنها تريد أن تطرده من هذا المكان بطريقة مؤدبة لأنها تعتقد أن وجوده سوف يعقد الأمور وهي تعرف سلفاً أنه ميّال للتدخل في كل شيئ.

وحينما يحتدّ النقاش بينهما تهدده بترك المكان والرحيل إلى إسطنبول أو أي مكان آخر تجد فيه عملاً لأنها ببساطة شديدة بدأت تشعر بأن حياتها قد أصبحت فارغة بسببه، على الرغم من أنها تعيش حياة ميسورة لا ينغِّصها شيئ، لكنها تدفع ثمناً باهظاً لهذه الحياة وهو حريتها الشخصية التي تنهار يوماً إثر يوم بسبب تدخلاته في كل صغيرة وكبيرة، الأمر الذي يدعوها للتفكير بالانفصال عنه

وفي خضم هذا التوتر يصرّح آيدن بأنه يريد الذهاب إلى إسطنبول لأمور تتعلق بالكتاب الذي يريد أن ينجزه، لكن يعاود الكَرّة ويطلب منها أن تجلس لكي يتحاورا كأناس متحضرين فهو يحترم ذكاءها وقلبها لكنه يخشى عليها من مسألة جمع التبرعات التي قد تسبب لهما مشاكل جدية. فهي امرأة قليلة الخبرة من وجهة نظره كما أن جمع التبرعات منزلق خطر قد يلطِّخ اسمها بالعار ولن يكون بمقدورهما إيقاف الثرثرة والشائعات التي تسري سريان النار في الهشيم. وحينما توافق على طلبه برؤية قائمة التبرعات يكتشف أنها لم تحتفظ بإيصالات المتبرعين وليس لديها جداول موجزة أصلاً ولا تعرف شيئاً عن الدفع الضريبي، فيأخذ كل شيئ ويعدها بأنه سيخبرها لاحقاً بما يجب أن تفعله.

تسفر هذه المماحكة الطويلة عن تبرع آيدن بمبلغ كبير من المال تحت اسم مجهول كما يفعل دائماً. وبعد أن يتفحص كل الأوراق يغيّر رأيه متذرعاً بأنه منغمس في العمل وليس لديه المزيد من الوقت لمراجعة كل هذه الأوراق على الرغم من أهميتها وخطورتها لكنه طلب منها أن تفعل ما تراه صحيحاً، وأنه قد عقد العزم على السفر إلى إسطنبول ليقضي الشتاء كله في العاصمة.

ثمة عبارات حساسة توقف عندها آيدن حينما استنتج بأنها تكرهه لأنه عجوز وهي لما تزل صغيرة وجميلة. كما أنه لم يجبرها على الزواج منه ولم يقيّد حريتها الشخصية ذات يوم، ولم يمانع في منحها المزيد من الحرية، بل أنه لا يمنع فكرة انفصالها عنه إن هي أرادت الطلاق. لا يخلو كلام نهال من عمق فكري فليس خطأه أن يكون أكبر سناً، بل هي تشعر في قرارة نفسها بأنها أكبر سناً منه، وأنها لا تريد أن تتحرر منه لتتزوج رجلاً آخر. فجوهر المشكلة يكمن في شخصية آيدن التي لا تُطاق لأنه أناني وساخر ومتعجرف في كثير من الأحيان.
 
لا تخلو شخصية نهال من تناقض هي الأخرى فبعد أن دمغتهُ بكل الأوصاف السلبية السابقة عادت لتؤكد بأنه رجل صادق وناضج ومحترم لكنه لا يتورع عن قمع الآخرين وسحقهم وإذلالهم والتقليل من شأنهم وهي تعتقد بأنه ثقته العالية بنفسه هي التي تجعلهم يكرهون العالم برمته.

تبدو شخصية نهال في هذه المرحلة وكأنها طبيبة نفسية تحلل شخصية آيدن الذي يكره المؤمنين والعاصين في آنٍ معاً. ويعتقد بأن الجميع لصوص لذلك فهو يكره غالبية الناس وليس لديه إلاّ عدد محدود من الأصدقاء. ثم تستدير نحو ذاتها لتقول بأنها امرأة صغيرة ومليئة بالصحة لكنها تذوب أمامه من الفراغ والملل والخوف، ولم تكن لديها الشجاعة والمال لتذهب إلى مكان أفضل يضمن لها إنسانيتها على الأقل.

وتصل إلى ذروة تشخيصها حينما تقول بأنها كانت خائفة في السنوات الأولى لكنها الآن تشعر بالخزي لأنها فقدت كل مميزاتها وخصائصها وهي تناضل ضد غطرسة آيدن وعجرفته وتعاليه وعدم شعوره بالندم مرة واحدة في حياته. لقد عركتها الحياة الشاقة مع آيدن حتى تحولت إلى امرأة صعبة المراس، وقاسية، وخجولة، ومرتابة لكنها حسمت أمرها وقالت جملة شديدة الأهمية مفادها "أن طرقنا مختلفة ونحن نعيش تحت سقف واحد". ثم استدركت بأنهما كان يمكن أن يعيشا حياة أفضل لكن الأوان قد فات!

والسؤال المهم هنا: هل فات الأوان حقاً، وهل بإمكان آيدن أن يكفِّر عن بعض الأخطاء التي ارتكبها بحق الآخرين؟ وحينما يردّ عليها بضمير جمعي بأنهم ليسوا خبثاء، وأن أحلامهم نقيّة، ونواياهم صادقة وبريئة، تخبره بصراحة غير معهودة بأنها لم تعد تصدّقه وكأنه يقف هنا على المسرح ويكرر مقولته القديمة بأن الجحيم معبّد بالنوايا البريئة والصادقة. فلم تعد تؤمن بهذا الكلام الرومانسي المعسول لأنه مستعد على الدوام لأن يشهر بطاقته ويرميها بوجه أي شخص مهما كان قريباً أو بعيداً عن دائرة اهتمامه

لقد أمضت سنوات شبابها وهي تناضل ضدّه. وطلبت منه للمرة الأخيرة أن يدعها وشأنها لأنّ لديها ثقة بموضوع جمع التبرعات وقد وجدت في العمل معنىً لحياتها، وهي مصرّة على أن تكمل هذا المشروع الذي لا رجعة عنه من وجهة نظرها في الأقل.

خوّلها آيدن في خاتمة المطاف أن تفعل ما تشاء ولكنه طلب منها أن تكون حذرة من المعلّم الاستغلالي المخادع وأن تُحيط نفسها بأناس من ذوي الخبرة والكفاءة وأصحاب الضمير والأخلاق الحسنة. ذهب إلى حضيرة الجياد وأطلق الحصان البرّي من أسْره وكأنه يوحي من طرف خفي بإمكانية تحرير نهال من أسْر الحياة الزوجية والتخلص من الشكوك التي تنخر في ذهنه ليل نهار.

اختبار المشاعر

حينما يقرر آيدن مغادرة قريته الصغيرة إلى إسطنبول تحت ذريعة إنجاز الكتاب أو قضاء فصل الشتاء بعيداً عن مضاربه القروية، يتأخر وصول القطار إلى المحطة فيتجه إلى بيت صديقة سوافي وينهمك معه في أحاديث متنوعة يشترك فيها المعلّم ليفنت. وفي الوقت ذاته تتجه نهال إلى منزل إسماعيل وهي تحمل المبلغ الكبير الذي تبرع به آيدن لمشروعها الخيري.
 
وبعد نقاشات طويلة خاضها آيدن مع ليفنت الذي كان متواجداً في بيت سوافي، وبعد إسرافه في الشراب هذه الليلة بسبب ارتباكه الذي يحرص جيدا على إخفاؤه دوما، شعر بالتعب والإنهاك والسُكر مما أفضى به إلى التقيؤ، لكنهم في صبيحة اليوم الثاني خرجوا إلى الصيد واصطاد آيدن أرنباً برياً، بينما كانت نهال في منزل إسماعيل وادّعت بأنها قد جاءت لزيارة إلياس الذي كان مريضاً لكنها قدّمت في واقع الحال عشرة آلاف ليرة كمساعدة مادية كبيرة لم يستطع حمدي تقبُّلها.

