كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

برناردو برتولوتشي المدهش أبدا

العرب/ أمير العمري

 

مرض العضال الذي أصاب العمود الفقري للمخرج السينمائي الإيطالي وأقعده عن الحركة لم يحل بينه وبين العودة إلى إخراج فيلمه الأحدث 'أنت وأنا'.

من يصدق أن المخرج السينمائي الإيطالي برناردو برتولوتشي الذي يعتبر أحد أكبر “شباب” سينما التمرد على القوالب والأنماط القديمة، الثائر على الماركسية، والمتمرد على تقاليد الواقعية، قد أوشك على أن يتم عامه الرابع والسبعين.

برتولوتشي الذي أقام الدنيا كلها ولم يقعدها عندما ظهر إلى النور فيلمه “التانجو الأخير في باريس” Last Tango in Paris عام 1972، أصبح اليوم كهلا حكيما، عاجزا عن الحركة، يجلس على مقعد متحرك، بعدما حل به من مرض عضال أصاب عموده الفقري، فأقعده عن الحركة، وإن يحول بينه وبين العودة إلى الإخراج السينمائي، فقد أخرج فيلمه الأحدث وهو “أنت وأنا "You and Me من فوق مقعده المتحرك.

في هذا الفيلم كل العلامات المميزة لسينما برتولوتشي: القلق والتمرد والغضب والخروج على المألوف، والاستخدام المميز للصورة، وشغف برتولوتشي بالأجيال الجديدة من الشباب، ومحاولة فهمهم، دون فرض أي نوع من الوصاية عليهم.

بعد عرض “التانجو الأخير في باريس” في مهرجان نيويورك السينمائي عام 1972 كتبت بولين كيل، الناقدة الأمريكية الأكثر شهرة وتأثيرا حتى وفاتها عام 2001، تقول: “يجب أن يحفر هذا التاريخ في ذاكرة السينما”، وقارنت كيل بين عرض الفيلم، وبين افتتاح باليه “حفلالربيع” لسترافنسكي في نيويورك الذي أعتبر أحد أهم أحداث القرن العشرين الفنية، ووصفت فيلم برتولوتشي بأنه “أكثر الأفلام الإيروتيكية قوة”.

معهد الفيلم الأمريكي احتفل بالعرض العالمي الأول لفيلم برتولوتشي الشهير “الإمبراطور الأخير” The Last Emperor(1987) في نسخة ثلاثية الأبعاد 3-D. وبعد ذلك مباشرة، تمكن المخرج الايطالي الكبير من قهر الإعاقة فتشبث برواية صديقه نيكولو أمانيتي”أنت وأنا” You and Me وقام بتحويلها الى فيلم سينمائي يعتمد على شخصيتين فقط: الصبي الذي يهجر بيت أسرته ويقيم في شقة مهجورة تحت الأرض، وحيدا معزولا عن العالم، وشقيقته التي تتردد في اقتحام خصوصيته في البداية، ثم تتجرأ وتلحق به، مع كل ما يتداعى من هذه القصة من تطورات تكشف اهتمام برتولوتشي القديم بموضوع تمرد الشباب ورفضهم للواقع.

برتولوتشي لم يكن أصلا يود أن يصبح سينمائيا، بل كان يتطلع إلى أن يصبح شاعرا مثل والده، لكن المخرج والشاعرالإيطالي بيير باولو بازوليني الذي كان صديقا لوالده، عرض عليه العمل مساعدا له في أول أفلامه

يقول برتولوتشي عن هذه التجربة “لم أكن لأبدأ التصوير إن لم أقع في غرام الشخصيتين”. الصبي والفتاة (شقيقته) يغرقان في المخدرات، يكومان الأطعمة داخل المنزل، يرفضان المغادرة ومواجهة العالم الخارجي، إنه نوع من التمرد الذي يقود عمليا الى الانتحار، لكن برتولوتشي ينجو بالفتاة، يجعلها تظل على قيد الحياة في النهاية، على العكس مما جاء في الرواية الأصلية.

ويتشابه الفيلم مع فيلم برتولوتشي ذائع الصيت “القمر” La Luna(1979) الذي منع من العرض في بلدان كثيرة، فهنا أيضا نرى ملامح نزعة أوديبية لدى الصبي الذي يسأل أمه على مائدة الطعام سؤالا افتراضيا مقلقا: ماذا يمكن أن يحدث إذا ما أصبحنا، أنت وانا، الناجين الوحيدين في العالم، كيف يمكننا أن نعيد إعمار العالم بالبشر؟

برتولوتشي لم يكن أصلا يود أن يصبح سينمائيا، بل كان يتطلع إلى أن يصبح شاعرا مثل والده، لكن المخرج والشاعر الإيطالي بيير باولو بازوليني الذي كان صديقا لوالده، عرض عليه العمل مساعدا له في أول أفلامه، فيلم “أكاتوني” عام 1961.

أما برتولوتشي فقد أصبح مخرجا في عام 1962 عندما قدم فيلم “جامع الثمار”. وبعده أخرج حتى يومنا هذا 24 فيلما. وهو نموذج للسينمائي الذي يسيطر على أفلامه سيطرة كاملة من البداية، أي من الفكرة ثم السيناريو فالإخراج، وهو بالتالي نموذج للمخرج- المؤلف، أي صاحب الرؤية الخاصة، التي يعبر عنها من فيلم إلى آخر. ولكن أفضل وسيلة لفهم “سينما برتولوتشي” هي مشاهدة أفلامه، وليس التوقف أمام علاقته بالسياسة، أو أمام سيرته الذاتية، تطبيقا لمقولة ميشيل فوكو: “إن المؤلف ليس سوى أداة لخدمة عمله الفني، وليس هدفا في حد ذاته”.

في الخامسة والسبعين من عمره لا يزال برتولوتشي قادرا على العطاء حتى بعد أن أصبح مقعدا

تأثير جودار

كانت الهزة الكبرى الأولى التي حدثت في عالم السينما وغيرت الكثير من الأفكار والمفاهيم والجماليات هي ظهور “الواقعية الجديدة” في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت الهزة الكبرى الثانية بعد ذلك بنحو خمسة عشر عاما مع ظهور “جون لوك جودار” في فرنسا.

فقد ترك جودار تأثيرا لاشك فيه على الكثير من مخرجي السينما في الستينيات، من بازوليني وفاسبندر إلى بونويل وبريسون، لكن برتولوتشي يعتبر أحد تلاميذ جودار المخلصين، والعلاقة بينهما – أو بالأحرى بين أفلامهما- أقرب ما تكون إلى علاقة حب وكراهية في آن. وفي مقال نشره في عدد يناير1967 من مجلة “كاييه دو سينما” (كراسات السينما) الفرنسية، أعرب برتولوتشي عن إعجابه الكبير بجودار وأفلامه، وبقدرته الهائلة على تكسير اللغة والابتكار في الأسلوب وشكلالسرد، وكان المقال يعكس على نحو ما، شعورا بـ “الغيرة” من جودار وجرأته السينمائية.

وإذا كان تأثر برتولوتشي بأستاذه بازوليني قد تبدى في أول أفلامه “جامع الفاكهة”، فقد ظهر تأثره الكبير بسينما جودار فيما بعد، في معظم أفلامه قبل “الامبراطور الأخير” تحديدا.فبرتولوتشي يبدو قريبا من التعبير الذاتي، أي أنه يستخدم الكاميرا لكي يعكس رؤيته الشخصية للواقع، للعلاقات بين الأشخاص، للأحاسيس الدفينة، للمشاعر والأفكار التي يصعب تجسيدها بالصورة. وهو مثل جودار، يستخدم الانتقال السريع (عن طريق القطع)، كما يتلاعب بعنصري الزمان والمكان، ولكنه يبدو وكأنه يستخدم أساليب جودار على نحو يتعارض مع مفهوم جودار نفسه لها، رغبة في تجاوزه.

وفي فيلمه الثاني “قبل الثورة” (1964) تتضح المكونات الفكرية عند برتولوتشي، فهو يحاول المزج بين الفرويدية والماركسية، وهي محاولة ستتضح أكثر في أفلامه التالية وتظل تؤرقه طويلا حتى فيلم “بوذا الصغير” (1993). إنها ببساطة فكرة البحث الذاتي عن السعادة الشخصية، سعادة الفرد وليس ذوبانه في المجموع، ولكن دون أن يتعارض هذا مع بحثه عن السعادة للآخرين أيضا.

