كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«أكثر السنوات عنفاً».. الصعود في مجتمع فاسد

أمير العمري

 

يعود المخرج الأميركي باسم جيه سي شاندور (اختصاراً لاسمه الثلاثي جيفري ماكدونالد شاندور)، في فيلمه الثالث «أكثر السنوات عنفاً» A MOST VIOLENT YEAR، ليؤكد موهبته الكبيرة التي كشف عنها، بوجه خاص، في فيلمه الثاني «كل شيء ضاع» الذي يعتمد على أداء ممثل واحد هو روبرت ريدفورد، بعد أن تُرِكَ وحيداً في قارب نجاة صغير يواجه مصيره في عرض البحر.

هذا فيلم من أفلام الجريمة، ذو نكهة أخرى مختلفة، فهو يفترض أن يكون من النوع المعروف في السينما الأميركية بـ «ثريللر» THRILLER، أي فيلم الإثارة والتشويق والجريمة، لكنه لا يشبه أياً من الأفلام المماثلة، فهو لا يعتمد على الإثارة السطحية الخارجية، بل فيلم عقلاني إلى حدٍ بعيدٍ، يتعامل مع الشخصيات والأحداث، بحيث يُخفي أكثر مما يُظهر، بل يكتفي بالإشارات والإيماءات والحوارات التي تُبطن غير ما تُظهر، وخصوصاً ما على لسان الشخصية الرئيسية في الفيلم، «أبيل موراليس» (أوسكار إيزاك) وهو مهاجر من دولة في أميركا اللاتينية (غير مُحدّدة في الفيلم)، نجح في تأسيس شركة لنقل وتوزيع الوقود السائل، لكنه أصبح يواجه اعتداءات من مصدر غامض، يتعرّض لها سائقو الناقلات التي تنقل الوقود، وسرقة كميات هائلة من هذا الوقود في تلك السنة حالكة السواد 1981، التي يُقال إنها من أكثر سنوات القرن العشرين، ارتفاعاً في معدلات الجريمة التي تشهدها مدينة نيويورك.

بطل وحيد

موراليــس - كما نعرف من سياق الفيلم- جاء إلى أميركا مدفوعاً بتحقيق «الحلم الأميركي»، أي تحقيق الصعود الاجتماعي السريع، وقد بدأ من أسفل السلم، كسائق لشاحنات الوقود، ثم تزوّج من ابنة صاحب الشركة، وهو رجل صنع ثروته بطرق إجرامية، يقضي الآن عقوبة في السجن. ولزوجته «آنا» (جيسكا شاستون) شقيق- مليونير- يُقيم داخل ما يصفونه في الفيلم بـ«قلعة» حصينة، وقد حقّق ثروته- مثل والده- من ممارسة أعمال إجرامية. وقد يكون هو نفسه وراء عمليات الإغارة على شاحنات شركة موراليس وسرقة الوقود!

أما أساس الحبكة فهو أن موراليس يرفض الخضوع لما هو سائد في نظام التعاملات في مجال «البيزنس»، أي يرفض أن يتحوّل إلى «مجرم»، أو أن تدفعه الاعتداءات التي يتعرّض لها سائقو شركته، إلى التعامل بالمثل، أي اللجوء للعنف، رافضاً في إصرار، تسليح السائقين بالأسلحة النارية لرد تلك الاعتداءات. أما زوجته فهي على النقيض منه، تسخر من نظرته الرومانسية التي تراها ساذجة للواقع القائم، فقد أخذت عن والدها، وهي الأميركية الأصلية (الشقراء)، وليست الوافدة من الخارج، تلك الروح البراغماتية التي تجيد التعامل مع النظام الفاسد الذي ترتبط فيه الثروة بالبيزنس بالجريمة بالغطاء السياسي. 

موراليس إذن نموذج للبطل «الوحيد» وسط غابة من الوحوش، يريد أن يحتفظ بنقائه مهما كلفه الأمر، بالرغم من تعرّض أسرته للخطر، لكنه يقع في أزمة كبرى عندما يريد شراء محطة قديمة شاسعة للوقود السائل تقع على شاطئ النهر، من رجل يهودي مُسن ينتمي لليهود الحداسيين، يحصل على 40 في المئة من قيمة الصفقة كمقدّم، ويشترط على بطلنا، الحصول على باقي الثمن أي على مليون ونصف مليون دولار، خلال ثلاثين يوماً وإلّا احتفظ بما دُفع له، وباع لمنافس موراليس الغامض.

أزمة مُركّبة

ما يقع من اعتداءات ومشاكل يُدخل موراليس في كابوس مزدوج، فهو من ناحية، يسعى لتدبير باقي المال لإتمام الصفقة، ومن ناحية أخرى، يريد أن يعرف من هؤلاء الذين يسعون لتدميره، ويحاول أن يبث روح التحدي في العاملين بشركته، خصوصاً ربيبه الذي ينتمي لبلده، والذي يبدأ مثله من أسفل السلم، وهو السائق عديم الخبرة «جوليان» الذي يتعرّض لاعتداء يُلزمه المستشفى في بداية الفيلم، ثم يتعرّض لاعتداء ثانٍ، لكنه يكون قد سلّح نفسه وأخذ يطلق النار مرعوباً، ومع شعوره بالفزع من القبض عليه، يهرب ويختفي إلى أن يظهر قبل نهاية الفيلم لكي ينتهي نهاية مأساوية!

من جهة ثالثة يواجه موراليس أيضاً تحقيقات تجريها الشرطة فيما يتردّد عن تجاوزات عديدة وقعت داخل شركته، وسنعرف فيما بعد أن «آنا» قد تكون المسؤولة عنها، وأن موراليس كما يردّد طويلاً، بريء تماماً، فهو حريص كل الحرص على الالتزام بالقانون. لكن هل سيبقى هكذا طويلاً؟ إننا نراه في النهاية وهو يُصغي إلى ما يردّده ضابط الشرطة من ضرورة الحصول على الدعم السياسي إذا كان يريد أن يحافظ على ما حققه، ويمده على استقامته، كما أنه بالطبع، في حاجة إلى من يوفر له الحماية. في إشارة واضحة إلى احتمال أن يرضخ أبيل وينسجم مع طبيعة النظام بعد أن وعى الدرس، وخصوصاً أنه لم يتمكّن من تدبير المبلغ المطلوب لاستكمال الصفقة، سوى بفضل زوجته التي نرى أنها نجحت في تدبير مبالغ كبيرة من المال كانت تختلسها طيلة السنوات الماضية، من أموال الشركة.

عن الأسلوب 

ليس أهم ما في هذا الفيلم، موضوعه الذي يدور حول فساد النظام الاقتصادي في أميركا، وجشع الرأسمالية وارتباطها بالجريمة المنظمة، على غرار ما رأينا في عشرات الأفلام قد يكون من أشهرها بالطبع «الأب الروحي» أو «العرّاب». وربما يكون هذا ما دفع الكثيرين للمقارنة بين الفيلمين، في حين أن موراليس، رغم ثبات جأشه وإصراره على المضي قُدماً متحدياً خصومه، يقف على النقيض تماماً من شخصية «مايكل كورليوني»، الذي كان مُصراً على مواصلة جرائم أسرته، ولكن في صيغة حديثة، تبعد عنها الشبهات الجنائية.

في فيلمنا هذا الكثير من مشاهد الإثارة والحركة، كما في مشهد المطاردة بالسيارات التي تنتهي إلى مطاردة على الأقدام في الشوارع، ثم داخل محطة قطارات الأنفاق، ثم داخل القطار على نحو يُذكّرنا بفيلم «الرابطة الفرنسية» (1971) لوليم فريدكن، وهناك الكثير من الإثارة في مشهد مطاردة أبيل لشخص غامض وجده قرب نافذة مسكنه ليلاً، ثم تعثر ابنته الصغيرة على مسدس ضخم كادت تطلق منه الرصاص على أمها. وهناك أجواء أخرى داخلية، تدور بين جنبات المكاتب الغامضة، والأوكار، أو داخل عربة (كرافان) تُوقّع فيها الصفقة في النهاية، وتصوير سيريالي خاص لشوارع نيويورك كما لو كانت قد أصبحت خالية من السكان ربما بسبب انتشار العنف.

أما ما يجعل الفيلم مُختلفاً، فهو ذلك الأسلوب المتميّز في رسم الشخصيات ، وفي تقديم الموضوع، بحيث يكتسب مغزى أكبر من مجرد الهجاء الاجتماعي المباشر. فأساس الجمال في الفيلم، يكمن في تلك الأجواء التي تجعل شخصياته جميعها لا تشعر بالارتياح، بل يخالجها شعور مُعذّب بعدم التحقّق، بالخوف، والقلق، والخشية على ما تحقّق من الضياع. كما تساهم المشاهد الطويلة الساكنة التي تنتقل فيها اللقطات بين الشخصيات، مع ذلك الحوار المكثّف الذي يحمل أكثر من معنى، في إضفاء جوٍ خاص على الفيلم، فيه من الطرافة بقدر ما فيه من الغموض، ذلك الغموض الساحر الذي تجده في شخصيات وحوارات أفلام ديفيد ماميت.