ثم تنقلب الأمور رأساً على عقب حينما يدخل الغرفة إسماعيل ويرى النقود الكثيرة على الطاولة فيقسِّمها بحسب المواقف الصعبة التي مرّ بها الجميع وأولها لإلياس الذي خاطر بحياته كي ينقذ كبرياء والده الجريح، وثانيها لأخيه المتفاني حمدي الذي جثا على ركبتيه معتذراً كي يطعم أفراد الأسرة كلها، وثالثها للأب إسماعيل الذي ضربوه أمام عائلته وأهانوه إهانة قاسية لا يمكن أن ينساها. وفي ذروة انفعاله يلقي النقود في الموقد لتلتهمها النيران رافضا مقايضة الإهانة بالمال. وبينما كانت نهال منخرطة في البكاء كان إلياس ينظر إلى أبيه من فتحة الباب وقد سمع كل الحوار الذي دار بين أبيه ونهال التي قفلت عائدة إلى منزلها.

في طريق العودة إلى المنزل لمح آيدن قرية "غريب كويّو" فطلب من هدايت أن يتوقف قليلاً مستذكراً رسالة الفتاة الذكية التي طلبت منه تبرعاً للقيام بدورة للحياكة والقراءة، ثم طلب المضي في طريق العودة.

وبينما كانت نهال واقفة إلى جوار النافذة وكأنها تنتظر عودته كان آيدن يتحدث بطريقة "الفويس أوفر" مخاطباً إياها بأنه لم يستطع أن يفترق عنها. فالرجل الذي في داخلة سواء أكان عجوزاً أم مجنوناً أم شخصاً آخر لا يريد الابتعاد عنها لأنها هاجسه الذي يطارده دائماً. فكل شيئ غريب عنه وليس لديه أحد سواها في هذا العالم. إنه يشتاق إليها في كل لحظة لكن كبرياءه يمنعه من الاعتراف لها بذلك، وهو موقن تماماً باستحالة الابتعاد عنها لأنه يدرك أنها تحبه من أعماقها أيضاً. ربما تكون الخاتمة هي أشدّ وقعاً من قساوة الاعتراف حينما يقول: "خذيني كخادم أو عبد لنواصل حياتنا معاً حتى ولو على طريقتك الخاصة. سامحيني!". ثم نصل إلى النهاية بينما يجلس آيدن أمام شاشة الكومبيوتر ونراه يشرع في كتابة "تاريخ المسرح التركي". بعد أن وجد معنىً لحياته الشخصية مع حبيبة روحه نهال التي أحبّها بقوة يستحيل معها الابتعاد.

صورة المعاق في السينما

المصطفى الصوفي

أجمع نقاد وأكاديميون ومتتبعون للخطاب السينمائي في علاقته بقضايا المجتمع، وبخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، على أن هذه الفئة في المجتمع تشكل معادلة مهمة وصعبة في المنظومة الإبداعية بشكل عام، وفي الحقل السينمائي بشكل خاص، معتبرين الشخص المعاق سواء كان وراء الكاميرا أو أمامها وجها لوجه، فإنه يعد أحد مبدعي هذا الفن الجميل، وأحد صانعي الفرجة الحقيقية التي لا تختلف عن باقي الفرجات التي  يقدمها مبدعون آخرون لا يعانون أية إعاقة أو نقص جسماني أو عقلي.

الوثائقي يرد الاعتبار للمعاق

وأوضح هؤلاء المتهمون في درس سينمائي نظم بالعاصمة المغربية الرباط، بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة لمهرجان أندي فيلم، المخصص للسينما والإعاقة، حول موضوع( صورة المعاق في السينما) أن العديد من المعاقين قدموا للسينما العالمية عبر تاريخها الطويل مشاهد حية استمتع بها الجمهور كثيرا، فضلا عن تتويجها بجوائز مهمة في كثير من التظاهرات والمحافل السينمائية الدولية، وأن صورة ذوي الاحتياجات الخاصة تطورت في السينما العالمية بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وذلك من خلال العديد من الأعمال التي تجاوب وتعاطف معها الجمهور، وهو ما حقق لتلك الأعمال إيرادات مالية مهمة ومتابعات وشهرة كبيرة.

كما سجلوا بالمناسبة اهتمام السينما الوثائقية كثيرا بالشخص المعاق، وهو اللون الفني الوحيد، الذي رافق بشكل قوي حياة هؤلاء الأشخاص ونقل معاناتهم وأحلامهم، وحالاتهم الإنسانية، وذلك من خلال قصص واقعية، تحكى بنبرات حزينة تدمي القلب وتجرح الأعماق.

كما اعتبروا السينما الوثائقية، التي اشتغلت على تيمة الإعاقة، من خلال حالات حقيقية ووجوه مكشوفة، وتجارب قاسية، ردت الاعتبار لهذه الفئة ، ولعبت دورا كبيرا في الخروج بهؤلاء الأشخاص من دروب العتمة والتهميش إلى دائرة الضوء والنور، وذلك من أجل إسماع صوتهم المبحوح إلى من يهمهم الأمر، والكشف عن حالاتهم المستعصية، والتعبير بكل صدق وحرية عن معاناتهم واحتياجاتهم، كصورة حية من صور السينما الوثائقية التي تظل بالفعل تلك المعالجة الخلاقة والبلورة الحقيقية والمبدعة للواقع المعيش، لهذه الفئة التي دخلت عالم السينما فأنعشته، موضحين في نفس الإطار أن السينما الوثائقية عكس وسائل الإعلام، التي همشت هذه القضية في برامجها.

وفي هذا السياق أكد الأكاديمي الإيطالي جيامبيريو كريفو، الذي ألقى هذا الدرس السينمائي، أن الشخص المعاق في السينما لا يجب أن ينظر إليه بعين العطف والرحمة والشفقة فقط لأن لديه نقصا ما، بل يجب أن ينظر إليه كمبدع حقيقي، يقدم الشيء الأجمل والأروع بالرغم من إعاقته، وهو الأمر الذي يجب أن يصل إليه خيال الجمهور، مبرزا أن الشخص المعاق الذي امهتن الفن السينمائي قادر على إمتاع الجمهور، وقادر على تمكين المتلقي من لحظات ممتعة للغاية، وهو أمر رائع لا محالة، بالتالي على الجمهور والمتتبعين تقديم كل الدعم لهذا الشخص، الذي يعد عنصرا فاعلا في المجتمع.

الإيطالي جيامبيريو كريفو

وشدد الأكاديمي الإيطالي جيامبيريو كريفو، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بين الفاعلين الحقيقيين في بلورة وصياغة المعاهدة الأممية الخاصة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، على أهمية ترسيخ روح وقيم حقوق الإنسان في السينما، في بعدها الكوني والعالمي، وذلك بهدف رد الاعتبار لهذه الشريحة المهمة في المجتمع، وإعطائها الحقوق المدنية والإبداعية والفنية التي يجب ان يستفيد ويتمتع بها مثله مثل باقي أفراد المجتمع.

