كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

القطيعة بين السينما والأدب

أمير العمري*

 

كانت الدعوة للسينما الجديدة في الستينيات، أو ما عُرف بـ"سينما المؤلف"، التي يكتب فيها المخرج أفلامه بنفسه ويعبّر من خلالها عن فلسفته، وراء تكريس القطيعة بين السينما والأدب.

فقد ظهرت في العقود الأربعة الأخيرة أجيال من السينمائيين في العالم العربي، تتمسك بفكرة المخرج/المؤلف، حتى لو لم يكن المخرج يملك أصلا تجربة عميقة في الحياة أو خبرة كافية بالمحيط الاجتماعي تمنحه القدرة على التعبير عن "فكر" أو "فلسفة" أو حتى "رؤية" سينمائية عميقة تضعه في مصاف المؤلفين السينمائيين المعروفين في العالم مثل أنجلوبولوس اليوناني، وبرتولوتشي الإيطالي، وسكورسيزي الأميركي، وروي أندرسون السويدي، وهايلي جريما الإثيوبي، كأمثلة فقط بالطبع.

كان ما يميز السينما المصرية التي ظهرت في الخمسينيات والستينيات الماضية أن أفلامها كثيرا ما اعتمدت على أعمال أدبية، مثل روايات طه حسين وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبد الرحمن الشرقاوي ويحيى حقي وغيرهم، كما انعكست في أفلام مثل "دعاء الكروان" لبركات، و"أنا حرة" و"بداية ونهاية" لصلاح أبو سيف، و"الأرض" ليوسف شاهين و"قنديل أم هاشم" لكمال عطية.

قضايا المجتمع

وقد نجحت مثل هذه الأفلام في تغيير نظرة الجمهور للفيلم وللسينما عموما، فبعد أن كان الجمهور يعتبر الفيلم أداة من أدوات التسلية، وفرصة لقضاء بعض الوقت في مشاهدة مطربيه المفضلين، مع مشهد لرقصة أو أكثر، أصبح الفيلم يناقش إحدى قضايا المجتمع ويصورها بطريقة رصينة، جذابة، ومؤثرة، ويساهم بالتالي في تغيير الأفكار البالية المستقرة في أذهان الجمهور عن وضع المرأة في المجتمع، أو عن العلاقة بين الرجل والمرأة، أو دور المثقف في نقد المجتمع والسلطة.

"بعد هزيمة 1967 اهتز الكثير من القناعات، وأصبح المطلوب ليس تصوير واقع اجتماعي قادر على الإنجاز، بل التعبير عن تلك الهزة الكبرى التي حدثت في الأفكار والقناعات من خلال الأفلام"

وكان ذلك التحول في دور الفيلم متسقا مع صعود الطبقة الوسطى التي أصبحت في بؤرة التغييرات الاجتماعية وعمليات التحديث التي كانت تجري في المجتمع.

وبعد هزيمة 1967 اهتزت الكثير من القناعات، وأصبح المطلوب، ليس تصوير واقع اجتماعي قادر على الإنجاز، بل التعبير عن تلك الهزة الكبرى التي حدثت في الأفكار والقناعات، من خلال أفلام غالبا تكون شخصياتها قلقة معذبة، مضطربة تبحث عن الحقيقة، في خضم صورة للمجتمع مهتزة، غير واضحة.

هنا برز دور المخرج/المؤلف الذي عايش تلك الهزة السياسية والاجتماعية الكبرى، امتصها وهضمها، وعرف كيف ينقلها إلى الفيلم، وكانت أفلام المؤلفين، أي أصحاب الرؤية الفنية أمثال سعيد مروزق ويوسف شاهين وعلي بدرخان وأشرف فهمي وممدوح شكري، جزءا من حركة الشعر الجديد والأدب الجديد الذي عكس نوعا من التمرد على التقاليد القديمة في أساليب الحكي، واتجه إلى التعبير الذاتي عن تلك الحالة من "الانكسار" وفي الوقت نفسه رفض الخضوع لقهر السلطة.

ويكفي أن نتأمل في فيلم واحد فقط مثل "الخوف" (1972) لندرك ذلك التحول الذي حدث، قبل أن يعود سعيد مرزوق نفسه وغيره ممن ذكرنا من المخرجين إلى الاعتماد على الأدب كما فعل علي بدرخان مثلا الذي وجد في رواية "الكرنك" لنجيب محفوظ تعبيرا عن محنة أبناء جيله، وكما فعل صلاح أبو سيف عندما أخرج الرواية الفلسفية الصعبة الوحيدة التي كتبها يوسف السباعي "السقا مات"، وعادت السينما المصرية لتشهد أفضل سنواتها.  

تبعية طوعية

في التسعينيات وما بعدها، أي بعد اضمحلال الطبقة الوسطى، استمرت فكرة المخرج/المؤلف وانتشرت، فقد رحب بها المنتجون، كونها أصبحت الشكل الإنتاجي الأقل كلفة، وتشبث بها المخرجون لأنها الفكرة الأكثر إغواء لصانع الفيلم.

"لا شك أن اعتقاد السينمائيين الشباب أن بمقدورهم كتابة أفلامهم بأنفسهم مباشرة أضر بتلك العلاقة التي كانت قد نشأت بين السينما والأدب، وبين الفيلم وكتاب السيناريو المحترفين"

فقد أصبح المخرج الذي ينسب الفيلم إلى نفسه فقط باعتباره صاحب الموضوع والأفكار هو الذي يحاط بالأضواء، وهو الذي يظهر في المهرجانات السينمائية، يتحدث عن فيلمه وعن أفكاره مهما كانت ضحلة أو سطحية.

وهنا تركزت الأفلام على نوع جديد من التسلية الهروبية مع المغالاة في النزعة التشاؤمية التي تقترب من العدمية.

لا شك أن اعتقاد السينمائيين الشباب أن بمقدورهم كتابة أفلامهم بأنفسهم مباشرة أضر بتلك العلاقة التي كانت قد نشأت بين السينما والأدب، وبين الفيلم وكتاب السيناريو المحترفين الذين كانوا يأتون عادة، من عالم الأدب والمسرح والدراما، فأصبحت الأفلام متشابهة، تتكرر شخصياتها وحبكاتها الدرامية، وتدور كلها في محيط واحد، وتدور حول أفكار معادة مكررة، هدفها الأساسي الإضحاك فقط، والإضحاك بأي شكل.

ولعل نظرية أفلام المخرج/المؤلف ترسخت أكثر في الأفلام التي تنتج في بلدان المغرب العربي، بسبب تأثر السينمائيين بالأفلام الفرنسية بحكم دراساتهم السينمائية في فرنسا أو اعتمادهم -في الأغلب- على الإنتاج المشترك أو التمويل الفرنسي، لذلك ظلت سينما المغرب العربي تعاني من ندرة كتاب السيناريو المحترفين، وتكثر فيها الأفلام المغامرة التي تعد أقرب إلى أفلام الهواة منها إلى السينما الاحترافية المتكاملة.

كما أن السينمائيين سلطوا أنظارهم أكثر، ليس على سوق محلية لأفلامهم لم يسعوا لإيجادها، بل لعرض أفلامهم في المهرجانات السينمائية الأوروبية أو توزيعها على نطاق محدود في فرنسا.

ولا شك أيضا أن هذا النوع من "التبعية" الطوعية قد أدى في مرحلة ما إلى طغيان الفولكلور والصور النمطية التي يريد الغرب أن يراها في أفلام "الشرق" بالمفهوم الاستشراقي!

وقد آن الأوان أن يبذل كتاب السيناريو الشباب في مصر والعالم العربي عموما، جهدا أكبر من أجل الاستفادة من أعمال الأدب العربي الجديدة، ومنها الكثير مما هو جيد ويتمتع بشحنة درامية عالية وحيوية شديدة في تصوير الأجواء وبناء الشخصيات، من أجل استعادة تلك العلاقة التي زودت السينما العربية بأهم أفلامها في الماضي، دون خشية من القول إن الرؤية ليست رؤية المخرج بل رؤية المؤلف، فمن رحم تلك العلاقة العضوية الإبداعية بين المخرج والمؤلف خرج الكثير من الأفلام الخالدة في السينما العالمية.. أليس كذلك!

* كاتب وناقد سينمائي 

الجزيرة نت في

23.04.2015

 
 

أنت لست أنت بعد المرض

منة الله فهيد – التقرير

انتشر في الثلث الأخير من العام الماضي حملة (تحدي الثلج/ #IceBoucketChallenge)، والتي هدفت إلى زيادة التوعية حول مرض (التصلب الجانبي الضموري/ ALS) عن طريق سكب دلو من الماء المثلج فوق رؤوس المشاركين للشعور برعشة المصابين بالمرض مع التبرع لصالح المؤسسات المعنية بالعلاج، انتشر الأمر كانتشار النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحول الأمر في مجتمعاتنا العربية إلى ظاهرة  فقدت -في أغلب الأحيان- الغرض الأساسي من ورائها.

