كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

جاك نيكلسون بين الأمس واليوم

نقاط تحوّل في مسيرة ممثل مبدع

لوس أنجليس: محمد رُضا

 

بعد خمسة أيام فقط يحتفل الممثل جاك نيكلسون والمعجبون به بعيد ميلاده الثامن والسبعين، فهو وُلد في الثاني والعشرين من أبريل (نيسان) سنة 1937. في ستين سنة حافلة، شارك خلالها في نحو 75 عملا سينمائيا ونحو 20 عملا تلفزيونيا، أسس نيكلسون لنفسه كيانا مستقلا بين الممثلين سواء حين بدأ شابًا أو لاحقًا عندما اختلفت الأدوار بالنسبة إليه تبعًا لتقدّمه في السن.

* الاكتشاف

وُلد في نبتون في ولاية نيوجيرسي. وهو عاش خضم مفاجأة كبرى سنة 1975 عندما اكتشف، في مقالة كُتبت عنه في مجلة «تايم» الشهيرة، أن من اعتقدها شقيقته الكبرى (واسمها جين) لم تكن سوى والدته، وأن من اعتقدها أمه هي جدته (إيثل). مرد ذلك إلى أنه كان ابنًا لعلاقة غير شرعية، وجين لم تكن واثقة من هوية الأب فقررت أمها وأبوها تبنيه.

ظاهريًا، على الأقل، لم يبد نيكلسون اكتراثًا لما نُشر على الرغم مما أحدثه ذلك الاكتشاف من إعادة ترتيب حقائق كانت متوارية. لكن المؤكد أيضًا أن الرجل لم يسقط تحت انهيار نفسي أو عاطفي، وأنه عرف كيف يستوعب الأمر بحيث لا يستثمر الإعلام الاستهلاكي (تلك الصحف والمجلات التي تعيش على الفضائح) الموضوع لأكثر من بضعة مقالات بُنيت على تحقيق المجلة الأميركية الأسبوعية.

حين تم نشر هذا الموضوع في مجلة «تايم»، كان نيكلسون نجمًا عالميًا. كان بلغ هذا الوضع من مطلع السبعينات عندما قام بالتمثيل في ثلاثة أفلام جعلته موضع تقدير فني وجماهيري واسع، وهي «خمس مقطوعات سهلة» لبوب رافلسون (1970) و«ملك حدائق مارفن» (رافلسون أيضًا، 1972) و«التفصيلة الأخيرة» لهال آشبي (1973).

قبل ذلك، انخرط، حال وصوله إلى هوليوود، في منتصف الخمسينات، في العمل التلفزيوني، وظهر في أكثر من حلقة لأكثر من مسلسل في أدوار تمر عابرًا. لكنه وجد طريقه إلى الأفلام في عام 1958 عندما قام بالتمثيل في فيلم بعنوان «Cry Baby Killer» لاعبًا دور مراهق متهم بجريمة قتل لم يرتكبها.

تبعًا لهذا الفيلم، وضع نيكلسون قدمه في خط سير عدد من المخرجين الذين كانوا ينجزون أفلامًا جماهيرية مستقلة في الوقت ذاته أمثال ريتشارد راش وروجر كورمان. الأول منحه دورًا في «باكرًا على الحب» عام 1960، والثاني تبنّاه في عدد من الأفلام بدءًا من «دكان الرعب الصغير» (The Little Shop of Horrors) في العام ذاته. بعده قام نيكلسون وكورمان بالعمل معًا في «الغراب»، عن رواية إدغار آلان بو الشهيرة (1963) و«الرعب» (1963). لفت انتباه المخرج المستقل مونتي هلمان فقدّمه في أربعة أفلام متوالية هي «طيران صوب الغضب» (1964) و«الباب الخلفي للجحيم» (1964) و«إطلاق نار» (1966) و«ركوب الدوّارة» (1966). ريتشارد راش عاد إليه ووضعه فوق دراجة نارية كواحد من «ملائكة الجحيم على دراجات» ثم عاد إلى كورمان في فيلمين آخرين (أفضلهما «مجزرة يوم سانت فالانتاين» سنة 1967)، ومثل فيلمًا شبابيًا آخر لحساب ريتشارد راش يمكن ترجمة عنوانه إلى «جنون نفسي» (Psych-Out) سنة 1968.

* جيل الوردة

كل ذلك تحوّل فجأة إلى صور من الماضي عندما دخل مجرّة هوليوود مبرهنًا على أنه أحد الممثلين الذين لديهم من الشعبية ما يكفي لاعتماده في أفلام أولى. صحيح أن المخرج الموسيقي فنسنت مينيللي وضعه في دور ثانوي في فيلم باربرا سترايسند وإيف مونتان «في يوم صاف تستطيع أن ترى إلى الأبد»، لكن نيكلسون لم يكترث لهذا النوع من الأفلام على أي حال. «إيزي رايدر»، لجانب بيتر فوندا ودينيس هوبر، كان أكثر تلبية للصورة المرسومة له في تلك الفترة، كذلك أفلامه مع بوب رافلسون ثم سواه.

الصورة هي لشخص لا يبالي. في ذلك الحين كانت أميركا تشهد كل تلك المتغيّرات التي يقودها شباب يرغب في المساواة العنصرية ويعارض الحرب الفيتنامية ويؤيد السلام والوئام. في الخمسينات بدأها روائيون مشهود لهم بالتقدير (منهم ويليام إس بورو وجاك كيرواك وهنتر إس تومسون) وقبل أن تذبل نتاجاتهم انتشر مفهوم رفض المؤسسة القائمة ليشكل انقسامًا كبيرًا بين المحافظين وبين جيل الستينات من المثقفين والمنتمين إلى ما عرف بـ«جيل الوردة». السينما كانت حليفة من باب عدم رغبتها في تفويت الفرصة. وأفضل ممثل كان قادرًا على تجسيد الشخصية التي تماثل هوى المشاهدين في هذا الصدد هو جاك نيكلسون.

«خمس مقطوعات سهلة» (Five Easy Pieces) هو من بين أفضلها مثالاً: جاك نيكلسون لعب دور شاب آت من عائلة ثرية لكنه يُدير ظهره لكل الرغد الذي كان يستطيع العيش فيه وينطلق بحثًا عن مستقبله في أعمال يدوية.

هذه اللفتة المتمرّدة معبّر عنها أيضًا في «التفصيلة الأخيرة» حيث هو أحد رجلي بوليس البحرية مطلوب منه (ومن شريكه أوتيس يونغ) القبض على مجنّد (راندي كوايد) خالف التعليمات بالعودة إلى معسكره. سيتفهم نيكلسون في الفيلم دوافع المجنّد الشاب، وسيدافع عن حقوقه مرتكبًا بدوره خروجًا عن الأعراف.

* أوسكاراته

هذان الفيلمان كانا من بين إنتاجات هوليوود الرئيسية كذلك «معرفة جسدية» (مايك نيكولز، 1971) و«تشايناتاون» (رومان بولانسكي، 1974) وسواهما قبل وبعد قيامه بتمثيل دور الكاتب الذي يستبدل هويته بقاتل في فيلم مايكل أنغلو أنطونيوني «المسافر» (1975).

هذا هو العام نفسه الذي قام فيه نيكلسون بأهم أدواره: هو مرّة أخرى رافض للمؤسسة الأميركية التقليدية في «واحد طار فوق عش المجانين». بعد خمسة أعوام غيّر نيكلسون اتجاهه تمامًا عندما قام ببطولة «اللامع» (The Shining) لستانلي كوبريك. هنا هو كاتب دكّته الأحلام والإخفاقات فانطلق يعايش وهمًا من الأمس وينصاع لأوامر في البال لقتل زوجته وابنه.

نيكلسون استمر ممثلاً مطلوبًا وغزيرًا في عمله منذ ذلك الحين وحتى عام 2010 عندما ظهر في آخر فيلم له حتى الآن وهو «أنا ما زلت هنا» في فيلم شبه تجريبي من تحقيق كايسي أفلك. لكن إسهاماته الأهم لم تتأثر بمرور الزمن، وليس علينا العودة لأكثر من خمس عشرة سنة لنلتقط بعض أداءاته الرائعة في أفلام متعددة الأهداف: الدراما التشويقية في «دم وخمر» (عودة حميدة لبوب رافلسون مع مشاركة مايكل كاين في البطولة) والكوميديا في «أفضل الممكن» و«العهد» (لشون بن) ودوره الذي لا يُنسى في «المغادر» لمارتن سكورسيزي.

نيكلسون نوع مختلف من الممثلين. لم ينخرط في سلك المدارس بل تعامل مع الشخصيات براحة نفسية تعبّر دومًا عن مواقفه حيال الحياة وعن موهبة آسرة في الكيفية التي يصهر فيها ما قد تمر به شخصيته من ظروف وحالات. لا عجب أنه رشّح للأوسكار 12 مرة، أولاها عن «إيزي رايدر» وآخرها عن «حول شميت» (2002)، ونال الجائزة ذاتها ثلاث مرات، الأولى عن «طيران فوق عش المجانين» (1975)، والثانية «شروط المودّة» (1984)، أما الثالثة فعن «أفضل ما يمكن» (1997).

شاشة الناقد

Tangerines  (4*)

إخراج: زازا أوروشادزه ـ تمثيل: لمبت أولفساك، وإلمو نوجانن، وجيورجي ناكاشدزه ـ (إستونيا، وجورجيا).

الفيلم الذي كان من بين الأفلام المتقدمة للأوسكار هذا العام يجد الآن طريقه للعروض التجارية: دراما ذات نكهة خفيفة الوقع حول ذلك العجوز الإستوني (أولفساك، شديد الشبه بالمخرج المعروف مايكل هنيكه) يستقبل جريحين، أحدهما شيشاني والآخر جورجي، تواجها خلال الحرب الأبخازية - الجورجية سنة 1992

بيته يتحول لا إلى تضميد الجراح البدنية لكل منهما، بل تضميد الجراح العاطفية والآيديولوجية أيضًا. المنحى إنساني والنهاية شفافة

كان يمكن صنع فيلم أفضل وقعًا لو كان أكثر جدّية، لكن ما أنجزه المخرج الجورجي هو ما يريده لفيلمه وبنجاح.

(3*)K

إخراج: امير ريتشارد، إردنبولاغ دارهاد ـ تمثيل: بايلن، وجولا، ويرغل ـ (هونغ كونغ).

يكتفي الفيلم بإيراد الأسماء الأولى لممثليه لكنهم جميعا جيّدون جدًا في هذا الفيلم الذي تقع أحداثه في مانغوليا والمقتبس عن رواية لفرانز كافكا. «ك» (بايلن) هو موظف حكومي يصل إلى بلدة ليجد نفسه منبوذًا من ناحية وعلى علاقة عاطفية مع امرأة تطلب منه الهرب معًا ويرفض. المخرجان يوفران معالجة محلية كاملة للنص الأصلي ومعايشة فنية لا بأس بقيمتها رغم أن الفيلم يعاني من نحافة الخط الروائي إلى درجة ملحوظة.