وهو موقف يعبر عن شعور بالحيرة، بنوع من الاغتراب عن المذهبية العقائدية- الماركسية- وطروحاتها الفكرية فيما بعد الحرب العالمية الثانية.هنا يصبح الأسلوب السينمائي عند برتولوتشي، حقيقة أخلاقية، وحقيقة سياسية في آن. وهو لا يفصل بينهما رغم إدراكه بأن الشكل سياسي بالضرورة، وايديولوجي بحكم طبيعته.

"التاتغو الأخير في باريس" أقام الدنيا وقت ظهوره ولم يقعدها بسبب جرأته

في هذا الفيلم نرى “فابريزيو” مع أستاذه ومعلمه “سيزار”، والاثنان يشاركان في احتفال للحزب الشيوعي. ولكن فابريزيو يشعر باليأس من قدرته على اعتناق الأيديولوجية الماركسية رغم قناعته بصحتها، فالأحداث التي تحيط به تساهم في عزلته، وتحصره في لحظة عاطفية، وتكرس إحساسه بعجز الأيديولوجيا عن حل مشاكله الشخصية.

وفي “التانجو الأخيرة في باريس” يسعى بول (مارلون براندو) إلى خلق عالمه الخاص المعزول تماما عن العالم الخارجي من خلال الإغراق في الجنس، وهو ينكر هويته الاجتماعية، كما يرفض الانتساب العائلي برفضه الأسماء، ويتعامل فقط من خلال الواقع الرمزي المجرد: الأنا والآخر، ويتطلع الى تحديد شكل العلاقة بين الدولة والبطريرك – الأب والعائلة والفرد. وموته في النهاية ما هو سوى تتويج لمحاولته الدائمة الانتحار عن طريق الافراط في الجنس.

روح الأوبرا

يقترب برتولوتشي في “التانجو الأخير” من روح الأوبرا، فالخط الدرامي الروائي يتم توظيفه لخدمة الموسيقى والدفع بها الى الأمام، تماما كما في الأوبرا. وفضلا عن ذلك يمتليء الفيلم بمشاهد تشبه الألحان الثنائية في الأوبرا التي يؤديها شخصان كما في مشهد الحوار بين بول وجيني، وبول وأم زوجته، ويعتبر مونولوج بول أمام جثة زوجته، من أعظم “الألحان” في السينما المعاصرة.

ويبدو تأثر بروتولوتشي بالفن التشكيلي واضحا في هذا الفيلم المحوري من بين أفلامه، فعناوين الفيلم تظهر في البداية على لوحتي “بورتريه” للفنان التشكيلي الإنجليزي الشهير فرنسيس بيكون: الأولى لرجل يرتدي ملابس داخلية بيضاء يرقد على سرير صغير أحمر، وفي الخلفية جدار أصفر بينما الأرضية خضراء. والثانية لامرأة ترتدي سترة بيضاء وتنورة بنية اللون، تجلس على مقعد خشبي وقد عقدت ذراعيها وساقيها، في حجرة ذات جدران سوداء وأرضية قرمزية، مع صورة مظللة لفأر في أسفل مقدمة اللوحة.

وأثناء نزول عناوين الفيلم (التترات) نرى اللوحتين، واحدة تلو أخرى، ثم جنبا الى جنب في “كتالوج” لمعرض الفنان فرنسيس بيكون في باريس قبل بدء تصوير الفيلم مباشرة، وقد زار المعرض برتولوتشي بصحبة مدير تصويره فيتوريو ستورارو، وأيضا الممثل مارلون براندو.

وترمز اللوحتان إلى الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم: بول وجيني، وتساهمان في التمهيد للأسلوب البصري والبعد النفساني في الفيلم.

ويبدو تأثير بيكون على برتولوتشي واضحا لدرجة أن برتولوتشي يسعى أحيانا الى محاكاة تكوينات بيكون، فبعد مشهد ممارسة بول الجنس مع جيني بشكل عنيف، هناك لقطات صامتة لبول وهو يرقد على أرضية الغرفة في أوضاع مختلفة (فوتومونتاج) تتقاطع مع لقطات لمحطة مترو في باريس. في اللقطة الأولى تدلف الكاميرا من خلال ممر الى أن تصل الى الباب، فنرى بول راقدا على الأرض على جانبه وذراعه الأيمن ممدد، وفي الخلفية نلمح شيئا أبيض ملتفا نراه في معظم اللقطات داخل الشقة الخالية.

أما اللقطة الثانية فهي أكثر اقترابا من بول الذي نراه راقدا على ظهره متقاطع الساقين، وبقايا الزبد ملقاة بالقرب منه على اليسار. وفي اللقطة النهائية من المشهد، نرى بول عن قرب راقدا على جانبه، وتبدو أوضاع الجسد داخل الكادر وجدران الغرفة والعلاقة بينها مشابهة لأسلوب فرنسيس بيكون.

ويحاول برتولوتشي أيضا إعادة خلق عالم بيكون من خلال التكوين، واستخدام الألوان وأوضاع الكتل داخل الكادر، ويحاول أن يستوحي بعض التشويهات الجمالية لأشكال بيكون عندما يستخدم المرايا والزجاج: الجسد الانساني الذي يبدو في كتلة تنضح بالألم عديمة الملامح. إنه يقترب من خلق معادل سينمائي للشكل والمضمون في أعمال بيكون: الألم السيكو- جنسي للوجود، والانفصال التام الذي ينتج عن ذلك الألم.

إن “التانجو الأخير” هو إبن شرعي للثقافة الأوروبية المعاصرة، ثقافة البحث القلق عن معنى الوجود.. عن التحقق والبحث عن السعادة ومحاولة اختراق الكآبة من خلال اللذة، مع طغيان النزعة العدمية لحظة البحث عن النجاة.

العرب اللندنية في

12.04.2015

 
 

سينما 2015

تقدمها: خيرية البشلاوى

جاك فلانتي مبتدع قواعد تصنيف عرض الأفلام Rating

من هو جاك فلانتي "1929 ـ 2007" ولماذا سيرته الآن؟

ببساطة لأنه الرجل الذي ابتدع مسألة التصنيف الخاص بالانتاج السينمائي "Rating" والذي وضع قواعد لتقسيم الأفلام السينمائية حسب المرحلة العمرية لجمهور السينما وهو الرجل الذي طالب بأن يتولي أصحاب السينما بأنفسهم تنظيم الإنتاج السينمائي وأن يتولوا تنفيذ القواعد الخاصة بهذا التقسيم من دون تدخل كلاب حراسة الحكومة.

إنه أيضا الرجل الذي ترأس "جمعية السينمائيين الأمريكية "Mpaa" التي تضم الشركات الستة الكبار الذين يتحكمون في مقدرات السينما انتاجاً وتوزيعاً واستمر رئيساً لها 38 سنة.

ثم هو من اختار من يتولاها بعد تقاعد في عام 2004 ولكن الأهم من هذا كله أن الرقابة علي المصنفات الفنية المنوط بها رقابة الأفلام هنا في مصر. تفكر في الاعتماد علي طريقة جاك فلانتي المعروفة "Rating" علي أنها تلزم صناع السينما دون غيرهم بمسئولية التصنيف وتطبيق القواعد دون تدخل الحكومة أو مكاتب الرقابة في الولايات الأمريكية.

وفي هذا المقال أحاول أن ألقي الضوء علي شخصية جاك فلانتي حتي يدرك القارئ قيمته الفعلية. فهو عمل مقاتلاً في السلاح الجوي الأمريكي. وعمل في مجال السياسة وكان مقربا من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون وصديق لعدد من أعضاء الكونجرس. بالإضافة إلي كونه إعلامياً وهناك عشرات المقالات والتحليلات الخاصة بحياته ودوره ولكنني اعتدت أكثر علي دراسة مجلة "تايمر" "Time" الأمريكية التي نشرت عنه مباشرة بمناسبة وفاته "2004".

كذلك أردت أن الفت النظر إلي دوره وأثره القوي علي هوليود وصناعة الفيلم التي تحقق مئات المليارات. ثم الظروف التي تختلف جذرياً عن ظروف السينما هنا في مصر والتي لا يمكن مقارنتها اجتماعياً وبيئيا وثقافيا ناهيك عن اختلاف الجمهور هناك وهنا. والمشوار الكبير الذي قطعته "الرقابة" في أمريكا والظروف التي خلخلت قوانينها ومنها قوانين الحريات المدنية واباحة المثلية الجنسية وأشياء أخري ليس هنا مجالها.

والأهم أن مسألة التصنيف في أمريكا تستبعد بالكامل أي دور للحكومة.. بينا "الرقابة" هنا هيئة حكومية بيروقراطية "رجعية" بحكم الممنوعات والمحظورات الكثيرة المكتوبة وغير المكتوبة.. وأي "استنساخ" يعني استهبال أو تقليدا أعمي.