كان لهذه الحملة أثر كبير في زيادة التوعية حول المرض وتضاعفت مشاهدات المقالات التي تحدثت عنها حول العالم، على الرغم من ذلك لا يزال هناك الكثيرون ممن لا يعلمون شيئًا عن مرض (التصلب الجانبي الضموري/ ALS) الذي يصيب واحدًا إلى ثلاثة أشخاص من كل مئة ألف شخص والذي ينتهي -حتمًا- بوفاة المريض.

لذلك؛ جاء فيلم (Your’re Not You) بمثابة استكمال للصورة المنقوصة عن هذا المرض، أراد صانعو الفيلم أن يمنحونا المشهد كاملًا: هذا ما يحدث عندما يتم تشخيصك بـ (التصلب الجانبي الضموري/ ALS)، هذا ما سيتوجب عليك التعايش معه عند إصابتك أنت أو أحد من المقربين إليك به، وهو الأمر الذي لم تتمكن حملة (تحدي دلو الثلج/ #IceBoucketChallenge) -رغمًا من نجاحها الساحق- إظهاره.

يبدأ الفيلم باستعراض يوم نمطي من حياة البطلة (كايت/ هيلاري سوانك) مع زوجها المُحب (إيفان/ جوش دوهامل)، في عيد مولدها الخامس والثلاثين، ودّعت (كايت) زوجها إلى عمله وجلست لتضع زينتها وتقوم بالترتيبات اللازمة لليوم، في المساء كان الاحتفال الذي دعت إليه أصدقاءهما المقربين، أثنى عليها الجميع لا سيما زوجها الذي مازال يراها رائعة الجمال بعد انقضاء خمسة عشر عامًا على لقائهما الأول، طلب منها أصدقاؤهما أن تقوم بالعزف على البيانو احتفالًا بتلك المناسبة السعيدة فاستجابت لإلحاحهم وقامت بالعزف، ولكنّ يديها لم تسعفانها ونشزت عن اللحن المألوف، تلك هي اللحظة التي علمت فيها (كايت) بأن هناك خطبًا بها، تلك هي اللحظة التي غيرت كل شيء.

في المشهد التالي، وبعد انقضاء عام ونصف، تظهر (كايت) وهي لا تقوى على الحراك، نجد زوجها (إيفان) هو من يقوم بمساعدتها في الاستحمام وارتداء الملابس ووضع الزينة: الأمور اليومية التي اعتادت هي على القيام بها بمفردها.

أخبرت (كايت) زوجها أنها فصلت السيدة التي كانت تعتني بها أثناء ذهابه إلى العمل؛ لأنها كانت تشعرها “أنها مريضة” وأنها ستقابل فتاة أخرى اليوم، هنا تظهر (بيك/ إيمي روسوم) فتاة عابثة متأخرة عن ميعادها، ولا تزال تعاني من آثار الكحوليات التي أفرطت في تناولها الليلة الماضية، مظهرها وحده كان كافيًا لـ (إيفان) لإنهاء المقابلة، ولكن (كايت) فاجئته بقبولها في الوظيفة.

أفسدت (بيك) الأمور في يومها الأول مع (كايت)، واتضح أنها ليست لديها أدنى خبرة في التعامل مع الأمور تمامًا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بـ (كايت) التي لا تستطيع قضاء حاجتها وحدها؛ إلا أن الأخيرة أصرّت على الاحتفاظ بها بالرغم من كم الكوارث التي ألحقتها بالمنزل في يوم واحد.

سألت (بيك) (كايت) عن السنوات التي تبقت لها باعتبار أن عمر المرض يتراوح من سنتين إلى خمس سنوات، وعلى الرغم من حديث (بيك) غير اللائق والجارح أحيانًا؛ إلا أن (كايت) لم تُبد استياءً؛ بل على العكس كانت سعيدة أنها وجدت أخيرًا شخصًا يمكنه التحدث إليها بصراحة دون وضع مرضها بالحسبان والخوف على مشاعرها من التأذي.

تطورت العلاقة بين بطلتي الفيلم إلى الحد الذي أصبحتا فيه صديقتين حميمتين وليستا مجرد ربة عمل وموظفة لديها، على الرغم من تناقضهما الرهيب؛ فـ (كايت) إنسانة كاملة تفعل كل شيء على النحو الصحيح، حتى إنها لا تستخدم السباب في حديثها، بينما (بيك) دائمًا ما تتأخر عن مواعيدها، تحتسي الشراب وتدخن السجائر، وتقيم علاقة مع مدرسها المتزوج؛ إلا أن كليهما كان يكمل الآخر؛ فـ (بيكا) تعلمت الطهي والالتزام نحو مريضتها، و(كايت) تركت العناء لنفسها لتستمتع بالمتبقي من حياتها، ساعد على ذلك خروج (إيفان) من حياتهما بعد إصرار (كايت) على الانفصال عنه.

بعيدًا عن الرباط القوي الذي نشأ بين (كايت) و(بيك)، ركز الفيلم على مراحل المرض وتدهور الحالة الصحية للمصابين به، لم يقتصر الأمر على (كايت) فقط؛ بل امتد ليضم مريضة أخرى تعرفت عليها في صف السباحة  بصحبة زوجها، والتي انتهى بها الحال في المشفى موصلة بجهاز يضمن لها التنفس، لتقرر عندها (كايت) أنها لا تريد نفس المصير وتطلب من (بيك) ألا تتركها ينتهي بها الحال مقيدة بسرير في مشفى مهما كان الثمن.

تطرق الفيلم أيضًا لتعامل الأهل والأصدقاء مع المرض ومدى تقبلهم وتفهمهم للأمر، فنجد الأمر متباينًا؛ فالزوج اختار أن يعتني بها في مرضها وأراد البقاء معها حتى وإن زلت قدماه في منتصف الطريق، بينما الأم بدت وكأنها تهتم بمظهر ابنتها أكثر مما تهتم بحالتها المرضية، في حين ظهر الأصدقاء كما لو كانوا لا يملكون أدنى فكرة عن المرض وكيفية التعامل معه، هكذا أخبرتها إحدى صديقاتها أنها مرهقة فقط وستستعيد قواها فيما بعد، لتخبرها (كايت) أنها لن تتعافى وتطلب منها التوقف عن  قول ذلك.

افتقر الفيلم للتجانس بين شخصياته وربط الأحداث ببعضها البعض؛ مما وضع علامات استفهام حول بعض الأشخاص وجدوى ظهورهم/وجودهم من الأساس، كذلك أيضًا كانت علاقة (كايت) بزوجها وأمها التي بدت مبهمة؛ مما لم يترك للمشاهد شيئًا للتركيز عليه سوى علاقة البطلة بـ (بيك)، والتعرف على المرض عن قرب، الأمر الذي نجحت (هيلاري سوانك) في تجسيد معاناتها معه حتى في أبسط المشاهد كمصافحة اليد والإمساك بملعقة الطعام وتحويل صفحات المجلات.

في أحد اللقاءات التليفزيونية وعند سؤال (إيمي روسوم/ بيك) و(هيلاري سوانك/ كايت) متى شعرتا أنه يجب عليهما أن يعيشا كل يوم يملكانه ويشعرا بقيمة الحياة مثلما فعلت بطلتا فيلمهما؟، كانت إجابة (إيمي روسوم/ بيك) مفاجئة لمضيفها وزميلتها في العمل بأن أباها اتصل بها بعد مشاهدته للفيلم، وأخبرها أنه مصاب بـ (السرطان) وهذا جعلها تعيد التفكير في كل شيء.

التقرير الإلكترونية في

23.04.2015

 
 

«الطاحونة الحمراء»…

ظلال شكسبير المسرحية برؤية سينمائية

كمال القاضي - القاهرة ـ «القدس العربي»:

الكتابة عن فيلم متميز مثل «مولان روج» بعد إنتاجه ببضع سنوات لا تأتي من قبيل الصدفة، أو من باب الدعاية المجانية، لكنه الشيء بالشيء يذكر، فالفيلم وضع على رأس البرنامج التثقيفي لإدارة السينما في وزارة الثقافة المصرية، للطواف والعرض في عدد من قصور وبيوت الثقافة المنتشرة في المدن والعواصم الرئيسية، ذلك أن الخطة السينمائية الجديدة تستهدف فتح النوافذ أمام السينما العالمية، لتتاح مشاهدتها للجمهور في الأقاليم، كي يتعرف على نمط مختلف من الفن السابع، تتوافر فيه عناصر التشويق والإبهار، وتتعدد به المحاور والطروحات بشكل يتجاوز الفكر المحلي ويربط محبي السينما وجمهورها بالإبداع العالمي مرادف ثقافي مهم، يرنو إلى إظهار التباينات والثقافات ويقرب في الوقت نفسه المسافة بين الحوارات المتباعدة، ويلقي الضوء على المتشابه والمختلف في العادات والتقاليد ونظم الحياة الاجتماعية وعلاقة الإنسان بما يدور حوله من صراعات ومشكلات محلية ودولية.

