كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

تيرنس ماليك: فيلسوف السينما الأميركية

العرب/ أمير العمري

 

الأساس الدرامي في أفلام تيرنس ماليك ليس الشخصيات بل يتركز اهتمامه على شعرية الصورة باستخدام الصور بطريقة تستمدّ قوتها مما تمنحه للمشاهد من إيحاءات.

لم تعرف السينما الأميركية في تاريخها الطويل مخرجا سينمائيا يستخدم الوسيط، أي الفيلم، من أجل التعبير عن أفكار فلسفية مجردة تبحث في أصل الكون، وفي العلاقة بين الإنسان والله، وبين الإنسان والطبيعة، مثلما عرفت في شخص المخرج المرموق تيرنس ماليك (71 سنة).

فماليك يتجاوز كثيرا أقرانه من السينمائيين، كما أنه ينأى بنفسه عن الأضواء رغم كونه مخرجا ينتمي بلا شك، إلى سينما المؤلف، التي يكمن أساسها وجوهرها في عمل المخرج باعتباره النجم الأول.

درس ماليك الفلسفة، وعمل في مجال النقد السينمائي، قبل أن يخرج فيلمه الأول الطويل “البلاد السيئة” عام 1973. ولا شك أن دراسته الفلسفية تركت تأثيرها على أفلامه القليلة، فهو لم يخرج خلال اثنين وأربعين عاما، سوى سبعة أفلام. وقد انقطع عن الإخراج لفترات طويلة، لأنه كان مؤمنا بأن “هناك أشياء كثيرة أخرى في الحياة أهم من صنع الأفلام”، كما قال لسكورسيزي ذات مرة.

مرّ عشرون عاما بين فيلمه الثاني “أيام السماء” (1978) وفيلمه الثالث “الخيط الأحمر الرفيع” (1998)، ثم مرت ثماني سنوات بعد فيلمه هذا والفيلم الذي أخرجه بعده وهو “العالم الجديد” (2005). ولكنه فجأة بعد أن أخرج فيلم “شجرة الحياة” (2011) انفتحت شهيته للإخراج، وكأنه أدرك أنه لم يعد هناك متسع من الوقت قبل أن يفوت الأوان، فبعد “شجرة الحياة”، أخرج “إلى الأعجوبة” (2013)، ثم أخيرا فيلم “فارس الكؤوس”.

إلا أن الأنباء تقول لنا إن ماليك يقوم حاليا باستكمال العمليات التقنية الأخيرة بعد أن انتهى من تصوير فيلمين جديدين: الأول لم يكشف عن اسمه بعد، والثاني يحمل عنوان “رحلة في الزمن”. وهي أخبار جيّدة بلا شك، فماليك أحد أكثر السينمائيين غموضا في تاريخ السينما، فهذا المخرج الذي يتمتع بموهبة ترفعه إلى مصاف عظماء السينمائيين مثل برغمان وغودار وأنطونيوني وكوبريك، لا يحب الظهور أمام أجهزة الإعلام ويرفض إجراء المقابلات الصحفية معه، كما يعزف عن حضور المهرجانات السينمائية.

تيرنس ماليك مهموم بالبحث في المصير الإنساني، في علاقة الإنسان بالكون، في مقاربة الإنسان بالطبيعة، وتصوير عجزه أمام قوة الخالق عن الإحاطة بأسرارها، لكنه يصوّر أيضا غضب الإنسان واحتجاجه على الأقدار أحيانا بقوة وقسوة، في نوع من الاندفاع الانتحاري الذي يؤدّي إلى الهلاك.

ماليك يقوم حاليا باستكمال العمليات التقنية الأخيرة بعد أن انتهى من تصوير فيلمين جديدين: الأول لم يكشف عن اسمه بعد، والثاني يحمل عنوان "رحلة في الزمن"

إن الأساس الدرامي في أفلام ماليك ليس شخصيات تلك الأفلام، فهو لا ينشغل كثيرا بالدوافع النفسية أو “الحبكة”، أو الرسالة السياسية والأخلاقية والأيديولوجية، بل يتركز اهتمامه الأساسي على “شعرية” الصورة، وهو غير مهتمّ كثيرا بالخط القصصي الروائي كما في الفيلم التقليدي الأميركي، ودفع المسار الدرامي إلى الأمام نحو ذروة ما، بل باستخدام الصور بطريقة تستمدّ قوتها مما يكمن في ما تمنحه للمشاهد من إيحاءات قد تتجاوز نطاق الصورة المباشرة نفسها.

وهو يمزج كثيرا بين التسجيلي والروائي، وبين الدرامي والواقعي والسوريالي، في سياق شعري “غنائي” إذا جاز التعبير، كما أنه مغرم بتصوير علاقة الإنسان بالطبيعة التي يراها أقوى من الإنسان.

في فيلمه الأول “البلاد السيئة”، يستخدم ماليك السرد على لسان شخصية الفتاة المراهقة “هوللي” (سيسي سباسيك) التي تقطع صلتها بعالمها، وتقرر الالتحاق بـ”كيت” (مارتن شين) وهي تروي لنا قصتها معه، دون أيّ اهتمام بتصوير المشاعر، وكأنها تلعب دورا مباشرا في تبريد الحدث، تخفي ما تريد إخفاءه وتكشف فقط عما تريد الكشف عنه من وجهة نظرها.

إنها تجد نفسها مدفوعة للالتحاق بهذا الشاب دون سبب واضح، بل إن ماليك يرفض أصلا مبدأ السببية أو العلة، سائرا على نهج الفيلسوف هايدغر، بل إن فعل “القتل” الذي يبدأ به الفيلم عندما يقوم “كيت” بقتل والد هوللي دون سبب واضح وبدون دافع أو استفزاز مسبق، يأتي لمجرد إحساسه الغامض بالرغبة في القتل، وهو مدفوع بمواصلة القتل بدم بارد دون هدف.

فالحقيقة أن والد “هوللي” رجل طيب، رأيناه يداعب ابنته ويمرح معها، وابنته لا تتمنى بالتالي الخلاص منه على غرار “مالوري” في “قتلة بالفطرة” لأوليفر ستون، كما أنها لا تبحث عن متعة الانتقام من الأثرياء تعبيرا عن التمرد كما كانت “بوني” في “بوني وكلايد” لآرثر بن.

إن ردّ فعلها اللامكترث، لا علاقة له بالاجتماعي ولا بالنفساني، بل لعله ذلك الاستسلام المثير للقدر، فمقتل الأب يبدو كحادث قدري أقوى من إرادة البطل الصغير، وليس كردّ فعل لأيّ تصرّف عدائي، تماما كما نرى فيما بعد، عندما يطلق كيت النار على زميله من أيام عمله في رفع القمامة، ثم يتركه الاثنان يموت تدريجيا، على الفراش… تذهب إليه هوللي بكل بساطة وبروح ودية، لكي تسأله عما يشعر وهو مشرف على الموت؟

إن فعل القتل عند ماليك، يبدو هنا كما لو كان احتجاجا على “القدر” نفسه الذي جعل الإنسان على هذا الضعف أمام الطبيعة. وهو أيضا تعبير عن رغبة لاواعية، في الإحساس بنوع من “الألوهية”، أي القدرة على القتل المفاجئ دون سبب، أو ادّخار حياة من يشاء، كما يفعل “كيت” عندما يكتفي بحبس رجل ورفيقته حضرا فجأة إلى الكوخ الذي يرقد داخله زميل كيت السابق وهو يعاني سكرات الموت.

“كيت” يريد أن يسجل موقفا خاصا أمام التاريخ يتمّ تذكره به فيما بعد، أمام عالم لا أمل فيه ولا مجال للعثور على الراحة المنشودة، وهو مدفوع بإعجابه الشديد بشخصية الممثل الراحل جيمس دين، يريد أن يصبح “نجما”، ويتمكن من تحقيق هدفه في النهاية عندما نراه قبل أن يساق إلى الإعدام، يجلس أمام العشرات من رجال الشرطة والجيش، يوجهون له الأسئلة في إعجاب شديد، وكأنه أمام مؤتمر صحفي كنجم من نجوم السينما.

