كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

عبد الواحد «النيوزيلندى»!

طارق الشناوي

2015-04-30 15:41:11

 

الاستظراف من الممكن أن تجده فى كل المجتمعات، عالم أول أو ثان أو ثالث أو رابع، فهو صفة إنسانية. هناك فى الدنيا مستظرفون يعتقدون فى أعماقهم أنهم ظرفاء، وكما أن وزير الثقافة المصرى د.عبد الواحد النبوى، استظرف مع موظفة فى متحف «محمود سعيد» فى الإسكندرية كان تشكو له أن لديها مشكلة وظيفية بسبب عدم إنصافها بعد حصولها على الماجستير، فبادرها قائلا إنه لديه مشكلة مع «التُّخان».

جون كى رئيس الوزراء النيوزيلندى، كانت لديه أيضًا نفس الميول الاستظرافية مع نادلة فى أحد المقاهى. كان جون يشد شعرها مداعبًا، فكتبت على صفحتها إنها غاضبة وسوف تنال منه لو جاء مرة أخرى إلى المقهى، فماذا فعل رئيس الوزراء النيوزيلندى؟ لم يكتفِ بالإعلان أنه لم يقصد ولم يتصل بها معتذرا مثلا مثلما فعل وزير ثقافتنا مع الموظفة التى أهانها، رئيس الوزراء ذهب إلى المقهى مباشرة وهو يحمل زجاجتى نبيذ واعتذر إليها أمام الجميع، بالطبع لا يمكن أن يأتى وزير الثقافة بزجاجتى نبيذ ولا حتى بيرة «بيرل» ولكن لا بأس من كرتونة «بيبسى كولا» أو «فانتا» منخفضة السعرات الحرارية!

لقد أهان الوزير موظفة علنًا، والاعتذار يجب أن يكون عمليًّا وعلنيًّا وأمام كل الموظفين، الوزير يعتقد أن الزمن كفيل بأن تختفى الواقعة مع تعدد الأحداث، متجاهلا أنها صارت ورقة سوداء فى ملفه الشخصى ولن تُمحى إلا بالاعتذار العلنى. عبد الواحد فى كل أحاديثه يؤكد أنه دائما يتحرك وفقًا لتعليمات وتوجيهات السيد الرئيس، فهل ينتظر أن يطلب منه الرئيس الاعتذار الفورى والعلنى، أم الأفضل له أن يسارع بتقبيل يد السيدة التى أهانها على الملأ؟!

 

ضمير عمرو مصطفى «أُوول سايز»!!

طارق الشناوي

2015-04-30 15:40:00

لماذا يتصور البعض أنه من الممكن أن يصبح ضمير الأمة الذى يحدد أين يقع الخطر على الأمة، وأين هو بالضبط خير الأمة، ومَن هم أعداء الأمة، كأنه المحتسب بأمر الله الذى يتولى الدفاع عن حقوق المجتمع ناسيًا أن أحدًا لم يحتسبه.

يلعب هذا الدور حاليًّا الملحن عمرو مصطفى. آخر «افتكاساته» اعتراضه على مسلسل «مولد وصاحبه غايب» الذى يرتدى فيه الممثل محمد كريم زى ضابط شرطة، ولم ينتظر عمرو أن يعرف هل نحن بصدد ضابط شريف أم منحرف، ولكنه من حيث المبدأ يرى ضرورة إضفاء القدسية على زى الشرطة، الصورة التى تم تداولها كانت أيضا تضم بطلة المسلسل هيفاء وهبى، مما أثار حفيظة عمرو بالطبع أكثر مما هى مثارة.

عمرو له باع طويل فى الاعتراضات على الأعمال الفنية، أتذكر مثلا فى رمضان الماضى أنه هاجم بضراوة هند صبرى باعتبارها تونسية ومن وجهة نظره لا يحق لها انتقاد أى أوضاع فى مصر وعليها فقط أن تتشطر -لو قدرت- على تونس.

كانت هند قد أدت مشهدا ساخرا فى مسلسل «إمبراطورية مين» يجرى فى مطار القاهرة، حيث كانت تسجد شكرا لله أنها عادت إلى أرض المحروسة وبعد وقوفها علقت بقايا أعقاب سجائر بجبهتها فاتهمها بالإساءة إلى سمعة مصر! وهو ما تكرر مع المخرج المصرى عمرو سلامة وفيلمه «لامؤاخذه»، الذى اعتبره تحريضا ضد منظومة التعليم، بل تذكر فجأة أنه قبل 45 عامًا أنه كانت هناك مسرحية «مدرسة المشاغبين» وحمَّلها المسؤولية الكاملة عن تدهور الحياة التعليمية فى ربوع الوطن.

لا يوجد فنان قال رأيًا أو قدم عملا فنيا إلا وكان عمرو يضع نفسه فى مكان الضمير، فإذا توافق هذا الرأى مع قناعاته صار وطنيا وإذا تناقض اتهمه بالخيانة العظمى.

لا أنكر أن عمرو لديه عديد من الألحان الناجحة وآخرها «بشرة خير» لحسين الجسمى التى حققت فى العام الماضى أعلى درجات كثافة المشاهدة، بسبب الإيقاع الراقص، ورغم ذلك يحرّم الرقص على الجميع ويحلله فقط لنفسه! هل رأيتم ضميرل وطنيا «أُوول سايز» مثل ضمير عمرو مصطفى؟!!

 

الفتوة ومليونية خلع الحجاب!

طارق الشناوي

2015-04-30 15:36:42

الجمعة القادمة نصل إلى واحد مايو وهو ساعة الصفر التى أطلقها وحددها شريف الشوباشى لمليونية خلع الحجاب. كان رأيى -ولا يزال- أن الشوباشى وجد نفسه خارج بؤرة الاهتمام الإعلامى منذ سنوات بعيدة، فقرر أن يفجّر قنبلة تثير الاهتمام حول اسمه، ولم يفكر فى شىء آخر سوى أن يحقق لنفسه وبنفسه فرقعة إعلامية، فلا تعنيه لا حرية ولا قهر للمرأة ولا أن ترتدى أو تخلع الحجاب، كلها كلمات يستخدمها للاستهلاك الإعلامى لزوم ترويج بضاعته الفكرية «المضروبة»، فمن قال إنه أساسًا يحترم المرأة؟!

كيف ينسى الشوباشى تلك الواقعة التى كان ولا يزال هناك عشرات من الشهود عليها، والتى حدثت فى افتتاح مهرجان القاهرة عام 2005 عندما وجه ضربة مباغتة بقبضة يده إلى مديرة المهرجان السيدة سهير عبد القادر بسبب اختلافهما فى تحديد مواقع جلوس الضيوف، وكعادته تهوَّر ولم يكتفِ بالصراخ فى قاعة المسرح الكبير فى دار الأوبرا، ولا حتى بطرد مديرة المهرجان على الملأ، ولكنه وجّه إليها لكمة قوية على الملأ، والسيدة لم تشأ أن تحيل الموقف إلى فضيحة عالمية وتحمَّلت قسوة الكلمات واللكمات. وعلى طريقة أى فتوة يرفع يديه فى وجه كل من يختلف معه، لم يندم على تلك الضربة رغم أنه حتى فى قانون الفتونة ممنوع ضرب النساء! الآن ينكر أساسًا حدوث تلك الواقعة غير مدرك أن الصحافة كلها تناولتها فصارت موثَّقة فى الأرشيف. هل تصدقون أن الرجل الذى ضرب امرأة على الملأ هو نفسه الذى يريد لها الآن أن تتحرر من قهر الحجاب، مؤكدا أنه سيقف يحميها من أى اعتداء خارجى محتمل فى ميدان التحرير؟
هل حقًّا يجرؤ الشوباشى أن يذهب إلى التحرير دون أن يتخفى ربما فى نقاب حتى لا يراه أحد؟!

 

ساندرا بولوك.. أجمل امرأة فى العالم

طارق الشناوي

2015-04-30 15:35:30

إنها أجمل امرأة فى العالم كما قالت مجلة «بيبول» الأمريكية، وبغض النظر عن اختلاف الأذواق والآراء، فمن الممكن أن نتفق كحد أدنى على أنها الأجمل بين كل النجمات، على الأقل مَن هن مثلها فى الخمسين من عمرهن.

لن تجد أبدا على وجهها آثارا لبوتكس ولا لعمليات تجميل أحالت أغلب الفنانات إلى دُمى تتشابه فى الملامح. انظر إلى وجوه عدد من النجمات المصريات والعرب لترى الحقيقة المفزعة، بعد أن فقدن كل شىء بسبب تلك العمليات الخطيرة التى شدَّت الوجه ولكنها أثَّرت سلبًا على الإحساس. عندما سألوا ساندرا عن تلك التجاعيد البادية على وجهها قالت إنها خطوط بسبب كثرة الضحك. وهى لا تتصالح وفقط مع ملامحها ولكنها تتصالح مع النقاد. تقبل قبل خمس سنوات جائزة «أوسكار أفضل ممثلة» عن دورها فى فيلم «الجانب المظلم»، وتحصل فى نفس اللحظة أو قبلها بيوم على جائزة «التوتة الذهبية» للأسوأ عن فيلم «كل شىء عن ستيف» وتتسلم وهى مبتسمة الجائزتين.

عديد من نجمات «هوليوود» صرن الآن يتجنبن عمليات التجميل. استمع مثلا إلى شارون ستون «55 عاما» وهى تقول: «خضعت للبوتكس ثم توقفت لأننى لا أرغب فى أن أبدو كسمكة ملونة، كل الممثلات يشبه بعضهن بعضًا، أرغب فى أن أبدو كامرأة عاشت الحياة أما مع البوتكس فلا أعتقد أن النساء يدركن أنه يجعلهن كالتماثيل التى لا يجب لمسها»!

لم تنكر أبدًا شارون أنها استعانت يومًا بالبوتكس ولكنها امتلكت الجرأة لكى تعلن أيضًا ندمها، كلنا نحمل أعمارنا أيضًا فى أعماقنا وليس فقط على وجوهنا، نكبر من الداخل، و ترسم بصمات السنين خطوطًا على مشاعرنا تشير إلى أعمارنا.

الإنسان دائمًا فى صراع مع الزمن، خُلقنا وبداخلنا عوامل الفناء تصارع عوامل البقاء إلا أن أغلب نجماتنا اعتقدن أن رأسمالهن هو وجه مشدود بلا تعبير، يضحكن أو يبكين، التعبير واحد فى الحالتين، ما الذى يبقى للفنان إذا فقد أهم أسلحته فى التعبير وهو قدرته على التلوين بين مختلف المشاعر: حب، فرح، كراهية... رأسمال الفنانة هو وجهها ورغم ذلك فإن أغلب جهود النجمات صار بعد التمثيل وليس فى أثنائه، الكثير منهن يوجهن طاقاتهن إلى البحث عن جائزة أو تكريم أو مقال.

إدمان البوتكس ظاهرة عالمية وليست فقط مصرية أو عربية، وهى أيضًا ليست مقتصرة على النجمات والنجوم ولكنها انتشرت بين عدد من النساء والرجال خصوصا أن العمليات تختلف فى أثمانها. بعض من أُجريت لهن هذه العملية فقدن ليس فقط القدرة على التعبير ولكنها أحدثت تشوهًا فصرن حبيسات المنزل إلى حين إزالة آثار العدوان!

تماثيل الشمع هن أغلب نجمات هذا الزمن، هل أخذتم الحكمة من ساندرا بولوك أم تريدون أن تظلوا أسماكًا ملونة؟!

 

إبراهيم يسري مات مرتين!

طارق الشناوي

2015-04-30 15:33:19

قبل 85 عاما كتب أمير الشعراء أحمد شوقى: اخترتَ يومَ الهولِ يومَ وداع/ ونعاكَ فى عصفِ الرياح ِالناعى مَن ماتَ فى فزع القيامةِ لم يجد/ قَدمًا تُشيع أو حفاوة ساعى

قبل أربع وعشرين ساعة فقط من رحيل الخال عبد الرحمن الأبنودى ودَّعت مصر فنانًا هادئًا بقدر ما هو موهوب، إنه الرائع إبراهيم يسرى، كنا جميعا، أقصد من يمارسون مهنة الصحافة والنقد الفنى لديهم إحساس بالذنب تجاه هذا الموهوب الرائع الخلوق المبتعد بطبعه عن الضوء، لم نكن نحتفى كثيرا بالكتابة عن هؤلاء الموهوبين الكبار بما يليق بهم، والأكيد أنه كان يعانى أدبيًّا من هذا التجاهل، ومن حقه بالطبع أن يغضب عندما لا يجد لنفسه مساحة يستحقها فى «الميديا»، ورغم ذلك لم أشعر ولو للحظة واحدة بأن إبراهيم يسرى يشكو لأحد أو من أحد.

هؤلاء الكبار فى إبداعهم فى العادة بقدر ما لديهم من موهبة بقدر ما يشعرون أن المعادلة الفنية فى مصر بما تفرضه من قواعد صارمة تمنحهم فقط مساحات قليلة من الضوء، حيث إن نجم الشباك فى العادة هو الذى تُسخَّر من أجله كل مفردات العمل الفنى وتدفع كل العناصر الأخرى الثمن. يسرى لم تستطع شركات الإنتاج أن تراهن عليه بطلاً مطلقًا ولكنه كان قادرًا مهما كانت المساحة المتاحة أمامه أن ينفذ إلى مشاعرنا ويصنع علامة فارقة حتى ولو كان يُطل علينا من ثقب إبرة، نتذكر معًا مثلا أدواره فى: «فيلم ثقافى» و«مرجان أحمد مرجان» و«عودة مواطن» و«السادة الرجال»، أما المسلسلات فهو الورقة الرابحة دائمًا منذ منتصف السبعينيات: «عصفور النار» و«ليالى الحلمية» و«ضمير أبلة حكمت» وغيرها، حتى اللحظة الأخيرة.
نعم جاء رحيل الخال لنتوقف جميعا أمام شاعرنا وكاتبنا الكبير ولكن يظل لإبراهيم يسرى فى أعماقنا دَين علينا الوفاء به، قبل أن يموت مرتين!

 

سناء جميل.. السيدة تتجلى!!

طارق الشناوي

2015-04-29 06:20:54

فى الأدب شعر ونثر، وفى الأداء الدرامى أيضا شعر ونثر.. عدد محدود جدا من الممثلين هم الذين ينطبق عليهم تعبير شعراء التمثيل.. على رأس هذه المدرسة، التى تشغل مقعد الناظرة، سناء جميل. إنها واحدة من أيقونات نادرة تملك لحظات تجلٍّ خاصة يلعب فيها اللا شعور دورا أكبر من الشعور.. إنهم يلتصقون بالشخصية التى يلعبونها فتتحول إلى نبضات فى عروقهم ودقات فى قلوبهم.

كانت «سناء» زعيمة فى التحليق الفنى وهى تبرع فى أدوارها القليلة بمقياس العَدَد، العميقة بمقياس الإحساس والتأثير.. حاصرت السينما المصرية الفنانة سناء جميل بقواعدها التى توارثناها وهى الإغراء والجمال الصارخ، وحاصر المسرح «سناء جميل» بقواعده التى تعلى من شأن الأداء الصارخ الجهورى.. الانفعال الزائد الذى ينتقل إلى جمهور الصالة من أجل أن يبكى مثل الأبطال أو يصفق أو يضحك بنفس درجة الصخب الزائد الذى يراه على خشبة المسرح.. أما فى التليفزيون فإن «سناء جميل» وجدت فيه كل القواعد والتراث التقليدى للسينما والمسرح، الذى لا يترك مجالا للهامسين باللفتة والنظرة والإيماءة والتنهيدة، وكان من المنطقى أن تستسلم «سناء جميل» وترفع الراية، فلا يمكن لفنان أن يطبق قانونه الخاص على قانون سائد، كان من الممكن أن تتحول من فنانة تعبيرية إلى فنانة خطابية من الهمس إلى الصراخ، وما أسهل أن تكون صارخا، لكنها كانت ستصبح شيئًا آخر غير «سناء جميل» سيدة التجلى.

كانت ستحقق بمقياس العَدَد عشرات من الأدوار تنهال عليها ورصيدا ضخما فى البنك، لكنها عاندت وسبحت ضد التيار، ولهذا رآها «د.طه حسين» بإحساسه وتواصل معها، وعندما شاهدها على المسرح قال كلمته الشهيرة: «ليس لأحد على تمثيلها سبيل».. انتهت كلمة «طه حسين» التى تلخص بدقة مدرسة «سناء جميل»، صحيح أنها ابنة المسرح بكل طقوسه وأساتذته وأساليبه الكلاسيكية، ورغم ذلك عندما اعتلت خشبته، كان لها أسلوبها المغاير لكل من سبقوها ولقنوها أصول المهنة، وكما وصفها بكل بلاغة وعمق عميد الأدب العربى.

لو حسبتها بالأرقام فلن تجد فى رصيدها الفنى كثيرا، إنها الأقل عددا بين كل الفنانين من جيلها سواء فى المسرح أو السينما أو التليفزيون.. لكن الفن لا يعترف أبدا بالمقياس الرقمى، ومع سناء يصبح عمق الإبداع هو الفيصل، وليس شيئا آخر سوى هذا الوهج الذى يشعه حضورها فى أعماقنا.

عندما تتأمل أفلامها لا شك أن «بداية ونهاية» سوف يبرق أمامك وعلى الفور يحتل مقدمة الكادر دور «نفيسة»، الذى صار عنوانا لها فى السينما، رغم أن لها عديدا من العناوين الجذابة، ولكننا تعوّدنا على سبيل الاستسهال أن نختصر الفنان فى دور. ويواصل صلاح أبو سيف العزف على أوتار إبداعها الخاص والخالص ليقدمها لنا «حفيظة» فى فيلم «الزوجة الثانية» لتحقق قفزة إبداعية أخرى!!

فى التليفزيون أنت أمام قامة وقيمة استثنائية، فهى من الرعيل الأول الذى قدم عديدا من الأعمال الدرامية، وتظل «فضة المعداوى» فى «الراية البيضاء» لأسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل هو دُرّتها الأثيرة، لقد منحت «سناء» للشخصية من مشاعرها كثيرا، وأضفت عليها ألَقًا خاصا، حتى إن أسامة قال لى: «لم أكن أتخيل أحدا غير سناء لهذا الدور، ورغم ذلك عندما شاهدتها اكتشفت أن خيالى كان عاجزا عن التحليق لما حققته سناء جميل على الشاشة الصغيرة بـ(فضة المعداوى)».

كانت وصيتها أن تكتب فى نعيها فى «الأهرام»: «قريبة ونسيبة كل المصريين»، وكان ينبغى أن يتضمن النعى «وحبيبة كل المصريين»، قبل يومين أطفأنا لسناء جميل 85 شمعة، لتتجلى إبداعات سيدة الهمس الفنى مجددًا فى قلوبنا!

 

هل يحتاج السيسى إلى شهادة مبارك؟

طارق الشناوي

28-04-2015

وجدها مبارك فرصة للثناء أكثر من مرة على الرئيس السيسى، لا أتصور أن الرئيس كان بحاجة إلى شهادة من المخلوع، بل إن الآثار السلبية لتلك الكلمة التى لا يمكن أن تصفها بالبريئة أو العفوية ستظل لها توابعها القائمة والقادمة.