قليلة هي التجارب السينمائية المشتركة في الإنتاج بين هوليوود وأستراليا، ولكنها بالقطع متميزة وغير مألوفة، إذ تجمع بين رؤى متعددة وثقافتين مختلفتين، وهو النموذج الذي دلل عليه المخرج وكاتب السيناريو والمنتج أيضا باز لورمان في فيلم «مولان روج» أو الطاحونة الحمراء، الذي أسند فيه البطولة للنجمة الأمريكية الشهيرة نيكول كيدمان والنجم الشاب إيوان ماكرو جار، ولأن لورمان ذو خلفية مسرحية وأحد الفنانين المسرحيين الطليعيين، الذين ظهروا في بداية التسعينات، نجد لثقافته الأولى ظلا في فيلمه المذكور على وجه التحديد، ونلحظ لذلك التأثير الواضح بمسرح شكسبير على وجه التحديد، وربما تجربته الأولى في فيلم «روميو وجولييت» تؤكد ارتباطه بشكسبير بالفعل.

في «الطاحونة الحمراء» يقدم المخرج الأمريكي ـ الاسترالي معالجة درامية موسيقية لقصة رومانسية تربط بين البطلين كريستيان الشاعر الإنكليزي «إيوان ماكرو جار» وسايتن نجمة كبارية مولان روج «نيكول كيدمان» ولخلق الصراع ولزوم التصعيد الدرامي تصاب سايتن بمرض عضال ليزداد تعاطف كريستيان معها وارتباطه بها، فضلا عن وجود غريم يحاول إفساد قصة الحب والاستحواذ على نجمة الكباريه، مستغلا نفوذه المإلى والوظيفي، ويضرب حولها حصارا كي لا يتعامل معها أحد غيره، الأمر الذي يشكل عقبة أمام الحبيب الشاعر ويحول دون بقائه وارتباطه بحبيبته.

لم يشأ السيناريست والمخرج أن تمضي الأحداث بعيدا عن الإشارة إلى الثورة البوهيمية التي كانت في باريس في القرون السابقة، فجعل البطل أحد رموز هذه الثورة والمنتمين لها، وربما من هذا المنطلق جاء التعبير عنها ضمنيا في هذا الفيلم، إذ لم يعتمد التناول على السيناريو التقليدي والحوار المباشر، وإنما لجأ باز لورمان إلى دمج كل الفنون الأدائية المعروفة من مسرح وموسيقى ورقص وغناء وأوبرا في قالب واحد وقد استخدم في هذا الإطار مقاطع موسيقية مشتقة أو مقتبسة من الروك والبوب، بالإضافة إلى موسيقى لاتينية وهندية، ويعد هذا اللون امتدادا لتيار سينمائي حداثي بدأ بالفيلم الفرنسي «نحن نعرف الأغنية»، بيد أن «الطاحونة الحمراء» يتميز بأنه يقدم الأغاني بأصوات الممثلين الأبطال وبأداء أوبرالي مبالغ فيه ليعبر عن الانفعالات والصراعات الدرامية سريعة الإيقاع، حيث لا توجد حواجز على مسرح الأحداث أو بالأحرى مسرح «الطاحونة الحمراء»، كما هو في الحياة ذاتها وفق رؤية باز لورمان وثقافته المسرحية الشكسبيرية.

ونلحظ في سياق ما يحاول أن يثبته المخرج والكاتب الكبير حرصه على وجود المؤثرات الصوتية والضوئية والبصرية لتظل المشاهد نابضة بالحيوية عاكسة لحالة الصخب وهو ما يشبه في تكويناته الفنية والتقنية أغاني الفيديو كليب، التي تموج بالإيحاءات والحركات تعويضا عن الكلمة في أغلب الأحيان، وإن كان ذلك لم يرق لعدد من النقاد الفرنسيين الذين أخذوا على باز لورمان جرأته في استخدام الموسيقى كعنصر أساسي في البناء الدرامي للفيلم، وأعلنوا رأيهم بوضوح في مهرجان كان عام 2001 ولم يغيروا وجهة نظرهم بعد ترشيح الفيلم ثماني مرات لجائزة الأوسكار، وظلوا على تحفظهم تجاه هذه اللغة الجديدة لفيلم حصل بالفعل على جائزتي أوسكار من بين الترشيحات الثمانية، فقد حصلت نيكول كيدمان على جائزة أفضل ممثلة عن دورها كبطلة في أول فيلم موسيقي، كما حصل باز لورمان جائزة أفضل إخراج.

المثير والمدهش في هذا الفيلم أن موسيقاه مستوحاة من تراث موسيقي متعدد الثقافات والجنسيات، فقبل أن يشرع صاحبه في كتابته وتصويره قام بعدة جولات حول العالم زار خلالها مدينتي القاهرة والإسكندرية والعاصمة الفرنسية باريس، ليتعرف على الأنماط الموسيقية، ويدرس فكرة مزجها لتعطي إحساسا مختلفا يليق بتجسيد مجتمع الكباريه الذي سماه «الطاحونة الحمراء» وجمع فيه أطياف البشر والفن، رجالا ونساء على كل شاكلة ولون، ليكون الصراع الدائر بين الأشخاص صراعا رمزيا، يشير إلى ما يدور في العالم كله، حيث يمثل الفيلم ثورة ضد الثابت والتقليدي والممارسات، ويهدف إلى إطلاق الحرية كمسوغ لتفجير الطاقات الإبداعية الكامنة في البشر الموهوبين.

ولعل الزيارة التي قام بها أيضا باز لورمان إلى الهند قبل كتابة فيلمه، تشير إلى ولعه بالثقافة الهندية وموسيقاها وأجوائها النفسية والروحية، التي تحمل خصائص وثقافات مجتمع نرى ملامحه في «الطاحونة الحمراء» أو «الكباريه» الذي هو المعادل الفني للحياة المليئة بالأرواح الشريرة وحكايات الليل التي لا تنتهي، وهي لا شك صور درامية مغرية بالتجسيد واقتحام أغوارها لمعرفة منتهاها وموقع القضية من الإعراب بداخلها، وهذا البعد يمثله البطل كريستيان الشاعر الرقيق العاشق، الذي يبدو غريبا في مجتمع كل ما فيه ضده إلا حبيبته سايتن، التي يراها بعين الولهان مجرد ضحية مسكينة ممزقة. وتجدر الإشارة هنا إلى شخصية شكسبير الشاعر الإنكليزي نفسه الذي نرى صداه وظله في شخصية كريستيان البطل الذي تخيله باز لورمان فجعله صورة من رمزه الإبداعي المفضل كأنه يحيا على الشاشة حياة مجازية فنية تربط بين الماضي والحاضر.

القدس العربي اللندنية في

23.04.2015

 
 

"باولو سورنتينو": في مديح الكاميرا

طارق خميس

أوّل ما يخطر في ذهني بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم من أفلام "باولو سورينتيو"؛ هو أنّ هذا الرجل يفكّر بكاميرته. لاحقاً عثرت على وصف شبيه عند الفيلسوف الفرنسي "جيل دولوز" عن كبار المخرجين، وهو أنّهم : "..يفكّرون من خلال الصور- الحركة، والصور - الزمن. بدلًا أن يسوِّقوا المفاهيم".   

لقد ولد المخرج والكاتب الإيطالي باولو سورينيتو في نابولي سنة 1970 ، وفي عام (2001) كان أول أفلامه " One Man Up " في طريقه  لجوائز عدّة في إيطاليا وبلدان أخرى، كما أنّه دشّن التعاون المقدّس، بينه وبين الممثل المبدع "توني سيرفيلو".

وكان فيلمه الثاني "عواقب الحب"  The Consequences Of  Love قد حقق نجاحًا لاقتاً حيث حصل على جوائز عديدة من بينها خمس جوائز دوناتيلو: لأفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل ممثل، وأفضل تصوير.

بعد سنتين من ذلك، عاد إلى مهرجان "كان" مع فيلم "صديق العائلة" The Family Friend. ولكنّ فيلمه الرابع Il Divo - 2008 عن رئيس الحكومة الإيطالية "جيوليو آندريوتي" كان هو الفيلم الذي نال الجائزة الكبرى للمهرجان، وتم اختياره 16 مرة لجوائز دوناتيلو.

