كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

آل باتشينو ساحر السينما

اعداد منارات

 

(الفريدو جيمس  باتشينو) الذي يعرف اختصاراً باسم (آل باتشينو) والذي يبلغ اليوم من العمر  75 عاماً...ويعد (بلا اي اختلاف) من ابرز نجوم الجيل الثاني للسينما  الأميركية.. في زمن ظهوره الاول على الشاشة... كان من الصعب ان يمنح جيل  ابناء المهاجرين في الولايات المتحدة فرصة للتمثيل في هذه السينما..

لكن لهذا الرجل الفضل في تغيير الصورة لقد ركلت الكرة، وقدمت لهم ما قدمته كما يقول آل باتشينو معلقاً على دوره في تغيير الفكرة الأميركية عن ابناء المهاجرين في السينما.

خلال العقود الاربعة التي قضاها في السينما الأميركية.. قلب آل باتشينو معاني الكثير من الادوار سواء من خلال دوره في فيلم حرارة Heat الذي لعب فيه دور المحقق الذي تسيطر عليه حياته الشخصية وتهيمن على عمله وتتسبب في انحرافه عن هدفه الحقيقي.. مروراً بدوره في فيلم عطر امرأة Scent of a Woman ومن ثم دوره الذي لا ينسي في الاب الروحي ك (مايكل كارليوني) وفيه لعب دور (بطل حرب) في عالم المافيا يحاول ادخال ابنه الى هذه الحرب.. او الدوامة التي لاتنتهي من الدماء ومن دوره في ذلك الفيلم نجح آل باتشينو في الحصول على لقب (اذكي ممثل في العالم) لبراعته في تجسيد الشخصية التي اذهلت المشاهدين كما اذهلت دون كارليوني نفسه.

تبدأ قصة هذا الرجل المعجزة في الخامس والعشرين من ابريل من عام 1940 في هارلم الشرقية بمانهاتن، حينما انجبت روز وسلفاتور الفريد باتشينو المهاجران الايطاليان ابناً.. ولسوء الحظ لم يستمر زواج الاثنين طويلاً... فحينما بلغ آل باتشينو الابن الثانية من عمره تطلق والداه وانتقلت والدته للعيش في برونكس الجنوبية مع والديها كيث وجيمس جيراردي اللذين قدما من كارليوني بصقلية.. اما الوالد فاختار العيش في كاليفورنيا.

انغمس الوالد في كاليفورنيا في عمله باعتباره بائع بوليصات تأمين ويملك مطعماً خاصا به يدعي (الباتشينو لونغ) بينما كان الصبي يواصل دراسته بنجاح.. حتى التحق بمدرسة لو غارديا الثانوية لتعليم الفنون.

الحياة ليست سيئة دوماً.. فبالرغم من قصة الطلاق هذه.. الا ان آل باتشينو نجح في دراسته خصوصا حينما التقي مدرب الممثلين الاسطوري (لي ستراسبرغ) والذي كان له اثر كبير في حياته... وقد قدم الرجلان فيما بعد معاً فيلم الاب الروحي بجزئه الثاني منتصف السبعينيات.

بفضل ستراسبرغ اقترب آل باتشينو من التمثيل اكثر حيث وجد هذه المهنة ممتعة ومسلية قبل ان تكون بالنسبة له وسيلة للعيش.. فيما وجد ستراسبرغ في آل باتشينو الموهبة التي طالما بحث عنها... كان ذلك في عام 1966 وهذا اللقاء لم يسفر عن اي مداخيل مالية وقتها.. ولكن موهبة الباتشينو بدأت تثبت وجودها مادياً ومعنوياً مع انتهاء ذلك العقد.. عقد الستينيات.

في هذه الفترة درس آل باتشينو اصول التمثيل على يد المدرس الاسطوري Lee Strasberg الذي شارك آل باتشينو الجزء الثاني من فيلم The Godfather في عام 1974.. فقد رأى آل باتشينو التمثيل بانه ممتع وان لديه الموهبه الكافيه للتمثيل...وفي هذا العقد مر ال باتشينو بضائقة مالية كانت ستبعده عن التمثيل حتى ربح جائزة اوبي عن دوره في عمله في The Indian Wants the Bronx.. وهي عبارة مسرحية ألفها هو بنفسه... وكان اول ظهر له على الشاشة في عام 1968 في مسلسل N.Y.P.D. بينما كان اول فيلم له هو Me, Natalie من عام 1969..

المفارقة ان آل باتشينو نال الجوائز منذ الادوار الاولى التي قدمها في السينما، فقد نال جائزة (اوبي) عن دوره في مسرحية The Indian Wants The Bronx او (الهنود يريدون برونكس) وجائزة توني عن دوره في فيلم Does The Tiger Wear a Necktie او (هل يرتدي النمر ربطة العنق؟) اما اول دور تليفزيوني له فكان في (ان واي بي دي بلو) في عام 1968 وهو دور دعم ظهوره بعد ذلك بفيلم حقق نجاحاً واسعا بعنوان (انا ونتالي) رغم ان دوره كان مسانداً لا اكثر.

فيلم انا ونتالى يتحدث عن فتاة في مراهقتها اسمها (نتالى ميلر).. فتاة قبيحة تري امها انها في المستقبل ستكون جميلة بمجرد تخطيها لفترة المراهقة.. وهو امر لا يتفق معها فيه والدها الذي يحاول تزويجها من رجل مصاب بخلل في نظره، هذا المرض الذي يجعل من هذا الرجل صيداً شهياً للاب من اجل التخلص من ابنته وتزويجها..

تكتشف الابنة خطة الاب فتقرر مغادرة البيت وتأجير شقة وتعيش حياة بوهيمية فتعمل في احد البارات وتقع في حب احد الراقصين المدمنين على المخدرات الذي تكتشف فيما بعد انه متزوج وتقرر الانتحار لكنها لا تنجح في محاولاتها.. الرجل سينجح في اقناعها في الايمان بإنسانيتها لتعيش بقية حياتها بسعادة بدل العيش مع عقدة القبح التي تلاحقها والتي ليس لها يد فيها.

كان لدوره في فيلم (الهلع في حديقة نيدل) او The Panic In Needle Park وفيه يلعب دور (مدمن مخدرات) الفضل في جلب انظار المخرج العالمي (فرانسيس فورد كابولا) اليه عام 1971 ليقدم له دوره في فيلم (الاب الروحي)، فيلم The Panic In Needle Park كان ثاني فيلم لآل باتشينو ويصور حياة مجموعات المدمنين على الهيروين الذين يتجمعون في احدي الحدائق وهي (نيدل بارك) في مدينة نيويورك، ولم يستخدم اي موسيقي في الفيلم وهو ما يعد غريباً.

آل باتشينو (بوبي) المدمن في الفيلم يقع في حب هيلين (لعبت دورها كيتي واين) وهي فتاة بلا مأوي والتي تجد ما كانت تبحث عنه في حياتها بعلاقتها مع هذا الشاب وتقرر الانغماس معه في حياة التعاطي الذي قاد الاثنين الى سلسلة من الخيانات العاطفية وبفضل دورها في هذا الفيلم نالت كيتي جائزة افضل ممثلة من مهرجان كان السينمائي عام 1971.. آل باتشينو كان عليه الانتظار لجوائزه ولكن ليس لفترة طويلة.

كان امام فرانسيس فورد كوبولا عدة اسماء لتقوم بدور (دون كاليروني) من بينها روبرت ردفورد، وارن بيتي وروبرت دي نيرو الذي كان بالكاد يعرف في الاوساط السينمائية في ذلك الوقت، ولكن دور آل باتشينو في فيلم The Panic In Needle Park فرضه بقوة على خيارات كوبولا رغم ان باتشينو لم يكن معروفاً ولهذا لم يوافق العديد من المديرين التنفيذيين القائمين على انتاج الفيلم على هذا الاختيار وهو ما اثبت خطأه حينما حقق دور آل باتشينو في العراب الفرصة ليترشح للحصول على الاوسكار.. كان دوره في الفيلم يشير وبوضوح الى مدي البراعة التي يحملها هذا الممثل الذي لم يسبق له تقديم افلام كثيرة.. كل ما كان في رصيده في ذلك الوقت فيلمان.. حدث ذلك عام 1972.

في عام 1973 قدم آل باتشينو فيلم (سكوربيو) والذي حقق نجاحاً كبيراً وهو فيلم يتحدث عن جريمة مبنية على قصة حقيقية حصلت لرجل شرطة يعمل في شرطة نيويورك يدعي (فرانك سكوربيو) الذي كشف فساد العديد من زملائه العاملين في سلك الشرطة وهو امر عرض حياته للخطر.. لم تكن اجواء الفيلم بغريبة عن آل باتشينو فقد سبق له تقديم العراب والان واي بي دي بلو ايضا ويتضمنان ادوارا عن حياة العصابات والشرطة.

في عام 1974 كان آل باتشينو على موعد مع الجزء الثاني من الاب الروحي الذي عد افضل من جزئه الاول وفي العام التالى قدم فيلم Dog Day Afternoon المبني على قصة حقيقية تتحدث عن سارق بنك يدعي (جون ستانلي) والذي ولد عام 1945 وتوفي في الثاني من يناير 2006 في نيويورك وقد سرق بنكاً ليجري عملية لزوجته تساعدها على تحويل جنسها من انثي الى رجل.. وبسبب ذلك حاولت (او حاول) الزوجة الانتحار عدة مرات.. ستانلي كان يحاول انقاذ زوجته بالسرقة على طريقة روبن هود.في عام 1977 قدم آل باتشينو فيلم بوبي دير فيلد الذي فاز فيه بجائزة (غولدن غلوب) عن افضل ممثل في فيلم درامي وقام فيه بدور سائق سيارات السباق الذي يخسر واحداً من اهم السباقات في حياته. انهي (دون كاليريوني) كما اصبح يعرف بفضل دوره في فيلم الاب الروحي عقد السبعينيات بأربعة ترشيحات للاوسكار بفضل ادواره في افلام (سكوربيو) (الاب الروحي 2) و(دوغ دي افتر نون) وفيلم (العدالة للجميع).