علينا أن نُدرك أنه قد سبق حوار مبارك على فضائية «صدى البلد» مع أحمد موسى إشارات خضراء أرسلتها الدولة تعنى فى الحدود الدنيا «لا بأس من الحوار»، وبالتأكيد لم يكن مفاجأة، وهو لن يُصبح حديث المرة الأولى والأخيرة، هناك ولا شك خطة متفق عليها، قد تختلف فقط فى درجة الإيقاع، ولكنْ هناك اتفاق مدعوم ماديا ولوجستيا لتبييض وجه مبارك، ومن الممكن أن تكتشف ظلالا لذلك فى ذهاب جمال وعلاء لتقديم واجب العزاء فى مسجد عمر مكرم فى قلب ميدان التحرير، فى والدة الكاتب مصطفى بكرى. الأمر ليس عشوائيا، ولو اتسعت الدائرة سترى على أطرافها إصرار أحمد عز على خوض الانتخابات، ووجود زكريا عزمى على الخط دائما فى انتظار إشارة البدء، الإعلام أقصد. الصورة فى 2015 خلال الأشهر القادمة ستشهد كثيرا من الحضور لزمن ورجال مبارك، أكثر من فضائية ممن نراها الآن على الخريطة بالإضافة إلى فضائيات أخرى سيتم بثها قريبا ستلعب لصالح فريق مبارك، كل هذا سيصبح هو الملمح الذى يطرق الباب بقوة، الدولة ليس لديها من الإمكانيات ولا من الأفكار ما يؤهلها للتدخل، والدليل هو حالة الضعف التى يشهدها الإعلام الرسمى، والحقيقة أن تعبير الضعف ليس دقيقا، ولكنه التردى، وبينما ستلمح تباينًا فى المعالجة السياسية لعودة زمن مبارك واختلافًا فى الدرجة بين فضائية وأخرى، ستجد التليفزيون الرسمى المصرى ملتزمًا هذه المرة الحياد السلبى «لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم»، على طريقة «اللى ما يعرفش يقول عدس» وماسبيرو لا يعرف حاليا سوى العدس.

ليس جديدا أن تنحاز فضائية أو أكثر لمبارك، بل هو متوقع، والغطاء هو الاحتفال باسترداد سيناء كاملة، فهو كان واحدا من القيادات العسكرية ومسؤولا عن سلاح الطيران فى حرب 73، ولهذا بعد أن أمسك بالسلطة أحال الانتصار إلى سلاح واحد، وإلى قائد واحد، الذى كان يصفه دائما وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف بالعريس، وهكذا غنى على الحجار للعريس «النسر المصرى شق السما»، كان الكل بمناسبة وغالبا دون مناسبة يسعى لإرضائه، ورغم ذلك يقول مبارك لا أحد من الممكن أن يزوّر التاريخ، بينما كان هو شخصيا الذى حرص على إعادة صياغة التاريخ وتهميش دور حتى أنور السادات، رغم أنه هذه المرة فى الحوار مع موسى بدأ فى ذكر اسمه، كلنا يعلم مثلا أن مبارك هو الذى منع فيلم «حائط البطولات» من العرض، بسبب أنه يتناول دور سلاح الدفاع الجوى وقائده المشير الراحل محمد على فهمى، الذى قدم موقفا بطوليا فى أعقاب نكسة 67 لمواجهة الطائرات الإسرائيلية التى اعتقدت أن سماء مصر بعد تحطيم الطيران صارت مفتوحة، الفيلم كما ذكرت من قبل كان رديئا على المستوى الفنى، ولكن مبارك منعه لأنه لا يريد أن يتردد أى اسم آخر بجواره.

الإعلام لم يكن يعنيه سوى مبارك وتمجيد صاحب الضربة الجوية، وكان آخر المشروعات التى أوقفتها ثورة يناير هو تصوير فيلم «الضربة الجوية».

مبارك هذه المرة تخلى قليلا عن حالة الأنانية التى كانت تنتابه فى الماضى عند الحديث عن سيناء أو أكتوبر، ليصبح فقط هو القائد، كان واضحا أنه يقرأ الإجابات من خلال أوراق أمامه، لأن الأسئلة أيضا متفق عليها.

الدولة بعد ثورة 30 يونيو حرصت على أن تتعمد رسميا تجاهل مبارك، والاحتفال الذى أقامته القوات المسلحة ودعا إليه الرئيس السيسى فى أكتوبر الماضى لم يأت ذكر اسم مبارك ولا مرة، لا على لسان السيسى، ولا فى الأوبريت الذى تناول الانتصار، فهل سيغنون له فى أكتوبر القادم «اخترناه اخترناه واحنا معاه لمشاء الله»؟!

 

الفرخة لمن؟!

طارق الشناوي

27-04-2015

كيف تحمى الدولة المطرب الضعيف، الذى فقد تواصله مع الجمهور أو الفنان أو المخرج، الذى أصبح خارج نطاق الخدمة، وكيف نوفر الحماية للفيلم المصرى، الذى لا يجد شاشة عرض توحد الله، وترحب به. إنها معادلة صعبة تجمع بين مسؤولية الدولة لتهيئة المناخ الصحى للإنتاج، وفى نفس الوقت هناك على الجانب الآخر لدينا فنان يعتقد أن الدولة مثل الجمعية الاستهلاكية عليها أن توفر له الفرخة سواء كان يستحقها أم لا.

أتابع محاولة غرفة صناعة السينما لزيادة نسخ الفيلم الأجنبى، التى تصل الآن إلى 9، بينما الاتجاه أن تزيد إلى 30، من الممكن أن أوافق على إطلاق عدد النسخ الأجنبية تبعًا لقانون العرض والطلب، على شرط أن نضمن توفر شرط العدالة، فى الحقيقة أحيانًا أصحاب دور العرض يفاجؤون بأن هذا الفيلم لا يجد جمهورًا يقطع التذكرة، وفى هذه الحالة بدلا من إغلاق الشاشة، فإنهم يفضلون عرض فيلم أجنبى أو منح شاشة إضافية لفيلم مصرى معروض أصلا. يجب حتى نُطلق قانون السوق أن نضع أيضًا معايير صارمة، تحمى الفن الجيد غير التجارى بطبعه، ولا يعنى ذلك أن يعرض الفيلم، لمقاعد خاوية، لكن تحديد حد أدنى لعدد التذاكر المباعة، ترك الأمر عشوائيا كما نراه الآن يظلم بالفعل أفلامًا تحتاج إلى درجة من الحميمية مع المتفرج، تتحقق تدريجيا من حفل إلى آخر، لكن لا يمكن مثلا أن يتصور البعض أن أفلاما رديئة مثل «فزاع» و«جمهورية إمبابة» و«كرم الكنج» هى المقصودة بالحماية.

أفلام صنعوها على مواصفات الجمهور، وكل مفرداتها تجارية، لكنها لا تُحقق أى تماس مع الجمهور، مع الأسف فى كثير من الأحيان، لا ندرك أنه حتى للتهريج قواعد، لكن صُناع هذه الأفلام أثبتوا أنهم لا يعرفون حتى أصول التهريج.

هل هذه الأفلام هى المقصودة بالحماية؟ لا يكفى أن تقدم أى فيلم مصرى لمجرد أنه مصرى، فتقرر بقاؤه فى دار العرض رغم أنف الجمهور.

كيف نحمى الفيلم المصرى وبالتالى الصناعة؟ أنا أتحدث أيضا عن الفيلم المصرى التجارى، الحقيقة هو أننا يجب أن ننطلق من ضرورة التصدى للاحتكار، الذى يعنى أن صاحب دار العرض هو أيضا المنتج، هوليوود منذ ثلاثينيات القرن الماضى أصدرت قانونا يحول دون الاحتكار حتى تضمن توفر شرط العدالة، فأنت كصاحب دار العرض تنحاز إلى الفيلم، الذى أنتجته، فى أحيان نادرة يحدث أن المنتج صاحب دار العرض يضحى بفيلمه الفاشل تجاريا، حدث ذلك مثلا مع يوسف شاهين عندما عرض فيلمه «سكوت ح نصور» من إخراجه وإنتاجه قبل 14 عاما وسط خفوت جماهيرى، فاستبدله بفيلم مصرى آخر، لكنها بالتأكيد ليست قاعدة، ثم إن صاحب دار العرض عندما يصبح أيضا منتجا، ربما يرى مثلا أنه ليس من صالحه دعم أو تأكيد نجومية هذا الفنان، أو هذا الاتجاه فلا يجد الفيلم فرصة للعرض.

عشنا قبل بضعة أعوام فى ظل صراع بين أكبر إمبراطوريتين فى السينما أطلقت عليهما وقتها «إسعاد ستان» و«رمزى ستان»، كنت أقصد بالطبع إسعاد يونس والراحل محمد حسن رمزى، حيث كانت الأفلام، التى ينتجها كل طرف محرمة على دور العرض، التى يملكها الآخر، ثم تصالح الطرفان قبل نحو خمس سنوات، لكن قبل أن تتصالح المصالح كان كل منهما يسعى ليس فقط لنجاح أفلامه، لكن لتدمير الآخر وعلىّ وعلى أعدائى.

كل طرف من زاوية ما ستجد أن عنده الحق، ومن زاوية أخرى تكتشف أن الحق عليه، الأمر ليس فى زيادة عدد النسخ، ولا فى تطبيق مطلق لقانون العرض والطلب، لكن فى غياب المعيار، الذى من خلاله تستطيع أن تفرض العدالة على الجميع، ونحدد أولا من يستحق الفرخة!

 

عبد المغنى.. نجومية مفقودة!!

طارق الشناوي

2015-04-26

فيلم عجوز ينتمى على الورق وأمام الشاشة إلى زمن «العواف يا نينة» و«سدكينى»، زمن كنت ترى فيه البطل الطيب الشهم الشجاع وكل نساء الحارة يقعن فى غرامه، وكل الرجال لا تستطيع الصمود أمام عضلاته النافرة، وعلى المقابل هناك الشرير اللى وشه بيقولك سايق عليك النبى تاخدنى قلمين، وبالفعل حقق البطل رغبتك وأشبعه بالنيابة عنك تلطيشًا، وتسبب فى عاهة مستديمة على وجهه، ولدينا البتّ الحلوة التى يتصارعان عليها، ولا تنسَ الراقصة التى تعشق البطل المغوار، وعلى هذا ينبغى أن يتصدر المشهد الكباريه، فهو المكان الرئيسى للأحداث، وعليك أن تتعاطف مع البطل رغم كل شىء.

تقولّى الهدف من الفيلم؟ أقولّك لديهم هدف، تابع المشهد الأخير عندما يقرر كل أهل الحارة الطيبين التصدى للشرير، وتنتهى الأحداث وهو يمسك بالبنت الحلوة مهددا بقتلها، بينما البطل وخلفه أبناء الحتة يحاولون إنقاذها، وموسيقى مليئة بالشجن، وتوتة توتة. فى البداية كانت الموسيقى وأغانى المهرجانات لزوم النعنشة والفرفشة، ولكن فى المشهد الأخير ينبغى أن ترى دموع الموسيقى، ولا تنسَ أيضا أن تضع بالفيلم أكثر من «مُزة» تهيم حبًّا بالبطل.

كل ما ذكرته رأيته وزيادة فى فيلم «كرم الكنج»، وسط خفوت جماهيرى ملحوظ. كنت أنا حامل التذكرة رقم 7 عندما شاهدته قبل أيام مع الجمهور، ولكنك لو استبدلت باسم البطل محمود عبد المغنى أى نجم شباك ووضعته داخل تلك التوليفة رغم بدائيتها وتقليديتها فستحقق نجاحا تجاريا أكبر. نعم، سيموت العمل الفنى بعد قليل، ولكنه سينجح فى الضحك على الزبون لمدة ساعة ونصف الساعة، وسوف يغادر دار العرض وهو يلعن الفيلم وسنين الفيلم، ولكن فى النهاية قطع التذكرة. الفيلم حاليا ينافس بجدارة «فزاع» و«جمهورية إمبابة» على المركز الأخير.

لا أحد يعترف أبدا بأنه يستحق الفشل، الطبيعة الإنسانية ترفض أن تواجه الهزيمة. سيقولون لك -وبالمناسبة، كل ما سيذكرونه صحيح- إنهم يواجهون بمافيا فى توزيع الأفلام ولا يحصلون على عدد كافٍ من دور العرض، وإن الدعاية فقيرة. نحن نعيش حقيقة فى ظل مناخ قاسٍ، وكلها ضربات عانى منها «كرم الكنج»، إلا أن الضربة القاضية جاءت إليه من سوء مستوى الشريط ولخفوت اسم البطل تسويقيا، وهو فى الحقيقة ممثل موهوب، ولكنه غير قادر على الجذب الجماهيرى، تنقصه تلك اللمسة السحرية، وهو أيضا غير مصدق، سواء وهو يضرب العشرات أو وهو تحبه كل الحسناوات، حتى إن المخرج الجديد حازم فودة لزيادة جاذبية الصنف الحريمى أسند دور راقصة إلى واحدة تُشبه هيفاء وهبى، لعل وعسى، ولكن لا لعل ولا عسى.

عبد المغنى موهوب ولا شك، ولديه مساحة على الخريطة الدرامية لا ينكرها أحد، ومن الممكن أن يلعب البطولة تليفزيونيا، وله محاولات لا بأس بها فى هذا المجال، ولكن البطولة السينمائية لها قانون آخر.

لم نرَ على الشريط مخرجا يدرك الإمساك بالتفاصيل، فلم يتدخل فى التتابع أو حتى لضبط الإيقاع، حتى إنه فى نهاية الأحداث عندما لم يجد شيئًا يرويه أثقل الفيلم بأغنية تعيد إلينا كل الذى تجرعناه قبل قليل. أما منذر رياحنة الذى يؤدى دور الشرير، فبالتأكيد لديه مشكلة فى ضبط اللهجة القاهرية، ولهذا قرروا أن يمنحوه لهجة صعيدية بلا مبرر لمساعدته فى التقليل من كارثة اللهجة، ولكنه -وهذا هو الأهم- قدم الشخصية من الأرشيف بكل ما فيها من تقليدية وزعيق ورعونة فى الأداء الصوتى والحركى. ريهام حجاج فى كل تجاربها السينمائية لا تزيد على كونها الفتاة الجميلة، وليس لديها حتى الآن شىء آخر سوى أنها جميلة.

عبد المغنى لقى قبل شهرين هزيمة مماثلة فى فيلم «النبطشى»، وفى الفيلمين عمل اللى عليه وزيادة، رقص وضرب وتعاطى المخدرات وشارك فى الغناء، ولكن سيظل الرهان السينمائى عليه كبطل شعبى محفوفا بالمخاطر، نجومية شباك مفقودة، واختياراته الحالية ستجعلها للأبد مفقودة!!

 

محمود مرسى بلا سوليفان!!

طارق الشناوي

2015-04-25

لا تنطبق على الفنان الراحل محمود مرسى مواصفات النجم التقليدى المتعارف عليه، فهو دائما يحلق خارج السرب، حالة استثنائية فى تاريخنا، موقعه على الخريطة الإبداعية غير قابل للتكرار، فنان تستطيع ببساطة أن تلمسه، بقدر ما هو ممثل عبقرى أمام الكاميرا فهو مواطن بسيط فى الشارع!!

إذا كان النجم فى العادة يحرص على الحضور الإعلامى حتى يزداد بريقه، فإن محمود مرسى يخاصم الإعلام، بل لا يسمح له حتى بالاقتراب ولو من بعيد لبعيد، وإذا كان النجم لا يترك نفسه بعيدا عن الساحة ويفكر دائما فى معادلات فنية تعيده إلى البؤرة، فإن محمود قد يواصل الابتعاد ولا تعنيه أبدا تلك الدائرة.

إنه يسأل نفسه أولًا: «ما الذى يضيفه لى هذا العمل الفنى، وما الذى سأضيفه إلى الشخصية الدرامية؟»، وإذا كانت الإجابة: «لا جديد»، فإنه يبتعد مهما كان الإغراء المادى، بل ومهما كان احتياجه المادى.

أتذكر أننى التقيت به آخر مرة فى صيف 2003 فى عرض خاص لفيلم يقدمه مجموعة من الشباب الجدد بكاميرا الديجيتال اسمه «حبة سكر»، كانت مفاجأة لى أن أرى محمود مرسى بين الحاضرين، فهو مقل جدا فى الحضور داخل أى تجمع فنى أو إعلامى، وأمام دهشتى التى أظن أنه قرأها على وجهى، بادرنى قائلًا: «أنا مع الشباب ومتحمس جدا لهذه التجربة مهما كان المستوى الذى يمكن أن يسفر عنه الفيلم»، قلت له: «مهما كان؟»، أجابنى: «مهما كان»!!

ولم أشاطر أستاذى محمود مرسى الرأى، المهم ما الذى تسفر عنه الشاشة. وبعد نهاية العرض تضاءل ترحيب محمود مرسى، وإن كان لم يفقد إيمانه بأن الشباب قادر على تقديم فن جيد. قال لى بصوت عالٍ: «عندك حق يا طارق»، ولم يشأ على الملأ الإفصاح عن الذى كان يقصده بـ«الحق»، وأنا على المقابل اكتفيت بابتسامة!!

كان يكفيه فى السنوات الأخيرة أن يسجل عملًا من التراث المسرحى العالمى بصوته للبرنامج الثقافى فى الإذاعة المصرية مقابل مئات قلية من الجنيهات، لأنه توقف عن السينما منذ عام 1986 بعد أن قدم آخر أفلامه «حد السيف».. أى أنه قرابة 18 عاما قبل رحيله فى مثل هذه الأيام 2004، ابتعد عن السينما ورغم ذلك لم يقبل أن يتنازل!!

عرف محمود مرسى كيف يمزق أوراق السوليفان، يحاور رجل شارع عندما يلتقيه فى كل شىء: السياسة، الأسعار، الأفلام، الأغانى.. لكنه فى المقابل يرفض أن يذهب إلى أى مهرجان ولا يسمح بأن تسجل له الكاميرا أو الميكروفون أى لقاء ويرفض أى تكريم، ويقول: «أنا لست كاتبا ولا مخرجا، فكيف يكرموننى؟ أنا مجرد مؤدٍّ»، والحقيقة أن الأداء به أيضا إبداع، ومحمود مرسى من القلائل الذين ينطبق عليه تعبير المؤدى المبدع!!

قدم محمود مرسى للسينما قرابة 25 فيلما، فكان يقبل فيلما ويعتذر عن عشرة.. ورغم ذلك عندما تم اختيار أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية كان نصيبه منها سبعة «الباب المفتوح» هنرى بركات، «الليلة الأخيرة» كمال الشيخ، «السمان والخريف» حسام الدين مصطفى، «شىء من الخوف» حسين كمال، «زوجتى والكلب» سعيد مرزوق، «أغنية على الممر» على عبد الخالق، «ليل وقضبان» أشرف فهمى، سبعة أفلام من بين 25، أى أكثر من 25% من إنتاجه.

كان فنانا محلقا خارج سرب السينما المصرية ولا يزال محلقا بأعماله الفنية التى كلما شاهدناها تذكرنا أنه كان بيننا فنان عظيم آثر أن لا يكون صدى لأحد، فكان فقط صوتا متفردا، فنان يعشق الإبداع ويهرب من الإعلام حتى لا يصبح على حد قوله «فرجة».