مرحلة جديدة.. تسحق مافات"

في عام 1966 عندما تولي جاك فلانتي رئاسة جمعية السينمائيين الأمريكية واختصارها بالحروف الاولي "Mpaa" "موشن بكتشر اسوشيشن اوف امريكا" والتي تضم الاستودويوهات الكبري في هوليود. كان "نظام الاستوديو" مازال قائماً وقوياً. ورواد السينما الكبار مثل جاك وانر وداريل زانوك مازالوا يدبرون بأنفسهم الشركات التي أسسوها.. وكان النجوم الكبار من أمثال كاري جرانت وبيتي دافيز وجوان كروفورد وشارلي شابلن مستمرين في عمل الأفلام.. وكان ممثلون بحجم جيري لويس ودوريس داي والفيس بريسلي يلعبون بطولة فيلمين في السنة.

وكان الدخل الذي تحققه الصناعة معتمدا فقط علي إيرادات الشباك وعروض الأفلام في القنوات التلفزيونية. ولم تكن أجهزة الكمبيوتر موجودة في المنازل ولاشبكات الكابلات ولا نوادي الفيديو ولا الأسطوانات المدمجة "DVD" ولم تكن حوارات الأفلام تتضمن الفاظا جنسية صريحة ولا الأجساد الآدمية تعرض عارية بالكامل وكان العديد من الأفلام مازالت تصور بالأبيض والأسود.

وجاك فلانتي الذي مات "2007" عن عمر يناهز 85 سنة يعتبر الهدية الطيبة المناسبة لهذه الفترة القديمة في صناعة السينما.

فهذا الصبي العنيد الذي اشتغل وعمره 14 سنة كعامل يدل المتفرج علي مكان جلوسه في صالة سينما "إيريس" بلاسير".. والحاصل علي الماجستير من جامعة هارفارد. والطيار الحربي المقاتل الذي حقق 51 طلعة جوية أثناء الحرب العالمية الثانية. والسياسي الذي خاض غمار الأحداث وكان مقرباً جداً من ليندون جونسون قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. ونائب رئيس البعثة الصحفية التي رافقته في رحلته إلي دالاس في نوفمبر 1963م وجلس إلي جواره في رحلة العودة إلي واشنطن عندما أصبح جونسون رئيساً.

وفي مايو 1966 انتقل "جاك" من السياسة إلي السينما. من رفيق ليندون جونسون إلي "جمعية السينمائيين الأمريكية" "MPAA".

وصل إلي رئاسة هذه "الجمعية" وكل شيء في السينما علي وشك التغيير.. ولكن "فلانتي" كرجل يجلس علي قمة "اللولبي" المتحكم في صناعة السينما اجتهد أن تبقي السينما تحت سيطرة صناعها من دون اي تدخل رقابي من قبيل الحكومة الفيدرالية ولا مكاتب الرقابة التي انتشرت في الولايات الأمريكية.. واستخدم أصدقاءه وعلاقاته في واشنطن لابقاء هوليود والسينما الوطنية بعيدة عن رقابة الحكومة وباعتبارها الجهة من جهات قليلة لا تطلب دعما مباشراً لانتاج الأفلام.

وكان شعاره "دعوا الثعلب يحرس حجره" لا نريد كلاب حراسة من قبل الحكومة وفي عام 1968 اتخذ إجراءات أكثر جسارة. ومنذ أن وصل إلي هوليود بدأت الشاشة السينمائية تتحرر. فبعد أن كانت الأفلام أسيرة موضوعات موجهة للمراهقين اتجه إلي الموضوعات الموجهة للبالغين والمثيرة للجدل. وفتح الباب أمام مشاهد العري والعنف والكلمة القبيحة الممنوعة ذات الحروف اللاتينية الأربعة.

وتزعم حملة للتصدي للنزعة التطهرية التي استدعت في مرحلة سابقة قانون هايز في الثلاثينات والذي فتح الباب أمام تدخل الكنيسة الكاثوليكية لمواجهة الانقلاب الأخلاقي وقد استمر هذا القانون ساريا حتي عام 1966 وحل محله التصنيف العمري "Rating" الذي إتبعه جاك فلانتي والذي يحدد القواعد "وليست القوانين" الذي تقسم الأفلام حسب المرحلة العمرية للمتفرج كالتالي:

قسم للعرض العام علي جميع الاعمار. وقسم للعرض تحت اشراف الآباء. وآخر محظور "للكبار فقط". ومع هذا التقسيم يظل المخرج حرا تماما في أن يصنع ماشاء في فيلمه بحيث يخصع عمله لهذا التصنيف.

وبعد سنوات من خروج هذا التقسيم ظهرت أفلام مثل "الفك المفترس" و"حرب الكواكب" التي حققت نجاحاً تجاريا كاسحاً علما بأنها تخلو من "الاباحة" اللفظية ومن العنف والجنس والعري.. ومن ثم قدمت درساً عملياً يؤكد أن سوق المراهقين أكثر نجاحا وأن جمهور هذه الأفلام يمثل ركنا كبيراً جدا يمكن الاعتماد عليه فهي أفلام مثل الحواديت الخرافية "Fainy taleds" ورغم أن هذه النوعية من الأفلام ليست المفضلة بالنسبة لـ "جاك فلانتي" ويفضل عليها أفلام مثل "رجل لكل العصور".. إلا أنها داعمة للصناعة جداً.

لقد حاول فلانتي بكل قوتة أن يتصدي لاجهزة تسجيل الفيديو كاسيت كعدو مدمر لصناعة السينما ثم لاحقا اكتشف انها تدر أموالاً طائلة تدعم الصناعة وتشكل سوقاً عملاقه لها. وحارب بنفس القدر محطات البث بالكابلات واعتبرها طفيلية ثم أصبحت تدر بلايين الدورلات.

ويعتبر المخرج اوتو برمتجر أول من تحدي قانون الرقابة باصراره علي عرض فيلمه "القمر أزرق The moon is bluel" في عام 1953 وهو أول عمل تذكر فيه كلمات "عذراء" و"اغتصاب" و"عشيقه" وقد عرضه بدون تصريح الرقابة وبعدها اخرج فيلم الرجل ذو الذراع الذهبي "1955" الذي يتناول موضوع المخدرات الممنوع رقابياً. ثم فيلم تشريح الجريمة "Anabmy ay crime" عن "الاغتصاب" وكلها موضوعات تشكل تحديا لقانون الرقابة مما خفف القبضه تدريجيا للرقابة علي الأفلام.

ومع أفلام مثل البعض يفضلوها ساخنة للمخرج بيللي وايلدر "1958" وفيلم هتشكوك "سايكو" "1960" والاثنان عرضا بدون تصريح. والنجاح التجاري الكبير الذي تحقق من ورائها أغري الآخرون بخلخلة القانون.

ولكن مسألة الرقابة تختلف من بلد لبلد بل وتختلف من البلد الواحد من مرحلة زمنية لاخري مع تغيير السياسات واختلاف المواقف الاخلاقية.

في الصين حالت الرقابة دون عرض فيلم "بن هور" لاسباب متعلقة بالعقيدة. كما رفضت الفيلم الصيني "الطيارة الورقية الزرقاء" الحائز علي جائزة مهرجان كان وجائزة مهرجان طوكيو السينمائي الدولي.. أيضا فيلم "وداعا عشيقتي" الصيني رفضته بلاده أيضا رغم جوائز كان.

ووقفت الرقابة الفرنسية أمام عرض "المدرسة بوتسمكين" خوفا من عدوي الثورة. وفي بداية السبعينات لقد حصلت تعديلات علي التصنيف "X" إكس" الذي فتح الباب علي مصراعيه لافلام الاثارة الجنسية "البورنو" حيث امتنعت الاستوديوهات عن توزيعها وأصبح العقد بين صانع الفيلم والشركة المنتجة يلزم الأول أن ينزل بتصنيف الفيلم من X "إكس" إلي "R" أي للكبار فقط.

الحرية من دون مسئولية مجتمعية فوضي. والحرية بالنسبة للجاهل تعني السلاح في يد مجنون. والرقابة في أمريكا ليست مثلها في اماكن اخري من العالم. وقوائم المنع طويلة جدا وفي جميع البلاد حتي عام 2015.. وما يصلح هناك لا يصلح هنا بالضرورة.

