كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

حكايات مهرجان «ترايبيكا» تمحورت حول الآباء والأبناء وألفة المسافرين في قطار

فيلم من إنتاج «الجزيرة أميركا» ضمن المسابقة

نيويورك: محمد رُضا

 

لا يحفل مهرجان «ترايبيكا» بجوائز تهز الدنيا كما حال «كان» أو «برلين»، أو عدد ضئيل آخر من المهرجانات الدولية، لكنه يبقى واحدًا من تلك المناسبات السينمائية التي تثري مدينة نيويورك وضواحيها (يقام في ضاحية ترايبيكا لكن يؤمه جمهور من كل أطراف المدينة) التي انطلقت مباشرة في أعقاب هجوم 9/11 لأجل إثبات أن المدينة تستطيع الحفاظ على هويّتها الثقافية والحضارية على الرغم من العملية الإرهابية.

وإذ انتهت أعماله في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، فإن من اشترك فيه من السينمائيين وجد نفسه في احتفاء يستحق التقدير. «ترايبيكا» ليس المهرجان النيويوركي الوحيد، بل هناك حفنة منها أهمها «مهرجان نيويورك» و«مهرجان مخرجون جدد - أفلام جديدة»، لكنه استطاع في سنوات قليلة أن يتبوأ قدرًا عاليًا من الاهتمام وسط الحقلين الثقافي والفني لمدينة دائمًا ما عُرفت بثرائها في هذين المجالين.

القيمة الإجمالية للجوائز بلغت 175 ألف دولار وتوزّعت على ثلاث عشرة جائزة في مجال الفيلم الطويل وست جوائز في مجال الفيلم القصير. وأبرز الأفلام الفائزة «جبل عذري» وهو إنتاج مشترك ما بين آيسلندا والدنمارك، ونال جائزة أفضل فيلم روائي طويل، و«ديمقراطيون» الدنماركي الذي حصد جائزة أفضل فيلم تسجيلي. أفضل ممثل هو بطل «جبل عذري» واسمه غونار جونسون، وأفضل ممثلة هي الأميركية هانا موراي عن دورها في «بريدجإند»، وهو أيضا له جذور اسكندنافية من حيث إن نصف تمويله جاء من الدنمارك، والنصف الثاني بريطاني على أميركي.

جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى زاكاري تريتز عن فيلمه التاريخي «رجال يذهبون إلى المعركة»، تقع أحداثه خلال الحرب الأهلية الأميركية.

عشرة أفلام من تلك المعروضة، بما فيها بعض تلك الفائزة، استوقفتنا على نحو أو آخر. كأي مهرجان حافل لا يمكن مشاهدة كل شيء حتى وإن لم يفعل المتابع شيئًا آخر سوى المشاهدة.

* آباء وأبناء

كان لافتا وجود فيلم من إنتاج محطة «الجزيرة أميركا» في مسابقة الفيلم التسجيلي. من مطلع الفيلم يركب المخرج ألبرت مايلس وفريقه قطار «إمباير بيلدر» المنطلق من الغرب والمتوجه جنوبًا على مدى ثلاثة أيام يمر خلالها بمدن وقرى وسهول وجبال وآبار نفطية. لقطاته خارج القطار في مجملها ساحرة، لكن همّ الفيلم الأول هو التقاط الحياة بين مجموع المسافرين الذين لا يعرف أحدهم الآخر. كل راكب هو في هذا القطار طالب وجهة مختلفة في ذاتها حتى وإن نزل في المحطة نفسها. كل منهم يعكس ذاتًا مختلفة حين سؤاله لماذا هو في هذا القطار. لكن ليس كل المقابلات تتم بين الشخصيات وبين الكاميرا، بل معظمها التقاط حي لما يدور بين الغرباء مع تسجيل ذلك القدر العالي من الألفة والمودّة بين الناس. هناك رجل يسجّل بكاميرته الراكبة الحامل التي تعود إلى أهلها ليكونوا لجانبها حين الوضع ويعلّق: «هي ستغيب، لكنها في ذاكرة هذه الكاميرا».

تلك الألفة نجدها كذلك في «ميدولاند» لريد مورانو (مثل سايلس هو مدير تصوير أيضا). إنها ما يبحث عنه الزوجان لوك ولسون وأوليفيا وايلد. لكنهما لن يجدانها بسهولة. حياتهما تبدّلت منذ اختطاف ابنهما قبل نحو سنة، إذ بغيابه تلاشى الكثير من أسباب الهناء بينهما كما بينهما وبين باقي العالم. يلتقط الفيلم محاولتهما الخروج من تلك العزلة التي عاشاها منذ ذلك الحين، لكنه يسجل كيف أن هذه المحاولة محفوفة بالمخاطر، إذ تزيد الانقسام الحاصل صمتا بينهما. دراما جيّدة لمخرج جديد جاء من خلفية التصوير وكله رغبة في تسجيل تفاصيل المشاعر عوض إطلاقها في موجات من الفعل وردود الفعل الكبيرة.