كما انتقد كريفو في أطروحته، والذي تحفظ كثيرا على مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة، لكون المعاق له احتياجات عامة وطبيعية بالنظر إلى دوره الكبير، ومساهماته وما قدمه للبشرية، كفان غوخ، وستيفن هوكينغ وغيرهم من المبدعين المعاقين، وانتقد كريفو العديد من السينمائيين، وبخاصة المخرجين الذين قدموا في كثير من أفلامهم مشاهد خاسرة تسيء إلى الشخص المعاق، وتحط من قيمته ومن كرامته، وتقدمه ككائن دوني وشرير، وعاجز ولا يستحق الرحمة والحنان والحياة، مبرزا في ذات الوقت أن مسالة توظيف الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في السينما تتأرجح بين أمرين اثنين، إبراز قدرات وذكاء وبراعة هؤلاء الأشخاص، أو الوقوف على بعض الخصال الشريرة، وهي مسألة وإن كانت مرغوبا فيها، تماشيا مع تسلسل أحداث السيناريو، ورؤية الكاتب والمخرج، فإنه يجب أن يكون للممثل البطل في الفيلم، رؤية ايجابية وليس العكس، صورة تنم عن كون الشخص المعاق فاعلا ومساهما حقيقيا في التنمية والإبداع، مثله مثل باقي عباد الله الأسوياء.

الكلاسيكية تتجاهل القيم الروحية

وسلط كروفو، الذي قدم محاضرات وعروضا بعدد من المهرجانات واللقاءات والتظاهرات السينمائية العالمية، درسه السينمائي بفضاء سينما النهضة، الضوء على كثير من الأعمال السينمائية العالمية، التي استأثرت باهتمام الجمهور، والتي وظفت عاهات الصم والبكم والشلل وغيرها من العاهات، بدءا من أفلام السينما الكلاسيكية والفيلم الأول عن الشخص المعاق لمخرجه (ديفريك بيكر)، وحتى الآن، معتبرا أن العديد من الأفلام في تلك الفترة، تجاهلت القيم الروحية التي يتميز بها الشخص المعاق، وأفرغت تلك الشخصيات من محتواها وقيمها الإنسانية والوجدانية والروحية، وركزت فقط على المظهر الخارجي، وهو امر فيه الكثير من المغالاة ومغاير للطبيعة. وقد أعطى كريفو بالمناسبة نموذجين سينمائيين في هذا الشأن، ويتعلق الأمر بفيلم( الطفل المتوحش) لمخرجه فراسنوا تريوف الذي أنتج عام 1970، وهو فيلم مقتبس عن قصة واقعية لطفل يدعى تريفو إبان القرن ال 18، يعيش إعاقة متقدمة، مثل الحيوان، في الأدغال، هذا الطفل كان محروما من أبسط شروط العيش الكريم، ولم يلق أية مساعدة، من قبل الآخرين حتى يخرج من  محنته ووضع المأساوي، ويندمج في المجتمع مثل باقي الناس.

كما سلط الضوء أيضا على تجربة فيلم آخر وظف الشخص المعاق كصورة سلبية، وهو فيلم( الطفل ذو الشعر الأخضر)، والذي يقدم هو الآخر، صورة قدحية ونمطية للشخص المعاق، قد لا تساعده على ان يكون عنصرا مهما في المجتمع، وكمظهر سلبي غير قادر على الإنتاج. داعيا بالمناسبة إلى إعطاء الشخص المعاق في السينما مكانة خاصة، كشكل من أشكال الدعم القوي للشخص المعاق، حتى يجد له موطئ قدم داخل مجتمع يؤمن بالمساواة بين الجنسين مهما كانت إعاقتهم الجسدية أو الذهنية، وحتى يكونوا مساهمين وفاعلين في نماء وازدهار المجتمعات.

سحر (الجميلة والوحش) و(أفاتار)

كما أشار كريفو في درسه السينمائي إلى أن المخرجين والسينمائيين خلال السنوات الأخيرة الماضية غيروا من نظرتهم تجاه الشخص المعاق، ما أفرز أعمالا ممتعة، تشيد بجهود هذه الفئة وبمواهبهم الخلاقة والمتقدة، والقدرات التي يمتازون بها، عكس أعمال السينما الكلاسيكية، حيث وقف كثير على عدد من الأعمال الحديثة المعاصرة من أبرزها فيلم( القدم اليسرى) الذي أخرجه الايرلندي جيم شريدان عام 1989، وهو من بطولة الممثل دانيي لدي لويس، والذي يحكي قصة واقعية للفنان كريستي براون، الذي أبهر العالم برسوماته الرائعة برجله اليسرى رغم إعاقته وشلله الدماغي، حيث حصل هذا الفيلم الرائع على جائزتي الأوسكار كأحسن ممثل رئيسي، وأحسن ممثلة مُساعدة، التي حصلت عليها الممثلة بريندا فيكر.

هذا بالإضافة إلى فيلم (سقم الحياة) للمخرج دينو روسي الذي يحكي قصة رزانا بينزي، فضلا عن الفيلمين الشهيرين( الجميلة والوحش) لمخرجه كريستوف غانس، وهو إنتاج فرنسي ألماني أدت فيه دور البطولة النجمة الفرنسية (ليا سايدو) الحائزة على جوائز دولية عدة، وفيلم (أفاتار) الساحر لمخرجه جميس كاميرون. هذان الفيلمان اعتبرهما كريفو من الأعمال المتميزة والنموذجية رغم قصصهما الخيالية، إلا أنهما أبانا عن تغيير جذري في رؤية المخرجين للشخص المعاق، وقد تأتي ذلك ـ يقول كرفو ـ من خلال التطور الاجتماعي والثقافي ووعي المجتمع بقيمة الشخص المعاق الروحية قبل الجسدية، وهو ما يجعل الشخص المعاق مساهما حقيقيا في تحقيق الفرجة في مجال السينما، فضلا عن بناء الصرح الحضاري للأمم، ومعادلة أساسية في المنظومة المجتمعية والثقافية والحضارية للشعوب.

قيمة إنسانية نبيلة مفعمة بالحب

ولاحظ الأكاديمي الإيطالي أن هذه الأفلام الحديثة، قدمت النموذج الإبداعي الحقيقي لصور سينمائية رائعة وجماليات فنية مشوقة وممتعة في السينما، خلقت توافقا بين المبنى والمعنى وبين الشكل والمضمون، ونوعا من الانسجام بين السينمائي والخيالي، وبين الشخص المعاق والسوي، وذلك بهدف تصحيح حوادث وأخطاء الماضي في السينما الكلاسيكية، والمواقف والمفاهيم، وبالتالي، تقديم الشخص المعاق، كبطل قادر على التضحية، وإيجاد الحلول وعدم إيذاء الآخرين، إذ أصبحت له أيضا قيمة إنسانية نبيلة مفعمة بالحب والأمان والتضحية والشعور بالآخر، عكس ما قدمته السينما الكلاسيكية، وهو الأمر الذي غير الصورة الدونية للشخص المعاق، ما يعطي لهذا الأخير إحساسا قويا بأهميته في المجتمع، ويفتح له آفاقا واعدة في العطاء والخلق والإبداع.

كما كشف القناع بالمناسبة عن وجود نقص وتقصير في الاهتمام بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المشهد السينمائي الأوروبي، وذلك بسبب ندرة المهرجانات الخاصة بهم، والتي تكاد تكون محسوبة على الأصابع، فضلا عن تهميش التلفزيون لهذه الفئة، ورفضه لها، وحتى إن تم قبولها، تعرض في غير أوقات الذروة، بل في أوقات تكون فيها نسبة المشاهدة قليلة، مما يستوجب على المسؤولين تغيير سياستهم الإعلامية والسينمائية تجاه الشخص المعاق، مؤكدا على تقصير كبير للسينما التي تهتم بالشخص المعاق في منطقة الشرق الأوسط مقارنة مع أوروبا وشمالي إفريقيا.