أما هوللي فقد اختارت في لحظة ما أن ترتبط به، وأن تتبعه “مهما حدث”، كما تردّد، ثم في لحظة أخرى ودون أيّ سبب أو “علة” ما، تقرر أن تتخلى عنه وتتوقف عن متابعته. وهي لا تبالي إزاء الحياة أو الموت، فلديها نزعة عدمية، تجعل الوجود عندها يتساوى مع العدم.

الخيط الفاصل

في فيلم “الخيط الأحمر الرفيع” (1998) -عن رواية جيمس جويس- نحن أمام بطل وجودي يطرح عشرات التساؤلات حول الحرب، الجحيم، الطبيعة، الإنسان، العثور على الهوية من خلال القتل، أي على الخيط الفاصل بين العقل والجنون، وبين الخير والشر.

إنها رحلة عبثية يخوضها الإنسان مدفوعا بقوى تفوقه كثيرا، نحو التدمير والحرق والقتل، كما لو كان يرى أيضا أن التاريخ البشري لم يتأسس سوى على سلسلة من الصراعات الدامية، وأن الإنسان الذي يمارس كل هذا الدمار لا يدري السبب الذي يجعله يوغل هكذا في العنف، بحيث تصبح الطبيعة الجميلة الرائعة التي نراها في كل مشاهد الفيلم، تتغنى بالخالق وجمال خلقه، قد أصبحت ضحية لصراعات الإنسان.

أيام السماء

في “أيام السماء” يبدو الكون هو الحاضنة التي تحتوي البطلين: بيل (ريتشارد غير) وبروك آدامز (آبي) والطبيعة القاتمة تزيد من شعورهما بالوحشة، وفيه كذلك تتناقض الطبيعة الجميلة مع التآمر بين البطل وفتاته، اللذين يخفيان عن الرجل الثري صاحب المزرعة أنهما حبيبان، ويتظاهران بأنهما شقيقان لكي يتمكنا من تدميره والاستيلاء على ثروته.

وفي واحد من أعظم مشاهد الفيلم نرى كيف تغضب الطبيعة على الإنسان؛ ينتشر الجراد في الحقول، يأتي على الأخضر واليابس، وفي لقطات قريبة نرى الجراد وهو يلتهم أعواد القمح، ثم يبدأ الحشد البشري في محاولة طرده من الحقول ولكنهم يفشلون، بل تتجمع أسراب الجراد فتظلم السماء من كثافتها، ويصبح الإنسان عاجزا أمامها، ويتسبب الصراع العنيف بين الرجلين: بيل وصاحب المزرعة، في اشتعال الحرائق الهائلة بالحقول ويتبدّى العجز الإنساني عن السيطرة على النيران، في واحد من أعظم مشاهد السينما المعاصرة.

شجرة الحياة

وفي “شجرة الحياة” نرى بطل الفيلم “جاك” بعد أن أصبح رجلا في الخمسين من عمره، يتأمل في ماضيه ، يعود بذاكرته إلى نشأته وهو بعد صبي، في بلدة من ولاية تكساس في خمسينات القرن الماضي، لكي يطرح ماليك من خلاله الكثير من التساؤلات الصعبة عن معنى الوجود، ومغزى تلك الحياة وعلاقة الإنسان بالطبيعة، وما يفعله بنا فراق الأحباء بالموت، بل ومغزى الموت نفسه.

جاك يمرح مع شقيقيه في المزارع المحيطة ببيت الأسرة، ولكن ما هو أهم من الشقيقين والأكثر تأثيرا على حياة جاك وشقيقيه، هما الأب والأم: الأب (براد بيت) رجل حائر ممزق بين ميوله الفنية الموسيقية في الماضي التي لم تتحقق، وما يمكن أن يكون قد نتج عن ذلك من “الإحباط”، وبين دوره الحقيقي الآن كموظف في مصنع قريب للمواد الزراعية في تلك المنطقة الريفية التي تتميز بغاباتها ومزارعها الشاسعة الخلابة. وهو يربي أولاده بطريقة خشنة، جافة، رغبة منه في تنشئتهم أقوياء. وهم يشعرون بالخوف أمامه، لكنهم يحملون تجاهه أيضا الحب: إنه مزيج من الاحترام والهيبة، التقدير والعرفان والارتباط بقوة أكبر، يمكنها أن تمنح الشعور بالأمان، لكنها تفرض شروطا معينة.

أما الأم فهي متدينة شديدة التعمق في تأملها الصوفي الذي يجعلها تربي أبناءها على عدم إغضاب أحد، وهي تخوض رحلة روحية تلغي الحدود بين الواقع والخيال بعد وفاة أحد أبنائها الثلاثة، تذهب وتتطلع بنظرها إلى أعالي الأشجار في الغابة القريبة، تسأل الله “لماذا؟” في صيحة حب واحتجاج، قبول وغضب… لكن أساسا، هو إحساس بالضعف، وبعدم الفهم.

يأخذنا ماليك خارج هذه العائلة التي يعتبرها أصل المجتمع الدنيوي وأساسه، بعد حوالي 20 دقيقة من بداية الفيلم، في رحلة “أوديسية” سوريالية تتشكل الرؤى فيها من لقطات عديدة تتشابك وتتعاقب في تشكيلات لونية مذهلة، شديدة الجمال، تمتزج بالموسيقى الكلاسيكية فتصبح تعبيرا روحيا عن ذلك الأفق الأوسع الذي يصبح فيه العقل البشري أدنى مما يعتقد، وأقل من أن يحيط ويستوعب: إنه تعبير بصري عن بدء الخليقة، عن خلق الكون، من خلال تشكيلات للقطات من النباتات والأشجار والسحب والمحيطات والحشرات، ولنهر يرقد على إحدى ضفتيه ديناصور جريح، بينما يقترب منه ديناصور آخر أكبر منه… صحراء قاحلة برمالها الناعمة تنعكس عليها أشعة الشمس الحارقة، مجموعات من الكواكب والنجوم تدور في مجراتها…

إنها عودة إلى أصل الحياة، أصل الكون، وأصل الوجود: ما الذي يجعل هذا الكون يستمر؟ ما معنى الحياة نفسها؟ كيف يستمر الإنسان رغم الموت؟ ما الذي يمكن أن يسلب الإنسان الحياة؟

تساؤلات غير مباشرة تدور من خلال الصور دون أن ترتبط بالضرورة ارتباطا “دراميا” بمسار الفيلم.

العرب اللندنية في

03.05.2015

 
 

عندما يتحول “الحلم الأمريكي” إلى “كابوس

منة الله فهيد – التقرير

هل يجب عليك أن تكون من عشاق الملاكمة لتشاهد فيلمًا يتحدث عن ثلاثة من أبطال اللعبة؟

هذا ما أجاب عليه المخرج والمؤلف (بيرت ماركس Bert Marcus) بـ “النفي” في فيلمه الوثائقي الأخير (الأبطال/Champs)، الفيلم الذي تناول قصة سطوع نجم ثلاثة من أبطال رياضة الملاكمة: (أيفاندر هوليفد Evander Holyfield)، و(مايك تايسون Mike Tyson)، و(برنارد هوبكنز Bernard Hopkins)، مسلطًا الضوء على الجانب الخفي في حياة كل منهم خارج الحلبة والذي كان له أثر كبير فيما انتهى إليه مشوار بطولته، ضامنًا بذلك قطاعًا أكبر من جمهور الملاكمة الذي قد يعتقد البعض أن فيلمًا كهذا موجهٌ إليهم وحدهم ولن يقدم على مشاهدته سوى المولعين باللعبة؛ إلا أن بالنظر إلى أعمال (بيرت ماركس) الإنتاجية وسيرته الذاتية؛ سيتضح لنا أن الرجل معني بتقديم أعمال متميزة نابضة بالحياة محفزة للتفكير، تتناول قصصًا ذات بُعد اجتماعي بطريقة مسلية، فلم يكتف في فيلمه هذا بإجراء مقابلات مع أبطال الملاكمة ومدربيهم؛ بل استضاف مختصين في علم الاجتماع والمحاماة للتعليق على الظروف التي تعرض إليها اللاعبون وتحليل مواقفهم قبل وبعد الدخول إلى عالم الشهرة.