رنات
"
الرقص الشرقي" وآفة النفاق

بقلم: خيرية البشلاوى

في العشرة الأخيرة "1890" من القرن التاسع عشر قدم توماس اديسون "1847 ـ 1931" المخترع الأمريكي "الفوتوجراف ـ وكاميرا الصور المتحركة" عددا من الشرائط المصورة حول الرقص الشرقي "رقص البطن" تتضمن راقصات من تركيا بالإضافة إلي أخريات من مصر والجزائر وتستعرض الحركات الجنائية المرتبطة بهذا النوع من الترفيه

وقدمت السينما الأمريكية لاحقا مشاهد من هذا الرقص في الربع الأول من القرن العشرين من خلال أفلام "التعصب" "1916" و"الشبح" "1921" وكيلو باترا "1917" و"سالومي" "1923". 

هذه أعمال حاولت استثمار الشعبية الكبيرة لهذا النوع من الترفيه الشرقي الذي عرفته أمريكا مبكرا جدا واستثمره كثيرون بعد ذلك

وفي ثلاثينيات القرن الماضي مع بداية الهجرات العربية إلي العالم الجديد "أمريكا" وصل عدد كبير من العرب إلي نيويورك وبدأ بعض النساء تقديم هذا النوع من الرقص في الملاهي الليلية وفي المطاعم

وفي مذكراته كتب اليهودي الصهيوني سول بلوم SoL BLoom "1870 ـ 1949" وهو من أصل بولندي وقد عمل لفترة قبل دخوله المعترك السياسي متعهدا ومنظم حفلات ترفيهية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين وهو من اخترع تسمية الرقص البلدي باسمه الغربي الشائع "بيللي دانسنج" "Belly Dancing" وبالفرنسية "dance du venture" كتب يقول حين تعرف الجمهور "الأمريكي" علي ""البيللي دانسنج" امتلكت منجما من الذهب" حيث حقق ثروة كبيرة من ورائه

و"بلوم" كان ينظم ويدير حفلات في سوق شيكاغو الدولي وفي المعارض الأمريكية الدولية التي تتضمن بنودا ترفيهية ومنها مسرح يقدم فقط راقصات شرقيات من سوريا وتركيا والجزائر وجميعهن اشتهرن "كمصريات" وباسم "فاتيما" التي ذاع صيتها جدا واسم المسرح الذي تقدم عليه هذه النوعية من الترفية كذلك اشتهرت الراقصات اللاتي تخصصن في تقديم هذه "النمر" في المعارض التي ينظمها وأطلق أسماء "مصر الصغيرة" LittLe Egypt و"شارع القاهرة" في السوق الدولي العملاق الذي أقامه علي مساحة هائلة في شيكاغو يتضمن مسرحا لعروض فنية ومباريات رياضية

السطور السابقة مجرد دليل مختصر علي شعبية "الرقص الشرقي البلدي" أو "رقص البطن" كأحد أنواع الترفيه التي عرضها العالم الغربي منذ أكثر من قرن وانتشر في العالم كله من خلال آلاف الأعمال الفنية التي صورت عوالم الشرق الحسية الساحرة التي جذبت ملايين الناس

"الراقصة" تعتبر بنداً رئيسياً في فنون الترفيه الشعبي

والرقص "لغة" عالمية والمصريون يعشقونه بغض النظر عن نظرتهم "للراقصة" وإدانتها تلقائيا علي المستوي الأخلاقي حتي لو كان في هذه النظرة المتحفظة بعض الظلم

وما يثير الدهشة هو هذه الضجة التي رافقت اختيار الراقصة "دينا" في حفل الجمعية العمومية للاتحاد الافريقي. أليس في هذا منتهي النفاق والعيار المغلوط للأمور.. هل اختيار دينا خطيئة تستحق هذا الاعتراض الذي شاركت فيه صحيفة بريطانية نقلت تصريحات مسئولي اتحاد الكرة الذين أعربوا عن استيائهم "!!" الكبير لوجودها. الأمر الذي فتح الباب أمام المزايدين والمحافظين حراس العفة والشرف لإدانة مرحلة بدأناها بتفاؤل وأيضاً إدانة فن شرقي أصيل تعرض مثله مثل سائر الفنون إلي استغلال وإساءة وسوء استخدام وتوظيف سوقي رخيص من تجار الفن

والراقصة "المدانة" حاصلة علي ماجستير في الفلسفة ومفتونة بفن الرقص وصاحبة "مدرسة" وتبذل جهودا معلنة لتطويره كفن تعبيري يستخدم لغة الجسد كإحدي أدوات التعبير وهي ليست في حاجة مادية

المشكلة ليست في الرقص وإنما في ابتذاله وتشويهه ومقطع الفيديو الذي يسجل أداء الراقصة في حفل الاتحاد لا يسيء إلا لمن يتعمد الإساءة والتشويه

إذا كانت فنون الرقص ومنها الرقص البلدي نشاطا مدانا فلماذا نتهافت عليه جميعا ونشارك فيه في مناسباتنا العامة والخاصة؟ وإذا كان "الترفيه" آفة وخطيئة لماذا نسمح به؟

ليس في كلامي دعوة لإطفاء أنوار البهجة المشروعة وإنما خوف من هؤلاء المنافقين الذين يرفعون السكاكين والمطاوي الفكرية في وجه أحد منافذ الترفيه. إن الآفة الحقيقية: النفاق والابتذال وكسر روح المصريين بغلق مصادر "الأوكسجين".

المساء المصرية في

12.04.2015

 
 

محاولات التحايل على الموت والسخرية منه

ما بين «السقامات» و«للحب قصة أخيرة»

محمد عبد الرحيم - القاهرة ـ «القدس العربي»

قليلة هي الأعمال السينمائية التي تناولت الموت وفلسفته، بعيداً عن كونه مجرد حادث عارض وفق عمل درامي. وربما أهم تجربتين في السينما المصرية تمثلتا في فيلمي «السقا مات 1976» عن رواية يوسف السباعي، التي أعاد صياغتها السينمائية كاتب السيناريو محسن زايد، الذي أضاف إليها الكثير من فلسفته ووجهة نظره في الموت، ومن إخراج صلاح أبو سيف، وفيلم «للحب قصة أخيرة 1984» من تأليف وإخراج رأفت الميهي. كلا الفيلمين يبحث معضلة مبهمة ومحاطة بجلال ورهبة الجهل بما بعدها/الموت، إضافة إلى الاقتراب من محظورات تمس المقدس الديني، وقبله الاجتماعي، خاصة في ظل حضارة قديمة تقدس الموت وتجعله هدفاً للحياة، حضارة لم تزل روحها وبقايا طقوسها حاضرة بقوة في فعل مرهوب يدعى الموت. هنا تتجلي معضلة مواجهة الميتافيزيقي، رغم كونه أحد الحقائق على الأرض/الموت، وكيف ستكون معالجة هذا الموضوع من خلال فيلم يُقدّم في الشرق وأفكاره، لنلاحظ مدى الاختلاف الكبير في معالجة مثل هذا الموضوع في الغرب والفكر الغربي، والتجارب الفنية والجمالية، الأمر أصبح يأخذ معنى السخرية من الميتافيزيقي، ليس فقط بجعله يسير على الأرض، بل مواجهته بالسخرية الشديدة، التي تحفز العقل لمراجعة ذاته ومفاهيمه حول الظواهر التي تقابله في الحياة.

سيرك في مقبرة

من السهل مواجهة السياسي والاجتماعي بالسخرية، أما الميتافيزيقي فأمر محفوف بالمخاطرة، لكن فيلم «السقا مات» جعل من الموت مزحة سخيفة لا تستدعي حتى الالتفات إليها، فقط هي الحياة، وإن كانت محكومة في نهايتها بفعل خفي مُرتعب يُطلق عليه.. الموت. فهو «جبان» لا يستطيع أن يظهر لك حين يواجهك، فقط يأتيك غفلة ليتسلل ويســــــرق روحك/ لص، ولا شأن لنا باللصوص، نحن أولاد الحلال، عشاق الحياة والفاعلون الوحيدون والموحدون في الوقت نفسه، هذه هي فلسفة الشخصية الأهم في الفيلم، شخصية شحاتة/فريد شوقي «مطيباتي الجنازات» العمر لحظة واللذة مذهب مقدس، سواء بالحشيش أو الطعام أو ممارسة الحب مع امرأة، ولكن أين النهاية أو الموت في وعي هذه الشخصية التي يرى صاحبها الذي اعتاد التعامل مع الموت ــ مصدر رزقه ــ أنه فعل يجبن عن مواجهة مَن يختاره، فلا يهم إذن وجوده من عدمه، وعيش الحياة هو الأجدى والأهم.

