كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

لارس فون ترير: «طوبى» للمدمنين!

دنى غالي

 

آخر إطلالة للسينمائي الاستفزازي كانت خلال «مهرجان كان 2011» حين أصدرت إدارة الصرح العريق بياناً اعتبرت فيه أنّه «شخص غير مرغوب به» على خلفية تصريحاته «المعادية للسامية». بعد صمت أكثر من ثلاث سنوات، ها هو صاحب «دوغفيل» يعود إلى الواجهة ضمن مقابلة أفصح فيها عن كل هواجسه وإدمانه ومكابداته

كوبنهاغنبعد غياب أكثر من 3 سنوات، كسر المخرج الدنماركي لارس فون ترير صمته، واتصل بالصحافيين متحدثاً عن سبب انسحابه طيلة هذه الفترة، وتحديداً منذ آخر ظهور له في «مهرجان كان» عام 2011 حين شارك بفيلمه «ميلانخوليا». يومها، أثار الجدل بتصريحاته بشأن النازية واليهود، فأصدرت إدارة المهرجان بياناً تعتبره «غير مرغوب به» persona non grata، متهمةً إياه بمعاداة السامية. عاشق الاستفزاز الذي قدم أفلاماً متميزة أثارت الجدل وحازت العديد من الجوائز (فاز فيلمه «راقصة في الظلام» بجائزة السعفة الذهبية عام 2000)، أدلى بحديث طويل خصّ به جريدة «البوليتكن» الدنماركية، فضلاً عن لقاء تلفزيوني كرّر فيه ما كان يجول في خاطره، وما يقلقه حد الموت. ويبدو أنّ خطوته هذه كانت جزءاً من العلاج الذي كان يتبعه. إذ تعرى تماماً، وتحدث بالتفصيل عما يعتريه في هذه الفترة، وعن حالته الصحية، ومعتقداته، وأفلامه السابقة، وفيلمه الأخير، وعائلته وهتلر!

وكان ترير قد لجأ إلى مركز لمساعدة المدمنين للإقلاع عن الكحول والمخدرات وهو يعترف بأن أشدّ ما يفزعه أن تخبو تلك الجمرة التي كانت متقدة داخله، تنير له طريقه بفعل سحري متى لاحت بوادر فكرة أو مشروع لديه. يقول إنّ الفنان الذي ينشف فمه لا ينتج أعمالاً تثير الاهتمام، ويرى أن كل ما قدمه من أفلام سابقاً تقف وراءها تلك الخلطة العجيبة من كأس كوكتيل وبضع مواد... وهي بقناعته نبع الإبداع ومركز القرار.

جاء فيلمه الأخير Nymphomaniac عام 2013 في نسختين: نسخة مخففة حُذفت منها بعض المقاطع، كما اختصر وقت الفيلم إلى 4 ساعات بتدخل «زانتروبا» الشركة المنتجة التي اشترطت ذلك من أجل تمويل الفيلم. النسخة الأخرى هي نسخة المخرج التي عرُضت في صالات كوبنهاغن قبل فترة قصيرة واستغرقت خمس ساعات ونصف الساعة. هذه النسخة تباينت آراء الصحافة بشأنها بين إعجاب شديد وملل تام. هل أصاب المخرج بما صرّح به؟ هل هو محق بشأن مخاوفه وشكوكه؟ فالفيلم المذكور أخرجه بعد «صحوة وجفاف فمه»!
كانت يدا فون ترير تهتزان طوال الوقت على الشاشة أثناء حديثه. وكان قد أخضع نفسه برغبته هو وزوجته للعلاج ومراقبة مركز مكافحة الإدمان على أمل أن يعلن قريباً هويته الجديدة: لارس فون ترير الصاحي الذي تنقى دمه من كل السموم. وهو يود استرجاع إجازة قيادة السيارة، وإلقاء المحاضرات في مختلف المدارس، والتحدث عن أفلامه، وأن يكون أباً حاضراً وإنساناً طيباً.

Nymphomaniac لم يحمل رسالة واضحة غير استعراضه حالات امرأة شهوانية

بالطبع، بدأ ترير باستخدام المهدئات منذ أن توقف عن الشرب. وهو الآن في طريقه إلى إنهاء تدريجي لاستخدامها أيضاً. لكن هذا الطفل المأسور باللهو واللعب، بدا مرعوباً ينتظر من محاوره أن ينفي كلامه. هذا المتمرد على كل أشكال الفن السينمائي التقليدي، المناكف على الدوام، المهووس بالتحريض، يقول إنّه فقد بوصلته ولا يعرف حقيقة أين يقف. ينظر في مخطوطاته ولا يعرف من أين يبدأ، يشك في قدرته مستقبلاً على خلق شيء متوج بالإبداع. إزاء ذلك، شكت زوجته للصحافي الذي أدار الحوار من أن لارس لم يعد خفيف الدم كما كان، وحس الدعابة لديه قد اختفى.

لا يخفي فون ترير الأزمة والمحنة اللتين يعيشهما بسبب طبيعة العلاج والاجتماعات الملزمة التي عليه أن يحضرها في المركز وتزيد من وحدته. ليس هناك من يشاطره أفكاره وهمومه، كما أنه لا يؤمن بحقائق كبرى بشأن الوجود ترد الوحشة عنه، عدا أنّه يعاني أصلاً من أمراض نفسية رافقته منذ الطفولة جعلته إنساناً يتجنب اللقاء بالناس بوجه عام. أما الوسواس القهري الذي عانى منه، فجعله ينشغل بأمر من قبيل: هل يقلّم أظافر يده اليسرى أم اليمنى أولاً، فيما يظن أن الموت يلاحقه باستمرار.

يقول إنّ لجوءه للمسكرات جاء على نحو جدي أثناء تصويره فيلم «كسر الأمواج» (1996) في اسكتلندا عام 1995. بمجرد صعوده العبّارة إلى دوفر، خنقَ نوبة رعب انتابته بنصف زجاجة فودكا و3 حبات من مهدئ «بينزوديازبينر». كان يعمل بمجهود شاق كل مساء. يضيف: «الكحول أفضل المخدرات، كنتُ أستخدمه دوماً كوصفة ذاتية لعلاج كل أنواع الخوف الغبي الذي يظهر عندي. تأثيره فعّال لكنه سلبي على المدى الطويل للأسف. يخفف الخوف في يوم ليخلقه في اليوم التالي».

بصوته المرتجف الذي بدا كأنه يخونه، ونظرته الفارغة، ويديه اللتين أخفاهما إلى الجانبين، بكرشه المتضخم تساءل: «قل لي بحق الشيطان ما الذي سيدفع رولينغ ستون غير الكحول أو جيمي هيندركس سوى الهيروين؟». ثم قال بكلمات واضحة: «ليس هناك من تعبير إبداعي ذي قيمة فنية على الإطلاق نفذ الا من قبل مدمني كحول ومخدرات سابقين. أفضل فترات ديفيد باوي كانت بالمطلق عندما استخدم المخدرات. ذلك كان دائماً وسيلة للوصول إلى عالم مواز. الإبداع هو بشكل ما نشدانك عالماً موازياً».

عندما يكتب السيناريو، كان ترير يعزل نفسه لأيام أو أسابيع محتسياً زجاجة فودكا يومياً مع تعاطيه «مخدراته» كما يقول. على هذا النحو، امتلك مدخلاً للعالم الموازي، وقضى على كل شك لديه، فكان ينطلق سريعاً ويتحرك عبر متاهة من الاحتمالات يمكن لأي سيناريو أن يفتحها. على هذا النحو، كتب سيناريو «دوغفيل» خلال 12 يوماً وجاء بنحو 278 صفحة. فيلم «دوغفيل» كان رائعاً قدم بطريقة مبتكرة، مزج فيه بين المسرح والسينما والأدب بطريقة جعلت الصحافة الأميركية تحتج حينها على اختياره اسم المكان الذي دارت فيه الأحداث ومثلت أميركا في مرحلة الثلاثينيات.

مخطوطة «شبق» Nymphomaniac هي الأولى التي كتبها من دون تناول المخدرات. لكن الأمر استغرق منه سنة ونصف السنة. يقول: «إنّني مصاب بكآبة ولا يمكنني أن أتماسك من أجل أي شيء». يشير إلى تأثير ما يسميه «الفلترة» عليه بفعل خلطة خاصة توصل إليها، لا يقصد بها السكر حد الترنح. حين يتملص من الفلتر الذي نتشارك جميعاً في حيازته وإن اختلفت نسب ما يمر عبره من انطباعات وأفكار، ينزلق إلى عالمه الموازي الذي ينهل منه إبداعه. يقول إنه يؤمن بأنّ الابداع هو البحث عن هذا العالم. هنا يجد القرارات سهلة أمامه عوضاً عن التردد والحيرة والتفكير لأكثر من عام بشأن أفضلية هذا الطريق دون ذاك.

فون ترير لا يريد لكلامه أن يبدو دعاية أو مقترحاً لحل سحري للوصول إلى الابداع، إذ يؤكد في الوقت نفسه خطورة سوء الاستخدام هذا الذي كان قد كلفه الكثير، وقد يكلفه موته، إن لم يكن قد بذل قصارى جهده في التوقف عنه.