مع بداية عقد الثمانينيات بدأ اداء آل باتشينو بالتراجع.. كما اصبحت اختياراته وبالاً عليه قبل ان يأتي دوره في فيلم (الوجه ذو الندبة) او Scarface ليعد اليه ألقه حينما قام بدور توني مونتانا وهو لاجئ من كوبا يعمل في تهريب الكوكايين.. والفيلم كان مبنياً على قصة حياة آل كابوني التي صدرت عام 1932

فترة التسعينيات:

في عام 1990 مثل آل باتشينو الجزء الثالث من فيلم The Godfather..وفي عام 1993 يفوز آل باتشينو لأول مرة بجائزة الاوسكار عن دوره في فلم Scent of a Woman.. عطر امرأة... للمخرج مارتن برست ويعتبر من اروع افلام آل باتشينو هل تتخيل ممثل يقوم بدور ممثل أعمي.. ويظل فاتحا ً عينيه طوال الفيلم.. آل باتشينو يشعرك بأنه أعمي.. لقد قام آل باتشينو بالدور بشكل احترافي بشكل لا يقوم به أي ممثل آخر.. وإلا فمن ينسي إبداعه في مشهد سيارة الفيراري.. أو إبداعه في المقولة الشهيرة.. I'm in the Darhere. You understand? I'm in the Dark أو إبداعه في الخطبة الأخيرة في الفيلم.. آل باتشينو كان هو السبب الأول والأخير في كون الفيلم رائعا وتحفة فلو كان الممثل ممثلا ً آخر لن يرتقي الفيلم لهذا المستوي.. لقد أبدع آل باتشينو واستحق الأوسكار عن دوره هذا بكل جدارة فهذا الفيلم من الافلام التي قدمت سينما عالية وممتلئة بالرسائل المهمة والمحببة والمتنوعة،. قدم الفيلم رسالة تحدثت عن كل شيء وعن اللاشيء عبر وصفات متنوعة الجمل ومصنوعة بأحكام، بنية حوارية استغنت عن تقنيات الاكشن وتنقلت بين فكرة الدفاع عن القيم الانسانية ومحاربة فكرة الهروب الى الموت فقد أدي دور شخصية الكولونيل الذي يظهر في الربع الاول من الفيلم كشخصية عصابية مسحوقة بالحرب، فهو كولونيل متقاعد خرج من الحرب بعاهة العمي وترسبات أخري تجعله يصل الى قناعة ان لامعني لحياته فيقرر انهاءها، ولكن قبل هذا عليه ان يرتشف من رحيق العالم آخر قطراته، ويقرر ان يقوم برحلة، ولانه اعمي، يستعين بمكتب التشغيل الذي يرشح له من يساعده في هذه الرحلة وهو طالب جامعي الذي يمر هو الآخر بفترة عصيبة في الكلية، اذ يوضع في مأزق الوشاية بأحد زملائه او الطرد من الكلية، ولانه بحاجة الى المال يوافق على العمل كدليل لرجل اعمي... يقوده الى المطار ويوصله الى الفندق ومن ثم يعود الى كليته، ومن المرافقة الاولي يصطدم برجل اعمي... عصابي عنيف وذكي وسريع في اتخاذ القرارات بل هو مقبل على الحياة يحبها ويفلسفها بكلمات بسيطة مليئة بتراكمات خبرته العسكرية والعاهة وتتوالى الاحداث بدرامية تبدأ من مشهد الرقصة التي تجمعه مع امرأة جميلة يسحبه عطرها اليها التي تعتذر لأنها لاتعرف الرقص، لكنه يقنعها بأنه يستطيع ان يعلمها الرقص وسط دهشة الجميع.. الى مشهد محاولته الانتحار بعد ان يرتدي كامل بزته العسكرية المزينة بمختلف الميداليات والاوسمة التي نالها في حروب كثيرة والى مشهد سياقة الفيراري السريعة بالنسبة لرجل اعمي وصولا الى مشهد المحاكمة ودفاعه عن الشاب امام مجلس انضباط الكلية.

منذ بدء الألفية الثانية وحتى اليوم، أي خلال لم يقدم"آل"سوي بعض الأفلام التي تراوحت ما بين العادية والجيدة، هذا إذا استثنينا الفيلم النفسي الرائع (انسومنيا) الذي تصدي لإخراجه المخرج الشاب"كريستوفر نولان"مبدع الفيلم الغريب (ميمنتو)، في هذا الفيلم يؤدي"آل"دور محقق يذهب الى ولاية شمالية نهارها طويل، ما يجعله يعاني من الأرق بحيث لم يتمكن من النوم لعدة أيام متتالية، وفي الوقت الذي يعاني فيه من الإعياء والتعب والإنهاك الشديد هو مطالب بحل قضية شائكة تتطلب تركيزاً ذهنياً عالياً، وهو ما يحاول (آل) فعله، لكن عبثاً!.

وقد شارك"آل باتشينو"في 2003في عمل هو بمثابة نكسة حقيقية، حيث ترشح عن مشاركته في فيلم (جيجلي) لجائزة رازي لأسوأ ممثل مساعد. لكنه سرعان ما استعاد توازنه عبر مشاركته في المسلسل الجميل (ملائكة في نيويورك) والذي حاز على إثره إحدي جوائز الإيمي في العام 2004، ويشاركه بطولة المسلسل النجمة ميريل ستريب.

ثم طل علينا"آل"من خلال إعادة جديدة لرائعة شكسبير (تاجر البندقية) مع المخرج ميشيل رادفورد صاحب الفيلم الإيطالى الرائع (ساعي البريد)

رفض آل باتشينو عرضا لتمثيل الجزء الرابع من The Godfather بحجة ان صوته تغير كثيرا عما كان في الاجزاء الثلاثة الماضية.. و بعض الافلام خلال هذه الفترة.. وكان اخره هو 88 Minutes..
وفي عام 2007 شارك في فيلم عصابة اوشن الجزء الثالث مع النجمين جورج كلوني وبراد بيت حيث قام بدور صاحب فندق يتمتع بشخصية شريرة يتخلص من شريكه الذي يصاب بصدمة قلبية وتقوم عصابة اوشن بالانتقام من خلال سرقة احد اكبر فنادق آل باتشينو خلال يوم افتتاحه.

وفي عام 2008 سيمثل آل باتشينو فيلم Righteous Kill حيث سيشاركه التمثيل زميله السابق في فيلم heat وهو الممثل الكبير روبرت دي نيرو حيث من المرشح ان يكون هذا من أقوي الافلام في العام القادم.. وسوف يكون دورهما هو أنهما محققان في الشرطه يبحثين عن قاتل خطير... وايضا سيمثل فيلم اسمه Rififi والذي صدر في عام 2009 وفيلم surrealist Salvador.

حصل آل باتشينو على العديد من الجوائز في معظم الافلام التي قام بتمثيلها:

في عام 1969 حاصل على جائزة توني لادائه في فيلم Me, Natalie

في عام 1974 حاز جائزة القولدن فيلم عن فيلم Serpico

في عام 1977 حصل على جائزة توني عن فيلم The Basic Training of Pavlo Hummel

في عام 1993 حصل على جائزة الاوسكار عن فيلم Scent of a Woman

في عام 1993 حصل على جائزة القولدن قلوب عن فيلم Scent of a Woman

في عام 1996 كرم في مهرجان الافلام

في عام 2001 كرم ايضا في الحفل نفسه

في عام 2003 حاز على جائزة القولدن عن فيلم Angels in America

في عام 2004 حاز على جائزة القولدن قلوب عن فيلم Angels in America

في عام 2007 كرم بجائزة AFI Life Achievement

آل باتشينو استطاع ان يثبت صحة نبوءة المخرج الكبير فرانسيس كوبولا حين رأي فيه شيئاً من السحر والجاذبية وفي وقت لم يكن يعرفه فيه أحد..

وقد صدقت النبوءة وأصبح "آل" أحد سحرة السينما الذين لن ينساهم التاريخ.

آل باتشينو العائد إلى البطولات المطلقة:

من الصعب أن أجد الأدوار التي تستهويني

محمد رُضا

فيلمان  لآل باتشينو (74 سنة) عُرضا في مهرجان «فينسيا» الأخير يؤكدان مجددا على  أنه أحد أهم رموز التمثيل في السينما العالمية. في فيلم «الإذلال"يلعب دور  الممثل السابق الذي يرفض العودة إلى التمثيل ويغوص في مشكلات مع فتاة تصغره  سنّا قبل أن يقرر الاستجابة لحبّه الأول ويعود في مسرحية شكسبيرية. وفي  «منغلهورن"هو صانع المفاتيح الذي يعمل بصمت منطويا على حب قديم لا يزال  مشتعلا في قلبه رغم استحالة العودة إليه.

كلا الفيلمين انتقل من مهرجان فينسيا إلى مهرجان تورونتو بأمل العثور على موزع لها ذلك أنهما أنتجا بمعزل عن الاستوديوهات الكبيرة والمؤسسات الإنتاجية الضخمة التي توفر لهما عقودا للتوزيع داخل الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر.

يشير باتشينو في حديثنا معه بين واقع العمل في أفلام من هذه الفئة الفنية (المستقلة) ومصاعبها في الوصول للجمهور الذي ما زال يحفظ له أدواره القممية مثل «العراب "و«سربيكو" و«سكارفايس» و«طريقة كارلتو» أكثر مما يحفظ له معظم أدواره الأخيرة ومنها «في أي يوم أحد» و«دوني براسو» و"88 دقيقة"و«قتل صائب».

كل من «منغلهورن"و«الإذلال"يقدّم الممثل باتشينو في دور بطولة أول، هناك ممثلون آخرون معه مثل هيلين هانت في «منغلهورن"وغريتا غرويغ وكايرا سيدجويك في «الإذلال»، لكن باتشينو يظهر في كل مشهد من مشاهدهما مستوليا على الاهتمام وباثا روح الإعجاب عبر الطريقة الذكية التي يتعامل فيها مع دوريه.

وهذا نص الحوار الذي دار معه على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي:

·        فيلمان معا في فينسيا كلاهما يشير مجددا إلى موهبتك الرائعة التي تكتنزها. هل أنت في مرحلة جديدة من حياتك المهنية؟

- لا أعلم تماما كيف أجيب عن هذا السؤال. من ناحية مهنة الممثل متواصلة تدخل أحيانا في منعطفات وتصعد هنا وتهبط هناك لكن من ناحية ثانية لا أعرف كيف أنظر إليها كمراحل. لقد وجدت نفسي معجبا بهذين المشروعين لأن كلتا الشخصيّتين جديدة ولأنني كممثل مطالب بالبحث دائما عن أدوار جيّدة. في الآونة الأخيرة، لنقل في السنوات العشرين السابقة، صار من الصعب أن يجد الممثل، مثلي، الأدوار التي تستهويه متى شاء.

·        ماذا تقصد بممثل مثلي؟

- أقصد ممثلا من جيلي. حين بدأت في الستينات كان المستقبل ما زال بعيدا يتحقق تدريجيا في كل فيلم خطوة خطوة.. أو فيلم وراء فيلم. لكن كما لا شك أنك تعلم اختلف الجمهور عما كان عليه في تلك السنوات السابقة، صار – لنقل - أكثر انتقاء لما يعجبه. بما هو متصل بالتطوّرات الحديثة. يشاهد الأفلام التي تتضمّن الكثير من الحركة والمؤثرات ويبتعد عن تلك التي تتحدث عن الإنسان بعزلة عن العناصر التي تثير إعجابهم. لا أقصد نقد هذا الجمهور فهو في النهاية يفعل ما يريد، لكني أقصد أن مثل هذه المواضيع التي شاهدتها في «منغلهورن"و«الإذلال"هي مواضيع للراشدين الذين يعرفون (المخرج) باري ليفنسون وإنجازاته ويعرفون هيلين هانت الرائعة ويعرفونني.

·        كيف بدأت العمل على «الإذلال»؟ أعتقد أنك كنت مسؤولا عن المشروع إلى حد ما.

- نعم، إلى حد ما. لقد اشتريت حقوق رواية فيليب روث وطلبت من باري ليفنسون أن يقوم بإخراجها. بعد أن أصبح السيناريو جاهزا مررنا بكل المراحل العادية التي تسبق التصوير واخترنا الممثلين وقمنا باختيار مكان التصوير.. أردت أن يبدو الفيلم مثل حكايته، جميلا في أماكن حدوثه ومرتاحا.

·        هل كان لدى الكاتب روث أية اقتراحات محددة بالنسبة لهذا العمل؟

- الكتاب والفيلم وسيطان مختلفان تماما. كان لديه تصوّره بطبيعة الحال، لكن للفيلم حالته الخاصّة طبعا وقد لا يعبّر كل منهما عن الآخر على نحو كامل. الرواية أساسا درامية جادة لكن (كاتب السيناريو) بك هنري وباري ليفنسون اقترحا جعلها أقرب إلى الكوميديا الساخرة. كوميديا خفيفة من دون أن تفقد معانيها وأزمة بطلها. لا أعتقد أن روث كان يتصوّر أنه يمكن خلق فيلم كوميدي من كتابه.