وهناك دراما أخرى تبحث في العلاقات الأسرية مجسدة في فيلم «مفكرات أدرأول» لباميلا رومانوفسكي. هنا يلعب جيمس فرانكو (الذي لديه فيلم حالي في الأسواق عنوانه «قصّة حقيقية») دور كاتب حقق نجاحًا في أول عمل له الذي استخلص مادته من ذكرياته حول ما تعرّض له من تعنيف وسوء على يدي والده (إد هاريس). الآن وبعد النجاح الأول لا يجد ما يكتبه ويبيعه لكنه يهتدي إلى قضية رجل (كريستيان سلاتر) متهم بقتل زوجته. يجدها (كما في «قصّة حقيقية» وإن لعب فرانكو هناك دور القاتل) فرصة ذهبية لتحقيق نجاح آخر. ما يعوق كل شيء انهياره عندما يتعرّف على صحافية (أمبر هيد) كاشفًا عن مدى الجراح التي ما زالت تنتابه من جراء خلفية الحياة العائلية التي شهدها. الفيلم داكن وغير متوازن. إد هاريس أفضل ما فيه، بينما لا يزال جيمس فرانكو يبحث لنفسه عن صورة.

* حدث خلال الحرب

وفي منحى آخر من علاقة الآباء والأبناء نجد «إرث نازي: ما فعله آباؤنا». هذا فيلم تسجيلي آخر، وله علاقة بالآباء والأبناء والتاريخ. المخرج ديفيد إيفانز يسرد ما حدث للمحامي اليهودي فيليب ساندز عندما التقى برجل أكبر منه سنّا اسمه نيكلاس فرانك. والد نيكلاس كان من بين من أمرت محكمة نورمبيرغ بإعدامهم معتبرة إياه شريكًا في جرائم حرب وعن طريق نيكلاس تعرّف المحامي على هورست فون ووشتر الذي أدين والده أيضا بتصفية اليهود. يتابع الفيلم علاقة هؤلاء بعضهم ببعض وكيف راقب المحامي ردّ فعل كل منهما حيال التهمة التي لصقت بوالده وموقفهما اليوم من تلك الذكرى. على الرغم من انضمام الفيلم، في نهاية مطافه، إلى كل تلك الأفلام التي ما زالت تريد محاسبة أبناء اليوم على أخطاء الأمس، هناك منوال عمل مثير للاهتمام، لكن عناصر الاهتمام بالموضوع تتساقط بالتدرج لتضمحل عن عمل عادي.

«حلم - قاتل» هو فيلم تسجيلي آخر عن العلاقة بين الآباء والأبناء، الفيلم السابق («مفكرات أدرأول») يجدها مهزوزة، لكن «حلم - قاتل» يمنحها ما تستحقه من إضاءة إيجابية. الواقعة حدثت في مدينة كولومبيا (ولاية) ميسوري عندما تدخلت عوامل عدّة للحكم على شاب اسمه رايان بارتكاب جريمة قتل. المخرج أندرو جنكز يوفر من البداية دلائل على تعسّف هذا الحكم وبراءة الشاب، لكنه يتمحور حول الأب وبذله وعناده في سبيل البرهنة على أن ابنه لم يرتكب أي جريمة. لم تكن المساعي المبذولة سهلة التحقيق ولا نتائجها كانت من النوع الذي نشاهده في المسلسلات التلفزيونية (تتحقق في ساعة). يجعل الفيلم مشاهديه يدركون سريعًا أن بعض الناس ليس لديهم في العالم بأسره من يقف لجانبهم في المحن سوى آبائهم.

في «رجال يذهبون إلى المعركة» ينتقل المخرج زاكاري تريتز إلى عام 1860 حيث يقدّم لنا شخصيتي شقيقين (تيم مورتون وديفيد مالوني) يعيشان في بلدة صغيرة في ولاية كنتاكي في كنف الحرب الأهلية الدائرة. هذا ليس سهلا على أحد، وأحدهما لن يستطع البقاء مستقلاً عن تلك الحرب، بل سيلجأ إليها، ولو أن لجوءه له علاقة بطبيعته الشخصية وليس بأي من الموقفين السياسيين اللذين كانا السبب في وقوعها.

فاز «رجال يذهبون إلى المعركة» بجائزة أفضل مخرج، كما تقدّم. بدوره تمتع الفيلم الذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي، وهو «جبل عذري»، بتقدير كبير منذ أن عرض سابقا في مهرجان برلين (خارج المسابقة). موضوعه معالج ببعض الرقّة والكثير من التفهم: رجل ضخم الجثة يحمل قلبًا عاطفيًا ويبلغ من العمر 43 سنة، لكنه لا يزال عذريًا لم يمارس الحب بعد. مانعه نفسي وعاطفي إلى جانب أن أحدًا لا يريد الاقتراب من رجل يوحي، بسبب حجمه، بأنه أبعد ما يكون عن الرومانسية. يعلم المشاهد ما ستؤول إليه الأحداث عندما يتعرّف على فتاة ضئيلة الحجم لا تخشاه وتفهم أعماقه في الوقت الذي لديها ما يعكّر نفسيتها أيضًا. على ذلك هناك معالجة جيّدة وإنسانية لهذه التوقعات تخدم رغبة الفيلم في تقديم شخصيات غير مألوفة.

شاشة الناقد

(1*)Avengers: Age of Ultron

إخراج: جوس ويدون - تمثيل: مارك روفالو، روبرت داوني جونيور، كريس إيفانز، جيريمي رَنر، كريس همسوورث، سكارلت جوهانسن - (الولايات المتحدة).