شعور بالعبث

يتعاون شاندور مع مدير التصوير برادفورد يونغ، في إضفاء نغمة لونية تشي بالزمن الماضي الذي تدور فيه الأحداث، ويكسب أسلوب التصوير الفيلم طابعاً خاصاً باستخدامه اللونين، البني والأخضر الباهت وأيضاً الأصفر، كما يجعل المشاهد الليلية ذات الإضاءة الشاحبة، تبدو وقد امتدت خارج الواقع. وبوجه عام ينتاب المشاهد مع الإحساس بايقاع الفيلم الرتيب، وحواراته الهامسة الغامضة، شعور بأننا أمام أجواء قريبة من أجواء مسرح العبث. هناك من يسأل أبيل، وهو يراه مدفوعاً بشكل محموم لإنجاح الصفقة: « ماذا تريد بالضبط» بمعنى.. «ألا يكفيك ما حققته»؟ وهو ما يُلخّص فكرة أن كل ذلك السعي من أجل امتلاك المال هو نفسه نوع من العبث!

ذات في مسالك برّيّة

فاطمة الزهراء الرغيوي

«إذا تخلّت عنك إرادتك، تجاوزها»؛ مقولة للشاعرة الأميركية إيميلي ديكنسون استطاع مخرج سينمائي أن يحوّلها إلى فيلم جدير بالمشاهدة، خاصة أنه من صنف أفلام الطريق المشوّقة التي تخاطب الذات وإرادتها وتعلّقها بالآخر.. وما يترتب عن ذلك من اختيارات ومصائر.

والآخرُ. ذاك الذي في رأسك يجلس جنباً إلى جنب مع أناك. يقول لك ما عليك أن تفعله، ما يجوز وما لا يجوز، أو ما لا يجوز تحديداً. كل الأشياء الصغيرة التي تجعل منك كائناً مدجناً.. ولكن عليك تحديداً أن تحظى بفرصة للجلوس مع هذا الآخر للتعرّف عليه لتدجينه أو تجاوزه!..

هذ الآخر في الفيلم الأميركي (WILD)، إخراج جون-مارك فالي، وبطولة ريس ويذرسبون ولورا ديرن، هي الأم التي رحلت في عمر الخامسة والأربعين. «باكراً جداً أيتها السماء»، ستعتقد شيرلي. هل هناك رحيل مُبكّر فعلاً؟ هل هناك وقت مُعيّن يجب أن نموت جميعاً فيه، ولكن نرحل قبله أو بعده؟ إنه السؤال المُعلّق. 

ليس الفيلم معنياً بتقديم جوابٍ شافٍ. مثلما يحدث في الحياة تماماً، هناك أحداث تقع، وعلى شيرلي التعامل معها، وتجاوزها إِنْ وجب ذلك. ثم إن الآخر هو الإدمان. إدمان الهيرويين والتسكّع مع الغرباء. الهيرويين لتجاوز الموت. للنسيان. وللرقص في لعبة الدمى..؟ أيضاً للتجاوز والنسيان. إنهما الترياق من الألم.. 

الخوف يعتري الجميع. الحاجة للشعور بالحياة في ذاك الحد الفاصل بين الشعور باللذة والشعور بالذنب. إنه مثل الألم. الألم الشافي الذي تعانيه شيرلي وهي تتعلّم أن تمشي وحيدة في طريق تلال المحيط لمسافة ألف وخمسمئة كيلو متر. 

وهناك آخرٌ في الفيلم. الزوج الذي حاول مِراراً أن يكون المنقذ. لكننا لا ننقذ من نريد. ننقذ من يريد أن يُنقَذ. وقد يتطابق الشخصان في لحظة ما. في لحظة خاطفة. يجب أن تكون اليد مُستعدّة لانتشالك من الهُوّة العميقة التي سقطت فيها. يجب أن تنتشلك سريعاً، ثم تهرب بعيداً. هكذا يفعل الزوج. يهرب. عندما يتطلقان يضعان نفس الوشم ليظلّ هناك رابط يجمعهما. «سنتطلق اليوم» تخبر شيرلي الرجل الذي يضع لهما الوشم. «لقد خنته». تتحدّث بكلمات مُقتضبة. تحاول أن تعتذر. لكن لم تعدْ هناك حاجة لكلمات كثيرة. لم يعدْ هناك مفرّ من مواجهة الحقيقة. هناك حاجة لمواجهة الخوف. ولكن المواجهة تبدأ بالهروب.

الهروب من الحزن ومن الإدمان ومن الانفصال. إنه تحديداً هروب من الحياة نفسها. تعرف شيرلي أنها تخاف لحظة الوصول. فهي ليست مُستعدة للبدء في الحياة من جديد. ولكنها مستعدة للمحاولة. الطريق الوعرة عبر الأراضي الجرداء والمطر والثلج، تعلمك أن تخطو بخطوات ثابتة. فالطريق شفاء لها. 

وقد علمت أخيراً أنها عندما هربت وجدت الطريق. لن ينمحي الحزن. لن تندمل آثار الإدمان تماماً. لن يعود حبل الوصال كما كان. هناك أشياء تنتهي إلى الأبد في داخلنا. علينا فقط أن نتعلّم العيش ونحن ناقصون. سنُركّب أجزاء أخرى في أرواحنا الناقصة. سننمو. نكبر ونعيش. ونتعلّم الحياة مشياً في طريق وحشية. الحياة وحش يمكن تدجينه بكثير من الألم وكثير من الإرادة.

تتعلّم شيرلي أن تتجاهل نصيحة أمها: «يمكنك التراجع متى شئت». لكنها لا تتراجع رغم الألم، رغم الجراح في قدميها وفي كامل جسمها، رغم شعور الندم الذي يطرأ في كل لحظة. الندم لا يعني التردّد. الندم خوف نحاول تدجينه، لا غير. الطريق هي الحل بالنسبة لشيرلي. ليس طريقاً لأجل العودة، ولكن لأجل التقدّم. علينا جميعاً أن نتعلّم كيف نتقدّم ونحن نحمل مثل شيرلي ثقل الحياة نفسها، الحياة التي هي إحباطات وفشل وخوف وأشياء ليست جميلة بالضرورة. ولكن يمكننا أن نتساءل أيضاً، إلى أي حدٍ ترمز تلك الحقيبة الثقيلة التي تحملها شيرلي في بداية رحلتها، خاصة إلى ما نحمله-معنوياً- جميعاً معتقدين أنه ضرورات لا يمكننا التخلّي عنها؟ ألسنا جميعاً نتعلّق بأمور نُصبِغ عليها صفة الأهمية لا غير، بينما التقدّم يتطلّب منا أن نتخلّى عمّا هو ليس ضرورياً؟ تحتاج شيرلي للماء وللأكل ولكتب تُؤنس طريقها. ربما نحن أيضاً لا نحتاج لأكثر من ذلك.

نجحت الممثلة الأميركية ريس ويذرسبون، التي بدأت التمثيل منذ عمر الرابعة عشرة، في تقمُّص دور مُغاير لأدوارها المعتادة والخفيفة إلى حدٍ ما في فيلم «طريق موحشة». ريس ويذرسبون أو شيرلي في الفيلم لا تُشبه مُطلقاً دور الفتاة الشقراء في فيلم «شقراء قانونياً»، والذي سمح لها بالوصول إلى شهرة واسعة، وحتى عن دورها الذي حصلت بفضله على «أوسكار» أفضل ممثلة في فيلم «السير على الخط» عن حياة المغني الأميركي جوني كاش. تظهر ريس ويذرسبون، بلا زينة، بلا إضافات تُبرز أنوثتها. إنها امرأة مُنكسرة حزينة. لكنها امرأة تتحوّل إلى امرأة تتعلّم أن تجد القوة حتى في مكامن هشاشتها. الجنس مثلاً، فهي تقتنص لحظة حب أو جنس. لنسمها ما نريد. الحب/الجنس أمر ضروري أيضاً بالنسبة لشيرلي. 

لكن ريس ويذرسبون لم تتمكنْ من البروز في دور شيرلي بما يكفي لكي يتم ترشيحها للأوسكار. فعلت ذلك، لورا ديرن التي مثلت دور الأم ببراعة فائقة. أم تحاول أن تكون أماً وامرأة ونسوية (FÉMINISTE) في نفس الآن، إنه رهان صعب التحقق، خاصة والموت-هذا ليس سراً- لا ينتظر أن تفرغ من مشاريعك المُؤجّلة ليقتنصك. ترشيح لورا ديرن لجائزة الأوسكار عن دور أفضل ممثلة مساعدة (2015) ليس مُفاجئاً إذ سبق ورُشحت لجائزة أفضل ممثلة في سنة 1992 عن دورهــــا فــي فيــــلم(RAMBLING ROSE). وإن لم تحصلْ في كلتا المرتين على الأوسكار، فإن هذا لا ينفي عن لورا ديرن كونها ممثلة كبيرة الحجم قادرة على خلق الدهشة حتى عبر أصغر الأدوار.