·        إذن ليست هناك من مراحل في الحياة الفنية، أو هكذا تنظر أنت إلى سنوات المهنة، لكن يبدو أنه من الممكن اعتبار أدوارك في السنوات العشرين الأخيرة قد انقسمت إلى فئتين: أفلام تذكّر المشاهد بأدائك الرائع سابقا وبأفلام كانت تنفيذا لعقود. هل توافق؟

- ظهرت في خمسين فيلما لكن حتى في سنوات البداية، في السنوات الذي كان اسمي ما زال جديدا ومهنتي في صعود نسبة للأفلام التي مثّلتها، ستجد بين ما مثلته في السبعينات والثمانينات أفلاما، كما تقول، تنفيذية. لم أحاول أن تكون كذلك ولم أمثل فيلما واحدا لأن هذا هو المطلوب مني أن أقوم به، لكن أقصد أن أقول إن المستويات لا يمكن أن تكون واحدة طوال هذه الفترة أو في أي فترة من فترات المهنة. نتحدث عن عشرات الأفلام وليس عن خمسة أو ستة أفلام. لكن أعتقد أن بعض الأفلام الأخيرة التي مثلتها لم تنجز كما كنت أنا كممثل أو أنت وسواك كمشاهدين نتمناها. هذا طبيعي.

·        في كلا هذين الفيلمين الجديدين تؤدي عمرك الحقيقي أو ما هو قريب منه. هل هذا سهل أم صعب؟

- (يضحك) سؤال ذكي. أحب الطريقة البسيطة التي وضعته بها. أعتقد أنه سهل من جانب أنه ليس علي أن أمثل شخصية أصغر سنّا. أحيانا الممثل محكوم بمثل هذا الدور وعليه أن يحسب أن سلوكه أمام الكاميرا يجب أن يتماثل والعمر الذي ينص عليه الدور حتى ولو كان الفارق عشر سنوات أو خمسة عشر سنة. هنا لم تكن هناك حاجة لذلك. لكن الصعوبة هي في أن الكثير من المشاعر المتداخلة في هاتين الشخصيّتين تلتقي والمشاعر التي تخالج الممثل لأنه ليس ممثلا أصغر سنّا يحاول تقليد كيف يشعر أو يتصرف لو كان بمثل هذا العمر. هل تفهمني؟ أعتقد أنه وضع من ذلك الذي يمكن وصفه بالمثالي.

·        كيف تشعر شخصيا حيال كونك أصبحت في السبعينيات من العمر؟

- العمر هو ما أنت عليه. لا تستطيع أن تخدعه. تستطيع أن تتمتع باللياقة والصحة وتتغلب بذلك على الشروط البدنية التي تمر بها في تلك السن لكنك لا تستطيع أن تتصرّف كما لو كنت ما زالت الشخص الذي عرفته حين كنت صغيرا وبنفس الطريقة.

·        هل اضطررت خلال تصوير «منغلهورن"أو «الإذلال"للقيام بأي جهد بدني؟

- كما رأيت لم يتطلب أي من هذين الفيلمين حركة سريعة أو مطاردة أو سقوطا أو أي شيء من هذا القبيل. لكن «منغلهورن"تطلب مني التصوير في مكان لم أزره من قبل والنوم على سرير ليس لي وهذا وجدته صعبا. إذا لم أكن متآلفا مع المكان قد لا أرتاح نفسيا له إلا من بعد الاعتياد عليه وحين أعود إلى منزلي أشعر بأن عطلتي بدأت الآن.

·        سألتك قبل أكثر من سنتين عما إذا كنت تريد الاستمرار في الإخراج. كنت آنذاك انتهيت من تصوير «سالومي».. أسألك الآن إذا ما كان لديك فيلم جديد ستقوم بإخراجه.

- لا أعتقد. ليس لدي رغبة في ذلك. حوافزي للإخراج ليست كحوافز باقي المخرجين ولا أعد نفسي مخرجا، بل أنا ممثل أخرجت بعض الأفلام التي كانت ولا تزال تعني شيئا خاصّا جدا بالنسبة إليّ. أحببت «سالومي» مع جسيكا شاستين. لا أشعر بأني أمتلك ما يتألف منه الإخراج كمهنة أو كحرفة. أنا بصراحة غريب عنه، حتى ولو أعجب النقاد.

·        آنذاك كنت في سبيل عودتك إلى المسرح لتمثيل «غلنغاري غلن روس». كيف تبدو التجربة الآن؟

- أعتقد أنك شاهدت الفيلم ولم تشاهد المسرحية لذلك أستطيع القول إن هناك فروقا كبيرة بينهما. بالنسبة لي مثير للاهتمام كثيرا أني قمت بالتمثيل في ذلك الفيلم وقمت أيضا بتمثيل المسرحية. في السابق كان هناك ممثلون يداومون تمثيل الشخصية ذاتها في أكثر من فيلم. كأن يشتهر الممثل بأداء شخصيات شكسبيرية، مثل لورنس أوليفييه مثلا، رغم أنه مثل خارج شكسبير أكثر مما مثل شكسبير في السينما على الأقل. هذا جيّد ولا أعتقد أنه أمر سيئ، لكن بالنسبة لي محدود لأن الأعمال التي عرفتها كانت أكثر تنوّعا ولم يشكل أحد منها منوالا دائما. لم أعمد إلى تقديم شخصية واحدة في أكثر من عمل إلا في «العرّاب"طبعا وفي «غلنغاري غلن روس».

·        كيف تنظر إلى ممثلي الكوميديا هذه الأيام؟

- هل تريدني حكما على الزملاء الآن؟ لا أستطيع.

·        قصدت أن أقول التمثيل الكوميدي هذه الأيام.

- هذا أفضل. المشكلة ليست في الممثل بل في الكتابة. هناك سيناريوهات مكتوبة بدقّة وبروح فنية عالية وتدرك قيمة العمل الذي يود صاحبه أن يراه على الشاشة، وهناك كتابات تبدو لي عشوائية وهي التي تتيح بالتالي لظهور أفلام كوميدية تحمل تمثيلا رديئا. أحيانا هي في الأساس ضعيفة البنيان والكيان. عندما تقرأ سيناريو، وأنا أتكلم الآن عن أي سيناريو، يتحدّث مستواه إليك بوضوح. أنت حر بعد ذلك في أن تقوم به أولا.

·        هل ستحاول إيجاد موزّعين للفيلمين في تورونتو؟

- بالتأكيد، إلى جانب أنني أحب المدينة وأحب أجواء ذلك المهرجان كثيرا.

عن الشرق الاوسط

روبرت دينيرو.. أم.. آل باتشينو!

رجا ساير

 «روبرت دينيرو»،  «آل باتشينو"نجمان كبيران و لا مراء في ذلك، شعبيتهما الطاغية، وأفلامهما  التي لا تزال حاضرة في أذهان عشاق السينما هي الدليل الأبلغ على ذلك. و رغم  أنهما بدآ سوياً مرحلة الإبداع و التألق منذ بداية السبعينيات، و لا يزال  مدد إبداعهما دفاقاً مستمراً، ورغم اتفاق الكثيرين على أنهما نجمان  استثنائيان في تاريخ السينما - بالمشاركة مع عرّابهما «مارلون براندو"-،  رغم كل ذلك، إلا أن عشاق هذين النجمين حول العالم لا يزالون يتصارعون فيما  بينهم حول قضية أيهما الأفضل - دينيرو - أم - باتشينو ؟

هو صراع تجده في كل ميدان من ميادين السينما، سواء في المواقع الإلكترونية التي تعنى بالشأن السينمائي، أو عبر الفضائيات السينمائية، أو حتى محال الفيديو، و الأمر شبيه بالتنافس التقليدي المعروف بين أندية كرة القدم - كالهلال و النصر - فهو ديربي مستمر ومتواصل، يشتد و تزداد حدته مع كل فيلم جديد لأحدهما. و الساحة السعودية، من خلال متابعي الأفلام فيها، لها صلة بهذا الصراع، إذ تلمس هذا الخلاف بوضوح في منتديات الإنترنت السينمائية التي يتوزع أعضاؤها دائماً ما بين مؤيد لدينيرو و مؤيد لباتشينو.هذا التنافس المحموم بين عشاق النجمين، دائماً ما يتخذ من العاطفة غلافاً له، حيث ينطلق المؤيدون والرافضون لهذا النجم أو ذاك من منطلق عاطفي لا يمكن الاعتماد عليه في تغليب كفة أحدهما على الآخر، و كما يقال «لا حكم أبداً للأذواق»، و الرأي الذاتي و الانطباع لا يمكن أن تجلو الحقيقة من خلالهما. لكن - رغم هذا - تبقى هناك بعض الآراء المتزنة التي تحاول طرح المقارنة بشكل موضوعي لا ينحاز لكفة على حساب الأخرى، إنما ينظر بتأمل إلى تاريخ النجمين، و إلى الأدوار التي قاموا بها، و الأهم إلى تاريخهما مع الجوائز، و بالذات مع الأوسكار. و مثل هذه النظرة الواعية هي الأجدر بالأخذ و الدراسة، و هي التي سترافقنا في مقالنا هذا.

و لا شك ابتداءً أن هذين النجمين يتمتعان بتلك الجاذبية التي سحرت عشاقهما، تلك التي تجعل من أي شيء يفعلانه أو يقولانه شيئاً جميلاً، و هنا لن يكون الحديث عن سبب إعجاب كل فريق بنجمه، فالأمر هنا واضح و جلي و سيكون الكلام فيه و حوله مجرد سفسطة ليس إلا. إذن فالحديث سيتركز على المآخذ التي يحملها كل فريق على الآخر، و لنبدأ أولاً بعشاق «آل باتشينو"الذين ينقدون على «دينيرو"عدم تنويعه لأدواره، حيث يرون أنه لا يزال أسيراً لأجواء الجريمة و المجرمين، و لا يكاد يخرج من هذا الإطار إلا فيما ندر، كما ينقدون عليه ميله الواضح في السنوات الأخيرة إلى الأفلام التجارية الرخيصة و هو ما يعزونه إلى طغيان الفكر المادي عليه و إلى بحثه الحثيث عن المال. أما « آل باتشينو » فإن عشاق «دينيرو"يوجهون له تهماً شبيهة، حيث يحملون عليه تكراره لأدواره و أنها دائماً ما تدور في فلك واحد هو الجريمة، ويزيدون على ذلك بتهمة أخرى و هي أن «آل"يميل دائماً إلى «الصراخ"في كثير من أدواره.