هناك الكثير جدّا مما سيعجب المشاهدين حول العالم (ونحن العرب بينهم) في «المنتقمون: عصر ألترون»: المعارك ذات الوقع الشديد، المؤثرات الخاصّة التي تبرق وتلمع وتأتي مصحوبة بالضجيج الملائم، الشخصيات البطولية التي لكل منها وظيفة محددة وجميعها تلتقي في جهد دؤوب لإنقاذ أهل الأرض العزّل من الخراب والدمار الذي يزمع «ألترون» القيام به. ألترون ليس معلبات سردين، كما قد يوحي الاسم، بل برنامج كومبيوتر يستولي على كل شيء. يتحوّل إلى خطّة لتدمير الأرض بعدما فشلت قوى أخرى عديدة، في أفلام لا حصر لها، في تدميرها. يقول في البداية، وقد خرج من شرايين النظام ليصبح كائنًا أزرق اللون، إنه جاء للسلام لكنه غيّر رأيه لاحقًا.

بصرف النظر عن أسبابه الداعية، ليس الأمر سوى ذريعة. كل فيلم من هذا النوع بحاجة إلى شرير بهذا الحجم. «ألترون» وأتباعه من المخلوقات الزرقاء أيضًا سيواجهون أبطالنا ذوي القدرات الهائلة.

وفي هذا الفيلم تحديدًا على الشرير أن يكون قادرًا على مواجهة أكثر من «سوبر هيرو» واحد: لدينا ثور (كريس همسوورث) وكابتن أميركا (كريس إيفانز) وآيرون مان (روبرت داوني جونيور) و«ذا هلك» (مارك روفالو الذي تزداد مساحته هنا بعدما ترك أثرًا إيجابيًا في الجزء السابق) ثم رامي السهام (جريمي رَنر) و«الأرملة السوداء» (سكارلت جوهانسن) التي تقع في حب مارك روفالو (في نسختيه) وتعترف له بأنها لا تستطيع الإنجاب. المفاجأة هي أنه أيضًا لا يستطيع الإنجاب. يغيب عن المشهد الناي الحزين.

من أسباب الإعجاب المحتملة، على هوان تلك الشخصيات وتقليدية الحكاية بأسرها، المعارك الكثيرة التي تقع بين دفّتي هذا الفيلم. ليست جميعها بين الأبطال والأشرار، بل أحيانا بين الأبطال أنفسهم: ثور يمسك آيرون مان من رقبته كما لو كان يقبض على عنق دجاجة. وهناك معركة كبيرة بين «ذا هلك» وبين آيرون مان. كيف يمكن أن يوازن المخرج بين بطلين يحبّهما الجمهور؟ بسيطة: لقاء كل ضربة يوجهها أحدهما للآخر هناك ضربة موازية، ولقاء كل سقوط لأحدهما هناك سقوط للآخر.. بذلك لا يزعل أي من الممثلين ولا يغضب مؤيدو أحدهما ويفرح مؤيدو الآخر. والمخرج ماهر في هذه الاستخدامات وعلى كل ما تحمله من توقعات وشحّ في الخيال فإنها تفعل فعلها على نحو «ضربة منك ضربة مني» مع العلم بأنهما سيحاربان بعد حين جنبًا إلى جنب.

يتطلب الفيلم في بدايته التركيز وإلا مرّت الدقائق العشر الأولى وفيها السبب الذي من أجله ستقع باقي الأحداث في ساعتيه. لكن الخطر هو أنه حتى مع حسن التركيز، تجد من الثغرات ما يكفي لكي يطير منها ما تم استيعابه وسرد الفيلم على أساس أن تلاحق الأحداث كبيرة وضاجة ومتدحرجة كفيل بالتعويض عن قصور الفيلم في تحديد ما هو ولماذا هو. يحاول المخرج حك سطح الشخصيات إنسانيًا من حين لآخر، لكنه يعلم أن عليه أن يرمم كل شيء مجددًا لأن الجمهور لا يكترث فعليًا لمواقف لا قتال فيها، إلا إذا كانت تمهيدًا لمعركة لاحقة. الإنتاج ضخم وكل دولار مصروف عليه متمثّل على الشاشة بلا ريب. لذلك «المنتقمون» حدث بارز في هذا النوع من السينما تحديدًا.

مفكرة

* قبل التصوير:

* في مطلع شهر يونيو (حزيران) المقبل يبدأ المخرج الفرنسي إكزافييه دولان تصوير فيلمه الجديد «فقط نهاية العالم» بين فرنسا وكندا. تتوزع البطولة على ماريون كوتيار ونتالي باي وفنسنت كاسل. الفيلم مأخوذ عن مسرحية لجان - لوك لاغارسي.

* في التصوير:

* سكوت إيستوود، ابن أبيه كلينت، يواصل تصوير «فريق الانتحار» الذي يحمل طابعا تشويقيا - سياسيا ويخرجه ديفيد آير. البطولة النسائية لمارغوت روبي التي شوهدت مؤخرًا في «فوكاس»، وبن أفلك.

* بعد التصوير:

* «فتاة في مثل عمرها» فيلم برتغالي من مارسيو لارانجيرا حول امرأة تؤديها ماريانا سامباو تنطلق باحثة عن معنى لحياتها. يلي هذا البحث قرارها بترك العاصمة والعودة إلى القرية التي جاءت منها. وصف الفيلم بأنه دوكيودراما كون الممثلة سامباو تؤدي دورها في الحياة.

DVD

Ashes and Diamonds (4*)

إخراج: أندريه فايدا - (بولندا – 1958)

منذ سنوات شهرته الأولى، عمد المخرج البولندي فايدا للاختلاف عن أترابه الذين سارعوا لتمجيد سنوات المقاومة ضد الاحتلال النازي. إنه لن يرفع العلم الأحمر، بل سيسرد، عوض الحكايات الوطنية الخلابة، بعض القصص الإنسانية. هذا هو الجزء الثالث من ثلاثية فايدا حول تلك الحرب التي وضعت، مع مطلع الفيلم، أوزارها. خلال الحرب، كما مهّد المخرج في فيلميه السابقين «جيل» و«قنال»، تآلف البولنديون ضد الاحتلال. الآن يتنازعون ما يبرز دور قصّة حب جانبية بين شاب وفتاة كل منهما ينتمي إلى أحد الفريقين المتنازعين.