أكتب هذه الكلمة فى ذكرى مرور 11 عاما على رحيل أستاذى محمود مرسى، فلقد كان يدرّس لنا فى معهد السينما «مادة حرفية الإخراج»، واكتشفت أن موهبة المعلم من أهم إبداعات الأستاذ التى تستحق مقالا آخر!!

 

جسد يسكن.. وروح تسمو!

طارق الشناوي

2015-04-24

غريب أمر الموت، إنه قدرٌ ولا شك، لكننى أشعر أنه أيضًا فى جانب منه قرار، نملك الالتزام به أو تأجيله لو أردنا، الجسد يموت شيئًا فشيئًا بفعل عوامل فسيولوجية، وخلايا تصل إلى مرحلة الشيخوخة، حيث محطة المغادرة، بينما الروح فى بعض الأحيان تتشبّث بالحياة فتواصل البقاء، لأن لديها ما تريد استكماله، وبعد أن يقرر الإنسان الاكتفاء بهذا القدر ينتهى كل شىء، فتذهب راضيةً مَرْضِية إلى ربها.

كل التفاصيل فى العام الأخير كانت توحى بأن طرقات النهاية يتسارع إيقاعها ويعلو صوتها والوداع وشيك، من الواضح أنه قد تسلم الرسالة بعلم الوصول، إلا أن الخال كان يقول: الجسد له قراره وحساباته ومن حقه الآن أن يستريح، ولكن الشاعر فى أعماقه لن يذعن طواعية لتلك الأوامر، فهو لا يزال يكمل الشطر الأخير من قصيدته مع الحياة، الجسد كان يسدل الستار، بينما الأبنودى الشاعر يقف على المسرح، لا يسمح للستار بأن يتعانق إلا بعد أن يغادر هو المشهد.

نعم هو الذى أنزل الستار بإرادته، لكنه أبدًا لم يغادرنا، لا أتحدّث فقط عن الأبنودى الشاعر والكاتب، لكن عن الإنسان، إذ كان فاعلًا فى الحياة، فهو لم يكن فقط مبدعًا استثنائيا وشاهد إثبات على حياتنا على مدى تجاوز نصف قرن من الزمان، لكنه مشارك فى صنع تفاصيلنا، لديه إبداعه الشخصى، لا تستطيع وأنت تتحدّث أو حتى تتذكر الأبنودى أن تسكنك فقط أشعاره أو أغنياته أو حكاياته فى السيرة الهلالية وغيرها، نعم سيعيش معنا الفنان، ولكن الإنسان كان له أيضًا ومضاته الإبداعية فى أدائه الصوتى والحركى بهذا الحضور الإنسانى الاستثنائى، الذى كان يشكّل ملمحًا رئيسيًّا فى الحياة كلها.

إنه الإنسان «المَدَارِى» من المدار، هناك بشر لا يتجاوزون فى كل حقبة زمنية أصابع اليد الواحدة، أُطلق أنا عليهم تعبير «الإنسان المدارى»، مَن يقترب من المدار يقع فى تلك الجاذبية ويدور فى الفلك ولا يستطيع التوقف، وهكذا كان الأبنودى يجذب الناس فيتمثلونه، لا يعتبرونه فقط شاعرًا كبيرًا، لكنه فى أحيان كثيرة يصبح هو الشعر، ليس فقط ما يكتبه لكن صوته ونظرته، وحتى صمته أيضًا نوع من الشعر.

ومن يذهب إلى المدار ليس فقط المبدعون، لأن تلك الدائرة تمتد لكل البشر، ولهذا مثلا تكتشف أنه منذ عشر سنوات عندما التزم بتعليمات الأطباء وذهب إلى الإقامة فى الإسماعيلية للحفاظ على ما تبقى من الرئة، ذهب إليه الإعلام بكل تنويعاته مقروءًا ومسموعًا ومرئيًّا، «الميديا» كلها كانت تعتبر أن الإسماعيلية هى المقصد، ما دام أن الأبنودى هناك فهم أيضًا هناك، إشعاعه الجاذب دومًا نقل القاهرة إلى الإسماعيلية، ولو كانت أسوان لانتقلوا إلى هناك. القِبلة كانت الإسماعيلية وبيت الأبنودى المرفأ، فالكل يذهب ليقتنص نصيبه من شجرة المانجو السامقة التى غنّى لها الأبنودى «آه يا ليل يا قمر.. والمانجة طابت ع السجر»، نعم القمر فى اليقين الشعبى هو الذى يمنح المانجة سحر المذاق، والأبنودى كان صديقًا للقمر.

شاهد على زمن عشناه بكل إبداعه ولحظات وهجه أو انطفائه، فهو المتحدث الشعبى بآلامنا وأفراحنا، أداء الأبنودى جزء من الكاريزما، كل ما كتبه عندما يردده بصوته وبأنغامه وإيقاعه الداخلى، نكتشف أنه لا يكتمل إلا به، لا تستطيع أن تفصل الشاعر عن الشعر، فهو بين عدد محدود جدًّا يصبح لكلماتهم بصوتهم وقعها الخاص، مثل الشعراء الكبار: كامل الشناوى ونزار قبانى ومحمود درويش، الفارق أن رصيد الأبنودى أكبر، لأنه أيضًا كان يصالح الميديا أكثر.

الجسد استسلم بعد أن أكمل الشطرة الأخيرة، والروح ستظل تسمو!

 

«البورنو الغنائي» في مزبلة التاريخ

طارق الشناوي

2015-04-23

غَزَت مواقع النت أغنية، أقصد «بورنو» غنائى، لراقصة تُدعى برديس تعيد رائعة سعاد حسنى «يا واد يا تقيل». الأغنية كانت ولا تزال هدفًا للكثيرين من المطربات مثل نانسى عجرم وقبلها الراحلة سوزان تميم، ولكن تظل «يا واد يا تقيل «بصوت سعاد لها سحر خاص لا يغادر مشاعرنا رغم مرور أكثر من 40 عاما.

قدم المخرج حسن الإمام «يا واد يا تقيل» فى فيلمه الشهير «خاللى بالك من زوزو» الذى يعتبر واحدا من أكثر الأفلام المصرية طوال تاريخها تحقيقًا للإيرادات، واستمر عرضه أكثر من عام منذ نهاية 72 حتى 6 أكتوبر 73، ولولا أن الحرب كانت قد بدأت ولم يكن من اللائق أن يقف الجنود البواسل على خط النار لتحرير سيناء بينما يُعرض فى الداخل «زوزو» لاستمر عرض الفيلم.

نجحت الراقصة المغمورة فى أن تملأ الدنيا بالأغنية، كنا نشاهد إسفافًا وعريًا ورداءة وفجاجة وكل ما تعثر عليه من مفردات مماثلة تدعم هذا القاموس من حقك أن تستخدمها. استطاعت الراقصة أن ترمى الطُّعم إلى الفضائيات التى قررت أن تحيلها إلى قضية رأى عام، وحتى تحقق ذلك قالوا إنها تهدد التراث الغنائى المصرى والعربى.

كان رأيى هو أننا كأعلام أخطأنا فى فتح الباب عندما منحنا هذا التسجيل شرف الاعتداء على تراثنا الغنائى، لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة الجماعية الأغنية كما أدتها سعاد حسنى بكلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل والإخراج الرائع لحسن الإمام.

وللأغنية قصة تستحق أن تُروَى، الصدفة هى التى لعبت دورا رئيسًا فى تحقيق هذا اللحن. كان منير مراد هو المرشح الأول لتلحين كل أغانى الفيلم وبينها بالطبع «يا واد يا تقيل» وكانت الأخبار قد بدأت تتناثر عن بداية قصة حب بل وزواج قريب بين سعاد ومراد ثم حدث خلاف بينهما، وبالصدفة تجمع سعاد والطويل إشارة مرور والاثنان من سكان حى الزمالك ويستمع الطويل إلى صوتها وهى تقول له «مش حنلتقى بقه يا أستاذ وتلحّن لى؟!»، يلتفت فيكتشف أنها سعاد ويرد قائلا «يا ريت».

وفى المساء كان صلاح جاهين يتصل بصديقه كمال ويُسمعه الكلمات لتنطلق «يا واد يا تقيل» وتملأ الدنيا سعادة وبهجة وانتشاء.

حكى لى الأستاذ كمال أنه كان فى الإسكندرية واتصلوا به من القاهرة يقولون له إن الأغنية تم توزيعها موسيقيًّا وسوف تُسجَّل، ويطلبون منه الحضور، ولم يكن لدى الطويل رغبة فى حضور التسجيل إلا أن السيدة زوجته هى التى ألحَّت عليه بالعودة فورا إلى القاهرة، وبالفعل اكتشف أن توزيع الأغنية الأول رغم جماله الفنى فإنه يخون بناء اللحن المرح بكثرة استخدام الآلات النحاسية، وأصر على إعادته بتوزيع أكثر بساطة يشعّ تلقائية ويُبرز روح اللحن.

ويبقى السؤال: هل هناك خوف على تراثنا الغنائى من مثل هذه الضربات العشوائية؟ أؤكد لكم أن الأمر لن يتجاوز أياما أو أسابيع على الأكثر وبعدها سيظل اللحن الأصلى بأداء سعاد هو فقط الذى يملك أن يتنفس مع الزمن.

«البورنو الغنائى» مصيره دائما وأبدا مزبلة التاريخ!!

 

بناءً على توجيهات الرئيس!

طارق الشناوي

2015-04-23

هل هناك دراما تُقدَّم بناءً على توجيهات الرئيس؟ هذا هو الخبر الذى أعلنه حسن يوسف مؤخرا بعد بطولته لمسلسل «دنيا جديدة» الذى أنتجته الدولة من خلال اتحاد الإذاعة والتليفزيون. لماذا نضع اسم الرئيس فى جملة مفيدة مع عمل فنى؟ ما علاقة الرئيس بالمسلسلات والأفلام والأغانى والمسرحيات حتى يتولى توجيهها؟

منذ أن قال الرئيس فى إحدى الاحتفاليات لكلٍّ من أحمد السقا ويسرا «ربنا ح يحاسبكوا» يقصد بالطبع على الأعمال الفنية، وهناك من يسعى لكى تصل الرسالة للرئيس أنهم على الموجة يقدمون كل ما تريده الدولة وتحديدا الرئيس، إنهم لا يزالون يراهنون على الفن المتزمّت، هكذا قرؤوا شفرة الرئيس وقرروا المزايدة.

لا يوجد فن يقدَّم على مزاج أو مواصفات الدولة ولا رئيسها، أتذكر فى أثناء تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير، توجهوا إلى إنتاج أغانٍ عن الثورة على طريقة حمادة هلال «شهداء 25 يناير ماتوا فى 25 يناير» فتقدم كل مَن لديه قصيدة أو أغنية متعثرة للجنة المنوط بها الاختيار، وظلت هذه الأغانى حبيسة الأرشيف، والحمد الله الذى لا يُحمد على مكروه سواه، أنها لم تخرج إلى النور، فما سمعته منها يجعلنا نتمنى لها طول الإقامة فى الأدراج.

بعد ثورتين يجب أن نتخلص من تلك الفكرة التى لا تزال تسيطر على البعض وهى أن الرئيس يعرف كل شىء، فلا يمكن أن نعتبر مثلا أن الرئيس جمال عبد الناصر عندما وافق على عرض فيلم «شىء من الخوف» عام 69 كان يعنى منتهى الديمقراطية، فما لا يمتّ بصلة قُربى أو نسب إلى الحرية أن ننتظر الرئيس وموافقة الرئيس حتى يسمح بفيلم أو أغنية.

ماذا لو عُرض مسلسل «دنيا جديدة» الذى قدموه بناء على توجيهات الرئيس وكان لى أو لغيرى ملاحظات درامية وفنية، هل يتحمل فى هذه الحالة الرئيس مسؤولية الخلل الدرامى؟!

كفانا نفاقًا للرئيس!

 

فاتن أم ترسا؟!

طارق الشناوي

2015-04-23

الأمر ليس له علاقة بمفاضلة بين اسم فنانة كبيرة واسم قرية «ترسا»، لا مفاضلة بين الأسماء على الإطلاق، بل أزيدكم من الشعر بيتًا وأقول لكم إنه من حق أهالى قرية «ترسا» التابعة لمركز طوخ محافظة القليوبية أن يعتزوا باسم قريتهم، ولدينا كُثر من الشعراء كتبوا عن قُرى وُلدوا بها مثل محمد عبد المعطى الهمشرى الذى تغزل فى قريته «نوسا» فى محافظة الدقهلية قبل 90 عاما قائلا: منكِ الجمال ومنِّى الحب يا «نوسا» فلترحمى القلب إن القلب قد يئسا.

ولكن الأمر هنا ليس له علاقة بالطبع بمشاعر حب وانتماء إلى قرية نشأ بها إنسان يعتز بجذوره الريفية. قرأت الخبر الذى كتبه زميلنا فى جريدة «التحرير» محمد عبد الحميد وهو يشير إلى أن أهالى القرية احتجّوا على تغيير اسم المدرسة الإعدادية باسم «فاتن» بدلا من «ترسا»، هل كان الغضب يحمل تقديرا لاسم القرية، أم به نظرة غير مريحة للفن؟ ولا أقول لفاتن حمامة.

بدأت الحكاية عندما أقام محامٍ دعوى حتى لا يُطلق محافظ القليوبية اسم «فاتن» على المدرسة، من الممكن أن تُصبح دوافعه هى تحقيق الشهرة ولكنّ هناك إحساسا بأن الأمر وراءه ولا شك نظرة تفتقر فى مجملها إلى احترام الفن.

اسم فاتن حمامة دائما هو قرين الاحترام، عندما تقول «فاتن» على الفور تكون الكلمة المرادفة هى الاحترام، فكيف نصل إلى هذا المنحدر؟ هل السيدة فاتن حمامة بحاجة إلى اسم المدرسة أم أن العكس هو الصحيح؟

فاتن حمامة كُرِّمت كثيرًا فى حياتها فى بلدها وخارج الحدود، وقرر مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بعد رحيلها أن يطلق اسمها على جائزة أفضل ممثلة. فاتن من الفنانات القليلات اللاتى من الممكن أن تلمح صورتهن فى البيت المصرى كأنها أحد أفراد العائلة. لم أتابع فى الحقيقة باقى الحكاية، وهل توقف الأمر وكُتب اسم فاتن حمامة على المدرسة أم انتصر الظلام على النور!

 

محمد عيد!

طارق الشناوي

2015-04-23

ربما لا يعرف اسمه الكثيرون ولكنه -أقصد محمد عيد- أشهر وجه قزم عرفته الشاشة المصرية. أحمد فرحات، الطفل الذى بدأ مع عبد الحليم فى «شارع الحب» للمخرج عز الدين ذو الفقار، لا أعتبره قزمًا فهو أطول كثيرا من أن نطلق عليه كلمة «قزم»، وأقصر قليلا من أن نطلق عليه رجلا قصير القامة، وكان يعمل بالرئاسة فى الإلكترونيات وله قصص طريفة مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك عندما شاهده واعتقد أنه طفل جاء مع أبيه وكاد يعاقب كل العاملين بسببه.

محمد عيد أقصر رجل فى مصر، دخل موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، قرأنا اسمه مجددا على صفحات الجرائد عندما بدأ الكل ينعيه، رغم أنه كان يعمل فى سيرك فى الغردقة، البعض ألمح إلى أنه هو الذى نشر خبر وفاته حتى تتذكره الجرائد والإعلام بعد طول تجاهل، لا أتصور أن محمد عيد فعلها، ولكننا فى السنوات الأخيرة أصبحنا كثيرا ما نسارع بنشر أخبار الرحيل قبل التيقن من صحتها.

تلك الشائعة تفتح أمامنا ملف تعاملنا مع الأقزام فى الدراما، وكيف أننا فى سبيل تحقيق ما نتصور أنه ضحك نفقد إنسانيتنا، ومع الأسف ربما يقبل القزم تلك الإهانة بدافع الاحتياج المادى. أكثر فنان تعرَّض لتلك السخافات هو محمد عيد فى فيلم «الرجل الأبيض المتوسط»، حيث إن أحمد آدم بطل الفيلم كان يعامله طوال الأحداث كأنه حشرة ويضربه بالمضرب، وأحيانا يضعه فى مصافّ القطط الضالة ويضعه فى جراب بغرض التخلص منه بإلقائه فى إحدى البالوعات.

ما استوقفنى فى الحقيقة هو أن هذا الفيلم عندما عُرض قبل 14 عاما شاهدتُ الجمهور يضحك، ولا تزال تلك المشاهد تحقق قدرا من الضحك فى الفضائيات. هل تغيب الأحاسيس من أجل نكتة؟ نسيت أن أذكر لكم أن محمد عيد حقق نجاحًا فى رياضة التايكوندو فهو قادر على إنزال العقاب ضد من يسخر منه!

 

نجم الشبَّاك!

طارق الشناوي

2015-04-22

لا أحد فى العادة من النجوم يعترف أنه ينتظر الرقم، رغم أنه لا ينتظر فى الحقيقة أى شىء آخر فى الدنيا سوى الرقم.

فى الأيام الاخيرة، لدينا أربعة نجوم كل منهم أنتظر أن يحقق رقمًا فى الشبَّاك ليقول لشركات الإنتاج «أنا أهو أنا أهو». لم يتحقق فعليا سوى حسن الرداد فى «زنقة الستات» ويبقى رقم محمد عادل إمام فى «كابتن مصر» بحاجة إلى مراجعة، فلا يمكن اعتباره كله لمحمد إمام، فأكثر من اسم شاركه البطولة مثل على ربيع وأحمد فتحى ومحمد سلامة وبيومى فؤاد وغيرهم، الرقم فى «زنقة الستات» يشير إلى اتجاه لتدشين نجومية حسن الرداد، بينما محمد إمام فى بطولة تستطيع أن تقول إنها شبه جماعية لو حسبتها بالدراما، ولو حسبتها بعدد الضحكات لقلت «بل هى جماعية تمامًا»، فالكل يسهم بقسط وافر فى تحقيق الضحك.

ويبقى أن النجومية فى قانون السينمائيين تنتظر دائما الفيلم الثانى، أظن أن كلا من حسن الرداد ومحمد عادل إمام سيحصل بسهولة على تلك الفرصة. ويبقى فى موسم الربيع اسمان سقطا بـ«الثُّلث»: باسم سمرة فى «جمهورية إمبابة» وهشام إسماعيل فى «فزَّاع».. باسم استسلم، بينما لم يستسلم هشام لحقيقة الرقم، ولا يزال يقاوم معلنًا تعرُّضه لمؤامرة كُبرى، بينما الحقيقة -رغم اعترافى أن شركات التوزيع فى مصر لا تطبق أبدا قوانين العدالة- أن المسؤول الأول عن حالة التردى الرقمى هو هشام الذى لم يكتفِ فقط بالتمثيل، ولكن كتب أيضا، هل تعجَّل الفرصة؟ نعم تعجَّل جدًّا، بينما باسم سمرة يبدو كأنه صار متعودًا سينمائيًّا على الهزيمة الرقمية. قبل أسابيع قليلة كان يُعرض له فيلم «الدنيا مقلوبة» ومع نفس بطلة «جمهورية إمبابة» علا غانم، ولاقى هزيمة مماثلة.

هناك وميض سحرى بين النجم والجمهور فيقطعون من أجله التذكرة، حسن الرداد بدأ فى السباحة على شاطئ النجومية بينما محمد إمام لا يزال يقف على الشاطئ، ورغم ذلك فلا يمكن إصدار الحكم النهائى قبل مشاهدة الفيلم الثانى لكل منهما!!