إذن هذه هي التهم، و هي بصفة عامة تتمحور حول «عدم التنويع في الأدوار"بالنسبة للاثنين، و «المشاركة في أفلام هابطة"بالنسبة لدينيرو، و «الصراخ" بالنسبة ل«آل باتشينو. أما وبالنسبة لمسألة عدم التنويع في الأدوار، فكما قلنا إن العاطفة ربما تعمي العقل عن التبصر في حقيقة الأمر، ذلك أن النجمين حين تنظر بعمق لتاريخهما ستجد أنهما قد نوعا - كثيراً - في أدوارهما، و لنبدأ بدينيرو و نستعرض تاريخه بشكل سريع، حيث نلحظ أنه كان فعلاً «مجرماً» لكن في بعض الأدوار و ليس الكل، فهو قد أدى دور المجرم في الفيلم الرائع HEAT و كذلك في فيلم (رفقة طيبون GoodFellas)، و البعض يرى في دوره الخالد في فيلم «سائق التاكسي"ملمحاً من ملامح الجريمة، لكن و على أي حال فهذه الأدوار رغم أنها تدور في فلك الجريمة إلا أن أياً منها لا يتشابه مع الآخر فطريقة تناول كل واحد منها مختلفة أشد الاختلاف. وهذه ربما تكون الأدوار الأوضح في تاريخ »دينيرو"مع الجريمة، و هي ثلاثة من أصل أكثر من ستين دوراً، و بقية الأدوار حين تنظر لها فستجد أنها أبعد ما تكون عن الجريمة، و خذ مثلاً في ذلك دوره الأسطوري في فيلم «الثور الهائج» و دوره الرائع في فيلم «اليقظة"و اللذين كانا دورين نفسيين بعيدين تماماً عن الجريمة و أجوائها، و هما من أبرز أدواره، بالإضافة إلى دوره في الفيلم الحربي الخالد «صائد الغزلان»، و عليه و بالاستناد إلى ذلك كله، يؤكد النجم «دينيرو"أنه من أكثر الفنانين تنوعاً و شمولاً. الآن نأتي ل«آل باتشينو"و لنأخذ جولة على أدواره، سنلاحظ أنه هو الآخر قد نوّع و غيّر في أدواره ما بين شخصية «كورليوني"الهادئة في العرّاب، و شخصية «توني مونتانا» الصاخبة المنفلتة في «سكارفيس»، و شخصيته المكسورة في «دوني براسكو»، و كذلك الرومانسي في «فرانكي و جوني»، دوره في «عطر امرأة»، ودوره كمدرب في فيلم «أني غيفين صندي»، و دور الزوج في « Author Author »، و دوره الكوميدي في فيلم «العدالة للجميع»، إذن هو الآخر كان متنوعاً. عموماً و على أية حال أنا لا أرى في مسألة «عدم التغيير و التنويع في الأدوار"أية مشكلة، و بالعكس اعتبرها ميزة وخاصية يتمتع بها عدد من النجوم الذين يعون و يدركون حجم إمكانياتهم و بالتالي يسيرون وفق المتاح و يستغلونه أقصى حدود الاستغلال، و هم يتعمدون عدم التغيير لعلمهم أنهم ربما لن ينجحوا في بقية الأدوار، و هذا ذكاء. و النجم العجوز «كلينت إيستوود» يأتي كأبرز الأمثلة على ذلك، حيث لا تزال أدواره محدودة بإطار البطل الهادئ الحكيم، و لأنه بارع في هذا الدور فإن الجمهور لا يطالبه إلا بها، و بالعكس ربما يمتعض جمهوره لو حاول «كلينت» التغيير. و هذا ينطبق أيضاً على النجم الساخر «وودي ألان"الذي لا يتغير أبداً، و أنا واثق أنه لو حاول أن يبدو جاداً - مثلاً - فإنه لن ينجح لسبب وحيد أنه «وودي ألان"الذي لا يليق إلا للعفوية و التهكم و السخرية.

هذا في ما يتعلق بتهمة التنويع، أما التهمة الأخرى الموجهة ضد دينيرو وحده و هي سعيه الواضح و الصريح نحو المادة و تجاهله للقيمة الفنية في مشواره الأخير مع السينما، فهي تهمة لا يمكن نفيها أبداً، و أدواره الأخيرة لا تعطي مجالاً لعشاقه لأن يدافعوا عنه، و إلا ما هو الدافع وراء مشاركته في أفلام سيئة مثل «رجال الشرف» و «15 دقيقة"غير البحث عن المال؟ و عليه، فالتهمة صحيحة و لا جناية فيها. أما التهمة الأخرى ل«آل باتشينو"بأنه دائم الصراخ في أفلامه، فهي نوعاً ما صحيحة و لا يمكن نفيها بهذه البساطة. إذن هذه محاور الصراع بين عشاق النجمين، و رغم حرارة الصراع و احتدامه إلا أن كلا طرفي النزاع، عشاق النجمين، لا ينكرون نجومية و موهبة «دينيرو"و رفيق دربه «آل باتشينو»، و لا يزالون ينظرون إليهما كنجمين ساهما بفعالية في توطيد و تثبيت أركان موجة الواقعية التي اجتاحت هوليود مطلع سبعينات القرن الماضي.. و لا يزال أثرها ماضياً حتى هذه اللحظة..

عن جريدة الرياض

آل باتشينو ينتصر للرجل الصغير لكنه يقوى ويضعف

فيلمان في المدة الأخيرة وضعا آل  باتشينو في المقدمة، بعد غياب نسبي: "المتدخل" من اخراج مايكل مان، و"أي  يوم أحد" لأوليفر ستون. وفيهما يؤكد اختلافه وروعته، متيحاً لنا المناسبة  اللازمة للعودة اليه والى مهارته الاستثنائية كممثل، وكذلك الى اتقانه لعبة  الاخراج في فيلم"البحث عن ريتشارد"المتميز الذي عرض في مهرجان"كان"قبل  سنوات.

في أحد أفلام آل باتشينو الأولى، نراه ينتقل فجأة من صورة الشخص الذي يمكن أن يبقى ضحية ظروف اجتماعية ينتمي اليها، الى ذلك الذي يتعلم كيف يحارب حتى لا يخصر ما بقي لديه من ذاته. الفيلم هو"الفزاعة"وأخرجه المعتزل الآن جيري تشاتزبيرغ. والمشهد يقع في منتصف الفيلم تقريباً عندما يحاول سجين في زنزانة قام به الممتاز دوماً في أدوار الشر ريتشارد لينش إقناع باتشينو بمعاشرته. عندما يرفض باتشينو ذلك، يعتدي عليه لينش بالضرب وربما بأكثر من ذلك، إذ يقطع المخرج الى مشهد يدور في اليوم التالي، عندما يلتقي ماكس جين هاكمان صديقه باتشينو فيراه في تلك الحال، يتقدم صوب المعتدي ويكيل له الضرب في حظيرة الخنازير التي يعمل فيها.

وفضلاً عن أن في ذلك المشهد رسالة ضد اللواطية، لم نعد نشاهدها اليوم، سنرى انه أساساً تعبير عن قدرة ممثل على الانخراط في دور بلا حدود. ولكن للوصول الى هذا الاقتناع عليه أن يتابع الاداء الذي مكن باتشينو من المرور في حالات متعددة مدروسة كلها من دون أن يخون الشخصية التي عليه أن يمثلها.

"الفزاعة"قصة صداقة طيبة بين رجلين في أسفل سلم الحياة. كل بمتاعبه وكل بشخصيته. يلتقيان من دون معرفة أو موعد مسبق على طريق ريفية، ينتظر كل منهما سيارة ما تقله، ليس مهماً الى أين، بل بعيداً. انهما كما لو كانا ولدا للتو. باتشينو الأصغر سناً والأكثر براءة وتفاؤلاً، وهاكمان الأكبر سناً قليلاً والأنضج كثيراً. حين عرض الفيلم في بيروت سنة انتاجه 1973، كتب الزميل الراحل سمير نصري ملاحظاً أن تقديم باتشينو سيكارته الأخيرة الى ذلك الغريب هاكمان في مشهد البداية، هو مفتاح الصداقة. وأضاف:"في أميركا يقدرون كثيراً أن يتخلى المرء عن سيكارته الأخيرة، وهم فعلاً يفعلون، لكن الذي كسب ذلك الود هو سعي باتشينو الى استدراج هاكمان الى التعارف، بتلك الطريقة التي أدت الى صداقة. واستدراجه له كان ذا لمسات كوميدية أقرب الى التهريج، يريد أن يتبادل معه الحديث ويشترك في رحلته داعياً نفسه من دون دعوة، ولتحقيق ذلك يحاول أن ينكت ويتحدث عن نفسه وها هو يلصق به على أي حال.

اداء باتشينو هنا، في ثالث أفلامه بعد دور صغير في"أنا، ناتالي"فرد كو - 1969 ودور بطولة في"ذعر في نيدل بارك"تشاتزبيرغ - 1971، كوميدي في لونه، يعلم أنه ضعيف ويحاول ان يتجنب ما يؤدي الى ضعفه، من مآس وظروف اجتماعية وعاطفية ضاغطة، في نظرة ساخرة الى العالم. وهذا منوال يخونه لاحقاً. بعد الاعتداء عليه ودفاعه المحدود عن ذاته الصغيرة حين يدرك أن الحياة تخونه على أية حال، وها هو قبل نهاية الفيلم يتعرض لمحنة نفسية تفرض عليه الانتقال من الكوميديا الى التراجيديا، واصلاً الى الطريق المسدودة التي كان يخاف أن يصل اليها

لن تجد في السينما الأميركية ممثلين كثيرين يستطيعون التلوّن سريعاً، أو حتى احتواء لونين معاً، ستجد كثراً يشاركون باتشينو القدرة على استحواذ الاهتمام وجذب الجمهور الى ما لديه تقديمه: روبرت دي نيرو، روبرت دوفال، داستين هوفمان. ولكن اذا شاهدت ولو نصف أعمال باتشينو فقط، تدرك أنه دائماً ما يحافظ على شيء من الخبث في أي شخصية يقوم بها، الا اذا كان الدور شريراً بالكامل، كما في"محامي الشيطان"تايلور هاكفورد - 1997، و"دك ترايسي"وورن بيتي - 1990 و"الوجه المشطوب"برايان دي بالما - 1983. وسعي باتشينو في هذه الحال يكمن في تقديم الشر في نطاق تعبيري مذهل. لاحظه في"الوجه المشطوب"يعكس كره شخصيته الى المجتمع بنظرات وتقاسيم وجه. لست في حاجة الى ان تنتظر منه جملة حوار تعكس موقفه. فقد سبق الجملة اللاحقة بتعابير وجهه.

من يذوب في من؟

درس باتشينو الدراما في معهدين. دخل أولاً معهد هربرت برغوف للتمثيل وكان مدرسه الممثل الكبير تشارلز لوتون من أشهر افلامه"تمرد على السفينة بونتي"، وبعد عامين دخل"ستوديو لي ستراسبورغ للتمثيل"متبنياً ما يسمى بـ"المنهج"الذي هو طريقة أداء تعاقب عليها أكثر من جيل من كبار الممثلين من أيام مارلون براندو ورود شتايغر، الى اليوم.

تبعاً للمنهج الأميركي، فإن الممثل يبقى قائداً للشخصية التي يؤديها. وهذه عليها أن تذوب في داخل الممثل وتعطيه زمامها، لذلك عادة ما ترى براندو هو براندو في كل عمل، وهوفمان هو هوفمان، والآخرون على المنوال نفسه. لكن الفارق يتسع في الطريقة التي يستخلص فيها الممثل تطورات الشخصية من تطورات احداثها. لذلك على رغم أن دي نيرو وباتشينو هما دي نيرو وباتشينو في كل عمل، إلا أن ليس كل عمل هو نسخة عن الآخر. المتقارب هو المفاتيح التعبيرية، لكن الفواصل تبقى متعددة والممثل هو في أعلى قدراته بامتلاكه الشخصية التي يؤديها.