السينما الأمازيغية.. مسارات التأسيس

سعيد شملال

ما تزال السينما الأمازيغية - وليس الفيلم الأمازيغي الذي تعود بداياته إلى تسعينيات القرن الماضي- سينما فتيّة تبحث عن ذاتها، وتتحسّس مواطئ أقدامها داخل المشهد السمعي- البصري المغربي، إذ لم تتجاوزْ بعد الأفلام السينمائية الأمازيغية الطويلة عتبة الاثني عشر فيلماً روائياً طويلاً في ظرف زمني يُقارب تسعة أعوام (منذ سنة 2006)، وما زال عدد مخرجي الأفلام الطويلة ينحصر في تسعة مخرجين أيضاً، ومن ناحية أخرى فإننا لا نتوافر بعد على تراكم كمّي في الإنتاج يُمَكّننا من رصد مدى تطوّر هذه السينما، إذ إن جُلّ ما يوجد حالياً في الساحة السينمائية لا يعدو كونه محاولات متواضعة من لدن بعض المخرجين، مع بعض الاستثناءات. 

أوّل فيلم سينمائي روائي طويل أمازيغي في التاريخ الرسمي للسينما بالمغرب هو فيلم «تيليلى» لمخرجه الراحل محمد مرنيش (2006)، الذي تَمّ عرضه بتاريخ 29 إبريل/نيسان 2006. لكن ألا يمكن اعتبار فيلم «كنوز الأطلس» (1997) للمخرج محمد أومولود عبّازي أول فيلم سينمائي أمازيغي، وذلك على اعتبار أن معظم مكوّناته تنطق في عمقها بالأمازيغية؟

تضــم الفيـــلموغرافيــــا الأمـــازيغيـة اللائحة الآتية: أفلام «تيليلى» (2006)، و«تمازيرت أوفلا» (2008)، و«واك واك أثايري» (2010) لمحمد مرنيش، وفيلم «بوقسّاس بوتفوناست» (2006) لعبد الإله بدر، وفيلم «ايطو تثريت» (2008) لمحمد أومولود عبّازي، و«ميغيس» لجمال بلمجدوب (2010)، وفيلمي «خمم» (2010)، و«حب الرمان» (2014) لعبد الله توكونة (فركوس)، و«أغرّابو» لأحمد بايدو (2012)، و«سليمان» لمحمد البدوي (2012)، و«وداعاً كارمن» لمحمد أمين بنعمراوي (2013)، و«تاونزا» لمليكة المنوكَ (2013). 

وتبقى جهة سوس (جنوب المغرب) هي المهيمنة على مستوى الكمّ بثمانية أفلام متبوعة بجهة الريف (شمال المغرب) بثلاثة أفلام، ثم تليهما جهة الأطلس المتوسط (وسط المغرب) بفيلم واحد. وجهة سوس هي الرائدة أيضاً على مستوى الإخراج السينمائي بصيغة المؤنث، إذ تعتبر المخرجة مليكة المنوكَ أول مخرجة سينمائية أمازيغية على مستوى الفيلم الروائي الطويل، وذلك بإخراجها لباكورة أعمالها «تاونزا» سنة 2013.

يُعزى تأخّر ظهور السينما الناطقة بالأمازيغية إلى طبيعة سياسات النظام المغربي في العقود السابقة، التي كانت تمنع التعبيرات والمكوّنات المهمّشة من الطفو على سطح الساحة الثقافية والسياسية، حيث إن سياسات بناء الهويّة الوطنية آنذاك كانت منساقة وراء خطابات القومية العربية، حيث كانت تعمل على تقوية البعد القومي/ العربي في الهويّة المغربية. هكذا لم تخرجْ السينما المغربية الناطقة بالأمازيغية إلى الوجود إلا بعد حدوث انفراج وتغيير شبه جذري في العقلية السياسية المغربية في الألفية الثالثة. 

تحاول السينما المغربية الناطقة بالأمازيغية ردّ الاعتبار لمكوِّن هويّاتي من داخل النسق الثقافي المغربي ألا وهو المكوّن الأمازيغي، وهي بذلك وسيلة للحفاظ على المميّزات الثقافية الأمازيغية بعيداً عن أي استلاب ثقافي أو هيمنة المكوّنات الثقافية الأخرى. 

لكن المستوى الحالي للسينما الأمازيغية يسمح بوجود نظرة تفاؤلية إلى مستقبلها، حيث إنها بدأت تفرض نفسها شيئاً فشيئاً على المستويين الوطني والدولي، وذلك نظراً للجوائز التي نالتها داخل وخارج المغرب. ويبقى الفيلم الأمازيغي الطويل الأكثر تتويجاً إلى حدود اليوم هو فيلم «وداعاً كارمن» (2013) لمحمد أمين بنعمراوي، الذي حصل على جوائز خارج المغرب، كما حصد مجموعة من الجوائز داخل الوطن. أما على مستوى الفيلم القصير، فيبقى الفيلمان الأكثر تتويجاً هما «إزوران» (2008) للمخرج عز العرب العلوي، وفيلم «وأنا» (2013) للمخرج الحسين شاني، اللذان حصداً جملة من الجوائز على المستويين الدولي والوطني. بيد أنه لازالت هناك عدة إشكالات وتساؤلات تحوم حول السينما الأمازيغية تحتاج إلى تفكير عميق، سواء تعلق الأمر بالتسمية نفسها، أي أليست السينما الأمازيغية جزءاً من السينما المغربية؟ ألا تؤدّي تسميتا السينما المغربية الناطقة بالدارجة/ العربية والسينما المغربية الناطقة بالأمازيغية إلى نوع من الانزلاق الأيديولوجي؟ أم تعلّق الأمر بهوية الفيلم الأمازيغي؛ أي ما هي محدّداته؟ ما معنى الفيلم الأمازيغي؟ هل يتحدّد الفيلم الأمازيغي بهويّة المخرج أو بقصة الفيلم أو بعنوانه أو بفضاءات التصوير؟

«بتوقيت القاهرة».. الذاكرة والنسيان

عماد مفرح مصطفى

بحساسية عالية وعبر ثلاث حكايات درامية تحدث جميعها على مدار يوم واحد في مدينة القاهرة، يحاول المخرج الشاب «أمير رمسيس» رصد تحوّلات المجتمع المصري في فيلمه الجديد «بتوقيت القاهرة»، معتمداً على جدلية الذاكرة والنسيان، والحب والخوف، وتأثير الهواجس الدينية المتطرّفة على طبيعة الحياة الاجتماعية.

الفيلم الذي يتميّز بجمعه ثلاثة ممثلين كبار بعد فترة غياب عن التمثيل السينمائي، نور الشريف وميرفت أمين وسمير صبري، وتسير فيه المسارات الدرامية باختلافاتها الفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والنفسيّة بشكل متوازٍ ومتفاعل، يتناول في حكايته الأولى، حياة رجل ستيني «يحيى شكري مراد»، (يؤدي دوره الممثل نور الشريف)، الذي يعاني من مرض «الزهايمر» ومن المعاملة القاسية من قبل ابنه ذي التوجّه الديني المتزمت، وذلك بسبب نسيانه المتكرّر وتاريخه الشخصي وانفتاحه الاجتماعي، الذي لا يمنعه من البوح بحلمه ورغبته في اللقاء بامرأة يحتفظ بصورتها الشخصية.

«يحيى»، وبرغم نسيانه لكل التفاصيل التي جمعته بتلك المرأة أيام شبابه، وفقدانه لكلّ الذكريات البعيدة المتعلّقة بالأسماء والأمكنة والأشخاص، إلا أنه يحتفظ بنقاء أحاسيسه التي تخبره بأن تلك المرأة كانت تعنيه بشكل شخصي في زمن ما، وربما باستعادتها يستطيع أن يستعيد كل ذاكرته وتفاصيل حياته السابقة، الأمر الذي يدفعه للبحث عنها في مدينة القاهرة.

هكذا وبمجابهة النسيان بالحب، ومحاولة تجاوز راهنية المرض بالإقدام على فعل البحث الذي ينطوي على المعرفة وفتح الآفاق وكشف الأسرار، يلتقي «يحيى» على الطريق الصحراوية بمورد المخدرات الديلرـ «حازم» (يؤدي دوره الممثل شريف رمزي) الذي يُقلّ «يحيى» بسيارته الحديثة، حيث تختفي صورة الشاب البلطجي وتحل مكانها صورة الشاب العصري. يحمل هذا اللقاء دلالة رمزية في مقاربة العلاقة ورؤية الأجيال لبعضها البعض، والمتضمنة إمكانية لعب الجيل الشاب دور المُخلّص لذاكرة الأجيال السابقة. وعلى وقع هذه الدلالة، يتحوّل الزمن إلى مادة سينمائية ثريّة داخل الفيلم، سواء من جهة الشاب «حازم» الذي يحس بأن الوقت ينفد منه بعد تورطه مع عصابة المخدرات وعليه تأمين مبلغ كبير من المال، أم من جهة «يحيى» العجوز الذي يداري انقضاء الزمن وما يخلّفه من نسيان بالحب، والأمل باللقاء مع حبيبة لا يملك من تاريخها سوى صورة شخصية قديمة.