فضيحة المؤتمر الصحافي في «مهرجان كان» في ربيع عام 2011 حدثت خلال عرض فيلم «ميلانخوليا»، وكان المؤتمر الأول بعدما أقلع عن الشرب. بلغته الإنكليزية المدرسية البائسة، تورط في ذكر ملاحظات ضمنية عن اليهود وهتلر فهمت على أنها تعاطف مع هتلر وضد إسرائيل. يقول بأسلوبه الساخر إنه في حالات سكره العادي، يمضي خطوة أبعد، كما هي الحال مع الرماية والتنس، حيث عليه أن يسدد، وإلا فالأمر لن ينفع، ولا سيما في إرسال التنس حيث لا ينفع التوقف في منتصفه. لكنه لم يسدد بشكل جيد: «كنت مهذباً جداً لأنني كنت صاحياً. لذلك ترددت ولم أنقل النقاط التي وددت قولها بشكل جيد». قوله إنه يفهم هتلر، أدى إلى خروجه من المهرجان كشخص غير مرغوب به، ليتخلص من عقوبة السجن في مرسيليا لمدة 5 سنوات بمساعدة محاميه. ما يؤلمه أنه يجهل في ما لو كان بإمكانه تقديم المزيد من الأفلام، فما الذي سيفعله بنفسه حينها؟ يجيب: «أنا لا وجود لي من دون أن أنتج شيئاً ما»!

وعما إذا كان «شبق» فيلمه الأخير، أجاب: «سأنجز بالتأكيد أفلاماً لأن خوفي سيزداد، وغبائي أيضاً إن بقيت نائماً في فراشي ولم أنهض في الصباح». لكن ما يخشاه ألا تكون أفلامه جيدة بما فيه الكفاية. أشد خوف لديه أن يسقط في إغراء الكلاسيكيات: أن يصنع «فيلم رجل عجوز»، كما يقول. أن ينهي سيرته الفنية في «فقرة أكسترا للعرض» يطالبه الجمهور بها في نسخة يكرر فيها أفضل الحيل لديه، الخالية من الجرأة، فقط من أجل الإبقاء على جمهور أوسع. يقول: «مثل الأفلام السيئة التي عملها بيرغمان في آخر سنواته، وكما فعل معظم المخرجين في آخر مشوارهم. في «فاني وألكسندر»، جمع بيرغمان كل الأشياء ونفخ بها بطريقة شعبوية جداً. كانت شيئاً مروعاً ببؤسه. قد يرى الناس الذي لم يشاهدوا بقية أعماله، أنه فيلم ممتع، لكني أستطيع أن أرى الأفلام التي استقى منها هذا الفيلم وهي أفلام جيدة».

في فيلم «شبق» الذي يدور حول الحياة الجنسية لامرأة تدعى «جو» وأدت الدور ملهمته شارلوت غينسبور، يغرف فون ترير من قصص وتفاصيل إيروتيكية جمعها عن طريق حوارات وجلسات حقيقية أجراها - كما قال - مع نساء عاديات، بائعات هوى، عند وقوفه في طوابير نساء يقصدن نوادي المازوخيين. في تناوله للتفاصيل، لا يدعو الفيلم إلى الإثارة إطلاقاً. بالعكس هو يتحدث عن وحدة مخيفة لامرأة تدعى جو صادفها رجل يدعى سيليكمان (جسد الدور السويدي ستيلان سكارسغارد) وهي مدماة مرمية في زقاق وقد تعرضت للضرب. يأخذها إلى بيته ويسقيها الشاي، فتروي له بصوت مبحوح هامس وصادق ـــ على مدى خمس ساعات ونصف الساعة ــ قصة بحثها المرضي المضني عما يشعرها بالاكتفاء.

تحدث فون ترير عن مصطلح «الحيدان أو الانحراف» في إخراجه للقصة، وبعدما اعتكف لمدة شهر ونصف الشهر قرأ خلالها كل ما وقع بين يديه من روايات كلاسيكية عالمية. يقول فون ترير: «قرأت الكثير عندما كنت صغيراً ولمدة 30 عاماً. بعدها لم أقرأ كتاباً. بيد أنني عدت للقراءة بمتعة كبيرة. قرأت لدوستويفسكي وآخرين. في رواية «دكتور فاوست» كتب توماس مان: الآن سيحدث شيء عنيف. هذا امتياز يتمتع به الكاتب الذي يقرر بنفسه كيف ومتى يتم الحديث عن هذا الذي سيحدث. لكن ليس الآن ومن ثم نجرف باتجاه آخر». هكذا نشأ إطار قصة الفيلم: جو الشبقية يقابلها سيليكمان المثقف الزاهد. هي تائهة في طرق ملتفة داخل أزقة مسدودة النهايات، وهو العقلاني المهووس بأشياء جمة ابتداءً من معدات صيد الأسماك، وموسيقى باخ المتعددة النغمات، وحتى أرقام فيبوناتشي.

الواضح أن المتفرج لن يجد ما هو مبرر في الكثير من التقاطعات. الفيلم لم يحمل رسالة واضحة غير استعراضه حالات امرأة شهوانية، وبتسلسل ممل في إعادة مشاهد وأفكار تذكرنا بأفلامه السابقة. لا يوجد كشف لبواطن النفس البشرية كما في «آنتي كريست»، ولا الصور الخلابة وانفلاته من كل القوانين المفروضة في اللعبة السينمائية في «ميلانخوليا»، بل نحن نضيع مع ضياعه في تلك الحوارات الطويلة البطيئة التي تبدو لا آخر لها أحياناً. لكن فون ترير يرى غير ذلك. يحب أن يكون المتفرج تحت قبضته بينما هو لا يعرف إلى أين هو ذاهب.
إنه يبدو في دفاعه هو بعينه ــ كما اعتدناه ــ مغامراً محباً للصدمة، مناكفاً متحدياً، لكن هل حقاً كان كذلك في فيلمه الأخير؟ وهل تصريحاته الأخيرة بشأن مستقبله في مجال السينما ما هي إلا محض أوهام وخوف مبدع؟

معاداة السامية

بعد واقعة «مهرجان كان» عام 2011، نُشر اسم فون ترير في القائمة التي أصدرها «مركز سيمون فيزنتال» بأسماء أسوأ 10 تصريحات معادية للسامية في العالم، فاحتل فيها ترير الرقم 5. أثار هذا الرعب فيه، وقرر أن يصمت لأنه شعر بأنه غير قادر على التعبير عن نفسه على نحو لا لبس فيه.

الأخبار اللبنانية في

20.04.2015

 
 

علا الشافعى

حصار فزاع

أصعب شىء أن تجلس أمام موهبة محبطة، أو فنان يهتم بتقديم موهبته ويسعى للوصول إلى شريحة أكبر من جمهوره والذى أعطاه الكثير من المؤشرات أنه على الطريق الصحيح لذلك لا يتردد فى خوض مغامرة فنية لصالح هذا الجمهور وللتأكيد على موهبة تستحق الاحتفاء أتحدث هنا عن الفنان هشام إسماعيل المعروف عند جمهوره باسم «فزاع» وهى الشخصية صاحبة الجماهيرية وواسعة الانتشار والتى أعطت لصاحبها أملا فى أن القادم أفضل، لذلك لم يتردد هشام فى أن يضع حلمه أمام عينيه ويعمل جاهدا على تحقيق حلمه، وهو لم يطلب شيئا أكثر مما يستحق، ولم يطمع فى الكثير، لم يفكر مثلا فى أن يتصدر شباك التذاكر ويقال عليه «محطم الأرقام القياسية»، فقط كان يطمح فى أن تأخذ موهبته فرصتها الحقيقية، من خلال شخصية أحبها الجمهور ولأجل جمهوره صنع فيلم «فزاع» وراهن على محبة الجمهور وشعبية الشخصية، ولكن كالعادة هناك وفى كل مكان من يضعون العقبات ولا هم لهم سوى إحباط الآخرين والتقليل من شأن أحلامهم، وفرض حصار من كل ناحية. أتحدث هنا عما تعرض له فيلم فزاع - بغض النظر عن مستواه الفنى - من ظلم بدءا من محاولات إجهاض السيناريو والذى صاغه هشام أيضا، وصولا إلى قلة الدعاية من جانب الشركة المنتجة، وعدم الترويج للعمل سواء بالشكل التقليدى أو ما يتناسب مع روح وطبيعة الفيلم، وقلة عدد النسخ المطبوعة، كان من حق هشام أن يأخذ فرصته كاملة مثله مثل باقى الأفلام المعروضة والمتنافسة جنبا إلى جنب فى دور العرض، ولكن يوجد دائما مصاصو دماء المواهب والذين يصرون على أن يقولوا لأصحاب المواهب أنتم هنا فى تلك المنطقة ولن يسمح لكم بالخروج منها، ليس من حقك أن تحلم نحن من نسمح بتحقيق الحلم بالشكل الذى نراه والتوقيت المناسب لنا، رغم أن هشام كان يحاول أن يبدو قويا ومتماسكا وذلك بالسخرية مما حدث له فى تجربته السينمائية الأولى ولكن كانت هناك مرارة فى كل كلماته وتعبيراته.. ويبدو أننا وطن يعشق قتل المواهب أو بسترتها بما يليق بطموح الأباطرة! هشام الذى تخرج فى كلية التجارة وإدارة الأعمال وكان يعمل بأحد البنوك الاستثمارية وترك كل ذلك لأجل حلمه الفنى، حيث قدم عددا من الأعمال المسرحية مع فرقة ستوديو 2000 «المؤلف لينين الرملى»، وجاءت بدايته الحقيقية فى مسيرته الاحترافية عندما قدم مسرحية «قهوة سادة» للمخرج الكبير خالد جلال والتقطته عين مخرج مبدع مثل شريف عرفة ليقدم به إعلانا لشركة اتصالات حقق نجاحا كبيرا، ومن بعدها حقق نجاحات، وانطلق مع شخصية فزاع. ورغم الحصار الذى فرض على هشام لا نملك إلا أن نقول له موهبتك تستحق الحفاظ عليها وتطويرها، لا تستسلم وقاوم فالقادم لك