كما حاز فيلمه "الجمال العظيم" The Great Beauty - 2013 على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

الكاميرا: آلة لديها ما تقوله

"إن كان في فيلمي نجمان، فإنّني أعرف أنه يوجد لديّ في الحقيقة ثلاثة نجوم؛ فالنجم الثالث هو الكاميرا". هذا ما يقوله "سيدني لوميت" واصفاً أفلامه في كتابه (فن الإخراج السينمائي)، وهذا القول هو أفضل ما يمكن وصف أعمال "باولو سورنتينو" به، فإن كان سورنتينو يملك "توني سيرفيلو" في معظم أفلامه؛ فهو يملك الكاميرا في جميع الأفلام.

ليست الكاميرا بما هي آلة، معدّة لتكون نجماً سينمائياً؛ بل إنها تحتاج لترويض، وترويضها يكون باضطلاعها بمهمات لم تعتد القيام بها، وهي تجاوز تصوير المشهد إلى المشاركة فيه. لا تعود الكاميرا آلة صماء حينها، وإنما تتورط بالمشهد معيدة بذلك خلقه، حتى يشعر المتواجد في موقع التصوير أنه يرى فيلماً مغايراً في قاعات السينما.

 في كتابيه عن السينما (سينما الصورة - الحركة) (سينما الصورة - الزمن)، يقف "دولوز" على النقيض من دعوى "كريستيان ماتز"، ومنها اعتبار الأخير أنّ الصورة السينمائية بمثابة الملفوظ اللسانيّ، و اعتباره أيضًا أنّ اللقطة هي الوحدة السردية الصغرى، أو المقطع الملفوظي السردي الأصغر. ومكمن معارضة "دولوز" له، هو أنّ "ماتز" يجرّد الصورة من سمتها الأساسية المتمثلة في الحركة. فبحسب دولوز "ليس السرد هو الذي يحكي؛ وإنما "الزمن" و"الحركة" هما اللذان يتوليان عملية الحكي".

لدى الكاميرا ما تقوله، ولغتها  ليست لغة مكونة من حروف تُوضحّها الحركات، بل حركات مكتفية بذاتها، تكون هي الحرف والحركة في آن واحد

أربعة أفلام ونسق واحد

يحكي فيلم "الجمال العظيم" The Great Beauty عن حياة كاتب إيطالي (جيب جامبارديلا) قد تجاوز الستين من عمره، وهو أعزب يعيش بمفرده في شقة تطل على سطح إحدى البنايات العالية لـ (الكولوزيوم) وهو أثر جميل من تلك الآثار التاريخية الرائعة التي يتدفَّق السياح لمشاهدتها في العاصمة الإيطالية روما.

في بداية الفيلم، نشاهد سقوط سائح ياباني ميتا من فرط جمال المشهد. هذا الجمال الذي تجري خيانته يومياً من سكان روما، حين بالكاد يلاحظونه كمشهد عابر، فيما عين السائح تنكشف عليه كلياً.

هذه البنايات القديمة، كانت هوس "جامبارديلا"، فالفيلم يبدأ بحفل صاخب في ملهى ليلي، ولكن فجأة يتوقف الصوت، وتقترب الكاميرا منه؛ ليخاطبها بما يشبه الصديق السري:"الجنس. هكذا يجيب أصدقائي. أما أنا فأجيب: إنها رائحة البيوت القديمة." السؤال يكون ما هو أكثر شيء تفضله في الحياة؟

ليس ثمة خيط زمني للفيلم، حيث يمكنك التنقُّل بين المشاهد كما تشاء، لا يوجد مشهد يكشف لك ما بعده؛ فكل مشهد مستقل بذاته؛ لكنه استقلال يربطه بالمشاهد الأخرى. فإن كانت القصة التصاعدية غائبة فكل مشهد يحضر بذاته كتعويض عنها.

يميل النقاد لمقارنة أعمال "سورنتينو" بأعمال "فيلليني"، ورغم أنه لا ينفي هذا التأثُّر - خاصة في فيلم "الحياة حلوة"- إلّا أنّ المقارنة هنا لا تتعدى الموضوع ، ثيمة "الحياة في روما"، حيث تبدو روما في العملين وكأنها لا تكتفي بمراقبة إيقاع الحياة فيها؛ بل هي تبحث عنها، وتحاكم جماليًا كل ما يقف على النقيض منها.

أما عن الجانب الأسلوبي؛ فإنّ الافتراق أملته حركة التاريخ؛ فالواقعية الجديدة التي عادة ما يُنسب إليها "فيلليني"، كانت الأسلوب الطبيعي في إيطاليا عام 1945 وأيّ شيء آخر كان غير ممكن. حيث أن استديوهات "شينشيتيا" كانت خراباً، إثر الحرب؛ فدفع المخرجين ذلك إلى التصوير في أماكن واقعية مضاءة طبيعياً. وانعكس ذلك أيضًا على ظروف تمويل الأفلام وشروط الإنتاج. يحكي فيلليني عن ذلك في مذكراته (أنا فيلليني): "في فيلم "حياة حلوة" توفّرت لي ميزانية سخيّة بحيث استطعت التركيز على مشهد الاحتفال نفسه، من خلال لقطات عريضة تتلائم مع عدسات التصوير الواسعة .. وهذا مالم يكن متاحًا في الفيلم الذي سبقه "ليالي كابيريا".

وفي "عواقب الحب" قدّم سورنتيو واحدا من أفضل أعماله. إنه عمل بقدر ما تحكي نهايته عن عواقب الحب فعلاً، لكنه بأكمله يحكي عن الوحدة. وهنا تنجح أجواء "سورينتينو" في جعل الوحدة شيئاً ملموساً، يمكنك أن تراها من خلال أداء توني سيرفيلو  "تيتي جيرولمو" الذي يعيش وحيداً في فندق، كما يمكّنك تتبعها من خلال الكاميرا التي تطارده بتنويع مدهش متنقلة من اللقطات الثابتة إلى المتحركة في تناسق يخلق إيقاعا خاصا، ثم بالإمكان سماعها كما يُبرز ذلك مشهد الحصان الذي يجرّ العربة، حيث أصبح صوته ذو طبقتين؛ لتعطي التأثير المناسب عن عالمين مختلفين، ومع أنّه يمكن حذف أيّ لقطة من لقطات المشهد دون أن يختلّ السرد، إلّا أن هذا لا يعني أنها زائدة على الفيلم؛ بل لها مهمة جمالية تقوم بها، حين تنافس السرد بل تتحول لسرد من نوع آخر. إنها لا تزين العمل بل تقوم بإعادة خلقه؛ جاعلة المشاهد متورط في التقاط أدق التفاصيل التي تشكّل الفيلم بما فيها الرائحة !

وفي فيلمه عن "جوليو أندريوتي" Il Divo (الذي ترأس حكومة إيطاليا لسبع مرات) امتازت المشاهد باللقطات الطويلة والبطيئة، وسيّطر اللون الداكن على أجواء الفيلم، بما كان يوحي بأجواء الديكتاتورية التي فرضها "أندريوتي". يقول سورينتيو أنه كان يفكر بموسيقى "فانكي روك" لترافق المشاهد بغرض السخرية، لكنه كان بحاجة أيضاً للتخفيف من وطأة الصورة فجاءت فكرة "الصافرة". نقل الفيلم بعبقرية حياة الوحدة والمرض وعلاقة "أندريوتي" بالكنيسة والمافيا كذلك.

يستعين "سورنتينو" بالممثل الأمريكي شون بن في فيلمه This Must Be the Place - 2011 وهو الفيلم الوحيد في المقال الذي لم يقم بدور البطولة فيه "توني سيرفيلو"، والفيلم يحكي عن شخص يعاني من "اضطراب الهوية الجنسية" إلى حد ما أو كما يسميه الطب النفسي "GID  " إلا أنه اضطراب لا يدفع صاحبه نحو تحويل الجنس، أو طرحه كسؤال؛ بل هو ينشغل بالبحث عن قاتل والده، فيما شكله الخارجي مكسو بمكياج نسائي، وفي الفيلم اقتراح من خارج الاضطراب لعلاج الاضطراب نفسه، حيث يخدم العنف كحاسم لهذا القلق.
ومع أن خصائص الكاميرا والتصوير وترتيب المشاهد تشابهت مع أعماله السابقة، إلا أن الغريب كان هو أداء "شون بن" الذي قارب أداء "توني سيرفيلو" حد التطابق، وكأنّ أفلام "سورينتينو" تُملي على الممثل أن يتماهى مع الأجزاء الأخرى للفيلم، تماهي لا يجعل من الشخصية ملحقاً للأسلوب بل يأخذها لأفق آخر لم تعتد عليه كما فعل "سورنتينو" مع الكاميرا.