الطفولة والفقر

ارتكز الفيلم في ثُلثه الأول على الحياة الفقيرة التي عاشها اللاعبون الثلاثة في طفولتهم، مستعرضًا الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي جعلهم يتجهون للملاكمة، واضعًا بذلك قاعدة حاسمة: “الأغنياء لا يختارون لعبة الملاكمة”، وإنما يمتهنها الأشخاص الغاضبون اليائسون؛ لإيمانهم أنه بالعمل الشاق والمثابرة والتصميم سيتمكنوا من الحصول على حياة أفضل؛ فـ “الملاكمة هي طريق الخروج من الحي الفقير”.

قد يكون الأغنياء لا يلعبون الملاكمة ولكنهم بالتأكيد يدفعون أموالًا طائلة لمشاهدة المباريات، الأمر الذي أشار إليه (بيرت كاركس) في مشاهد فيلمه بإدراج بعض اللقطات المسجلة لنجوم (هوليوود) وهم يشاهدون المباريات من الصفوف الأمامية، لم يكتف بذلك؛ بل أجرى أيضًا لقاءات متقطعة مع نجوم مولعين باللعبة كـ (مارك والبيرج)، و(دينزل واشنطن)، و(رون هاورد)، و(فيفتي سينت).

الحلم الأمريكي

يرى البعض أن مصطلح “الحلم الأمريكي” أمر مبالغ فيه بعض الشيء؛ فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تصنف كواحدة من أغنى البلدان في العالم؛ إلا أن هناك واحدًا من كل خمسة أطفال يعاني من الفقر؛ وذلك نظرًا للتوزيع غير المتساوي للدخل والثروات، ولكن تبقى فكرة “الحلم الأمريكي” هي ما يحافظ على النظام قائمًا، وهو ما تمثله رياضة الملاكمة، فكم من لاعب أتى من اللاشيء استطاع الوصول إلى العظمة، الأمر كله يعتمد على موهبته وقدراته وتصميمه على النجاح.

الأبطال

في الوقت الذي اختار فيه (أيفاندر هوليفيلد) وجهته وبدأ بشق طريقه نحو اللقب، كان (مايك تايسون) و(برنارد هوبكنز) مازالا يوقعان نفسيهما في المشاكل؛ مما أسفر عن قضائهما لبعض سنوات عمريهما في دور الرعاية/السجن، (تايسون) في طفولته، و(هوبكنز) في شبابه. سرعان ما توصل (تايسون) لمفتاح النجاة ووجد من يرشده نحو طريق البطولات، بينما اكتشف (هوبكنز) موهبته في مسابقة السجون للوزن المتوسط التي أصبح بطلها فيما بعد.

عند خروج (برنارد هوبكنز) من السجن كان أمامه خياران: أسهلهما العودة لحياة الجريمة مرة أخرى؛ إلا أنه اختار الطريق الأصعب، ولم تكن عودته للسجن فيما بعد سوى لمنح السجناء برنامجًا تدريبيًا كالذي حصل عليه، ولتذكير نفسه بالمصير الذي ينتظره إذا ما فكر في العدول عن المسار الذي رسمه لنفسه.

استطاع (هوبكنز) أن يثبت للجميع أن بإمكانه هزيمة (النظام) وإعادة تشكيل حياته وفكره وفقًا لما يحب بالنضال والعمل. وكما وصفه مدربه: “ربما لم يكن الأكثر موهبة؛ بل إن هناك من كان لديهم ظروف أفضل منه، ولكن ما ميزه حقًا وجعله من الأبطال كان انضباطه”، ليحصد فيما بعد لقب بطل العالم للوزن المتوسط ويحتفظ به أحد عشر عامًا، ويصبح بذلك أكبر ملاكم يفوز بلقب عالمي في عمر الثامنة والأربعين.

لم يختلف اثنان على موهبة (تايسون) الذي حصل على لقب بطل العالم وعمره لم يتجاوز العشرين، وتم تسميته بعدة ألقاب كـ (الرجل الحديدي/ الذي لا يقهر)؛ بل إن البعض أرجع إليه فضل مجد اللعبة في الثمانينيات والتسعينيات؛ لتصبح -وقتها- الملاكمة بسببه واحدة من أكثر الرياضات شعبية، إن لم تكن الأكثر شهرة على الإطلاق.

كان (هوليفيلد) يراقب (تايسون) ويشاهد جميع مبارياته استعدادًا للقائهما المحتوم من أجل اللقب؛ إلا أنه تأجل بعد خسارة الأخير غير المتوقعة تمامًا أمام (باستر دوجلاس)، ليقابله (هوليفيلد) في النهائي ويهزمه ويحصل على اللقب.

 رغم حصوله على الحزام؛ إلا أن الجمهور لم يعتبر (هوليفيلد) بطلًا حقيقيًا؛ لأنه لم يتغلب على (تايسون)، اضطر (هوليفيلد) أن ينتظر لعدة سنوات قبل أن يحظى بمباراته المنتظرة مع (تايسون) والتي استطاع فيها هزيمته؛ ليصبح أخيرًا البطل دون نزاع.

نقاء الرياضة وقذارة عالم الأعمال

على الرغم مما أشرنا إليه سابقًا من أن الملاكمة تعتبر تجسيدًا لـ “الحلم الأمريكي”؛ إلا أنها تبقى رياضة شرسة غير منظمة تضع الملاكم في ضغط كبير وخطر مادي محدق، ويعتبر (تايسون) و(هوليفيلد) خير مثال على ذلك؛ فالرجل الأول قدرت ثروته في سنوات لعبه بـ 300 مليون دولار، والثاني جنى ما يقارب الـ 200 مليون دولار، وكلاهما انتهى به الحال مفلسًا.

أرجع المعلقون والنقاد ذلك إلى أن لاعب الملاكمة لا يحظى بأي تدريب يمكنه من التعامل مع مدخراته والمحافظة على ممتلكاته؛ فالأمر كله معتمد على المحيطين به إما أن يكونوا أخيارًا أو لا.

ليختبر (تايسون) و(هوليفيلد) وكثيرون غيرهم أنواعًا من الجرائم لم يشهدوها أثناء حياتهم بالشارع، تلك السرقات التي ترتكب بالورقة والقلم لا بالأعيرة النارية، هكذا يجد الملاكم نفسه بعد تقاعده لا يملك شيئًا مما امتلكه يومًا ما، هكذا يتحول “الحلم الأمريكي” إلى “كابوس”.

يُعد فيلم (الأبطال/Champs) اجتماعيًا أكثر منه رياضيًا، ربما جاء هذا مخيبًا لآمال عاشقي اللعبة؛ إلا أنه سلط الضوء على قضية تم تجاهلها طويلًا بخصوص عدم التنظيم الذي يعاني منه لاعبو الملاكمة.

وجّه الفيلم دعوة صريحة للحصول على بعض الحقوق المفتقدة داخل وخارج الحلبة؛ مما يتركك في حالة تساؤل: إذا كان هذا هو الحال مع اثنين من أشهر لاعبي الملاكمة للوزن الثقيل، فكيف يكون مع اللاعبين الصغار الأقل شهرة وشأنًا؟!