The Longest Ride (1*)

إخراج: جورج تيلمان ـ تمثيل سكوت ايستوود، وبريتاني روبرتسون (الولايات المتحدة).

منوال عاطفي لا يمضي بعيدًا ولا عميقًا بل مسطّحًا على الدوام. سكوت ايستوود (ابن كلينت) هو كاوبوي يريد العودة إلى حلبة ركوب الثيران وبريتاني هي الفتاة التي تحبّه لكن، وهناك دائما «لكن» كبيرة في هذه الحكايات قد تلهيه عما يريد تحقيقه من نجاح. في هذا الفيلم الثيران فقط تبدو حقيقية!

DVD

Do The Right Thing (4*)

إخراج: سبايك لي - تمثيل: داني أييلو، وأوسي ديفيز، وسبايك لي، وبل نان (الولايات المتحدة، 1989).

منذ أن ترك سبايك لي سينما اكتشاف البيئة الاجتماعية الحاضنة لمشاكل تعدد القوميات، خسر أهم مقوّماته ودوافعه. «افعل الشيء الصحيح» هو أفضل ما حققه من أعمال: دراما اجتماعية عن موكي (لي) الذي يعمل في تسليم البيتزا للزبائن في حي في هارلم. صاحب المطعم (أييلو) يدخل في شجار مع المسلم رحيم (بل نان) عندما تساءل هذا لماذا تنتشر على جدران المطعم صور البيض من المشاهير فقط. لكن الجو الممهد للواقعة ساخن مثل شمس أغسطس (آب). سبايك لي يضع إصبعه على الجرح الكامن في خاصرة العلاقات التي ترفض أن تهدأ وتستتب بأسلوب معايش وغير خطابي ويعرف تمامًا ما يقول وكيف يقوله.

(1*) لا يستحق - (2*) وسط - (3*) جيد - (4*) ممتاز - (5*) تحفة

مفكرة

* قبل التصوير:

* المخرج الألماني فرنر هرتزوغ لديه مشروعان يدخل تصويرهما هذا العام. الأول من بطولة فيرونيكا فيريس عنوانه «ملح ونار» حول باحثة تريد التحقيق حول كوارث بيئية في جنوب أفريقيا فتتعرض للخطف. الثاني من بطولة الياباني كن واتانابي حول الجندي الياباني هيرو أونودا الذي عاش فوق جزيرة معزولة 35 سنة بعد الحرب العالمية الثانية معتقدًا أنها ما زالت مستمرة.

* في التصوير:

* باشر المخرج أوليفر ستون تصوير فيلمه «سنودن»، كاشف المعلومات الأمنية السرية إدوارد سنودن. يقوم بالدور جوزيف غوردون - ليفيت ويشترك في التمثيل نيكولاس كايج، وسكوت إيستوود، وشايلين وودلي.

* بعد التصوير:

*الممثل البريطاني جوني سترونغ انتهى من تمثيل «نهاية النهار» من إخراج ويليام كوفمن، حول ناجين من كارثة كونية يواجهون عصابات من القتلة في عالم بلا قانون.

المشهد:

العرب وصناعة السينما

* هناك العديد من الفرص لتوظيف رأس المال العربي في مشاريع سينمائية وتلفزيونية عالمية.. لكن هذا الرأسمال يخشى أن يُخدع.

* في عالم اليوم لا يمكن الاستمرار في تبني افتراضيات من نوع أن العالم يتربّص بنا وسوف ينقض علينا ويتسبب في ضياع ثرواتنا. صحيح أن «المال السايب يعلّم الناس الحرام»، لكن لا أحد يقول إنه على هذا المال أن يكون «سائبًا» أو أن يفتح العرب ودائعهم ويقولوا للغربيين: «تفضلوا خذوا ما تشاءون». بالتالي، المشكلة تكمن في أن الثقافة السينمائية مهجورة في بلادنا وبين الحالمين بصنع الأفلام، إنتاجًا وإخراجًا، بحيث تبدو كل المهام، حتى بالنسبة لأصغرها، صعبة ومعقدة.

* «أبني برجًا وأبيع طوابقه نصفها أو جميعها قبل أن يُنجز. هذا أفهمه. أراه بعيني وأستطيع أن أشرف عليه بنفسي. أسلّم مالي للغريب لقاء مشروع على الورق، كيف لي أن أعرف مقدار استفادتي منه؟».. هذا قول أحد كبار أصحاب العقارات قبل حين في جلسة مفتوحة ردًا على سؤال أحد الجالسين حول لماذا لا يستثمر بعضًا من ماله في هوليوود «ما دمت تقول إنك تحب السينما ولا يفوتك فيلم منها»؟!

* بقليل من المعرفة وبكثير من الاعتماد على مستشارين يتم تعيينهم برواتب شهرية ويمكن الوثوق بهم أو بجلب منتج عربي يعمل في هوليوود (مالك عقاد، جورج شمشوم، نك رسلان، إلخ..) يمكن للمستثمر أن يضمن دخوله شريكًا في الأفلام المنتجة. لكن قبل ذلك، عليه أن يؤمن بما يقدم عليه. صحيح أن العمارة تنتصب أمامه وتكتمل في سنة بينما الفيلم هو مشروع ورقي يتحوّل إلى مادة مصوّرة في سوق كبير، إلا أن المموّل المأمول عليه ألا يرقب نتائج عمله من خلال الفيلم الأول.

* بكلمات أخرى، معظم الأفلام المنتجة في هوليوود أو خارجها تحقق إيرادات تعلو عن التكلفة مع تعدد وسائل العروض، لماذا سيحط سوء الطالع على الفيلم الذي يشارك العربي في تمويله فقط؟ إذا ما تم فهناك سواه. الأمر الأساسي هنا هو الاستمرارية وطرح الإسهام ضمن خطّة ترفض أن تنهزم، وإثبات جدارة المموّل في السوق.

* طبعًا لما ذكرناه آنفًا أسباب أخرى: لم تتكوّن عند معظم بلادنا صناعة سينمائية حقيقية. بالتالي لم يكن هناك داعٍ لثقافة تختص بالصناعة السينمائية وحدها. كل من هونغ كونغ وأميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والهند لديه مجلة عن تجارة وتوزيع وصناعة الأفلام (مثل «فاراياتي» و«ذا هوليوود ريبورتر» و«فيلم فرنسيز») بخلاف العرب. حتى عندما بلغت صناعة السينما المصرية أوجها، لم يهتم أحد من المعنيين بهذا الجانب. قبل سنوات قليلة قام محام باكستاني بشراء رخصة مجلة «فاراياتي» الأميركية ونشرها بالعربية والإنجليزية. لم يكن التوفيق حليفه لأن المعلنين فضّلوا فجأة الإعلان في «فاراياتي» الأم على «فاراياتي» الفتاة.

* إذن هي «خلطة فوزية» حين يأتي الأمر إلى هذا الموضوع، لكنها خلطة وليست دهاليز غامضة لا يمكن تجاوزها، لو أردنا.

الشرق الأوسط في

16.04.2015

 
 

النافذة السابعة

أفضل عشرة أفلام عربية

عبدالله آل عياف

لنعترف أولاً أننا كعرب متأخرون جداً فيما يختص بثقافة القوائم المفضلة المبنية على استفتاءات وآراء مجموعة كبيرة من الناس. فبينما نجد صعوبة في العثور على قائمة العشرة الأفضل في أي مجال - تقريباً - باللغة العربية، هناك - بالمقابل - عشرات القوائم باللغة الإنجليزية لأي سؤال قد يخطر ببال أحدنا. لا أتحدث عن الاستفتاءات العامة التي يشارك بها أي شخص، بل أقصد القوائم التي يشارك فيها مختصو المجال وأهل الصنعة.

هل ترغبون بمعرفة أفضل عشرة مطاعم في باريس؟ أجمل الزهور؟ أكثر لاعبي السلة شعبية؟ أظرف الحيوانات التي ظهرت في روايات معروفة؟ أفضل أغاني القرن أو العقد أو العام أو الشهر أو حتى اليوم؟ كلها موجودة. في المقابل نجد ندرة في القوائم المعروفة التي أعدها العرب. وبعيداً عن القوائم غير المهمة التي يُستأنس بها كما أوردت في أسئلتي السابقة، نفتقر لعدد كاف من القوائم المهمة مثل: أهم الكتب العربية على مر التاريخ، أهم الأغاني، وغيرها، وأستثني من ذلك التعميم عدداً من المحاولات الجادة مثل ما قام به اتحاد الكتاب العرب عندما وضعوا قائمتهم لأفضل ١٠٠ رواية عربية على الإطلاق. ودعونا لا ندقق في طرافة أن قائمتهم حوت ١٠٥ روايات وليس مئة!

ورغم قناعتي الشخصية بأن القوائم هذه لا تعد مرجعاً دقيقاً للباحث الجاد، إلا أني أستأنس كثيراً بالاطلاع عليها ومشاركتها مع الأصدقاء لأنها تعطي تصوراً مبدئياً قد يفيد غير المختص.

السينما وعالم الأفلام أحد أكثر المجالات غنى في وفرة تلك القوائم التي تعتمد على الأرقام كأكثر الأفلام جنياً للمال أو حصداً للجوائز، أو القوائم التي تعتمد على التقييم الفني لعمل ما أو شخص ما. فموقع ال IMDB الشهير يتربع على قائمته لأفضل الأفلام فيلم "إصلاحية شاوشنك" يليه فيلم "العراب". بينما تصدر فيلم "المواطن كين" وفيلم "كازابلانكا" قائمة مؤسسة الأفلام الأميركية. وفي قائمة المجلة السينمائية البريطانية إمباير يتقدم فيلم "العراب" ويليه فيلم "إنديانا جونز.. ممتطو السفينة الضائعة".

لكن يبدو أن الأمر يختلف عندنا نحن العرب، فالقوائم نادرة جداً. وستحتار لو أردت معرفة ما أهم التجارب السينمائية الناطقة بالعربية. أهم المحاولات الجادة - في نظري - لخلق قائمة معتبرة فنياً هي ما قام به مهرجان دبي السينمائي الدولي عندما طلب من 475 سينمائياً ومثقفاً عربياً اختيار أفضل ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما العربية. القائمة ضمها الموقع الإلكتروني للمهرجان وتصدرها فيلم المصري شادي عبدالسلام "المومياء" أولاً، ثم "باب الحديد" للمصري يوسف شاهين، وثالثاً "وقائع سنوات الجمر" للأخضر حامينة، ورابعاً يوسف شاهين مرة أخرى وفيلمه "الأرض". وكان المركز الخامس من نصيب التونسية مفيدة التلاتلي وفيلمها "صمت القصور" يليها السوري محمد ملص وفيلم "أحلام المدينة"، الفلسطيني إيليا سليمان وفيلم "يد إلهية" جاءا بالمرتبة السابعة. الثامن والتاسع على التوالي كانا المصري "الكيت كات" لداود عبدالسيد، و"بيروت الغربية" لزياد دويري. وأخيراً الفيلم المصري "المخدوعون" لتوفيق صالح عاشراً. وضمت القائمة فيلماً سعودياً هو "وجدة" لهيفاء المنصور وحل في المرتبة الرابعة والأربعين.