لكل شخص إعاقته

يذكر أن هذا الدرس السينمائي أطرّه الناقد السينمائي أحمد بوغابة، هذا الأخير شدد في كلمة له على قيمة السينما الوثائقية في طرح هذه الإشكالية ومتابعتها، وأهمية بعض التجارب المغربية، كتجربة المخرج المغربي عبد السلام الكلاعي، كما عرف نقاشا مستفيضا بين عدد من المتدخلين، لامسوا في تدخلاتهم القضية من وجهة نظر اجتماعية وثقافية وإبداعية وإنسانية وقانونية وحقوقية، داعين الجهات المعنية الى إبلاء مزيد من الاهتمام بالشخص المعاق في الخطاب السينمائي، وكان من أبرزهم الممثلة المغربية سليمة بنمومن التي تحدثت عن تجربتها السينمائية، وبخاصة في فيلم(نساء ونساء) لمخرجه سعد الشرايبي، والذي طرح جانبا من القضية في فيلمه، فضلا عن ضرورة تغيير الصورة السائدة لدى الرأي العام تجاه الشخص المعاق، الذي من الواجب تقبله كخاصية طبيعية، وكقوة إبداعية وثقافية وسينمائية من شانها كسب الرهان بالتحدي والعمل والمواجهة بدل الانكماش والإحساس بالنقص.
وأكدت الممثلة بنمومن في هذا الدرس خلال هذا المهرجان الذي عرف تكريم عدد من المبدعين، أن لكل شخص إعاقته الخاصة به، رغم كونه سويا، مبرزة في نفس الوقت دور السينما الوثائقية في كشف النقاب عن الكثير من الحالات الإنسانية التي تحررت من إعاقتها، وأبدعت في كثير من المجالات الفنية ومنها السينما كصورة ورؤيا وإبداع جميل، فكانت إبداعاتها صورة سينمائية تبهج العين وتريح القلب والجوارح.

الجزيرة الوثائقية في

05.05.2015

 
 

حوار مع المنتج السوري عدنان حداد:

تصوير مسلسل خلال الحرب

كورياي أنترناسيونال – التقرير

كان المنتج السوري عدنان حدّاد في باريس يوم 24 أبريل لتقديم “أمّ عبدو”، وهو مسلسل تليفزيوني صوّر في حلب ونشر على عدّة قنوات تليفزيونية في الشرق الأوسط.

·        عمّ يختلف “أم عبدو” عن المسلسلات الأخرى؟

أمّ عبدو، مسلسل يتحدّث عن الوضع في حلب، المدينة السورية الأكثر تدمّرًا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي أيضًا المدينة الأكثر خطورة في العالم حسب العديد من المنظّمات الدولية.

يروي المسلسل حياة المدنيين في هذه المدينة الّتي خرّبتها الحرب، والمقسمة لمناطق خاضعة لسلطات النظام والحكومة ومناطق واقعة تحت سيطرة الثوّار، وماذا يفعلون لتجنّب القصف والدفاع عن منازلهم، وكيف يمكنهم البقاء على قيد الحياة بلا ماء وبلا كهرباء، وكيف يتجنبون المجموعات المسلحة في منطقتهم. كلّ يوم، هناك حكاية جديدة وخطر جديد يواجه حياتهم.

·        كيف يتناول المسلسل القضايا السياسية؟

يتحدّث المسلسل عن السياسة من وجهة نظر اجتماعية، ولا يدفع أي شخص لتبني حزب أو وجهة نظر سياسية، وفي المدينة الّتي تعاني الأغلبية العظمى من سكانها من القصف اليوم، للناس بالضرورة رأي حول الأشخاص الّذين يقصفونهم ويقتلونهم.

·        هل كان التصوير صعبًا؟

في البداية، لم يمتلك فريق التصوير المعدّات الضرورية؛ فاستخدم الكاميرات اليدوية ومعدّات بسيطة جدًّا بالإضافة إلى الوضع الخطير للغاية، ولتجنّب بعض هذه المخاطر، تمّ التصوير في أماكن بعيدة عن القصف اليومي، ولاسيّما في مدينة حلب القديمة؛ حيث لا يمكن للنظام القيام بهجمات جوية، حتّى لا يسفر عن خسائر في صفوف قوّاته، وعلى الرغم من التحذيرات، تعرّض الفريق إلى الخطرّ عدّة مرّات.

·        هل توقّف التصوير؟

نعم، مرّات عدّة اضطر فيها الفريق إلى التوقّف والعودة في اليوم التالي إلى المكان نفسه لإتمام المشهد.

·        هل يمكن أن يساهم المسلسل في تغيير الأمور في البلاد؟

لقد غيّر بالفعل الأمور في سوريا. عندما بدأنا هذه المغامرة، اعتبرنا الكثيرون مجانين قائلين إنّ الفيلم لن يصوّر ولا أحد سيشاهده. ولكن، لقد أخطؤوا، فعلي الرغم من أوجه القصور في الإنتاج، حظي المسلسل بشعبية كبيرة في سوريا وفي الخارج، وينتظر الجميع الموسم الثاني الآن. هذا نجاح أعتقد أنّه يساهم في تغيير الوضع.

·        ما هدف اليوم؟

أهدف إلى تسليط الضوء على الحريّة الّتي ننعم بها في مجتمعنا، ونقوم بمشاريع أخرى في الموسيقى والفيديو كليب والأفلام الوثائقية حول اللاجئين في تركيا ولبنان، ولا تتطلع مؤسستي للإنتاج في الحصول على مكسب سياسي؛ فنحن مناضلون إعلاميون، نطالب بالحرية وبحقّنا في التعبير وبحقنا في الانتماء إلى المجتمع الّذي ولدنا وترعرعنا فيه.

حلقات مسلسل أم عبدو على يوتيوب

https://www.youtube.com/playlist?list=PLzTfxczeinYgH77twe8sk9MhTHrfn4kEr

المصدر

“Run All Night”.. ليلة باردة في الجحيم

محمد حمدي – التقرير

لن يكون هناك مخرج آمن للممثل الهوليودي (ليام نيسون) من دائرة تكرار أفكار أفلامه؛ إلا إذا استطاع أن يقدم نفس الشخصيات التي سبق وقدمها على الشاشة، من خلال أثواب جديدة وطرق جديدة في رسم الشخصيات، تتناسب وقدراته المتميزة على أداء أدواره.

تكلمنا بأسهاب عن (نيسون) من قبل، ويمكن مراجعة هذا التقرير عن فيلموجرافيا الفنان الذي استطاع حفر مكانته في سينما لا ترحم وأستوديوهات لا تهتم سوى بالربح، لكننا اليوم نعيد زيارة عالم (نيسون) من جديد بالتزامن مع إصدار فيلمه الأحدث (ليلة الهروب المستمر) أو Run All Night، والذي أخرجه (جوم كوليت سيرا) Jaume Collet-Serra.

يعتبر الفيلم التعاون الثالث بين المخرج و(ليام نيسون)، بعد أفلام متميزة مثل فيلم Unknown في 2011، والذي تم اقتباسه في عمل مصري شهير عرض في رمضان بعنوان (اسم مؤقت)، والذي يحكي عن مجرم دولي يفقد الذاكرة في منتصف عمل إرهابي كبير، فقط ليعود لفطرته الأولى ويكتشف خطأ ما كان يفعله.

وبعد نجاح الفيلم، تعاون الاثنان مجددًا في فيلم جديد هو Non-Stop  في 2014، ويحكي عن محاولات ضابط فيدرالي التصدي لمحاولة اختطاف طائرة في الجو، مع طلب فدية باهظة وإلا قام الخاطفون بتفجير الطائرة بركابها.

في فيلمه الجديد، يظهر (ليام نيسون) من خلال شخصية (جيمي كونلون)، المجرم السابق الخطير، والذي يعاني اليوم من آثار ماضيه السيئ، حيث إنه يعاني من الكوابيس التي يري فيها هؤلاء الذين قتلهم مسبقًا، كما أن ضباط الشرطة يطاردونه بشكل غير مباشر للحصول على القائمة الكاملة بأسماء من قتلهم ولا يعرفون عنهم شيئًا، ما أكسبه اسم الشهرة (حفار القبور).

يعيش (جيمي) سكيرًا وحيدًا لدى صديقه الوحيد المتبقي (شون ماجواير) الذي قام بدوره Ed Harris في دور متميز كعادته.