التقرير الإلكترونية في

03.05.2015

 
 

حوار: الفيلم التسجيلي الأول عن نوال السعداوي

محمد موسى

كان فيلم "الصوت الحر لمصر – نوال السعداوي"  للمُخرجة الألمانية كونستانسه بوركارد أحد الأحداث الكبيرة للدورة الأخيرة لمهرجان "Movies that Matter " السينمائي الهولندي، فالشريط التسجيلي هو الأول عن الناشطة والكاتبة المصرية الشديدة الجدليّة، كما كان المهرجان الهولندي منصة عرض الفيلم العالمية الأولى وقبل أن يصل بعدها إلى الشاشة التلفزيونية لقناة "" arte الألمانية الفرنسية. إلى ذلك نجح المهرجان في إقناع نوال السعداوي بحضور عرض الفيلم والمُشاركة في نشاطات شعبية مُوازية، حظيت بدورها باهتمام كبير أثناء أيام المهرجان، وكحال مُعظم الإطلالات الإعلامية للكاتبة المصرية.

 تعود المخرجة في فيلمها التسجيلي إلى طفولة وشباب نوال السعداوي، مُستعيدة لملامح العصر الذي نشأت فيه الكاتبة، والذي لم يتغير كثيراً عن واقع الحياة في مصر والعالم العربي اليوم، من ناحية علاقة المجتمع بالمرأة، ومكانة هذه الأخيرة فيه. يوفر الفيلم أيضاً كوة نادرة على حياة نوال السعداوي التي تبلغ اليوم الرابعة والثمانين من العمر، محاولاً تقييم تركتها الفكرية في مصر، البلد الذي شهد مُعظم حروبها الفكرية.

 عن الفيلم، كان هذا الحوار مع مع المخرجة كونستانسه بوركارد:

        لماذا وقع اختيارك على تقديم  قصة وحياة نوال السعداوي؟

تعرفت على أعمال السعداوي أثناء دراستي الجامعية في ألمانيا، على كتاباتها الروائية وسيرة حياتها التي روتها بنفسها في كتاب، والأخيرة كانت السبب الرئيسي الذي دفعني لعمل هذا الفيلم التسجيلي، فبقدر ما كانت قصتها تُعبر عن حال المرأة المصرية والظروف الخاصة التي تعيش فيها، بقدر ما كانت أيضاً مثال على ما تمرّ به النساء حول العالم، ويُمكن أن تخبرنا الكثير عنّا نحن كنساء من العالم الغربي.

ماحاولت أن أفعله في الفيلم، هو التركيز على عنصر التحدي في قصة السعداوي، واستعادة ماضيها البعيد كفتاة مراهقة ومُتمردة كان عليها أن تواجه الظروف الصعبة التي تحيطها، وعن تجاربها والمحيط الذي نشأت فيه. الثلث الأول من الفيلم تعامل مع هذه التفاصيل من حياة السعداوي، مبتدئاً بها طفلة بعمر الست سنوات والأعوام التي تلتها، وعلاقتها مع والديها، وكيف حاربت للحصول على حقها في التعليم، ومن ثم يومياتها كطبيبة للقرية. هناك بالطبع تحديات خاصة واجهتها السعداوي لها علاقة بالبلد الذي أتت منه. مثلاً لا يوجد في ألمانيا ختان للبنات كما هو شائع في مصر، لكن من الجهة الأخرى، الخيارات التي تواجهها المرأة في موضوع التعليم واختيار شريك الحياة، هذه تفاصيل لا تختلف كثيراً بالنسبة للسعداوي عما تواجهه النساء الألمانيات مثلاً، صحيح أن النقاش في ألمانيا يأخذ مُستويات مُختلفة لكن الجوهر واحد.

        كيف قمتِ بعرض الفكرة عليها؟ وهل وافقت مباشرةً على العمل معك، بخاصة أنها لم تظهر من قبل في أفلام تسجيلية سابقة؟

القصة بدأت بالثورة المصرية، فأنا ومثلي العديد من النساء الألمانيات كنت مبهورة بصور النساء المصريات التي كنا نشاهدها في الشوارع والساحات، وكيف كن يقفن جنباً إلى جنب مع الرجل في تلك الأيام المُهمة والمفصلية.

كصحفية زرت القاهرة عدة مرات وقتها لتغطية الثورة هناك، كنت أسأل نفسي إذا كان هناك طريق لتوثيق ما تقوم به النساء هناك، عندها خطرت لي فكرة عمل فيلم عن السعداوي والثورة المُتواصلة. اتصلت بها وقتها وقلت لها أنا صانعة أفلام وأريد ان أقابلها لأني كنت أعرف أنه لا يوجد أفلام تسجيلية أخرى عنها، كان اتصالاً طويلاً وصعباً، بالنهاية نجحت في إقناعها بمقابلتي على العشاء.

عندما تقابلنا بدا واضحا أن هناك تجارب مُشتركة بيننا رغم اختلاف خلفياتنا الاجتماعية. كان ذلك في شهر أبريل 2012، كنت قلقة لأن كُثر حاولوا أن يقوموا بعمل أفلام معها لكنها كانت ترفض. هناك شيئاً ما ربطنا معا، في النهاية بدأنا هذا الفيلم بما يتضمنه من رحلة تفاعل فنيّ مشتركة.

        كيف كانت خطتك الأولية للفيلم؟ هل تناقشتِ مع نوال السعداوي حول المُعالجة العامة، المسارات التي سوف تأخذينها، كيف ستظهر هي في الفيلم، أو عن ذهابكما إلى القرية التي ولدت وتربت فيها؟

رغم أن الذهاب إلى القرية حدث بالصدفة، لكني سعدت بالرحلة كثيراً، ما يُثيرني في نوال السعداوي، أن حياتها المُمتدة لثمانية عقود، تتضمن الكثير من التفاصيل والمطبّات والتحديات، وهذه أمور واجهت صعوبة في وضعها داخل إطار ما، أثناء التخطيط للفيلم، وكيف يمكن تقديم هذه السيدة التي خاضت معارك طويلة جداً وبنفس الحدّة، وتحدّت من كان على هرم السلطة، فهي ثارت على حكم الملك فاروق وجمال عبد الناصر والسادات ومبارك، كنت أتساءل من أين كانت تأتي بكل هذه الطاقة لهذه الصراعات.

لذا كان مُهما لي أن يغطي الفيلم المراحل التاريخية التأسيسية من حياة السعداوي، ولهذا السبب رجعنا إلى سيرتها الذاتية التي كتبتها هي نفسها، وعدنا معها إلى الماضي. ليس فقط السنوات القليلة التي سبقت ثورة عام 2011، بل الماضي البعيد أيضاً. واجهت كمخرجة أسئلة تتعلق بالأسلوب عما يمكن أن أقوم به مع السعداوي وأين نذهب، خاصة أن الناشطة المصرية هي شخصية صعبة جدا ولا ترضى أن يُملي عليها أحد ما أفكاره، أو أن يقوم بتوجيهها كممثلة. هي كانت خائفة من الذهاب إلى قريتها وبعد سبع سنوات من التوقُّف عن الذهاب إلى هناك، لكنها شعرت بالأمان في ذلك الوقت لكي تقوم بتلك الزيارة، وهو الأمر الذي كان غائباً قبل هذه المرة. ذلك أنه تم تهديدها في زياراتها الأخيرة. الذهاب إلى القرية كان فكرة ارتجالية، اتصّل بها أحد المعارف من هناك ودعاها لحضور فعالية وهي لبت الدعوة.

        كانت نوال السعداوي أيقونة نسوية ثورية ضد النظم القائمة ولعقود طويلة، هل تعتقدين أنها لازالت تحتفظ بنفس المكانة؟

أعتقد أنها لازالت في المكانة نفسها في مجتمعها حتى اليوم، الكل يعرف من هي نوال السعداوي، لم أقابل شخصاً في مصر لا يعرفها، عندما تخرج معها للشارع، كان الناس يتعرفون عليها، عندما تسأل النساء عنها كن يعرفنها، هي بالتأكيد شخصية إشكاليّة استقطابية ومُثيرة للجدل دائماً، لكنها لازالت مُؤثرة وفعالة في المجتمع.