الرياض السعودية في

16.04.2015

 
 

قواعد النقد العشرون

محمود عبد الشكور

(1) أول درس فى النقد هو أنه ليس مجرد مهنة، ولكنه منهج شامل للتفكير يتيح لك القدرة على التحليل و الفرز والتفكيك والمقارنة والحكم، النقد نظارة ثمينة ترى بها الأشياء أوضح وأعمق ، النقد موقف إنسانى وعام من الحياة وليس فقط من الأعمال الفنية والأدبية.

( 2) الدرس الثانى فى النقد هو أن القواعد ليست سوى وسائل مساعدة للوصول الى جوهر المعانى، القواعد علامات وليست غايات، لا تطبق القواعد تطبيقا أعمى أبدا ، تذوّق العمل ككل أولا ثم ابحث بعد ذلك عن المقادير التى صنعت هذا المذاق الرائع.

(3) الدرس الثالث: بقدر ما تتسع معارفك، ستزيد قدرتك على التذوق، النقد حصاد جهد شاق، ومعرفة ضخمة لا نستخدم منها فى الكتابة إلا النذر اليسير.

(4) الدرس الرابع هو أن القيمة والعمق تحددها حيثيات الحكم على العمل وليس الحكم نفسه، أىّ إنسان يستطيع أن يقول رأيه أو حكمه على ما يشاهده، ولكن الناقد فقط هو الذى يستطيع أن يقدم حيثيات متماسكة للتدليل على صواب هذا الحكم .

(5) الدرس الخامس فى النقد هو ضرورة ضبط العبارات والمصطلحات، لا تترك مصطلحا دون أن تحدد معناه، ولا تستخدم العبارات الفضفاضة التى لا تقول شيئا. شاهد الفيلم كما هو وليس وفقا لأحكام مسبقة، إحدى قواعد مشاهدة الأفلام أن تقلل من تأثير الفيلم الموازى الى يدور فى ذهنك اثناء مشاهدة الفيلم الأصلى، هذا الفيلم الموازى يتكون من اهتماماتنا الخاصة ومن أفكارنا المسبقة ، عدد كبير من الناس تكلمك عن الفيلم الموازى فى عقلها وليس عن الفيلم الذى شاهدته فى السينما

(6) الدرس السادس والخطير هو أن الناقد لا يشاهد الأعمال الفنية، ولا يقرأ الأعمال الأدبية من أجل مزاجه الخاص، ولكنه يفعل ذلك لكى يكون مستشارا للقارئ بشأنها، دورك فى مواجهة الردئ والقبيح لايقل أهمية عن دورك فى الإشادة بالجمال، وأنت مسؤول فقط أمام القارئ، وليس أمام المبدع أو الفنان.

(7) الدرس السابع هو أن الكتابة النقدية المتكاملة يجب أن تتضمن أربع عمليات أساسية متداخلة ومعقدة: العرض، وتحليل العناصر وتفكيكها، والمقارنة، والحكم.

(8) الدرس الثامن: النقد فى نماذجه الرفيعة هو حوار مع النص أو العمل الفنى، وحوار فى نفس الوقت مع القارئ، الناقد المبدع هو الذى يصنع نصا موازيا لما يكتب عنه، يجيب عن الأسئلة، ويصنع أسئلة أخرى تفتح أمام القارئ آفاق الرؤية المختلفة، يمنحك مفتاحا ذهبيا لكى ترى النص أو العمل الفنى من زاوية جديدة ومبتكرة، كأنه يقول لمن يقرأ بالضبط:" خُذ عينى وانظر بها".

(9) الدرس التاسع: أى مقال ملغز أو أصعب من النص أو من العمل لاعلاقة له بمفهوم النقد الذى يعنى فى جوهره الإضاءة على جوانب العمل وليس الغموض، التفكيك وليس التعقيد. أى ناقد لا تفهم نقده إما أنه لا يعرف صنعته، أو لا يفهم دورها ومغزاها، أو يريد أن يوهمك بمعرفة زائفة.

(10) الدرس العاشر: الحكم على النصوص والأعمال الفنية ليس أبديا ولا سرمديا، ولكنه ابن لحظته وحيثياته وأسبابه . قد يتغير الحكم إذا طرأ متغيّر مستقبلى يفتح آفاقا وزوايا محتلفة، ليست هناك نقطة فى آخر سطر الفن، ولا فى آخر سطر الأدب، وبالتالى ليست هناك نقطة فى آخر سطر النقد.

(11) الدرس الحادى عشر: الأعمال الفنية والأدبية العظيمة تلهم بكتابة نقدية عظيمة، والأعمال الرديئة أقصى ما تسمح به للناقد أن يكتب مقالا ساخراً جيداً.

(12) الدرس الثانى عشر: لاتنس أبدا أنك عاشق للأدب والفن قبل أن تكون ناقداً، ولا تنس أبدا أنك قارئ قبل أن تكون كاتبا.

(13) الدرس الثالث عشر: أنت تقوم بعكس ما يقوم به المبدع بالضبط، هو يخفى صنعته، وأنت تكشف أسرارها، هو يقوم بالتركيب والبناء وأنت تقوم بالتفكيك والتحليل، هو يجتهد ألا يقول، وأنت تنقب حتى عن تلك الأشياء القابعة ما بين السطور.

(14) الدرس الرابع عشر: إياك أن تكتب بمنطق الوصاية على القارئ أو المشاهد، قل حكمك وحيثياتك بهدوء، حريتك فى أن تنقد تقابلها حرية القارئ فى أن يرفض ما كتبت، احساسنا بالأشياء الجميلة معناه وجود أجهزة لاستقبالها وتذوقها بداخلنا .

وإحدى مهام النقد الأساسية مساعدة المتلقى على اكتشاف جهاز استقبال الجمال بداخله، وتزويده بالبرامج اللازمة لتشغيلها .ذائقة الناقد ليست بديلا أبدا عن ذائقة المتلقى .اثبت للقارئ أنك مرشد سياحى مميز لمعبد مجهول الأسرار، قدم براهينك ومعلوماتك وأفكارك ولا توجّه أو تُملى أو تُسفّه أو تتعالى على من تكتب لهم.

(15) الدرس الخامس عشر: أعظم نجاح يحققه أى ناقد ليس بأن يردد القراء أحكامه وحيثياته عن الأعمال الفنية والأدبية، ولكن بأن تنمو لديهم ذائقة نقدية بالتراكم، فيكتشفون بأنفسهم مجالى الحسن والإبداع فى الأعمال التى يشاهدونها. أعظم ما يحققه النقد هو إشاعة منهج جمالى يتيح للناس أن تتذوق بنفسها مستويات أعلى وأعمق للأعمال الفنية والأدبية.

16) الدرس السادس عشر: لايوجد أمتع عند الناقد الحقيقى من مشاهدة فيلم عظيم، ولا يوجد ما هو أكثر إيلاما من مشاهدة عمل ردئ، أسهل شئ أن تكتب عن عمل استمعت به، وأصعب شئ أن تكتب عن عمل عانيت فى مشاهدته خبرة مؤلمة.

(17) الدرس السابع عشر: من الممكن أن تختلف أساليب الكتابة، أو القدرة على الوصول الى القارئ، ولكن أى نقد أدبى أو فنى عليه أن يناقش سؤالين أساسيين : ماذا يقول العمل الأدبى والفنى؟ وكيف يقول؟ لايعتبر نقداً أى مقال لايحلل شكل العمل ومضمونه معا. إنهما سؤالا الفنان وسؤالا الناقد فى نفس الوقت.

(18) الدرس الثامن عشر: إذا توقف الناقد عن مشاهدة الأفلام أو عن القراءة تجمّد فى مكانه.. كل مشاهدة أو قراءة فى السينما أو فى أى مجال من المعرفة تزيد الناقد خبرة ونضجا وعمقا فى الكتابة عن الأعمال الفنية أو الأدبية .. الناقد الحقيقى لا يتوقف عن المتابعة أو التعلم.

(19) الدرس التاسع عشر: الموضوعية لا تعنى ألا يكون لك انحياز، ولكنها تعنى أن تنصف من وما يستحق الإنصاف حتى لو كان ضد انحيازاتك الخاصة، قد تكره كمشاهد نوعية معينة من الأفلام، ولكن عليك أن تعطى صناعها حقهم إذا كتبت عنهم.

(20) الدرس العشرون: قال لى أبى "اقرأ بتركيز كأن الكتاب صدر من أجلك وحدك .. واكتب باهتمام كأن ما تكتبه سيقرؤه العالم كله" ، يمكننى أن أستعير وصيته أيضا عن الأفلام :" على كل ناقد أن يشاهد الفيلم بتركيزكأنه صنع خصيصا من أجله مهما كان مستواه .. وعليه أن يكتب عنه باهتمام كأن ما سيكتبه سيقرؤه العالم كله" .. هذا ما تعنيه أمانة المشاهدة، وأمانة الكلمة والكتابة.

الـ FaceBook في

16.04.2015

 
 

ماجدة خيرالله تكتب:

هيفاء وهبى.. الصدر وحده لا يكفى!

أول فيلم قدمته نجلاء فتحي كان اسمه “أفراح”، وتم تصوير معظم مشاهده في بيروت، وسبقه حمله إعلامية ضخمة، لتدشين النجمة الجديدة التي اكتشفها المنتج رمسيس نجيب ومنحها اسم شهرتها ولقب السندريللا الجديدة، وملأت صورها أغلفه المجلات اللبنانيه قبل المصرية، لكن مش ده المهم، لأن الفيلم لم يحقق نجاحا كبيرا، في مصر، لكن في لبنان والعالم العربي، عرفنا للمرة الأولى إن فيه مطربة وممثلة لبنانية اسمها “راندا”، وزي ما تقول كده، لم تكن “راندا” مطربه بالمعني المعروف، لكنها بتقدم أغاني خفيفة شوية، وأبيحة كتير، أو زي ما تقول كده فيها إيحاءات، ومن أشهرها، أغنيه بتقول “النحل النحل يابوي قرصتي بايدي.. النحلة ياهو، وبعدين قرصتني في عينى، وفي خدي وتقعد تنزل كده كتير، والناس تصرخ كل ما النحلة تقرب من الأماكن الخطرة”، والغريب في الموضوع أنه في تلك الفترة، كانت مجلات الشبكة والموعد منتشرة جدا في مصر، وكانت تتنافس فيما بينها، على أن تكون صور الغلاف مثيرة، وطبعا كانت نجمات الغناء أو التمثيل يتبارين في وضع أحدث صورهن، وكنا نسمع كمان أنهن يدفعن مقابلا محترما للفوز بشرف أن تكون الواحدة منهن نجمة غلاف.