(1*) لا يستحق - (2*) وسط - (3*) جيد - (4*) ممتاز - (5*) تحفة

المشهد: كلمة منك كلمة مني

* أين يقف الناقد السينمائي (أو الأدبي أو المسرحي والفني إلخ..) من قضايا ثقافية ماسّة تحيط بالمجتمع الذي يتوجه إليه؟ هل عليه – مثلا - أن يضرب على الطبل المثقوب محذّرًا دومًا من آثار عدوان الإنترنت على العقول، مدركًا أن أحدًا لن يأبه بتحذيره؟ أم أنه سيكف متراجعًا على نحو من قال كلمته ومشى، أو سيقرر الانضمام إلى، كما يقولون بالإنجليزية، «النادي الرابح»؟

* في حين أن بعض النقاد السينمائيين كانوا قرروا الالتزام بأدواتهم الكتابية والتعبيرية السابقة والابتعاد عن التكنولوجيا كما لو كانت إثمًا خالصًا، وهو موقف خاطئ، أقبل عليه بعض آخر بكل ما لديهم من عنفوان ونشاط، وباتوا يستخدمون الـ«فيسبوك» و«تويتر» والوسائل المتاحة (وهناك جديد فيها على الدوام) كل يوم، وهذا أيضا خطأ.

* الخطأ الأول يكمن في أننا مدعوون إلى مواكبة العصر بلا ريب إلا في حالة واحدة: ألا يكون الناقد عضوًا فاعلاً في الإعلام اليومي. إذا كان مستقلاً ماديًا ويستطيع أن يتوقف عن الكتابة لقاء أجر، فإنه يستطيع أن يقطع تذكرة ذهاب فقط إلى حيث يريد. يؤلّف الكتب أو يتفق مع صحيفة على النشر له مجانًا لقاء عدم مطالبتها له بأن ينتمي إلى الجيل الحديث من وسائط التواصل. أما إذا كان عليه البقاء فاعلا في الصحافة فلا مهرب له إذن من الاشتراك في الوسائط التقنية العصرية. هذا لم يعد اختياره.

* الخطأ الثاني أفدح: إلى جانب نشوء مجموعة كبيرة من «كتبة الرأي» الذين لم يشعروا بأي حرج من جراء استخدام كلمات مثل «ناقد» و«محلل» و«باحث»، هناك اقتناع لدى البعض بأن أحدًا لم يعد يقرأ الصحف والمواد الثقافية بالتحديد، وبالتالي فإن عليه أن يقفز إلى عرين الأسد ويطرح نفسه كناقد ومحلل وباحث وصاحب نكتة.

* أمضيت الأسبوع الماضي أيامًا أستشرف فيها الـ«فيسبوك» وما يجول فيه وعليه. أردت معرفة ما إذا كنت على خطأ في تجنّب التعامل معه لأكثر من عشرة في المائة حجمًا. ذلك فتح عينيّ على حقيقة أن معظم ما قرأته بقلم بعض الزملاء (وهم جيدون في ما يكتبونه في الصحف) لا يزيد عن الهذر. والهذر يجلب الهذر المقابل، ذلك الآتي من القراء.

* فجأة انتقل التفاعل مع الكلمة من عملية النقد السينمائي، التي هي عملية ثرية ثقافية - فنية بالمعرفة، إلى منوال «كلمة منك وكلمة مني». سؤال حول كيفية ترجمة عبارة «Pulp Fiction» تتحوّل إلى حملة إعجاب. كل ما هو مطلوب أن تنقر صورة الإبهام المرتفع صوب أعلى فوق كلمة «Like».

* بالمناسبة، الرد لم يشرح لكنه اكتفى بطلب استخدام الكلمة الإنجليزية بأحرف عربية، وهو طلب في مكانه، لكنّ قليلا من الشرح حول أصل العبارة كان مطلوبًا. هذا الجزء من عملية التثقيف هو الذي يمنح الناقد سببًا لوجوده ناقدًا.

في نهاية مقالة حول النقد ونقاد اليوم كتبها ناقد مجلة «تايم» الراحل، قبل أسبوع، ريتشارد كورليس، قال واصفًا مبدأ «Like»: «هناك القليل من المخ والكثير من الإبهام»، وهذا هو بعض ما يحدث لنقاد اليوم.

الشرق الأوسط في

30.04.2015

 
 

(الفروج) .. أو حينما يصيح الديك بالكوميديا

المصطفى الصوفي

يظل حضور الكوميديا في السينما المغربية محدود للغاية، بل شبه مُغيَّب، حيث لم تستطع حتى الآن زمرة من الممثلين، فرض وجودها بشكل كبير على الساحة السينمائية، باستثناءات نادرة، عكس عدد من التجارب السينمائية في العالم العربي، وبخاصة، في السينما المصرية، التي قدّمت خلال مسيرتها الطويلة، الكثير من الأفلام الكوميدية الرائعة، تماهى معها الجمهور، صفق لها، وفضلها عن باقي الألوان الفيلمية الأخرى.