        هل كان أمراً صعباً إقناع النساء في القرية بالتحدث للفيلم؟

نعم كان صعباً. نحن ذهبنا إلى القرية في زيارتين، واحدة مع نوال السعداوي، والأخرى مع الفريق الفنيّ فقط. عندما كنا مع السعداوي كان من المستحيل الحديث مع أهل القرية أو نساؤها، لأننا كنا منشغلين بشخصيتنا الرئيسية التي كانت محاطة بالناس دائما، لذلك قضينا الوقت في تصويرها أثناء الزيارة تلك، والتي طمأنتنا بأننا سنكون بأمان إذا قمنا بزيارة أخرى إلى القرية، وهذا كان مُهما لنا، لأننا كفريق فنيّ لنا تجربة سيئة جدا في مصر، إذ تم الاعتداء علينا قبل أعوام قليلة عندما كنا نصور تغطيات إخبارية عن الثورة المصرية. في زيارتنا الثانية للقرية قابلنا ابنة عم للسعداوي (السيدة المُسنّة في الفيلم). أثناء إجراء المقابلة مع السيدة تلك، كشفت أن السعداوي قامت بما كنا جميعا نتطلع إليه، وهو ترك القرية والنجاح خارجها، عندها سمع منتج الفيلم امرأة شابة وافقت مع ما كانت تقوله ابنة عم السعداوي، أي بأنهن جميعا يحلمن بحياة خارج القرية، هذه كانت المرأة الريفية التي استحوذت على كثير من وقت الفيلم. هي متزوجة لقريب للسعداوي، في البداية رفضت الحديث معنا، وتذرعت بأن زوجها لن يسمح لها أبداً بالظهور في الفيلم. حاولنا عندها إقناع الزوج وأخذ مُوافقته. لقد صورنا حوارنا مع هذه المرأة في الحقل الزراعي حيث تعمل، بعيداً قليلاً عن زوجها، حتى يُمكنها أن تتحدث بدون تأثيرات.

        لماذا لم تقومي بإجراء مُقابلة مُباشرة مع السعداوي داخل الفيلم؟

نعم هذا صحيح، لأن المُقابلة المباشرة لم تكن لتنسجم مع بناء الفيلم، كذلك كنا نخشى من العواقب الأمنية لهذه المقابلة. وأيضا فضّلنا أن ننقل كلمات السعداوي التي كتبتها بنفسها عن حياتها ونشرتها في كتبها. أحسسنا أن هذا الأسلوب ممكن أن يكون أكثر حميمية للمشاهد، أي إذا استخدمنا بعضاً من كلماتها الشهيرة. إلى ذلك، الكاتبة هي شخصية عامة ويتم مقابلتها إعلامياً بشكل يومي تقريباً، حتى في اليوم الذي كنا نخطط أن نصور مشاهد لها في بيتها، عندما وصلنا هناك وجدنا البيت مليء بالمراسلين الأجانب، وهذا كان أحد الأسباب التي جعلتنا نرغب في عمل شيء مُختلف بدلا من المُقابلة المباشرة.

        كذلك لم نرَ رجالاً في الفيلم؟

هذا غير صحيح فلقد حاورنا ابن أخيها وابنها.

        أقصد لم يُمنحوا مساحة زمنية طويلة كتلك التي مُنحت لجيهان مثلاً، المصرية المُثقفة التي ظهرت في الفيلم؟

جيهان شخصية رائعة، هي مُهمة في الفيلم لأنها ناشطة اجتماعية شابة، على اطلاع بما يجري في الشارع. هي أيضا كاتبة ومحللة نفسية، وجود جيهان كان أساسيا  لبناء الفيلم لأنني أيضا كنت أبحث عن شخص من جيلي يتحدث عن نوال السعداوي، عن تركتها الفكرية بالتحديد. هي أعطت فكرة ممتازة عن هذا، وقد اخترنا ألا نقابل أياً من أزواج الكاتبة السابقين. ربما لأنها قالت يوماً ما بأنها ليست صنيعة الرجال في حياتها.

        هناك حادثة في الفيلم عن المكتبة العامة في قرية السعداوي والتي تخلو من كتب هذه الأخيرة. الفيلم سجل هذه التفصيلة بالصدفة، كيف تم ذلك؟ 

نعم أعرف ما تقصد، أتمنى أن ما حدث في أحد المشاهد يكون مفهوماً للجمهور أيضاً. لا أعرف لماذا كتبها ليست موجودة هناك، ربما هو النفاق الاجتماعي للعاملين في المكتبة، فمن جهة بدوا وكأنهم يكنون احتراماً كبيراً لها، لكنهم لازالوا يُحاربونها. لم تكن مُصادفة على الإطلاق أن كتبها ليست ضمن ما هو مُتوفر هناك. ليست مُصادفة أبداً. هم لا يرغبون للفتيات الصغيرات في القرية أن يقرأن كتب السعداوي. هناك حادثة أخرى لها مغزى كبير ودَالّ. في المدرسة المتوسطة التي درست فيها السعداوي، هناك لوحة للطلاب الذين تفوقوا في مجالات الحياة، واسمها ليس بين الأسماء أيضاً.

        التعليق في الفيلم تم باللغة الإنكليزية، هل هناك خططاً لنسخة عربية من الفيلم؟

نعم  نخطط لنسخة بتعليق صوتي عربي، فسيرة نوال السعداوي مُهمة شاعرية وتستحق أن يتم قراءتها مرة أخرى.

بين "الرئيس والديكتاتور"

ندى الأزهري

لم يكن غرض الفيلم الوثائقي" الرئيس والديكتاتور"  الذي عرضته المحطة الفرنسية الثالثة "فرانس 3"  الحديث عن الحرب في ليبيا وملابساتها، كان هدفه يتجاوز ذلك إلى فك شفرة العلاقة المعقدة بين العقيد الراحل معمر القذافي والرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي.

 علاقة عبثية جمعت بين اثنين لديهما منافع مشتركة، متذبذبة بين دنو وابتعاد ومديح و كره، علاقة غريبة جعلت  بين ليلة وضحاها عدوا معلنا للغرب ضيفا مكرما على إحدى أهم العواصم الأوروبية
المخرج الفرنسي أنطوان فيكتين المختص بليبيا يعود بعد " القذافي عدونا المفضل" فيلمه الأول الذي حققه عام 2010 و " القذافي حي أم ميت" فيلمه الثاني، في فيلم ثالث عنوانه " الرئيس والديكتاتور" ليسرد بذكاء العلاقة الغريبة التي شابهت أحيانا لعبة القط والفأر بما شابها من تصفية حسابات و التباسات و خيانات بين القذافي و الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي على مدى سنوات عدة، و ارتكز هذا الوثائقي على علامات في درب تلك العلاقة  كانت بمثابة محطات حاسمة في مسيرتها.

اعتمد المخرج أسلوب الراوي، فكان صوت نسائي هادئ يسرد حكاية البطلين بنبرة لا تخلو من السخرية، على وتيرة واحدة  تصيب بالضيق أحيانا، وُدعمت الحكاية بصور من الأرشيف وبلقاءات مع شخصيات معاصرة للرجلين وعلى علاقة مباشرة معهما مثل أحمد قذاف الدم قريب ومستشار القذافي وزهرة منصور مستشارته و المسؤولة عن الأمازونيات، وسفير فرنسا في ليبيا ووزراء ومستشارون لساركوزي.

استُهل السرد بـ "اللقاء"، فالعلاقة بين الزعيمين بدأت في طرابلس عام 2005 عندما كان ساركوزي وزيرا للداخلية في عهد جاك شيراك، حينها شعر كل منهما بأهمية الآخر.. له!  لقد كان طموح العقيد بتتويجه على إفريقيا وتصحيح السياسة الفرنسية فيها يتوافق مع سعي ساركوزي بالوصول للرئاسة الفرنسية في عام 2007.