نكتشف لاحقاً أن الصورة تعود إلى الممثلة المعتزلة ليلى السماحي «ميرفت أمين»، التي تدور حولها الحكاية الثانية في الفيلم، حيث تنتاب «ليلى» المخاوف بعد مشاهدتها إحدى الفتاوى التي يُطلقها أحد فقهاء الفضائيات، «بأن الزواج في الأفلام هو زواج حقيقي» على اعتبار أن ذلك الزواج يحقق شرط رضاء الطرفين، والإشهار أمام الجمهورـ لذا تقوم «ليلى» بالبحث عن آخر ممثل شاركته التمثيل في دور الزوجة، وهو الممثل سامح «سمير صبري»، لتطلب منه الطلاق، خاصة وأنها مُقْدِمَة على الزواج من رجل ذي توجّه ديني مُتطرّف بعد أن انحسرت عنها الأضواء والكاميرات.

يستغرب «سامح» «المسيحي»، الذي يعيش على ذكريات الزمن الغابر، وقد كان في شبابه يُجسّد أدوار البطولة في العديد من الأفلام، ومازال يحتفظ بنمط حياة تشعره بأهميته كفنان، من طلب «ليلى» ويصفه «بالتخاريف والترهات».

ووسط رفض «سامح» وإلحاح «ليلى»، تستعيد صداقتهما القديمة ألقها، ويشترك الاثنان في سرد ذكرياتهما عن الزمن الجميل ونجاحاتهما المشتركة، حتى إنهما يقومان بإعادة تمثيل أحد المشاهد المهمة من تاريخهما السينمائي، ويتابعان معاً بعض المشاهد السينمائية التي جمعتهما في أفلام قديمة على شاشة التليفزيون، وهي مشاهد جمعت في الحقيقة بين سمير صبري وميرفت أمين في أفلام مصرية قديمة.

في هذا الخط الدرامي الآثر، والذي تصوب فيه أخطاء الحاضر في ضوء تجارب الأمس، يتحوّل الحنين إلى عامل فاعل، ويصبح في إثره اليومي الزائل، إلى ما هو إنساني وحميمي وجميل، جاعلاً من الزمن ومروره أمراً لا يبعث على اليأس والحزن، بل يُحفِّز على محاولة إدراك معنى التحوّل الذي ينطوي على السعادة والاقتناع. يتم ذلك بحساسية عالية وروح تمت إلى «الكوميديا السوداء»، التي نتلمسها أيضاً في الحكاية الثالثة ضمن الفيلم، وهي تخص العاشق وائل «كريم قاسم» الذي يواعد حبيبته سلمى «أيتن عامر» لأول مرة في مكان خاص، وهي شقة أحد أصدقائه. وهناك نكتشف الحضور المُعقّد والثقيل لكل عوائق المجتمع وتحريماته في علاقات الحب في مجتمعاتنا. 

لا ينحصر انتقاد المخرج للمجتمع على وقوفه في مواجهة الحب، بل يتجاوزه إلى انتقاد تحوّل السمة العامة لمجتمعاتنا نحو القسوة وعدم التسامح، وخاصة لدى الأجيال الجديدة المنفعلة، وتتمثل هذه القسوة في شخصية الابن القاسي «ليحيى» الذي لم يغفرْ لأمه أنها كانت تدين بالمسيحية قبل زواجها. إنها لمحة يطلّ من خلالها المخرج على مجتمع تزداد حساسيته مع الأيام، تجاه ما هو مختلف ومتباين، وسط دعوة الوالد «العجوز» وحديثه حول جمال ثقافة التنوّع والاختلاف.

اللافت في الفيلم هو مستوى الأداء والتمثيل الرفيع الذي جسّده نور الشريف، بعد غياب ست سنوات عن السينما، حيث يؤدي دوراً مختلفاً عن أدواره الدرامية المعروفة، بحساسية مفرطة وتركيز على إيماءات بسيطة ومُعبّرة، ما يجعل المتلقي يتورّط عاطفياً وفكرياً مع شخصيته في الفيلم. 

والحقيقة أن التركيز على صدقية التمثيل والاختيار الموفق في نمط الشخصيات وانفعالاتها، التي بدت في بداية الفيلم اختلّ مع إصرار المخرج، وهو كاتب السيناريو أيضاً، على إجراء التقاطعات بين مصائر الشخصيات، ومحاولة دفعها إلى نقطة محورية تنتهي عندها القصص الثلاث، وفي مكان واحد شقة الممثل «سامح» ما نتج عن ذلك حدوث نهاية مفتعلة درامياً. 

فيلم «بتوقيت القاهرة»، والذي يُعدّ الفيلم الرابع ضمن الأفلام الروائية للمخرج أمير رمسيس، بعد إخراجه أفلام «آخر الدنيا» و«كشف حساب» و«ورقة شفرة» إلى جانب فيلمه الوثائقي «عن يهود مصر» يحمل طاقة حسيّة ومضامين فكرية، تنسبه إلى سينما المؤلف، حيث الإيحاء والتركيز على الرؤية الفنية، نجح فيه المخرج إلى حدٍّ بعيد في تطويع الصراعات النفسية لزيادة تأثير الجانب السينمائي، وذلك بالتركيز على الوقائع الطبيعية المُعبِّرة والمختزلة للسلوكيات المُعقَّدة والغامضة.

خارج الحدود

محمد اشويكة

تطرح مسألة الحدود في عالمنا الراهن أكثر من قضيّة وإشكال، فقد صار العَالَمُ مُسَيَّجاً من حولنا، ولم يعدْ مفتوحاً بالشكل الذي نتصوّره ونحلم به (يوتوبيا عالم بلا حدود)، فلا حرية أمام سطوة الحدود وتزايد وتيرة ارتفاعها. يمكن للحد أن يكون نفسياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعنصرياً.. فهو الفاصل بين عالمين متنافرين أو متصارعين، منفصلين ومتباينين.. وقد كانت الحدود في صيغها التقليدية تحصر الشيء أو الحيز لكي لا يختلط مع سواه، وحَدُّ الشيء في اللغة العربية تعريفه الجامع لكلّ أفراده، المانعُ لكلّ ما ليس منه، إلا أنها اكتست طابعاً أكثر تعقيداً بسبب ازدياد المشاكل بين الإثنيات والشعوب والدول.. وارتفاع الأطماع التوسعية طولاً وعرضاً، وإفلاس القيم الإنسانية النبيلة، لقد بات العَالَمُ يسير نحو «الإنسان شرير بطبعه» عوض «الإنسان خَيّر بطبعه»...

في سياق هذه الأجواء يُطالعنا الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الشاب عـلــي الصميلي رفقة «كليـر كاهن» (CLAIRE KAHEN) بفيلمهما الروائي القصير المشترك «حدود» مقتبسان إياه بشكل حُرّ عن نص مسرحي تحت عنوان «مُقْتَطَفٌ من بورتريهات» (ISSU DE PORTRAITS) للكاتبة الفرنسية «PAULINE SALES» (بُّولين سَالْ)، التي كتبت عِدّة نصوص إثر رحلتها إلى فلسطين المحتلّة، وقد تحوّلت إلى عمل مسرحي انخرط فيه عدة ممثلين من بينهم علي الصميلي، الذي اهتم بمأساة مدينة غزة...

ليس الحدّ هنا السياج، كما يتضح في الفيلم، ولا الحدود بين الدول، وإنما هي رموز للحدّ بين العري والسلاح، العنف والاستسلام، الدم وبراءة الطفولة، المرض والمنع، اللعب والألم، اللامبالاة والعناية.. لم تكنْ الحدود في الفيلم مُغلقة، وإنما هي مُشْرَعَة، يحتضنها مكانٌ شاسع.. وفي ذلك تعميقٌ لرمزيتها، وتأكيدٌ على عنفها الذي ينبني على مَثْنَوِيَّةٍ مُتَنَاقِضَةٍ ومُفَارِقَة: ففي الفيلم فصلٌ بين عَالَم المرض والشفاء، وحاجزٌ بين ما يصبو إليه الأب وابنته وما يفرّ منه، وتركيز على حِدّة الحرّاس ولطف الواقفين على الحدود.. وبما أن الحارسة ذَهَبَتْ إلى حَدٍّ بَعيدٍ في لَهْوِها/عنفها فقد قرّرت بعد الاستشارة مع مرؤوسيها عدم السماح للأب وطفلته بالعبور.. وهنا تختصر فكرة الحدود تلك المواجهة الثاوية بين العنف والعاطفة.. الرعونة والرصانة.. السخافة والحصافة.. الخِفّة والسكينة...

يأتي الأب الشاب رفقة ابنته المريضة في سيارة قديمة وهي في وضعية صعبة، يستوقفه حرّاس الحدود الثلاثة، تتعامل معه الحارسة الوحيدة بينهم برعونة ظاهرة رغم أنها ترى طفلة تَئِنُّ وكأن انخراطها في صفوف الجيش قد أنساها وجَرَّدَها من غرائز الأنوثة والأمومة وكل الأحاسيس المرتبطة بالرهافة والرقّة واللطف.