اليوم السابع المصرية في

20.04.2015

 
 

فتاة ساحرة”.. ظلمات النفس البشرية

محمود سمير – التقرير

الفيلم الإسباني (فتاة ساحرة) جذبني من أول كادر حتى آخر كادر. فقط تدرك حينها أن دراما وحبكة الفيلم ممتازة حينما يحدث ذلك.

بعد أن وجد ابنته (أليشا) فاقدة للوعي عند عودته للمنزل، أخبر الأطباء (لويس) أنه ليس أمام ابنته الكثير حتى تفارق الحياة.

(أليشا) مراهقة في الثانية عشرة من عمرها، بلغت مراحل متأخرة من سرطان الدم.

وجد (لويس) دفترا مكتوبا فيه أمنيات ابنته حينما كان يتأمل متعلقاتها. كانت أمنياتها هى:

أن تكون ما تريد.

الحصول على فستان نادر لشخصية (يوكيكو) بطلة مسلسل الرسوم الياباني (فتاة سحرية).

أن تتم الثالثة عشرة.

بحث عن (لويس) عن الفستان  في مواقع الإنترنت، ووجد أن سعره يفوق الـ6000 يورو.  المشكلة أن لويس عاطل عن العمل، بعدما فقد مهنته كمدرس للأدب في الجامعة.

باع كتبه التي لا تقدر بثمن، ولكن لم يجن منها سوى ثمن ضئيل.

“آسف لكني أشتري حسب الوزن، وليس القيمة الأدبية!”. 

حاول أن يقترض المبلغ إلا أنه فشل. في ذروة يأسه، وجد أمامه محل مجوهرات مغلق، أمسك بحجرة كي يحطم  الزجاج؛ إلا أن القدر منعه من ذلك، منعه القدر في صورة قيء وقع عليه من فوق.

ننتقل بعدها لصاحبة القيء (باربرا). (باربرا) مريضة نفسيا، وذات سلوك مضطرب، متزوجة من طبيب نفسي والعلاقة بينها وبينه  قائمة على السيطرة والابتزاز العاطفي.

زوج (باربرا) دائما ما يهددها بتركها وحيدة وأسيرة للمرض إذا لم تتمثل لتعليماته الطبية وتحسن من سلوكها الغريب.

استضاف الزوجان صديقين لهما كي ينضما للعشاء سويا، فما كان من (باربرا) إلا أن أحرجت زوجها أمام الضيوف.

استيقظت (باربرا) ولم تجد زوجها في المنزل، لم تجد متاعه وملابسه. لقد هجرها  ونفذ وعيده.

حاولت (باربرا) الانتحار، إلا أنها فشلت في ذلك، وانتهت بتقيؤها كل الحبوب المنومة التي ابتلعتها.

هذه الصدفة كانت سببا في ملاقاة كل من (باربرا) و(لويس)، ليأخذ الفيلم منحى مختلفا تماما يكشف ما يمكن أنه يكشفه اليأس عن ظلمات النفس البشرية.

الفيلم من إخراج (كارلوس بيرموت) في ثاني تجربة روائية طويلة له بعد فيلمه الأول صغير الميزانية التجريبي  بريق الماس (Diamond Flash)، والذى عرض على الإنترنت ولاقى نجاحا واسعا.

أظهر (بيرموت) كفاءة عالية فى كتابة السيناريو، وفى خلق دوافع قوية لشخصياته؛ مما خلق حالة من الدراما والتشويق رائعة.

قام بدور (لويس) الممثل (لويس برميخو) الذي ظهر فى العديد من المسلسلات الإسبانية، وبدور (باربرا) الممثلة (باربرا لينى) التي ظهرت في فيلم الجلد الذي أعيش فيه (The Skin I Live In) من بطولة النجم الإسباني (أنطونيو بانديراس)، من إخراج المخضرم (بيدرو ألمودوفار).

أقوى عناصر الفيلم هو التمثيل والتصوير. رغم أن (بيرموت) لا يخبرنا عن خلفيات الشخصيات؛ إلا أن أداء الممثلين جعلني أصدق أنهم شخوص حقيقية.

أداء (برميخو) كان الأصدق في مشاهده مع ابنته (اليشا) والتي قامت بدورها الممثلة الصغيرة (لوتشا بولان)، والتي أتوقع أن تكون من كبرى نجوم السينما الإسبانية مستقبلا.

على جانب آخر، أفضل أداء تمثيلي كان لـ(لينى). الغموض الذي يحيط ماضيها واستعدادها لفعل أي شيء كي تحتفظ بزوجها وزواجها جعلني كمشاهد أتعاطف مع محنتها أكثر من محنة (لويس).

الفيلم له إسقاطات مباشرة على الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد منذ 2011، فالأزمة الاقتصادية والبطالة أحد أهم محركات القصة.

خلق مدير التصوير (سانتياجو راساج)  صورة مكونة من طبقات الإضاءة  الباردة والمتوسطة.

تخلى عن حركة الكاميرا، واعتمد  على صورة ثابنة وتكوينات تحتوي على الفراغات الكبيرة في الكادر، مما ساعد في تعزيز حالة العزلة واليأس التي يعيشها أبطال الفيلم.

عرض الفيلم فى مهرجان سان سبيستيان الذي يصنف من أهم مهرجانات السينما الأوروبية بعد المهرجانات الثلاثة الكبرى كان، برلين، وفينيسيا. فاز الفيلم بجائزة الصدفة الفضية؛ وهي الجائزة الكبرى في المهرجان.

لاقى الفيلم استقبالا نقديا جيدا، وحفاوة جماهيرية كبيرة، لدرجة أن المخرج (بيدرو ألمودوفار) صاحب أفلام العودة (Volver) وتكلم معها (Talk To Her) كتب عن الفيلم وأشاد به ووصفه بالتحفة الفنية.

 رُشح الفيلم لجوائز الأكاديمية الإسبانية للفنون (جائزة الجويا) السنوية في فئة أحسن فيلم، أحسن مخرج، أحسن سيناريو أصلي، أحسن ممثل، أحسن ممثلة، ممثل مساعد. فازت (باربرا لينى) بجائزة أحسن  ممثلة.

فرض كارلوس بيرموت كمخرج إسباني واعد. أسلوبه الإخراجي يمزج بين ميلودرامية (بيدرو ألمودوفار) وتشويق وإمتاع (كوينتن تارنتينو).

منذ الآن أنا في انتظار فيلمه القادم.

تقييم الفيلم 7/10

التقرير الإلكترونية في

20.04.2015

 
 

في مستعمرة 'إيليسيوم' الأرض للفقراء والفضاء للأغنياء

العرب/ طاهر علوان

المخرج نيل بلومكامب يصور في الفيلم مدينة لوس أنجلس مدينة فقيرة مكتظة بالمهاجرين والمشردين فيما يعيش الأغنياء حياة الرفاهية.

تزدحم الأرض بسكانها وتضيق بهم، الأرض تئن من التلوث والاحتباس الحراري، الأرض تنضب مواردها الطبيعية، كلام صار يتردد كل يوم تقريبا في وسائل الإعلام، والتحذيرات لا تكاد تنقطع مما هو آت ومن إنقاذ أمنا الأرض، إذ بدأت ملامح الشيخوخة فيها تلوح في أكثر من ركن من أركانها، هي محصلة فيلم “إيليسيوم” للمخرج نيل بلومكامب.

المدن الكبرى التي كانت علامة من علامات التطور والازدهار والمدنية، ستبدو وقد نال منها ما نال من عوادي الزمن، بهذا ينطلق فيلم “إيليسيوم” للمخرج نيل بلومكامب (إنتاج 2014).

وها هي الطائرات تحلق في سمائها، وفي لقطات من الأعالي تلوح الألوان الداكنة تصبغ المباني وقد تآكلت وبدت عليها معالم الفقر. ها نحن في العام 2154 وسنتساءل، ما شكل هذه المدن العظيمة حينذاك، ها هي مدينة لوس أنجلس مثل أية مدينة بائسة من مدن البلدان الفقيرة.