اجتهد المخرج ليجمع من الأرشيف كل العبارات التي تلفّظ بها الرئيس السابق قبل أن يصبح رئيسا ليقابلها في ربط متمكن مع تصرفاته وليُظهر التناقض الصارخ أحيانا بين القول والفعل كتصريحه في حملته "لا أريد أن أتعاون مع أي ديكتاتور"، كذلك تركيزه على حقوق الإنسان لدرجة تعيين وزيرة دولة لها. بعد وصول ساركوزي للرئاسة حلّ "شهر العسل" بين الرجلين. فكان تحرير الممرضات البلغاريات المتهمات في ليبيا بنقل فيروس السيدا للأطفال على يد سيسيليا زوجة الرئيس الفرنسي، بداية عهد من الصداقة. هنا، لم يقدم الفيلم جديدا في تأكيده ما سبق ونشر حول " قطف" ساركوزي لجهود كان يقوم بها الاتحاد الأوروبي، لكن رأي الجهة الليبية كان أكثر إثارة إذ صرّح مستشار القذافي قذاف الدم في الفيلم "نحن عرب كما تعرفون، هذا يحسب له (إرسال زوجته كمفاوضة) كان من الصعب رفض طلب امرأة .." كما أكد صراحة على رغبة ليبيا آنذاك بمنح ساركوزي " أوراق دعم" كي يدعمهم  بالمقابل "بمشروعهم الإفريقي".

بدأت" الالتباسات" في العلاقة بعد سنتين مع عودة الرئيس الفرنسي لليبيا وبصحبته وزيرة الدولة لحقوق الإنسان راما ياد. تقدم تلك في شهادتها للفيلم وصفا للقذافي بعبارات لا نسمعها عادة في نشرت الأخبار من نوع " شعر لامع مبلل لا أدري بم؟ ربما بالزيت! نظارات شمسية سوداء وخريطة بلاستيكية لإفريقيا معلقة على صدره..". كذلك كشفت الوزيرة الشابة خفايا الكلام الذي يدور في الكواليس فأشارت أن القذافي سألها" أنت وزيرة، كيف وعمرك ثلاثون سنة؟!" فردت على ما ذكرت " كان عمرك 27 حين قمت بالانقلاب".. لم تُسمع الجملة ولكن سُمعت ضحكة العقيد وبان امتعاض ساركوزي.

أما "القطيعة" فأتت بعد الزيارة السوريالية للعقيد إلى باريس بما أثارته من غضب وانتقادات لاذعة في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، كذلك لدى عامة الفرنسيين الذين صدمهم  فرد السجادة الحمراء لزعيم معروف بانتهاكاته لحقوق الإنسان وبدعمه للإرهاب إضافة إلى ما سببته الزيارة من إجراءات أمنية لاتطاق.

كان الحديث عن تلك الزيارة وخلفياتها من أمتع فقرات الفيلم، من موعد وصول القذافي في "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" إلى حجب التظاهرات المعارضة له بعيدا عن ناظريه، مرورا بنزواته من تمديد للزيارة مخالفة للقواعد الدبلوماسية و سياحته في باريس وإعلان رغبته "المستحيلة التحقيق" بالتجول في قوارب نهر السين لرؤية معالم المدينة الساحرة مع ما يشكله ذلك من ارتباك أمني، وصولا إلى تصريحه في محاضرة نظمها في الأونيسكو في باريس "لماذا يزايدون علينا بحقوق الإنسان؟ قبل أن يتكلموا عنها ليتأكدوا من الإنسان في بلدانهم، هل لديه حقوق؟". كان هذا التصريح "مسك الختام" الذي أثار ثائرة و الفرنسيين ما اضطر ساركوزي للقول في مؤتمر صحفي بنبرة ناصحة " لقد أخبرته ( للقذافي) كم عليه التقدم في درب حقوق الإنسان..". بدأت بعدها رحلة " الانتقام" المعروفة بين الاثنين، فبحسب قذاف الدم كان العقيد "واضحا" فيما ساركوزي تعامل معه "بغدر" و" نفاق".

يبين الفيلم ظروف التدخل الفرنسي في ليبيا كاشفا عن المخاطرة الكبرى التي قام بها ساركوزي أولا باستقبال أعضاء المجلس الانتقالي دون معرفة خلفياتهم، ثم سعيه للحصول على قرار من الأمم المتحدة للتدخل العسكري. وهنا يتساءل قذاف الدم عن وجود "مخطط للتخلص من القذافي"، إذ لم يبعث أحد للتفاوض أو للتوسط .

الفيلم انتقاد لسياسة ساركوزي أكثر منه لسياسة فرنسا الخارجية، إذ غابت تماما عنه شخصيات مثل رئيس الحكومة الفرنسية، كما ظهر المعنيان بالأمر أي وزير الخارجية ووزيرة الدولة لحقوق الإنسان منتقدين ما جرى وكأن الرئيس قد تجاوزهما.

يبدي الفيلم شخصية العقيد عن قرب سواء عبر سماع بعض من تعليقاته، أو من خلال أحاديث ضيوفه الذين وصفوا نظراته الضبابية الغائبة تماما ومواقفه من أحاديثهم  كأن يظل صامتا بعد كلام أو لا يرد بعد سؤال.. أيضا يبدو ذكائه في تعامله مع الآخرين في عدة مواقف تحسب لصالحه، كإخفائه للغضب كما حصل في مقابلته مع التلفزيون الفرنسي بعد الزوبعة التي أثارتها زيارته في كافة وسائل الإعلام والهجوم اللاذع الذي انصبّ عليه وعلى نزواته وانصياع الحكم لها. لقد ظهر متماسكا مع شيء من الازدراء في ردوده. وفي جواب على سؤال المحاور" كيف تردون على هذا الجدال الذي أثارته زيارتكم لفرنسا؟" رد ببرود "لا أطّلع على الصحف وليس لدي تلفزيون!!" أما عن تصريح ساركوزي حول طلبه من العقيد "التقدم على طريق حقوق الإنسان" فقد كان تكذيب القذافي قاتلا "لا، لا، نحن لم نشر إلى هذا الموضوع إطلاقا نحن أصدقاء ومحبون ومتعاونون..!"

في الحقيقة كانت القطيعة قد تمت. لقد ركزت مشاهد ذكية في الفيلم على التوقيع النهائي للعقود مع فرنسا حيث لم يتبادل الرئيسان أية نظرة. عقود لم تماطل ليبيا فيها فحسب بل لم تنفذها، ولم تكتف بذلك فمنذ ذلك اليوم باتت حصة المصالح الفرنسية في ليبيا أقل من الفترة السابقة لوصول ساركوزي للحكم. لقد اعتقدوا في ليبيا أن ساركوزي أخذ على محمل الجد مشروعهم الإفريقي ولكنهم عرفوا أنه يريد دورا تاريخيا هو صانعه.

قصة لم تعط بعد كل أسرارها وما زالت العدالة الفرنسية تحقق في أمر الأموال التي ادعى "الديكتاتور"، كما وصفه الفيلم طوال الوقت، منحها لساركوزي من أجل حملته الانتخابية.

الجزيرة الوثائقية في

03.05.2015

 
 

النجمة ريز ويذرسبون تناضل لمساواة مخرجات هوليوود بمخرجيها

من حسام عاصي - لوس أنجليس – «القدس العربي» :

كشفت عدة دراسات أكاديمية مؤخرا عن تمييز ضد النساء في صناعة الأفلام وخاصة في هوليوود، حيث تدهورت نسبة عدد الإناث من مخرجي أكثر الأفلام ربحا في الـ 17 عاما الماضية الى 2 ٪، فضلا عن نسبة 29٪ فقط من الأدوار المهمة، رغم أن النساء يمثلن 50٪ من رواد السينما. 
هذه الحقائق أثارت حملات إنتقادات لاذعة ضد هوليوود، التي يهمين عليها الرجال الذين لا يثقون بقدرات النساء، كما تبين من الرسائل الإلكترونية التي تسربت بعد إختراق شبكة شركة «سوني»، اذ سخر المنتج المعروف، سكوت رودين، من موهبة أنجلينا جولي، وشكك في قدرتها على الإخراج، كما إتضح أن أجور النجمات النساء مثل جينيفر لورنس كانت أقل بكثير من أجور النجوم الرجال.