 

عُرى الجسد.. وعُرى الفكر!

طارق الشناوي

2015-04-21

ما الذى يجمع بين الراقصة برديس والكاتب شريف الشوباشى؟ إنه العُرى حتى لو اختلفت الوسيلة، عُرى الفكر وجه آخر لعُرى الجسد.

الاثنان لديهما نفس الهدف، وهو تحقيق الشهرة والخروج من النفق المظلم إلى بقعة الضوء، حتى لو كانت تلك الأنوار مجرد زغللة تؤذى الأبصار.

برديس ترقص فى ملاهى الدرجة العاشرة منذ عشرين عامًا، ولا أحد يعرفها، فقررت حتى تلفت الانتباه أن تتخلص من جزء كبير من ملابسها وتضعها على النت، ووقع اختيارها على سعاد حسنى فى رائعتها «يا واد يا تقيل»، التى كتبها صلاح جاهين، ولحّنها كمال الطويل، وأخرجها بعبقرية حسن الإمام قبل 42 عامًا فى فيلمه الذى لا ينسى «خللى بالك من زوزو»، وضعت برديس كل ما لديها من إغراء جسدى فى تفاصيل «الفيديو كليب»، ومنحت الطُّعم للفضائيات بعد أن امتلأت المواقع بكل تلك التفاصيل من اللقطات الجنسية. مع الأسف نجحت خُطتها، وتلقف الزملاء الفضائيون الطعم، وهاتك يا هجوم، بل وصل الأمر إلى أنها تتصدر صورتها أغلفة عدد من المجلات. ليس مهمّا أن تصفها بالإسفاف، ولا حتى بقلة الأدب، المهم بالنسبة إليها أنها نجحت، والصورة وجدت طريقها للأغلفة وبرامج «التوك شو».

شريف الشوباشى وجه آخر للصورة، إنه العُرى الفكرى، يكتب منذ أكثر من أربعة عقود فى «الأهرام» أوسع الصحف العربية انتشارًا، لكنه عانى خلال السنوات الأخيرة من خفوت فى الوجود الإعلامى، يقول إن الإخوان منعوه من الكتابة فى «الأهرام»، ونسى أن الإخوان غادروا الموقع قبل أكثر من عام ونصف العام، ولا يزال قلمه خارج نطاق الخدمة، ربما لم يعد لديه ما يقوله، أو أن رؤساء تحرير «الأهرام» مع تعاقبهم على المقعد بعد إزاحة الإخوان لم يتحمسوا لكتاباته، أو كان يكتب مثل تلك الأفكار الخزعبلية فلم يتحمسوا لنشرها.

لقد منحت له الدولة فى مطلع الألفية الثالثة أكثر من موقع، رئيس العلاقات الثقافية الخارجية فى وزارة الثقافة ورئيس مهرجان القاهرة السينمائى، بعد أن تقدم حسين فهمى باستقالته من المهرجان، وفجأة تبدد كل شىء بين يديه، وظل يبرر لنفسه وقتها أن هناك من تآمر عليه، والصحافة تريد أن تنتقم منه، وأن كل من لم يحصل على موقع فى المهرجان ناصبه العداء. جنوحه الفكرى شاهدته وهو يعبر عنه جسديا أيضا فى 2007، وهو يعتدى بالضرب على مسؤولة كبيرة فى المكتب الفنى للمهرجان، ووجه إليها ضربة مباغتة بقبضته تناقلتها الفضائيات ليلة الافتتاح.

صار خارج دائرة الضوء، فاخترع من أجل لفت الانتباه فكرة أقل ما يمكن أن توصف بها هى الجنون، وطالب المحجبات اللاتى فرض عليهن الحجاب بالذهاب فى الأسبوع الأول من شهر مايو إلى ميدان التحرير لخلعه، مؤكدا أنه مع مجموعة من الرجال سوف يتولون حراستهن من أى اعتداء خارجى، وبدأ فى سرد عدد من الإحصائيات المريضة عن أرقام ونسب مئوية تحاول أن تربط الحجاب بالفحشاء، ونسى أنه يتطرف على الجانب الآخر، ومن تريد خلع الحجاب تستطيع أن تفعل ذلك فى بيتها بلا مظاهرة.

كان آخر وسائل دفاعه عندما اكتشف ضعف حجته، فزجّ باسم الرئيس عبد الفتاح السيسى، مشيرا إلى أنه ينفذ دعوته فى التحرر من مفاهيم خاطئة فى الدين، استشعرت الرئاسة أن هناك من يريد توريطها فى خزعبلاته، ولهذا حرص الرئيس على التأكيد مجددا أن المقصود هو ثورة لتصحيح قراءة الدين.

عندما رأيته مؤخرا فى برنامج «العاشرة مساء» مع الصديقين وائل الإبراشى ونشوى الحوفى أشفقت عليه، وهو غير قادر على ضبط معلومة أو حتى ضبط جملة مفيدة، كثيرا ما كانت تخونه تعبيرات وجهه، متأرجحا فى حركات عصبية بلا منطق بين الابتسام والامتعاض.

إنه الانحراف بوجهيه، سواء أكانت وسيلته العُرى الجسدى أو الفكرى، ولا نملك لمواجهته إلا سلاحا واحدا هو التجاهل!

 

تلعنها صباحًا وتلهث وراءها مساءً!!

طارق الشناوي

2015-04-20

لا تتوقف برامج اكتشاف المواهب الجديدة عن التكاثر، لا تمضى سوى أسابيع قليلة إلا ونرى على إحدى الفضائيات مولودا جديدا يتم تدشينه وسط زفة إعلامية تغنى له «حلقاتك برجالاتك يا سلام سلم على شرباتك»!!

قالها يوسف بك وهبى بعد أن استعارها -دون أن يعترف- من وليم شكسبير «وما الدنيا إلا مسرح كبير». وأستطيع أن أضيف مع حفظ الحقوق الأدبية والمادية للزميلين العزيزين يوسف ووليم «وما الدنيا إلا برنامج مسابقات كبير». عشرات من البرامج دائما تتوالد مع اختلاف كثافة المشاهدة وتباين درجات نجومية لجان التحكيم، كلها تعد بشىء واحد وهو البحث عن مطرب أو مذيع أو ممثلة أو راقصة.

هل أثمرت هذه البرامج فعليا عن إضافة ما؟ هل وجدنا مطربا يقول مثلا لعمرو دياب «قوم أقف وأنت بتكلمنى» أو حتى قادرا على منافسة أوكا وأورتيجا؟ هل نجحنا فى اختراع راقصة؟ الوحيدة التى اقتحمت مجال الرقص منذ عامين هى صوفينار، وهى كما ترى وارد الخارج وليس لها علاقة بتلك البرامج المتخصصة أساسا فى اكتشاف المواهب العربية.

فى إحدى الفضائيات الفلسطينية قرروا أن يقدموا تنويعة مغايرة، وهى البحث عن زعيم، ووجدنا أمامنا رجال سياسة هم الذين يمنحون الدرجات لمن يتصورون أنه من الممكن أن يصبح زعيما، وبالطبع لم يقدم لنا هذا البرنامج عبد الناصر أو ياسر عرفات ولا حتى «أبو مازن» موديل 2015 وتوقف بعد بضعة أشهر.

أستمع إلى قسط وافر من المشاهدين وهم يقولون: «زهقنا»، ولكن الحقيقة العملية وبالأرقام تؤكد أن هناك إقبالا عليها، وكثافة المشاهدة تزداد مع الأيام، ولو كان صحيحا أننا وصلنا إلى مرحلة التشبع فلماذا تتوالد تلك البرامج بطريقة المتوالية الهندسية، أى حاصل الضرب، إذ إن البرامج الأربعة غدت فى غضون سنوات قلائل ستة عشر برنامجا؟ لو أن الناس بالفعل أدارت ظهرها ما كان من الممكن أن تتزايد على هذا النحو السريع.

النجوم هم أصحاب الكلمة العليا، لا الأساتذة والمتخصصون. تابع مثلا لجان التحكيم أو الاختيار فى معاهد السينما والمسرح ستجد أنهم أكاديميون ومتخصصون فى علمهم ولكنهم فى العادة غير معروفين لدى الجمهور، بينما هذه البرامج تبحث أولا عن النجم الجماهيرى، وهكذا صار مثلا راغب علامة مطلوبا بقوة، يترك برنامجا ليجد بعد بضعة أشهر برنامجا آخر يغريه بالمشاركة بأجر أعلى. فى برنامج لاختيار مذيع العرب لم يفكروا مثلا فى أستاذ للإعلام، ولكنهم وقع اختيارهم على ليلى علوى لأنها النجمة، وفى الإعلان عن البرنامج تصدرت هى المشهد وليس طونى خليفة أو منى أبو حمزة وهما اللذان يشاركانها تقديم البرنامج. تلك هى قواعد اللعبة المتفق عليها بين كل الأطراف، ومن يُرِد أن يطبق قواعده العلمية سيجد نفسه لا محالة خارج الحلبة.

هذه البرامج لها وجه آخر قد يخصم من رصيد الفنان، وهو أن المشاهد -أتحدث بالطبع عن القسط الأكبر من الجمهور- صار «شوفونيا» فى متابعته، المصرى ينحاز للمصرى واللبنانى يمنح صوته للبنانى والخليجى يصوت للخليجى، وهو فى هذه الحالة يترقب عضو لجنة التحكيم فاحصا أولا جواز سفره، وهكذا مثلا صارت المطربة شيرين متهمة لأنها انحازت قبل عامين إلى المطرب الفلسطينى محمد عساف ضد ابن بلدها المطرب محمد جمال، وعبثا حاولت شيرين التوضيح بأنها منحت صوتها للأفضل ولم تنظر إلى الجنسية، ورغم ذلك ظل الاتهام يلاحقها وحتى الآن.

أنت تضبط ساعة مواعيدك وتؤجل كل ارتباطاتك وتشارك فى التصويت، أنت المجنى عليه ولكنك بالدرجة الأولى الجانى ومع سبق الإصرار والترصد، تلعنها صباحًا وتلهث وراءها مساءً!!

 

«قُلة» أحمد رامي!

طارق الشناوي

19-04-2015

روى مرة الشاعر الكبير أحمد رامى أنه كان يرى على البعد فتاة جميلة تطل من خلف الشباك، فكان يتغزل فيها بعشرات من القصائد، وتصور من طول إقامتها، أنها تبادله الغرام، فتشجع وقرر أن يقترب أكثر وأكثر ليمسك الحقيقة بعينيه فاكتشف أن ما كان يعتبرها فتاة أحلامه وملهمة أشعاره ما هى إلا «قلة قناوى»، فتوقفت من بعدها لغة الكلام.

الخيال الجامح دائما هو الذى يحرك الإبداع، الصورة التى ننسجها للمحبوب هى التى تحدد زاوية الرؤية، مثلا كان أمير الشعراء أحمد شوقى يقول على لسان قيس بن الملوح «ليلى بجانبى كل شىء إذن حضر»، تابعوا لو أن قيسا تزوج ليلى هل كان سيلقبه أحد بالمجنون، أم سينسى تماما أمام ضغوط الحياة تلك المشاعر المتأججة، ويعود إليه عقله ليرى الحقيقة التى هى غالبا مُرة.

أحب رامى أم كلثوم من طرف واحد بالطبع، وأسفر هذا الحب عن عشرات من أشهر وأرق الأغنيات فى تاريخنا الفنى «هجرتك» و«رق الحبيب» و«إنت الحب» و«يا ظالمنى» و«عودت عينى على رؤياك» و«يا مسهرنى» وغيرها، هل كان رامى سيكتب «من كتر شوقى سبقت عمرى» لو كان قد تزوج أم كلثوم؟

أشهر قصائد الحب «الأطلال»، التى اعتبرها عديد من المراجع هى قصيدة القرن العشرين كان الشاعر إبراهيم ناجى مغرما بكتابة أبيات تلك القصيدة على «روشتات» العلاج، حيث كان طبيبا، وأيضا كتب بعضها على مناديل كل من النجمتين زوزو ماضى وزوزو حمدى الحكيم، لكنه لم يتزوج أيا منهما، وإلا ما كان قد كتب تلك الشطرة العبقرية «وعدونا فسبقنا ظلنا».

ما ذكرنى بتلك الحكايات هو سؤال تابعت إجابته قبل عدة أشهر عبر شريط سينمائى فاز بجائزة المُهر الذهبى لأفضل فيلم قصير فى مهرجان «دبى» عنوانه «فتزوج روميو جولييت» للمخرجة التونسية هند أبو جمعة، الفيلم يقول، ماذا لو تزوج العاشقان، المخرجة التونسية رصدت فكرة الخرس الزوجى، فى الحقيقة تعدتها إلى الكراهية، هكذا تخيلت روميو وجولييت بعد أن وصلا إلى العقد الثامن من عمرهما، وهما يعيشان تحت سقف واحد، وكل منهما صار منعزلا، ولديه حياته وخصوصيته، وعندما يتقابلان صدفة فى المطبخ مثلا كان الموقف أشبه بحادثة تصادم، كل منهما كان ينتظر أن يغادر الآخر المشهد تمامًا ليعيش بمفرده.

النجم الكبير الراحل كمال الشناوى روى لى أنه كان لديه مشروع لسيناريو كتبه فى مطلع التسعينيات يقدم من خلاله جزءا ثانيا لما يحدث بعد عشرين عاما بينه وبين شادية، بعد أن اشتركا معا فى 36 فيلما روائيا، وهو رقم لم يصل إليه أى ثنائى من قبل، نور الشريف وميرفت أمين فى المركز الثانى 25 فيلما، بينما مثلا ليلى مراد وأنور وجدى جمعهما فقط 8 أفلام.

كمال الشناوى كتب سيناريو أحداثه تبدأ بمشهد أبيض وأسود من نهاية أى فيلم قديم جمعهما، وهما فى طريقهما للمأذون، ويكتب على الشاشة مرت 20 عاما، ثم يبدأ فى تقديم مشكلات البيت والأولاد، وكيف انعكس ذلك سلبا على مشاعر الحب القديم، أوصلتهما إلى حافة الطلاق، إلا أنه وحتى لا يصدم مشاعر الجمهور أنهى فيلمه والمأذون يعقد قرانهما مجددا، بينما أبناؤهما شهود على العقد، عندما عرض كمال الفكرة على شادية كانت قد اعتزلت، وتحجبت فتوقف المشروع.

قال نزار قبانى «الحب فى الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه»، وأتصور أن «قُلة» رامى تُثبت ذلك!

 

فزَّاع.. ضاع!

طارق الشناوي

18-04-2015

كنت أطارد فزاع من سينما إلى أخرى، حتى إننى ذهبت إليه فى شم النسيم إلى سينما فى وسط البلد، لديها أربع شاشات، حتى أتمكن من العثور عليه، بعد أن باءت كل محاولاتى السابقة بالفشل فى مشاهدته فى السينما القريبة من منزلى، فوجئت أن دار العرض تُلغى كل العروض، لكى تبث فقط «زنقة الستات»، وهناك من يُمسك بالميكروفون أمام دار العرض على طريقة قرب قرب، والجمهور يتدافع إلى «الزنقة»، بينما السينما المقابلة تعرض فيلم «كابتن مصر» وسط حفاوة جماهيرية مماثلة. فى اليوم التالى فى حفل الواحدة ظهرا تمكنت من مشاهدته فى ظل خفوت جماهيرى ملحوظ، لو قلت إنه يقترب من أصابع اليدين أكون مبالغا، أصابع يد واحدة تكفى.

يملأ هشام إسماعيل الدنيا بالشكوى، مؤكدا تعرض الفيلم لمؤامرة كونية، وفى غابة السينما تحديدا أرى كيف تلتهم الأسماك الكبيرة الصغيرة، فهل كان الجميع ينهشون فزاع؟

هشام إسماعيل حقق فى السنوات الأخيرة قدرا ملحوظا من النجاح. إنه واحد من عشاق فن التمثيل، بدأ فى فرقة لينين الرملى، إلا أنه انطلق مع خالد جلال فى مسرحية «قهوة سادة» من خلال مركز الإبداع، ليتواصل من دور إلى آخر، كأنه بطل المسافات القصيرة، والتقطه بذكاء أحمد مكى فى مسلسل «الكبير قوى»، وتوافقت شخصية «فزاع» مع الجمهور، لهذا صنعوا لها إعلانا، وكانت الخطوة التالية هى بطولة الفيلم.

يبدو أن هشام عاش فى «فزاع» أكثر مما ينبغى فصنع بيده فيلمه على الورق، السيناريو ليس لديه شىء يملأ به هذا الفراغ على الورق، فكان من البديهى أن نرى الفراغ مجسدا على الشاشة.

ليس العيب فى شخصية «فزاع»، لكن كيف يتم استثمارها دراميًّا، مثل هذه الشخصيات النمطية موجودة فى كل العالم، مثلا شارلى شابلن، ولدينا إسماعيل ياسين، وصولا إلى اللمبى والكبير قوى، لكن الأمر ليس مضمونا، ولا يمكن أن تطمئن للنتائج لمجرد أنك قررت أن تحيل الشخصية إلى اللعب منفردة فى كل المساحة، هناك فقر شديد فى الفيلم، وكثيرا ما كان يتجاوز شاطئ الضحك لنراه واقفا على تخوم الاستظراف، مثلا هو يقدم أمه الصعيدية أنعام سالوسة بكاركتر مباشر، سيدة تحب المقالب، وتتحدت بـ«الواتس أب»، وتجاوزت الجرعة المسموح بها، فلم تنجح حتى فى تحقيق الابتسام، الرحلة التى يبدؤها البطل من قريته فى الصعيد الجوانى إلى المدينة واحدة من أشهر القوالب، التى عاشت عليها الأفلام والمسرحيات من أول «كشكش بيه»، نجيب الريحانى، تاجر القطن، الذى ينفق أمواله فى القاهرة على الغانيات، بينما «فزاع» إنسان فقير، ولا يملك سوى علبة كعك صنعتها والدته، وينتقل بها من مكان إلى آخر.

استعان المخرج ياسر زايد بكل من الغائبين حمدى الوزير وسيمون، كان حمدى لديه هدف، وهو أن يذكر الناس وتحديدا هذا الجيل بحمدى، وكان منذ الثمانينيات واحدا ممن تراهن عليهم السينما المصرية بين نجوم الصف الثانى، لكنه تراجع ووصل إلى حدود التلاشى. لعب حمدى قسطا كبيرا فى الوصول إلى تلك الحافة، وهو ما تجد له تنويعة أخرى مع سيمون الموهوبة كصوت وأداء درامى، وكان حضورها ملفتا «آيس كريم فى جليم» و«يوم حلو يوم مر» لخيرى بشارة، ولها مشوار ممتع فى مسرح محمد صبحى، لكنها انزوت وتقوقعت، عادت ضيفة فى دور مزروع بلا هدف ولا ملامح، ولا أزال أنتظر عودتها.

خسر الجميع، والخاسر الأكبر هو بالطبع هشام إسماعيل، من حقه أن يهاجم أصحاب دور العرض، إلا أن السؤال: هل كان الفيلم بحالته المتردية قادرا على الصمود؟ «فزاع» هو المتآمر الأول على «فزاع»!

 

وزير الثقافة.. «إشمعنى»!