الأمر هنا في الساحة السينمائية المغربية، لا يتعلّق بعدم وجود ممثلين كوميديين قادرين على إضحاك الناس، أو بمخرجين، يستطيعون نقل الفرجة من المسرح إلى السينما، بل إن المسألة يمكن أن تكون مركبة، وصعبة المراس على أساس أن المسرح شيء، والسينما شيء آخر، وليس هو ما يتوهمّه بعض الكوميديين، الذي حاولوا، نقل شطحاتهم وقفشاتهم، من المسرح أو التلفزيون، إلى السينما، لكنهم للأسف فشلوا في ذلك، ولم يمنحوا للمتلقِّي السينمائي تلك المساحة الممتعة من الفرجة التي يبحث عنها.

فركوس وحكاية الديك

عبد الله فركوس، فنان كوميدي بامتياز، وأيقونة مسرحية، تتحدر من مدينة مراكش، الشهيرة، بفنونها التراثية العريقة، وموروثها الشعبي الأصيل، استلهم، إبداعه الكوميدي مسرحا وتلفزيونيا، من خفة دم المراكشيين، المشهود لهم بالحيوية والنكت الساخرة، فنجح في استمالة الجمهور إليه، من خلال العديد من الأعمال التي لاقت اهتمام المتتبعين، وهو ما حدا به إلى دخول غمار تجربة سينمائية فريدة من نوعها، كان موضوعها هو الديك،(الفروج) بالدارجة المغربية، هذا الطائر الأليف، الذي يبيت في الخم عند مغيب كل شمس، لكنه يستيقظ باكرا، فيصيح عند كل فجر، وتلك كانت بداية أولى المشاهد السينمائية الكوميدية، التي ميزت وقائع فيلمه الطويل (الفروج) والذي يُعرض حاليا في القاعات السينمائية المغربية، ويحقق أعلى الإيرادات منذ طرحه لأول مرة خلال شهر فبراير الماضي.

شريط (الفروج)، حكاية ساخرة، مصاغة في قالب كوميدي رقيق ومرح، عن جملة هموم وقضايا اجتماعية، تُساءل الذات والآخر، وتبحث لها عن حلول، بطريقة مرحة، لكنها في الأساس، تلامس مواضيع غاية في الأهمية، ورسائل قوية موجهة إلى من يهمهم الأمر. هذا الشريط هو من سيناريو وحوار عبد المولى التركيبة وعبد المجيد المهدوبي، ومن بطولة عبد الله فركوس وبشرى اهريش.

كوميديا بوجمعة وميشال

تتمحور قصة الفيلم الذي تناهز مدته ساعتين، وهو من نوع الأفلام العائلية الذي يتناسب والذوق العام، حول شخصية "ميشال" المواطن الفرنسي الذي استقر في مراكش وأنشأ مشروعا سياحيا، يتمثل في دار للضيافة، لاستقبال السياح بأحد أحياء المدينة العتيقة، وشخصية بوجمعة وزوجته بشرى اهريش، رب الأسرة المغربي يهوى تربية الطيور، ومنها (الفروج)، والموسيقى الأندلسية ويتاجر فيها، حرفته (روابزي)، أي صانع تلك الآلة التقليدية التي ينفخ بها في الفحم لإشعال نار المجمر، هاذين الشخصين جارين في الحي، لكن لكل واحد عاداته وتقاليده وثقافته في العيش والحياة، حيث أصبحا عدوّان، أحدهما لا يطيق الآخر، وذلك بسبب الصراخ والضجيج الذي يحدثه رواد دار الضيافة الذين يسهرون الليل حتى آخره.

وهذا ما أزعج كل سكان الحي، وعائلة بوجمعة، بالرغم من أن زوجته، وجدت في دار الضيافة وحلول الفرنسي، مناسبة مهمة لتحسين مدخولها، وذلك بعد أن أصبحت تصنع له الحلويات. من جهة ثانية وجد ميشال في صياح الديك عند الفجر، وهو الوقت الذي يريد فيه أن يخلد للنوم، بعد أن ينهي عمله في دار الضيافة، مصدر إزعاج لا يطاق، ما حدا بالطرفين، إلى رفع تظلمهما إلى القضاء للبتّ فيه، وهو ما يخلق نوعا من التنافر، بين الطرفين، وفتح الباب لأحداث كوميدية طريفة، لكنها تحمل الكثير من الإشارات والرسائل ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. في النهاية يحكم القضاء بأن كل واحد له الحرية المطلقة في سكنه وبيته ليبقى الديك يصيح مسببا إزعاجا لميشال، ولتبقى دار الضيافة ساهرة، تسبب الإزعاج لبو جمعة حينما يأوي إلى فراشه للاستيقاظ باكرا.

قيم المحبة والتسامح

من خلال هذا المعطى استطاع المخرج والممثل عبد الله فركوس، أن يجعل من تيمة الديك، حالة كوميدية خفيفة الظل، بين الطرفين، لكشف القناع عن عدد من التناقضات والعادات، والتقاليد والطقوس التي تميز كل طرف على حدة، الأجنبي الفرنسي المشبع بعادات أوروبية معاصرة، والمغربي المشبع بعادات وطقوس تقليدية، حيث كل واحد منهما لا يستطيع التخلي عن عاداته وطقوسه لصالح الآخر. كما أن أحداث الفيلم برمتها ما هي إلا صورة مصغرة عن احتكاك ثقافتين مختلفتين متصارعتين، ما يجعل الفيلم يتحول إلى مادة للفرجة الساخرة، والمتعة الكوميدية، الهدف منها في نهاية المطاف، هو الوصول إلى تقبُّل الآخر كيفما كان، فضلا عن نبذ الأفكار المسبقة والتعصب للفكرة الواحدة، والتضحية، وإبراز قيم المحبة والتعايش، مهما اختلفت العقائد والعادات والطقوس والثقافات، وذلك من خلال الكثير من المواقف بين الطرفين، لتحقيق مزيد من التفاهم والاندماج في المجتمع دون كراهية، ودون أي تطرف أو تعصب