1914: حرب الصور

محمد سلامة

إذا كنت تعتقد أنك تعرف شيئا عن حقيقة ما دار في الحرب العالمية الأولى ، أو أيا من الحروب التي سمعت أو قرأت أو شاهدت عنها فيلما وثائقيا، فهيئ نفسك لأن تُغيِّر رأيك بعد أن تشاهد هذا الفيلم

الفيلم يحمل أيضا عنوانا إضافيا "الكذب والبروباغاندا في الحرب العالمية الأولى"، يبدأ الفيلم بلقطات أرشيفية من الحرب العالمية الأولى بإيقاع سريع يجذب المشاهد ويقوم التعليق بوضع المشاهد أمام السؤال الطبيعي الذي يريده الفيلم: هل ما شاهدناه عن الحرب العالمية الأولى حقيقي؟ وهي بداية منطقية وإن كانت كلاسيكية للفيلم ولموضوعه القوي، لا سيما في هذه الفترة التي تعج بالحروب من كل حدب وصوب.

ثم ينتقل الفيلم إلى تهيئة المشاهد حول البيئة الأوروبية قبل الحرب العالمية الأولى ولكن بأسلوب أكثر تشويقا، حيث يستخدم المخرج طوال الفيلم أسلوب القطع الموضوعي المفاجئ والذي يُشكِّل مفارقات تجذب المشاهد، فبدأ الفيلم بمعلومة مهمة ستربطنا بأحداث الفيلم لاحقا مفادها وجود أكثر من عشرة آلاف دار سينما في أوروبا عام 1913 ثم يردف  بمشهد أرشيفي لزيارة وريث العرش النمساوي وزوجته إلى البوسنة وصوت التعليق يخبرنا بمقتلهم ليقطع المخرج بشكل مفاجئ إلى مشهد نهاية الحرب والنتائج بعدد القتلى الذي يزيد عن سبعة عشر مليون إنسان والدمار الهائل الذي حصل نتيجة للحرب

حركة ذكية أراد فيها صاحب العمل أن يختصر الطريق الممهد للفيلم ليركز على رسالته الأهم وهي دور الإعلام في الحروب.

الفيلم باختصار مبني على تحليل الأرشيف النمساوي للحرب العالمية الأولى ولكن لإثبات نظرية الكذب والبروباغندا التي زيفت الحروب، وبناء على هذه المعالجة الكلاسيكية لكن الشيقة في ذات الوقت قام مخرج الفيلم – وهو صحفي بالأساس – باختيار عدد من الأفلام التي تم تصويرها خلال الحرب العالمية الأولى وقام بتحليلها ليُظهر عددا من الحقائق الصادمة حول دور الإعلام والسينما في الحروب منذ ذلك الوقت، واستخلص ثلاث كذبات كبرى قامت عليها بروباغندا الحرب :

 1. الكذبة الأولىمفادها "نحن عظماء"، بل الأعظم، ومثال ذلك الفيلم الوثائقي النمساوي "امبراطوريتنا" الذي يصور الإمبراطورية الوهمية المتخيلة كما يريدها من يقودون الحرب، واعتمدت بالأساس على تعظيم الملك النمساوي وتصويره كأب للجنود وحامٍ للشعب، كما اعتمدت على عدم تصوير القتلى في الصفوف الأمامية كجزء مهم من استراتجيجة الدعاية الحربية.

2. الكذبة الثانيةتصوير أرض المعركة، في حين أن ما كان يتم تصويره هو مواقع تصوير معدة مسبقا، وأن المشاهد إما أنها تمثيلية أو مناورات في أحسن الأحوال، ويُعزّز ذلك الكثير من الأدلة مثل حجم الكاميرا الكبير ووزنها الذي يزيد على 35 كيلو غرام ومدته الشريط الذي لا يزيد عن أربعة دقائق ويصعب تبديله، إضافة إلى الكثير من المشاهد التي تبين عدم صدقية الصورة فيها، فمثلا تم فحص أحد الأشرطة التي تُصوِّر جنودا يتسلقون طريقا جبليا غير سالك ليفتحوه في حين تقف الكاميرا في مكان الهدف الذي يسير نحوه الجنود، أو مشهدا لاختراق كهف ثلجي كان يمنع الجنود من الخروج في حين كانت تقف الكاميرا في الخارج حيث يجب أن يخرج الجنود.

3. أما الكذبة الثالثة فهي أن الأمور تحت السيطرة تماما، والحقيقة أن الفوضى كانت تحكم كل شيء في أرض المعركة وفي المدن البعيدة عنها، واعتمدت الدعاية في ذلك على تصوير إصدار الأوامر للجيش والعامة، وحركة الجيوش المنتظمة داخل المدن.

إن توزيع هذه الأفلام على ما يزيد عن عشرة آلاف دار سينما في أوروبا، ليشاهدها ما بين 10 – 12 مليون إنسان، جعل الإعلام سلاحا فتّاكا في الحرب، والصادم أن نسبة المشاهد الحقيقة عن الحرب العالمية الأولى التي نعرفها حتى الآن لا تزيد بأحسن أحوالها عن عشرين بالمئة، ما يجعل دور الدعاية في الحروب مدمرا ليس في أثناء الحرب فحسب بل يتعداه إلى تشويه في التاريخ وقلب للحقيقة إذا ما استُخدم بشكل خاطئ

كانت الحرب العالمية الأولى حرب أكاذيب بامتياز، وكانت حربَ الصور والسينما بالدرجة الأولى، وفيها اكتشف العالم في البروباغندا سلاحا جديدا، وفيها وُجدت أول نشرة إخبارية أسبوعية مصورة، وفيها تم تصوير أول فيلم وثائقي طويل، وفيها بدأ تلوين الأفلام (لون واحد للمشهد) وفيها تطورت الدعاية والإعلام بعد أن طالت الحرب، فأصبحت تأخذ أبعادا أكثر تعقيدا، فأدخلت مفاهيم جديدة وغريبة لتُشجِّع السكان المدنيين على الانخراط في الحرب، فتم تصوير آلاف المواد الدعائية التي تُصوِّر الحرب وكأنها متعة ونزهة، و كأن آلاف الشباب الأقوياء هم الذين يذهبون بملئ إرادتهم إلى التجنيد. واتخذّت جانبا أكثر تعقيدا، فانتشرت السينمات المتنقلة بين الجنود على أرض المعركة ليظهروا لهم أن مدنهم وعائلاتهم بخير وهم يعملون لأجل المعركة أيضا، وهنا يفاجئنا المخرج بالقطع القاسي نحو حقيقة الحرب عن طريق صور فوتوغرافية نادرة لفظاعة الحرب وأهوالها لم يكن يُسمح بنشرها  أثناء الحرب.

يُعدّ الفيلم الوثائقي البريطاني "معركة السوم" The Battle of the Somme وثيقة تاريخية نادرة للحرب العالمية الأولى، فهو أول فيلم وثائقي طويل على الإطلاق، وقد كانت معظم مشاهده حقيقية أحدثت ضجة عند عرضها في بريطانيا عام 1916 لكنه أيضا لم يسلم من تحريف الحقيقة حين انتهى بمشهد (مرتب ومدبر) لانتصار الجيش البريطاني في الحرب

هذا من الناحية الموضوعية، أما من الناحية الفنية فالفيلم متقن الصنعة غير أنه كلاسيكي المعالجة والتنفيذ، وقد اعتمد الفيلم على ثلاث دعائم أساسية، الأرشيف كمادة أساسية والتعليق المكثف والطويل، والخبراء التاريخين والمخرجين الذين قابلهم مخرج الفيلم، لكن الاعتماد على الأرشيف والتعليق أوقع المخرج – رغم وضوح مرماه – في فخ هبوط الفيلم في منتصفه في محظور الإسهاب في الحرب دون الدعاية التي فيها لكنه تصاعد في دقائقه الأخيرة، وليس من بصمة واضحة للمخرج فيه إلا وضوح رسالته واتباعه الصارم للقواعد الكلاسيكية في صناعة فيلم أرشيفي، وكنا نحبذ أن نرى مشاهد أرشيفية صافية بلا تعليق أو تدخل من المخرج لوقت أطول .

الجزيرة الوثائقية في

23.04.2015

 
 

"سر القوارير" نقطة مضيئة في تاريخ السينما العراقية

طه رشيد

اختلف المختصون حول صفة الافلام السينمائية التي انتجت على مدار اكثر من نصف قرن في بلادنا ، فالبعض يرفض تسميتها بــ "السينما العراقية" لانها لا توجد ملامح سينما عراقية لحد الان ولم تشكل السينما ،مثل الشعر او التشكيل، ظاهرة محددة المعالم واضحة البيانات والاتجاهات. بينما البعض الآخر يصر على هذه التسمية معتقدا ان ما تم انجازه خلال السبعين سنة كفيل بتشكيل ملامح واضحة لسينما عراقية رغم غرابة هذا الفن علينا ورغم استيرادنا، ولهذه اللحظة، كل ما يتعلق بهذا الفن من الخارج بما فيه التقنيين والفنيين

ورغم تقطع الانتاج السينمائي وعدم وجود تراكم كمي ونوعي الا اننا نلاحظ يوما بعد يوم تكشف خيوط مضيئة في عالم السينما العراقية التي عانت من انقطاع طويل خاصة في المرحلة السابقة، ذلك الانقطاع الذي امتد منذ منتصف التسعينات وحتى عام 2013، حيث تم التخطيط لانتاج اكثر من 30 فيلما، طويلا وقصيرا، وثائقيا وروائيا.. وقبل هذا الانقطاع كان الإنتاج الثقافي بشكل عام والسينما بشكل خاص يخضعان لرقابة صارمة من النظام البائد، بعكس أيامنا هذه حيث الكلمة والصورة تكادان ان تمتلكا كامل حريتهما ..فمقص الرقيب قد دفن مع ذلك النظام، وهذا ما تلمسناه في الأفلام التي عرضت في المسرح الوطني خلال فعالية أيام السينما العراقية التي انطلقت يوم 21/2/2015 واستمرت بعرض أربعة افلام بالاسبوع ..وكان هناك الغث والسمين حالنا حال كل العالم في مجال الإنتاج السينمائي. فأي بلد ينتج عشرات الافلام سنويا لا تجد بينها افلاما ناجحة سوى عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة كما هو الحال في إيران أو القاهرة أو باريس ..