على صعيد آخر، ينتقل الفيلم ليعرض قصة مايك كونلن -قام بدوره Joel Kinnaman– ابن القاتل الشهير، والذي يحاول الاستمرار في حياته مع زوجته وأطفاله، بعيدًا عن ماضي والده السيئ، مع محاولته الدائمة كسب قوت يومه من خلال بعض الأعمال التي تدر عليه ربحًا إضافيًا، لم يكن يعلم أن هذا الربح سيتسبب في تغيير حياته إلى الأبد.

يقود القدر (مايك) ليشهد على جريمة قتل بشعة، بطلها ابن (شون ماجواير)، وعندما يحاول الأخير قتله، يضطر (جيمي) أن يقوم بقتله؛ ما يحول الصداقة المستمرة بين (ماجواير) و(جيمي) لحرب شرسة، وقتال شوارع يستمر على مدار ليلة كاملة من العنف المستعر.

يقوم الفيلم بالكامل على فكرة أن كل شيء في المدينة فاسد؛ بداية من الجريمة المنظمة وغير المنظمة، والتي تضرب أركان كل شيء، ونهاية بالشرطة الفاسدة التي يمكن شراء رجالها وخدماتها لمن يدفع أكثر، وعلى الرغم من حياة (مايك) طوال الوقت في المدينة؛ إلا أنه لايزال مؤمنًا بفكرة العدالة والنظام وضرورة أن يسير كل شيء في المجتمع وفقًا للقانون والعدالة، لكن الأب (جيمي) يرى أن العكس هو ما يحدث، نتيجة خبرته الواسعة في الحياة وقدرته غير المسبوقة على معرفة خبايا مجتمعه.

يستطيع الأب أن يساعد ابنه على الهرب من قبضة رجال الشرطة المرتشين، كانوا يقتادونه للقسم أو حتى لمكان وجود (شون ماجواير) الذي أقسم على قتل الابن أمام أعين الأب، ثم قتل الأب بعد مشاهدة نظرة الخواء والذل في عينيه. يعقد (جيمي) اتفاقًا مع ولده يقوم بمقتضاه بالهرب معه لمدة ليلة واحدة كاملة، وفي المقابل سيختفي من حياته بعدها -كما يريد- للأبد.

تبدأ الأحداث في التطور على هذا النحو؛ (شون) ورجاله يطاردون (جيمي) وابنه، بالإضافة لقوات الشرطة الفاسدة المدعومة بمصلحتها الخاصة مع (شون) كرجل عصابات مخضرم، وقوات الشرطة الشريفة المدعومة برغبتها في الإمساك بمجرم قديم مثل (جيمي)، ومجرم حديث متورط في جريمة قتل وهروب من العدالة هو (مايك).

تميز الفيلم بمشاهد المطاردات المتميزة، ومشاهد الحركة التي حرص المخرج على توظيفها في أحداث الفيلم بشكل جيد، على الرغم من تحول الموضوع لما يشبه جر الأحداث للمنطقة التي يريدها المؤلف تحديدًا، ولي عنق المنطق ليتناسب مع النهاية (العادلة) التي يصر الفيلم على الوصول لها مع استمرار الأحداث في التدفق.

بدا لنا جليًا رغبة الفيلم وصناعه في الاستفادة من النجاح الكبير الذي حققته سلسلة أفلام Taken، والتي قام ببطولتها (ليم نيسون) في منتصف مشواره الفني، السلسلة تحكي عن محاولة أب العثور على ابنته التي تم اختطافها على يد مجموعة من العصابات في فرنسا، ويستغل فيلمنا اليوم فكرة العلاقة بين الأب والابن لإعادة تقديم الفيلم بشكل يخاطب مشاعر الجمهور انطلاقًا من هذه الفكرة.

بدا (نيسون) في أحداث الفيلم كرجل سكير، مرهق، محمل بأعباء جسيمة، يطارده ماض أسود لم يندم قط في حياته مثلما ندم عليه، ويظهر هذا بوضوح في المشهد الذي يمنع ابنه من قتل أحد الرجال:

“إياك أن تقتل أحدًا يا بني. ستندم على هذا طوال عمرك”.

بهذه الجملة المقتضبة يصارح (نيسون) ابنه بندمه الحقيقي على لقبه في عالم العصابات (حفار القبور).

أد هاريس، النجم الهوليوودي المتميز، قدم واحدًا من أفضل أدواره على الإطلاق، وهو النجم ذو الاسم اللامع في عالم السينما، وصاحب أعمال وأدوار لا تنسى؛ مثل دوره في فيلم (الصخرة) The Rock، في دور الجنرال هاميل الذي يحاول ابتزاز حكومة الولايات المتحدة من خلال احتجاز الرهائن في سجن الكاتراز، أو دوره في فيلم Pain & Gain، كمحقق خاص يشترك في التحقيق عن قضية ذات طبيعة خاصة ومختلفة، وغيرها من الأدوار المتميزة.

في أحدث أفلامه، يستغل (هاريس) ملامح وجهه الغامضة، وشعره الأبيض المتناثر بندرة على رأسه  ليعكس صورة المجرم المخضرم، وزعيم العصابة المصمم على الانتقام، وعلى الرغم من تقدمه في العمر؛ إلا أنه استطاع أن يقدم الدور على أكمل وجه.

سيطر الليل على الموقف فيما يتعلق بزمن تصوير الفيلم، ومع ظهور المشاهد الصباحية في نهاية الأحداث شعرنا بانفراجة، مع ظهور الشمس في الأحداث، ومع حل المعضلة الأساسية في الأحداث، وهي النقطة التي ينتهي عندها الفيلم.. وينتهي معها تقريرنا عن Run All the Night.

التقييم: 7 من 10

التقرير الإلكترونية في

05.05.2015

 
 

جمهورية إمبابة» لأحمد البدري:

جمهور السينما يتمرد على العنف ويلجأ إلى الكوميديا

رانيا يوسف - القاهرة ـ «القدس العربي»

الكثير من الصحافيين وصناع السينما في مصر أثنوا على استمرار عائلة السبكي في تمويل إنتاج الأفلام وإنعاش دور العرض، في الوقت الذي تراجعت فيه شركات إنتاج كبرى عن الاستمرار في ضخ أموالها في سوق مضطرب، خوفا من تكبد خسائر مادية بسبب توتر الأوضاع الأمنية في مصر بعد الثورة، ولكن ربما غاب عنهم أن التراث السينمائي الذي قدمه السبكي أفسد ذائقة أجيال كثيرة، خاصة تلك الطبقات الشعبية التي تغيب عنها ثقافة تلقي الفنون، من وجهة نظر عائلة السبكي التي يمتد تاريخها مع صناعة السينما المصرية إلى أكثر من ربع قرن. إنها تعي تماما متطلبات السوق السينمائي وإن السينما في النهاية هي سلعة تجارية تخضع للعرض والطلب، ومع تراجع سوق الأفلام في مصر وندرة الأعمال الجيدة، اعتقد أن المحتوى الذي يقدمه هو السلعة الرائجة لدى جمهور السينما، لكن مع تغيير المشهد السينمائي خلال السنوات القليلة الماضية، وتصدر جيل جديد من الشباب الموجة الجديدة في السينما المصرية تغيرت معها ذائقة المتلقي، الذي بدأ يتمرد على خلطة أفلام السبكي، الإيرادات التي كان يعتبرها مقياسا لنجاح فيلمه أصبحت أيضا دليلا ملموسا على الفشل المتلاحق الذي يطارده، انفرط عقد عائلة السبكي بين الإنتاج الذي لم يكتف به لكنه تطاول أيضا على مهنة الإخراج والكتابة.
بعد الثورة ظهرت كيانات إنتاجية جديدة صغيرة تعزف على وتر استغلال الانتشار الشعبي لنوعية أفلام السبكي ، فيلم «جمهورية إمبابة» الذي يعرض ضمن موسم أفلام شم النسيم من تأليف مصطفى السبكي، وإخراج أحمد البدري وإنتاج طارق عبد العزيز، واحد من هذا التجارب التي تنتمي إلى هذه النوعية من الأعمال، التي تقدم التوليفة المعتادة، من بلطجي وراقصة وعاهرة وحارة شعبية، بداية من عنوان الفيلم «جمهورية إمبابة» وهي إحدى المناطق الشعبية في القاهرة الكبرى، التي تسكنها فئات محدودة الدخل، عادة الأعمال التي تعبر عن مكان بعينه، يتجانس الأسلوب الفني لموضوعها تبعا لطبيعة وهوية هذا المكان، بما يميزه عن غيره، لكل حارة أو منطقة روح وخصوصية تنعكس في الصورة الذي تستمد تكوينا من تفاصيل المكان، لكن هذا التجانس لم نلمسه في الفيلم، الأحداث لا تنتمي إلى مكان محدد، إذا تجاوزنا عن ذكر إمبابة في العنوان يمكن أن تصلح الأحداث لأي مكان شعبي آخر.