طارق الشناوي

17-04-2015

مديرة المديرية بوزارة التعليم قررت حرق الكتب الدينية المتطرفة، مع إضفاء روح ثورية بإنشاد الأغانى الوطنية مع الطلبة فى حوش المدرسة، كانت المديرة بالفعل لديها قناعة مطلقة بأنها تفعل عين الصواب، وأنها هدى شعراوى القرن الحادى والعشرين.

ما رأيناه هو نتيجة حالة من الهوس المرضى فى إثبات الولاء للنظام، مع عدم إدراك لأى شىء آخر من الممكن أن يعكر صفو الصورة، المديرة كانت من المؤكد تنتظر أن ترى صورتها متصدرة صفحات الجرائد، وهذا المشهد الذى نراه الآن مستهجنًا سيثنى عليه الجميع، بعد أن تتلقفه الفضائيات وتعرضه مشيدة بتلك الروح الوطنية التى تتمتع بها هذه السيدة التى تذوب فى حب مصر، فلقد أقدمت على إضرام النيران بكل صدق وإخلاص وتفانٍ، ولسان حالها يردد: أنتم تريدون منع الكتب المتطرفة فى المدارس، وها أنا ذا أحرقها على أنغام «يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر» و«بلادى بلادى»، وها هم الطلبة فى الحوش يرفعون علم بلادى، ماذا تريدون منى أكثر من ذلك.

ألا أستحق تكريمًا؟! ألا تضعون فى عيونكم حصوة ملح وتعينوننى وزيرةً للتربية والتعليم؟ هل توجد تربية أكثر من تعليم النشء حرقَ الكتب التى تحمل أفكارًا هدامة؟ أنتم تقولون ضرورة تمكين المرأة من المناصب العليا، وأنا تتوفر لدىّ كل الشروط من شجاعة وإقدام وحرق، هل هذا هو جزاء «سنمَّار»، الذى صار يضرب به المثل على الإخلاص والتفانى فى العمل لدى رؤسائه، فهو بعد أن بنى قصرًا منيفًا قرر الملك اغتياله، لأنه الوحيد الذى يعرف السر.

لا شك أن مديرة المديرية تشعر أنها «سنمارة»، فهى نتاج مجتمع محتقن ومستنفَر إلى درجة الهوس.

ننتقل من الاستنفار إلى الاستظراف، أقصد إلى وزير الثقافة د.عبد الواحد النبوى، الرجل كما هو واضح يكمل مسيرة رئيس الوزراء، الذى ينتقل من موقع إلى آخر تحوطه العدسات الصحفية والكاميرات التليفزيونية، هل هو أراد الاستهزاء أو الاستظراف؟ من المؤكد الاستظراف، معتقدًا أن هذا «الإفيه» سيحقق له نوعًا من الشعبية لدى مرؤوسيه فى متحف محمود سعيد بالإسكندرية، وسوف يسارعون بالضحك والقهقهة، وهو يسخر أمامهم من زميلتهم، أظنهم فعلوا ذلك فازداد هو إعجابًا وأكمل الفاصل، وعندما قرر العودة إلى القاهرة كان يعتقد جازمًا أن البساط «صار أحمدى»، ونسى شيئين هما: أن المعركة غير متكافئة، أنت لا تدخل فى قافية متعادلة بين شخصين مثل «سلطان والفار» كانا ثنائيًّا ضاحكًا عرفتهما مصر فى الخمسينيات فى برنامج إذاعى شهير «ساعة لقلبك»، كان كل منهما على خشبة المسرح يبدأ فى السخرية من الآخر، ويصل الأمر أحيانًا إلى الأم والأب، ويكيل كل طرف للثانى الصَّاعَ صاعين، فهل كانت الموظفة مثلًا تملك أن تدخل فى قافية مع الوزير وتقول له: ساعتك، ويرد عليها بتلك الكلمة الشهيرة: «إشمعنى»، فترد: بتعمل إيه فى إيدك اليمين؟ ويلتقط هو القافية: «البطاطس المحمرة»، تقول له: «إشمعنى»، يرد عليها: بتكليها بإيدك الشمال.

هل ستتم معاقبة مديرية المديرية بوزارة التعليم بالإقالة مثلًا؟ لا أتصور ذلك سيكتفى بالتنبيه عليها بأن لا تفعل ذلك مجددًا، وهو ما سيتعرض له أيضًا الوزير، وربما يذهب إلى متحف محمود سعيد ويقدم اعتذارًا مباشرًا وعلى الملأ وأمام كل الموظفين، وربما أيضًا ينضم خفر السواحل لمشاهدة اعتذاره العلنى للسيدة عزة، ورغم ذلك فسيظل الوزير الفترة الزمنية القادمة مادة ساخرة جاهزة وساخنة على صفحات الجرائد والفضائيات بعد أن «إشمعنى».. «اتعلّم عليه»!!

 

عبد الناصر يُنقذ «ربيع» فريد الأطرش

طارق الشناوي

16-04-2015

عندما يأتى الربيع تسيطر علينا موسيقى الأغنية الرائعة «الربيع»، فلا ربيع دون فريد منذ أن غناها عام 49 فى فيلم «عفريتة هانم»، ولكن فى عام 70 كانت هناك معركة فارقة. وهكذا قبل 45 عاما، وفى مثل هذه الأيام وجد التليفزيون الوليد وقتها (لم يكن قد أكمل بعد عامه العاشر) ولكنه وجد أن عليه أن يختار.. هل ينقل حفل الربيع على الهواء الذى يُحْييه عبد الحليم أم ينقل حفل فريد الأطرش؟ لم تكن الإمكانيات المتاحة وقتها تسمح بنقل أكثر من حفل واحد فقط، فلا وزير ولا رئيس وزراء يستطيع أن يحسم، كان ينبغى أن ينتظروا الرئيس.

لم يغنِّ أحد لعبد الناصر والثورة مثل عبد الحليم، ولكن عبد الناصر لم يكن فقط عاشقًا لصوت فريد ولكنه أيضا كان مقدِّرًا لدور مصر العربى، وكل عربى له فى مصر نفس الحقوق، وهكذا قرر نقل حفل فريد على الهواء بينما يسجَّل حفل عبد الحليم ليُعرض فى اليوم التالى.

عشّاق فريد دائما لديهم عتاب، ويقارنون بين نصيب فريد فى ذكراه ونصيب عبد الحليم، خصوصا فى الإعلام المصرى، الذى يبدو للوهلة الأولى كأنه مصاب بـ«الشوفينية» فهو يسرف فى منح عبد الحليم مساحات ضخمة من الاهتمام بينما هو ضنين إلى حد الشُّح والتقطير عندما يتعلق الأمر بفريد.

ذكرى فريد تحل قرب نهاية العام ببضعة أيام، وفى العادة فإن الصحافة والإذاعة والتليفزيون تمنح كل المساحات المتاحة أمامها لتقديم إحصاءات وكشف حساب للعام الذى أوشك على الرحيل وللعام الذى سيُولَد بعد قليل، ولا تتبقى إلا مساحة ضئيلة جدًّا للاحتفال بذكرى فريد، بينما تأتى ذكرى عبد الحليم 30 مارس فى وقت ينتظر فيه الإعلام قدوم أى حدث يشغَل به الفراغ الإعلامى!

لماذا لا نغيّر موعد الاحتفال بفريد وننتقل من يوم ذكراه إلى يوم ميلاده 21 أبريل، حيث يُتم بعد تسعة أيام 105 أعوام؟ ما رأيكم أن نُشعل شموعًا فى عيد ميلاد فريد القادم، فهو من جعل حياتنا بصوته وألحانه دائما «ربيع فى ربيع»؟!

 

شعبولا الدكتور

طارق الشناوي

16-04-2015

وجَّه شعبان عبد الرحيم عتابا شديد اللهجة إلى أكاديمية الفنون لأنها منحت الدكتوراه الفخرية لأميتاب باتشان وتجاهلته رغم أنه غنَّى عام 2000 «بحب عمرو موسى وباكره إسرائيل»، تلك الأغنية التى رفعت أسهم عمرو الشعبية لسابع سما، وينسى شعبان أنه هو أيضا الذى غنَّى له بعدها بـ12عاما فى أثناء ترشحه للرئاسة «أنا حانتخبك يا عمرو» فخسف باسمه إلى سابع أرض!

شعبولا كان أيام المخلوع يتحرك تبعًا لما تريده الدولة، وشاعره الملاكى إسلام خليل يكتب كأنه يتابع أخبار الدولة فى نشرة أخبار ركيكة، كل لمحة تمر بها مصر يحيلها إلى أغنية، وكل حدث شخصى لعائلة الرئيس مثل إنجاب الطفلة فريدة ابنة جمال، يتحول إلى فرح شعبى.

على الجانب الآخر كانت دولة مبارك تمنحه حمايتها، وتذكّروا قضية الحشيش وجاكيت شعبولا التى شغلت الرأى العام عندما اكتشف ممرض فى «قصر العينى» خلال الكشف على شعبولا أن الجاكيت به مخدرات، وتابع الناس القضية بضعة أيام ثم أغلق النظام السابق الأوراق قبل أسابيع من رحيله. ظل شعبولا جنديًّا مخلصًا حتى اللحظات الأخيرة لمبارك والأسرة، فهو قبل إجبار مبارك على التنحى كان يغنى له:

«أنا هانتخبك يا ريس

لو حتى دمى سال

وإن ماترشحتش انت

أنا هانتخب جمال»

وهكذا فهم الفولة.. الدولة تريد جمال ولكن عليه أولا أن يؤيد ترشح مبارك الأب وبعدها يغنى للوريث. كان شعبولا يطبق مبدأ التوريث عائليًّا، وبدأ فى دعم أبنائه «عصام وسيد وخميس وعبد الرحيم» لاستكمال المسيرة، مع مرور الزمن لم يعد شعبان فى الصدارة، وفى الشارع ظهر بعده أكثر من مطرب شعبى أزاحه تمامًا مثل عبد الباسط حمودة وسعد الصغير ومحمود الليثى وأوكا وأورتيجا وغيرهم، وربما لهذا السبب قرر أن يبحث عن مجال آخر يعيده إلى المشهد وهو الدكتوراه ليحمل دكتوراه فخرية فى «إيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييه».

 

يا أبنودى يا عسل!!

طارق الشناوي

16-04-2015

سألونى فى أكثر من إذاعة: ماذا تقول عن الأبنودى فى عيد ميلاده؟ قلت إنه أحد صُناع الحياة المصرية فى نصف القرن الأخير، وهو أكثر المبدعين خلف الكاميرا الذين منحتهم الجماهير فيضًا من الحب فصار نجمًا فى القلوب، حتى إنهم من فرط حبهم أطلقوا اسمه على نوع من العسل الأسود وضعوه فى زلعة بلاستيك وأطلقوا عليه «عسل الأبنودى»!

إنه رأى رجل الشارع البسيط فى شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى. العسل الأسود فى الثقافة الشعبية يعنى الطعم اللذيذ المتوفر للجميع دون معاناة مالية، فهو شاعر شعبى من الممكن أن يشاهده الناس بينهم يتجول فى الشارع ويغمس معهم لقمة «مِشّ» أو يمص عود قصب، ولهذا أطلقوا اسمه على أكلة شعبية رخيصة وفى متناول الجميع، الفقير قبل الغنى.

المؤكَّد أن الإحساس الشعبى الذى غمر به المصريون الأبنودى شاعرًا وإنسانًا، وجد نفسه متجهًا إليه فى محنته الصحية وتعاطف معه ومنحه «زلعة» من الحب تشبه الصعيد الجوَّانى، الذى أتى منه شاعرنا الكبير، ولا يزال يحمله فى أعماقه. العسل الأسود هو المعادل الموضوعى لكل هذا الحب.

الأبنودى شاعر «السيرة الهلالية» و«عدوية» و«وهيبة» و«موال النهار» الذى واسانا به بعد هزيمة 67 وهو يقول «عدَّى النهار والمغربية جايّه تتخفى ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه فى السكة شالت من ليالينا القمر»، وهو القائل «وحتسافر وحتسيبنى هنا للشوق يدوّبنى أعدّ الثانية قبل اليوم وأحلم بيك وأنا صاحى وأحلم بيك فى عز النوم»، وهو الذى كان يُبكينا مع عبد الحليم حافظ «رميت نفسك فى حضن سقاك الحضن حزن».

أحضان المصريين تمنحه الآن كل الحب.. يقولون له فى عيد ميلاده: يا أبنودى يا عسل!!

 

نيللي كريم.. فراشة تبحث عن فراشة!!

طارق الشناوي

16-04-2015

فى آخر عامين كانت هى الأولى فى أغلب الاستفتاءات المصرية والعربية بمسلسليها «حكاية بنت اسمها ذات» ثم «سجن النسا». الأول عن رواية صُنع الله إبراهيم، والثانى عن مسرحية للراحلة فتحية العسّال، والمشترك بينهما هى كاتبة السيناريو مريم ناعوم، والمخرجة كاملة أبو ذكرى التى ارتبطت فنيًّا بنيللى، إذ بالإضافة إلى أن المسلسلين كانت هى إحدى بطلات فيلمها «واحد صفر» وشاركت فى بطولة أحدث أفلامها «يوم للستات»، إلا أن مسلسل رمضان هذا العام «تحت السيطرة» من إخراج تامر محسن الذى أثبت نفسه تليفزيونيًّا قبل عامين فى مسلسل الكاتب وحيد حامد «دون ذكر أسماء».

عندما يحقق النجم مكانة خاصة لدى الجمهور يصبح هو الواجهة ويزداد نفوذه على مفردات العمل، ولكن نيللى أوصدت تمامًا هذا الباب، الذى يُحيل عادة الفنان إلى قوة طاغية تتجاوز حدود بطل العمل الفنى ليصبح هو العمل الفنى.

نيللى حريصة على أن تظل تتحرك فى مساحتها كممثلة لتعيش دورها فقط، وهى أيضا على المستوى الشخصى تريد أن تظل بعيدة عن الشائعات التى تابعناها فى الأيام الأخيرة وهى تقتحم بيتها وإحدى المجلات الفنية سارعت بإعلان خبر طلاقها على الغلاف، وعلى الفور وضعت حدًّا للنميمة، وقالت «نعم هناك خلاف ولكن لم يحدث طلاق» فكانت بمثابة نقطة تُنهى تلك الفقرة، ومن أول السطر.

نيللى تتمثل خطوات فاتن حمامة التى قدمتها فى أول إطلالة درامية عبر الشاشة الصغيرة قبل 15 عاما فى مسلسل «وجه القمر»، منذ أن شاهدتها قبلها بعام بطلة للفوازير، وظلت نيللى منذ ذلك الحين تسترشد بسيدة الشاشة.

أوقن أن نيللى قادرة على أن تعْبر كل المعوقات الشخصية لتعيش فقط الشخصية التى تؤديها أمام الكاميرا، فلقد أبهرتنا وهى تؤدى دور «ذات» ابنة الطبقة المتوسطة التى تصبح هى عيننا التى نُطل من خلالها على تاريخ مصر المعاصر منذ ميلادها فى ثورة 23 يوليو 1952 حتى يأتى المشهد الأخير وهى تشارك فى ثورة 25 يناير 2011، بينما «غالية» فى «سجن النسا»، فهى معادل موضوعى للمعاناة التى يعيشها أكثر من 50% من المصريين، عندما يخفت صوت العدل وتزداد مخالب الفقر وهى تنهش فى الجسد والروح.

نيللى من هؤلاء المبدعين الذين تُنضجهم الأيام بسرعة، وهكذا فى غضون سنوات قلائل فاجأتنا بكل هذا الحضور والألق. دائما سقف طموحها الفنى يتجاوز ما هو تحت قدميها لترنو إلى السماء. كانت ولا تزال تحلم بتقديم مسلسل عن حياة فراشة الرقص الشرقى سامية جمال. الحلم عمره خمس سنوات ولا يزال يتجدد بداخلها، ومن الممكن ببساطة أن تدرك أن راقصة الباليه نيللى كريم، تطالب أيضا بحقها فى العودة إلى التعبير الجسدى المسكون بالروح، كانت سامية جمال فراشة بأجنحة متعددة الألوان تُشعّ حضورا وألقًا أمام الكاميرا، ولدينا الآن فراشة تبحث عن فراشة!

 

فؤش مجرد «نمرة»!

طارق الشناوي

09-04-2015

لم يدرك، أو ربما أدرك، لست أدرى بالضبط، إلا أننى أميل أكثر إلى أنه لم يدرك أنه اختار الطريق الخاطئ وهو أن يصبح «نمرة» فى برنامج، أحدِّثكم عن المطرب الذى عرف القمة الغنائية قبل ربع قرن عندما كان يتنازعها مع عمرو دياب، وبينما عمرو انطلق ولا يزال فإن محمد فؤاد هبط ولا يزال.

فى العام الماضى شاهدناه فى برنامج المقالب «فؤش فى المعسكر» كان يريد أن يقلّد رامز جلال فى برنامجه «رامز قرش البحر» فصار بعدها اسمه الحركى «فؤاد كرش البحر».

أظنها مرة، أقصد كنت أظنها مرة، بعد أن أخذ جزاءه «تالت ومتلّت» من النقد والسخرية عبر «الميديا» كلها حتى فوجئت قبل أيام، أنه ضيف أول حلقة من برنامج «مذيع العرب» وهو يقدم «إفيه» يتقمص دور مذيع ألثغ فى حرف السين، ويعطى ظهره للجنة التحكيم، المكونة من ليلى علوى وطونى خليفة ومنى أبو حمزة، الحكاية -كما ترى- برمّتها مفتعَلة.

أرى محمد فؤاد منذ ثورة 25 يناير وهو مهزوز، عندما ظهر فى التليفزيون المصرى فى الأيام الأولى من الثورة وهو يبكى معلنًا تأييده لمبارك وأنه رئيسه مدى الحياة وأبوه الروحى حتى لما بعد الحياة، ووجَّه رسالة إلى الشباب الثائر بالعودة فورا إلى منازلهم، ولم يكتفِ بهذا القدر بل هددهم بأنه سوف يُقْدم على الانتحار لو لم يعودوا خلال ساعات إلى بيوتهم، ولم ينفِّذ وعده، وأنا بالطبع سعيد بأنه لم يرتكب هذه الحماقة، إلا أنه لم يوضح لأحد لماذا تراجع، هل لأنه اكتشف أن الانتحار محرَّم دينيًّا أم لأنه اكتشف أن الشباب على حق؟! لا يزال موقف فؤاد غامضًا من الثورة حتى الآن، وهو مثل أغلب نجومنا موقفهم هو مصلحتهم، ولكن هل يعرف بالضبط أين تكمن مصلحته؟

الحقيقة أن حالة اللا توازن الفنى التى يعيشها فؤاد لها بُعدها التاريخى فى عام 1997 وبالتحديد شهر أغسطس، عندما عُرض فيلم «إسماعيلية رايح جاى» كان هو البطل وهو الاسم الذى من أجله تم المشروع السينمائى، والإيرادات وصلت إلى 15 مليون جنيه، والتى كانت تعنى فى ذلك الزمان أنها تجاوزت ضعف ما كان يحققه عادل إمام، إلا أن شركات الإنتاج بدلا من أن تتجه إلى محمد فؤاد توجهوا إلى محمد هنيدى ثم إلى جيل نجوم الكوميديا الراحل علاء ولى الدين ومحمد سعد وأحمد حلمى وهانى رمزى.