يُوَاجِهُ الأب صرامة الحراس - أحدهم يقرأ - بنوع من السخرية، فحينما يطلبون منه إزالة ملابسه يتعرى كُلياً.. ولَمَّا يفتحون صندوق السيارة لا يعثرون إلّا على فردتي حذاءٍ يشبه نوعاً ما أحذيتهم الخشنة، ومَصْلٍ (SERUM) طبي.. وحين تسأله الحارسة عن محتوى حِفَاض الطفلة المريضة يتحدّث إليها باستهزاء عمّا يوجد بداخله إلا أنها تُصِرُّ على فحصه فيضطر إلى جعل محتواه النتن - بعد إزالته - بارزاً أمام عينيها وقريباً من أنفها، فترد عليه بضربة عنيفة من عقب بندقيتها سرعان ما أسفرت عن تدفق الدم من أنفه، ذلك السائل الأَحْمَرُ الحَيَوِيّ الذي اعتدنا سيلانه قرب مناطق الحدود والصراع والتوتر...

يتألّم الأب المُضَمَّخ بالدم، وهو يُطَمْئِنُ ابنته القلقة فيما تأمره الحارسة بالعودة من حيث أتى وتنخرط في التسلّي بلعب الكرة بمعيّة زَمِيلَيْهَا.. يرمي الأبُ حويصلة المَصْلِ البلاستيكية على الأرض فيتدفق محتواها ليسقي الأرض المريضة - حسب تعبيره - العطشى.. يعود الثلاثة إليه مرددين «عُدْ إلى منزلك» (GO HOME) بهيستيرية ظاهرة وهم يطوفون بالسيارة، محركين إياها، راكلين لجنباتها، ضاربين على حديدها والرعب يسري في تلابيب قلب الفتاة المذعورة...

تُحيل البيئة المحيطة بأنحاء فيلم «الحدود» على القسوة والقحط، فهي أرض حجريّة، جبليّة، لا خُضرة على سطحها باستثناء بعض النباتات التي تستوطن الأماكن شبه الصحراوية.. قليلة المنافذ والممرات، يطغى على لون تربتها الاصفرار وبعض الاحمرار المائل إلى البني.. علاوة على صعوبة الطريق التي يدل عليها نوع السيارة المُسْتَعْمَلَة (R12)، وكذا حجم الأتربة والأوساخ العالقة بها...

يظهر من لغة الحوارات أنها تسعى إلى الكونية وتجاوز المحلية، فهي تَتَعَدَّدُ لتميلَ إلى الإنجليزية رامية إلى عدم الارتباط بمكانٍ ما أو أُمَّةٍ مُعيّنة، وإن كانت تُحِيل بالضرورة إلى مناطق الأزمة لتتجاوزها نحو توسيع النقاش حول مفهوم الحدود كإشكال عام. 

الجلي أن الحدود تسجن الحريّة، وتكون عائقاً أمام التواصل الإنساني في شتى أبعاده سيما وأن تجلياته تطرح قضايا قد استثمرها الفن السابع إلى درجة قيام سينما يمكن تسميتها دون تحفظ «سينما الحدود»، كما تؤشر على ذلك بعض النماذج من السينما المكسيكية والفلسطينية مثلاً، فقد استطاعت أشرطة كثيرة من أن تطرح البعد الإنساني دون إلصاقه بالبعد السياسي الضيق، ولنا العبرة في بعض الأفلام منها: «عرس الجليل» (1987) لميشيل خليفي، و«الحدود» (1982) سيناريو محمد الماغوط وإخراج وبطولة دريد لحام، و«الوقت المتبقي» (2009) للمخرج إيليا سليمان، و«الحائط» (2004) للمخرجة سيمون بيتون...

ينتهي الفيلم ببوارق أمل كثيرة: أحزمة الضوء المتسربة من بين الجبال.. صوت القلب النابض بانتظام.. صوت الطفل الذي تحمله الأم بين جوانحها.. إنها الولادة التي تُجدّد الآلام وتتجاوز الحدود الاصطناعية التي لا تستطيع أن تسجن روح الإنسان التوّاقة إلى التحرّر والسفر.

المضحكون الجدد في السينما المصرية وما بقي منهم

محمد عاطف

طرحت السينما المصرية لموسم إجازة منتصف العام 6 أفلام كوميدية من بين 9 أفلام يتم عرضها في دور العرض حالياً. وتستأثر الأفلام الكوميدية - منذ ما يزيد على 15 عاماً- على النسبة الأكبر من إجمالي الإنتاج السينمائي المصري. حيث تُلبّي الأفلام الكوميدية اتجاهات المشاهدة لدى الشباب الذين يمثلون الشريحة الأعرض بين جمهور دور العرض السينمائي. فضلاً عن تركيز الإنتاج السينمائي في مصر جُلّ اهتمامه على تسويق الفيلم في القنوات التليفزيونية بعد انتهاء فترة عرضه السينمائي، ومن ثَمّ على المشاهدين في المنازل الذين يميلون إلى الأفلام الخفيفة، ذات الطبيعة النظيفة التي كانت قاعدة انطلاقها الأفلام المنتجة في نهايات التسعينيات من القرن الماضي مثل «إسماعيلية رايح جاي» و«صعيدي في الجامعة الأمريكية».

زمن الكوميديا البائسة

شهد العقد الذي عُرِفَ بـ «الكوميديا النظيفة» (1998 - 2008) أفول نجوم الكوميديانات الكبار الذين سيطروا على الساحة الفنية منذ بداية السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريباً مثل عادل إمام، وسمير غانم، ومحمود عبد العزيز. لتشهد بداية الألفية صعود عدد من النجوم مثل محمد هنيدي، وأحمد آدم، وهاني رمزي، وعلاء ولي الدين، ومحمد سعد، وأحمد حلمي وغيرهم. وتلاشت تقريباً البطولات النسائية، واقتصرت على الأدوار المساعدة التي تكمل صورة النجم الواحد فظهر بالتوازي مع هؤلاء النجوم الممثلات مي عز الدين، وغادة عادل، وحلا شيحة وغيرهن. فضلاً عن ما عُرِفَ بالـ «سنيدة» أي نجوم الكوميديا الأكبر سناً من الجيل السابق، الذين اشتهروا بالأدوار الثانية مثل حسن حسني، ووحيد سيف، ولطفي لبيب وغيرهم. 

اعتمدت أغلب أفلام كوميديا الفترة على موضوعات محدودة، لعلّ أبرزها اللعب على كاريكاتورية شخصية بعينها ارتبط بها الجمهور مثل: اللمبي، والقرموطي. أو على المفارقات الخفيفة للإنسان الساذج، أو المواطن المطحون. وصار لما سمي بـ «الكوميديا النظيفة» خلطة واحدة قائمة على نجم أوحد، وبطلة جميلة مساعدة، يعزفون ويغنون حول عجوز «سنيد». لكن مع تكرار الموضوعات بسبب تمسك عدد من «المضحكون الجدد» بهذه الخلطة، وتقويض كتاب السيناريو عن الخروج عنها، انصرف الجمهور إلى خلطات أخرى أكثر إشباعاً مثل: ما سُمي بـ «أفلام العشوائيات» التي تعتبر الكوميديا القائمة على الإفيهات المبتذلة، أو الإيحاءات الجنسية مجرد عنصر، إلى جانب عناصر أخرى مثل الاسكتشات الراقصة، ومشاهد العنف والجريمة. وهذه النوعية مازالت حتى الآن تحظى بقبول المراهقين من أبناء المناطق الأكثر فقراً في مصر.

وهناك أيضاً الخلطات الخاصة بأفلام نجوم الطبقة الوسطى والشرائح الاجتماعية الأعلى مثل أفلام البطولات الجماعية، أو أفلام أحمد عز، وكريم عبد العزيز التي اعتمدت خلطتها- آنذاك- إلى جانب الكوميديا على وسامة البطل، أو شعبوية التيمات الدرامية لهذه الأفلام، حتى تلك المبنية منها على قصة رومانسية.

ليس أسوأ من التيمات السابقة سوى أفلام «الأطفال الأرزال» أو أفلام «تكريس ثقافة التحرش». فقد يعكس الفن حالة مجتمعية ما، وبالتأكيد يشبه الفن إلى حدٍّ كبير مجتمعه. فلا يمكن إنكار وجود البلطجة في مصر، مثلما لا يمكن أن تنأى الأفلام عن ظاهرة انتشار استخدام «الألفاظ النابية» على نطاق واسع في المجتمع المصري على تعدّد شرائحه الاجتماعية، أو الثقافية. ولا يحق لأحد من كان توجيه نقد أخلاقي لتلك الأعمال، من باب حرية الإبداع، والمصارحة مع النفس أن تجاهل الفن لها يعدّ من باب العزلة. لكن يظلّ أسوأ ما في تلك المرحلة تكريسها لثقافة التحرش عبر أفلام مثل «عمر وسلمى» وغيره تزين صورة المتحرش، وتعطي مفهوماً خاطئاً حول تقبل الفتاة له. أو الأفلام التي تقوم بطولتها على أطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة يتحدثون بصفاقة إلى من يكبرونهم سناً، أو يلطمونهم على وجوههم، بل ويطلقون النكات التي يحمل بعضها إيحاءات بذيئة. وحقت تسمية «العشرية الحزينة» على تلك الحقبة، رغم قشرتها الكوميدية.