أما” راندا” بتاعة النحل، فكانت أول من تضع صورتها، وهي تكاد تكون عارية الصدر”فعلا”، ولها مشهد شهير في فيلم “أفراح”، وهي تحت الدوش، بدون مناسبة درامية،غير أن تظهر كما ولدتها “الحاجة”، والمدهش كمان، أن الدنيا – على ما أذكر لم تنقلب- لكن حدثت ضجة خفيفة، وراحت لحالها، نظرا لعدم وجود مواقع التواصل الاجتماعي في ذاك الوقت، لأنها لو كانت موجودة، كانت حاتشتغل لمدة شهر على هذا المقطع الثمين، مذيلا بعنوان “إلحق فضيحة راندا”، وعلى أي حال، فعند عرض فيلم “أفراح” في التليفزيون المصري في السبعينيات، تم قطع ثوان معدودة من المشهد، لكنه كان يعرض كاملا في شرائط الفيديو، عندما كانت هي وسيلتنا الوحيدة للفرجة على الأفلام!

في المجتمعات النسائيه الضيقه، كثر الحديث عن مشهد صدر “راندا”، وتبرعت واحدة من العالمات ببواطن الأمور، وكانت بمثابه طانط، وأكدت أن راندا صدرها مش طبيعى، وشهقت بقية النساء، وبعضهن ضربن على صدورهن، رغم كونهن من طبقة فوق المتوسطة، وقالت: دي عاملة عملية لتكبير صدرها، لكن هي في الأصل صدرها “لمونة”، وكان هذا أول حديث أتابعه عن عمليات تكبير أو تصغير أو شد الصدور، وأصبحت بيروت في مخيلتي عاصمة لصناعة الصدور، وكافة عمليات التجميل، وتحويل البوصة لعروسة!

لكن بعد سنوات، اكتشفت أن الدنيا أكبر كثيرا من بيروت، وأن النساء في العالم كله، والشهيرات منهن بشكل خاص، يرفضن الإستسلام لعيوب أجسادهن، أو فلنقل أن مقاييس الجمال، في هذا العصر، أصبحت لها مواصفات خاصة، تتجسد في تضاريس، جنيفر لوبيز، التي تنسى دائما صدرها بكامله خارج الفستان! أو تضاريس كيم كارديشيان صاحبة لقب “أجمل مؤخرة”، لكن علينا أن نقول إن هذه أو تلك، وضع عليهن نساء من عينه شاكيرا، وقبلها مادونا.. لسن مجرد صدور أو أرداف، لكن قيمتهن الحقيقيه تكمن في موهبه جعلت من كل منهن شخصية فنية واجتماعية ذائعة الصيت.. تقدم فنا يثير البهجة والمتعة في نفوس الملايين بالإضافة إلى أدوار اجتماعية أخرى يقمن بها!

فكرة أن المرأه مجرد جسد، وتضاريس.. فكرة مزعجة إن لم تكن مقرفة، والغريب أن المرأة نفسها، تبالغ أحياناً في الإهتمام بجسدها، باعتباره طريقها الوحيد للشهرة والثراء، متناسية أن هناك عوامل أخرى ممكن استخدامها مثل عقلها مثلا، لكن هذا إختيار نادر اللجوء إليه عند بعضهن! وأحيانا لا يستخدم إلا لتحقيق أهداف محددة!

أول مرة شفت فيها هيفاء وهبي، كانت من خلال شاشة الـ art، وكانت بتقدم لقاءات مع أبطال فوازير أبيض وأسود، اللي شارك في بطولتها محمد هنيدي وعلاء ولي الدين، والراقصة لوسي.. كانت مجرد فتاة جميلة تبحث عن دور في الحياة، وكان يبدو عليها التململ والزهق، وكأنها غير مقتنعة أن يكون دورها هو محاورة بعض النجوم، وكأنها تقول في بالها، ولماذا لا أكون أنا النجمة، التي تسقط عليها كل الأضواء، وأحقق أضعاف ما حققه هؤلاء من شهرة، وخلال عام أو اثنين، فوجئت كما فوجىء كل من كان يعرفها، بأنها تحولت بقدرة قادر من مذيعة “نص كم” إلى مطربة، رغم أنها بالقطع لا تملك الصوت الذي يؤهلها للغناء، لكن سبحان الله.. فاتت زي السكينة في الحلاوة، ودخلت الجهاز الجهنمي لصناعة الوهم، ولعبت نفس لعبة “راندا” بتاعة “النحل ياهوو”، وإن كان حظ هيفاء وهبي أكبر وأروع من حظ راندا التي اختفت في ظروف غامضة، وذلك لزيادة القنوات الفضايئة وتنافسها على إثارة اهتمام الناس، بكل الطرق المنطقية وغير المنطقية في أغلب الأحيان!

إيه بقى أسلوب راندا بتاعة “النحل ياهو”، اللي هو نفسه أسلوب هيفاء وهبي.. خليك مبتذل بقدر الإمكان.. إختاري كلمات أغاني تحمل الكثير من الإيحاءات الجنسية والمفردات الجدلية التي تثير شهية الناس للتأويل والتخيل.. زي “حوش صاحبك عني”، و”بوس الواوا”، إضافة إلى بعض التأوهات بين كل كلمة والأخرى.. ما هو آخر حاجة تهم الناس، هي بتغني تقول إيه؟

أما عن الملابس، فيفضل الإختصار والإختزال في القماش بقدر الإمكان، بحيث يتلهي المتفرج في النظر للأشياء الظاهرة، وهي كثيرة،عن اهتمامه بتقيم الصوت، وطبعا أكيد إنت فاكر زي ما أنا فاكرة، الفستان اللي ظهرت بيه في ستار أكاديمي، واحتار الناس فيما شاهدوه، عندما لفت لفتين.. بعضهم كذب ناظريه، وقال مش معقول تكون مش لابسة حاجه تحت فستانها الشفاف، وأن ما شاهدوه هو “لمؤاخذة” فعلا، وبعد الضجة التي خدت لها أسبوعين، ثم هبطت كالعادة، وتبخرت، كان لابد لها وأن تبحث عن فرصة ثانية، تثير بها شهية الناس للجدل، والدهشة والنميمة.

في أحدث كليباتها، التي تؤديها بالإنجليزية، ولا يمكن أن تتبين كلمة مما تقول، لم تكتف هيفاء وهبي بارتداء فستان عبارة عن خيوط متفرقة، لكنها ظهرت مع مجموعة من الرجال الأقرب للتيران عندما تلوح لهم بقطعة القماش الحمراء، وكل منهم يحاول أن يلمس قطعة من جسدها!

هي سعيدة بأن تتحول من امرأة إلى قطعة لحمة، وإذا كان هذا يمكن أن تقبله من واحدة مثل جنيفرلوبيز، أو شاكيرا، أو مادونا، فأي من هؤلاء تمتلك صوتا رائعا بالإضافة إلى مكونات أنوثتها، وأي من هؤلاء يمكن أن تسمعها وتستمتع بغنائها دون أن تراها، لكن هيفاء لا تضع حسابا لليوم الذي سوف يأتي قريبا، وتبقى مش طايق تشوفها، وطبعا مش حتسمعها، وعليها أن تبحث عن مصير راندا بتاعة “النحل ياهو”، وتعرف أين ذهبت، فسوف تلحق بها قريبا إلى عالم النسيان!

موقع (زائد 18) في

16.04.2015

 
 

هل كان فيلم “نوح” يستحق المنع من العرض؟!

ياسمين عادل – التقرير

قصة طوفان سيدنا نوح غنية عن التعريف؛ إذ ذُكرت في كل الكتب السماوية (قرآن، وإنجيل، وتوراة)، وكذلك بمختلف الحضارات كما في مصر والهند وبورما والصين والملايو وبابل وآشور وأستراليا ومجتمعات الهنود الحمر؛ بل ولم تخلُ منها الأساطير وعلى رأسها القصة البابلية (ملحمة جلجامش)، والقصة السومرية (قصة زيوسودرا)؛ ما يؤكد حدوث تلك القصة بالفعل دينيًا وتاريخيًا بشكل لا يُمكن تجاهله.

لذلك؛ أثار فيلم Noah  جدلًا عريضًا العام الماضي -قبل عرضه-؛ لأنه يحكي قصة النبي نوح عليه السلام، ونال هجومًا بالغًا وصل ببعض البلدان حَد رفض العرض من الأساس؛ لأنه يقوم بتجسيد أحد الأنبياء، وهو ما تراه بعض الجهات الدينية -بالتحديد الـمُسلمة- حرامًا.

وقد تنوعت ردود الأفعال حول الفيلم، غير أن أغلب الانتقادات جاءت من مؤسسات وجهات دينية لا فنية؛ ففي الوقت الذي جاء رد فِعل الأزهر الشريف قاطعًا بالمنع التام من العرض ضد رغبة الرقابة ووزارة الثقافة بسبب عدم الإجازة بتجسيد الأنبياء، اختلفت ردود الفِعل المسيحية بين جهات لم تأخذ أي موقف من الفيلم وجهات أخرى كالمسيحيين البروتوستانت الذين انزعجوا لأن الفيلم حَرَّف القصة ولم يعرضها كما جاءت بالإنجيل.

وتكاد تكون الجهات الدينية اليهودية هي الأكثر اتساقًا مع الفيلم؛ حيث عرض المخرج الحكاية إلى حد كبير وفقًا لما ورد في كتاب العهد القديم والأدب المدراشي اليهودي، وإن كان المُخرج قام بتغيير بعض التفاصيل؛ ما جعل بعض رجال الدين اليهودي يغضبون أيضًا.

لتكون المُحصلة بالنهاية: منع عرض الفيلم في كل من مصر، وقطر، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة. وقد وافقت المغرب على عرضه بعد قراراها بمنعه في البداية، أما لبنان فقامت بعرض الفيلم مع كتابة تنويه يُفيد بأن القصة تاريخية ولا تمت بصلة لقصة سيدنا نوح الموجودة بالدين الإسلامي.

فيلم Noah إنتاج 2014، إخراج (دارين أرونوفسكي Darren Aronofsky) وبطولة كل من (راسل كرو Russell Crowe، وجينيفر كونولي Jennifer Connelly، وأنطوني هوبكنز Anthony Hopkins، وإيما واتسون Emma Watson، وآخرين).

وقد تكلف الفيلم 130 مليون دولار على الرغم مما اشتهر به مخرج الفيلم من كونه يُحب العمل وفقًا لميزانيات ضئيلة؛ ليكون هذا العمل هو الأضخم إنتاجيًا في تاريخه، ليظهر بالشكل الملحمي الذي جاء عليه.

وتدور أحداث الفيلم حول نوح آخر سُلالة شيث والذي يعيش هو وأبناؤه بعيدًا عن أحفاد وتابعي توبال بن قابيل الذين أفسدوا في الأرض ونشروا القتل والدم والعنف؛ ليغضب الله ويوحي لنوح عليه السلام أنه سيُغرق الأرض بمن عليها لإبادة جنس الإنسان الذي احترف الظلم والبطش، وهنا يكتشف نوح أن دوره المُنتظر هو بناء فُلك عملاق يحمل فيه الحيوانات وأهله الخيرين المتمثلين في زوجته وأبنائه، ليبدؤوا الحياة من جديد بعد فناء كل الظَلَمَة والفاسدين.