الخائف يواجه رعبه

شوشة/عزت العلايلي سقا الحارة، الذي فقد زوجته الشابة، بعدما تركت له طفلاً، عاش رعب الفقد، وتجسد له فعل الموت أنه الذي يحرمه من الحب والسكينة، وبالتالي تركه وحيداً ميتاً في الحياة. وبالمصادفة يتقابل شوشة مع شحاته، ويعرف مهنته، فيحاول الفرار منه، وقد جاء مندوب الموتى ليُجالسه على المقهى، لكنه يأنس له ولروحه المرحة، بل ويُسكنه إحدى حجرات بيته، لتبدأ المقارنة بينهما… مندوب الموتى الحي، وعامل السقاية/السقا الميت، العاجز عن مُصارحة جارته بالحب، ليستأنف الحياة من جديد، بينما شحاته يسعى من دون ملل للوصول إلى بائعة هوى شهيرة في الحارة، أصبحت هي شغله الشاغل.

ممارسة الحب بثمن الأرواح

تصل السخرية حدها الأقصى عندما يقارن شحاته ثمن الليلة التي سيقضيها مع المرأة/شويكار بعدد الأرواح التي سيسير بها إلى خطواتها الأخيرة ــ 50 قرشا تساوي 5 أرواح ستصعد لخالقها ــ ليدعو عزرائيل بأن يشد حيله قليلاً حتى ينال ليلته الموعودة، هنا تصبح المقابلة بين الميتافيزيقي والخيال، نال شحاته المرأة في خيالاته، وهو يستعد للذهاب إليها، خيالات تحت تأثير المخدرات، ليأتيه الموت ويخطف روحه، كان لابد من هذا الحل، لابد من أن يصل الرجل إلى ما يريده ولو حتى من خلال الحلم، بعدها لا يهم أن يأتي الموت أو لا يأتي، هنا ينتصب السيرك بالكامل، وتصل السخرية لأقصى درجاتها، فلا يستطيع الموت أن يصل إلى مندوب الموتى إلا وهو في حالة السعادة القصوى، وقد ضاجع المرأة وتنفس آخر نفس، ولو في الخيال، وقد اختار لحظة موته.

المواجهة بالحياة

يبدأ شوشة بالعمل محل شحاته، وارتداء بذلته وممارسة مهنته والسير في الجنائز، كتعويذة ضد الموت، لكنه لا يتحمّل، لأن روحه ليست في قوة روح المرحوم، ويتحقق حلمه بأن يتحول من مجرّد عامل سقاية يذهب إلى المنازل، إلى أن يصبح مسؤول حنفية المياه، ليبدأ حياة جديدة، ويعلم بالفعل أن الموت جبان، يرتعب أمام الأحياء، أو الذين يعرفون كيف يعيشون.

أوهام الوعي وخرافاته

يبدو للوهلة الأولى أن فيلم «للحب قصة أخيرة» هو فيلم عن الموت، الموت وطقوسه والإحساس به جاثم على روح الشخصيات وأفعالها، ومحاولات مستميتة للفرار منه بشتى الطرق. ربما هو أحد الحقائق أو أهمهما في وعي الإنسان، إلا أن الفيلم حاول بمعنى خفي أن يتعامل عقلياً مع فعل الموت، وأساطيره وغيبياته، المجهول المُحاط بموروثات وتخاريف كالتعاويذ، مجرّد شبح، ما أن نشعر بتفاهة ثقله، من الممكن الانتصار عليه، وهو أن نعيش الحياة كما هي، بلا تواطؤ مزعوم، ولا انتظار يُنهي الحياة قبل أن تبدأ.

العالم المغلق

جزيرة شبه منعزلة عما يحيطها «الورّاق» يتم الوصول إليها عن طريق إحدى المعديّات، هذه العزلة تفرض إيقاعها الخاص على الشخصيات وتكوينهم النفسي… المرأة صاحبة الأموال/تحية كاريوكا، ابنها المـــدرّس/يحيى الفخراني، المغضوب عليه لزواجه رغماً عنها من فتاة يحبها/معالي زايد، وبالتالي تمارس المرأة سلطتها بأن تمنع عنه ميراثه من الأب، وهكذا سلطة أولى نجدها، يتم التحايل عليها، أو حتى ادعاء عدم وجودها بنفيها/حالة السعادة بين الزوجين، من دون الاهتمام بالثروة. الابن مريض بالقلب ويترصده الموت إذن، والأم لا تريد التنازل عن تحكمها بحياته، وترى أن زوجته هي سبب المرض/شؤم .. لتبدأ الاختيارات داخل نفق الاعتقادات الغيبية، فعقل الأم يُرجع سبب مرض ابنها لزواجه من فتاة لا ترضاها، فلتكن فأل الشؤم إذن، ولتكن هي سبب إصابة الابن!

المقاومة بالتواطؤ

المدرس وزوجته وأمه/الطبيب وأمه/ الرجل المسِن وزوجته وابنهما المفقود، يخيم الموت وثقله على هذه الشخصيات، خالقاً حالة من التضحيات، ربما حقيقية وربما من جهة أخرى على سبيل الواجب، لكن الحياة لابد أن تُعاش في لحظات من الخِفة، التي تصبح أقوى تأثيراً على حياة هؤلاء. حالة التواطؤ هنا ضرورية كلما كانت هناك سُلطة قاهرة تحيط الجميع، إلا أن الإنسان لا يعدم البحث عن بدائل أو حلول، يسرق الحياة في لحظة، حتى لو كلفه ذلك حياته نفسها! بداية هذه الحالات حالة الرجل المسِن وزوجته، كل منهما يخفي عن الآخر خبر وفاة ابنهما الوحيد، المرأة تخفي عن زوجها وهو يعرف ذلك، لكنه يعلم أن الابن هارب، وحتى لا يعذبها بالانتظار ــ كما يتعذب هو ــ يصمت على معرفتها المغلوطة بوفاة الابن، وبالتالي يصبح الموت هنا راحـــة البال بالنسبة للأم، فالانتظار أشد قسوة، وهو ما يتحمله الأب وحده، هذه أعمق الحالات وأكثرها قوة بين شخصيات الفيلم، ورغم كونها طرفاً ثانوياً في السرد/الحكاية، إلا أنها تنجو بثقلها من مجرد تنويعة عابرة لطقس الفيلم العام. الحالة الأخرى هي حالة الطبيب/شبه العاجز جنسياً، الذي يظل بجوار والدته المريضة، تاركاً زوجته وأطفاله لتعيش بعيدة عنه في مكان آخر، بعيداً عن هذا الوباء/المكان المعزول، فقط تأتي لزيارته من حين لآخر، وكل منهما لا يجد سوى عبارات الاعتذار، هي تؤكد له الحب، وهو يعتذر عن شبح الزوج الذي يمثله في حياتها. أما العلاقة الرئيسية التي جاءت أكثر مباشرة مما سبق، فهي إخفاء رفعت لحالة مرضه، والطلب من الطبيب بإيهام زوجته بأنه سليم تماماً، حتى يطرد عنها قلق انتظار الموت ــ الانتظار هنا على العكس من انتظار المس2ِن لعودة ابنه ــ وأن تعيش الحياة كباقي خلق الله، وكأنها أبد.

الجنس والموت

يؤصل الميهي لمعنى الحياة ويُجسده في الفعل الجنسي/الملاذ الوحيد للتحايل والإفلات من شبح اسمه الموت يترصد الجميع، سواء من خلال ممارسة فعلية، أو من خلال طقس دال، كمشهد وفاة المِقدِسة دميانة أكبر معمري الجزيرة، وفي الوقت نفسه هناك حفل زفاف في الجزيرة، فلا بد من خلق الحياة واستمرارها، ولو على ســـبيل إحلال طقسي بين الموت والزواج. الأمر الآخر هو الفعل الجنسي بين رفعت المريض وزوجته سلوى، الفعل الذي آمـــنهُ من خـــوف، وجعله يشعر بالاكتمال، وقـــد أصبـــح وامرأته جسداً واحداً، هنا يخشى الموت الاقتراب، يرتعب، حتى لو سيختطف روح صاحبه بعــد ذلك. بينما الناجي الوحيد، وفي مشهد من أقــوى وأفضل مشاهد الفيلم هو ممارسة الفعل الجنسي بجوار جثة… الطبيب يمارس الجنس مع إحدى الغجريات بجوار جثة أمه، وقد تخلص من عبء المــوت الجاثــم على وجوده، وقد تحرر منه بهذا الفــعل، العــلاقة الدالة مباشرة هنا، ولا تحتمل أي تأويلات، خاصة أن عدم شرعية الموت ــ يرفض السيناريو تماماً التعايش والتعامل معه ــ تقابله علاقـــة عابـــرة بين رجــل وامرأة التقيا مُصادفة. فالطبيب هو النــــاجي الوحيد، لأنه لم يكتف بالتحايل على الموت، وكف عن التواطؤ المزمن، بل وصل إلى حد الاستهانة به، ليخرج من التجربة سليماً تماماً، يتنفس الحياة، وقد أصبح جديراً بها.