يحكي الفيلم قصة حسن، وهو شاب فقير يعمل سائقا لسيارة أجرة ويقوم بدوره الفنان باسم سمرة الذي يرغب في الزواج من جارته، لكن أخاها يرفض هذه العلاقة طمعا في تزويجها من تاجر مخدرات غني، وتنجح خطته في تفريقهما، يجسد حسن شخصية الشاب الصالح الذي لا يقوى على مواجهة مجتمع يدفعه إلى التخلي عن سلميته، مجتمع يظلمه ويضعف قوته ويحوله إلى بلطجي يلجأ إلى العنف المضاد لينتقم ممن ظلمه، هذه الثيمة المكررة لتطهير صورة نموذج البطل الشعبي الذي حوله الظلم إلى مجرم، لم تعد واقعية في تصدير صورة الشخصية الشعبية على الشاشة، العنف والعنف المضاد أو الذي يحمل مبررات الدفاع عن النفس، جميعها صور لم تجعل المشاهد يتعاطف مع حسن، الذي يتحول بين مشهد ومشهد من إنسان تقي نراه يحرص على أداء الصلوات إلى بلطجي يمارس كل انواع الشرور، فيتحول من تاجر سلاح إلى تاجر آثار ومخدرات. 

الفيلم يعد التجربة الأولى للفنانة فريال يوسف، حيث لأول مرة تؤدي دور فتـــاة من حارة شعبية، وهي التي حاولت أن تجتهد في تدارك اللهجة التونسية، لكن اللهجة لم تكن العائق الوحيد الذي حاولت اخفاءه، الشكل الخارجي للشخصية لم يقدم لنا مواصفات فتاة من حارة شعبية، وهي التي تبدو دائما في مظهر بالغ الأناقة، تمتد هذه الصــــورة إلى كل الشـــخصيات النسائية في الفيلم، علا غانم التي تقوم بدور فتـــاة ليل تخونها اللهجة الارســتقراطية المنتقاه التي لا تتوافق مع فتاة من حي شعبي تبيع جسدها ليل نهار، ويقودنا المحتوى الفارغ للحوار والإيقاع المبتور للمونتاج الذي يحاول لم شمل أحداث سريعة ومفككة، في كل لقطة إلى أربع رقصات استعراضية طويلة داخل أحد الكباريهات، حيث تأخذ الحيز الأكبر من الوقت الزمني للفيلم، ليتحول من فيلم سينمائي إلى «شو استعراضي» يستوقفه بعض المشاهد الادائية المفتعلة، إذا نزعنا عنه هذه الاسكتشات التي حولت فن الرقص الشرقي إلى فعل جنسي فاضح لتحول إلى فيلم روائي قصير الفنان باسم سمرة الذي وصل متأخراً إلى مرتبة النجومية يحاول في كل عمل سينمائي جديد أن يثبت انه نجم شباك، هو بالفعل نجم وله تجارب درامية ناجحة لكن ليس بالضرورة أن يتحول إلى نجم شباك، أن تصبح بطلا سينمائيا أو نجما عليك أن تتحول إلى بلطجي، أصبحت هـــذه هي اللغة الرائجـــة عند الجمهور، لكن هذا المنظور لم يتقبله الشباك إلا مرة واحدة، كما حدث مع أكثر من نجم صعدوا في الأدوار الأولى التي قدمها، وتراجعت شعبيتهم عندما أعادوا إنتاجهـــا مرة أخرى، مثل الفنان محمد رمضان الذي ابتعد عن تقديم دور البلطجي بعدما قدم فيلمين نجح الأول واخفق الآخر، كذلك الفنان محمد سعد الذي استهلك شخصية اللمبي في أكثر من عمل، انتهى به في كل مرة إلى مزيد من الانحدار، الجمهور قال كلمته وأعطى تقييما عمليا لنوعية فيلم «جمهــورية إمبابة» حيث لم يحقق في شباك التــــذاكر سوى بضعة آلاف مقارنة بالأفلام الأخرى التي عرضت معه خلال الموسم، حيث تميل موضوعاتها إلى الكوميديا فتجــاوزت إيراداتها الملايين.

توم هاردي بطلاً لفيلم «ماكس المجنون» بدل ميل غيبسون المتهم باللاسامية

حسام عاصي - لوس أنجليس – «القدس العربي»:

عندما شرع المخرج الأسترالي، جورج ميلر، عام 1979 في صنع فيلم الأكشن المستقبلي «ماكس المجنون» من بطولة ممثل لم يكن معروفا وهو ميل غيبسون، وبتكلفة أقل من مليون دولار، وبمساعدة أصدقائه، لم يكن يتوقع النجاح التجاري والنقدي الهائل الذي حظي به لاحقا. فرغم بساطة روايته التي تتمحور حول شرطي ينتقم من عصابة المجرمين، التي قتلت زميله وزوجته وطفله، فإن الفيلم تحول الى حدث سينمائي تاريخي وجعل من ميلر وغيبسون نجمين عالميين، لاحقتهما هوليوود لكي يصنعا فيلمين آخرين عن «ماكس المجنون». ومدعومين بملايين هوليوود، حقق ميلر وغيبسون جزأين إضافيين: «ماكس المجنون: طريق المحارب» عام 1981 و«ماكس المجنون: وراء العاصفة الرعدية» عام 1985. سلسلة «ماكس المجنون» باتت تعتبر أهم أفلام الأكشن في تاريخ السينما ومصدر إلهام لكثير من المخرجين، مثل جيمس كاميرون، كوانتين ترانتينو، روبرت روديغيس ودافيد فينشر.

طبعا «ماكس المجنون» معروف بمشاهد مطاردات السيارات المشوقة التي لم يسبق لها مثيل، ولكن ما يميزه عن غيره من أفلام الحركة المستقبلية هو أنه رغم أن أحداثه تجري في عالم خيالي عم فيه الخراب والدمار وشح فيه الغذاء والماء والبترول وتلاشت نظم الدول والمؤسسات وساد فيه الإجرام وقطاع الطرق واللصوص بعد حرب عالمية أو كارثة نووية، فإن هذه الإحداث تبدو واقعية ومنطقية، والحركة لا تتحدى قوانين الفيزياء. 

كما أن بطل الفيلم، ماكس، هو إنسان عادي يتعامل مع تحدياته ومآزقه في الحياة كغيره من البشر بدون اللجوء الى قوى خارقة لا يملكها ويقوم بالدفاع عن نفسه وليس بإنقاذ العالم. الفيلم أيضا يحمل في طياته مضامين مهمة مثل الأخلاقيات، الوحدانية والعدمية.