بينما فؤاد الذى كان يعتبر نفسه سينمائيا بمثابة عبد الحليم حافظ، وهنيدى بديل عبد السلام النابلسى، لم يتصور لحظة واحدة أن السينمائيين سوف يتوجهون إلى النابلسى، وتعددت بعدها الإخفاقات السينمائية لفؤاد، ثم انتقل إلى الدراما التليفزيونية واستمرت الهزائم توأمه ولصيقة به، ولم يعد يفكر إلا فى أن يحصل على قضمة من أى شىء.. تقديم برنامج أو ضيف فى برنامج أو مجرد «نمرة» فى برنامج!

 

خالد النبوى تحت مظلة هيفاء وهبى!!

طارق الشناوي

09-04-2015

بين الحين والآخر يستيقظ خالد النبوى ليدرك أنه بعيد عن بؤرة الإعلام، على الفور يخترع عملا فنيًّا عالميًّا، أقصد يُوهم الصحافة المصرية أنه عالمى مثل فيلمه «المواطن» الذى كان يصفه عبر الإعلام بأنه «أبا عن جد» وارد هوليوود، وكالعادة عُرض الفيلم ومات لحظة ميلاده بالسكتة الجماهيرية، لأن اسم النبوى على العمل الفنى صار طاردا للجمهور.

بين الحين والآخر نرى النبوى فى لقطة أو اثنتين فى فيلم عالمى مثل «لعبة عادلة» وقبله «مملكة السماء» وتبدأ الصحافة فى التطبيل، مؤكدة أننا غزونا العالم! ويقع الإعلام بحُسن نية فى مصيدة النبوى.

نعيش حاليا مع اقتراب ماراثون رمضان فى ظل حالة من الحراك التليفزيونى فكان ينبغى أن يجد النبوى لنفسه مكانا على الخريطة.

وكما أن الأرقام لم تشهد لصالحه سينمائيًّا فهى أيضا لا تعترف به تليفزيونيًّا، فمسلسلاته لا تحقق كثافة مشاهدة تدفع شركات الإنتاج إلى تكرار التجربة، وهكذا تبدد أمله للعام الثالث على التوالى فى تقديم حياة الدكتور مصطفى محمود فى مسلسل تليفزيونى.

ملأ النبوى «النت» بصوره متقمصًا ومحاكيًا مصطفى محمود ولكن لم يجد المسلسل أى شبكة تليفزيونية تتحمس للشراء بسبب اسم البطل، كان عليه أن ينتقل سريعا إلى الخطة رقم «2» وهى البحث عن نجمة أو نجم يتولى توفير الغطاء الجماهيرى له، وهكذا جاء مشروع مسلسل «مريم» والغطاء هذه المرة هى هيفاء وهبى التى يتم بالفعل بيع المسلسل باسمها كبطلة مطلقة ولا يهم بعد ذلك اسم من يشاركها التمثيل، لن يعترف النبوى أبدا بأنه البطل الثانى للمسلسل، سوف يلجأ إلى ماكينة الدعاية مجددا التى تؤكد أن هيفاء هى التى تشاركه البطولة وتلك هى الخطة رقم «3»!!

 

جمال سليمان والحلم المستحيل!!

طارق الشناوي

09-04-2015

«حدائق الشيطان» جزء ثانٍ، وقبله «المشبوه»، من الشاشة الكبيرة إلى الصغيرة، مشروعان مطروحان على مائدة رمضان.. ما الذى يجرى بالضبط؟ الجزء الثانى، هكذا تُعلِّمنا التجارب مغامرة غير مأمونة العواقب، أما تحويل الفيلم الذى يتجاوز زمنه ساعتين إلى مسلسل يصل زمنه إلى 20 ساعة فهذا يبدو نوعا من الغش التجارى.

أعحبنى ما قرأته وهو أنه رغم موافقة بطلى «المشبوه» عادل إمام وفاروق الفيشاوى على الفكرة بعد أن استأذنهما مخرج الفيلم سمير سيف فى أن يُسند دوريهما إلى ابنيهما لأنه سيتولى الإخراج التليفزيونى أيضا، لكن لا محمد عادل إمام ولا أحمد فاروق الفيشاوى تحمَّسا للفكرة، وهكذا بات المشروع بعيدا عن التحقق.

ويبقى «حدائق الشيطان» الذى كتبه محمد صفاء عامر وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ قبل تسع سنوات وحقق وقتها نجاحا فاق كل التوقعات فى مصر والعالم العربى، وكتب بالفعل شهادة ميلاد جديدة لجمال سليمان كواحد من أهم نجوم الدراما التليفزيونية فى مصر والعالم العربى، ولا يزال دوره «مندور أبو الدهب» فى «حدائق الشيطان» هو عنوانه الأثير، فلم يستطع على المستوى الجماهيرى خصوصا فى مصر أن يتجاوز سقف هذا النجاح.

رحل الكاتب صفاء عامر ورحل قبله المخرج عبد الحافظ ولكن الفكرة لم تَمُت، بالطبع هناك أعراف أدبية وحقوق مادية لورثة الكاتب الكبير الراحل لأن الكاتب الجديد سوف يستلهم الشخصيات حتى لو وضعها بحكم الضرورة فى مواقف مغايرة، إلا أنها تظل امتدادا دراميا لفكر الكاتب الأول، الأمر معقَّد على المستوى القانونى والأدبى، منتج المسلسل حصل على موافقة جمال سليمان بينما سمية الخشاب شريكته فى البطولة لا تزال مترددة، تركت الباب مواربًا.

لا أتصور أن التجربة لصالح سمية فهى قد انتقلت دراميا بعيدا عن دورها «قمر» فى «حدائق الشيطان»، بينما جمال سليمان لا يزال يحلم بـ«مندور أبو الدهب»!

 

الانتقام القاتل!!

طارق الشناوي

09-04-2015

المطرب كمال حسنى الذى احتفلت الإذاعة المصرية بذكراه العاشرة على استحياء، بعد 48 ساعة فقط من احتفالها الضخم بذكرى رحيل عبد الحليم حافظ الثامنة والثلاثين، فلقد أرادوه ليس فقط بديلًا عن عبد الحليم ولكن صورة بالكربون ونسخة طبق الأصل.

كان كمال نتاج تجمع لمشاعر الغضب.. المنتجة مارى كوينى قررت أن تقدم كمال حسنى مع نفس فريق عمل أول أفلام عبد الحليم «لحن الوفاء» المخرج إبراهيم عمارة والنجمة شادية والملحنون محمد الموجى ومنير مراد والشاعر

محمد على أحمد.. وأكثر من ذلك فإن اسم حسنى مثل اسم حافظ ليس هو الاسم الحقيقى، فكما أن الإذاعى حافظ عبد الوهاب منح اسمه لعبد الحليم شبانة فإن الإذاعى حسنى الحديدى منح اسمه للمطرب كمال الدين محمد.

لم تستمر مسيرة كمال حسنى أكثر من فيلم «ربيع الحب» ولم يتبقَّ منه إلا عدد محدود من الأغانى مثل «لو سلِّمتك قلبى واديت لك مفتاحه»، و«غالى علىّ»، و«عند بيت الحلو هدّى».. الغريب أنه بعد أن ابتعد عن الحياة الفنية لمدة أكثر من 40 عامًا عاد قبل رحيله بسنوات قلائل للإذاعة المصرية ولكن

كان الزمن قد تغير تمامًا ولم يعد أحد يتذكره.

هل حارب عبد الحليم حافظ كمال حسنى وحاك ضده المؤامرات؟ لا أتصور ذلك ولكن كمال أُحيط بعدد من أصحاب مشاعر الغضب الموجهة ضد عبد الحليم وكلهم اعتقدوا عندما استمعوا إلى صوته القريب بل المتطابق مع حليم أن ساعة الانتقام قد حانت، مارى كوينى المنتجة المعروفة كان لديها ثأر شخصى لأن عبد الحليم رفض التعاقد معها على أفلام من إنتاجها. أما الكاتب الكبير موسى صبرى الذى تولى الدعاية لحسنى فقد كان غاضبًا من عبد الحليم لأنه تراجع

فى اللحظات الأخيرة ولم يسجل بصوته أغنية كان يستعد لترديدها لتصبح دعاية له فى الانتخابات.. أرادوا أن يصنعوا منه قنبلة تنفجر فى وجه حليم وعندما نزعوا الفتيل انفجرت القنبلة فى وجه حسنى.

 

صحفى تحت السرير

طارق الشناوي

08-04-2015

فى كثير من اللقاءات التى شاهدت فيها الكاتب الصحفى مفيد فوزى متحدثًا عن عبد الحليم الإنسان يشعرنى فى إجاباته أنه كان طوال سنوات علاقته بعبد الحليم قابعًا تحت السرير، راصدا عدد مرات نجاحه أو إخفاقه الجنسى.

بعيدا عن مدى نصيب هذه الأحاديث من المصداقية، هل يجوز أن يتحول الخاص جدًّا إلى عام، وفى متناول الجميع؟ لو أننا بصدد الحديث عن شخصيات عامة سياسية أو فنية رحلت عن عالمنا، هل يصبح كل شىء متاحًا للتداول، وهم لا يملكون إثباتا أو نفيا؟ تفاصيل حياة الفنانين الشخصية هل نحيلها إلى المشاع؟ أم أن ما كان سرًّا فى حياتهم ينبغى أن يظل للأبد سرًّا؟ الحقيقة أن هناك أسرارا تستحق النشر والذيوع، بينما أخرى من الأمانة أن تظل داخل الصندوق الأسود.

أتذكر أننا قبل بضع سنوات فوجئنا بتصريح للسيدة نهلة القدسى، أرملة الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، أكدت فيه أنها قد أضرمت النيران فى تلك الرسائل، التى أرسلها لها عبد الوهاب، معبرا لها عن مشاعره العاطفية، بينما مثلا على الجانب الآخر حرصت السيدة جيهان السادات على الاحتفاظ بهذه الرسائل الخاصة للسادات، بل وقرأت بعضها فى أكثر من حوار تليفزيونى وإذاعى.

السيدة نهلة أكدت بكل فخر أنها قد جمعت كل هذه الخطابات، ووضعتها فى قارورة من العطر، كان يفضلها عبد الوهاب، ثم أحرقتها، وعندما سألوها قالت أخشى بعد رحيلى أن تصبح فى أيدى آخرين.

لفقد نفذت أرملة الموسيقار الكبير حكم الإعدام فى هذه الأوراق، حتى لا تقع فى أيدى الأبناء أو الأحفاد، ثم يكتشفون أن جدتهم وجدهم كانا يتبادلان خطابات الغرام والعتاب والهيام، واختارت لحظة شديدة الرومانسية قبل 12 عامًا، وهى ليلة الاحتفال بيوم ميلاد الموسيقار الكبير 13 مارس، وغمرتها بماء العطر الباريسى المفضل لموسيقار الأجيال، ثم أشعلت عود الثقاب. اعتبرت نهلة أن هذه الخطابات شأن خاص، إذ إن ما يربط عبد الوهاب بجمهوره هو أغنياته، وهى لم تفرط فيها، وحافظت عليها، وقدمت حتى المجهول منها كاملة، وبلا مقابل للجمهور!

كل مقتنيات الفنان مع مرور الزمن تتحول إلى وثائق، وليس مجرد مؤلفاته أو لوحاته، مثلا سيدة الغناء العربى أم كلثوم احتفظت أسرتها بمناديلها الشهيرة ونظارتها السوداء وفساتينها، ولدينا فى القاهرة متحف يضم عددا منها. صحيح أنه منذ 16 عامًا تم التبرع بعدد منها فى مزاد علنى، ذهبت حصيلته لمكافحة الجوع، وحقق أحد مناديلها الذى كانت تحرص على الإمساك به فقط مليون جنيه، لكن تبقى فى المتحف جزء من المقتنيات الأخرى، إلا أن ورثة أم كلثوم مثل ورثة عبد الوهاب لم يسمحوا بأى أوراق خاصة للعرض فى المتحف!

وليم شكسبير تم الاحتفاظ بكل متعلقاته الشخصية ورسائله، وقبل بضع سنوات ثار جدل واسع حول «غليون» شكسبير هل كان لاستعماله الشخصى أم شاركه فيه الآخرون. الزعيم الوطنى سعد زغلول مثلا نشرت مذكراته الخاصة، التى اعترف فيها، آسفا، أنه كان يلعب القمار.

جبران خليل جبران، الذى كان يجمع بين موهبة الشاعر والفنان التشكيلى والفيلسوف لم يتم الاكتفاء فقط بتجميع أدبه سواء الذى أبدعه بالعربية أو الإنجليزية، بل كل مقتنياته تم الاحتفاظ بها، وبالطبع نشرت رسائله الغرامية التى كتبها للأديبة اللبنانية مى زيادة فى كتاب، والمنضدة التى شهدت إبداعه وأدوات الكتابة والفرشاة كلها مع الزمن أصبحت شهودا على هذه العبقرية الاستثنائية، ولهذا تحولت هذه أيضا إلى مزار أقيم له فى لبنان مسقط رأسه!

كل التفاصيل الصغيرة ينبغى أن نحتفظ بها كشاهد على الزمن، إنه الخاص عندما يُصبح فى جانب منه عاما، لكنْ هناك خاص ينبغى أن لا ننتهك خصوصيته، حتى لو عرفه صحفى، هذا لو صدقنا أنه كان طوال سنوات علاقته بعبد الحليم قابعا تحت سريره!

 

إذا كان حلال أدينا بنشربه!

طارق الشناوي

07-04-2015

لولا أننا تجاوزنا مطلع أبريل ببضعة أيام لتصورتها أنها الكذبة التى بلعت فى لحظة واحدة كل الأكاذيب الأخرى، إلا أن الحقيقة هى أنها بالفعل حقيقة، أعلنت عنها قبل ساعات قليلة رابطة تجار السجائر فى القاهرة والجيزة، حيث طالبوا رئيس الوزراء، الذى علينا أن نُطلق عليه فى هذه الحالة «المعلم».

أقصد بالطبع المهندس إبراهيم محلب، بتقنين تداول المخدرات فى ربوع مصر المحروسة، وذلك من أجل تأكيد روح الانتماء الوطنى، حيث إنك كلما أمعنت فى تعاطى الأنفاس، وكلما كنت صادقا فى كركرة الشيشة انعكس ذلك بالإيجاب على الحالة الاقتصادية للوطن، الاقتراح الذى تقدمت به الرابطة أكد أيضا ضرورة إعادة الاعتبار للحشيش المصرى بدلا من دفع المليارات فى استيراده، بل إننا على العكس سوف نتحول من دولة مستوردة إلى واحدة من أكبر دول العالم تصديرا للصنف، لأن التربة المصرية مثلما تمنحنا قطنًا طويل التيلة تتخاطفه كبرى شركات المنسوجات فى العالم، فإننا قادرون بإذن الله على إنتاج نوع معتبر من الحشيش، يمتد مفعوله من المساء إلى الصباح، ومن الصباح إلى مساء اليوم التالى.

ومع كل نفس سيجارة حشيش يجب أن تفخر بنفسك وترفع رأسك عاليا لأنك مصرى حريص على أن تؤدى واجبك، حيث إن التاجر الذى تتعامل معه بما يرضى ربنا سوف يسدد هو أيضا ضرائبه بما يرضى ربنا، مع إضافة ضريبة المبيعات، ثم إنه لن ينسى بعد ذلك أن يتبرع لصالح صندوق «تحيا مصر»، ووجدت الرابطة أننا سنحقق فى العام الواحد ما يربو على 40 مليارا، لا تقولى بقى مؤتمر اقتصادى ولا دياولو.

لا أستطيع بالطبع أن أغض الطرف عن ميل قطاع من المصريين لتعاطى الحشيش، ولكنى لا أتصور أن أكثر من نصف الشعب المصرى مدمنون، حيث إن الرابطة تقدر عددهم برقم 45 مليونا، فإذا قلنا إننا 90 مليونا بيننا 15 مليونا من هم دون الخامسة عشرة، أى لم يتم فطامهم بعد على شرب الحشيش، فنحن إذن نتحدث عن أكثر من 70% من المصريين المسطولين، فهل بالفعل وصلنا إلى تحقيق تلك النسبة التى نباهى بها الأمم.

تجارة المخدرات لديها وسائلها فى إحباط كل محاولات المنع، وطبقا للتقارير الرسمية لا يتجاوز ما يتم ضبطه فقط 15%، بينما يجد الباقى طريقه فى الوجود على الأرصفة، وفى مراحل عديدة كانت الدولة تتسامح فى منح حرية التداول، وحى «الباطنية» كان حتى مطلع التسعينيات يسمح بالبيع والشراء العلنى، ولم تجرؤ الدولة على اقتحامه.

الثقافة الشعبية ترى أن الحشيش حلال، بينما المحرم هو الخمر، ولهذا فإن السينما المصرية تعتبر تيمة المخدرات هى الأشهر، ولا تزال شخصية الشيخ حسنى، التى أداها محمود عبد العزيز فى «الكيت كات» لداوود عبد السيد عام 1991، هى الأكثر قربًا للجماهير، بينما العبارة التى لا تنسى تلك التى كتبها محمود أبو زيد فى فيلمه «العار»، إخراج على عبد الخالق، وعلى لسان نور الشريف عام 82 «إذا كان حلال أدينا بنشربه وإذا كان حرام أدينا بنحرقه».

المزاج المصرى يميل بطبعه للوصول إلى تلك المنطقة الآمنة لسعادة فى الدنيا، وفى نفس الوقت تنتظره فى الجنة البنات الحور.

بيع الحشيش مباشرة وتحت إشراف الدولة دعوة بين الحين والآخر كان يتم تداولها، قالها مرة، ربما قبل 20 عاما د.محمد شعلان، وهو واحد من أساطين الطب النفسى، على أساس أن الحشيش أقل المخدرات ضررا لو قارنته مثلا بالهيروين أو الكوكايين، فأنت تكافح الخطر الأكبر بالخطر الأقل.

المخدرات غنوا لها مثل سيدة فرنسا الأولى سابقا كارلا بونتى، عندما أرادت أن تتغزل فى زوجها الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى فوصفته قائلة «أنت مخدرى، أشد قوة من الأفيون الأفغانى، وأخطر من الكوكايين الكولومبى»، وبعد إباحة زراعة الحشيش فى مصر عليها أن تضيف عند إعادة تسجيل الأغنية و«أفتك من الحشيش المصرى»!

 

أوليفيرا عبَر للشاطئ الآخر

طارق الشناوي

06-04-2015

غادرَنا قبل أيام قلائل عميد السينمائيين فى العالم مانويل دى أوليفيرا، 106 أعوام وبضعة أشهر، وكان حتى العام الماضى يضع اللمسات الأخيرة لفيلم قصير، وقبل عامين فقط شاهدت فيلمه الروائى «جيبو والظل» الذى شارك فى مهرجان أبوظبى وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

اعتبرت اللجنة الفيلم إضافة سينمائية بما يحمله من حنين لعصر ما قبل الكهرباء وتشبثه بالحالة المسرحية. الفيلم بطولة الفنانة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالى والفرنسية الكبيرة جان مورو.

كنت شغوفا برؤيته، وذلك بعد مشاهدتى لفيلمه الروائى قبل الأخير الذى عرض منذ أربعة أعوام فى مهرجان «كان» وعنوانه «حالة أنجليكا العجيبة».