أحاديث الخرافة

بما أن الخوف من فعل خفي/الموت، يسقط العقل إذن، وما من وسيلة إلا محاربته بالخرافة، سواء مقام أحد الأولياء الذي لم يستطع حتى إنقاذ نفسه، أو الطواف حول تخاريف وأوهـام تبدو أنها الملاذ الوحيد، ولا عاصم سواها، تذهب الزوجة لأحد الشـيوخ، المعروف عنه شفاء المرضى، وقد جاء لزيارة الجـــزيرة من خال أحد الموالد/حفلات صخب الوهم والمعتــقد الشعبي القاصر، تذهب لتجد عجوز مشوّه، لا حيلة له، فقـط وهم تجسد في نفوس ضعـيفة، لا تستطيع مواجـهة الحياة، وعند موت الزوج، تذهب للانتــــقام من هـــذا العجـوز/الوهم، فلا تجده، فقــط تقـــوم بتحطــيم الكرسي الذي كان يجلس علـــيه، لتجد أدوات لتدخين المخـــدرات/الحشـيش، دلالة على تغييـب العقل والعبث به في أقصى مراحله، فبـدون الاعتـماد على العقل والفعل الإنساني ومـواجهة هذه الخرافات، سـيمتد حديث الخـرافة إلى الأبد، وهـــو صراع آخر بين العقل والوعي الجمعي، الذي يُقــدس الخرافة، ويعلّق عليها أفعال أصحـــابه ومقدراتهم ومصائرهم.

محمد مفتاح الممثل المغربي الأشهر… نصف قرن من العطاء

فاطمة بوغنبور - الرباط ـ «القدس العربي»:

هو واحد من الأسماء الفنية المغربية القليلة في السينما والدراما التي يعرفها الجمهور العربي من الخليج والشام ومصر إلى الرباط، يفخر بأنه نجم في المغرب كما في سوريا وشوارع القاهرة حيث يوقفه المارة ويطلبون صورا معه. عبر رحلة فنية قاربت النصف قرن منذ سنوات طفولته الأولى التي ذاق فيها مرارة اليتم حيث قتلت سلطات الاحتلال الفرنسي والدته في مظاهرة ضد نفي الملك الراحل محمد الخامس. ينتمي إلى الحي المحمدي أحد أشهر وأعرق أحياء مدينة الدار البيضاء مهد الكثير من رموز الرياضة والفن والثنائيات الفنية والفرق المسرحية والغنائية كـ»ناس الغيوان» و»المشاهب» و»تكادة» وفرقة مسرح الحي وغير ذلك. يقول محمد مفتاح إنه لا يتذكر على وجه التحديد دوره الأول ولا يستطيع عد أعماله ولم ينل أفضل أدواره بعد، لكنه يعتز بمرحلة الدراما السورية منذ مسلسل «الفصول الأربعة» «صقر قريش» «ربيع قرطبة» وغير ذلك وصولا الى مسلسل «عمر». في هذه الدردشة شذرات من بعض محطات حياته الفنية والبعض من همومه وانشغالاته.

حوالي نصف قرن من العطاء الفني. كيف تقيم كل هذا المسار؟

□ كما يفعل ذلك كل إنسان في الحياة. يتأسف على أشياء مرت في حياته ويحن لأخرى، أحن لزمن الستينات والسبعينات كانت هناك متعة فنية أكبر في الآنتاج والأداء الآن أشياء كثيرة تغيرت حتى في الغناء مضى زمن «ناس الغيوان» و»المشاهب» و»جيل الجيلالة» و»حل زمن الراب»، أيضا في ذلك الزمان علمونا أن المال وسيلة وليست غاية كنا مصدقين لهذا الكلام وبعد امتداد العمر وخروجنا للحياة العملية وجدنا العكس، وأنا لا أعتبر نفسي قد حققت شيئا، الأجمل والأفضل لم يأت بعد. ما مر على جماليته نسيته والآن أنتظر الأفضل.

ما هو الأفضل الذي تنتظره؟

□ انتاج ما أطمح إليه، لأن الإنتاجات الآن في المغرب هي استهلاكية ما تشاهده اليوم تنساه غدا، الفن ما يرسخ في الذهن وإن كان مجرد حركة أو إيماءة فيها إبداع. العبرة ليست بكثرة الحضور ولكن بقدرتك على إحداث الأثر والخلود في ذهن المشاهد، بعض ممثلي اليوم، يعملون لأجل أجر فقط ويختلفون عن الفنان الذي يبدع ويختار ويدقق ويفكر في جمهوره قبل التفكير في نفسه.

جزء من شهرتك جاء من الأعمال السورية. ماذا تعني لك التجربة السورية في مسارك؟

□ شهرتي ابتدأت من الغرب مع أوروبيين وأمريكيين أولا ومغاربة كثر تعرفوا علي من خلال الإنتاجات الغربية، ثم بعد الغرب خضت المجال الفني المغربي لكن للأسف عبر إنتاجات بدون أثر، ثم جاءت مرحلة سوريا التي كانت أقوى وأهم بأدوار ما كنت لأقوم بها في المغرب عبر كل ما تبقى من حياتي وهي أعمال ضخمة ميزانية وإخراجا وتمثيلا، مدروسة وذات رسالة وفرجة وتأثير على المتلقي وهكذا كانت حصيلتي في الشرق تسع مسلسلات سورية ومسلسلين من الأردن ومسلسلين من الإمارات ومسلسل مصري مع محمود عبد العزيز وهو «باب الخلق»، وأتأسف أنه وبالطريقة التي تشتغل بها الدراما المغربية من الصعب أن تفرض وجودها في الساحة العربية. والشيء نفسه ينطبق على الأغنية والسينما ولو أن هذه الأخيرة وبدعم من الدولة استطاعت الوصول للمهرجانات الدولية، لهذا نحتاج الآن لنقاش واضح وصريح حول الدعم الممنوح للتلفزيون فهناك اشخاص مستفيدون منه لكن البلد غير مستفيد فنيا.

جل من حاورناهم من الفنانين جسدوا مكمن الخلل في رداءة الكتابة والسيناريو؟

□ لدينا أدباء ومبدعون في الكتابة لكن التلفزيون في المغرب يختار نوعا محددا من الخطابات. هناك استراتيجية محددة الملامح لا تقبل إلا بنوع واحد من الكتابة لهذا الخلل هو في إدارة التلفزيون، هم لا يبحثون سوى عن قصص الحب والغدر والخيانة في العلاقات الإنسانية بين الأزواج والجارات والناس بعضهم مع بعض بسطحية شديدة على أن تكون الدولة دائما بعيدة جدا عن كل هذه التشابكات، مع أننا نمتلك كتابا فلو اشتغلنا فقط على الأديب محمد الزفزاف لما انتهينا منها سنوات لأن كل أعماله الأدبية ورواياته صالحة لتكون دراما تلفزية مغربية قوية جدا، أعمال الروائي مبارك ربيع أيضا قادرة على رفع الدراما المغربية إلى الأعالي، ولو حولنا وجهتنا نحو الشخصيات التاريخية في المغرب سوف لن تكفينا 50 سنة لنشتغل عليها جميعها بل وبمستطاعنا انذاك أن نصدرها للعالم العربي، البطل عبدالكريم الخطابي الذي حارب أوروبا لوحده يستحق أفلاما ومسلسلات ومعركة أنوال مثلا لن تجد لها مثيلا في تاريخ البلدان الأخرى، لا أحب كثيرا الحديث في هذا الموضوع لأنه مؤلم بالنسبة لي كفنان.

كيف تجد الوضع الفني في حكومة يسيرها إسلاميون؟

□ هناك تغيير نحو الأسوأ، الآن أصبح كل شيء عيب وحشومة والجميع متحجب والكل يمتلك مقصا ورقابة ذاتية بما في ذلك الكاتب وهذا اسوأ ما في الأمر لأنه يعني أن الأنظمة قد تغلغلت بالفعل الى أعماق الفكر، مع أنه كما هنالك معارضة سياسية وبرلمانية تحصل على أجرها مقابل عملها المتجسد في معارضة الحكومة ينبغي أيضا السماح لفن معارض ومنتقد بالتواجد والعمل.