تكتظ المدينة بالفقراء والمهاجرين وأطفال الشوارع والشحاذين والمشردين، ولهذا يجد أغنياء العالم حلا منقذا لهم، فيصنعون مستعمرة خاصة بهم يطلقون عليها اسم “إيليسيوم” يعيشون فيها حياة الرخاء والرفاهية، وينقلون إلى هناك كل مستحدثات العلوم والتكنولوجيا في بيئة رقمية نقية محصنة جيدا، ولا سبيل لاختراق أنظمتها الدفاعية.

فضلا عن وصولها بسكانها الخاصين إلى العمر الطويل، وحيث الشفاء من الأمراض والتعويض عن الأعضاء المعطوبة في البدن لا يتطلب إلاّ الدخول في أحد الأنظمة الطبية الرقمية المتطورة، ليتم إصلاح ومعالجة كل شيء.

وعلى تلك الأرض الخربة ووسط الفقراء يعيش الشاب ماكس دي كوستا (الممثل مات ديمون)، ويعمل في مصانع شركة عملاقة تصنع الآلات المتطورة والروبوتات وغيرها، ليتم شحنها إلى مستعمرة إيليسيوم تحت إشراف العقل المدبر والمنظم لكل أنظمة المستعمرة جون كارليل (الممثل وليام فليتشنير).

وأثناء إحدى مراحل العمل يتعطل الجهاز الذي يعمل عليه ماكس ويجبره رئيسه في العمل على إصلاحه، ولكنه وخلال محاولته تلك يتعرض إلى إشعاعات خطيرة تنتهي به إلى تلوث كامل يطيح به، حيث لا يبقى له من الحياة سوى خمسة أيام فيما يأمر رئيسه بإبعاده نهائيا.

ولكي ينقذ ماكس حياته يلجأ إلى أحد المهربين ويدعى سبايدر (الممثل واغنر مورا)، الذي يشترط عليه مقابل إنقاذه وتهريبه إلى مستعمرة إيليسيوم للبقاء حيا والتخلص من الإشعاعات التي تفتك ببدنه، أن يستهدف رئيس الشركة خلال رحلته إلى المستعمرة، ولغرض إفراغ ما في عقله من معلومات وبيانات.

دراما الصراع العنيف وقطع الأنفاس يحتشدان في فيلم "إيليسيوم" من زوايا عديدة وأطراف صراع متعددة

ويتقبل ماكس العرض بعد أن يجري تركيب أنظمة خاصة ترتبط بعقله وحواسه، لها القدرة على استرجاع تلك البيانات وتخزينها، وتقع خلال ذلك معركة شرسة تسقط خلالها الطائرة التي تقل رئيس الشركة، ويُنتزع قسم من المعلومات، فيما تقع مصادمة شرسة بين ماكس وزملائه وبين حراس رئيس الشركة تنتهي بقتل الجميع، ما عدا ماكس الذي يهرب بعد إصابته بجراح غائرة، الأمر الذي يدفع المستعمرة إلى تجنيد كل إمكاناتها للبحث عن ماكس من خلال وزيرة الدفاع ديلاكولرت (الممثلة جودي فوستر).

ينجح جنود المستعمرة من حمل ماكس بطائرتهم، ولكنهم يختطفون صديقته وابنتها قبله على نفس الطائرة، وهناك يلتحق بهم سبايدر ومجموعته ليتم اختراق النظام الأمني للمستعمرة، وقتل وزيرة الدفاع على يد أحد أتباعها، وخلال اختراق النظام يجري قبول كل سكان الأرض، حيث يتم إجلاؤهم إلى المستعمرة، فضلا عن علاجهم وهو ما يعجز عن إيقافه المتنفذون والأثرياء من ملاك المستعمرة.

دراما الصراع العنيف وقطع الأنفاس يحتشدان في هذا الفيلم من زوايا عديدة وأطراف صراع متعددة، وهي دراما تم بناؤها بعناية شديدة لدرجة أن الأحداث تجري تباعا دون أن تتيح فرصة لالتقاط الأنفاس، وقد عزز ذلك الاستخدام البارع للمؤثرات البصرية والسمعية والمونتاج الذي أعطى قيمة إضافية للسرد الفيلمي.

كل ذلك يتجلى منذ المشاهد الأولى الأكثر واقعية من خلال لقاء الطفلين ماكس وفراي، وتعاهدهما على البقاء معا وهما يعيشان وسط مدينة لوس أنجلس العظيمة التي صارت أكثر فقرا ومأساوية، ثم صراع الأضداد ما بين ماكس وخصمه كروجر (الممثل والمخرج دييغو لونا) الذي برع في استخدام تلك اللكنة الإنكليزية الفرنسية الغريبة في نطق الكلمات وفي صنع شخصية الخصم المتشرد والشرير.

أما أداء الممثل القدير مات ديمون، فلا يحتاج إلى كثير من الشرح في مواطن تفوقه وتجلياته في الأداء، وهو الممثل الذي عرف بتفوقه في عموم الأدوار التي أسندت إليه تقريبا، ولا ننسى ذلك التدفق التعبيري المتقن لاستخدام الموسيقى التي برع فيها رايان أمون لصنع أجواء متصاعدة، لقد أضافت للأحداث عنصرا جماليا مضاعفا في تقديم هذا الفيلم المتميز على كافة المستويات.

العرب اللندنية في

20.04.2015

 
 

وثائقي يتلَّون مثل "حرباء"

قيس قاسم

لم يرَ أحدٌ من الناس في غانا وجه الصحافي الأكثر شعبية فيها مع أنه يظهر في الكثير من الريبورتاجات التي يعدّها للتلفزيون! لا يعرف الناس إلا اسمه: "أناس أرمياو أناس" أما صورته فلا، لأنه وعلى الدوام  يظهر  فيها مقنّعاً أو متستراً فلا يظهر منه سوى ظهره أو جوانب مُظلَّلة من وجهه. يعرفون اسمه الذي يوقِّع به تحقيقاته الاستقصائية في صحيفة "نيو كريسِدينغ جايد" ويُقبلون على قرائتها، فهو بالنسبة إليهم الصحافي الأكثر صدقية في بحثه عن الحقيقة، والأشجع في فضح الفساد والمساعدة على كشف المجرمين وجرائمهم لدرجة وصفه بها الرئيس الأمريكي أوباما بأنه "الصحافي الشجاع الذي خاطر بحياته من أجل كشف الحقيقة" وفي القارة الإفريقية شاع اسمه وقارب الأسطورة، فأطلقوا عليه لقب "جيمس بوند"، وخارجها كان المخرج الكندي ريان مولينز من أكثر الناس فضولاً  للتعرف عليه وعلى الدور الذي يلعبه كصحافي ويتجاوزه في أحيان كثيرة إلى دور المحقق الجنائي أو المخبر السري، ومن هنا كانت مصاحبته له فيها الكثير من الإثارة والمخاطرة وفيها أيضاً ما يطمح إليه كل  وثائقي باحث عن المغامرة ويعرف حدودها، مع أن الكثير من عمل "أناس" فيه تجاوز للحدود بالمعاني المتعارف عليها، وهنا يكمن الدافع  القوي والفضول في مشاهدة نص سينمائي يعكس الواقع ويُقدِّمه في إطار من الإثارة والتشويق.

تفرض، شخصية "أناس" المتلونة بسبب السرية التي يحيط نفسه بها خوفاً من كشف هويته، على الراغب في توثيقها التلون معها أيضاً، وهذا ما استجاب له وبعفوية واضحة العنوان نفسه "حرباء" (Chameleon, 2015) الذي استوحاه صاحبه من خلال مرافقته للصحافي أثناء زيارته لسوق شعبي له فيه أقارب، ولاحظ توقفُّه الطويل أمام قفص فيه حرباء معروضة للبيع. الإحالة الغربية للتشبيه إيجابية على عكس ما هي عليه في لغتنا العربية التي توحي بالغش والتحايل والانتهازية في المواقف، وفي كل الأحوال توحي في النهاية بقراءة صانع الوثائقي الخاصة ببطله والتي لا تتفق بالضرورة مع الصفات التي يطلقها الناس عليه داخل وسطه الثقافي حتى لو كانت مستلهمة من أبعاد غربية: جيمس بوند!

دلالات المعنى لا يخفيها الوثائقي الذي سيلجأ إلى أسلوب يجمع بين التشويق والإثارة عبر مرافقته له في أخطر المهمات التي يكلف نفسه بها، وبين محاولة الإحاطة ببعض جوانبه الشخصية وحياته العائلية، وبينهما سيعود إلى شخصيات محايدة تتعارض مع توجهُّه الصحفي وأخرى تتفق مع أسلوبه البوليسي وصياغتها إعلامياً

في كل مساحة من مجاله الحيوي؛ كالبحث والقبض على الجناة، ثمة خصوصية حرص الوثائقي على تسجيلها ليقدم صورة كاملة عن رجل لا صورة حقيقية له. مهمة متعارضة مع مبدأ فني يعتمد على الصورة وتعابيرها الموحية ومع هذا قبل الخوض فيها ليقدم من خلالها حالة غانا التي تميزت عن بلدان إفريقية كثيرة بتجربة ديمقراطية جيدة وحريات سياسية وصحفية معقولة، ولكنها اجتمعت مع غيرها من دول القارة بالفساد واُبتليت به إلى درجة صار يُهدد التجربة النادرة نفسها بتقويته العناصر السلبية فيها، لهذا فـ "حرباء" وبطريقة غير مباشرة يعكس جانباً واسعاً من واقع البلاد وحقيقة المشاكل التي تواجهها من خلال المهمات العديدة التي يتولى الصحافي "أناس" بحثها وتقصي حقائقها.