سرّ القوارير ناجحٌ ومؤثر

اليوم نود أن نشير إلى فيلم ناجح ومؤثر استطاع أن يربط المتفرج بكرسيه طيلة ساعتين ونصف الساعة ..وهو وقت طويل نسبيا قياسا بوقت الافلام الروائية المتعارف عليها، ومع هذا استطاع فيه المخرج السيطرة على المشاهد من خلال القصة الجميلة التي كتبها عبد الستار البيضاني وحبكها حوارا وسيناريو واخراجا المبدع د.علي حنون ليقدم لنا مع كل كادره الفني فيلما ناجحا يضاف إلى ارشيف الافلام الناجحة في السينما العراقية .. لا بد أن نشير ابتداء إلى مصمم الديكور الفنان مثنى صبري وإنجازه الجميل ببناء قريتين افتراضيتين، تجري فيهما أحداث الفيلم، وهما قرية "البدور" وقد شيدها من القصب، وقرية "المعب" وشيدها من الطين. أما الموسيقى فقد أبدع الفنان دريد فاضل اختياراته والحانه التي كانت كل جملة منها قد وضعت في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. والمكياج كان أيضا محسوبا بدقة، أما التصوير فقد كان نبها للزاوية والكادر واللقطات المناسبة.

دروس في التمثيل السينمائي

لقد قدم "سر القوارير" درسا بالتمثيل السينمائي، فقد ابدع الأبطال الثلاثة أيما إبداع وهم آلاء حسين وأمير البصري ومازن محمد مصطفى . آلاء التي لعبت دور مناهل، الفتاة التي تتحلى بعقلية الكبار قولا وفعلا وحكمة حتى أنها تبدو أكبر من عمرها .كان يكفي أن يظهر وجهها البيضوي على الشاشة، وهو محاط بكلل السواد، كي تستدر دموعنا في المشاهد التي نتوقع أنها ستكون مؤثرة! ليس جديدا على آلاء أن تكون متميزة، لكنها في هذا الفيلم تستحق أن نفخر بها كممثلة سينمائية تضاهي شقيقاتها العربيات وحتى العالميات لما قدمته من شخصية متماسكة دون مبالغات في النبرة أو في الحركة. أم الشاب أمير البصري والذي يظهر للمرة الأولى فهو بحق ممثل واعد جدير بالاهتمام، حيث لعب شخصية سالم شقيق مناهل، وهي شخصية جديدة عليه كل الجدة ولا يوجد روابط بينها وبين شخصيته الحقيقية المتميزة بابتسامته الطفولية وكانها مرسومة على محياه منذ ولادته ، واذا به يلعب دور ابن الريف المشمئز والمتوتر مما يحيط به، قاطب الحاجبين، عبوس الوجه لا تعرف الابتسامة طريقا له، لقد لعب دوره بجدارة عالية يستحق عليها كل التقدير والاحترام، وكانت واضحة جهود المخرج د.علي حنون الذي بالسهر على تدريب ممثليه وكأنه في ورشة مسرحية متجاوزا العمل على طريقة الممثل الجاهز لتنفيذ " الدور" بيسر امام الكاميرا كما هو معمول به في اغلب المسلسلات العراقية

البطل الآخر هو الفنان مازن محمد مصطفي الذي فاجأنا بدوره وهو يلعب شخصية شيخ قرية هادئ يمتلك من الحكمة والمعرفة والطيبة ما يؤهله أن يكون شيخا رغم صغر سنه قياسا بأبناء عمومته.. ثم يتحول الى عاشق لمناهل، ليقدم مشاهد غاية في الرومانسية . ( قبل أيام فقط لعب مازن في فيلم بحيرة الوجع ،للمخرج جلال كامل، شخصية شاب متهور وعصبي المزاج حاد النبرة سريع الحركة..شخصية تختلف عما لعبه في سر القوارير مدار حديثنا).اثبت مازن بلا أي شك مقدرته العالية كممثل يستحق الاحترام. اما بقية الأبطال بادوارهم الثانوية فهم نجوم معروفون باسترخائهم وتجسيدهم الناجح لشخصياتهم مثل الفنان الكبير فاضل خليل والمبدع سامي قفطان وصلاح مونيكا وطه علوان ونسرين عبد الرحمن وذو الفقار خضر .. واسجل هنا كل التقدير للفنانة الكبيرة آسيا كمال التي لم تظهر الا بشخصية ثانوية بمشهدين او ثلاثة، الا انها كانت كبيرة بإدائها لتثبت لنا مجددا ان ليس هناك دور قصير بل ممثل قصير. فالممثل الكبير هو من يعطي ومن يجيد دوره مهما كان صغيرا.

سالم هو الذي رأى

تبدأ قصة الفيلم بانتشار خبر عودة سالم (أمير البصري) من المدينة إلى قريته البدور لينتقم من والده بسبب زواجه من امرأة اخرى فيتوسل به الفلاحون تتقدمهم شقيقته الوحيدة "مناهل" التي اشرفت على تربيته بسبب وفاة والدتهما المبكر. وهكذا يجعلك المخرج متوثبا لمتابعة احداثه منذ البداية وحتى نهايته بعد ساعتين ونصف الساعة! تكشف لنا الكاميرا في قرية البدور عن بائع القرية المتجول متذمرا من فتح دكان جديد يعود إلى تاجر وسيط، مديني اللهجة ريفي الملبس ( الفنان فاصل خليل) ، تاجر يشتري المحاصيل من الفلاحين والمزارعين أو يؤجر البساتين بالكامل ويقوم بتصريف بضاعته في المدينة. فهو ليس اقطاعيا ولا برجوازيا طفيليا بل يمتلك صفات الاثنين بشكل عام. لا يمتلك الأراضي بل يمتلك المال الذي من خلاله يمد جسور علاقاته مع الشيوخ والاقطاعيين والمسؤولين في الدولة. لديه المال الذي يسمح له شراء المحصول قبل نضجه بسعر بخس ليبقى الفلاح مستدينا له طيلة العام. ولذا فإن التاجر فاضل خليل يبدي تخوفه علنا من النضج الفكري والمعرفي للفلاحين لذا فانه يحذر الفلاحين من إرسال أبنائهم لمدارس للمدينة وكان يقصد تحديدا الشاب سالم لأنهم سيلعبون بأفكاره ويصبح شيوعيا! ونرى في سياق الفيلم وقوف سالم مع الفلاحين ضد التاجر سواء في قرية البدور أم في قرية العبارة التي هرب لها هو وشقيقته مناهل. من خلال تفسيره المبسط لعملية البيع والشراء والاستغلال الذي يتعرض له الفلاح..

الدلالة الزمكانية

المخرج يناقش هنا قضية اجتماعية اقتصادية ما زالت سائدة ولو بدرجة أقل من الماضي في ريفنا العراقي. قلنا منذ البدء بأن القريتين افتراضيتان وكذلك الزمن الذي يقع فيه الحدث الا اننا نستطيع ان نموضعه قبيل ثورة 14 تموز او بعدها بقليل فوجود "المتصرف" على راس الادارة المحلية له دلالته الزمنية، ولو ان المخرج او كاتب القصة قد جعل المتصرف كرديا دون مسوغات تبريرية خاصة انها كان يلحن بشكل مبالغ فيه !

هذا الدكان فيه دلالة اخرى وهي التطور الحاصل في العملية الاقتصادية ـ التجارية التي تحولت من البائع المتجول الى "مكان" ثابت لرأسمال متحول يدور في القرية نصف دورة لتستقر نصف الدورة الاخيرة ارباحا متراكمة في جيب التاجر ابن المدينة فاضل خليل.