ومانويل يكتب دائما السيناريو، وهو ما فعله أيضا فى فيلمه «جيبو والظل»، المأخوذ عن مسرحية للكاتب البرتغالى راؤول براندو.

الفيلم فقير جدا إلى حد الشُّح فى استخدامه للمفردات السينمائية فى المونتاج وحركة الكاميرا وتعدد الأماكن والموسيقى والمؤثرات، وكأنه يعيدنا إلى عصر ما قبل السينما، لم يكن هذا اختيارا بقدر ما رأيته وقتها استسلاما.

قضية الفقر فى بدايات القرن العشرين هى ما يتناوله الفيلم، ويلجأ أوليفيرا إلى أن يتكئ على المونولوج الطويل فى التعبير، وهو ما يحتاج إلى قامات تمثيلية سامقة مثل تلك التى شاهدناها. ولكنى كنت أرى وقتها أن لجنة التحكيم كان الأجدر بها أن تمنح المخرج جائزة خاصة لتاريخه ولإصراره على أن يظل وحتى آخر دفقة فى قلبه يتنفس سينما، ولكن لا أتصور أن الفيلم كما أشارت اللجنة شكّل بأى حال إضافة سينمائية.

ما يثيره أوليفيرا يتجاوز كل ذلك إلى سؤال: هل هناك عمر افتراضى للموهبة؟ تزهر.. تنضج.. تذبل.. ثم تموت وهو لا يزال على قيد الحياة؟ نعم، كما أن للإنسان عمرا افتراضيا فإن للموهبة فترة صلاحية، تتدخل عوامل كثيرة فى زيادة مساحات زمن العطاء أو فى تقليص هذا الزمن، إلا أن قانون الطبيعة له دائما قوة لا يستطيع أحد أن يتحداه أو يتجاوزه، لكن التحايل عليه ممكن، والاستثناء أيضا ممكن!

كان الراحل صلاح طاهر، 96 عاما، يتنفس فقط حتى أيامه الأخيرة أمام لوحاته، فكان يذهب يوميا من مسكنه بالجيزة إلى مرسمه بالزمالك وظلت لديه دائما ومضاته التى لا تخبو… الموسيقار محمد عبد الوهاب، 91 عاما، ظل يبدع ألحانه وهو ممسك بالعود، لم يتوقف عن مطاردة الإلهام، فلقد كان يحتفظ بكثير من الجمل اللحنية التى سجلها قبل الرحيل… نجيب محفوظ، 95 عاما، عندما عجز عن الإمساك بالقلم وضعف النظر والسمع استجار بالأحلام فأحالها إلى إبداع، وكان حتى لحظاته الأخيرة متمتعا بخفة ظله وقفشاته… أمينة رزق، 88 عاما، وهى فى المستشفى طلبت من المخرج حتى لا يتعطل التصوير أن تنفذ مشاهدها فى المسلسل الأخير الذى كانت تشارك فى بطولته ليتم تعديل السيناريو وتصبح مريضة فى المستشفى… عبد الوارث عسر، 87 عاما، لم يعتزل التمثيل ورحل فى أثناء تعاقده على فيلم جديد.

استمرار الفنان مرتبط بقدرته على التجدد مع الزمن وأن يهضم الحياة ليظل مستقبلا لكل نبض جديد أو تغير فى السلوك أو الذوق، ليس معنى ذلك أن يفقد شخصيته الإبداعية وهو يلاحق الإيقاع العصرى، لكن عليه أن يدرك أن للزمن قانونا والنغمة التى يتوحد عليها الناس تتغير من جيل إلى جيل، النغمة ليست فقط فى الموسيقى ولكن فى أداء الممثل نغمة.. فى الكلمة نغمة.. فى أسلوب الإخراج نغمة.

نعم، الإبداع يتأثر سلبا مع مرور السنوات، لكن الفنان لا يفقد كل أسلحته، وتظل هناك أيضا بعض ومضات باقية، على الفنان أن يشحذ دائما طاقته للحفاظ هذه الشذرات قادرة على أن تواجه عوامل الزمن القاسى الذى لم ولن يفلت منه مبدع على مدى التاريخ.

مانويل دى أوليفيرا يظل على مدى التاريخ معجزة سينمائية، بل وإنسانية عصية على التكرار!

 

محمود سلطان!

طارق الشناوي

05-04-2015

فى جيلنا كان قارئ نشرة الأخبار قبل الانتشار الفضائى هو النجم الأول، ننتظره فى نشرات السادسة والتاسعة مساءً والواحدة بعد منتصف الليل، وعرفنا فى السبعينيات كلا من أحمد سمير ومحمود سلطان، كان سمير قد سبق سلطان ببضع سنوات إلى ماسبيرو، إذ كانت بداية كل منهما فى الستينيات عبر أثير الإذاعة، لكن سمير انطلق بسرعة الصاروخ من الميكروفون إلى الكاميرا.

كان من الممكن أن تلحظ تلك المعركة المحتدمة بينهما، لم يكن أى منهما طرفا فيها، وربما كانا صديقين على المستوى الشخصى. لا أظن أن الكواليس شهدت صراعا معلنا بين نجمى النشرة بقدر ما كانت بين جمهورهما، وكان السؤال عن أيهما الأكثر حضورًا. وللأمانة التاريخية، انطلق شفيع شلبى فى نفس الفترة الزمنية، وكان يشكل نبضا مغايرا وأسلوبا أكثر عصرية وتحررا، بل ومشاغبة، لكن لظروف متعددة وبسبب مؤامرات حيكت ضده ليس الآن مجال التحقق منها اختفى بعد سنوات قليلة من المشهد التليفزيونى برمته، كما كان حلمى البلك يشكل ثقلا، لكن رصانته المفرطة فى أداء النشرة لم تضعه فى تلك المنافسة، وظل القطبان الرئيسيان هما سمير وسلطان.

كل منهما كان متأنقا فى ملبسه، لكن سلطان كان هو الأبسط، كل منهما كانت لديه طلة خاصة، لكن الأكثر وجودا على الصعيد الإعلامى هو سمير، لكل منهما علاقات متعددة بالوسط الفنى، سلطان ربطته صداقة حميمة مع نور الشريف، بينما سمير مع منافسه فى تلك السنوات محمود ياسين، كل منهما كان هدفا للأفلام السينمائية، كلما كان المقصود هو تقديم لقطة لقارئ النشرة، كل منهما للمفارقة تزوج مذيعة تليفزيونية، سمير «سهير شلبى»، وسلطان «مها توفيق». ورحل أحمد سمير قبل نحو عشرين عاما، وواصل سلطان العمل فى النشرة، وأيضًا كان له حضوره المتميز فى برنامج كانت كل مصر تشاهده بعد صلاة الجمعة، وهو «عالم الحيوان». كيف كان يطوع صوته بكل هذه الانسيابية لنعيش معه اللحظات المرعبة عندما يطارد الأسد غزالا صغيرا، وكلنا نتوحد عاطفيا مع الغزال، ونتمنى أن يفلت من فك ملك الغابة، لكن هيهات. ويقدم سلطان فى تلك اللحظة التراجيدية طبقة صوتية من القرار مليئة بالحزن على مصير الغزال، لكن لا ينتهى البرنامج عند تلك اللقطة، فلا تزال فى السماء طيور ملونة تصالحنا مرة أخرى على عالم الحيوان، وأتصور أن محمود سلطان كان يتدخل بشكل أو بآخر فى تتابع تلك الحكايات لنعيش الأمل مع الموسيقى المميزة فى نهاية الحلقة، لننتظره بلهفة الجمعة القادمة.

لم ألتقِ سلطان كثيرًا، إلا أننى بحكم المهنة كثيرا ما نكشته لمعرفة بعض الكواليس، وبحكم أنه كان يشغل أخطر منطقة، وهى نشرة الأخبار، روى لى بعض الحكايات التى كان شاهد عيان عليها، أن سوزان مبارك لم تكن ترتاح عندما كان صفوت الشريف يرسل مذيعات صغيرات لإجراء حوار مع مبارك، وطلبت منه أن لا يكرر ذلك، وأنه فى منتصف التسعينيات، وبحضور مبارك، وفى عيد الإعلاميين، طالب البعض بأن تتحرر نشرة الأخبار الرسمية من هذا التتابع القاتل، الذى يبدأ دائما بخبر مبارك أو سوزان، وأن من اعترض وقتها هو صفوت، ربما لأنه الأدرى بالمفاتيح الشخصية لمبارك، الذى كان حريصًا على إعلان أنه لا يهمه أن يحتفى به الإعلام، لكنه فى الحقيقة لم يكن يعنيه سوى أن يحتفى به الإعلام.

بعد ثورة يناير تقدم بفكرة برنامج للمسؤولين إلا أنه فوجئ أن لا أحد يسأله ليعرف بالضبط ما الذى انتهى إليه، وتوقف المشروع، ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، كنت أتابع صوته فى الإذاعة الإخبارية خلال الأشهر الأخيرة، لكنى لاحظت قدرا من الوهن وقد اعترى نبرات الصوت، لكنه ظل يحمل كثيرا من ملامحه المميزة.

سلطان كان نموذجًا لقارئ نشرة لا يصنع الأخبار، لكنه يقدمها للناس بحياد، المساحة التى يتحرك فيها قارئ النشرة محدودة للغاية، ولديه هامش ضئيل من الإضافة، وكلما ضاقت المساحة احتاج الأمر لتحقيق التميز إلى موهبة استثنائية، ومحمود سلطان كان هو صاحب تلك الموهبة الاستثنائية. اليوم تحل ذكراه الأولى، ومن حقه علينا أن نعيد نشر هذا المقال!

 

لغز «قارئة الفنجان»!

طارق الشناوي

04-04-2015

تجدد الحديث مرة أخرى حول نسب أغنية «قارئة الفنجان» كاملة إلى الموسيقار محمد الموجى، حيث إن الموسيقار والموزع والملحن وعازف الكمان ميشيل المصرى قبل بضع سنوات قال إنه صاحب المقدمة اللحنية التى نسمعها، وإنه قدم لعبد الحليم عدة اقتراحات، ثم وقع اختياره على تلك التى تم اعتمادها. أعاد زميلنا العزيز الناقد الموسيقى اللبنانى، جمال فياض، قبل أيام، فتح هذا الملف مرة أخرى على صفحات مجلة «زهرة الخليج» الإماراتية، مما يوحى لمن يقرأ دون أن يعلم كواليس صناعة الأغانى فى مصر أن بالفعل للقصيدة ملحنين، واحد للشعر والثانى للمقدمة.

ميشيل المصرى أحد الموهوبين رغم ندرة ما أبدعه، يكفى أن أذكركم أنه عندما اعتذر عمار الشريعى عن تلحين مقدمة «ليالى الحلمية» لضيق الوقت أسند إليه المخرج إسماعيل عبد الحافظ تلحين كلمات سيد حجاب بصوت محمد الحلو، فكان هو اللحن الشجى الذى استحوذ على مشاعرنا، ولا يزال منذ انطلاق الجزء الأول عام 87، وستجد له أيضا المقدمة المليئة بروح البهجة «مين اللى ما يحبش فاطمة» عام 93، وهو بالمناسبة أنجح أغنيات محمد ثروت. ميشيل عازف كمان من الفصيلة النادرة، لا أظنه سوى أنه يقول ما يعتقد أنه الحقيقة، لأنك بالفعل فى كل أحاديث محمد الموجى وعبد الحليم حافظ تكتشف أن تنفيذ اللحن أسهم فيه عبد الحليم بقسط وافر من خلال قيادته للفرقة الموسيقية، بل أكثر من ذلك أنه فى حضور الملحن كان عبد الحليم هو الذى يقود الفرقة، وهو الذى يحدد هل نعيد الكوبليه أم نكتفى بهذا القدر. عبد الحليم مع مرور الزمن أصبح هو المسيطر على كل تفاصيل العمل الفنى، وهذا هو سبب ابتعاد كمال الطويل عن استكمال مشواره فى الأغانى العاطفية مع عبد الحليم، بعد أن أصبح كما قال لى الطويل يشعر بأنه الزعيم، لاحظ الطويل ذلك فى أثناء بروفات «بالأحضان» فابتعد. يقول الطويل لم أكن أستطيع التوقف عن تلحين الأغانى الوطنية، لكنى بعد «بلاش العتاب» توقفت عن استكمال المسيرة العاطفية، ولا يعرف الكثيرون أن الطويل استعان بالملحن رؤوف ذهنى لوضع اللزم الموسيقية للحن «بلاش العتاب»، لكنه بعد أن استمع إليها لم ترضه فنيا، فأعاد تلحينها مرة أخرى.

مقدمة «قارئة الفنجان» بها ترديد لجمل موسيقية رئيسية عديدة، مأخوذة عن لحن الموجى للقصيدة، ولا تستطيع أن تعتبرها إبداعا خاصا لميشيل، حتى لو حملت تطويرا لجملة موسيقية أو أكثر، ثم إن هذه هى دائما قواعد اللعبة الموسيقية فى بلادنا خلال الأربعين عاما الأخيرة، الملحن يترك فى العادة اللحن بلا مقدمة ولا لزم موسيقية، ويتولى الموزع نسج كل التفاصيل متكئا على التيمة الرئيسية فى اللحن الأساسى.

الموجى هو أغزر ملحن عرفته الموسيقى العربية طوال تاريخها، ولا ينافسه سوى بليغ حمدى، يبدو لى وكأن الموجى يعرق موسيقى، فهل كان عاجزا عن مقدمة أو لزمة، إنه قانون جديد ارتضاه الموجى فى التعامل مع عبد الحليم عندما بدأ يستشعر أنه المسؤول الأول والأخير عن تفاصيل الأغنية، عبد الحليم له رأى مباشر يقول فيه أغنى اللحن بوجهة نظر ملحنه فقط فى التسجيل الأول، بعد ذلك أقدم اللحن بوجهة نظرى أنا.

الموسيقار ميشيل المصرى لحق بالمحطة الأخيرة لزمن العمالقة، وشارك بالعزف أيضا فى فرقة «أم كلثوم»، فهو قامة وقيمة كبيرة، ابتعد عن الساحة لظروفه الصحية، ولا أستطيع أن أوجه إليه أى لوم على هذا التصريح الملىء بظلال الاتهامات التى من الممكن أن تلاحق موسيقار بقامة وقيمة محمد الموجى، ورغم ذلك لدينا شهود أحياء مثل عازفى الأورج فى الفرقة الماسية التى كانت تصاحب عبد الحليم دائما، وهما هانى مهنا ومجدى الحسينى، فلماذا لا يدلى كل منهما برأيه بدلا من أن نستشعر أن الطريق لحل لغز «قارئة الفنجان» مسدود مسدود مسدود!!

 

بصل مُسيل للضحك!!

طارق الشناوي

03-04-2015

تمكن اليابانيون من زراعة بصل مثير للضحك والقهقهة على عكس البصل «البيئة» المسيل للبكاء والدموع الذى توارثته البشرية جيلا بعد جيل.

نحن فى الحقيقة سبقنا اليابانيين فى الوصول إلى هذا المنعطف التاريخى الذى يشهد دائما انقلابا دراميا ينتقل من النقيض إلى النقيض، لأننا ومنذ مئات السنين وكما «دهنَّا الهوا دوكو» و«خرمنا التعريفة»، أطلقنا على البصل المحمّر اسم «الورد»، ومحلات الكشرى تساومك على الثمن لو طلبت واحد «ورد» زيادة، وهكذا أصبح للبصل المحمّر فى الذاكرة الشعبية رائحة تنافس الفُل والياسمين والبنفسج.

والبشر أيضا من الممكن أن تجد أنهم يحملون مذاقا آخر غير الذى أَلِفناه وتعارفنا عليه، رغم أننا كثيرا ما نستسلم للوجه الشائع من الصورة. مثلًا الفنانة القديرة أمينة رزق هى ملكة الدموع والبكاء على المسرح وأمام كاميرا السينما، ولكنها عندما تجاوزت الثمانين شاركت فؤاد المهندس وشويكار بطولة المسرحية الكوميدية «إنها حقًّا عائلة محترمة» فصارت فى لحظات قنبلة موقوتة للقهقهة فكانت قفشاتها تملأ جنبات المسرح!

من الممكن أن ترى فى نفسك أنك مسيل للدموع فتكتشف أن الناس لا تراك سوى مثير للضحك، والعكس أيضا صحيح.

عندما نزح إسماعيل ياسين من مسقط رأسه مدينة السويس إلى القاهرة كان أمامه هدف واحد وهو أن يصبح مطربا مثل أستاذه ومَثَله الأعلى محمد عبد الوهاب، وكالعادة كانت نقطة الانطلاق هى الغناء فوق سطح العمارة فى الأفراح حيث كان السطح فى نهاية الثلاثينيات هو المكان المفضل للأعراس، قبل أن تتغير الدنيا وتنتقل الأفراح من السطح إلى الشارع، كان «سُمعة» يردد من أعماق قلبه أغانيه الحزينة والناس تضحك أيضا من أعماق قلبها، يقول باكيًا رائعة عبد الوهاب «أيها الراقدون تحت التراب» والناس فى دُنيا تانية، وهو ما لاحظه زجَّال مصرى كان يكتب أيضا المونولوجات واسم الشهرة «أبو بثينة»، عندما حضر بالصدفة واحدة من سرادقات الأفراح فالتقطه ليحيله إلى مونولوجيست مصر الأول، وأطاح بزعيم المونولوج فى ذلك الزمن سيد سليمان، ثم أصبح إسماعيل ياسين هو مفجر الضحك الأول على الساحة المصرية.

تنويعة أخرى حدثت قبل هذا التاريخ بنحو عشرين عاما مع نجيب الريحانى تؤكد أن الانتقال من البصل المثير للدموع إلى البصل المثير للضحك ممكن ولا يد للبشر فيه. نجيب الريحانى كان يتمنى أن يصبح خليفة لملك التراجيديا فى المسرح مطلع القرن العشرين العملاق جورج أبيض فوجد أن الناس كلما شرع فى الأداء بل وربما قبل أن يفتح فمه بكلمة واحدة يضحكون، وغادر الريحانى مسرح جورج أبيض مطرودا ومكللا بالهزيمة ليكتشف بعدها أنه بناء على إرادة الناس صار أيقونة الضحك.

كان عادل إمام قد ذهب إلى المخرج حسين كمال ليمثل فى بداية الستينيات دورا جادا فى مسرحية «ثورة قرية» والمخرج الكبير كان قد سَكن كل الأدوار ووجد أنه من الممكن أن يضيف لمسة كوميدية إلى المسرحية واخترع له دورا صغيرا يقول فيه «معايا عسلية بمليم الوقية» ليجد أن الصالة تنقلب كلها إلى ضحك، ويُمضى عادل قرابة ستين عاما ولا يزال هو المصدر الأول لعسلية الضحك فى العالم العربى.

الناس هم الذين يملكون فى التذوق الفنى أن يحددوا مشاعرهم تضحك أم تبكى، ولكن فى تذوق المأكولات ليس لمشاعرنا أى دور، إلا أن السؤال: ماذا لو واصل العلماء التحدى بعد البصل المسيل للضحك وصارت البامية منافسة للمانجا، والملوخية تطرح الفراولة أرضًا.. هل سنصبح سعداء بهذا التغيير الجينى؟ اتركوا البصل بصلًا مثيرًا للدموع والبكاء وتذكروا أن لدموع البصل فوائد فى الغسيل الطبيعى للعين!!