هذا على عكس المنهج الأوروبي الكلاسيكي وبالتحديد المنهج البريطاني المسرحي، إذ على الممثل أن يذوب في الشخصية لا العكس. لذلك، تستطيع أن ترى تنوعات أعمق وأوضح بين الشخصيات التي يؤديها ممثل معين. لا شيء قريباً بين اداء جيمس ميسون دوره الرائع في"سقوط الامبراطورية الرومانية"انطوني مان - 1964 وادائه المتين في"لوليتا"ستانلي كوبريك - 1962.

وفي فيلمه"البحث عن ريتشارد"الفيلم التسجيلي الذي اخرجه آل باتشينو عام 1996، يطرح السؤال: عن الافتراض القائل ان الممثلين الاميركيين لا يجيدون اداء أدوار شكسبير كما يفعل البريطانيون، وهل سبب ذلك ثقافة البريطانيين المتشربة من أعمال الكاتب البريطاني وغربة الأميركيين عنها؟ لاحقاً يعمد الى الادلاء بجوابه الخاص، وغير المؤيد لهذه النظرية، عندما يقدم إلينا مشاهد يؤديها كل من باتشينو وكيفين سبايسي واليك بولدوين وهاريس يولين، بين آخرين، هي جزء من تدريبات مسرحية على رواية ويليام شكسبير"ريتشارد الثالث". بتصوير تمثيل محفور في عمق دراما تلك الشخصيات الشكسبيرية يقدم باتشينو الجواب عن السؤال المطروح.

عام 1972 أيضاً، انضم باتشينو الى فريق عمل فيلم"العراب"لفرنسيس فورد كوبولا. لم تكن"باراماونت"سمعت به، وعندما اخبرها كوبولا باختياره له سألته من يكون؟ لا بد من أن الجواب كان صعباً: كيف تقدم الى عمل كان في حينه من أغلى الأعمال المتاحة، والى دور يشكل العمود الفقري للفيلم، شاباً غير معروف؟ من حسن حظنا نحن أن كوبولا أصر بعدما أجرى تجربة قراءة للممثل الشاب. والواضح أن هناك علاقة أساسية بين الشخصية التي عكسها باتشينو في كل من"ذعر في نيدل بارك"، مؤيداً دور شاب يهوي وراء صديقته المدمنة، وفي"الفزاعة"، وتلك التي مثلها في"العراب"- الجزء الأول.

انه في"العراب"أضعف أشقائه، الابن المدلل من الأب مارلون براندو وولده الأكبر سوني جيمس كان في ما لا يزال أفضل أدواره لليوم والأخ المتبنى توم روبرت دوفال. مايكل الشاب الذي لا ناقة له ولا جمل، كما يحسب الكبار، بالمافيا وعمليات عائلة كارليوني المختلفة فيها، وقد اختار الانضمام الى الجندية ولديه صديقة من أصل غير ايطالي دايان كيتون هو في حسبان الجميع، ليس صالحاً لأن يكون في اللعبة.

هناك ذلك المشهد الذي تتصل به صديقته لتبثه حبها، المشهد يدور في المطبخ حيث جلس الرجال يتناولون غداءهم، ومايكل باتشينو يرد على الهاتف شاعراً بالإحراج من إظهار عاطفته أمام شقيقه ورجاله. أحد هؤلاء الممثل البدين ريتشارد كاستيلانو يدرك ما يجول في بال مايكل فيقول له ساخراً:"امضِ، قل لها أحبك أيضاً يا حبي"... ويضحك الجميع.

المشهد الآخر الذي يعكس نظرة الجميع الى مايكل على أساس أنه أنعم من ولوج عالمهم الرجالي الخشن، هو حين يحاول كاستيلانو تعليمه كيف يصنع طبخة سباغيتي على الطريقة الصقلية.

هذا كله بمثابة تمهيد للمفاجأة التي سيتمخض عنها الفيلم، حين يدرك الجميع أن ثمة أحداً يجب أن يقتل رجل العصابات زولوزو الراحل آل لاتييري والتحري المرتشي ماكلوكسكي الراحل أيضاً سترلينغ هايدن، فينبري مايكل للمهمة، ويرتكب جريمة قتله الأولى.

وثبة الرجل الضعيف

انظر الى النقلة كوثبة من مستوى الضعف الى مستوى الرجولة الذي لم يتحقق في"الفزاعة". لكن ما تحقق في فيلم جيري تشاتزبيرغ هو ملاءمة باتشينو الدور الضعيف، كما لو أنه أيضاً التمهيد للدور الأكبر والأكمل في"العراب".

لكن باتشينو بقي، في السنوات العشر الأولى من حياته السينمائية مع بعض الاستثناءات، الممثل الذي يعكس دور الرجل الصغير في المجتمع أفضل انعكاس. في"سربيكو"سيدني لوميت - 1973 هو الشرطي الذي يرفض المشاركة في الفساد الدائر، فيصبح عدواً لمجتمع من رجال الشرطة الأقوياء. مثل"الفزاعة"هناك قوة داخلية تحرك بطل"سربيكو"، لكنها قوة قد تسقط في أي لحظة. وهي تسقط فعلاً في ثاني فيلم له مع لوميت عندما مثل"بعد ظهر يوم ملعون"1975 وهذه المرة كان اللواطي الذي يبحث لنفسه عن منفذ للبقاء حياً بعدما قاد سرقة مصرف لإجراء عملية لصديقه الذي يريد التحول أنثى. وهو الضعيف أيضاً أمام فساد القضاء في"... والعدالة للجميع"نورمان جويسون - 1979 ولو أنه في النهاية لا يجد مفراً من الوقوف على قدمين ثابتتين وقلب المائدة على الجميع بمن فيهم، ربما، نفسه.

بين هذه الأفلام عاد باتشينو الى دور مايكل في الجزء الثاني من"العراب". كان تمكن من خصومه في الجزء الأول. وفي الثاني احتل مقعد القيادة. تراه اختلف تماماً، أصبح الرجل الذي لا يرحم، تصفيفة شعره ليست وحدها التي تغيرت، كان تزوج من دايان كيتون وهي أفضل من تعرف قدر تغيره من الداخل. انها لا تكاد تعرفه. لكنه يعرف نفسه ويعرف أعداءه ويكيل للمزيد منهم. هذه المرة يقتل شقيقه فريدو جون غازال الذي مات شاباً الذي خان العائلة، كما مر في الجزء الأول، ولا تستطيع أن تعرف هل يشعر باتشينو بأي أسف أو أسى أو خوف، مما أقدم عليه وهو ينظر من غرفته الداكنة الى البحيرة حيث اغتيل شقيقه. هذا ما يجعله في هذا الفيلم مميزاً عن أي ممثل آخر في أي فيلم. ذلك الصمت المطبق الذي لا يمكن قراءة ما يختلج داخل صاحبه، والذي يعكس مقداراً من القسوة، قسوة يتمنى كثر منا لو أنهم قادرون على إظهارها من دون خوف أو وجل.

لا ننسى أن باتشينو كاد يخسر الدور في تلك القراءة التجريبية الأولى التي قدمها لكوبولا، لأنه مال الى التعبير بصمته أكثر مما يجب. لاحقاً في الجزء الثاني مارس ذلك التعبير كما اشتهى، وكان أفضل له وقد غدا قوياً في مملكته.

الكاره في"الرجل المشوه"، الكوميدي في"دك تريسي"، العاشق في"فرانكي وجوني"غاري مارشال - 1991، الحائر في"بحر من الحب"هارولد بيكر - 1989 كلها وغيرها في تلك المرحلة تعكس أوجهاً متعددة، ولكن في كل وجه منها هناك أكثر من شخصية أو ملمح لشخصية. طريقة تركيب باتشينو لكل دور أداه الى اليوم تقوم على عدم استجابة السهل، واتقان لون مظهري واحد. في مفهومه، هذا لن يكون اتقاناً، وفي ممارسته لتوسيع دائرة الشخصية التي يؤديها لتشمل ملامح أعمق وأثرى، مواجهة الكتابة التي عادة ما تكون محدودة على هذا المستوى كما الحال في"بحر من الحب"أو"فرانكي وجوني".

رجل أعمى

كم من طريقة لأداء شخصية رجل أعمى؟

باتشينو في"عطر امرأة"مايكل برست -1992 هو الفيلم بأسره. القصة غير منطقية في تفاصيل كثيرة ولا تستدعي التمعن لاكتشافها. والسيناريو يعمل على منوال ليس فيه الكثير من المواقف الجانبية. وهناك الأداء الجيد الذي سبقه اليه فيتوريو غازمان في النسخة الايطالية دينو ريتزي - 1974. على رغم ذلك، يحمل باتشينو الفيلم على كتفيه ويوصله الى حيث يجب. هو واقعياً كل الفيلم ويستحق الأوسكار الذي ناله، ولو أنه كان يستحقه في الترشيحات السبعة السابقة أيضاً.

في العام نفسه أدى دوراً رائعاً آخر في"غلنفاري غلن روس"ديفيد ماميت - 1992. كل من الفيلم، وبينهم اليك بولدوين وإد هاريس وجاك ليمون، ممتاز، لكن اللحظة التي يظهر فيها باتشينو في الفيلم هي التي تترك فيها باقي الممثلين لترقب ذلك الرجل يجسد شخصية رجل وثّاب ومتأهب للمعركة في مهنته، كبائع عقارات في منافسة دائمة. باتشينو، كما هو ممثل بصمته في"العراب - 2"ممثل جيد بالحركة من قبل ومن بعد. في هذا الفيلم لاحظه وهو يتحدث ضارباً بيده على الطاولة ومستخدماً تعابير ابن المصلحة وحركاته.

أيضاً لاحظ أنه في الوقت الذي قد يميل آخرون الى إلقاء ما في دواخلهم الى الكاميرا عبر مواقف ثابتة ونظرات لا تخطئ الاصابة، يلغي باتشينو ذلك ويمزج هذه الحسنات بتلك المعتمدة حركاته هو. ينظر في عين محدثه، لكنه ينظر في عينك أيضاً ومن دون أن يتطلع الى الكاميرا. جزء كبير منه متوجه اليك.

الطافي

ولفيلمه اللاحق"طريقة كارليتو"هيأ باتشينو نفسه للعودة الى الشوارع التي خبرها في أفلامه الأولى، في"الوجه المشطوب"كان اللاتيني الذي حاول كسب المجتمع بمظهره. كان متزيناً ويهتم بمظهره ليثبت أنه يصلح لمجتمع مادي مقسم طبقياً وعنصرياً. ولكن في"طريقة كارليتو"الذي هو من اخراج برايان دي بالما أيضاً 1994، فإنه اللاتيني الذي لا يكترث الى المظاهر، ولن يحاول خداع نفسه بمحاولة الانتماء اليها. يريد أن يطفو على ظهر الماء لكنه يغرق فيه. وهذا ما يقع معه في"دوني براسكو"مايك نيوويل - 1997 مؤدياً شخصية الايطالي الذي يريد البقاء حياً، على رغم انتمائه الى عرق مختلف تماماً عن ذلك اللاتيني الذي تعامل معه سابقاً.

واحدة من أهم مواجهات العقد الماضي كانت في فيلم"حرارة"مايكل مان - 1996 عندما مثل باتشينو دور الشرطي، ومثل روبرت دي نيرو دور اللص. كلاهما عملاق، وكلاهما مختلف، وعلينا، كمشاهدين، أن نضع في اعتبارنا أن كلاً منهما يدرك قوة الثاني ويقدرها باحترام وفي الوقت نفسه، عليه مواجهتها الى الآن، وقد شاهدت الفيلم ثلاث مرات، لا يزال مشهد لقائهما الأول في المطعم أثرى من قدرة العين على تحليله. أعتقد أن كليهما ساوى الآخر لكن المثير هو قراءة اختلاف اسلوبيهما على رغم انتمائهما الى المنهج الواحد.