آلية عمل "جيمس بوند" غانا تعتمد على مشاريع تحقيقات صحفية ذات طابع استقصائي وتحرّي يقوم بتنفيذها مجموعة صحافيين يشاركونه نفس مبادئه. يُعدّ "أناس" بنفسه مخطط الريبورتاج التلفزيوني  والصحفي ويوقت نشره سوية في الجريدة والقناة التلفزيونية المحلية اللتين يعمل بهما واضعاً على الدوام عنواناً جاهزاً لكل عملية أو تحقيق، وما أن يتم إنجاز المهمة حتى يعطي الإيعاز لنشر الريبورتاج. رجال الشرطة متحمسون للعمل معه وبعضهم يعامله كمحقق محترف موثوق به وبفريقه الذي يغلب عليه الطابع النسوي، لدرجة أطلقوا على أنفسهم اسم "سبايس كيرز" محاكاة لاسم الفرقة الغنائية الإنكليزية المشهورة. يخططون بسرية ويتواصلون بمساعدة الشرطة للإيقاع بالمجرمين في الفخاخ المنصوبة لهم، بحرفية مدهشة وبتنفيذ فيه تفانٍ نادر، يبدو أحياناً بعيداً عن حقل الصحافة.

واحدة من المشكلات التي يثيرها أسلوب عمله استخدامه اللاقطات السرية والكاميرات الخفية للإيقاع بخصومه، وهو ما  يعده كثر من المختصين بالإعلام خروجاً عن أخلاقيات المهنة التي يرى "بوند" أنها لن تحقق ما يريد تحقيقه من فائدة للمجتمع، وبالتالي فهو لا يأخذ بها، ونتائج عمله تضع المعارضين له في زاوية ضيقة حاول الوثائقي تثبيتها بحيادية مع تسجيل دقيق لمحاسن أدائه وحسن تدبيره للعمليات الخطيرة، التي شارك الوثائقي في بعضها وسجّل تفاصيلها فصار جزءاً من نسيج عمل "أناس" وريبورتاجاته، وعلى المستوى العملي شريكاً في صنع الحدث.

فالحيادية في عمل الشرطة والمحققين لا وجود لها، ولهذا تشعر وكأن الوثائقي نفسه قد تحوّل في أجزاء ليست قليلة منه إلى فيلم بوليسي مثير يثير الأعصاب ويمتلئ بالترقُّب. ثمة خلاصات يخرج بها متابع الوثائقي بعد التمعُّن بما سجلته كاميراته، تشير أهمها إلى كثرة جرائم الاغتصاب والاستغلال الجنسي للأطفال على بقية الجرائم التي يتقدمها الفساد، الأمثلة التي يثبتها الـ "الحرباء" في متنه الحكائي دامغة، مثل: الإمساك بعصابة اختصّت باختطاف الأطفال واستغلالهم جنسياً. إلقاء القبض على طبيب يقوم بإجراء عمليات إجهاض غير شرعية ويجبر النساء الخاضعات لها في عيادته غير الصحية على ممارسة الجنس معهن دون إرادتهن. محاصرة راهب في إحدى كنائس غانا البعيدة عن العاصمة، كان يستغل جهل الناس وأميتهم في تزويج الفتيات القاصرات إلى رجال كبار في السن مقابل مبالغ مالية. كشف عمليات فساد كبيرة لرجال متنفذين في الدولة، وغيرها الكثير من التحقيقات التي صورت بعدسة ذكية وأُعيد ترتيب خاماتها عبر منتجة رائعة جعلت من كل قصة فيه فيلماً مشوقاً بطله الصحافي وفريق عمله المتحمس.

 كي لا يظل مخفياً بكامله ولكي يبدّد الأساطير التي نسجها الناس حوله وذهب خيالهم بعيداً في رسم صورته إلى درجة صدقوا فيها بأنه يملك قوة خارقة يستطيع بها الطيران واجتياز الجدران دون أن يلاحظه أحد، وغيرها من الصفات ـ فتح مساراً له، مستقل يوازي المسار الذي فرضه "أناس" على الوثائقي.

لقد قبل المضي على المسار الشخصاني والحميمي فزار بصحبة الكاميرا  مدرسته الابتدائية وخاطب طلابها بود وأجاب على أسئلتهم مرتدياً بحضورهم هذه المرة قناعاً خفيفاً. تجوّل في أسواق قريته التي رحب ناسها به واستقبلوه كبطل حقيقي، ثم قابل والده المتقاعد وتركه يحكي أشياء عن طفولته وشغفه بالعمل الصحفي وميله لمساعدة المحتاجين من أبناء القرية.

مسار ممتع بعيد عن المطارادت كوَّن الوثائقي من خلاله فكرة عن الشاب الذي كرّس حياته للصحافة وفهم رسالتها بطريقته الخاصة، وانحاز بالكامل إلى الفقراء والضحايا. تفاصيل صغيرة تكاملت بها صورته من دون أن نرى وجهه، لكن الـ "حرباء" لا تستقر على لون فهذه وسيلة دفاعها الفعالة ولا يمكنها التخلي عنها، لهذا وبعد أن أغلق الفيلم عدسته وظننا أنه الختام ظهر "أناس" أمامنا مرة أخرى بزي مختلف وهو يتسلم شهادة الحقوق من إحدى جامعات غانا
فالشاب وكي يكمل مهمته المركبة (الصحفية/الحقوقية) قرر الدراسة وحصل على ما أراد فتعددت ألوانه واختصاصاته، أما وجهه فظل خفياً على الجموع حتى على صناع الوثائقي الذين ومع الوقت نسوا الحاجة إلى ذلك وتعاملوا معه كما هو: صحافي شجاع ومحقق بوليسي متطوع ومحامي جديد متدرب و"حرباء".

الدورة الحادية عشرة لشاشات الواقع

الجزيرة الوثائقية - بيروت

مجموعة من عشرة أفلام وثائقية تعرضها الدورة الحادية عشرة لـ "شاشات الواقع"، احتفالية سينمائية سنوية متخصصة بالأفلام الوثائقية التي تضيق المساحات المخصصة لها في المهرجانات السينمائية العامة.

تقام "شاشات الواقع" بالتعاون بين "جمعية متروبوليس" و"المركز الثقافي الفرنسي"، ويُعرض فيها فيلم واحد يوميا صدف أن تكون جلها من النفس الطويل الذي تتراوح عروضه بين ما يقارب الساعة والثلاث ساعات، وتتنوع هوياتها بين الأجنبي - الفرنسي أساسا - والشرق أوسطي، عُرضت في مهرجانات عالمية، ونالت تنويهات وجوائز.

وتحدثت نسرين وهبة - المسؤولة عن البرمجة في سينما متروبوليس - عن "شاشات الواقع" التي بدأ بتنظيمها "المركز الثقافي الفرنسي" في لبنان أساسا.

وتحدثت لـ "الجزيرة الوثائقية" عن مشاركة جمعيتها في تنظيمها، بدءا من 2007، وقالت إن "الحدث يجري كل سنة في شهر نيسان أو أيار، وبدأ بهدف عرض الأفلام الفرنسية الوثائقية، ومع الوقت فتحنا المجال لعرض أفلام مشتركة الإنتاج، فرنسيا وعربيا". وعن سبب تركيز الدورة على الوثائقي، قالت: "لاحظنا في كثير من مهرجانات السينما أنها تتجه نحو الأفلام الروائية، ولم يُخصّص مهرجان للوثائقيات، وليس الوثائقي هو ريبورتاج، بل يمكن أن يكون إبداعيا أو مزيجا من التجربة الفردية والواقع، فوجدنا ضرورة لعرض الأفلام الوثائقية فقط، التي لا يتسنى لها العرض في المهرجانات الأخرى. مع العلم أن هناك إنتاج غزير للوثائقيات الإبداعية".

وتلعب بساطة الوثائقي دورا في رواج الوثائقيات، وتعتقد وهبة أن "أحد أسباب انتشار الوثائقي هو البساطة، مضيفة أنه أيضا "بسبب وجود مؤسسات خاصة لدعم مشاريع التوثيق". كما أن التوثيق يعتبر في كثير من الأحيان تحضيرا لفيلم روائي، أو يُشكِّل أرضية له، وترى وهبة أهمية في التوثيق لأن "المخرج في تحضيره للرواية، يعثر على حقائق تصلح أن تُجمَع في فيلم توثيقي. أحيانا هناك مخرجون يقررون الارتكاز على الوثائقي، ومنهم من يكتشف قصصا في البحث عن الروائي".