لون صعب في السينما

عن هذه التجربة تقول بطلة الفيلم الممثلة المقتدرة بشرى اهريش في حديث خاص للجزيرة الوثائقية، أن تجربتها في هذا الشريط الكوميدي تبقى متميزة للغاية، وذلك بالنظر إلى أهمية حضور الفيلم القوي في الساحة السينمائية المغربية، والذي اختار الاشتغال على لون صعب في السينما وهو الكوميديا، وهو غالبا ما يصطدم مع جمهور، يدرك جيدا معنى أن تنتزع منه الابتسامة في مثل هذه المواقف، مؤكدة في نفس السياق أن الفيلم نجح في هذا الرهان، حيث ما يزال معروضا بالقاعات السينمائية محققا بذلك نسبة مشاهدة عالية فاقت التوقعات.

وأضافت اهريش انها ليست المرة الأولى التي تعمل فيها مع عبد الله فركوس في السينما، بل سبقتها تجارب سينمائية أخرى، ومنها أفلام (المكروم)، و(طريق مراكش) و(مسك الليل) و(آر بلوس 4) وغيرها.. موضحة ان فيلم (الفروج) معادلة سينمائية صعبة، بالرغم من بساطتها وتلقائيتها، وطرحها لقضية اجتماعية، وإنسانية، وكونية، وهي قضية التعايش واحترام الآخر وتقبُّله في قالب كوميدي ساخر، وهو ما يميز مدينة مراكش خاصة والمغرب عامة. وأبرزت في ذات السياق أنه لولا دعم القطاع الخاص، لما نجحت هذه التجربة، وذلك في ظل غياب وشُحّ الدعم من قبل القطاع العمومي، باستثناء دعم المركز السينمائي المغربي، سواء لمشاريع الأفلام أو للمهرجانات السينمائية التي تعمل على مواضيع وتيمات وقضايا مختلفة.

السينما وقضايا المجتمع

واعتبرت اهريش أن فيلم الفروج، يطرح في العمق أيضا، قضايا غاية في الأهمية، منها قضية الناس البسطاء والمساكين والدراويش، الذين يعيشون على الكفاف والستر، محافظين على تقاليدهم وتراثهم، وأصالة أجدادهم، وجانبا مهما ومغيبا لدى الكثير من التجارب السينمائية، ألا وهو قضية المرأة، وفي الفيلم تبدو المرأة خنوعة مستسلمة، هذا فضلا عن قضية أخرى، غاية في الأهمية تم الإشارة إليها، وهي قضية التعايش بين الأجناس والشعوب، مبرزة أن مدينة مراكش، التي تعتبر بوابة الصحراء المغربية، تضم جنسيات أجنبية متعددة بعقائدها وتقاليدها وثقافاتها، تتعايش فيما بينها بسلام.

كما أكدت أن الديك (الفروج) في الفيلم ما هو إلا ذريعة، ولغة سينمائية، وأحد الرموز الفيلمية من أجل الوصول والنقر على قضايا أكثر أهمية، وهي كما قلنا قضايا اجتماعية وثقافية مغربية، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بسيادة ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف سكان المدينة مغاربة وعرب وأجانب، في أمن وأمان وتآخي.

اهريش: الجوائز لا تهمني

وبخصوص مشاركة فيلم (الفروج) في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة، الذي يحتفي بالأفلام الجديدة، دون حصوله على جوائز، أكدت اهريش، أن ذلك يعود إلى لجنة التحكيم، التي تبقى لها صلاحية تتويج من تراه مناسبا، كما أن الجوائز لا تهمها، بقدرما يهمها التواصل مع الجمهور، وأن الجوائز ليست هي المعيار الحقيقي أو الوحيد على جودة الفيلم، وتساءلت في نفس الإطار كيف أن فيلم (جوق العميان) لمخرجه محمد مفتكر، خرج بخفي حنين في الدورة الأخيرة من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وحصل على الجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني للفيلم الأخير؟ 

يشار إلى أن فيلم (الفروج) يُعدّ التجربة الثالثة للمخرج عبد الله فركوس بعد فيلمه "خمم"، وهو باللغة الأمازيغية ثم فيلم (حب الرمان)، حيث يستعد الآن لشريط كوميدي طويل آخر، اختار له عنوان "بزطام الوزير" أي محفظة الوزير الخاصة بالنقود، لنفس المنتج مع عدد من نجوم السينما المغربية، وهو الفيلم الذي يراهن عليه الكوميدي المغربي على ترسيخ ثقافة الكوميديا في السينما، بعد أن فطن إلى أن صياح الديك، حين ينام العشاق، بعد سهرة صاخبة، قادر على تحقيق بعض أحلامه المؤجلّة في المستقبل.