"الدخيل"مايكل مان - 1999 وضعه في تحد، كثر من النقاد قالوا ان راسل كرو غلب باتشينو هنا. ربما من القراءة الأولى. القراءة الثانية تمنحك ما يعزز الوسيلة التي اختارها باتشينو لتجسيد الدور. والأمر نفسه تقريباً في آخر أدواره"في أي يوم أحد"أوليفر ستون - 1999، شخصية إضافية جديدة لم يسبق ان مثلها، فيها بعض الصفات المشتركة مع أخرى، لكنها جديدة، وأداؤه مشاهد معينة فيها مثل المشهد الذي يزور فيه شقة اللاعب الأسود جيمي فوكس يرقى الى ما لا يمكن اختصار الحديث عنه في كلمات.

عن موقع الفن السابع

المدى العراقية في

28.04.2015

 
 

سلمى حايك: فيلم “النبي” يؤكد عظمة لبنان

بيروت - محمد حجازي:

ما لم تعلنه المخرجة نادين لبكي قالته النجمة العالمية سلمى حايك بوضوح "أنا عائدة إليكم في القريب لتصوير فيلم مع لبكي، سأحاول تعويضكم فترة الغياب الطويلة عنكم، أنا أحبكم" .

النجمة العالمية واللبنانية الجذور سلمى حايك، كشفت ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في ختام زيارة حلّت فيها ضيفة على وطنها الأصلي لبنان لمدة خمسة أيام . وأرادت حايك الفوز المزدوج من زيارة واحدة، فهي تروّج لفيلمها "النبي" المأخوذ عن كتاب جبران خليل جبران الذي صدر عام ،1923 وهو فيلم روائي طويل من نوع الصور المتحركة، أهدته إلى جدها الذي اعتاد وضع الكتاب إلى جانب سريره يقرأ منه كل ليلة، وهو ما كانت تتابعه طفلة .

هدف حايك الثاني أن تحقق رغبة خاصة في زيارة معالم البلد الذي تنتمي إليه عائلتها، ما جعل الزيارة محط تقدير واهتمام من عموم اللبنانيين شعباً ومختصين وعلى الصعيد الرسمي، وكانت مناسبة لتسليمها إخراج قيد (هوية) يؤكد لبنانيتها وهي يحق لها الانتخاب منذ العام 89 سجّل ولادتها كلبنانية مهاجرة إلى المكسيك .

رافق سلمى المؤلف الموسيقي اللبناني الأصل والمقيم في باريس غبريال يارد العربي الوحيد الذي نال جائزة الأوسكار، عن موسيقاه لفيلم "الطبيب الإنجليزي" الذي كشف عن شغفه بمؤلفات الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران وعندما طلبت منه حايك التعاون في "النبي" اشتغل من أعماق روحه مانحاً الشريط عالمية كلاسيكية مع روح شرقية ساحرة .

والرفيق الثاني في الرحلة المخرج روجر آلرز أحد عشرة مخرجين تعاونوا على إخراج الفيلم، وهو لبّى دعوة طلبة الإعلام في برنامج الدراسات الإعلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت وحاضر فيهم عن سينما الرسوم المتحركة (الأنيمايشن) التي له فيها أفلام ضخمة وجماهيرية مثل "الملك الأسد"، "الحورية الصغيرة"، "علاء الدين"، الجميلة والوحش" .

استهلت سلمى حايك المؤتمر بكلمة شكرت فيها اللبنانيين على حسن وفادتهم وقالت إنها شعرت بأنها ضمن عائلتها، وحين سئلت عما أعجبها في لبنان، قالت: الناس والطبيعة والمأكل وراحت تعدد التبولة والكبة وغيرها، واعتبرت أن ما شاهدته في لبنان من مناظر طبيعية في جبيل ومتحف جبران لم تر مثيلاً له حيث الأمكنة تعج بالتاريخ والذكريات . ولفتت إلى أنها ستشرح لعائلتها عن كل هذا الجمال . وكشفت أن فيلم "النبي" عبارة عن رسالة موجهة إلى الجيل الجديد، "نفذ بالرسومات ليفهمه ويشاهده هذا الجيل، لأننا في أمسّ الحاجة إلى مفاهيم ومبادئ إنسانية يتربى عليها الجيل الناشئ"، وقالت: "على الرغم من أن جبران كاتب وأديب لبناني، إلا أن أعماله وأدبه وكلماته موجهة إلى كل العالم وأبناء البشر، فهو كان وسيبقى أكبر من بلده، وإننا في هذه الأيام بحاجة إلى الخروج من التصنيفات" .

ورداً على سؤال، أشارت حايك إلى أن هدف الفيلم هو إعطاء مثال "إن اللبناني باستطاعته أن يصدر الحب والسلام والإنسانية والثقافة إلى كل العالم"، لافتة إلى "أن حياة جبران بحد ذاتها عبرة يجب أن تلهم الناس، وفي مقدمهم المرأة التي تتمثل بوالدة جبران التي استطاعت الهجرة إلى أمريكا مع أربعة أولاد من أجل تعليمهم وتحسين مستوى حياتهم" .

وأضافت أن "ما قامت به من خلال إنتاج هذا الفيلم مع فريق العمل، هو مغامرة في هذه الظروف ورسالة إلى الجيل الجديد من أجل الوحدة، وكررت اعتزازها بجذورها اللبنانية وثقافتها اللبنانية التي تعلمتها قبل المكسيكية أو الأمريكية"، لافتة إلى أن "النبي" فيلم عظيم لبلد وكاتب عظيم كجبران خليل جبران .

بدوره، اعتبر غبريال يارد، الذي وضع موسيقى الفيلم، أن "جمالية الكلمات وأدب جبران يوحيان بموسيقى استثنائية وتطبيق هذا الفيلم كان بمثابة حلم تحقق" .

طارق الشدياق رئيس لجنة جبران الوطنية كشف "أن فكرة الفيلم بدأت منذ عام 2008 خلال الذكرى ال 125 لولادة جبران والمشاركين في هذا الفيلم أضافوا قيمة له، إضافة إلى القيمة الأساسية لفكر جبران" .

مخرج الفيلم الأساسي رودجرز الرز أشار من جهته إلى "أن تنفيذ هذا الفيلم كان بمثابة حلم، لأن كلمات جبران في هذا الكتاب لامست قلبه عندما قرأه" .

الخليج الإماراتية في

28.04.2015

 
 

سميرة أحمد: أرفض التصالح مع القتلة

كتب - صفوت دسوقى:

من يتأمل مشوار الفنانة الكبيرة سميرة أحمد يكتشف أنها فنانة ذات طابع خاص.. كانت شديدة الذكاء لذا قدمت أعمالاً فنية تجمع بين بساطة الطرح وعمق

المحتوى..مثل «الشيماء، ليل وقضبان، آمنت بالله»، واستطاعت من خلال كل أدوارها أن تثبت أنها تمتلك القدرة على التنوع والاختلاف.. ويحسب لها أيضاً أنها قدمت عدداً من الوجوه الجديدة فى أعمالها الدرامية مثل: «امرأة من زمن الحب» و«أميرة من عابدين»، وبمرور الوقت تحولت هذه الوجوه الجديدة إلى نجوم على شاشة السينما والتليفزيون.

سألت الفنانة الكبيرة سميرة أحمد عن حالتها الصحية وما تردد حول سفرها للخارج وأجابت قائلة: الحمد لله على كل حال، أشعر بأن حالتى الصحية ليست جيدة ومؤخراً أجريت قسطرة فى القلب ولكنى لن أسافر خارج مصر بحثاً عن العلاج ففى مصر أطباء على درجة كبيرة من المهارة.. ولكن أتمنى أن يدعو لى الجمهور بسرعة وسلامة الشفاء.

وبشأن عودتها إلى الساحة الفنية قالت: كما قلت فى بداية حديثى حالتى الصحية ليست جيدة ولكن أتمنى الوقوف أمام الكاميرا وأن أقدم عملاً جديداً يحظى برضا وإعجاب الجمهور والنقاد.. فالمبدع الحقيقى لا يتوقف عطاؤه عند مرحلة عمرية معينة..المبدع يواصل العطاء مهما تقدم به قطار العمر.. لذا أحلم بالعودة وتقديم أعمال فنية فى نفس المستوى والأعمال التى قدمتها خلال مشوارى الفنى.

وبخصوص الأشياء التى أصابتها بالاكتئاب وجعلتها تبتعد عن متابعة نشرات الأطباء، قالت: بصراحة شديدة أنا حزينة بسبب كل ما يدور فى مصر.. وأندهش من الناس التى تتحدث باسم الدين وتقتل رجال الشرطة والجيش وتضع القنابل فى طريق الأبرياء.. كلما أشاهد صور الضحايا أشعر بحالة من الحزن وتجرى دموعى رغماً عنى.. مصر جميلة بناسها وشعبها الطيب والإرهاب يحاول تشويه جمالها وإطفاء الابتسامة على وجوه أبنائها.. وتواصل سميرة أحمد حديثها: رغم تكرار حوادث الإرهاب إلا أننى متفائلة بأن القادم أفضل وأن الرئيس السيسى سوف يعبر بمصر إلى بر الأمان.. لقد أنقذنا من جشع وطمع الإخوان وبدأ مرحلة البناء.. والبناء يحتاج إلى وقت ويحتاج أيضاً إلى صبر لذا أنصح الشعب بعدم الاستعجال وعدم الإفراط فى الأحلام لأن حجم التحديات كبير، وبمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء قالت: شأن كل مصرى أشعر بالفخر يوم الاحتفال بعيد تحرير سيناء وأقول الحمد لله أنها مازالت بين أيدينا فقد فكر الإخوان فى بيعها لأنهم لا يعرفون قيمتها.. فالرمال فى سيناء شربت من دماء المصريين وأتمنى خلال الأيام المقبلة أن تلتفت الحكومة إلى سيناء وأن تتبع سياسة جديدة هدفها زيادة الاستثمارات واحتواء أهالى سيناء الذين عانوا من التجاهل والتهميش فترة طويلة..

وبخصوص ظهور سيناء فى الأعمال الفنية قالت: بدون شك هناك أعمال فنية جديدة تناولت الصراع العربى - الإسرائيلى بصورة دقيقة وجيدة وساهمت هذه الأعمال فى بث الإحساس بالانتماء لمصر.. لكن الجيل الجديد لم يقدم أى شىء وأرى أن الجيل الجديد معذور فى هذا الأمر لأنه لم يجد من يدفعه لذلك وفوجئ بتجربة حكم الإخوان الذين احتفلوا بقتلة السادات وفكروا فى بيع سيناء، وحول رأيها فى التصالح مع الإخوان قالت: أرفض بكل تأكيد دعوة التصالح من الإخوان، كيف يكون التصالح مع القتلة وبأى منطق نتحاور ونجلس مع الإرهابيين الذين يريدون تحويل الوطن إلى بركة دماء.. التصالح مع القتلة مرفوض.. وأقول لمن يتبنون هذه الفكرة انظروا إلى أمهات الشهداء من الشرطة والجيش وحاولوا الاقتراب من حجم الوجع والألم الذى يسكن فى قلوبهن فالجرح كبير والتصالح مرفوض مهما كانت المبررات.