وعن طريقة اختيار الأفلام القليلة العدد في الدورة مقارنة مع الكم الهائل من الوثائقيات المتوافرة في كل مكان، قالت إن "اختيار الأفلام يتم مع المعهد الفرنسي، ونحن عندنا جولات على مهرجانات عالمية، مثل برلين وكان ومرسيليا وسواهما، وعندنا تواصل مع مخرجين في لبنان والعالم العربي، وشركاء في أوروبا، ومن خلال ذلك يتكون عندنا إطلّاع على أجدد الأفلام، ونقرر أي فيلم نعتمده وفق مناقشة للأفلام"، لافتة إلى أنه "في الدورات السابقة، جرى عرض فيلمين يوميا لأننا وجدنا أنه ليس من السهل أن يرتاد  الجمهور السينما بصورة متواصلة، فارتأينا أنه من الأفضل أن نقدم فيلما واحدا كما هذا العام يوميا". عن طول الأفلام، أفادت أن "عنصر طول الفيلم لم يؤخذ بعين الاعتبار رغم أنها كلها من الصنف الطويل ويصل أحدها إلى الثلاث ساعات، وهو لفردريك وايزمن أحد معلمي السينما الوثائقية، لكن موضوعه شيق، وأعتقد أن الجمهور لا يتذمر من فيلم بهذا الطول شرط أن يكون الموضوع شيقا".

عن اقتصار حضور المخرجين على العرب، قالت أنه "لم يكن من السهل دعوة مخرجين من الخارج"، مع العلم أن المخرجين الوحيدين اللذين حضرا عروضهما هما السورية لواء يازجي في فيلم أول لها بعنوان "مسكون"، وهو مشترك سوري- ألماني يتناول قصص النازحين السوريين إلى لبنان، والمخرج اللبناني نقولا خوري في فيلم شيق عنوانه "بيروت البلقان".

تستمر العروض حتى 21 نيسان (أبريل) الجاري، ويعرض فيلمان منها في سينما Montaigne وهي سينما مرممة حديثا تابعة للمركز الفرنسي، وهما فيلم "الإيراني" للمخرج الإيراني مهران تمدن، و"كاريكاتوري" للفرنسية ستيفاني فالوواتو (Valloatto).

الجزيرة الوثائقية في

20.04.2015

 
 

حازم فودة: «كرم الكينغ» مختلف عن أفلام الموسم

كتب الخبرهند موسى

يتابع المخرج حازم فودة ردود الفعل حول فيلم «كرم الكينغ» الذي يشارك به في الموسم السينمائي الراهن، مبتعداً عن الكوميديا على عكس غالبية الأفلام المطروحة. حازم أكد رضاه الكامل عن هذه التجربة، مشيراً إلى أن محمود عبدالمغني، بطل الفيلم، رشَّحه لإخراجه بعد تعاونه معه في أعمال سابقة.

حول كواليس التصوير، وأبرز الصعوبات التي واجهته كانت لنا معه هذه الدردشة.

·        حدثنا عن «كرم الكينغ»؟

يرصد الفيلم حياة شاب من حارة شعبية يواجه مشكلة مع صديق له تدفعه إلى الخروج منها عبر الذهاب إلى أماكن أخرى، فيهرب من الحارة. تؤكد رسالة الفيلم أن  الهروب من مواجهة المشكلات ومهما طال فإنه عاجلاً أم آجلا يتوجب على الفرد مواجهتها، وعلينا التعجيل بهذه المواجهة بدلاً من خسارة أشياء كثيرة خلال فترة الهروب. مثلاً، ظنَّ بطل الفيلم، محمود عبد المغني، أنه بهروبه سيحلّ المشكلات، لكنه يفاجأ بواقع يزيدها سوءاً، حتى يقرر المواجهة في النهاية.

·        لماذا غلبت على الفيلم مشاهد الحركة؟

على العكس. في الفيلم مزج بين مشاهد الحركة ومشاهد أخرى درامية وفقاً لخطوط العمل المتشابكة، في محاولة لإبراز الصراع بين ممثل الشر وممثل الخير، لدرجة قد يتصوَّر البعض كما لو كان الشر هو المنتصر حتى المشهد الأخير حيث يحاول البطل الاستعانة بأبناء حارته لمساندته ضد الشر، وذلك من خلال طرفي الصراع محمود عبد المغني بشخصية «كرم الكينغ»، و{مجدي المنّاعي» الذي يقوم بدوره منذر رياحنة.

·        صنَّف البعض الفيلم على أنه «شعبي»، نظراً إلى أن الأحداث تدور في الحارة، فما رأيك؟

أختلف مع هذا الرأي، فهو ليس شعبياً تماماً، لأن جزءاً قليلاً من الأحداث يدور في الحارة، تحديداً الدقائق العشر الأولى، ثم نخرج منها لنعود إليها بين الحين والآخر بحسب ما تقتضي دراما العمل. عموماً، صورنا في أماكن متفرقة، وتلك التصنيفات تقلل كثيراً من قيمة الفيلم.

·        على أي أساس اخترت أبطال الفيلم؟

لم أخترهم، وإنما هم من اختاروني لإخراج الفيلم. عندما انضممت إلى «كرم الكينغ» كان محمود المغني موجوداً فيه كبطل، ولأننا سبق وتعاونا في مسلسل رمضاني، وكنت مساعد مخرج لفيلم «النبطشي» الذي قام ببطولته، رشحني هو لإخراج الفيلم.

·        ماذا عن منذر رياحنة؟

كان اختياراً مني ومن جميع صانعي العمل، لذا عرضنا عليه فكرة الفيلم، ووقتها كان في الأردن، وانتظرنا عودته ليقرأ الفيلم. فعلاً أعجبته الفكرة، وتحدثنا معه في تفاصيل الشخصية، فأبدى موافقته ونسقنا مواعيد التصوير مع تصويره أعماله الفنية الأخرى.

·        ما أكثر المشاهد صعوبة أثناء تصويرها؟

بالنسبة إلي، كل مشاهد الفيلم التي صورناها خلال ثلاثة أسابيع صعبة، ولكن الأصعب من ذلك هي المرحلة النهائية في العمل، إذ تطلب مني تنفيذ المونتاج والمكساج والطباعة والألوان بأقصى سرعة وأعلى جودة لطرح الفيلم.

·        ماذا عن الأغاني الثلاث في الفيلم؟

وُظفت لأغراض درامية، ولم نقحمها على العمل، وإنما كانت مكتوبة في قصته، خصوصاً أغنية «أهل الكلام» التي قدمها الفائز في برنامج اكتشاف المواهب الغنائية «ستار أكاديمي» محمد رشاد.

·        لماذا استعنتم بمحمد رشاد تحديداً؟

كان من المقرر أن يقدم هذه الأغنية مطرب آخر، ولكن الإنتاج رأى أن محمد رشاد الأفضل لغنائها، فهو نجم وأضاف إلى الفيلم الكثير. هو فعلاً موهوب وصاحب صوت متميز، ويغني بإحساس يصل إلى القلوب. كذلك لديه جماهيرية كبيرة في الشارع وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

·        ما توقعاتك حول منافسة الفيلم أفلاماً كوميدية؟

أتمنى للجميع النجاح، ويعود موعد طرح الفيلم إلى جهتي التوزيع والإنتاج، ولا أتدخل فيه. انتهت علاقتي به منذ أتممت التصوير، ولكنني في الوقت نفسه راض بهذه التجربة، وبتوقيت طرحها.

·        أي نوعية من الأفلام يحتاج الجمهور إلى متابعتها؟

يرغب الجمهور في مشاهدة الأفلام الجديدة سواء كانت كوميدية أو درامية أو حركة، فهو ملّ الأعمال التي تستخف بعقله وتضحك عليه. كذلك هو ملّ الأعمال المبتذلة، والاستعانة براقصة لمجرد أن يتضمن الفيلم رقصة مع أغنية، وإذا كان الأمر كذلك فيمكنه مشاهدتها في كباريه.

·        على ماذا تراهن في «كرم الكينغ»؟

الفيلم ذو طبيعة مختلفة، فهو شعبي غير تقليدي، واختلافه عن أفلام الموسم الراهن صدفة ربما تكون في صالحه، وصالح المشاهد عموماً للاختيار بين مجموعة متنوعة من الأعمال التي أقدر المجهود الذي بذله صانعوها فيها.

·        كيف ترى الإيرادات الضخمة التي حققتها هذه الأفلام؟

سعدت بها كثيراً، وأتمنى أن ينال «كرم الكينغ» جانباً منها، وهي انتعاشة عظيمة لشباك التذاكر نرجو استمرارها في المواسم كافة، فلا يعود أي منتج يخشى ألا تحظى أفلامه بمشاهدة جيدة في توقيت ما، من ثم نضمن استمرار عجلة الإنتاج السينمائي.

·        ما جديدك؟

أحضر عملاً سينمائياً كوميدياً سيُعرض خلال موسم عيد الأضحى المبارك، كذلك أحضر مسلسلاً سيُعرض خلال شهر رمضان 2016.

فجر يوم جديد: {شهر زاد} ... والنقاد !