ذو الفقار خضر ،وهو ابن التاجر، يدخل القرية بسيارته الفارهة انذاك ، سيارة اربعينية او خمسينية، ويتحرش باحدى بنات القرية، ويحاول الاعتداء عليها وسط البساتين، فتهب مناهل للدفاع عنها، الا ان سالما يعتقد بان اخته مناهل وقعت ضحية الاعتداء فيقوم بالتربص لذو الفقار مرتديا عباءة نسوية ليغويه ويخادعه ويقوم بقتله. وحين تتكشف خيوط الجريمة، تأخذ مناهل بيد اخيها سالم وتهرب معه الى المجهول يقودهما هذا المجهول الى ضفة نهر.. ويعبران النهر مع " المعبرجي" ليجدا نفسيهما في قرية اخرى " المعبر" اثناء جني التمور فيوهمان شيخ القرية "مازن محمد مصطفى" بانهما طواشان ، والطواشة كانت مهنة منتشرة في الوسط والجنوب حين كان البلد يعتمد في اقتصاده ومداخيله على الزراعة قبل ان يتحول الى الاقتصاد الريعي ويتحول للاعتماد بشكل كلي على النفط !

وعي المخرج يتسرب لوعي البطل

ويتدرج سالم ليصبح محاسب الشيخ ووكيله التجاري بينما يقع الشيخ في حب مناهل من جهة اخرى، ليقدم لنا المخرج مشاهد حب، غاية في الروعة بالولوج الى الدواخل الانسانية العميقة التي تنتاب الشيخ او مناهل ..مشاهد كادت تنسينا القرية الاولى الا انه يعود لها، بعد مرور وقت طويل نسبيا، وحين يعود بعودة سالم ومناهل لقريتهم الاولى لم نشعر باننا ابتعدنا كثيرعن تلك القرية.

لقد كان المخرج حاذقا بادارة دفة سفينة قريتيه وسكانهما وابطالهما دون ان يتسرب الملل الينا رغم طول الفيلم. لقد كان دقيقا في خارطة الطريق التي اتبعها في رسم مصائر ابطاله ليوصل لنا رسالة جميلة مفادها ان الحب لا بد منه لكي يعيش الانسان سعيدا، وان استغلال الانسان لاخيه الانسان لا يمكن ان يدوم اذا توفر الوعي المطلوب للفرد لمسببات ذلك الاستغلال وكيفية امكان تجاوزه، كما هو حال بطل فيلمه سالم

كان المخرج واعيا تماما لما يقوم به ولما يريد ان يقوله .. لقد عالج موضوعة يعج بها الريف العراقي من منطلقات فكرية تقدمية تنتصر للانسان وقضيته الاساسية المطالبة بالعيش بحياة كريمة آمنة سعيدة .

السينما عين المجتمع..

سلام حربة

تجتهد المجتمعات في تغذية الثقافة العامة بكل السبل والممكنات ومنذ ان دخل التاريخ بمرحلة الثورة الصناعية في القرن التاسع العشر وما قبله حتى ظهرت السينما كمحايث لهذه الثورة ،لقد استطاعت السينما منذ ذلك الحين ولحد الان تجسيد كل الظواهر السياسية والاجتماعية والاخلاقية والنفسية التي يمر بها المجتمع وفضح كل ما هو سلبي وترسيخ الايجابي منها وتقديم الصور باسلوب فني اخاذ فكانت العين البصيرة للتحولات الكبرى ومقياس ريختر زمانها تسجل الاهتزازات والانهيارات التي تحصل في المجتمع ، واصبحت ثقافة الصورة جزءا من ذاكرة المجتمع ورافدا حيويا لتنمية ورقي ذائقة المواطن الفنية..ولم تكتف السينما بتصوير الواقع الحاضر بل امتدت مجساتها لتصور الملامح والاساطير وقصص ابطال شعوبها التاريخيين فكانت السينما شاهدا على الارث الحضاري والوجودي لمجتمعاتها . ولذلك ارتبط ازدهار الوعي بازدهار السينما ، فالمجتمعات الراقية لديها فن سينمائي راقٍ..

ان السينما تعتبر من ارقى الفنون البصرية وهي تؤشر لرقي اجتماعي وكما قال الفيلسوف الالماني غوته ( اذا انحط الفن والادب في امة فهذا يعني انحطاط الامة )..لقد عملت السينما على تطوير الانماط السردية من قصة ورواية ومسرح وانماط تعبير وفنون تشكيلية وموسيقية لان التطور الهائل الذي حصل في السينما يستوجب بالضرورة تطويرا لاساليب السرد الحديثة وملء فراغات الصورة بالخطوط الفنية الراقية سواء في مجال التشكيل او في الموسيقى او في الرؤى الفكرية والمخيالية ، هذه الفنون اصبحت ملازمة للسينما وتتنافذ معرفيا وتطوريا معها..

حين ترسخت الحياة العراقية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ابتدأت الحاجة الاجتماعية الى وجود سينما ترصد التحولات في المجتمع فدارت اشرطة السينما رغم فقر الامكانيات وأُنتجت افلام ما زالت راسخة في ذاكرة المشاهد العراقي فكانت افلام (الحارس وعلية وعصام وسعيد افندي وغيرها ) نقلة فنية نوعية كبيرة في زمانها رغم فقر الانتاج، وانتبهت السينما العراقية الى الرواية الواقعية وخاصة روايات غائب طعمة فرمان وبعض الروائيين العراقيين فانتجت الافلام التي جسدت طبيعة المجتمع العراقي ورصدت تحولاته القيمية وتغيراته الاجتماعية..لم تنتعش السينما في العراق لان السينما تحتاج الى فضاء شاسع للحرية ولذلك عمدت كل الانظمة السياسية وخاصة في مرحلة النظام السابق الى التضييق على السينما لانها بالضرورة ستفضح كل ظواهر الموت والخراب والملامح الدكتاتورية التي سادت الحياة العراقية لمدة خمسة وثلاثين عاما ولذا لم ينتج من افلام الا ما يمجد الحرب والبطولات المشوهة بل ان الدولة عمدت كذلك الى منع القطاع الخاص من انتاج الافلام السينمائية الرصينة ووضعت الرقابة الصارمة عليها ومنعت وصول الاشرطة والمختبرات السينمائية ولم تجِز العمل الا لمجموعة من الاعمال والتي تسمى بافلام السكرين والتي كان البعض منها يسيء الى واقع المواطن وذائقته..

ما يحز في النفس في الزمن الجديد ما بعد 2003 هو ان المؤسسات الفنية لم تكن جادة بالنهوض بقطاع السينما وهي تتشدق بنفس الاعذار السابقة من عدم وجود التخصيصات المالية ومن غياب المختبرات واجهزة السينما..كما ان القائمين على القطاع الفني لم يكن يعنيهم يوما ان يرتقوا بالثقافة السينمائية ،فما زالت السينما العراقية تستعير اليوم ادوات التلفزيون من كاميرات واجهزة فنية ، كما ان المسؤولين عن هذا القطاع السينمائي لم يعملوا يوما على اقامة ندوات وملتقيات جادة يتدارسون فيها واقع السينما وكيفية تطويره وان حصل هذا فانه يحصل في الغرف المغلقة وبالهمس حتى لا يسمع المعنيون بهذا الامر فينقلب السحر على الساحر والخاسر في هذه المزايدات الرخيصة هو المواطن والا فهل يعقل ان تكون ميزانية الدولة كل عام ، ولسنين عدة ، قرابة المئة مليار دولار ولا تقدر ان تشتري المعدات والمختبرات للسينما بعشرات الاف من الدولارات..اية دولة هذه..؟ 

ان الحياة العراقية زاخرة بالمواضيع الحيوية ،وقد عمل الغرب وحتى البلدان العربية على استعارة الموضوع العراقي كونه دسما ويشكل نقطة تغيير ليس في العراق وحسب بل في كل العالم وما محاولات بعض الفنانين العراقيين المغامرين من صناعة سينما عراقية يشار لها الان بالبنان في كل العالم الا محاولات فردية بطولية تصطدم بمحاولات الظلاميين والحاقدين للحد من انتشارها ، من غير المعقول ان لا توجد سينما عراقية تؤرخ هذه المرحلة التاريخية..سينما تاخذ بيد المواطن وترية حقيقة ما يحصل في العراق من ظواهر سلبية او ايجابية وترمم ذائقته التي تصدعت بالفوضى واليباب..يبدو انها سياسة الدولة والقائمين على هرمها والذي اصبح وجودهم مقترنا بتجهييل المجتمع فما دام الفرد العراقي متخلفا وبربريا ويعيش في الماضي وفي ثقافة الاموات فهذا يعني بقاءهم على راس السلطة الى ابد الابدين..لا يوجد بلد الان كالعراق فكل شيء يحاولون ارجاعه الى الوراء فكيف سيكون حال السينما وهم ما زالو ينظرون الى الصورة على انها حرام ورجس من عمل الشيطان..! فمن سينقذ السينما العراقية..؟