وبخصوص متابعتها للأعمال الفنية قالت سميرة أحمد: بكل تأكيد أشاهد التليفزيون وفى أحيان كثيرة أذهب إلى السينما وأجد أن الجيل الجديد متميز ولديه موهبة فنية عالية.. كما أن هناك تفوقاً فى مستوى التكنيك وهذا بكل تأكيد يزيد من قيمة العمل الفنى ويضاعف من حجم نجاحه، ولكن الشىء الذى يزعجنى هو تدنى لغة الحوار فى المسلسلات.. وأندهش عندما يبرر صناع المسلسل الجرأة فى الحوار بأنه اقتباس من الواقع وليس محض خيال.. وأقول لهم: فرق كبير بين أن تقدم فناً يحاكى الواقع وأن تقدم الابتذال وتروج له بأنه مستوحى من الواقع الصعب.. يجب أن يلتفت صناع الدراما إلى خطورة الأمر، وأن يحاولوا الارتقاء بلغة الحوار حتى لا يكون تأثير الأعمال الدرامية على النشء سلبياً وصادماً.. الفن الحقيقى يجب أن يرتقى بوعى وأخلاق المتلقى ويساهم فى توسيع دائرة مداركه وأفكاره.

الوفد المصرية في

28.04.2015

 
 

عن الأبنودي الذي لم يرحل..

الدهاشنة محتاجين هويس يا خال!

أســــامـــــة صفــــــــار

لم يكتف الأبنودي بالفهم العميق لسيناريو" شيء من الخوف" الذي قدمه إليه المخرج "حسين كمال"، لكنه تجاوزه بخياله الصعيدي ومزاجه البصري المشبع بشاعرية لا مجال للمقارنة بينها وبين غيرها، وأعاد الشاعر والغنائي والمثقف المصري كتابة النص بكامله في أربعة أيام ثم قدمه للمخرج علي شرائط كاسيت فاللهجة الصعيدية يصعب تعليمها من خلال القراءة وحدها.. الأبنودي استوعب جيدا حالة الرعب التي عاشها الدهاشنة وتسللت إلي وجدانه في لحظة تاريخية كان البعض - وهو منهم - يراها تنشع بالخوف وبحث المبدع صبري عزت وقبله الكاتب الراحل ثروت أباظة مؤلف الرواية المأخوذ عنها الفيلم عمن يفتح هويس الماء لتعود القرية للحياة فلم يجدوا سوي "فؤادة".. الفتاة التي قبلت التحدي وفتحت الهويس لينطلق الماء الي أهلها.

ولم يكن الأبنودي الذي كانت مهمته محددة سلفا في كتابة الأغاني الخاصة بالفيلم ينوي غير ذلك ولكنها تلك الغواية وذلك الحس الجمالي الذي يولد مع المبدع.. إنه الشغف الذي لا يقاوم بالجمال.. فاندفع يعيد الكتابة لينتج سيناريو هو الأصدق والأكثر إثارة للإعجاب والدهشة في تاريخ السينما المصرية.. ورغم فتح الهويس في الفيلم، بقي الفيلم نفسه معلقا علي قرار الرقابة حتي أجازه جمال عبدالناصر بنفسه.. ولم يصادف " شيء من الخوف نجاحا في البداية لكنه تحول إلي واحد من أعظم كلاسيكيات السينما العربية خلال سنوات قليلة. 

تلك البصمة المفاجئة والمبهرة لـ«الخال» لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد تجاوز قام به الأبنودي المشاغب دائما لدوره في العمل لكنها تلك الحالة الفنية وذلك التحدي الذي يفرضه الجمال علي عشاقه. 

وقد جاء عبدالرحمن الأبنودي إلي القاهرة في عام 1962 شاعرا، ولم يكن يتصور أن لديه ما يقدمه سوي تلك المنحة الإلهية التي لا مثيل لها، ورغم أنه يعد الشاعر الغنائي الأهم في تاريخ الطرب المصري إلا أن أغنية واحدة من أغنياته لم تتسلل إلي ديوان من دواوينه وقد رحل ولا يعرف عدد أغنياته، فالشاعر الغنائي العبقري كان يري فارقا كبيرا بين النص الغنائي والنص الشعري ويتعالي علي اعتبار الأغنية منجزا فنيا يمكن أن يجاور قصائده.  

اعتبر الصعيدي القادم إلي القاهرة كتابة الأغاني "أكل عيش" ومصدرا للدخل المادي فقط، ولعل عدم تقاضيه أجرا عن إعادة كتابة ذلك السيناريو وتصميمه علي أن يحتل اسم السيناريست صبري عزت مكانه سابقا اسمه لهو الدليل الأهم علي أن إعادة الكتابة لم تكن عملا بقدر ما كانت قصيدة طويلة في حب الصعيد والحرية اختطفته مما عداها فكتبها في صورة سيناريو.

مشهد سينمائي

أما القصة التي يحتل المشهد الأبنودي كل تلك الأهمية فتعود الي عام 1968 حيث كان النجم الراحل يعمل بالإضافة الي التمثيل كمنتج للأفلام وقرر إنتاج رواية "شيء من الخوف" للكاتب الراحل ثروت أباظة وقام السيناريست صبري عزت بكتابة السيناريو لها وبمصادفة غير منتظرة وبينما كان الأبنودي في زيارة لاستوديو نحاس فوجئ بالمخرج حسين كمال يقول له «أنت فين؟ أنا بادوّر عليك.. خُد السيناريو ده اعمل الأغاني بتاعته، بس أنا عايزه بصورة ملحمية مختلفة، ومعاك شادية ومعاك الكورال».

وأصابت الأبنودي لوثة الإبداع، فقام بتغيير السيناريو وكتب الأغاني أيضا ومزجها بالحوار خلال أربعة أيام لم ير فيها النوم وقام بتغيير اللهجة الفلاحية في السيناريو إلي لهجة الصعيد ثم اتصل بحسين كمال وطلب منه أن يجهز كاسيت ومجموعة شرائط قبل أن يذهب إليه واندهش حسين كمال من الطلب فالقصة لا تتعدي بضع أغنيات ولكنه نفذ ما طلب الأبنودي. 

وذهب عبدالرحمن الأبنودي إلي منزل حسين كمال في شارع عماد الدين ووجد حسين كمال في انتظاره، وقد أحضر له كل شيء لتسجيل الأغاني التي طلبها منه، لكن الأبنودي فاجأه وقرأ عليه السيناريو والحوار بدلا من الأغنيات، فصمت كمال ولم ينطق إلا بعد أن انتهي الأبنودي من القراءة، ثم صرخ قائلا: «يا لهوي»!!

وبقدر الدهشة والإعجاب كان حسين كمال كمن تلقي جبلا من الهم فوق رأسه فكيف سيغير كل الترتيبات ولكنه حسم الأمر واتصل بمدير الإنتاج صلاح ذو الفقار، وقال له: «تعالي يا صلاح إلغي كل الورق اللي اديته للناس، ووزع شرايط علي الناس مافيش وقت نعمل ورق».

وبدأ العمل في الفيلم بصورته الجديدة كما خطه الأبنودي علي الورق، وجاء بليغ حمدي الذي أبدي اندهاشه الشديد مما فعله الأبنودي وقال له: «أنت عملت معجزة.. حد يكتب سيناريو وحوار فيلم في يومين»؟ ثم جلسا معا لبدء العمل في الأغاني. 

والمعروف أن ذلك المشهد التاريخي  لفتح الهويس لم يشارك فيه كومبارس لكن فلاحون ينتمون إلي إحدي قري الدقهلية، ذهب إليها حسين كمال وطلب من العمدة أن تشارك القرية في الفيلم فاشترط أن يتحمل المنتج تكلفة إنشاء هويس للقرية وبلغت تلك التكلفة ثلاثة آلاف جنيه!

البوسطجي وفاتن

 كان الأبنودي ضيفا علي السينما وقد ظهر في فيلم "البوسطجي" للمخرج الكبير حسين كمال ولكن أحدا لم يذكره لأن ظهوره - كالعادة - كان غير تقليدي فلم يكن  مؤلفا أو شاعرا بل كان صوت أحد الخطابات التي فتحها البوسطجي "عباس" شكري سرحان، أثناء انتقامه البطيء من أهل القرية، واختار حسين كمال الخطاب الثالث من "جوابات الأسطي حراجي القط" التي تعد واحدة من أشهر أعمال الأبنودي الشعرية، ليضمنها في فيلمه في إشارة إلي أن القرية أوسع من إدراك عباس وليس جميع أهلها كما يظن.

وجاء صوت الشاعر وكلماته في الفيلم : 

أول ما تفكي الخمسة جنيه

اطلعي ع الفور..

وإدي حساب ((عمران)) وجنيه ((بمبة الصباغ))

والباقي زيحوا بيه القارب

لما يعدلها الرحمن

سلمي ع الوِلد.. وع (( الحاج التايب))

بلا كتر كلام ..

سلمي علي كل اللي لينا فيهم نايب.. 

وكانت قصة إعادة كتابة سيناريو "شيء من الخوف" قد انتشرت  في الوسط السينمائي والفني خاصة أن الأبنودي يقف بقدم في الوسط الموسيقي عبر كتابة الأغاني وبأخري في الوسط الثقافي كشاعر وجاء رد الفعل سريعا إذ أرادت فاتن حمامة التي لم يكن الأبنودي قد التقي بها من قبل أن يكتب لها ثلاث قصص في فيلم واحد من كتاب "المسرح والمجتمع" للكاتب الراحل توفيق الحكيم. 

وبعد ثلاثة أيام فقط كان الأبنودي قد انتهي من كتابة السيناريو الذي أبدع من خلاله في نقل واقع الصعيد المصري من داخل البيوت بتطابق يكاد يكون تاما ولعل انطباق الصورة السينمائية التي رسمها في الفيلم مع ما وصفه عن بيت جدته "ست أبوها" يؤكد أن الأبنودي الشاعر والسيناريست كان يملك كنزا صعيديا من الموسيقي والغناء والمشاهد والصور وينهل منه كلما تطلب الأمر. 

وقام الأبنودي بتدريب فاتن حمامة علي اللهجة الصعيدية حيث كانت تقوم بدور "عساكر" ولم تكن تبدأ التصوير بعد ذلك إلا في حضوره. 

خمسون ظلاً لجراي..

كثير من المشاهد الجريئة وقليل من الإبداع!