بواسطة بذرة من الجنة يأخذها نوح من جده، يستطيع أن يزرع غابة كبيرة من الأشجار في لمح البصر بعد أن يضرب الله الينابيع في الأرض في مشهد شديد الروعة، مع مساعدة كائنات صخرية عملاقة عُرفوا باسم المُراقبين، والذين ما هم إلا ملائكة تعاطفوا مع آدم فنزلوا على الأرض معه لمساعدته على الحياة؛ فما كان من الله إلا أن غضب عليهم وحَوَّلهُم من هيئتهم الأولى كـ”نور” إلى صخور.

تمر السنوات بينما نوح وأولاده مستمرون في بناء السفينة، ومن وقت لآخر تأتي الحيوانات حشودًا من تلقاء ذاتها إلى الفُلك ليركبونه، غير أن توبال يعرف بالأمر فيأتي مع عشيرته ولكن نوح يطردهم ويرفض السماح لهم بركوب السفينة إذا ما جاء المطر ليبدأ توبال في التجهيز لكيفية القضاء على نوح والملائكة/الكائنات الصخرية إذا ما جاء الطوفان.

ومع الوقت، تظهر إشكالية الرحيل دون زوجات لحام ويافث أبناء نوح بينما سام الابن الأكبر سيحظى بزوجة، وهنا يُعلن نوح عن إصراره على عدم أخذ أي امرأة على ظهر السفينة؛ إلا صديقة ابنه؛ لأنها امرأة عاقر ما يَعني أنهم حتى بعد رحيلهم لن يلبث الجنس البشري إلا أن يفنى كمشيئة الله في معاقبتهم على ما اقترفوه من ذنوب، ولن ينجو إلا الدواب والطيور وكل ما هو ليس بإنسان.

يتسبب ذلك في خلق الضغائن بين نوح وابنه حام، ومن بعده ابنه سام حين يكتشف نوح أن زوجة ابنه حامل فيُقرر قتل أحفاده إذا ما جاءوا إناثًا، يتزامن ذلك مع الطوفان ومُحاولات توبال للنجاة وقَلب حام على أبيه ليتفاقم الصارع الداخلي والخارجي على نوح، حتى إنه يكاد أن يُجن وتتوالى الأحداث.

والآن..

قبل أن نُصدر أحكامًا على الفيلم، دعونا نتفق على أن هناك طريقين لا ثالث لهما؛ إما الحُكم على الفيلم من منظور ديني أو نَقده بشكل فني سينمائي واعتباره عملًا خياليًا رُبما استوحى القصة من بعض الوقائع؛ إلا أنه في النهاية يبقى عملًا دراميًا لا يندرج تحت مُسمى القصة الحقيقية أو السيرة الذاتية.

فإذا أخذنا الفيلم من منظور فني؛ باعتبار القصة درامية تاريخية سنجد أن الفيلم جاء حاملًا الكثير من الإيجابيات والسلبيات كأي فيلم آخر؛ إذ يبدأ الفيلم بشكل قوي لكنه لا يلبث أن يصبح مُخيبًا للآمال حين يتجاوز المُخرج الفترة الزمنية التي تَلَت مقتل والد نوح أمامه وهو طفل صغير لنُفاجأ به يصبح أبًا دون أن نعرف كيف مضت به الحياة، وهو ما كان من الممكن استغلاله دراميًا بشدة.

تتألق القصة بعد ذلك في إطار ملحمي شديد الجاذبية رُبما ما يُعيبها قليلًا هو عدم التركيز على الصراع الداخلي الذي يُعاني منه البطل على مدار الأحداث؛ إذ اكتفى المُخرج بإظهار المشاعر وليدة اللحظة دون أن يستغل للمرة الثانية المساحة العريضة التي يملكها ويمكن أن يُقدم منها مشاهد مُدهشة لا تُنسى! خاصةً وأنه يُجيد بالفِعل إبراز الصراع الداخلي للشخصيات كما اعتاد أن يفعل في أعماله الفنية الأخرى.

أما الإخراج نفسه فجاء جيدًا، رُبما كان من الممكن لبعض المشاهد أن تخرج بشكل أفضل لكن المُخرج أثبت براعته في العديد من المشاهد المُهمة، كما استطاع استغلال التكنولوجيا الحديثة والجرافيك في عرض الأحداث وتفاصيل الحكاية بشكل مُقنع إلى حد كبير ومُبهر بنفس الوقت، كالذي جاء بمشاهد دخول الحيوانات السفينة، أو تفجر ينابيع الماء ونمو الغابة، وعودة المُراقبين للسماء ولحظة عودتهم إلى صورتهم الأولية، وكذلك مشهد الطوفان العظيم سواء فيما يتعلق بالسفينة أو بغرق الفاسدين ومُحاولاتهم النجاة حتى آخر لحظة.

كما برع المخرج أيضًا في استخدام الإضاءة بشكل ساحر ورمزي في لقطات متعددة من الفيلم، خصوصًا فيما يخص سرد الحكايات القديمة مثل حكاية آدم وحواء والتفاحة، أو قابيل وهابيل وما شابه ذلك.

وقد جاء أداء طاقم العمل موفقًا ومُعبرًا؛ سواء الأبطال الرئيسيون أو الأدوار الثانوية -باستثناء دور أنطوني هوبكنز الذي كان من الممكن اقتطاعه من العمل دون أن يتأثر بغيابه- ليخرج العمل بشكل قوي وممتع سواء على مستوى الصورة أو التمثيل، وحتى الموسيقى التي كانت أحد أهم عوامل نجاح الفيلم واستطاعت التعبير عما كان يجري على الشاشة سواء بالمشاهد الدرامية أو الملحمية، حتى إنه كان من الممكن للمشاهد أن يُغمض عينيه ويستمع للموسيقى وحدها فيتوقع خط سير الأحداث.

وبنظرة ثاقبة قد يرى البعض أن أعظم ما جاء بالعمل هو القصة نفسها وما أشارت إليه -إذا تغاضينا عن الجانب الديني بالموضوع-؛ حيث استطاع المخرج تقديمها بمُعالجة ذكية تجعلها صالحة لكل العصور وعصرنا بالتحديد دون منازع، موضحًا كيف يحمل الإنسان -أي إنسان- بداخله نزعة إلى الشر كافية لإفساد الكون كله إن أطلق لها العنان مع العلم أن وجود الشر من عدمه لا يعود إلى كوْن الإنسان نفسه طيبًا أم خبيثًا؛ بل يتعلق الأمر بدواخلنا ومن يسمح لتلك النزعة أن تتمكن منه أو يتصدى لها فيُقاومها بأقصى طاقته.

لذا؛ فالاستمرار بالعنف والبَطش وسَلب الحقوق سيعود بالضرر على البشرية بأجمعها، مُفسدين وصالحين. ولعل تلك هي الرسالة الفعلية التي أراد المُخرج تقديمها للمشاهد خاصةً وأنه قد صرَّح بكونه لم يقصد بأية حال تقديم القصة بشكل ديني وإن استوحى جوهر الحكاية من القصة المعروفة؛ إذ كان حريصًا على تقديم عمل يلقى إعجاب المتدينين وغير المتدينين. وإن كانت تلك المعلومة قد لا تُغير شيئًا بالنسبة لمن يُصرون على مشاهدة الفيلم من الزاوية الدينية فقط.

فقطعًا بالنظر للفيلم من المنظور الديني؛ لا عجب ألا يتحمس له أحد؛ بل وقد يغضب الكثيرون لأن القصة جاءت مُحرَّفة بشكل كبير بالنسبة لكافة الأديان، كما إن الفيلم أظهر نوح مجرد إنسان عادي، فهو لم يدعُ أهله للإيمان بالإله الواحد، لم يُبعث برسالة لقومه، كل ما في الأمر أنه كان رجلًا صالحًا أوحى له الله فقرر نوح أن يُنفذ ما فهمه من الرسالة.

وفي سبيل تنفيذ تلك الرسالة استباح فكرة القتل وترك الأبرياء خلفه دون أن يساعدهم على النجاة؛ إيمانًا منه بأن الله يُريد فناء الجنس البشري، بينما كان حريصًا على إنقاذ كل الحيوانات والطيور ونقل بذور النباتات كما لو كانت رسالته جاءت حمايةً للبيئة والنظام الكوني على حساب بني البشر!

البعض الآخر قد يقف ضد مسألة تجسيد الأنبياء من أساسها على الرغم من أن فكرة تحريم تجسيد الأنبياء والصحابة بالأعمال الفنية مازالت -حتى الآن- اجتهادًا من الشيوخ والفقهاء دون وجود أي نص قرآني أو حديث شريف ينهَى عن ذلك بوضوح. بالإضافة لأن الأزهر الشريف نفسه لم يمنع عرض فيلم “آلام المسيح” عام 2004 رغم اعتراضات الكثير من الكنائس عليه. كما تم السماح بعرض مسلسلين عن قصة حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسيدنا موسى عليه السلام دون أن نرى الهجوم الذي شُن على فيلم نوح قبل مشاهدته!

على أية حال نتفق أو نختلف مع حظر العرض، فلن يُجدي شيئًا، فهاهو العرض قد تم منعه وعلى ذلك تم تحميل الفيلم ومشاهدته ملايين المرات من جمهور من مختلف الديانات، فنحن لم نعد في عصر مُغلق؛ بل فُتحت كل الأبواب على مصراعيها ليصبح ما من وسيلة لمنع أي إنسان عما يُريد فعله.

لذا رُبما جاء الوقت لنُواجه الأشياء بنفس طريقتها فنصنع -نحن- أفلامًا تروي القصص الصحيحة التي نرغب في توصيلها للناس، أو على أقل تقدير نُزامن عروض تلك الأفلام مع ندوات تُناقش الأشياء المغلوطة التي عُرضت على الشاشة موضحين الحقيقة.. فهل نفعل؟!

التقرير الإلكترونية في

16.04.2015

 
 

"راقص الصحراء".. والشغف بحركة الجسد

عدنان حسين أحمد

لم يُنجِز المخرج البريطاني الشاب ريتشارد ريموند قبل تحفته الفنية "راقص الصحراء" سوى فيلمين قصيرين مدة كل واحد منهما 25 دقيقة وهما: "اليوم الأول" الذي يتمحور حول رجل يعود إلى الوراء زمنياً لينقذ السيد المسيح من الصلب، و "الجسر" الذي يدور حول طبيبة نفسانية تُطرد من العمل لفشلها في منع مريض من الانتحار، كما يتوجب عليها التعامل مع رجل كبير يتطلع، هو الآخر، إلى الموت أيضاً لكنها تنقذه في خاتمة المطاف. يندرج "اليوم الأول" ضمن أفلام الخيال العلمي، فيما يُصنّف "الجسر" كفيلم إثارة. أما فيلمه الروائي الطويل الأول "راقص الصحراء" الذي حقق نجاحاً كبيراً فيمكن أن يُصنف كسيرة ذاتية، وفيلم درامي يستمد مادته الأساسية من فن الرقص والموسيقى بطبيعة الحال.