موضة التنمية البشرية

لا يخفى عن متابع انتشار مصطلح «التنمية البشرية» بين أبناء الطبقة الوسطى المصرية قبيل الثورة المصرية، والذي دعمه إعلام النظام وقتها في صورة الاستقبال المستمرّ لمدربي التنمية البشرية في البرامج الحوارية، أو وجود برامج مستقلّة لهم على خريطة القنوات، وبات ما عُرِفَ وقتها بعلم «التنمية البشرية» أساساً لكيفية التكيّف مع الوضع القائم، والتفوق داخل منظومته، دون إلقاء اللوم على الظروف العامة. وبالتوازي صعد نجم كل من أحمد حلمي وأحمد مكي اللذين قامت أفلامهما على نفس الفكرة، بل وسادت آراء تفيد بأن هناك دعماً رسمياً ما وراء تسويق أفلام حلمي ومكي في مقابل أفلام الرفض التي سادت قُبيل ثورة يناير، والتي كان المخرج خالد يوسف في مقدمة صنّاعها.

وعملاً تلو الآخر استطاع كل من حلمي ومكي احتلال نسبة لا بأس بها من مبيعات شباك التذاكر في مصر، بل وفي المنطقة العربية. في تلك الأثناء تراجعت إيرادات «المضحكون الجدد»، وعلى رأسهم محمد سعد الذي استنزف شخصية «اللمبي» حتى النهاية، وحاول تكرار نفس تيمة الشخصية الكاريكاتورية في عد أعمال أخرى لم تحقق النجاح الذي حققه أفلامه الأولى. كما أتت الظروف التي مرّت بها مصر بعد ثورة يناير على ما بقي من الإنتاج السينمائي المصري، سواء من حيث الكم أم الكيف. ولم تفلحْ محاولات «المضحكون الجدد» في صناعة أفلام تتناول فكرة الثورة، والأحداث التي تلتها بصورة كوميدية ولم تغطِ أفلام مثل «سمير أبو النيل»، و«تك تك بوم» ميزانيتها إلا عندما بيعت إلى القنوات. ولم تثابرْ سوى أفلام الخلطة السبكية القائمة على البلطجي الظريف والراقصة، أو الإيفيه الرخيص، لدرجة أن بعض الشركات الأخرى سارعت إلى اللعب على نفس التيمة، وكذلك تشجّع منتجون جدد نحو إنتاج نفس المحتوى لكن لم تفلحْ محاولاتهم لامتلاك عائلة السبكي السر الحصري للخلطة. ولا أدلّ على ذلك من فشل أفلام «القشاش»، و«النبطشي»، و«الدنيا مقلوبة».

كوميديا جديدة

مثلما بدأ «المضحكون الجدد» رحلتهم الفنية بأدوار مساعدة في أفلام الكبار، يأتي جيل جديد من الصف الثاني لأفلام «المضحكون الجدد». حيث تشهد الفترة الحالية صعود نجم صف جديد من النجوم مثل رامي غيط الذي أعاد استخدام شخصية «برص» التي أداها في فيلم «دكان شحاته» ليقدّمها في فيلم يحمل اسم «المواطن برص» قائم على الكوميديا السوداء لحياة المُهمّش. وأيضاً هشام إسماعيل الذي أعاد استخدام شخصية «فزاع» التي أداها لسنوات عبر أجزاء مسلسل «الكبير» ليقدّمها في فيلم يحمل اسم «فزاع» قائم أيضاً على كوميديا الصعيدي الطيب. وبين «المواطن برص» و«فزاع» يكمن طموح كلا النجمين الموهوبين رامي غيط وهشام إسماعيل، حيث يجعلان من شخصيات لعباها باقتدار وخفة ظلّ استثنائية درجة يرتقون بها إلى الجمهور عن قرب، وإلى قلب المنتجين الذي يبدأ طريقه من شبّاك التذاكر.

لكن للأسف تمرّ تلك التجارب على موسمها السينمائي مرور الكرام لعِدّة أسباب أهمها سعي أصحابها اللاهث نحو النجومية على حساب تقديم الشخصيات داخل إطار درامي معقول يساعدها على الرسوخ في ذهنية المشاهدين، فالمشاهد مشبع بالفعل من حركات الشخصية، وأسلوب حديثها من خلال الأعمال التي شهدت ظهورها الأول. وربما يتسبّب تسرع رامي غيط وهشام إسماعيل في عرقلة خطواتهما الثابتة نحو النجومية، حيث استطاع كل منهما صناعة رصيد تراكمي لدى المشاهدين يلزم الحفاظ عليه، وتأكيده. وهنا تجدر الإشادة بتروي نجوم آخرين من نفس جيلهم - الفني- أثبتوا مواهب مبهرة مثل بيومي فؤاد، وأحمد فتحي، ومحمد سلام.

وبين كل هذا الزخم يمضي الثلاثي أحمد فهمي، وهشام ماجد، وشيكو في رحلة صعودهم عبر موضوعات مبتكرة، يعالجونها في صورة كوميديا «فارس» تقربهم إلى قلوب الجماهير عملاً تلو الآخر. وليس أدلّ على ذلك الإيرادات الضخمة التي حققها آخر أفلامهم «الحرب العالمية الثالثة» الذي عُرِضَ في موسم عيد الأضحى الماضي، إلى جانب أفلام ضخمة الإنتاج والتوزيع مثل: «الجزيرة2» و«الفيل الأزرق».

عن «يوم مالوش لازمة»

لعلّ أبرز ما يميز الموسم السينمائي الكوميدي لإجازة منتصف العام هو فيلم «يوم مالوش لازمة» لمحمد هنيدي. وتدور أحداث فيلم الكوميديا الاجتماعية «يوم مالوش لازمة» خلال يوم واحد هو يوم زفاف الشاب الأربعيني (يحيى)، الذي أتى من عمله في الخليج لكي يتزوّج من الفتاة الجميلة مها (ريهام حجاج)، لكن العكوسات تحيط به منذ بداية اليوم، وتمتد إلى حتى حفل الزفاف ليلاً. 

الفيلم من تأليف الكاتب الساخر عمر طاهر، الذي يرجع لسيناريوهاته فضل كبير في رفع مستوى الأعمال الكوميدية الحالية. فحجم مبيعات الكتب الساخرة لعمر طاهر يجعل من الصعب تدخل النجوم السافر المعتاد في النص، فهو الأقرب إلى نبض الشارع، وإلى تفكير القاعدة الأعرض من الشباب، وإلى لغتهم. وكوميديا الفيلم بسيطة قائمة بالكامل على محاولة يحيى الهروب من الفتاة المختلة بوسي (روبي)، لتتعّدد المفارقات الكوميدية والمواقف التي ساهم كل من هشام إسماعيل (أكثم)، ومحمد ممدوح (سامح)، وبيومي فؤاد (مدير الحفل) في وصول الأحداث إلى قمة المتعة والإضحاك. وهكذا جرى البناء الدرامي بنفس بساطة الفكرة الأساسية، لتتصاعد الأحداث شيئاً فشيئاً، وكلما ازدادت المأساة وتعقد الموقف، زادت جرعة التشويق والكوميديا.

ويبدو أن موجة «المضحكون الجدد» التي بدأت بمحمد هنيدي تنتهي عنده أيضاً، ليكون الأفضل من بين أبناء جيله حفاظاً على جمهوره، وعلى ثقة المنتجين. حيث يكمن سرّ هذا النجاح في سياسة إعادة تصحيح المسار لدى هنيدي في السنوات الأربع الماضية، والتي تقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية أولها: الوعي بالمرحلة العمرية، وهو الدرس الذي أخذ من رصيد الجيل الذي سبقه الكثير حتى أدركوا أنهم تجاوزوا أدوار شاب الثلاثينات. فهنيدي منذ عمله الأكثر نجاحاً «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» يظهر في دور الرجل الأربعيني الذي تأخر زواجه، ويقتصد في الاسكتشات الغنائية التي لم تعدْ تليق عليه، ولم يعدْ يتقبلها الجمهور في شكلها النمطي الذي اعتاد جيله تقديمها.

ثاني العوامل التي أعادت لأفلام محمد هنيدي مكانتها بين الجمهور الانفتاح على الكتّاب والمخرجين الشباب الأكثر تجديداً، فمخرج «يوم مالوش لازمة» هو أحمد الجندي الذي وقف خلف أكثر أعمال أحمد مكي نجاحاً، وعمر طاهر الذي يلتقي معه سينمائياً للمرة الأولى بعد نجاح تعاونهما في مسلسل «سوبر هنيدي» بجزأيه الأول والثاني.