بلا شك أن هناك تمييزا جنسيا في هوليوود، فرغم أن النساء يحققن جوائز لا تقل أهمية عن جوائز الرجال في المهرجانات السينمائية إلا أن هوليوود قلما تستأجر إمرأة لأخراج أفلامها الضخمة، مما حث بعض النساء في هوليوود، مثل النجمة ريز ويذرسبون (39 عاما)، على تأسيس شركات إنتاج، تتخصص في صنع أفلام مبنية على شخصيات نساء عميقة ومركزية وليست مرافقة للرجال او سلعة محتملة كما هو الحال في أفلام هوليوود.

وفي لقاء أجريته معها في فندق «فور سيزينس» في بيفرلي هيلز، رفضت ويذرسبون الإتهامات الموجهة لهوليوود، مؤكدة أن الحل هو العمل من أجل تغيير هذا الواقع بدلا من الحديث عنه ولوم الآخرين: «لا يمكن أن نلوم أحدا. يمكنك أن تجلس في بيتك وتشكي أو أنك تفعل شيئا، وهذا هو التغيير الذي أحاول أن أحققه»، تقول بحماس.

فعلا ففي العام الماضي أنتجت ويذرسبون، التي فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها الدرامي في فيلم «عبور الخط» عام 2006، فيلمين مهمين وهما «فتاة إختفت» من إخراج دافيد فينشر، وبطولة بين أفليك ورزموند بايك، و»بري» من إخراج جون – مارك فاليه وبطولتها. كلا الفيلمين حققا نجاحا تجاريا ونقديا. كما نالت ويذرسبون ترشيحة أوسكار عن دورها في «بري»، بجانب بايك التي رشحت في الفئة نفسها وهي أفضل ممثلة عن دورها في «فتاة إختفت». كلا الفيلمين إقتبسا عن روايات من مؤلفات نساء، ويتناولا مواضيع أنثوية.

«أنا ممنونة جدا لما حدث العام الماضي، الذي كان نقطة تحول بالنسبة لي وتغيّر في إتجاه مسيرتي المهنية، وذلك لأنني الآن أملك السيطرة على أفلامي مما يمنحني طرح قصص وشخصيات تهمني للعالم، رغم المخاطرة في شراء روايات لا تعرف كيف سيتقبلها الجمهور.

ولكن نجاح «فتاة إختفت» و»بري» الرائع أثبت وجود جمهور كبير لهذا النوع من الأفلام تؤدي فيها نساء أدوارا معقدة، ولهذا أنا فخورة جدا بإيجاد أدوار نساء مهمة، ومعقدة ومثيرة تظهر النساء بكل تنوعاتهن وإختلافاتهن،» تقول ويذرسبون، التي حققت شهرتها العالمية بفضل دورها في الفيلم الكوميدي «شقراء قانونيا» عام 2001.

وهذا العام أنتجت فيلما كوميديا وهو «هاط بيرسوت» الذي تقوم ببطولته بجانب النجمة اللاتينية، صوفيا فيرغارا. وتجسد دور شرطية من تكساس عليها أن ترافق زوجة تاجر مخدرات (فيرغارا) الى المحكمة لتدلي بإعترافات قد تؤدي الى إدانة أعداء زوجها من تجار المخدرات، ولكن مسيرتهن تكون حافلة بالمغامرات والمخاطر.

الفيلم مليء بالهزل الذي ينبع بأغلبه من الفرق الجسدي والحضاري بين ويذرسبون الشقراء والنحيفة والقصيرة القامة من ولاية تكساس من جهة وفيرغارا الممتلئة المغرية والعاطفية والطويلة القامة من كولومبيا من جهة أخرى. فخلافا لافلامها السابقة، لم تقتبس ويذرسبون الفيلم عن كتاب وإنما إتصلت بفيرغارا لأنها كانت معجبة بأدائها في المسلسل التلفزيوني «عائلة حديثة» وعرضت عليها صنع فيلم معا. فيرغارا وافقت على التو، وعملت معها لإبتكار رواية ملائمة وبعد أن إتفقتا، استأجرت ويذرسبون كتّاب سيناريو ليكتبوا قصة مبنية على شخصيتيهن. «النكت التي تشاهدها في الفيلم هي في الواقع شخصياتنا الخاصة»، تضحك ويذرسبون.

ولكن كتابة حوارات لشخصية فيرغارا لم يكن سهلا، إذ أن الكتّاب لم يتكلموا الإسبانية ولم يفقهوا الحضارة الجنوب الأمريكية لأنهم كانوا من الأمريكيين البيض. ففي أحيان عدة رفضت فيرغارا أن تتفوه بحوارات السيناريو لأنها كانت غير أخلاقية وإباحية لا تلائم نمط الفيلم، وذلك لأن الكتّاب لم يكونوا يفهموا ما كتبوه وظنوا أن ما كتبوه كان اللغة الشعبية الدارجة في كولومبيا: «اذا أردت أن تتحدث عن تحديات المرأة في هوليوود، دعني أحدثك عن تحديات المرأة اللاتينية في هوليوود. لا يمكن حتى إيجاد شخص يكتب شخصية لها بصوتها وتعقيدتها في فيلم. كان صعبا جدا علينا أن نكتب شخصيتها، لهذا كان على كتّابنا أن يتعظوا بكثير من الناس من أجل تطوير شخصيتها في الفيلم».

الحقيقة أنني دهشت من سماع هذا التصريح من ويذرسبون، ولكن هذا ما أكدته لي أيضا فيرغارا عندما قابلتها لاحقا، مشيرة الى أنها تواجه هذه المشكلة أيضا في مسلسل «عائلة حديثة»، حيث يجهل الكتّاب العادات والتقاليد في أمريكا الجنوبية، ولذا عليها أن تقوم بارشادهم وتثقيفهم بحضارتها. 

فسألتها: «أليس هناك كتّاب لاتينيون؟» فردت: «كما تعلم عندما تكتب سيناريو عليك أن تنتظر سنوات طويلة حتى يتحول الى فيلم أو مسلسل تلفزيوني، وغالبا يبقى على الورق. كتّاب السيناريو اللاتينيون لا يمكنهم أن يجلسوا منتظرين لهذا المعجزة. عليهم إعالة عائلاتهم، ولهذا يلجأون الى العمل في مسلسلات طويلة تضمن لهم الدخل الدائم. أظن أن علينا أن نستمر في الضغط على هوليوود من أجل تحقيق هذه المشاريع. وأنا متأكدة أنه إذا كان هناك أشخاص آخرون مثل ويذرسبون، مستعدون لصنع أفلام من بطولة إمرأة لاتينية، فهذا سيكون عظيما».

هذا الجهل في عادات وتقاليد اللاتينيين وتنميطهم في أفلام هوليوود حفز ويذرسبون على صنع «هاط بيرسوت». النجمة الهوليوودية، التي وُلدت وترعرعت في تكساس البيضاء، شاهدت العنصرية والنمطية تجاه جيرانها الجنوب أمريكيين منذ صغرها والآن تريد أن تغير ذلك من خلال عرض صورة حقيقية وإيجابية للحضارة اللاتينية في أفلامها وخلق شخصيات ذات بعد إنساني تعكس تلك الحضارة. «هذا أمر فظيع»، تعلق ويذرسبون. «ما زالت هناك نمطية جنسية ونمطية عنصرية في مجتمعنا. حان الوقت أن نقضي على ذلك. الكثير ينظرون الى صوفيا كجسم وحسب، رغم أنها تعتبر واحدة من أهم وأذكى الكوميديات في هوليوود. وفي هذا الفيلم أردت أن أعرض ما يمكنها أن تحقق من إنجازات وليس كيف يتصورها الناس. علينا أن نستمر في نضالنا في هذا المجال وأن نهزم العنصرية والنمطية».