 

هالة فؤاد أول حب وآخر حب لأحمد زكي!

طارق الشناوي

02-04-2015

كانت منى زكى واحدة من أكثر فنانات هذا الجيل اللاتى تحمس لموهبتها أحمد زكى، التقاها فى «اضحك الصورة تطلع حلوة» لشريف عرفة عام 98 حيث لعبت دور ابنته «تهانى»، وتكرر الأمر فى «أيام السادات» 2001 لمحمد خان، حيث لعبت دور زوجته جيهان السادات فى مرحلة الشباب.

فى لقائها عبر قناة «ten» مع عمرو عبد الحميد سألها عن لقائها الأخير بأحمد زكى فى المستشفى قبل رحيله بأسابيع قليلة، حيث كان كثيرا ما يطلبها ليأنس بحوارها معه، وهى كانت تسعد برؤيته ومحاورته وسألها عما كان يدور بينهما، وأجابت منى عن كل الأسئلة عدا سؤالا واحدا قالت إنها تحتفظ بالإجابة عنه لنفسها: مَن المرأة التى أحبّها بصدق؟ سألته منى لكنها لم تشأ أن تجعل الإجابة مشاعًا لكل الناس.

نعم فى مشواره الفنى كثيرا ما ارتبط اسم أحمد زكى بأكثر من نجمة، والصحافة لم تتركه فى حاله ودائما هناك «إنَّ» فى الحكاية. العديد من النجمات اللاتى عمل معهن كانت الصحافة فى تناولها للعمل الفنى لا تكتفى بقصة الفيلم التى يتم تصويرها أمام الكاميرا ولكن هناك قصة أخرى بعيدا عن الكاميرا أكثر إثارة تنسجها الصحافة، أغلبها محض خيال ولكنه كما قال لمنى زكى أحبَّ فى الدنيا امرأة واحدة وباح لها بالاسم. ولكن منى اعتبرت أنه سر لا يجوز لها الإفصاح عنه.

قبل أيام قليلة التقيتُ هيثم أحمد زكى وقلت له: مَن المرأة التى تحفظت على اسمها منى؟ فأجابنى: «لم أكن أجرؤ أن أسأل أبويا هذا السؤال، ولكنه قال لى إنه أحبَّ فقط أمى الفنانة هالة فؤاد».

وضحك هيثم: «ربما عشان هى أمى قال لى ذلك». الحقيقة التى لا يعلمها هيثم أنه قال نفس الإجابة لعديد من أصدقائه المقربين، صحيح أن علاقتهما الزوجية شهدت خلافات متعددة وانتهت إلى الطلاق، ولكنها ظلت الأقرب إليه، وكثيرا ما كان أحمد زكى يذكر كيف أن صلاح جاهين طلب منه يوما أن يصحبه إلى الإسكندرية وفى الطريق كان يبحت عن اسم الفيلا التى تقيم فيها هالة مع أبيها المخرج أحمد فؤاد بعد أن شهدت علاقتهما قدْرًا من التوتر، وعندما فتح أحمد فؤاد الباب قال صلاح جاهين: «يلا يا أحمد.. صالِح مراتك» وعاد هو بتاكسى إلى القاهرة.

لم يكن أحمد بطبيعة الحال زوجًا مثاليًّا، كانت له نزواته التى رفضتها بالطبع الزوجة، ولكن هذا لا ينفى أن هالة كانت هى الحب الحقيقى الذى ملأ كيانه ووجدانه!

قلت لهيثم: «عندما تتصل بمنى أخبرها أن تعلن للناس كلها أن هالة فؤاد أول حب وآخر حب»!

 

شمس البارودى ترفض بيع الحجاب!

طارق الشناوي

02-04-2015

أصدّق حسن يوسف عندما ذكر أن شمس البارودى رشَّحها أحد منتجى الفيديو لبطولة مسلسل مقابل 10 ملايين جنيه، ورفضت أيضا نفس الرقم لتقديم برنامج. وأصدِّق أيضا شمس البارودى عندما قالت إنها رفضت العرض بعد أن أطلعها عليه حسن يوسف، ورغم ذلك فأنا أؤكد لكم أن تجربة عودة المحجبات كبطلات لمسلسلات رمضان لن تتكرر، التجربة أثبتت أن الفنانة التى تغيب كل هذه السنوات تجد صعوبة فى العودة، وليس كل الفنانات لديهن جرأة «صابرين» ليضربوا باروكة فوق الحجاب!

اكتشفتُ أن المأزق الحقيقى لكل المحجبات العائدات هو افتقارهن إلى المرونة.. الزمن تغير ولكنهن ابتعدن عن إيقاع العصر.. الممثل تتجدد لياقته الإبداعية بممارسة فن التمثيل وهن فقدن لياقتهن بحكم وقوفهن على الخط كل هذه السنوات.. قبل بضع سنوات قُدمت مسلسلات كانت بمثابة صفقات لمنتجيها وبيعت بأسماء النجمات العائدات المحجبات مثل سهير رمزى وسهير البابلى، بعدها تراجعت الشركات عن تكرار التجربة، المحجبات لم يفقدن الرغبة فى الحصول على الملايين، وهى على أى حال رغبة مشروعة، لكن شركات الإنتاج هى التى تراجعت لأنها تعاملت معهن باعتبارهن «إفيه» قد ينجح، ولكنه تعثَّر، ولهذا تعذَّر تكراره، ولهذا قرروا أن يلعبوا بورقة حجاب شمس البارودى لأنها هى رائدة حجاب النجمات فى مصر، بل ونشرت أكثر من نداء تطلب حرق أفلامها. ولهذا وجد المنتج أن عودة شمس فى مسلسل سوف تثير شهية وكالات الإعلان، يدفع لها عشرة ملايين ويحصل هو على عشرين. ليس مهمًّا فى هذه الحالة مستوى المسلسل لأن الصفقة رابحة رابحة.. إلا أنها مجرد صفقة، ولهذا تنبهت شمس وقالت «لا».. فى وقت قال -ولا يزال- بعض المحجبات يقلن «نعم» نعم يا حبيبى نعم!

 

تَرِكَة عبد الحليم الفنية

طارق الشناوي

02-04-2015

«ولا كل من ضحكت عنيه عاشق ولا كل من فرد الإيدين مشتاق» أغنية لحليم كتبها الأبنودى ولحَّنها كمال الطويل، وحتى الآن تَتابع عليها أكثر من مطرب، ولكن لم يتحمس كمال الطويل، ولا يزال ابنه زياد أيضا لا يرى أحدا، وفى جعبة عبد الحليم أيضا سيناريو يحتفظ به المخرج الجزائرى المعروف أحمد راشدى.

ارتبط راشدى بعبد الحليم فى مطلع عام 70 وذلك بعد أن وقع اختيار عبد الحليم عليه لإخراج قصة «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين.. كان مصطفى يكتب هذه القصة وهو لا يزال قيد الاعتقال منتصف الستينيات وكان حلقة الوصل بين عبد الحليم ومصطفى أمين الكاتب اللبنانى سعيد فريحة الذى كان يزوره فى السجن بحكم اقترابه من رجال الحكم فى مصر فى تلك السنوات ويحصل منه على القصة مكتوبة ورقة بعد ورقة -على الوجهين- وهذه الأوراق -طبقا لما قاله لى راشدى- لا تزال بخط يد مصطفى أمين فى بيته فى الجزائر!

كانت رغبة عبد الحليم أن يمثّل فقط بينما أغنياته «خارج الكادر» كأنها تعلّق على الأحداث، وتمت كتابة السيناريو طبقًا لرؤية حليم.

وكان الاتفاق بينهما أن يبدأ التصوير مباشرة بعد حفل شم النسيم 77، حيث أعد عبد الحليم لتلك المناسبة لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب «من غير ليه»، واتفق عبد الحليم مع راشدى على أنه قبل أن يعود إلى القاهرة سوف يقضى معه أسبوعًا فى باريس ليلقى نظرة أخيرة على السيناريو.

وكان للأقدار رأى آخر، وبعد رحيل حليم قدَّم راشدى فيلما تسجيليا، حيث كان يصحبه دائما فى سنواته الأخيرة فى لندن وباريس والقاهرة ومعه كاميرا سينمائية تسجّل لقطات حيّة لحليم كان من المنتظر أن يتضمنها فيلم «لا» وعُرضت باسم «أغنية الوداع» 90 دقيقة بعد رحيل حليم بعامين!!

راشدى قال لى إن فيلم «لا» تَتابع على الترشيح لبطولته بعد عبد الحليم عزت العلايلى ثم عادل إمام، لكن راشدى لم يستطع أن يتخيل أحدا آخر.. قلت لراشدى «قدَّم يحيى الفخرانى هذا الدور فى مسلسل تليفزيونى قبل 27 عاما إخراج يحيى العلمى»، قال لى: «لم أشاهد المسلسل ولكنى لا أرى سوى عبد الحليم»!

 

ممنوع الاقتراب!

طارق الشناوي

02-04-2015

قالت لى نبيلة عبيد إنها تنوى تسجيل حياتها بكل التفاصيل ولكنها لن تسمح لأحد بتقديم حياتها فى فيلم أو مسلسل، وهو نفس ما أوصت به مديحة يسرى، وما سبق أن كررته أيضا هند رستم، حيث طلبت من ابنتها بسنت أن لا تسمح لأحد بتقديم حياتها، وسبق لشادية قبل بضع سنوات أن أوقفت مسلسلا رُشحت لبطولته دنيا سمير غانم لتقديم قصة حياتها.

رياض ابن الفنانة الكبيرة الراحلة وردة قرر تكليف محاميه فى القاهرة بإقامة دعاوى قضائية ضد كل من تسول له نفسه تقديم سيرة وردة فى أى عمل فنى.

لو تتبعنا الأعمال الدرامية سينمائيًّا وتليفزيونيًّا سوف نكتشف أن الوَرَثَة لم يرضوا طوال التاريخ عما يقدَّم من أعمال فنية إلا فى ما ندُر.. مثلا فيلم «السادات» لاقى ترحيبا من أسرة الرئيس السادات لأن السيدة جيهان السادات كانت تتابع كل التفاصيل، أيضا فيلم «ناصر 56» بطولة أحمد زكى وافقت عليه أسرة الرئيس جمال عبد الناصر، بينما تعالى صوت الورثة بالاحتجاج ضد فيلم «جمال عبد الناصر» الذى لعب بطولته خالد الصاوى وأخرجه السورى أنور القوادرى.

بينما كان الأمر أشد ضراوة بل ودموية بالنسبة إلى مسلسل «أسمهان»، حيث إن ورثة أسمهان وفريد الأطرش فى جبل «الدروز» فى سوريا هددوا بإراقة الدماء ضد صناع المسلسل.

هل تنجح محاولات الورثة فى إيقاف تقديم الأعمال الفنية التى تتناول مورّثهم؟ وما حكم القانون فى الشخصيات العامة التى تتناولها الأعمال الدرامية؟ لا يزال هناك متنفَّس أمام تلك الأعمال الفنية إلا أن مأزقها بل مقتلها الحقيقى هو أن الجماهير قد وصلت إلى مرحلة التشبع ولم تعد تنتظر مزيدا، وهكذا توقفت مشروعات لتقديم مسلسلات عن رشدى أباظة ومصطفى محمود ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، رغم ترحيب الورثة!!

قبل الفاصل

الدرس انتهى لمُّوا الكراريس

صور من فيلم «إضراب الشحاتين»

 

القصبجى وشروع فى قتل!

طارق الشناوي

02-04-2015

قبل أيام مرَّت ذكرى رحيله رقم 49 فى صمت مثلما مرَّت حياته فى صمت.

من المؤكد أن الصورة الأخيرة له وهو ممسك بالعود فى فرقة أم كلثوم هى التى ستبقى فى الذاكرة، رجل عجوز صابغ شعره، أقصد ما تبقى منه، باللون الأسود، إنسان مسالم ومحبَط ولكن هذا الفنان الكبير هو أحد صُناع ثورة التجديد فى الموسيقى الشرقية صوب التعبير بديلا عن التطريب، ربما أصدمكم عندما أقول لكم إن هذا الموسيقار الكبير كان عاشقا كبيرا بل ومجنونا وعلى استعداد أن يقتل كل من يقترب من معشوقته. هناك حادثة لم يتطرق إليها محفوظ عبد الرحمن فى مسلسل «أم كلثوم» رغم أنها موثَّقة من خلال محضر جنائى، ولقد ذكرتُ تفاصيلها فى كتابى «أنا والعذاب وأم كلثوم».

فى عام 1946 عندما تقدم الموسيقار محمود الشريف للشرطة وحرر محضرا ضد القصبجى لأنه شرع فى قتله. والحكاية هى أن القصبجى قرأ مانشيت مصطفى أمين على صفحات جريدة «أخبار اليوم» حيث تضمن خبر خطوبتهما وأجرى حوارا معها وسألها عما إذا كانت ستستكمل مشوارها الغنائى، فقالت «الأمر له.. وما يريد».

هكذا رهنت أم كلثوم مستقبلها الفنى بإرادة محمود الشريف.

الشاعر أحمد رامى استشاط غضبًا، واستقلّ الترام من منزله فى مصر الجديدة وهو يرتدى البيجامة والروب متجهًا إلى فيلا أم كلثوم فى الزمالك ولم ينقذه سوى الكمسرى الذى نبهه إلى أنه لا يزال يرتدى الشبشب، فعاد إلى منزله كاظمًا غيظه، بينما القصبجى ذهب إلى فيلا أم كلثوم وعندما علم أنها والشريف فى الطابق العلوى قرر تنفيذ خطته، ولاحظت أم كلثوم أنه يُخفى شيئا خلف ظهره، فلقد كانت يده ترتعش، قالت له: ماذا تحمل يا «قصب» وهو اسم الدَّلع الذى تعوَّدت أن تناديه به، وفجأة سقط المسدس الذى أراد به اغتيال الشريف، وتحول الأمر إلى النيابة للتحقيق، وتنازل الشريف فى النهاية عن المحضر إكراما لتاريخ القصبجى وخاطر أم كلثوم التى لم ترضَ أبدا أن يُسجن بسببها أستاذها العاشق المجنون!

 

هل استأذنتم الأستاذ رأفت الميهي؟

طارق الشناوي

01-04-2015

عندما يصبح الإنسان عاجزا عن الحركة رافضا الكلام يريد الانسحاب في هدوء، هل من حقنا أن نزعجه ونقتحم عليه عالمه الخاص، وإذا قررنا أن نطرق الباب فيجب اتباع قواعد الحذر والرقة والهمس، نستأذن في القدوم ولا يحق لنا أن نوثق اللحظة بكاميرا أو خبر قبل أن نوقن من الموافقة.

لو كنت مكان الكاتب الصحفي والصديق العزيز إبراهيم منصور رئيس التحرير ما نشرت هذه الصورة عقابا لكل من ظهر فيها، الصورة تصدرت قبل يومين الصفحة الأخيرة من الجريدة وكان يتوسطها المخرج والكاتب الكبير رأفت الميهي ولكنه لم يكن معهم وهم أيضا لم يكونوا معه.

ما هي القيمة أن أشاهد كل هؤلاء في صورة نجمها الحقيقي غائب وكما قالت السيدة زوجته علا عز الدين أنه أنهى الزيارة ولم يكن يريد أحد في الغرفة، هل تأملتم الكادر بدقة الكل كان ينظر للكاميرا أبونا بطرس دانيال المسؤول عن المركز السينمائي الكاثوليكي والكاتب عاطف بشاي والمنتج محمد شعبان، لا أحد في حقيقة الأمر كان يهتم بالأستاذ، هل جاءوا لكي يوقعوا على كشوف الحضور والانصراف، ما هو الهدف من الزيارة؟ تستطيع أن توجزه في كلمة واحدة وهي أن يراهم الناس وهم يعاودون الرجل المريض، من الذي منحكم الثقة أنه كان سعيدا بتشريفكم؟، لو كان الغرض من الزيارة هو فقط السلام والدعاء للأستاذ فلماذا الصورة !!

لا يمكن لمن عرف وأحب الأستاذ رأفت أن يرضى بتداول تلك اللقطة التى باتت مع الأسف في لحظات هى  الأكثر انتشارا على النت، هناك رغبة أن نوثق لحظات مسروقة من عمر الزمان.

أتذكر قبل 35 عاما أن دونجوان السينما ونجم النجوم رشدي أباظة كان بالمستشفي والمرض الخبيث ينهش بضراوة في جسده ولم تكن تفارقه الفنانة نادية لطفي ولكن لن تجد لها أبدا صورة تجمعها به في المستشفى، إلا أن هذا لم يمنع إذاعية شهيرة أن ترتدى زي ممرضة وأخفت الكاميرا تحت البالطو الأبيض واستطاعت بالفعل أن تلتقط صورا لرشدي أباظة وهو على السرير يصارع الموت، وعلم فكرى أباظة  شقيقه الصغير بالواقعة فهدد بإطلاق النيران انتقاما لشقيقة الكبير، لولا أن فريد شوقي  تدخل  وتم حرق " النيجاتيف"، ولكن مع الانتشار السريع للميديا في السنوات الأخيرة بات من المستحيل إيقاف تلك الافعال الشريرة، مثل صورة خالد صالح في مستشفي القلب بأسوان، مع الاسف اعتبروها وقتها سبقا.

الصورة الأخيرة تظل أخيرة ولكنها لا تعبر عن حقيقة الإنسان، الصحافة أحيانا تبدو وكأنها بلا قلب والحجة أنهم يقدمون للقارئ ما يشفى غليله ويروى ظمأه، هل كنا سعداء بصورة السادات والرصاص يخترق جسده ومن كل الجهات التى لا أدرى كيف تم اختراق الاجهزة الحساسة في مصر والحصول على تلك الصورة وهو بالمشرحة.

الأستاذ رأفت الميهي بالنسبة لعشاق السينما كاتبا ومخرجا كبيرا،  ولكنه بالنسبة لى بالإضافة لكل ذلك هو أستاذي فلقد كان يدرس لنا في معهد السينما، واكتشفت لديه قدرة غير عادية على توصيل المعلومات، أنه صاحب الرصيد الأوفر لأهم السيناريوهات في التاريخ الفني مثل "غروب وشروق" و"أين عقلي" و"غرباء" و"شئ في صدري" و"على من نطلق الرصاص" وغيرها، وعندما توجه للإخراج راهن مبكرا على أحمد زكي في "عيون لا تنام" "واستطاع  في فيلمه الثاني "الأفوكاتو" أن يمنح عادل إمام دورا لا ينسى حسن سبانخ، ليصبح وفي أكثر من دراسة هو واحد من أهم خمسة أفلام وأفضل أدوار لعادل طوال تاريخة!!

ويظل أهم أنجاز في تاريخ الميهي فيلمه الأثير "للحب قصة أخيرة" ولو لم يقدم سوى هذا الفيلم لأستحق مكانة خاصة في تاريخنا السينمائي كله، قال لى الأستاذ أن "للحب قصة أخيرة" قصة حفرت الكثير في أعماقه ولهذا خرج منه كدفقة واحدة وهو يرى أمه تصارع الموت في لحظاتها الأخيرة فأمسك بروحها وبثها في فيلمه، أستاذ رأفت ننتظرك أن تعود إلينا تلك هي اللحظة التى  ينبغى أن ترصدها الكاميرا.

التحرير المصرية في

01.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)