7 أفلام بمهرجان Tribeca تستحق المشاهدة

نيويورك / رويترز

يعرض ضمن مهرجان Tribeca العالمى بنيويورك فى دورته الـ 14 التى انطلقت الأربعاء من الاسبوع الماضى، وتستمر حتى الأحد 26 نيسان الجاري، عدد من الأفلام الهامة، حيث نصح موقع hollywoodreporter متابعيه بمشاهدتها فى دور العرض السينمائية لجودتها من الناحية الفنية سواء على مستوى القصة والسيناريو أو الإخراج والتصوير وأداء الممثلين. يأتى على رأسها فيلم Man Up الذى يقوم ببطولته سيمون بيج وأوليفيا لوفيبوند، وتدور أحداثه حول علاقة امرأة عزباء تدعى نانسى تبلغ من العمر 34 عاماً برجل غريب عنها، يدعى "جاك" يحدث بينهما لقاء روتينى للزواج بناء على طلب أصدقائها، حيث تطلق نانسى لنفسها العنان وتذهب معه فى رحلة مجنونة، ويقومان بالرقص والغناء ويخوضان الكثير من التحديات سوياً إلى أن يكتشف جاك فى النهاية، والذى يجسد دوره سيمون بيج أن نانسى ليست السيدة الذى كان من المقرر أن يلتقيها فى البداية. ويشارك سيمون بيج وأوليفيا لوفيبوند بطولة الفيلم عدد كبير من الفنانين منهم أوليفيا ويليامز وروى كينر وكين ستوت وهاريت والتر وستيفن كامبيل مور وشارون هورجان، ومن تأليف تيس موريس، وإخراج بن بالمر. فيلم الرعب الأميركى "Maggie" يجمع بين الدراما والرعب، حيث تدور أحداثه حول فتاة شابة فى سن المراهقة تصاب بمرض بعد تفشى وباء خطير فى البلاد ويتنقل من فرد لآخر ولكن ببطء شديد ويحولهم إلى "زومبى" يأكلون لحوم البشر الأحياء، وطوال فترة تحولها يبقى بجانبها والدها محاولاً إنقاذها، والفيلم من بطولة النجم أرنولد شوارزينجر والنجمة الفاتنة أبيجيل بريسلين ولورا كايويت وإخراج هنرى هوبسون. فيلم The Driftless Area من الأعمال الهامة المشاركة فى المهرجان وتدور أحداثه حول "جارسون" الذى يعود إلى مسقط رأسه بعد وفاة والديه، ليواجه العديد من المشكلات فور عودته، والعمل للمخرج Zachary Sluser ومن سيناريو توم درورى وبطولة جون هوكس وأنتون يلشين وزوى ديشانيل وفرانك لانجيلا. فيلم When I Live My Life Over Again يرصد العلاقة بين أب و ابنته حيث تدور أحداثه حول فتاة تعود إلى بيت والدها من جديد بعد مسيرة فشل قضتها فى نيويورك فى محاولة منها لتحقيق حلمها بأن تصبح مطربة مشهورة، الفيلم من بطولة كريستوفر واكن وآمبر هيرد وكيلى جارنر ودانى فيشر وهو من سيناريو وإخراج Robert Edwards. فيلم Anesthesia يرصد حياة أستاذ فلسفة فى جامعة كولومبيا يتعرض لسطو عنيف جدا يقلب حياته رأسا على عقب بعد أن كان يعيش حياة هادئة والعمل من سيناريو وإخراج Tim Blake Nelson وهو من بطولة David Aaron Baker و Derrick Baskin Jacqueline Baum. النجم العالمى ريتشارد جير يعرض له بالمهرجان فيلم Franny حيث يجسد دور رجل ثرى غريب الأطوار وتشاركه البطولة النجمة داكوتا فانينج و ثيو جيمس و كلارك بيترس والمخرج أندرو رينزى. The Adderall Diaries من الأفلام المشاركة فى المهرجان وينتمى الفيلم إلى عالم الجريمة والأكشن ويرصد كواليس عالم تجارة المخدرات وتأثيرها على المجتمع، وهو من بطولة جيمس فرانكو و آمبر هيرد و كريستين سلاتر و سينثيا نيكسون و ويلمر فالديراما وهو من سيناريو ستيفن إليوت ومن إخراج Pamela Romanowsky. 

" رجل من رينو " ..

حيث تتظافر الحبكة و التمثيل البارع

ترجمة عادل العامل

يبدو " المفتش تاكَيب"، و هو بطل روائية غموض تُدعى أكاي أكاهوري، أشبهً بـ "مَيغريت" ياباني، ( وميغريت هذا شرطي سري من إبداع الكاتب البلجيكي الفرنسي جورج سيمينون )، لكن حياة الروائية على وشك أن تنقلب إلى رواية من روايات الكاتبة الأميركية الشهيرة ماري هيغينز كلارك المعروفة بالغموض و التشويق، عدا أنها أكثر قتامة. إذ يؤدي لقاء بالمصادفة مع غريبٍ غاوٍ إلى خداع أكثر مما كانت تتوقعه أكاهوري، في فيلم المخرج و الكاتب الأميركي ديف بويل، " رجل من رينو Man From Reno"، كما يقول الناقد الفني جو بيندل في عرضه هذا. و مع أن "تاكيب" يسود قوائم الكتب اليابانية الأفضل مبيعاً، كما تروي القصة، فإن مؤلفته أكاهوري غير مرتاحة لنجاحها هذا. فهي متعبة من شهرتها، و لهذا تتخلى عن رحلة دعايتها للكتاب، وتلوذ بإقامة مؤقتة في سان فرانسسكو، حيث كانت تذهب إلى المدرسة ذات يوم. و في فندقها، تقابل سائحاً يابانياً وسيماً من رينو، أو هكذا تستنتج. و هي لا تفكر بموعد معه، لكنها تذعن في نهاية الأمر لسحره. و على كل حال، فما أن تبدأ الأمور بالتصاعد حتى يختفي هو بشكل سريع. و يشتد انزعاج الغرباء الذين يرغبون فجأةً في إلقاء نظرة على غرفتها بدافع الفضول. و في شمالي المدينة بالضبط، يقوم بول ديل مورال، شريف سان فرانسسكو، بالبحث أيضاً عن رجل ياباني. و هو في هذه الحالة، الشخص الذي يصطدم به مصادفةً خلال ضباب كثيف، و الذي هب و غادر المستشفى بطريقة طائشة على نحوٍ مثير للريبة. و تظهر في الحال جثة في سان فرانسسكو يبدو أن لها علاقةً ما بشخص يلقّبه بول ديل مورال بـ " الرجل الراكض ". و من المحتَّم، أن تؤدي به التحقيقات التي يقوم بها إلى سان فرانسسكو و أكاهوري القلقة على نحوٍ متزايد

و يمثّل فيلم " رينو "، الذي أطلق للعرض في أواخر الشهر الماضي، خطوةً كمّية بالنسبة للمخرج بويل، الذي كانت أفلامه السابقة مثل " أبيض على الأرز White on Rice "، يمكن تصنيفها ككوميديات رومانسية. و معاونه المتكرر هيروشي واتانيب Watanabe له ما وراؤه أيضاً، لكنه هذه المرة يقوم بدور مساند جدي على وجه الدقة. و بدلاً من ذلك، تقوم أياكو فوجيتاني والممثل المخضرم بيب سيرنا هنا بدوري الروائية أكاهوري و شريف سان فرانسسكو ديل مورال. و نتوقع منهما رؤية ما هو أكثر لأنهما يصنعان عروضاً بارزة ، بأداءاتهما البارعة و الكارزمية، التي لا تعطى حق قدرها مع هذا. و كما تسير الأمور في أفلام الإثارة، ينطوي "رينو" على العديد من الانعطافات غير المتوقعة، و يمسك بتذبذب طريقة الحياة المغتربة ما بين العالمين. كما أن تصوير ريتشارد وونغ الحيوي، المصقول تكنولوجياً يُبرز التوتر خلال مشاهد أساسية عديدة. و يمكن القول إن الفيلم، الأكثر غموضاً مما يمكن أن يتوقع المرء، هو تشويق مؤثر ورومانسي إلى حدٍ ما لا يذهب بعيداً في ذلك. مع هذا، يكون من المغري أكثر مشاهدة فيلم كهذا أرساه ممثلان يبدوان شبيهين بالشخصيتين اللتين يقومان بدوريهما، أكاهوري و ديل مورال. فمن المسلَّم به أن فوجيتاني امرأة جميلة، لكن بطريقة دماغية cerebral ناضجة. وكذلك الحال بالنسبة للممثل بيب سيرنا تقريباً. و هما رائعان، في نقلهما الأسلوب التتابعي للفيلم خلال مشاهدهما السينمائية الكثيرة التي يظهران فيها لوحدهما فقط.

عن / Epoch timesn

المدى العراقية في

23.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)