كتب الخبرمجدي الطيب

  «حلم شهر زاد» فيلم تسجيلي جنوب إفريقي انفرد مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الرابعة (16 – 21 مارس 2015) بعرضه الأول في العالم العربي، بعد عرضه العالمي الأول في الدورة السابعة والعشرين لمهرجان أمستردام الدولي للسينما الوثائقية، ومنحته لجنة تحكيم مسابقة أفلام الحريات بمهرجان الأقصر جائزة الحسيني أبو ضيف (2000 دولار وقناع توت عنخ آمون الذهبي) مقدمة من «آرت ووتش أفريكا» و{أرتيريال نتوورك» لأحسن فيلم يتناول حرية التعبير وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ولفرط إعجاب المنتجة والمخرجة ماريان خوري عضو لجنة تحكيم المسابقة بالفيلم نجحت في الاتفاق على عرضه في سينما «زاوية» إحدى مبادرات شركة «أفلام مصر العالمية» لنشر الثقافة السينمائية في مصر، وتقديم مختارات بديلة للأفلام العربية وأفلام أوروبا ودول العالم، مع إلقاء الضوء على الأفلام المحلية المستقلة، وتشجيع شباب المخرجين المصريين والعرب على تسويق أعمالهم، وإتاحتها للجمهور.

انفردت «زاوية» بعرض فيلم «حلم شهر زاد»، الذي ربط مخرجه  فرانسوا فيرستر بين السيمفونية العالمية «شهر زاد» للمؤلف الموسيقي الروسي ريمسكي كورساكوف، وثورات الاحتجاج في ميدان التحرير بمصر وميدان تقسيم في تركيا، وفتاة لبنانية تحولت إلى ناشطة سياسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال القطع بين مايسترو تركي يقود الأوركسترا التي تعزف سيمفونية «شهر زاد»، والحراك السياسي الحاصل في تركيا ومصر ولبنان.

نجح المخرج الجنوب إفريقي في صنع فيلم مصري حتى النخاع، بل يمكن القول من دون مبالغة إنه أنجز فيلماً عبر عن الثورة المصرية، وروح مصر والمصريين، بأفضل مما فعل مخرجون مصريون كُثر، فكما قدم إرهاصات ثورة 25 يناير وتداعياتها، رصد الواقع الضبابي (القاهرة الشاحبة المتوارية خلف دخان التلوث) وتأسى على الحضارة التي تتراجع وتوشك أن تندثر (الأهرامات تكاد تختفي بسبب زحف العشوائية)، وظف خيال الظل وصندوق الدنيا، إضافة إلى اللوحات التشكيلية، وعروض المسرح المتجول، وعروض الحكي، لالتقاط صور الحياة اليومية، ووجوه المصريين، التي تكتسي بمشاعر يغلب عليها الدفء والحزن، فالأغاني أقرب إلى نواح أو أنات مهزومة، بل هي أقرب إلى «عدودة» حزينة تنعي شهداء الثورة، ومن بينهم أطفال وشباب في عمر الزهور، وتواسي أمهات الشهداء، ومن ثم أعلن موقفاً منحازاً للتغيير، وحرية التعبير، ومناهضا للقهر والفن المصطنع، لكنه نأى بنفسه عن مناهضة نظام بعينه!

هذه الروح المصرية تجلت، أيضاً، في صوت الفنانة الراحلة زوزو نبيل وهي تروي حكايات «ألف ليلة وليلة» في المسلسل الإذاعي الشهير، كذلك لوحة الخيامية الضخمة التي صممها هاني المصري، وحملت اسم «ألف ليلة وليلة». لكن الروح تمثلت في القطع المتوازي بين الآلات الموسيقية في السيمفونية الشهيرة وصوت طرق الأنابيب وصاجات بائع العرقسوس في الشارع المصري، فضلاً عن التأثر الواضح من المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، برواية «ليالي ألف ليلة» لأديبنا الكبير نجيب محفوظ، ففي الرواية يقول محفوظ: {الجنة نفسها لا تغني عن الإنسان شيئا إذا خسر حريته» بينما يتبنى الفيلم رسالة تقول: {الموت أفضل للشعب عن العيش بدون هدف»، ومثلما ينتصر «محفوظ» في روايته للأنثى «شهر زاد»، التي تتعرض للقهر في المجتمع الذكوري، ينحاز الفيلم إلى المرأة، في مصر وتركيا ولبنان، سواء أكانت محجبة أو سافرة، وترصد الكاميرا أكثر من «شهر زاد» في الشوارع والميادين.

وضع ريمسكي كورساكوف قطعته الموسيقية الخالدة «شهر زاد» في أربع حركات، أولها «البحر وسفينة السندباد»، وثانيها «الأمير الكالنداري» وثالثها «الأمير الشاب والأميرة» ورابعها «الاحتفالات في بغداد»، بينما حرص «فيرستر» على أن يتكون فيلمه من أربعة كتب تحمل عناوين ذات مغزى، ولعلها المرة الأولى التي يتم فيها توظيف سيمفونية «شهر زاد» بشكل تنويري أو تثويري، وبدلاً من تدشينها، كما هو معتاد، لتكريس الحلم الرومانسي، قُدمت كسلاح في وجه القمع، ووسيلة من وسائل التعبير السياسي، فالآلات النحاسية بصوتها المدوي، والوتريات بإيقاعها المخيف، والمهيب، تتناغم ووتيرة الأحداث والثورة والتظاهرات، وتتداخل الموسيقى والسياسة، ومشهد بعد الآخر يؤكد الفيلم أن «ألف ليلة وليلة» ليست مجرد رواية خيالية لكنها الثقافة أو صورة الثقافة، ويثمن مكانة «شهر زاد»، التي تقول الحقيقة لكن الحقيقة لدى البعض دائماً ما تكون عارية، ويرى أن عودتها هي عودة للقيم الخالدة في المجتمع، ويُعيد على مسامعنا مقولة نجيب محفوظ: {الثورات يخطط لها الدهاة وينفذها الشجعان ويجني ثمارها الجبناء»، ويتبنى مقولة حسن الجريتلي مؤسس فرقة «الورشة»: «الوعي الذي اكتسبه الشعب المصري بعد الثورة لن يختفي أبداً» لكن «حلم شهر زاد» كان سبباً في انقسام نقاد السينما المصريين بشكل مروع، ففي الوقت الذي امتدحه البعض بقوة اتهمه البعض الآخر بأنه «كابوس»!

عودة حرب التوزيع والإيرادات بين المنتجين

كتب الخبرهيثم عسران

تسببت إيرادات أفلام موسم الصيف التي يُعلن عنها يومياً في أزمة حادة بين المنتجين الذين يحاولون زيادة إيرادات أفلامهم في التصريحات الإعلامية، لجذب المزيد من الجمهور، خصوصاً مع استمرار الأفلام في الصالات لنحو شهرين مقبلين.

تضاربت تصريحات المنتجين في مصر بشأن الفيلم الأكثر تحقيقاً للإيرادات، خصوصاً بين فيلمي «زنقة ستات» و{كابتن مصر». يتقاسم بطولة الأول كل من حسن الرداد وآيتن عامر وإيمي سمير غانم ونسرين إمام، ويقول منتجه أحمد السبكي إن إيراداته وصلت إلى أكثر من ثمانية ملايين في أسبوع عرضه الأول.

أما شركة «نيو سينشري»، منتجة «كابتن مصر» الذي يتقاسم بطولته محمد عادل إمام وعلي ربيع وأحمد فتحي وعدد من الفنانين الشباب، فتؤكد أنه حقق أكثر من تسعة ملايين في فترة أقل بمعدل تخطى المليون و300 ألف جنيه في اليوم، منذ بدء عرضه.

في المقابل، زادت نسخ الفيلمين بشكل كبير في الصالات، ورفع عدد حفلاتهما مقارنة بأفلام أخرى في الموسم، فيما تراجعت إيرادات أفلام أخرى مثل «فزاع» للفنان هشام إسماعيل، و{تسعة» الذي تتولى بطولته مجموعة من الفنانين الشباب، فلم يحقق أي من الفيلمين أكثر من 300 ألف جنيه، وفقاً لمنتجيهم.

وأعلنت غرفة صناعة السينما في مصر عن اتخاذها قرار عدم الإعلان عن إيرادات أي من أفلام الموسم من دون وصول الإيرادات اليومية من الصالات السينمائية حتى الآن، متجاهلة الإيرادات التي يعلنها المنتجون، خصوصاً أنها تصدر عن شركات الإنتاج وغير موثقة، فيما زادت نسخ الأفلام المعروضة بشكل كبير على حساب نسخ الأفلام الأخرى المتنافسة في الموسم نفسه.

وجاء قرار الغرفة بعد تزايد الإيرادات على الفيلمين من المنتجين، خصوصاً مع تأخر الصالات في إرسال حصيلة التذاكر إليها، وعدم تحديد الإيرادات الحقيقية للفيلمين حتى الآن، ما منع الغرفة للمرة الأولى من إعلان إيرادات الأفلام بشكل أسبوعي كما كان معتاداً، حين كانت تأتي إيرادات الغرفة أقل بكثير من تصريحات المنتجين، وهو ما حدث في أكثر من موسم سابق.