لقد استوحى الكاتب جون كروكر ثيمة الفيلم من قصة حقيقية حدثت على أرض الواقع في إيران التي تُحرِّم فيها القوانين الصارمة الرقص في الأماكن العامة وتُعاقب المُنتهكين لهذا القانون بالسجن لمدة ستة أشهر والجلد بـ 91 جلدة إذا ثَبُتَ قيام المواطن الإيراني بالرقص في مكان عام!

شرارة الثيمة

تنطلق شرارة الثيمة من ولع التلميذ أفشين "غابريل سنيور" بالرقص حيث نراه وهو يرقص أمام التلاميذ رقصة غربية يقلّد فيها حركات مايكل جاكسون التي لا يحبّذها المسؤولون من رجال الدين في إيران، بل يعتبرونها نوعاً من الغزو الثقافي الذي يشوّه حياتهم المعاصرة. ونتيجة لهذه الرقصة البريئة يدفع أفشين ثمناً باهظاً حيث يضربه المعلم ضرباً مُبرِّحاً على باطن يديه حتى يُلهبهما بحيث لا يستطيع أن يمسك بيد أمه التي تمدّها إليه في سوق المدينة. وحينما تعرف أن المعلم قد ضربه تحذِّره من شرطة الآداب الذين قد يفعلون به أسوأ بكثير مما فعله المعلِّم. وحينما يستفسر مُستغرباً عن السبب تردّ عليه: "بأنهم يقولون إن الرقص حرام. وعليك أن ترقص في مكان آمن يخلو من شرطة الآداب أو عناصر الباسيج "قوات التعبئة الشعبية التابعة للحرس الثوري الإسلامي" الذين ينتشرون في كل مرافق الدولة.

لم يكن مايكل جاكسون هو قدوة أفشين الأولى، فثمة راقصين آخرين من مختلف أرجاء العالم يمحضهم حُباً من نوع خاص، ويتابع تجاربهم الفنية في الرقص أمثال بوب فوس، بينا باوش، جين كيلي، رودولف نورييف، ميخائيل باريشنيكوف وسواهم من المبدعين الذين استقروا في وجدانه وعقله الباطن ولم يعد التخلّص منهم أمراً ممكنا.

البناء المُحكَم

يبني ريتشارد ريموند فيلمه الطويل بناءً محكماً حيث تتضح الحبكة منذ المَشاهد الأولى للفيلم حينما يلتقي أفشين بمهدي "مكرم خوري" الذي يضرب له موعداً في مركز سابا الفني الذي يختلف في جوهره عن أية مدرسة اعتيادية في إيران.  ففي هذا المركز يمكن للتلميذ أن يدرس الموسيقى والرقص والغناء والرسم والتمثيل وما شاء له من فنون ومعارف. فكل شيئ متاح تقريباً في داخل هذا المركز الفني لكن الخارج تهيمن عليه القوانين والأوامر الحكومية. فالداخل والخارج يشبهان عالمَين متوازيين يمشيان معاً لكنهما لا يلتقيان أبدا.

لم ينجُ هذا المركز من اعتداءات المتطرفين أو رجال الباسيج أو الذين يفضِّلون العيش في الأنفاق المظلمة، حيث نرى واجهات المركز وقد تلطخت بالأصباغ أو نشاهد مهدي وهو يجمع شظايا زجاج النافذة التي هشّمها المتطرفون فيتساءل الصبي البرئ عن السبب الذي يدفعهم لكراهية الفن والفنانين دون أن يلقى جواباً مقنعاً! يمضي أفشين في محاكاة الراقصين الذين أحبهم وبدأ يقلد حركاتهم ويتعلّم منها الشيئ الكثير.

لا يكتفي ريتشارد بتناول المحرّمات أو التركيز عليها فقط فهي كثيرة في ظل النظام المتزمت الذي يكتم أنفاس مواطنيه، بل يعرّج على موضوع الانتخابات الرئاسية وهي ثيمة سياسية شديدة الحسّاسية في المجتمع الإيراني وقد نجح في اختيار مرحلة مهمة جداً تعود إلى عام 2009 حينما دخل السياسي الإصلاحي مير حسين موسوي منافسة حادة مع الرئيس الإيراني السابق والمتشدد محمود أحمدي نجاد الذي فاز في الانتخابات عبر التزوير وسرقة أصوات موسوي جهاراً نهارا، خصوصاً وأن شعبية هذا الأخير كانت كبيرة فهو رسّام، ومهندس معماري، وسياسي إصلاحي معروف، لكن غريمه فرض عليه الإقامة الجبرية التي لما تزل قائمة حتى وقتنا الراهن.

تدور بعض أحداث الفيلم في الحرم الجامعي لنكتشف دور الباسيج ذكوراً وأناثاً وهم يفتشون حقائب الطلبة، ويمسحن ماكياج الطالبات ويكفي أن نشير إلى الفنان "آردي" الذي رسم فتاة حاسرة الرأس على جدار ثابت في الكانتين فاضطر إلى تشويه الصورة كي لا تبدو تشخيصية، لأن الرسم التشخيصي محرّم أيضاً ضمن قائمة الممنوعات والمحرّمات التي لا تنتهي.

الصالات السرية

وعلى الرغم من هذا التزمت الشديد للنظام الإيراني إلاّ أنّ الشباب يجدون طريقهم إلى تحقيق شغفهم الخاص سواء بالموسيقى والرقص والغناء في الصالات السريّة أو حتى بتناول المخدرات والمشروبات الروحية، فالممنوع مرغوب على الدوام، وإذا كانت هذه الممنوعات متاحة لقلّ الإقبال عليها لكونها متاحة وفي متناول أيدي الجميع.

فلا غرابة أن نرى "إيلاهه" (جسّدت الدور الفنانة الهندية  فريدو بنتو) وهي مدمنة لكنها تنتبه إلى أفشين غفاريان الذي (لعب دوره في مرحلة الشباب الفنان البريطاني رِيسي ريتشي) وهو يرقص بطريقة احترافية تشدّ الانتباه وتثير الإعجاب. وسوف يتمكن أفشين من مشاهدة العديد من الراقصين الأجانب من خلال أصدقائه الجامعيين آردي (توم كولن) وستّار (سيمون كاسيانايد) وصديقته "إيلاهه"التي سوف يحبها لاحقاً وزميلته الجامعية الأخرى  "منى" الممثلة المالطية (مارامة كورليت)، والباسيج (داوود غادامي) وسواهم من الأصدقاء الآخرين الذين يخرقون حظر الانترنت ويشاهدون ما يعنّ لهم من رقص وموسيقى وغناء وثقافة غربية يعتبرها النظام ممنوعة ومحرّمة لأنها تُفسد أرواح الشباب كما يظنون!

بينما يعتقد أفشين أنه حينما يرقص يشعر بالحرية لذلك يقترح على أصدقائه المقرّبين أن ينشئ فرقة رقص سرية فيوافقه صديقه الرسام آردي ومنى وحتى عنصر الباسيج (داوود غدامي) الذي يتواطأ معهم ويسهِّل لهم اختراق بعض مواقع الرقص الممنوعة على الانترنت.

تبدأ تدريباتهم الأولى ضمن فرقة الرقص السرية فيفاجأون بوصول إيلاهه إلى المكان، لكنها سرعان ما تطمئنهم إلى أنها سمعت بالمكان بينما كانوا هم يتناقشون في الكانتين ولم يتسرّب هذا السر إلى أناس آخرين. وحينما تشرع إيلاهه بالرقص المحترف الذي يسلب الألباب نكتشف أنها ابنة معلمة البالية الأولى في طهران قبل الثورة. فتتعمق العلاقة بين أفشين وإيلاهه لكن ما يفسد هذه العلاقة هو إدمانها الذي ذهب أبعد من حدّه وكان لزاماً على أفشين أن يعيدها إلى الحياة الطبيعية.

يلعب الباسيج وعناصر النظام الأمني دوراً سلبياً في تفاقم الأحداث، فهم يتابعون المعارضين في كل مكان سواء داخل أسوار الجامعة أم في خارجها، فلا غرابة أن يعترضوا طريق أفشين وآري وناصر (نيت موهان) ومنى ويطعنون أحدهم بالسكين لا لشيئ إلاّ لأنه مؤيد لمير حسين موسوي الذي سرقوا أصواته في الانتخابات ووضعوه قيد الإقامة الجبرية.

الرقص في أعماق الصحراء

يقترح أفشين أن يقدم عرضاً راقصاً لجمهور محدد لا يتجاوز العشرين فرداً من أصدقائه المقرّبين، شرط أن يكون المكان في عمق الصحراء الواقعة جنوب طهران بعيداً عن الباسيج وعناصر الأمن وعيونهم السرية المبثوثة في كل مكان. وما أن تلقى هذه الفكرة قبولاً عند حلقته الضيقة حتى يشرع بتوزيع الدعوات الخاصة. وعلى الرغم من الإحباط الذي سببته إيلاهه إلاّ أنها تأتي معهم لتكون أحد الأركان الثلاثة الذين سيؤدون رقصة تعبيرية شديدة التأثير خصوصاً بعد أن طمأنت أفشين بألا يولي التقنية اهتماماً كبيراً لأنها تأتي بمرور الزمن، وتتحقق بتراكم الخبرات الفنية. ثم تحثّه على أن يكتشف لغته السريّة لكنه يضع حداً للكلمات حينما يحتضنها ويتبادل معها العديد من القبلات التي تشي بأن العلاقة العاطفية قد ذهبت إلى أقصاها، ولا مجال للتراجع عن هذا الحب الذي وجد طريقه إلى قلبيهما.

بموازاة هذه العلاقة العاطفية الرصينة التي تنمو أمام أعيننا وهما يتحدثان عن الرقص في مكان آمن كما أوصتهما أمهما معاً، نسمع ستار وهو يتحدث عن الثورة الإسلامية ونجاحها الذي غيّر التاريخ الإيراني من وجهة نظره لكن الأعداء يأتون من الداخل وليس من خارج البلاد وعليهم أن يقاتلوا هذا العدو الذي يتمثل بالمناوئين للنظام والمؤيدين لمير حسين موسوي!

تذهب الفرقة السرية إلى الصحراء ويتبعها جمهورها المحدود لكن قائد مجموعة الباسيج في الجامعة يشي بهم إلى أخيه الذي يتبعهم مع بضعة أشخاص على أمل النيل من أعضاء الفرقة وإشباعهم ضرباً بالعصي والهراوات، وربما قتْل أحدهم بالسكين التي كان نصلها يلمع تحت أشعة الشمس.