مـاجــــــــدة خـــير اللـــه

نسخة جيدة المستوي من فيلم "خمسون ظلاَ لجراي" أصبحت متاحة، علي مواقع الإنترنت، ولكنها لم تلق نفس الإقبال، الذي أدي إلي نجاح الفيلم تجارياً عند عرضه بدور السينما في أمريكا وأوروبا! والحقيقة أن الفيلم، يشكل ظاهرة، ويسمح بانطلاق مجموعة من علامات الاستفهام حول أسباب نجاحه، في مجتمعات غربية، ليست محرومة من متابعة أفلام تحتوي علي جنس صريح أو بالتلميح! ولاحتي هناك منطق يمكن أن تستوعبه لنجاح الرواية التي كتبتها الإنجليزية "إيريكا إل . جيمس" فهي في النهاية ثرثرة فارغة، وليست عملاً أدبياً، لكن يبدو أن الناس في كل مكان، مهما كانت درجة ثقافتهم، أو نضجهم الإنساني، يميلون إلي النميمة وخاصة في الموضوعات التي تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فيلم خمسون ظلا لجراي من إخراج سام تايلور جونسون ـ 48سنة ـ وتاريخها لا يحمل أي أفلام مميزة، ويبدو أنها فكرت أن تقدم عملاً مثيراً، ينقذها من حياة السكون التي عاشتها، حتي اقترب عمرها من الخمسين بدون إنجاز فني حقيقي، ويتضح أسلوب تفكيرها من اختيارها لممثلي الأدوار الرئيسية، وهما الإيرلندي جيمس دورنان-32 سنة - وهو موديل لإحدي ماركات الملابس الداخلية، وجه خال من التعبيرات، لا تستطيع أن تتبين، إن كان غاضبا، أم سعيداً، أم مرتبكاً، فانفعالاته كلها واحدة، أما البطلة فهي داكوتا جونسون، وهي تتمتع بوجه جميل، ولكنها أيضا، تحمل انفعالا واحداً يلازمها طوال الفيلم، وتعبر عن الارتباك أو الخجل بعض شفتها السفلي، بشكل دائم! وهي لا تقل فشلا عن أمها الممثلة "ميلاني جريفيث" التي جاءت شهرتها، بعد زواجها من الممثل الأسباني أنطونيو بانديرايس، باختصار وبدون أي تجن، نحن أمام فيلم أقل من المتوسط لايحمل أي لمحات إبداعية من أي نوع، ومع ذلك يدهشك أن يحقق إيرادات ضخمة، تحفز صناعه، لعمل جزء ثان وثالث منه!

حكاية الفيلم، تدور حول أنستاسيا،  وهي فتاة تدرس الأدب الإنجليزي، تتعرف بشكل ما، علي رجل أعمال شاب وشديد الثراء، هو كريستيان جراي، له ميول جنسية غريبة، فهو يعشق تعذيب أنثاه، ولايؤمن بالحب، والرقة والدعة، ولكن بالعنف، والإيذاء الجسدي، وحتي يحتفظ بصورته الاجتماعية المتألقة، يخفي هذا الجانب تماماً، ولايظهره إلا للفتاة التي تقع أسيرة هواه، فيعقد معها اتفاقاً، تتعهد فيه بالحفاظ علي سرية العلاقة، مقابل أن تستمتع بكثير من المميزات، أهمها أن تعيش معه في رغد وترف ويحقق لها ماتطمح فيه، ويصطحب كريستيان، فتاته الجديدة، إلي قصره الذي لايسمح لغريب باقتحامه، ويطلعها علي غرفة الأسرار، التي يحتفظ فيها بأدوات التعذيب، كرابيج سوداني، وقيود حديدية، وسلاسل، وأشياء غريبة، تثير الذعر في نفس الجالس علي مقعده في صالة السينما، ومع ذلك فالفتاة أنستاسيا، تتفرج علي أدوات التعذيب دون أن يظهر عليها أي نوع من القلق أو التردد، وكأنها ذاهبة في نزهة خلوية! ويبدو أن علاقة خاصة تقوم علي السادية من جهته، والمازوخية أي الاستمتاع بالتعذيب، من جهتها، ولكنها بعد فترة من تكرار هذه الممارسات، وبعد أن تزداد جرعة التعذيب، تبدأ في التململ والتمرد، ولكنها لاتحسم الأمر، وينتهي الفيلم عند نقطة تحمل تساؤلا: هل تستمر أنستاسيا في علاقتها بكريستيان أم تتمرد عليه وتهجره؟ 

طبعا النفس البشرية تحمل الكثير من المناطق الغامضة، التي يصعب تفسيرها، ولكن التعبير عنها فنيا، يحتاج إلي قدرة علي الإبداع والخيال، ولكن «خمسون ظلا لجراي» لايحمل أيا منها، حتي مشاهد الإباحية والجنس جاءت تافهة، وباهتة، ولم يحاول السيناريو أن يغوص في نفس الشخصيات، ليعطي مبرراً، أو حتي تحليلاً لأسباب تحول الشاب الثري إلي وحش آدمي يستمتع بتعذيب النساء، ولا هناك تبرير لأسباب انسحاق أنستاسيا، وقبولها لهذا الوضع المهين، وهنا يظهر الفرق جليا بين فيلم المخرج رومان بولانسكي"القمر المر" الذي قدم فيه علاقة جنسية بالغة التطرف بين رجل وزوجته، يصلان في لحظة إلي نقطة الملل، بارتكاب المزيد من الأفعال الغريبة، ولكنها تصل إلي حالة من الانتهاك العصبي والعاطفي يؤدي إلي كراهية كل منهما للآخر! كان الفيلم وهو من إنتاج السبعينيات يتمتع بمستوي راق في الطرح وتحليل الحالة، بالإضافة لتمتعه بمستوي حرفي متميز جدا، والحكاية مش مجرد مشاهد "أبيحة" والسلام! أما فيلم "عرض غير مهذب" الذي لعب بطولته روبرت ريد فورد، مع ديمي مور، فقصته تدور حول رجل أعمال شديد الثراء، يؤمن بأن ماله يمكّنه من شراء كل ماتقع عليه عيناه، وعندما ينبهر بجمال امرأة، يقرر أن يضمها لممتلكاته ويقضي معها بعض الوقت، ولكن العقبة تكمن في زوج المرأة، الذي يحبها ولا يقبل أن يفرط فيها، فيقدم له رجل الأعمال الثري عرضا صعبا أن يرفضه، مليون دولار مقابل عدة أيام يقضيها مع الزوجة، ويقبل جميع الأطراف هذا العرض غير المهذب، ويوقعون عليه، ولكن تجري الأمور في مسارات غير معتادة! ورغم أن الفرصة كانت سانحة أمام مخرج الفيلم، لتقديم مشاهد ساخنة، إلا أنه لم يفعل، ويعتبر «عرض غير مهذب» واحداً من أقوي الأفلام الرومانسية، رغم غرابة موضوعه، ولا أعتقد أن مشاهد الجنس وحدها يمكن أن تضمن نجاح فيلم ما، أو فشل فيلم آخر، ويمكن أن نعتبر أن نجاح «خمسون ظلا لجراي»، مجرد ضربة حظ، والمقياس الحقيقي سوف يكون في التجارب الفنية القادمة لأبطاله! 

«من أجلكم».. المسيح يصلب من جديد

نعمــــــة الـلـــــه حســـيـن

والأفكار التي تحلق بحرية في السماء ولا يعرفون اصطيادها.. فإنهم يحاولون سرقتها أو إرسال أفكار مضادة تحمل جرعات من «الشر» و«الكذب» لينخدع بها الكثير.

وآلام البشر منذ الأزل لم يعرف لها أحد طريقا للخلاص.. وفي رؤية عصرية لواقع شديد القسوة لكل ما يحدث ويدور حولنا نجح الفنان الشاب القدير اللبناني «شادي حداد» في تقديم فيلم قصير لا يتجاوز من الزمن ثلاث عشرة دقيقة.. عبر فيها عن آلام السيد المسيح وجسد شخصيته وعذابه لما يحدث اليوم في كل بقاع الأرض وخاصة عالمنا العربي.. يبدأ الفيلم بصور لطفل صغير يائس يعيش بيننا لا يلتفت إليه أحد.. ثم شحاذ عجوز.. وآخرين بؤساء في الأرض.

وتتوالي الصور لكل حالات التعذيب التي تحدث للاجئين الفلسطينيين.. والمجازر التي حدثت لهم.. من سجون وتعذيب مع مشهد يذكرنا بما حدث «لمحمد الدرة» وبعيون «كاميرا» واعية ترصد بواقعية وقسوة وجمال حالات الاغتصاب الجسدي.. والمادي للأشخاص والدول.. والفقر والفقراء الذي يبحثون عن لقمة العيش.. والدمار والحرب في أرجاء كثيرة من العالم.. والاختطاف والإرهاب.. والكوارث الطبيعية الناتجة من انعدام الضمير الإنساني في الكثير من المواقف.

كل هذه الأشياء يرقبها (السيد المسيح).. وهو يجول في عالمنا اليوم.. يتألم بشدة وهو الذي كان يدعو للتسامح والرحمة.. الأمة تعيد الذكري لصلبه.. ومعاناة «الصلب» لاتكاد تذكر بالمعاناة التي يشعر بها تجاه البشر.

إن في أداء «شادي حداد» لدور السيد المسيح.. هو شيء يحسب له.. وسوف ترتفع الأصوات لمنع عرضه لينضم إلي قائمة أفلام طويلة عن السيد المسيح.. لكن هذا الفيلم يختلف كثيرا.. فقد أضفي من المشاكل العصرية ما يجعلنا نحن نتألم مما يصير بهذا العالم.

إن كل شيء في هذا الفيلم القصير الذي أخذ من عمر (شادي) أكثر من عامين في التحضير ليخرج بهذه الصورة الشعرية الراقية.. وقام بإخراجه «الأب شارل موايا» وهو صاحب كتاب «المسيح» الذي تعرض للكثير من تفاصيل حياته وخاصة أسبوع الآلام.. وبإشراف الأب بشارة بطرس.

ولقد كان لمكياج «نبيل سلامة» الذي جاء من اليونان خصيصا.. بالإضافة لمصمم الشعر (كوافير) ميشال زيتون ما أضفي الكثير من الصدق علي شكل «شادي» والذي يقول إن هذا الدور يعد من أصعب الأدوار التي قام ببطولتها.. وإنه أثناء التصوير كان صائما.. وكان الأب «شارل» خائفا عليه من الإجهاد.. لكنه طمأنه.. ولهذا كان الإعياء والألم يبدوان علي وجهه.. وقد تم التصوير في منطقة «جبيل» بلبنان.. وبالمناسبة هي المنطقة الوحيدة تقريبا التي لم تعرف أي فتنة طائفية أو حروب أهلية في الحرب الأهلية اللبنانية.

المستشار الفني هو الصديق العزيز انطوان خليفة.. وكما يقول «شادي» إن هذا الفيلم لم يكن ليري النور إلا بتدخل رجل الأعمال «رشيد رزق» وقد كان من المفروض في البداية أن يكون فيلما روائيا طويلا.. لكن التكلفة الشديدة حالت دون إكمال هذا المشروع.

إن فيلم «من أجلكم» يستحق التحية والتقدير لفنان جاد.. ملتزم.. وواع يرصد حالات الظلم في العالم.. التي تجعل «المسيح» يصلب كل يوم ويعيش الألم في كل ثانية.. حزين علي «البؤساء».. من أبناء هذه الأرض.. الذين زرعوا التعاسة وجعلوا غيرهم من إخوانهم في البشرية يحصدوننا.

ومع الموسيقي التصويرية والأنغام والإنشاد لـ «عبير نعمة» و«شارل خليفة» والصورة الرائعة التي شاهدناها.. تبقي كلمات الأبنودي.. بصوت عبدالحليم حافظ وألحان بليغ حمدي عن المسيح:

يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها..

وفتحي عيون البشر للي حصل علي أرضها..

علي أرضها طبع المسيح قدم..

علي أرضها نزف المسيح ألم..

في القدس في طريق الآلام

وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس..

وفي الخلا صبح الوجود إنجيل..

<<< 

تفضل تضيع فيك الحقوق لأمتي لإمتي..

يا طريق الآلام..

وينطفي النور وتنطفي نجوم السلام..

ياطريق الآلام

ولإمتي فيك يمشي جريح..

ولإمتي فيك يفضل يصيح..

مسيح وراه مسيح وراه مسيح..

علي أرضها..

<<< 

تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه صليب..

دلوقت ياقدس إبنك زي المسيح غريب..

تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب..

خانوه نفس اليهود..

ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود..

علي أرضها.

آخر ساعة المصرية في

28.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)