العامل الثالث هو تخلّي هنيدي عن فكرة النجم الأوحد، واهتمامه بعرض الفيلم في صورة بطولة جماعية وقف إلى جانبه فيها نخبة من أبناء الجيل الحالي محمد ممدوح، وبيومي فؤاد، وهشام إسماعيل، فضلاً عن إفساح المجال لثلاث بطولات نسائية لهن مساحة واسعة في الأحداث هم: هالة فاخر، وروبي، وريهام حجاج. ليخرج العمل متكاملاً يكمن جماله في بساطته، وتكمن بهجته في عدد المساهمات الفنية والأدائية التي ساعدت في انتزاع الضحك من الجميع، بمن فيهم من حضر الفيلم ليؤكد صورة ذهنية سلبية حول انتهاء ظاهرة هنيدي.

مجلة الدوحة القطرية في

01.05.2015

 
 

ندوة لتبادل الأفكار بين مدراء سينما المنطقة

طهران ـ «سينماتوغراف»

أقيمت أمس الندوة الأولى لتبادل الأفكار بين مدراء سينما المنطقة وذلك ضمن فعاليات مهرجان فجر السينمائي في دورته الثالثة والثلاثين  بحضور مدير المؤسسة السينمائية الإيرانية وجمع من مدراء السينما من روسيا وافغانستان وطاجيكستان وجورجيا وسورية والكويت والعراق وكازاخستان وأرمنستان ونيجيريا ومصر وباكستان وآذربايجان وتركمنستان وسنغافورة وبولندا، لمناقشة تسهيل الإنتاج المشترك بين الدول المشاركة  في الندوة.

وقال حجت الله أيوبي في هذه الندوة التي أقيمت في بيت المؤتمرات: إن أيام المهرجان هي أيام مزدحمة للقائمين على المهرجان وكذلك هو الامر للزوار، فأكثر الحضور عادة هم الفنانون والسينمائيون لتكوين علاقاتهم ومتابعة الأعمال المعروضة ولكن فكرتي هي، بما أننا مدراء ثقافة في بلداننا وتعتبر السينما من أكبر الفنون وهو العمل الذي نديره بإمكاننا في أجواء المهرجانات التي نقيمها أن نجعل من هذه الاجواء مكاناً مناسباً للتعاون، لأنه لا معنى للحدود في عالم الفن.

وأضاف مساعد وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي قائلا: نعيش في فترة فيها إمكانية الحصول على معلومات كثيرة و بسرعة ولم تكن هذه الإمكانية متاحة في السابق بيد اننا لا نعلم هل ما ينشر هو أفضل ما يصل للمتلقي عنا.

وصرح أيوبي: في هذا العالم نظن أننا نعرف بعضنا ولكن ما زلنا لا نعرف بعضنا كما يجب، ومن الممكن الكثير ممن لم يزر أفغانستان يظن أن كل مكان فيها هي حرب قائمة، وغير آمنة أو لمن لم يزر إيران و رآها الآن سوف تختلف رؤيته عما كان يظنه. هذا الموضوع يصدق على كل الدول وخاصة دولنا، وهي عملية مؤلمة أو تساؤل مؤلم لماذا لا يعرف عنا العالم و لو القليل.

وفي نفس الموضوع قال رئيس مؤسسة السينما الإيرانية: هناك صور كثيرة تنشر عن دولنا ولكن لا أحد يعلم هل هي معلومات صحيحة ولكن السينما كإعلام تمتلك قوة تقديم الصورة المناسبة. لدينا جميعا ثقافة و حضارة قويتين وكما نحن في حاجة الى العالم فالعالم يشعر كذلك بحاجة الى حضارتنا وأساطيرنا.

وعن فترة إقامته في فرنسا قال السيد أيوبي: حين سألت أحد أكبر الموزعين في فرنسا وهو أيضا كان يبث الأعمال السينمائية الإيرانية عن سبب إهتمامه بالسينما الإيرانية والإستثمار فيها أجابني، من وجهة نظره السينما الإيرانية والشرقية تسهل أرضية مواجهة سينما هاليوود.

وضمن نقاط عديدة ذكرها السيد أيوبي عن الإشكاليات التي يواجهونها في الوقت الراهن قال عن عالم الشباب والأطفال: لم يعد لدى شبابنا و أطفالنا صبر مشاهدة فيلم وثائقي من ساعتين أو قراءة كتاب من البداية حتى النهاية ويريدون الحصول على المعلومة في تسجيل صغير أو عبر النت السريع مع هذه الامور هناك مجال للعمل و التفكير  في حلول عملية مشتركة.

ومن المنتظر الخروج من هذه الندوة بإتفاقات للعمل المشترك لحاجات البلدان في المجال السينمائي والفني.

«سينماتوغراف»

تحتفي وتهنىء بإصدار الملحق الفصلي «السينما العربية»

ظهر منذ أيام العدد الأول من ملحق فصلي تصدره مجلة المستقبل العربي عن مركز دراسات الوحده العربية في بيروت يحمل عنوان «السينما العربية»، ويرأس تحريره الناقد الكبير إبراهيم العريس، وتتألف هيئتها الاستشارية من نخبة متميزة من النقاد العرب منهم د. أمل الجمل (مصر)، وخليل الدمون (المغرب)، وفيكي حبيب (لبنان)، ومحمد رضا (الإمارات)، وغيرهم.

يأتي إصدار المحلق الفصلي عن «السينما العربية» في وقت ندرت فيه الإصدارات السينمائية المتخصصة في العالم العربي، والتي تحتوي على مقالات ودراسات مطولة عن سينمات لها خصوصيتها أو عن قضايا سينمائية شائكة.

ويحتوي العدد الأول من «السينما العربية» على 12 باب مفردة على 144 صفحة من القطع الكبير، ويتضح تكامل الأبواب الرئيسية التي يرجى استمرار سيرورتها على نفس المنوال.

جاء الباب الأول تحت عنوان «الفيلم»، وتعرض بشكل جامع إلى أحدث أفلام المخرج الكبير محمد خان «فتاة المصنع»– الذي مثل مصر في ترشيحات الـ «أوسكار» غير النهائية ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي- حيث كتب الناقد السينمائي المصري أحمد شوقي مقالا عن الفيلم، كما نُشر في نفس الفصل حوارا مطولا وشاملا مع المخرج محمد خان أجراه الناقد السينمائي اللبناني هوفيك حبشيان.

أما محتوى الباب الثاني الذي اندرجت مادته تحت عنوان «أفلام وأقلام» فقد سرد ما خطته أقلام عدد من النقاد العرب حول أفلام «فتاة المصنع»، و«السطوح»، و«أم غايب»، و«موج».

ولم تقتصر متابعات وتحليلات العدد الأول من «السينما العربية» على الأفلام العربية فقط وصناعها. بل جاء فصلا كاملا حمل عنوان «الجوار» دراسة نقدية متميزة عن السينما الكردية كتبها الناقد إبراهيم حاج عبدي.

 كما ألقى الباب السادس الذي حمل عنوان «أصوات من الخارج» الضوء على الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان بول سارتر وعلاقته مع فن السينما، واحتوى الباب أيضا على ترجمة لنص مداخلة ألقاها المخرج الأمريكي جوزف مانكفيتش حول أيام المكارثية، وعن الدور الذي أداه وقتذاك.

اهتمت «السينما العربية» بمناقشة الانتاج السينمائي العربي، الذي كان أوج أزدهاره مع اضطلاع الدولة في دعمه، فخصصت ضمن ملف عددها الأول، والذي جاء تحت عنوان «القطاع العام في السينما العربية، ما له وما عليه» حيث كتبت فيه د. أمل الجمل عن «تجربة القطاع العام في السينما المصرية» وإنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما، حيث تتبعت مسارها التاريخي بتفصيل تحليلي قام بتفنيد إيجابيات التجربة وعرض ما حققته من إنجازات، وما لحق بها بعد ذلك من إخفاق، وأسبابه. كما كتب الناقد العراقي قيس سالم عن «دور القطاع العام في السينما العراقية»، وكتب أيضا الناقد السينمائي الفلسطيني بشار إبراهيم عن «تجربة القطاع العام في السينما السورية»، أما التجربة المغربية فكتب عنها الناقد خليل الدمون تحت عنوان «الدعم السينمائي الرسمي في المغرب بين الفعالية والمحدودية».

وعرضت كذلك «السينما العربية» ملفا هاما، وقامت أيضا بإثارة قضية. حيث ناقش الفصل العاشر قضية العدد التي تناولت «أسئلة المهرجانات السينمائية العربية» التي وصفت كثرة عددها بالجعجعة، وعبرت عن حالة صناع السينما العربية ومتابعيها المنتظرين طحنها.

الجرعة النقدية الدسمة التي تفتح شهية القاريء نحو المزيد من التعمق والقرب من فن السينما (نظريتة وتقنية) تبعها جرعة تعليمية متميزة من خلال البابين الأخيرين. حيث عرض الباب الحادي عشر كتاب «مدرسة الإسكندرية للتصوير السينمائي» لإبراهيم الدسوقي وسامي حلمي، قدمه الناقد اللبناني محمد رضا.