لا شك في أن الشغف بالرقص هو الذي دفع هذه المجموعة المثقفة لأن تأتي إلى أعماق الصحراء النائية لتقدِّم عرضها التعبيري الراقص الذي اشترك فيه أفشين وإيلاهه إضافة إلى آردي وقد توهج الثلاثة عبر رقصهم الذي حرّر أرواحهم من أجسادهم، وقد لمسنا درجة التفاعل بين الراقصين الثلاثة والجمهور النوعي الذي قبِل بمجازفة المجئ إلى هذه المنطقة النائية بغية الإمساك باللحظات الإبداعية النادرة، التي تمنحهم جرعة قوية للصمود في بلد يقمع حريات الناس الخاصة والعامة ويمنعهم من الرقص والغناء والرسم والعزف على الآلات الموسيقية بحجة أن العازفين مفسدون في الأرض، وأن الانغماس في مشاهدة لوحة أو سماع قطعة موسيقية أو ممارسة الرقص هو نوع من الترف الذي يلهيهم عن ذكر الله.

يصل الفيلم إلى الانعطافة الأولى في حبكته حينما يفوز أحمدي نجاد في الانتخابات التي زوّرها لمصلحته الشخصية حيث يخرج المناوئون له في مظاهرة احتجاجية عارمة متسائلين فيها: "أين ذهبت أصواتنا؟" لكن الجواب يأتي على شكل عصي تنهال على أجساد المتظاهرين وفي الوقت نفسه نرى آردي مجروحاً وهو يقول بأن أخاه قد طلب منه أن يخون أعضاء الفرقة ويخبره عن مكانهم في قلب الصحراء لكنه رفض فأوسعوه ضرباً لأنه رفض الخيانة وأبى أن يطعن أصدقائه من الخلف.

استبداد الباسيج

انقضّ الباسيج والعناصر الأمنية على المتظاهرين وأشبعوهم ضرباً من دون أن يميزوا بين رجل أو امرأة، وحينما شاهد أفشين شرطياً يضرب فتاة شابة على ساقيها قرّر أن يوثق هذا العنف اللامبرر في كاميرته الشخصية، لكن عنصراً أمنياً آخر ضربه بقوة واقتاده إلى سيارة خاصة سوف تذهب بمجموعة من المتظاهرين إلى ضواحي المدينة بغية تعذيبهم أولاً ثم إعدامهم لاحقاً، وقد شاهدنا بعضهم ينهال بالضرب المبرِّح على ضحاياه. وحينما يأتي دور أفشين ويعرف الجلاد أنه راقص وفنان يأمر بمعاقبته بطريقة فنية! وقبل أن يُطلق الجلاد النار عليه يدفعه أحد المخطوفين فيوفر فرصة نادرة لهروب أفشين ونجاته من موت محقق.

وفي أثناء فترة الملاحقة يؤكد ناصر (نيت موهان) لصديقه أفشين أنه لا يريد السفر مع فرقته المسرحية إلى باريس لأنه يحب منى ولا يريد أن يتركها وحدها لذلك يقترح على أفشين أن يسافر بدلاً عنه، أي أن يسافر باسمه الشخصي طالما أن أفشين مطارد وممنوع من السفر، وهم بالنتيجة سوف يقتلونه إن قبضوا عليه. تشجعه إيلاهه على السفر على الرغم من أنها تحبه وربما لا تحتمل فراقه لكنها تتمنى له بالتأكيد حياة سعيدة. يوافق أفشين على مضض ويعرف أن اسم المسرحية التي سوف يشترك في تقديمها هي "العاصفة" لشكسبير. وفي المطار نعيش بعض لحظات الترقب التي بدت طويلة جداً خصوصاً وأن المشاهد يعرف أن أفشين يسافر باسم منتحل وهو ناصر وليس باسمه الحقيقي، لكنه يجتاز هذا الممر الصعب ويكتشف في الوقت ذاته أن هناك عنصرين أمنيين سيرافقان أعضاء الفرقة المسرحية إلى باريس. وقبل أن يبدأ العرض المسرحي يلتقي أفشين مصادفة بمهدي الذي جاء لحضور العرض وحينما يسأله عن السبب الذي دفعه لترك طهران والمجيء إلى باريس أجاب مهدي متسائلاً: "أتعرف أين ذهب نورييف حينما ترك روسي؟ فردّ عليه مسرعاً: باريس!

التحرر من عقدة الخوف

كان أفشين شارداً على خشبة المسرح غير أن مردّ شروده ليس النسيان فلقد حفظ الدور المُسند إليه جيداً لكنه بدأ يفكر في الاحتجاج وفضح القمع ومصادرة الحريات في بلده فخرج عن الدور وقال: "اسمي أفشين غفاريان، أنا مواطن إيراني، أنا راقص وحكومتنا لا تريدننا أن نكون أحراراً، وفي بلدي حتى الرقص ممنوع. أريد حقي، أريد حريتي" ليصل بالنص إلى ذروته الثانية والرئيسية
فلقد تذكر ما قالته إيلاهه ذات يوم بأن الرقص يمكن أن يكون في أية حركة أو تلويحة تقوم بها مثل رفع كفك في الهواء. وعلى هَدي هذه المقولة رفع أفشين كفه في الهواء وبدأ يجسِّد لحظات التعذيب التي تعرض لها على أيدي الباسيج والعناصر الأمنية حيث أدى بإتقان عالٍ دور الجلاد والضحية معاً، وحينما تمادى في دقة تجسيد الدور ذهب العنصران الأمنيان وأنزلا الستارة وضربا أفشين غير مرة لكنه فلت من أيديهما فسقط على أرضية المسرح خارج الستارة المُسدلة، الأمر الذي أربك الجمهور فهل كانت أصوات الضربات واللكمات خلف الستارة حقيقية أم أنها جزءاً من الدور المسرحي؟ وحينما ينهض مهدي ليكون أول المصفقين تنتقل عدوى التصفيق إلى الجميع الذين بدأوا يرفعون شارة النصر التي رفعها أفشين بينما تطوق معصمه الأيمن قماشة خضراء تشير إلى مؤازرة مير حسين موسوي ناقلاً إلينا عاصفة غضبة واحتجاجه على حكومة قمعية متخلفة لا تتقن سوى فنون التسلط والمصادرة والاستبداد.

الرؤية الإخراجية

على الرغم من أن صناعة الأفلام تعتمد غالباً على روح الفريق إلاّ أن الجهود الفردية في "راقص الصحراء" تبدو واضحة للعيان بدءاً من كاتب السيناريو المُجد "جون كروكر" الذي تألق في "امرأة في السواد: ملك الموت"، " فتيات سريعات" و "إيلينغ كوميدي"، كما بذل جهداً إبداعياً متميزاً في "راقص الصحراء" حيث عالج فيه موضوعات شديدة الأهمية مثل الحب، والحرية، والموسيقى، والرقص، والقمع، وسرقة أصوات الناخبين وما إلى ذلك مُستجيباً لما يدور في ذهن المخرج الذي يريد أن يؤسس لتجربة إخراجية لا تُشبه تجارب أقرانه على الأقل. أما الموسيقي البريطاني "بنجامين وولفيش" فقد أضفى على الفيلم فرادة من نوع خاص حينما حاور مجمل ثيماته الرئيسة بموسيقى إبداعية استطاعت أن تعمّق مسارات الفيلم الدرامية وتمنح كل فكرة على انفراد ما تستحقه من خصوصية واهتمام. وقد سبق لنا أن عرفناه كموسيقي مبدع في أفلام كثيرة نذكر منها "الهارب"، "الساعات"، "صيف في شباط" و"الحكاية الثالثة عشر".

لا شك في أن أمكنة التصوير تمنح الفيلم لمسات جمالية معينة لا تخطئها العين الفنية المدربة وعلى الرغم من أن الفيلم قد صُوِّر في المغرب، إلا أن التنويع الجغرافي قد ترك أثراً ملموساً على المتلقي الذي ينتقل من عاصمة مكتظة إلى صحراء رملية شاسعة ثم يعود إلى شوارع فسيحة وأزقة يمتزج فيها المعمار القديم بالحديث، لكن تبقى عدسة المصور الأسباني "كارلوس كاتلان" هي الأقدر على رصد اللقطات المثيرة والمشاهد التي تقوم على أبعاد بصرية شديدة التعبير. وقد تآزرت قوة الفكرة في السيناريو مع براعة المصور، وحرفية الموسيقي التي تنضاف إليها في نهاية المطاف قدرة المونتيرَين كرس جيل وسيليا هيننغ اللذين منحا الفيلم سلاسة قلّ نظيرها في العفوية والتدفق المُبهرَين. كما استطاع المخرج الشاب في باكورة أعماله الروائية أن يلفت الانتباه إليه بوصفه مخرجاً متميزاً ينبغي ألا يمرّ على المشاهدين مرور الكرام.

الجزيرة الوثائقية في

16.04.2015

 
 

بين غونتر غراس وفولكر شولندروف

زياد عبد الله

يترك للفن أن يقرع الطبول، أن يصاحب الجوقات العسكرية والحزبية، فيخترق «المارشات» ويحولها إلى «بحيرة البجع» أو موسيقى صالحة للرقص، أو أن تكون لقرع تلك الطبول دلالات بلاغية، كما لو أن الفن موسيقى تصويرية مصاحبة للأحداث المفصلية في تاريخ الشعوب، أو موسيقى سابقة لها تنبئ بما هو قادم، وكل ما هو على الأرض يقود إلى الكارثة، ولا أحد يستشعر ذلك، وصولاً إلى تورط الجميع في إنجاح تلك الكارثة.

للكلام تكملة مترامية، تتخذ من فيلم The Tin Drum «الطبل الصفيح» 1979 للمخرج الألماني فولكر شلندروف معبراً إليه، والذي لا يعيدنا إليه فقط كونه حاصد السعفة الذهبية في «كان»، واوسكار أفضل فيلم أجنبي في حينها، بل إعادة قراءة الفيلم الذي يستحق قراءات كثيرة في سياقات تاريخية على اتصال بالثابت والمتغير في التاريخ الإنساني، الأمر الذي يمتد ليصل غونتر غراس صاحب الرواية المأخوذ عنها الفيلم، وعليه فإن تتبع ذلك سيكون مبنياً على تقليب صفحات الرواية الشهيرة والمفصلية في تاريخ الأدب العالمي جنباً إلى جنب مع الفيلم الذي لا يقل شهرة عن العمل الأدبي، وكل ذلك ضمن السياقات التاريخية سابقة الذكر.