«واحد صعيدي»

اللافت أن حرب التوزيع التي يتعرَّض لها بعض الأفلام وبالتالي يُرفع من الصالات لصالح أفلام أخرى تكررت خلال موسم عيد الأضحى بعد رفع فيلم «واحد صعيدي» من بطولة محمد رمضان لصالح «الجزيرة 2» من بطولة أحمد السقا، وكان الأخير من إنتاج الشركة الموزعة له ففتحت جميع الصالات لحسابه، ما أسهم في زيادة إيراداته، خصوصاً في أيام المواسم.

بطل فيلم «فزاع» هشام إسماعيل قال لـ «الجريدة» إن فيلمه تعرَّض لحرب شرسة في التوزيع بعد زيادة نسخ أفلام أخرى في الموسم نفسه، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من دور العرض رفض تشغيل الفيلم للجمهور لصالح فيلمي «كابتن مصر» و{زنقة ستات».

وأضاف إسماعيل أنه قام بمحاولة مشاهدة الفيلم وحجز تذاكر مع الجمهور، لكنه فوجئ بإلغاء الحجز وعدم عرض الفيلم في الصالات، ما جعله يتواصل مع المنتج والموزع من دون أن يصل إلى حل، لافتاً إلى أن الفيلم لم ينل حقه إذ رُفع قبل أقل من أسبوع على عرضه بداعي عدم وجود إيرادات، وهو أمر غير منطقي مع فيلم جديد.

وأكَّد أنه خاطب الفنانة إسعاد يونس باعتبارها مالكة الشركة الموزعة، وكذلك منتج الفيلم لمعرفة سبب رفعه من الصالات، لكن لم يصله أي رد، بينما وُضع العمل في صالات سينمائية غير مرتبطة بالجمهور المستهدف من العائلات بعد رفعه من الصالات الأخرى لصالح أفلام محددة.

وأوضح أن الحكم على نجاح الفيلم من عدمه سيكون للجمهور عندما يشاهده تلفزيونياً، واصفاً ما تعرض له الفيلم بـ «حرب قذرة» قضت على العمل باعتباره منافساً لأفلام كوميدية حققت إيرادات كبيرة.

وأكَّد الناقد محمود قاسم أن جزءاً من نجاح أي فيلم تواجده في الصالات السينمائية، لأن الجمهور عندما لا يجده سيضطر إلى دخول فيلم آخر من دون تردد، خصوصاً في المواسم السينمائية، مؤكداً أن المنتجين يعلنون عادة عن إيرادات غير حقيقية لجذب المزيد من الجمهور.

وأضاف قاسم أن وجود احتكار التوزيع بين شركتين فقط يؤدي إلى ظواهر سلبية، من بينها مجاملة فيلم على حساب آخر، خصوصاً إن كان أحدهما يحقق إيرادات كبيرة، حيث يسعى الموزعون إلى زيادة عدد نسخ الأفلام الناجحة لجذب الإيرادات إلى الصالات وإلى الفيلم أيضاً.

الجريدة الكويتية في

20.04.2015

 
 

Child 44 جرائم غامضة من زمن الستالينية

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

كاميرات المخرج السويدي دانيل اسبينوزا ومعدات المنتج ريدلي سكوت وكامل فريق الممثلين والفنيين والتقنيين كانوا على اهبة الاستعداد للبدء بالتصوير بين براغ واوسترافا اللتين تحولتا في حزيران 2013، موسكو السوفياتية بطبيعتها الخلابة وديكوراتها الاصلية وسكك الحديد ومصانع الصلب والازياء المتقنة والاكسسوارات الدقيقة في حقبة حكم ستالين عام 1952.

الشتاء الروسي قارس بالنسبة الى العميل في الشرطة السرية السوفياتية ليو ديميدوف (طوم هاردي) الذي يعرض مستقبله الواعد في الحزب الاشتراكي للخطر يوم يكتشف جثة ولد صغير على سكة الحديد. الجريمة في النظام الاشتراكي المثالي غير موجودة ومرفوضة، والحوادث وحدها ممكنة، لكن عندما يكتشف ليو أن عدداً كبيراً من الاولاد تعرضوا لحوادث مشابهة، ينتابه الشك. وهكذا يفقد ليو هيبته في نظر النظام ويعتبر خائناً ويتم نفيه مع زوجته رايسا(ناوومي راباس). لكن هذا لن يمنع الزوجين من الانطلاق بحثاً عن الحقيقة وعن ذلك القاتل المتسلسل الغامض الذي يجعل منهما العدوين الاولين في نظر الشعب الروسي، ويعرض حياتهما للخطر.

44 Child، الفيلم الاول الناطق بالانكليزية للمخرج السويدي دانيل اسبينوزا، يلقى حالياً هجوماً شرساً من روسيا ومنعاً لعرضه في صالاتها بتهمة انه لا يسوّق سوى الاكاذيب بحق روسيا ويقدمها بصورة مقززة. الفيلم مقتبس من الرواية الاولى لثلاثية الكاتب البريطاني طوم روب سميث المستوحاة بدورها من وقائع اجرامية حقيقية اقترفها اندره تشيكاتيلو الشهير بـ "وحش روستوف" الذي اعتقل عام 1990 وأعدم عام 1994 بعدما أدين بجرائم قتل وتشويه 52 امرأة وطفلا في روسيا السوفياتية في حقبة الخمسينات.

الفيلم ثريلر داكن، يثير القشعريرة والبرودة في الابدان، عن سيناريو للروائي ريتشارد برايس (Clockers) وهو من بطولة طوم هاردي وناوومي راباس اللذين يلتقيان للمرة الثانية بعد فيلم The Drop، اضافة الى الفرنسي فنسان كاسيل بشخصية الدكتور زورابن الذي حلّ مكان الراحل فيليب سيمور كوفمان، وغاري اولدمان الذي لم يجد صعوبة في اداء دور الجنرال ميخائيل نستروف وخصوصاً انه سبق وقدم شخصية ثائر روسي في Air Force One، كما سبق واجتمع مع طوم هاردي في 3 افلام: Tinker, Tailor, Soldier, Spy وThe Dark Knight Rises وLawless. التمثيل بارع والاخراج متقن وخصوصاً في خلقه المناخات الباردة والموترة، والتصوير آسر لكن الحبكات العديدة والجانبية تجعل المشاهدين يضيعون بعض الشيء مع هذه القصة المعقدة لكن اللافتة بشخصياتها المرسومة بدقة من ناحية خلفياتها النفسية.

الفيلم في صالات امپير وڤوكس وغراند.

Beirut of the Balkans ماذا بين بيروت وساراييفو؟

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

مهرجان "شاشات الواقع" انطلق في دورته الـ 11 من 12 نيسان 2015 الى 21 منه في"متروبوليس أمپير صوفيل" بالتعاون مع "المعهد الفرنسي في لبنان". المهرجان الذي يشبه معرضاً لمختارات وثائقية نالت الجوائز في كثير من المهرجانات حول العالم، قدم باقة متنوّعة مثلLa Cour de Babel (ساعة و29 د) للفرنسية جولي برتوتشيللي الذي رشح لجائزة "سيزار" عن أفضل وثائقي لعام 2015، و20,000 Jours Sur Terre (97 د ــ 2014) الحائز جائزة افضل إخراج في مهرجان سندانس وهو من اخراج البريطانيين أيان فورثايت وجاين بولارد، وSois Belle et Tais-Toi لدلفين سايريغ وIranien (بالفارسية مع ترجمة فرنسية) لمهران تمادون وغيرها. لكن الاهم أن الشريط الوثائقي الوحيد اللبناني الذي شارك ضمن الدورة 11 للمهرجان هذه السنة هو "بيروت - البلقان" Beirut of the Balkans من اخراج نيكولا خوري. مفاجأة سارة ومؤثرة هذا الفيلم الذي لا تتعدى مدته 53 دقيقة، وهو يذكرنا بمقولة الناس التي تسكن المدن والمدن التي تسكن الناس. يبني الفيلم مقارنة بين مدينتي بيروت وساراييفو اليوم المتشابهتين كثيراً في احيائهما وشوارعهما والحرب الاهلية التي عاشتاها في السابق، فالى البوسنة والهرسك وطن زوجته وام ولديه، يهاجر الشاب اللبناني احمد بعدما يئس من الوضع في لبنان. ومعه يحضر والده العجوز الذي لا يزال يحن الى بيروت ما قبل الحرب. احمد عليه اتخاذ قرار مصيري له ولعائلته. مفاجأة حقيقية هذا الفيلم الذي لا تتعدى مدته 53 دقيقة، تمر بسرعة رغم ان السرد الروائي يتكرر والمحطات تعيد نفسها. لكن الفيلم لافت بلغته المشهدية التي تمزج جمالية الصورة برمزية التفاصيل، فتخلق مناخاً عابقاً بنوع من النوستالجيا الجميلة والمؤثرة، تضيع فيه حدود بيروت بتفاصيل ساراييفو. ايضاً الطرافة حاضرة بقوة، وخصوصاً من خلال شخصية والد احمد العفوي والظريف.

النهار اللبنانية في

20.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)