فلا عجب أن هناك ترقبا للجزء الرابع من هذه السلسلة وهو «ماكس المجنون طريق الغضب» الذي سيعرض للمرة الاولى في مهرجان كان السينمائي في 13 مايو/آيار. ولكن السبيل لتحقيق هذا الجزء كان طويلا وملغوما بالعقبات. ففي مقابلة أجريتها مع ميلر نهاية الإسبوع في مطعم في هوليوود، قال لي إنه كان جاهزا لتصوير الفيلم عام 2001 مع بطله الأصلي غيبسون، ولكن أحداث سبتمبر/أيلول 11 ومن ثم تدهور قيمة الدولار الأمريكي أمام الدولار الأسترالي الذي أدى الى انتفاخ ميزانية الإنتاج جعلت من صنع الفيلم أمرا مستحيلا. فانشغل في صنع سلسلة الأفلام المتحركة «هابي فيت»، الذي نال جائزة الأوسكار، حتى حان الوقت الملائم لإنجاز «ماكس المجنون» في الألفية. ولكنه واجه مشكلة جديدة تجسدت في غرق بطله غيبسون في مستنقع اللاسامية، الذي حال دون استخدامه في الفيلم بسبب إعتراض هوليوود. ولهذا كان على ميلر أن يجد ممثلا بديلا له. وبعد بحث دام أكثر من سنة، تم إختيار الممثل البريطاني توم هاردي، المعروف بدور «بين» في فيلم «فارس الظلام.»

«عندما دخل توم في الغرفة، ذكّرني بميل غيبسون عندما دخل الغرفة قبل 30 عاما. كان عمر توم 6 أسابيع عندما صورنا أول ماكس مجنون،» يضحك ميلر البالغ 70 عاما. «كلاهما موهوب جدا. الإثنان جاءا من المسرح ومحبوبان وفي الوقت نفسه يملكان نوعا من الغموض والخطر، وهذا ما نجده في الممثلين الجذابين. وتوم هو شخص مستعد أن يقوم بأي شيء.»

وفي حديث مع هاردي لاحقا، قال لي إن ميلر لم يطلب منه قراءة أي حوارات عندما إلتقى به، وإنما تحدثا عن عمله في المسرح وعن فلسفته في الحياة وبعد لقائهما إتصل ميلر مع مخرجيه السابقين للتأكد من شخصيته. «قفزت فرحا عندما عرض علي ميلر الدور»، يقول هاردي. «ولكن سرعان ما تبادر إلى ذهني أن هذا دور ميل غيبسون وكل المعجبين يحبونه في هذا الدور. وهذا ما أرعبني». ولكن عندما زار هاردي غيبسون، طمأنه الأخير وبارك له على نيل الدور.

في «ماكس المجنون طريق الغضب» يتم إقتناص ماكس على يد عصابة مجرمين يتزعمها إيمورتون جو، الذي يسيطر على كل ما تبقى من موارد طبيعية في عالم عمه الفوضى والدمار. وينجح ماكس بالفرار من قلعة العصابة والإنضمام لمتمردة تدعى فيريوزا (شارليز ثيرون)، التي تقوم بتهريب نساء جو من القلعة بشاحنة حربية مصفحة. جو وعصابته يلاحقون المتمردين بآلياتهم الغريبة والعجبية. ويخوضون معارك ضارية ضدهم.

الحقيقة هي أنه ليس هناك حاجة لمعرفة قصة الفيلم، فكل ما نشاهده من البداية حتى النهاية هو مطاردة سيارات وعندما يصل المتمردون الى هدفهم يقررون الرجوع الى قلعة العصابة لاحتلالها وهكذا تستمر العصابة بملاحقتهم بالاتجاه المعاكس. 

الحركة والمطاردات لا تختلف كثيرا عما عُرض في الاجزاء السابقة من ناحية الإثارة وغرابة الشخصيات والسيارات والتضاريس، ولكن الطرح السينمائي يختلف كليا ويبدو أكثر توافقا مع أفلام الحركة المعاصرة، التي تتسم بإيقاع سريع لا يمنح مجالا لتطوير شخصيات الأفلام أو الحديث أو التأمل أو التنفس، من أجزاء ماكس المجنون السابقة، التي كانت تسنح للمشاهد التعرف والتعايش مع ماكس في ظروف إنسانية مختلفة، وتخلق التشويق من خلال سرد القصة التي كانت تقودنا الى مشاهد الحركة بشكل تلقائي. فالحركة كانت عنصرا من عناصر سرد القصة، أما في هذا الجزء فالحركة والمؤثرات هي كل شيء. وأنا استغربت عندما وافق معي ميلر على هذه الملاحظة، مصرا على أن التغيير في منهجه كان لا بد منه في هذا الزمن.

«قطعا. التغيير الأكبر الذي لاحظته منذ ثلاثين عاما هو أن الجمهور أصبح قادرا على قراءة الأفلام بسرعة هائلة. الآن هم يقرأون الأفلام بسرعة، وذلك بسبب الدعايات وكليبات الفيديو والأفلام بشكل عام». يوضح ميلر ويعترف أن هذا الجزء من السلسلة مركب من 2700 لقطة مقارنة مع الجزء الثاني المركب من 1200 لقطة. وهذا ربما يفسر التغيير الذي نلاحظه هذه الأيام في أفلام هوليوود التي يصل عدد اللقطات التي تكوّنها بين 2000-3000 وهو ضعف ما كان عليه الحال في العقود السابقة، فعلى سبيل المثال فيلم «جوراسيك بارك» الاصلي كان مولفا من 950 لقطة فقط. ويعزو ميلر هذا التغيير للتقدم في تكنولوجية الديجيتال.

«ألامور تغيرت كثيرا»، يؤكد. «لأن تكنولوجية الديجيتال تسنح لك بفعل ذلك. الكاميرات صارت أكثر ليْنا بكثير. يمكنك إستخدام عدة كاميرات لتصوير مشهد واحد بتكلفة ضئيلة جدا وإذا ظهر شيء في الصورة مثل كاميرا او ضوء يمكنك أن تمحي ذلك لاحقا في الحاسوب. فتراكم كل هذه الأمور يؤثر على منهج عملك. يمكنك الآن أن تؤثر كثيرا على الفيلم بعد تصويره من خلال استخدام ادوات رقمية وتجعله أكثر لمعا. تطور التكنولوجيا يساهم في تعزيز هذا التأثير.»

فعلا فإن كاميرات الديجيتال الصغيرة مكّنت ميلر من تصوير المشاهد من زوايا عدة والتقاط أكثر من 480 ساعة فيلم وهذا طبعا ساهم في إسراع ايقاع الفيلم وتعزيز كثافة الحركة.

ولكن رغم توفر أدوات التكنولوجيا وخاصة المؤثرات الخاصة التي توفر له إمكانية خلق حركة بسهولة لا يمكنه تحقيقها في موقع التصوير، ألا أن ميلر لم يُفتن بها كغيره من صانعي الأفلام ولم يتخل عن المبادىء التي أرتكز عليها في صنع أجزاء «ماكس المجنون»، وهي التركيز على مصداقية وواقعية الحركة وخاصة الخطرة منها. «في هذا الفيلم لا نتحدى قوانين الفيزياء، فليس هناك أشخاص يطيرون في الهواء أو سفن فضائية أو انفجارات خيالية»، يقول ميلر. حقا فإن الحركة في الفيلم، رغم خطورتها وغرابتها، فانها تبدو واقعية وليست غير معقولة وذلك لأنه استخدم سيارات حقيقية وخبراء حركة خطرة وخبراء متفجرات ليقوموا بالعمليات المعقدة. طبعا هذا المنهج حافل بالمخاطر، ناهيك عن الوقت الطويل الذي يتطلب لتصميم وإنجاز كل حركة صعبة، اذ امتد تصوير الفيلم لـ 135 يوما في صحراء ناميبيا الأفريقية. «كل يوم كان يوم حركة خطرة، الكثير منها. وهذا كان مرهقا جدا بسبب الجو الحار والغبار. ولكن أكبر قلق لي كان الأمن وسلامة الطواقم. لهذا استأجرت أفضل خبراء المتفجرات والأعمال الفنية الخطرة، واخترت ممثلين رياضيين فهاردي كان لاعب «روكبي» وثيرون كانت راقصة بالي. لا أظن أنه كان ممكنا ان تصنع الفيلم بطريقة اخرى وتشعر بأنه واقعي وحقيقي. هذه الايام يصعب التصديق بأنه يمكنك ان تحقق ذلك ولكن هذا هو النمط الذي استخدمناه في الماضي وما زال فعالا»، يعلق ميلر.