تشكل المعالجة السينمائية لعمل أدبي هوساً حقيقياً بالنسبة لكاتب هذه السطور، وهذا التنبيه الأولي ضروري حين يتعلق الأمر بالمضي قدماً مع صفحات رواية مترامية لنجدها على الشاشة في مدة لا تتجاوز الـ120 دقيقة، أو قد تتجاوزها بقليل، كما هي الحال مع «الطبل الصفيح» ذات الـ688 صفحة في ترجمتها العربية التي انجزها المترجم العراقي حسين الموزاني، وصدرت عن دار الجمل، عام ،2000 أي بعد سنة على نيل غراس جائزة نوبل للآداب، ولعل فعل القراءة سينمائياً سيكون أولاً وأخيراً فعلاً بصرياً، وليس لعدد الصفحات أن يكون على اتصال بمدة الزمن، وحين قراءة الرواية يمكن وضع اليد على المعابر البصرية التي يجترحها العمل الأدبي، والتي ستشكل مفاتيح معالجته سينمائياً، ومع روايتنا «الطبل الصفيح» يمكن البدء مع الراوي أوسكار، بطل الرواية وراويها، والذي سنقع عليه في مصح عقلي وهو يسعى لكتابة سيرة حياته، وبالتالي سيرة عائلته وكل من حوله في «دانسنغ» الألمانية البولندية، وليكون هذا السرد معبراً لتقديم سرد تاريخي لن ينفصل عنه، وهو يمضي إلى جانبه يداً بيد، ووفق منطق أوسكار نفسه، وهنا سأصنع شيئاً أتمنى أن يكون ناجحاً، ألا وهو استعادة الرواية بعيداً عن الفيلم، وعلى شكل تداعٍ حر تطغى عليه المشهدية، وبمعنى الخروج من الكتاب بما يمكن أن يلتصق في الذهن بصرياً، وبالتالي تتبع ما يمكن توقع أن يحمله فيلم شلندروف، وما يستبعده في الوقت نفسه.

أوسكار شخصية روائية لكنها سينمائية بامتياز، وهنا أول مفتاح لنجاح المعالجة السينمائية، فهو فتى توقف نموه في الثالثة من عمره، وبقي يتقدم في العمر، وجسده على ما هو عليه حين كان في الثالثة، ولعل هذا العمر مفصلي في حياته، فحين بلغ الثالثة أهدته أمه طبل الصفيح، وفي ذلك العمر وقع في القبو بين مرطبانات مربى التوت وتوقف نموه، واكتشف مع الوقت أن صراخه كفيل بكسر النوافذ والأواني وكل ما هو زجاجي. هذه الشخصية وتجسيدها كما هي أمر مطالب به الفيلم، ومع تتبع سرد أوسكار فإنه سيبدأ ذلك من مرحلة بعيدة، تحديداً عام 1899 قبل ولادته، وسلالته التي بدأت مع جدته آنا ذات الأثواب الأربعة، التي سيختبئ بها جده بينما هو مطارد من الشرطة، الجد الذي يكون مشعل حرائق، وحين يلجأ إلى آنا فإنه يتزوجها، وحينها تأتي أم أوسكار أغنيس إلى الوجود، والتي تقع في غرام يان ابن خالتها ولتتزوج من ماتسرات، لكن سيقول أوسكار إنه لا يعرف أياً منهما يكون والده، مع ميله إلى اعتبار يان الذي سيعمل سكرتيراً في البريد البولندي، بينما يدير ماتسرات والد أوسكار الشرعي الدكان الذي يملكه، مواصلاً طبخه وهو البارع في الطبخ.

ذلك هو الإطار العام للشخصيات الرئيسة، ونحن نتجاهل هنا ما يقارب خمس شخصيات رئيسة أخرى، وبعيدا عن ما سيصنعه أوسكار بطبله وصراخه، ومن ثم انضمامه إلى فرقة الأقزام، يمكن تمرير تلك اللقطات أو المشاهد التي يحملها الكتاب والتي تمثل مصائر الشخصيات الرئيسة، فأغنس أم أوسكار ستموت بطريقة عجيبة، فبعد رحلة إلى البحر برفقة أوسكار ويان وماتسرات سيخرج صياد من البحر رأس حصان سيكون مملوءاً بسمك «الحنكليس» الذي سيأخذه ماتسرات ويصنع منه الطعام، وحينها ستمضي أغنس في أكل ذلك السمك ومواصلة أكل السمك لأيام حتى تموت، وهي تعاني نوبات تأنيب ضمير مشوبة بمشاعر تدين وتوبة، بينما سيأخذ أوسكار يان إلى مكتب البريد لإصلاح طبله المثقوب، وهناك سنشهد بداية الحرب العالمية الثانية، وسيتورط يان مع زملائه المدافعين عن مبنى البريد، وليعدم بعد اقتحام النازيين، هو المسالم الذي لم يقبل في اختبارات الجيش، بينما يكون مصير ماتسرات على يد السوفييت وهم يدخلون ألمانيا، حين يعطيه أوسكار شعار النازية الذي يكون ماتسرات قد تخلص منه قبل دقيقة من اقتحام السوفييت بيته، وحين يضعه أوسكار في يديه يقوم ماتسرات بابتلاعه، ويختنق بشعار حزبه، حسب تعبير أوسكار، ويطلق عليه الجندي الروسي النار.

ما تقدم عبور سريع لما يتبادر إلى الذهن، وعليه في الوقت نفسه أن يطفو على سطح الشاشة، الأمر الذي لن يكون هناك من محيد عنه، ومع تأكيد ذلك يمسي دخول الفيلم فعلاً على شيء من عبور ضفة القلم إلى ضفة الكاميرا، ولنكون حيال فيلم له أن يكون نموذجياً للتعامل مع عمل أدبي كبير وعميق، لا بل إن البحث عن توصيفات للرواية سيضعنا أمام كل ما يلي، أي ان الرواية فانتازية وتاريخية، لا بل ساخرة ومؤلمة وسريالية وواقعية وتوثيقية، وصولاً إلى اعتبارها تجديفية و«بورنوغرافية»، والمجاز حمّال دلالات تاريخية فاقعة، وفعل التطبيل ليس إلى فعل احتجاج أوسكار أمام ما يشهده، وهو يتوقف عن التطبيل في الفيلم مع سقوط النازية، لا بل إنه يواصل النمو مع سقوطها أيضاً، وإن كان الأمر لا يتعدى بضعة سنتيمترات، ومع اجتماع كل هذه الصفات في عمل واحد، سنكون أمام فيلم له أن يحمل كل تلك الصفات أيضاً، ولعل الحلول البصرية التي حملها العمل الأدبي ستكون جميعها حاضرة بقوة، بدءاً من ديفيد بنت الذي جسّد شخصية أوسكار، مروراً بكل شخصية، وصولاً إلى السرد السينمائي الذي يمضي في عوالم مصاغة في وفاء تام لروح العمل الفني، وبالتالي فإن الفيلم أيضاً هو أهم فيلم عن ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما وصفت الرواية.

إن الأفق الملحمي للفيلم مثله مثل ألبوم الصور الذي يوصف كذلك في الرواية، بحيث يمكن للكتاب أن يتحول إلى ألبوم صور وهو طيع لذلك، وحين تتحرك هذه الصور في الفضاء السينمائي الذي صاغه شلندروف، فإنه يضعنا مباشرة في جماليات بصرية خاصة، يبدأ التطبيل والصراخ فيه مع مجيء هتلر ويتوقف مع موته، هتلر الأشبه بـ«كاليغاري» في فيلم «مقصورة الدكتور كاليغاري» الذي نوّم الشعب الألماني كما فعل بسيزار.

ذاكرة السينما: فيلم غاندي

عرض: كمال لطيف سالم

تمثيل: بين كينجسلي، مارتن شيز

إخراج: ريتشارد دانتينورو

قصة كتبها لويس فيشرو عن حياة غاندي الزعيم الهندي الأسطوري ولكي يحقق المخرج انتيسنورو حلمه بإخراج فيلم عن غاندي رفض خلال سنوات التنازل عن أربعين دوراً مختلفاً اضافة إلى ما يزيد على اخراج 15 فيلماً، كما انه رهن منزله واضاف عوائد فيلمه (جسر الى البعيد) الذي أخرجه وقدمه عام 1977. ولأجل الإحاطة بهذه الشخصية قام باثنتي عشرة زيارة للهند بغية دراسة غاندي الذي يمثل اعظم شخصية في الهند خلال القرن العشرين وعندما بدأ العمل استغرق التصوير ستة أشهر في الهند واسبوعين في انكلترا وهو يعد من الافلام البريطانية التي بلغت كلفته عشرة ملايين جنيه استرليني.

ومن الأحداث العظيمة التي يظهرها الفيلم مذبحة ارمسيتار التي وقعت في 1919 عندما اصدر الجنرال البريطاني داير الذي يمثل دوره - أدوارد فوكس- أوامره لقواته بفتح النيران على 15 الفاً من المشتركين في مظاهرة سلمية وقد أسفرت المحاولة عن مصرع 379 هندياً.

والفيلم هو قصة رجل السلام رجل اللاعنف غاندي وتظهر لقطات واحداث الفيلم مشاهد لحياة غاندي الخاصة حيث يتم زواجه في معتكف ديني كان يمارس فيه عمله غزل القطن والتأمل في حياة ووضع مريديه.

وشخصية غاندي مثـَّلها – بين كتنجسبيس- وهو نصف هندي بحكم مولده ولم يسبق له أن زار الهند غير أن دوره جعله يندمج في المناخ الهندي وزيارة الاماكن التي عاش غاندي فيها، كما أخذ يقوم بتمارين (اليوغا) على شكل جلسات تمتد لساعتين يومياً كما تعلم غزل القطن، ويعد هذا الفيلم عمله الكبير الاول فقد تحول من ممثل مسرحي الى نجم بارز في السينما وهو في السابعة والثلاثين من عمره وقد علـَّق على دوره في الفيلم: لأن قدّر لي إلا أقوم بعمل آخر فان ذلك لن يكون مهماً بالنسبة لي لسوف أكتفي بزراعة الخضر في حديقتي وقد وجد اولئك الذين شهدوا التصوير ان تطابقه مع غاندي معجز حقاً.

وقد بدأت تصوير – غاندي- مع البرق اللامع المنبعث من اصطدام حوافر الجياد بالصخور والتماع السيوف في الشمس وهجوم الشرطة الخيالة على الجماهير في مشهد يرقد فيه انصار غاندي في تحدٍ سلمي للسلطة.

اما الممثل مارتن شين الذي قام بدور الصحفي الاميركي فقد علق على مشاركته في الفيلم انه لن يظهر مرة اخرى في فيلم من افلام الحرب من نوعية القيامة الآن او اي فيلم يكرس للعنف.

فلم يكن من قبل المصادفة ان يصادف تشييع غاندي في 31 يناير/كانون الثاني يوم تصوير تشييعه 1974 وهي الذكرى الثالثة والثلاثون لاغتيال غاندي وكانت عمليات اكمال الفيلم عبر جزئيات المشهد الذي عمّق الحدث الفعلي تمثال جورج الخامس وراء بوابة الهند مباشرة وقد أُزيل بعد الاستقلال كانت مشاهدة الفيلم قول غاندي:

يدهشني دائماً أن أُناساً يشعرون بالفخر لإذلالهم لإخوة لهم في الإنسانية.

المدى العراقية في

16.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)