كيف تتابع الوضع في سوريا التي شكلت جزءا من تاريخك الفني؟

□ ما يقع في سوريا ظلم وجور في حق الشعب السوري، ولا نرضاه حتى للأعداء. سوريا لم تخلق للحرب والفتنة لأني أعرف السوريين، وما يقع دخيل ومناف لطبيعتهم، لكن الفن والفرح لن يتوقفا في سوريا مهما تعالت أصوات الحرب والفتن وحتما ستنبثق إبداعات من هذا الألم والمعاناة.

كيف عشت فترة الربيع العربي وما كان تأثيره على الفن والإبداع؟ 

□ حصل في المشرق العربي وليس في المغرب، لأن الفن دار لقمان المغربية دوما على حالها، لكن مع كل نظام جديد يأتي عبر ثورة أو انقلاب يتجه الفن فورا نحو انتقاد وكشف عيوب من سبق. ولو تحدثنا عن المغرب فنحن لدينا أصلا جوانب مظلمة في التاريخ المغربي البعيد ولا نعلم تفاصيلها خصوصا من القرن 12 الى 18 مثلا هناك خيانة في موت السلطان الحسن الأول لم تتوضح في كتب التاريخ والمقررات الدراسية ولو كنا نتوفر على دراما قوية وإنتاجات ضخمة لأمكننا توضيح الكثير من الضبابية التي تطبع مجموعة من الأحداث التاريخية عبر القيام بدراسات وترجمات للكتب والوثائق التاريخية في فرنسا وإسبانيا.

اشتغلت في إنتاجات متنوعة في كثير من الدول شرقا وغربا، كيف تقارن بين هذه التجارب؟

□ أولا يستحيل مقارنة الوضع في المغرب مع باقي المدارس. لأن من تعاملت معهم قطعوا اشواطا مهمة وسنوات ضوئية عنا والتلفزيون المغربي يتعاون مع شركات إنتاج صحيح لكنها تشتغل تحت إمرته ووفق شروطه، أي ليست هناك خصخصة كاملة لأن الشركة بالعمق تنفذ إنتاج أموال تابعة لتلفزيون مملوك للدولة مع ما يشوب ذلك من تفضيل شركات دون أخرى.

نسبت لك تصريحات حول رأيك في التكريمات تقول إنها مضيعة للوقت ولا تفي الفنان حقه؟

□ لم أعط تصريحات بشكل مباشر حول هذا الموضوع، كنت أكلم مجموعة من الأصدقاء في جلسة خاصة ولم أنتبه لوجود صحافيين. لهذا أزعجني أن أقرأ عنوانا عريضا يقول إن فلان صرح لنا بأن التكريم مضيعة للوقت وهو ما لم أقله حرفيا. وما قلته تحديدا أن تكريم فنان أو أديب أو مبدع ينبغي أن يكون بأشياء تعود عليه بالنفع قطعة أرض مثلا وليس «إبريق شاي» هذا احتقار للشخص المكرم ومعيبة في حق الجهة التي تقوم بالتكريم.

تحلم بتجسيد شخصية البطل التاريخي عبدالكريم الخطابي، هل من مشروع في هذا الإتجاه؟

□ قبل ثلاث سنوات أثناء تصويري مسلسل عمر، كلمني المخرج السوري حاتم علي بهذا الخصوص بعد أن أخبره مغاربة يعيشون في ألمانيا وهولندا رغبتهم في إنـتاج مسلسل عن البطل عبدالكريم الخطابي. كنت سـعيدا جـدا للـخبر وظنـنت أن الحـلم سيتـحقق. لكن المشروع للأسف لم يتم، فيما أنا صرت أفقد هذا الحلم سنة تلو الأخرى لأن الزمن يمر ونحن نكبر يوما بعد آخر وملامح الوجه تتغير والقوة البدنية تنقص وعبدالكريم الخطابي شخصية ليست بالهينة لأنه قوة فكرية وجسمانية وفارس حقيقي امنت بأفكاره شخصيات عالمية كثيرة كتشي غيفارا وفيديل كاسترو وهوشي مينه الذي أرسل له رسالة إعجاب لأنه لقنهم مبادئ الثورات وأسلوب حرب العصابات.

القدس العربي اللندنية في

12.04.2015

 
 

"كويرات" .. وطني ثائر وفنان حالم

ضاوية خليفة

وحده الموت الذي استطاع أن يُغيِّب الفنان "سيد علي كويرات" (1933- 2015) ، الشهير بعبارة "على موت واقف"، الرجل الذي امتلك مقومات النجاح ومفاتيحه في مرحلة امتدت من أيام الاستعمار إلى ما بعد الاستقلال، فنان له هيبته على الشاشة، وقفته أمام الكاميرا تعني الكثير فما بالك إن تحدث، في حضرته تغيب كل المعاني والكلمات، ويتجلّى الصدق في التمثيل بأبهى الصور والدلالات، قامة فنية نادرة صعب على الجزائر أن تنجب مثلها ولم يستحِل عليها ذلك، وبرحيلها يكون الفن والسينما تحديدا قد فقد الكثير، فالذي ترجّل يوما في أحد أعماله التاريخية إلى قدره بثقة البواسل والشجعان وقابلته حينها القوات الفرنسية بوابل من الرصاص، انتقل إلى الرفيق الأعلى وسلّم روحه هذه المرة لبارئه حقيقة لا تمثيلا، والتحق برفقائه الذين اتفق معهم على نصرة الجزائر وخدمة فنها والارتقاء به كمصطفى بديع وأحمد عياد، العربي زكال، كلثوم، محمد التوري، فتيحة بربار وآخرون.

عاد الشعب وتوحّد من جديد كما أراده "علي" ذات يوم، زالت الفوارق عندما بكاه الغني وتحسر لفقدانه الفقير، فشيَّع المسؤول والعامل البسيط ابن الشعب إلى مثواه الأخير، وما يؤكد ويترجم المكانة التي كان يحظى بها الرجل رسالة رئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة" التي أبرق فيها معزيا الجزائر، عائلته والأسرة الفنية في مصابها هذا، معددا بمناقب كويرات الإنسان، الفنان والمجاهد الثائر الذي التزم بقضايا وطنه وجعل من انضمامه لفرقة جبهة التحرير الوطني سبيله الأمثل لخدمة الثورة الجزائرية بالداخل أو الخارج، رفقة أبناء جيله الذين تمكنوا من استرجاع سيادة البلد والشعب المغتصبة حقوقه، وتصدّوا لغطرسة العدو وهمجيته بقيم الفن الرفيع، واصفا إياه بالمدرسة التي كونّت أجيال.

تاريخ رجل لا يُختصر في سطور

تميز "سيد علي كويرات" أو كما يسمونه أسد الشاشة في السينما، أبدع في التلفزيون، وتألق في المسرح، لكن فلسفته كانت الإخلاص للفن والوفاء له مادام يؤدِّي رسالته ويخدم قضايا، فكان المنبع الذي يروي شغفه والعالم الذي لا تستقيم الحياة دونه، فذلك الشاب اليافع الذي أسند له المخرجون الذين تعامل معهم أدوار مختلفة لم يكن يدري أن الكثير منها ستصبح أعمالا خالدة تكتب ميلاده الثاني، خاصة تلك التي مجدت ثورة الفاتح نوفمبر ولا تزال مفخرة الأجيال والكثير من الأوطان التي عاشت نير الاحتلال الغاشم، فالذي عايش تلك المرحلة أدّى وبصدق أدواره وكأنه يعيشها من جديد، والأحلام التي رافع لأجلها وسعى لتحقيقها في أن تحتل السينما الجزائرية رغم قلتها آنذاك الصدارة عربيا وأن يسمع العالم صوتنا ويعرف عن ثورتنا، حققها بنفسه وبروائعه.

 من أول عمل مسرحي أطلّ به على الجمهور رفقة كاتب وبودية سنة 1950، وسينمائيا بـ"وقائع سنين الجمر" لمحمد لخضر حمينة الذي منح الجزائر السعفة الذهبية بمهرجان كان 1975، و من هنا أخذ اسمه يرتبط أكثر بالسينما والثورة فكان صانع وممجد الثانية من خلال الأولى بفيلم "الأفيون والعصا" مع أحمد راشدي عام 1969، وتوالت حينئذ الأعمال ومعها النجاحات وبدأ الفتى يبرز أكثر وأخذت مواهبه تظهر من عمل لآخر، وصار الواقع يقترب من أحلام الرجل الذي أطلّ على المشاهد العربي سنة 1976 بـ "الابن الضال" للمخرج المصري "يوسف شاهين" رفقة الفنان "محمود المليجي" وسيدة من سيدات الغناء العربي اللبنانية "ماجدة الرومي" التي ورغم مرور السنين وقفت اليوم لتحيي الراحل وتعزي الجزائر فقدانها أحد مبدعيها.