من المفارقات أنه رغم النسبة العالية من رواد السينما اللاتينيين، التي تتراوح بين 35-55٪، الا أن هوليوود لا تصنع أفلاما لهذا الجمهور، وقلما تُطَور مواهب لاتينية كممثلين ومخرجين، وهذا ما أثار حفيظة ويذرسبون. «هذا لا يصدق. هناك إهمال تام للاتينيين في أفلام هوليوود وكأنهم غير موجودين في عالمنا»، تقول ويذرسبون. كما أنها صُدمت عندما علمت أنه رغم شهرة فيرغارا العالمية إلا أنه لا يُعرض عليها أي أدوار رئيسية في هوليوود. «هذا نوع من الجنون»، تصيح ويذرسبون. «لأنها تملك شعبية ومحبة أكثر من معظم نجوم هوليوود البيض، لهذا قررت أن أكتب فيلما خاصا لها، لكي أسلط الضوء على طاقاتها الهائلة».

ويذرسبون تدرك أن النمطية في أفلام هوليوود لا تقتصر على اللاتينيين وحسب، وإنما تطول كل الأعراق والأقليات في المجتمع الأمريكي مثل الآسيويين والأفريقيين ولكنها تعترف أن التغيير في هذا المنهج يجب أن يكون طبيعيا وليس مصطنعا وأن الأفلام يجب أن تعكس واقع هذه الأقليات الصحيح، وليست مصنوعة من منظور زائف. فلهذا تواظب على الإنغماس في دراسة وفهم أي حضارة تتناولها أفلامها من أجل تعزيز مصداقية الفيلم وإيصال صورة موثوقة للمتلقي، كما فعلت قبل عامين عندما قامت ببطولة فيلم «الكذبة المتقنة» الذي سرد قصة لاجئين سودانيين، هربوا من ويلات الحرب الأهلية في بلدهم، يحاولون التأقلم في المجتمع الامريكي، إذ زارت مخيمات اللاجئين في السودان لكي تتفهم الظروف التي تدفع شخصا لترك بلده والنزوح الى بلد غريبة. وما شاهدته هناك كان مفجعا.

«إنهم يستحقون إهتمامنا ويستحقون تعاطفنا وأنا كفنانة، أود أن أسلط الضوء على حياة الآخرين وأن أساعد في سرد قصصهم»، تختم ويذرسبون.

مجتمع السبعينيات في المغرب فنيا وسياسيا وثقافيا

المخرج المغربي محمد مفتكر يطلق فيلم «جوق العميين»

من فاطمة بوغنبور - الرباط – «القدس العربي»:

تستقبل القاعات السينمائية المغربية ابتداء من 13 مايو/آيار الجاري أحدث فيلم مغربي وآخر أفلام المخرج المغربي محمد مفتكر «جوق العميين»، الذي يقدم نظرة عن مجتمع السبعينيات في المغرب فنيا وسياسيا وثقافيا من خلال حكي طفل لا يتجاوز السنوات التسع، وذلك عبر حكاية أب عازف موسيقي عاش الحرمان واليتم مبكرا، ويرغب في أن يعيش إبنه حياة أفضل من تلك التي ذاق معاناتها. لكن أمله يخيب في إبنه الذي توزع بين حب شامة الخادمة لدى الجيران وإعجابه بنموذج عمه اليساري والمناضل السياسي، وتتخلل الفيلم قصص شخوص أخرى رفيق الأب في الفرقة الحسين «محمد البسطاوي» الموظف المحترم الذي إضطرته الظروف الإجتماعية والإقتصادية لممارسة الموسيقى سرا. 

حليمة «منى فتو» الزوجة التي تعاني من قسوة زوجها بسبب تنشئته الإجتماعية الصعبة، وعم الطفل عبدالله ذو التوجه اليساري والخط النضالي الساخط على الوضع السياسي والحاضر التأثير في تكوين شخصية الطفل، تتشابك الأحداث وتتصاعد لتضطر الفرقة إلى التظاهر بالعمى كي تضمن دخول بيوت عائلات محافظة لأحياء حفلاتها الإجتماعية. 

وقد حاز الفيلم على جائزة أفضل إخراج في آخر دورة من مهرجان الفيلم الوطني في طنجة، ومثل المغرب في مسابقة «مهرجان مراكش الدولي السينمائي». وهو ثاني فيلم روائي طويل لمحمد مفتكر بعد فيلم «البراق».

وعن إحساسه بخروج «جوق العميين» الأول لعموم الجمهور بعدما عرض في مهرجاني طنجة ومراكش وأمام أنظار نقاد ومختصين سينمائيين قال محمد مفتكر لـ»القدس العربي» إن كل عمل فني هو موجه أساسا للجمهور العريض للأشخاص العاديين والمختصين والنقاد السينمائيين، وذلك لأن كل عمل فني يخاطب الوجدان ويتوجه بالضرورة نحو الإحساس، والإحساس هو إنساني قبل أن يكون مهنيا. وكل ما قد يكتب حول الفيلم إنطلاقا من ميكانيزمات تحليلية فهو لأجل مساعدة الفيلم على الفهم أو لتقييمه إنطلاقا من معطيات عقلانية.

وقد إعتبر نقاد سينمائيون أن «جوق العميين» يقدم أول تجربة بطولة جماعية في السينما المغربية، نظرا لضمه نخبة من أهم الممثلين المغاربة، ومن بينهم الفنان يونس ميكري، منى فتو، الراحل محمد بسطاوي «في آخر أدواره السينمائية»، محمد الشوبي، ماجدولين الإدريسي، سليمة بنمومن، فهد بنشمسي، عبد الغني الصناك، محمد اللوز، سعاد النجار، علية عمامرة، الطفل الياس جيهاني، والفنانة القديرة فاطمة الركراكي.

وعن وصف النقاد قال محمد مفتكر لـ«القدس العربي» إنه لم يقصد فكرة البطولة الجماعية في حد ذاتها، لأن الفيلم يقدم شخصيات كثيرة ومهمة مع أن الطفل هو أهمها في مسار الأحداث فهو الذي يسرد حكايات الشخوص جميعها بطريقة «حنينية» فيها الكثير من النوستالجيا في رؤيته لأحداث الماضي التي أسست شخصيته الحالية. وكل شخصيات الفيلم فاعلة ومؤثرة ومترابطة فليس منها من هو دخيل أو مجاني في مسار الفيلم.

وعن علاقة أحداث الفيلم بسيرته الذاتية، حيت أنه أيضا فقد والده في سن مبكرة تماما كبطل الفيلم وفي الفترة نفسها، التي تدور فيها أحداث الفيلم وهي فترة السبعينيات من القرن الماضي، في عز حكم الملك الراحل الحسن الثاني وهي فترة مشحونة بالأحداث والتحولات السياسية والإجتماعية والثقافية أضاف محمد مفتكر: الفيلم يمسني جدا فهناك أشياء قد وقعت بالفعل وهناك أشياء كان من الممكن أن تقع وأخرى تمنيت لو أنها وقعت، وهكذا أردت للفيلم أن يكون مزيجا بين البيوغرافيا والتخييل ومن الكائن والممكن».

وعن الهدف من حضور المعطى السياسي في الفيلم ممثلا في شخصية عبد الله التي قام بدورها الممثل فهد بنشمسي المناضل السياسي ذو التوجه الماركسي الراغب في التغيير في عز ما يصطلح عليه تاريخيا في المغرب بسنوات الجمر والرصاص، قال محمد مفتكر: «هناك شخصيات تقدم الجانب النضالي وعبرها تعاملت مع الجانب السياسي في الفيلم تماما كما عشته وعاينته وأنا طفل، وكل شخصية في الفيلم مستقلة بنفسها وتمثل ذاتها ولا تمثل من يشبهها في المجتمع».

وعـن توقـعاته من عـرض الفـيلم جـماهيريا يضيف محمد أن التـخوف حاضر جدا والثقة المطلقة في النفس لا يجب أن تكون لدى الفنان. على الفنان أن يعيش في شك مستمر فهذا ما يخلق له قيمة.

القدس العربي اللندنية في

03.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)