الجزيرة الوثائقية في

30.04.2015

 
 

عودة إلى فيلم الأخوين باولو وفيتوريو تافياني بعد مرور قرن على مأساة الأرمن

«مزرعة القبرة».. الحب في مواجهــــة الأمر العسكري

المصدر: عُلا الشيخ ـــ دبي

طالبت الحكومة الفرنسية، العام الفائت، الحكومة التركية بضرورة الاعتذار عن مجزرة الأرمن، التي ارتكبت في العهد العثماني عام 1915، وبدورها طالبت الحكومة التركية الحكومة الفرنسية بالاعتذار عن ارتكابها العديد من المجازر في حق بلد المليون شهيد الجزائر، لأنها تصر على أن ما حدث مع الأرمن كان جراء الحرب العالمية الأولى، ومع مناسبة مرور قرن على ما حدث مع الأرمن مع المسميات العديدة التي لازمتهم كالمجزرة والمحنة والإبادة والمأساة، ورغم وجود تجاذبات سياسية حول اعتذار الحكومة التركية، ذهبت قصص المجازر خلف العناوين الكبرى لصفقات سياسية ومصالح بين الدول والأطراف، لكن السينما تأبى إلا أن تنتصر لأصوات هؤلاء وقصصهم وحقوقهم برواية ما حدث، من خلال صنع أفلام لا تعد بالكثيرة، مقارنة مع أفلام «الهولوكوست»، كان آخرها فيلم للمخرج التركي فاتيح أكين حمل عنوان «القطع»، وقد تناولته «الإمارات اليوم» سابقاً، أما اليوم فالحديث سيكون عن فيلم إيطالي للأخوين باولو وفيتوريو تافياني، حمل عنوان «مزرعة القبرة»، لعب دور البطولة فيه باز فيغا، أرسينة خانجيان، أليساندر بريزيوني، أنجيلا مولينا، والفنان الفلسطيني محمد بكري وأنتج عام 2007، ويعتبر من أكثر الأفلام وسطية، من حيث تناوله قضية الأرمن، وكل ما حدث معهم من ويلات.

منذ اللحظة الأولى للفيلم ينتابك القلق، مع أن المشهد موجود في قصر كبير، ومن الواضح أن من يعيش فيه من الطبقة الغنية، تجول الكاميرا مع طفل يحمل عنقوداً من العنب، وترى شخصيات القصر في غرفهم يمارسون حياتهم الطبيعية بين لهو ونوم، وتصل الكاميرا، أخيراً، إلى غرفة رجل عجوز يحتضر، يقترب منه الطفل، ويطلب منه تذوق العنب، نظرة هذا الجد لحفيده كانت مليئة بالذعر، يمرر العنب عبر شفتيه وينظر إلى النافذة، ويتهيأ له، ويجد الحفيد أن دماء غطتها، ويرحل الجد عن الحياة، مشهد لم يستطع الطفل تفسيره، لينتقل مباشرة إلى جنازته فهو شخصية أرمنية مرموقة من حيث الوضع الاقتصادي وحتى السياسي، فله علاقات وطيدة مع ضباط الجيش العثماني الذين حضر بعضهم جنازته، لكن الذعر الذي كان في قلب الطفل كان مماثلاً، عندما رآهم يقتربون من تابوت جده، هو الإحساس بشيء آتٍ، سيئ لا محالة.

تصوير مشهد الجنازة كان مقصوداً لتوضيح العلاقات الجيدة بين الأرمن والأتراك، على الأقل من الناحية الاجتماعية، تدرك في هذا الجنازة أيضاً علاقة الحب التي تجمع بين «نونيك» والضابط في الجيش العثماني، ولهذه العلاقة شأن في المشاهد اللاحقة.

الحكاية كلها تصب في عائلة أفاكيان، التي كانت تنتظر عودة الشقيق الأكبر من البندقية، لكن الموت بحقهم كان أسرع من هذا اللقاء، القلق الموجود في الفيلم يتمثل دائماً بالكلمات التي يرددها «آرام» رب العائلة لزوجته وأبنائه وشقيقته، بأنه ليس من الممكن أن يصيبهم أي مكروه، خصوصاً بعد الأخبار التي باتت تصلهم عن ما يفعله الروس بالقوقازيين، وأنه ليس من الممكن أن يتم الانتقام منهم بسبب علاقتهم الجيدة مع الأتراك، مشيراً في أحد المشاهد إلى طبيب العائلة الأرمني، الذي أنقذ حياة الكولونيل التركي أركان من الموت يوماً ما، كل هذه التطمينات تذهب هباء في إحدى الحفلات التي تقيمها عائلة أفاكيان، والتي تدعو فيها جيرانهم الترك، ومن بينهم عائلة الكولونيل أركان، الذي كان قد تلقى فعلاً أمر ترحيل الأرمن، فيرسل زوجته التي سمعت كل شيء أثناء اجتماعه مع وفد من إسطنبول، تذهب الزوجة على مضض مذكرة زوجها بعلاقتهم الحسنة مع عائلة أفاكيان، وأنهم ليسوا أشراراً ولا أعداء، وتذهب على مضض يشوبه الإحساس بالرقص على الجثث، تصل وهي بحالة توتر شديدة، يأتي أطفال أفاكيان ليلقوا السلام عليها تنظر إلى وجوههم كأنها تودعهم وتقوم بحضن طفلة بقوة، وتقرر الشرب حتى فقدان الوعي، في هذه اللحظة وما خرج من فمها من كلمات، أدرك «آرام» أن ثمة خطراً حقيقياً يقترب منهم، ويقرر الفرار.