وتحدث الباب الثاني عشر عن تجربة «المدرسة العربية للسينما والتليفزيون». وجاءت الصفحة الأخيرة مضيئة بصورة الفنانة القديرة الراحلة فاتن حمامة في لقطة من فيلم «دعاء الكروان»، وداعا من أسرة اصدار «السينما العربية»لسيدة الشاشة العربية رحمها الله.

إن ميلاد إصدار سينمائي نقدي برصانة الملحق الفصلي لـ «السينما العربية»، حدث يستحق الاحتفاء به، فلطالما جاءت عشرات التوصيات من النقاد العرب في الفعاليات السينمائية المتعددة على أهمية تشجيع صدور المزيد من المجلات السينمائية النقدية بما لذلك من أثر إيجابي عام يشمل المشاهدين والمتخصصين في آن واحد.

وتهنىء «سينماتوغراف» وتعبر عن بهجتها مع جميع أفراد أسرتها، بصدور أول أعداد «السينما العربية»، وترحب بها كإصدار شقيق وعزيز نطمح في استمراره، ليضيف الي حراك السينما وصناعة الأفلام في المنطقة الكثير، ونتمنى أن ينال ثقة القاريء العربي.

«سينماتوغراف»

سينماتوغراف في

01.05.2015

 
 

«مهرجان طرابلس للأفلام» يزحف إلى باب التبانة وجبل محسن

افتتاح دورته الثانية بمشاركة 39 فيلمًا من 23 بلدًا

بيروت: «الشرق الأوسط»

«مهرجان طرابلس للأفلام» له مذاق آخر ومعنى مختلف. انطلاقة دورته الثانية يوم أول من أمس تغلبت على تحديات كبيرة كانت قد واجهت المنظمين في السنة الأولى، ومع بداية جاءت في ظروف حالكة لمدينة تعيش أجواء حرب وعنف مستمرين منذ ست سنوات.

توقفت المعارك في طرابلس، وجاء الافتتاح هذه السنة مزهوًا برائحة انتصار الفن على الخراب. أعلام الدول المشاركة ترفرف أمام «مركز الصفدي الثقافي»، والسجادة الحمراء امتدت أمام المدخل الرئيسي لاستقبال الضيوف من لبنانيين وغربيين. بين هذا المركز الذي بات عنوانًا للنشاطات على مدار العام و«بيت الفن» أو ما بات يعرف بـ«مركز العزم الثقافي» بمناخاته التراثية ستتوزع العروض على مدار سبعة أيام، وفي «جامعة بيروت العربية» يوم كامل سيخصص لموضوع «المرأة والنزاعات» عروضًا ونقاشات وضيوفا.

39 فيلمًا من 23 بلدًا من أصل 189 فيلمًا وصلت للمهرجان، يتم عرضها هذه السنة، مقابل 30 فيلمًا من 15 دولة العام الماضي. الافتتاح مساء الخميس تخلله عرض ثلاثة أفلام من خارج المنافسة، بدأت بفيلم التحريك السويسري القصير والجميل ذي النفحة السوريالية «أوباد» لمخرجه مورو كارارو، وهو يعرض للمرة الأولى في بلد عربي. وعرض أيضا الفيلم اللبناني القصير «ريفولت تانغو» بحضور ممثلته ندى بوفرحات ومخرجه إيلي كمال. الفيلم مؤثر يختلط فيه رقص التانغو بين زوجين بالإحساس بالعنف الدائر خارج البيت والمطل من شاشة التلفزيون. الممثلة بوفرحات عبرت عن فرحتها بوجودها في طرابلس، وهذا المهرجان بالذات بكل ما يمثله، وخصوصا أن الفيلم ليس بعيدًا في أحداثه عما يدور في المدينة. كما عرض فيلم التحريك القصير «سانتا» للمخرجة الإكوادورية كارلا فالنسيا، حول نضال المرأة في أميركا الجنوبية. وكذلك عرض تسجيل دعائي لفيلم «يللا عقبالكن» الذي سيعرض بأكمله في اليوم الذي يلي الافتتاح، بحضور الأبطال والمخرج إيلي كمال والمنتجة نيكول عرقجي في قاعة مسرح مركز الصفدي الثقافي.

وكان إلياس خلاط، رئيس «تيربولي فونديشن» ومنظم المهرجان، قد وصف ما تشهده طرابلس من أنشطة متوالية بأنه «ربيع طرابلس المميز»، وذكّر بأن أحدًا لم يكن ليصدق العام الماضي أن هذا المهرجان السينمائي سيبصر النور، شاكرًا المتطوعين الذين يعملون على مدار العام، لإنجاح هذه التظاهرة، باعتبارها مقاومة لمركزية الثقافة. كما قال خلاط: «إن شعارنا هو ورقة زهر الليمون التي نتمنى أن تبقى تزهر رغم أن المدينة فقدت الكثير من هذه الأشجار».

ومنذ السنة الفائتة كان حلم المنظمين للمهرجان عرض أفلام في منطقتي النزاع الشهيرتين: باب التبانة وجبل محسن اللتين شهدتا معارك دامية طالت مئات الضحايا طول ست سنوات، وتوقفت العام الماضي، لكن الظروف الأمنية السيئة اضطرتهم لإلغاء العروض التي أعلن عنها في اللحظات الأخيرة. هذا العام ستتحقق الآمال، وإلى جانب سينما الأهرام التي أغلقت منذ زمن بعيد، ستعرض في الرابع من مايو (أيار) ستة أفلام في الهواء الطلق: «أوباد»، «حكاية زينب»، «استوديو بيروت»، «بو لولاد» و«عكر»، والأفلام نفسها بدأ الاستعداد لعرضها يوم 6 مايو في «الريفا» التي كانت واحدة من أخطر المناطق في جبل محسن خلال المعارك.

ليلى تيشوري ألقت كلمة بلدية طرابلس مشددة على الدعم لكل من يساهم في تنمية المدينة وإعادتها إلى ألقها. كما ألقت نهاد يونس كلمة وزارة الثقافة التي لفتت إلى أهمية تنظيم نشاط مميز كمهرجان الأفلام في المدينة، داعية إلى الاستمرار في هذه الفعاليات الثقافية، ولافتة إلى أن طرابلس كان فيها 30 دارا للسينما، انتهت إلى الإغلاق، وأن الصورة الواحدة على الشاشة أبلغ تأثيرا من عشرة آلاف كلمة، بحسب القول الصيني.

ويواكب المهرجان معرض ملصقات وبطاقات فنية للأفلام المشاركة في المهرجان، وذلك في قاعة المعارض في مركز الصفدي.

الشرق الأوسط في

01.05.2015

 
 

فيلم « آخر الفرسان»

يجمع مورغان فريمان وكليف اوين

يتابع عشاق الفن السابع في العديد من دول العالم. آخر أفلام النجم الأمريكي المتميز مورغان فريمان، ونجم البريطاني كلايف أوين، والذي يحمل عنوان «آخر الفرسان» وهو من اخراج الياباني كازواكي كيريا. ويمتد زمن عرض الفيلم، الذي ينتمي لنوعية أفلام المغامرات والاثارة والدراما الحروب، لما يقترب من ساعتين، وكتب له السيناريو والحوار كاتبي السيناريو مايكل كونيف ودوف سوسمان ويتقاسم البطولة مع فريمان النجم البريطاني كلايف أوين. ويضم فيلم «آخر الفرسان»، الى جانب فريمان وكلايف، الكثير من الممثلين الذين ينتمون الى العديد من البلدن، منها النرويج ونيوزيلاند وايران وكوريا الجنوبية، وتم تصوير أحداث الفيلم في غابات جمهورية التشيك. يقوم فريمان في الفيلم بدور «بارتوك»، في حين يقوم أوين بدور «رايدن». وتدور أحداث الفيلم في العصور الوسطى، في احدى الامبراطوريات القديمة غير المعروفة، التي تحكمها التقاليد الاقطاعية البالية والسياسة العنصرية، ويتحكم فيها أحد الحكام الغطاة، الذي لا يتورع عن ممارسة القتل يميناً ويساراً. ويتمحور الفيلم حول الفارس النبيل والماهر رايدن الذي يعمل كحارس ومستشار مخلص في خدمة أحد النبلاء «بارتوك»، وهو معلمه وناصحه في ذات الوقت. يجبر ذلك الحاكم النبيل بارتوك على الخضوع لسلطته الفاسدة وتقديم فروض الولاء والطاعة والرشوة أيضاً. وبالطبع يرفض بارتوك هذا الأمر الذي لا يستقيم مع حياته وأخلاقه، الأمر الذي يعتبره الحاكم خروجاً على سلطته وعصياناً يستوجب عقوبة الاعدام. وبالفعل بعد العديد من التطورات الدامية يتم اعدام بارتوك، الأمر الذي يدفع الفارس النبيل رايدن الى الشعور بالذنب الشديد والتقصير، لاسيما بعدما تعرض بيته للدمار وتشردت أسرته، فيضطر رايدن، بعد عام كامل من الحزن والضياع والتشتت، الى خوض غمار معارك دامية ضد هذا الحاكم الظالم للقضاء عليه وعلى أفعاله وفي نفس الوقت الاقتصاص لاعدام سيده ومعلمه.

النهار الكويتية في

01.05.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)