أهمية مصداقية الفيلم عند ميلر تظهر أيضا في اختياره ثيرون لتجسيد دور فيريوزا ذات اليد الميكانيكية، التي تشارك بطولة الفيلم مع ماكس. ثيرون، طويلة القامة وعريضة الكتفين، تؤدي أداء مقنعا كمحاربة اكثر شراسة من المحاربين الرجال. ولكن عندما تحدثت معها لاحقا قالت لي إن أداء دور فيويوزا كان أصعب ما قامت به في الـ 20 عاما الماضية منذ بداية مسيرتها المهنية، اذ كان عليها أن تتمرن ساعة كاملة كل يوم لتقوية عضلاتها وأن تسافر ساعتين من مقرها الى موقع التصوير وأن تعمل باستمرار 14 ساعة كل يوم وتقضي الليل يقظة مع طفلها. «كلما أشاهد الفيلم، أرى ألمي على الشاشة»، تقول ثيرون ضاحكة. «ألحقيقة هي أنه لا تعجبني مشاهدة فتيات نحيفات يرفسن ويلكمن في الأفلام وأنا أكره اللحظات عندما تضرب ذراع فتاة صغيرة رجل أكبر منها بـ 5 مرات وتسقطه على الأرض، ويتوقعون مني أن أصدق ذلك. لهذا الجزء الجسماني بالنسبة لي هو حقيقتي. هذا يساعدني ويعزز شعور القوة. ولكن بصراحة، حتى بدون تمارين شكلي يبدو كشكل الرجل بسبب اكتافي العريضة وظهري العريض ولهذا عادة أنا دائما أحاول أن أصغّر الجزء العلوي من جسمي، ولكن في هذا الفيلم كان علي أن أتمرن بالاثقال والتمارين الاخرى من أجل تقمص شخصية فيزيوزا التام.»

بلا شك أن الفيلم سوف يرضي معجبيه الذي يترقبون إنطلاقه على نار. وحتى قبل أن ينطلق، يتساءل الكثيرون عن احتمال إنجاز أجزاء اخرى من هذه السلسلة. ثيرون وهاردي لا يعرفان الجواب لهذا السؤال. أما ميلر فلا يستبعد هذه الفكرة. «نحن لم نفكر أبدا بصنع ثلاثية، ولكن خلال الإنتظار الطويل لإنجاز هذا الفيلم بدأنا نكتب قصصا خلفية عن الشخصيات تحولت بعد ذلك الى سيناريوهات لم نكن نتوقع أن نصورها. اذا نجح هذا الفيلم وكان عندي الشهية للرجوع لبلاد الخراب، فربما سوف أقوم بذلك». يختم ميلر حديثه ضاحكا.

تنظيم ثلاثة برامج في القاهرة للأفلام التسجيلية على مدار الشهر الجاري

القاهرة – «القدس العربي»:

تنظم «سينما زاوية» على مدار شهر كامل برنامجا لعروض الأفلام الوثائقية السردية وغير السردية، وذلك في الفترة من 6 إلى 26 مايو/آيار الجاري. وذلك بدعم كل من الصندوق العربي للفنون والثقافة وبرنامج «مزج: إعادة النظر في الفيلم الوثائقي» ومن خلال البرنامج يتم عرض أكثر من 20 فيلمًا قدمت بين عامي 1922 و 2015، وستشمل أيضا سلسلة متكاملة من ورش العمل والمناقشات والمحاضرات التي يتم تنظيمها بالشراكة مع مؤسسة «س للسينما». 

ينقسم البرنامج إلى ثلاثة أقسام، ويبدأ بسرديات وهو الذي يقدم الأفلام الوثائقية الواقعية ذات نمط الحكي التقليدي، الذي يشبه إلى حد كبير الأفلام الروائية، ويقام في الفترة من 6 وحتى 12 الجاري.

يفتتح هذا القسم عروضه بفيلم إختفاءات سعاد حسني الثلاثة (2011) والذي يتبع عرضه نقاش مع مخرجة الفيلم رانيا اسطفان، ويعد الفيلم بمثابة تكريم للنجمة ، وكذلك للعصر الذهبي للسينما المصرية التي صنعت لها نجوميتها. يستخدم الفيلم لقطات أرشيفية من أفلام سعاد حسني لسرد قصة حياتها، في حين يحكي الفيلم في خط مواز قصة تراجع صناعة السينما المصرية وتأخرها، والتغييرات التي طرأت على المجتمع ككل.

ومن الأفلام المتميزة المقرر عرضها في الثامن من مايو/آيار فيلم «هنا وفي مكان آخر» للمخرج الفرنسي المناصر للقضية الفلسطينية جان لوك غودار، وهو الفيلم الذي أثار جدلًا نقديًا واسعًا عند عرضه للمرة الأولى. بينما في التاسع من مايو/آيار يتم تقديم عرضين من فنون فيديو لكل من الفنان اللبناني مارا أرسانيوس والفنان السوري سيمون فتال.

القسم الثاني يحمل عنوان «أنثروبولوجيا على الشاشة / البدايات»، ويقام في الفترة من 15 وحتى 17 ، وهو الذي يقترب أكثر ويلاحظ عملية صناعة الأفلام نفسها وطرق استكشاف البشر والعصور والظواهر المختلفة. وتشمل الأفلام المقدمة من خلاله مجموعة متنوعة من المواضيع ومنها: من البقاء على قيد الحياة في الدائرة القطبية الشمالية قاسية البرودة، القضايا الإجتماعية والسياسية في فترة الستينيات في فرنسا، حرفة صيد الأسماك في قارة أمريكا الشمالية، النجاح الهائل للمسلسلات التركية. ولكن في السادس عشر على وجه التحديد تعرض سينما زاوية مجموعة من الأفلام الوثائقية المصرية القصيرة المميزة وهي: «آفاق» للمخرج شادي عبد السلام (1973) وفن العرائس للمخرج توفيق صالح (1953)، و»القاهرة» 1830 للمخرج سمير عوف (1969) وجهان في الفضاء (2000 ) للمخرج سمير عوف الذي سيكون يكون حاضرًا بنفسه بعد العرض لإلقاء محاضرة بعنوان «الوثائقي غير القابل للتعريف «.

أما القسم الثالث والأخير من البرنامج فيحمل ببساطة عنوان مختارات حديثة ويكون في الفترة من 20 وحتى 26 مايو/آيار، وتعرض من خلاله مجموعة مختارة من الأفلام الوثائقية الأكثر حداثة، والتي تتناول مجموعة من الموضوعات المتنوعة.

ففي الثاني والعشرين من مايو/آيار يعرض الفيلم المنتظر المواطن أربعة (2014)، الذي يحكي القصة المذهلة لإدوارد سنودن الذي فضح برامج مراقبة وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة، وآثار هذا الكشف على حياته وحياة صناع هذا الفيلم. وفي السادس والعشرين من مايو/آيار يعرض فيلم «جاي الزمان» للمخرجة دينا حمزة (2013) والذي تقوم من خلاله المخرجة بإلقاء نظرة متفحصة في تراث والدها الراحل، وتحكي من خلال تلك العملية قصة تطلع أمة بأكملها إلى التغيير منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر، ويعقب عرض الفيلم نقاش مع المخرجة دينا حمزة ومنتجة الفيلم ماريان خوري.

القدس العربي اللندنية في

05.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)