في المقابل، هناك علاقة حب بين نونيك شقيقة آرام، وبين ضابط تركي، علم هو الآخر بما سيحل بالأرمن، ويقرر الهروب مع حبيبته التي ترفض، وتقرر البقاء مع عائلتها. تبدأ الحرب فعلاً، عندما وصل عدد كبير من ضباط الجيش العثماني من العاصمة إسطنبول، دخلوا قصر أفاكيان، وقد كان آرام فرّ هو والطبيب إلى قصر كانا يعتقدان أن العثمانيين لن يصلوا له اسمه «مزرعة القبرة»، على أمل أن تلحقهم عائلاتهم إلى هناك، في هذه الأثناء، وخلال وجود الضباط العثمانيين في القصر، يبدؤون بتفحص المكان خصوصاً بعد شعار «تركيا للأتراك فقط» وكل ما فيها لهم، حتى لو كان عبارة عن وعاء للطعام، يسلمونهم رسالة مفادها الرحيل فوراً، ويغادرون مع وصول عدد كبير من الأرمن الفقراء الحال يرجون من نونيك وزوجة آرام أن تنقذاهم من خطر العثمانيين، فتقرر العائلة اصطحاب الجميع إلى مزرعة القبرة.

خلال هذه الأحداث، تظهر شخصية ناظم التي أدى دورها الفنان الفلسطيني محمد بكري، وهو متسول يعيش على حساب عطايا الآخرين، تجمعه مع عائلة أفاكيان علاقة مودة، رغم وصف الضابط له بقوله: «أنت لست أكثر من حيوان تأكل من طعام الأرمن». هذا المتسول الذي بسبب التهديد من ضباط الجيش العثماني الآتي من إسطنبول، دلهم على مكان مزرعة القبرة، التي اختبأ فيها الأرمن مع عائلة أفاكيان، اقتحم الجيش القصر، وقطعوا رأس آرام أفاكيان أمام زوجته، وبدؤوا بقتل كل ذكر في القصر عجوزا كان أو شاباً أو حتى طفلاً، حتى اضطرت النساء، ومن بينهن نساء أفاكيان إلى خرم آذان أبنائهن الذكور، كي يعتقد العثمانيون أنهم إناث.

مشاهد العنف الكبيرة بدأت فعلاً في الفيلم بالجزء الأخير منه، بعد كل هذه المقدمات التي حاول من خلالها المخرجان الأخوان أن يوصلا فكرة أن الحب عندما يصطدم بالأوامر العسكرية لا ينتصر، والحب أسمى من العيش والملح والجيرة الحسنة، لم تسعف مثلاً دموع امرأة حامل وضعت وليدها أثناء الهجرة على الأقدام قرار الجندي بضرورة التضحية به، لإعطائها الفرصة لتتخلص منه بنفسها، ولم تسعف نظرات طفلة تستجدي الجوع قلب ضابط لديه أطفال بالضرورة لتناول كسرة خبز، مشاهد أليمة من الصعب ألا تغمض عينيك وهي تمر أمامك، خصوصاً أنها مبنية على مذكرات واقعية.

تستمر رحلة التهجير على الأقدام، وتستمر مشاهد العنف والاغتصاب، وغيرها من ويلات الحروب، فتقرر نونيك أن تنقذ أبناء شقيقها من الجوع، خصوصاً بعد أن شعرت بضابط اسمه يوسف ينقذها دائماً من المشكلات، بعد مشهد يضم امرأة ورجلاً تركيين لديهما إذن مختوم باختيار أي فتاة أرمنية لخدمتهما، فيقف يوسف أمام هذه القرار، ويمنعه رغم تهديد ذلك الرجل المتنفذ.
يوسف في الفيلم جسد دور الطرف المغلوب على أمره، فهو كاره لكل شيء يحصل تجاه الأرمن، لكنه لا يستطيع عدم تنفيذ الأوامر، تقرر نونيك الذهاب إلى خيمته وتعرض عليه نفسها، فيقوم بتغطيتها، ويوضح لها أنه ليس شريراً، وأن الظرف أقوى منه، وهو شعر بعاطفة تجاهها، ووعدها بألا يمسها مكروه، ويعطيها خبزاً وبيضاً، لتطعم أطفال عائلتها، لكنها تصرّ على منحه نفسها كي لا يتم اغتصابها من آخرين.

لحظة النهاية اقتربت مع ظهور المتسول ناظم، الذي شكل مجموعة من الفقراء لإنقاذ من يستطيعون إنقاذهم من الأرمن عن طريق تهريبهم إلى الميناء للسفر إلى أوروبا، يستطيع ناظم الوصول إلى حلب، ودير الزور، المناطق التي كانت تعج بالأرمن المهجرين، ويصل إلى عائلة أفاكيان، وأثناء هروبهم يكتشف الجنود العثمانيون اختفاءهم، فتعمل نونيك على إلهائهم حتى يتسنى للأطفال الهروب مع أمهم، فيتم القبض على نونيك، هنا يقف يوسف مواجهة مع نونيك، ويتلقى أمراً بقتلها ويفعل.

المشاهد بعد ذلك انقسمت إلى قسمين: الأول وصول ما تبقى من عائلة أفاكيان لإيطاليا إلى بيت شقيق آرام، وعودة طفلهم الذكر لارتداء البنطال، والقسم الثاني أثناء محكمة عسكرية، يقف فيها يوسف ليقول شهادته في حضرة ضباط عثمانيين ينكرون كل ما حدث، ويختم بالقول: «الذي حدث حقيقة، والدليل أنني قتلت حبيبتي بيدي».

يبدو أن الاعتذار سيطالب به كثيرون على هذه الأرض، في ظل جرائم ضد الإنسانية مازالت ترتكب في كثير من مناطق العالم، وليست بعيدة عنها أقطار عربية.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

30.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)