وبعد أقل من عشرين سنة عاد شاهين وكويرات والتقيا في فيلم "المهاجر" 1994، ولم يكن التعاون الجزائري المصري الوحيد بل اجتمع هذه المرة عراب السينما الجزائرية بالمخرج "خيري بشارة" في "الأقدام الدامية" 1980، وارتفع رصيده السينمائي، المسرحي والتلفزيوني وفاق 60 إنتاجا نذكر منه: "الجثة المطوقة" لكاتب يس، "أبناء القصبة" لمصطفى بديع، "الشبكة" لغوثي بن ددوش 1976، "حسن طيرو" 1974، "الأجنجة المنكسرة" لرشدي جغوادي 2009، "خالي وتيلغراف" 2007، "أولاد الشمس" 1991، مسلسل "اللاعب" 2004، وروائع أخرى ستُبقي الرجل حيا في الذاكرة حتى لا يختصر رصيده الكبير في مشهد أو عمل ما، وهو الذي كان يتمنى أن يذكره المشاهد بكل الأدوار التي قدمها في المسرح والسينما أو التلفزيون مع خيرة الفنانين الذي أنجبتهم الجزائر كـ "حسن الحسني"، "علال المحب"، "محي الدين باشطارزي"، "طه العامري"، "يحيى بن مبروك"، "سيد أحمد أقومي"، "مصطفى كاتب" وقامات التمثيل والإخراج التي مهدت لميلاد حركة ثقافية رائدة صنعت أمجاد هذا البلد وفنه.

قالوا عنه .. 

ملامح الفنان "سيد أحمد أقومي" وهو يرثي رفيق دربه ترجمت وبصدق ألم الفراق وانقطاع الوصال الذي فرضه القدر، فكانت عباراته الأقوى بين الحاضرين والأكثر تأثيرا، فصديقه "سيد علي كويرات" ابن قصبة الجزائر المعلم التاريخي والأثري العتيق، يقول أقومي "لم يُخجله انتماءه لأسرة ميسورة الحال أو من عدم تفوقه في دراسته يوما، لأنه وجد في الفن، المسرح والسينما مستقره والمكان الذي يحويه وأحلامه، وبعزيمته ومثابرته وبتمسكه بهويته صنع هذا الاسم الذي نقف هنا اليوم لنرثيه ونبكيه وحتما سنخلد ذكراه، كما عبّر ابن التلفزيون ومديره الأسبق "حمرواي حبيب شوقي" مؤسس مهرجان وهران للفيلم العربي عن تأثره برحيل رجل الأدوار الصعبة والهادفة الذي قدم حياته للفن والوطن دون تردد أو تقصير، معتبرا إياه مفخرة الجزائر والعرب.

وعن أحلامه قال الأديب والكاتب أمين الزاوي "هي أكبر من أن تستوعبها السينما الجزائرية، فقد عاش الرجل حالما إلى أخر رمق من حياته، وأوصل صورتنا في زمن غير بعيد إلى مواطن لم نكن بالغيها إلا بشق الأنفس"، بينما وصفته بطلة "رشيد بوشارب" الفنانة "شافية بودراع" التي سبق وتعاملت معه كثيرا وعرفته عن قرب، بالفنان الإنساني بطبعه وتعامله مع الناس، أما المنتج "بشير درايس" فقال "وجدته مند عرفته فنانا محترفا متواضعا، عُرف بانضباطه ومهنيته، كان يمتلك روح شبابية تجعلك تنسى فارق السن الموجود دون أية حواجز، شخصيا اشتغلت معه في المفتش "لوب"، وتشرفت بالتعاون مع هذه القامة الفنية الكبيرة التي أضافت لي الكثير" وفي ختام حديثه رفع درايس أمانيه ليحفظ هذا الجيل والذي بعده رسالة المخلصين للأرض والثقافة الجزائرية.

إن رحل الفنان فأثره كإنسان باق، وإن غاب المرء ظلّت روائعه تخلد ذكراه، وان استحال على الحياة إدراك العمر، فعلى المرء تدارك الحلم والوفاء لرسالة هؤلاء الذين أخلصوا للفن كإخلاصهم للوطن، وها هو أحد صناع أمجاد الصورة ورجالات المسرح يرحل تاركا رصيدا فنيا مشرفا تفتخر به الأجيال مستقبلا وهي على قدر كبير من المسؤولية لتتم مشوار الرواد، الذين لم يتخذّوا من الفن مصدر رزق أو دخل بل جعلوه مرآة يرى فيه الشعب نفسه ووسيلة تثقيف وتوعية وترفيه.

الجزيرة الوثائقية في

12.04.2015

 
 

ثلاثة أفلام تجعلك تتساءل: “أين يذهب الحب؟

منة فهيد – التقرير

دعونا نعترف أن أغلبية من يذهبون لمشاهدة الأفلام في دور العرض يفعلون ذلك بغرض الهرب من واقعهم القاسي وبحثًا عن أشياء يعلمون أنهم لن يتمكنوا من اصطحابها معهم إلى المنزل بعد انتهاء العرض. ولكن، ماذا لو كان الفيلم يروي حقيقة لا يمكن لشاشات السينما حجبها أو تزيينها؟ ماذا لو كان الفيلم يصنف على أنه رومانسي أوهكذا توحي ملصقاته بينما تصيب أحداثه المشاهد بخيبة الأمل؟ أفلام يبدو أبطالها متحابين … بل يعيشون قصص حب ملحمية، ولكن تتبدل المشاعر ويختفي الحب:

الطريق الثوري: Revolutionary Road 2008

تدور أحداث الفيلم حول الزوجين “فرانك” (ليوناردو ديكابريو Leonardo Dicaprio) و”أبريل” (كايت وينسلت Kate Winslet) اللذين التقيا في إحدى الحفلات ووقعا في الغرام. كانت “أبريل” تدرس من أجل أن تصبح ممثلة، بينما كان “فرانك” لا يدري ماذا يريد أن يفعل بحياته. سرعان ما تزوجا وحبلت “أبريل”؛ مما اضطرهما للانتقال خارج المدينة والحصول على منزل بحديقة تصلح لتربية الأطفال.

حتى يتمكن من أن يعول أسرته، التحق “فرانك” للعمل بشركة “نوكس” كرجل مبيعات؛ ليقوم بنفس وظيفة أبيه. ولمدة عشرين عامًا، ظل “فرانك” يتمنى ألّا يصبح مثله.

في عام زواجهما السابع، وبوجود طفلين في المنزل؛ اتخذت حياة “فرانك” و”أبريل” المنحنى الرتيب المألوف بالنسبة لأغلب الزيجات. يذهب الزوج في الصباح إلى العمل، بينما تقوم الزوجة برعاية الأطفال وترتيب المنزل واستقبال الضيوف، ويتشاجران في المساء، إلا أن “أبريل” لم تكن كأغلب الزوجات؛ فعلى الرغم من فشلها في أن تصبح ممثلة، لم ترد أن تمضي بها الحياة على هذا النحو؛ فاقترحت على زوجها فكرة الانتقال إلى “باريس”، حيث ذهبَ أثناء الحرب وأخبرها أنها أكثر الأماكن جمالًا وصخبًا.

في البداية، اعتقد “فرانك” أنها تمزح، وعندما تأكد أنها تتحدث بجدية؛ سألها عما سيعمل هناك؟ فأخبرته أنه لن يتوجب عليه العمل، لأنها ستعمل سكرتيرة في إحدى المنظمات الدولية التي تدفع راتبًا كبيرًا، فسألها عما سيفعل أثناء عملها؟ فأجابته أنه سيمتلك الوقت الكافي للبحث عمّا يحب، والذي أمضى 30 عامًا دون أن يكتشفه. بدا “فرانك” مترددًا بعض الشيء، إلا أن حماسة زوجته المعدية أصابته؛ فوافق على ترك كل شيء والذهاب إلى “باريس”.

“إذا كان الجنون يعني أن نحيا الحياة كما نريد؛ فمرحبًا بفقدان الأهلية“.

عاش الزوجان فترة هي الأسعد خلال سنوات زواجهما واستمتعا بتلقي ردود الفعل المصدومة من الجيران والأصدقاء، إثر سماعهم بخبر انتقالهما إلى “باريس”؛ بدا الجميع في حالة ذهول غير مصدقين أن بإمكان “فرانك” و”أبريل” النزول من قطار الروتين معلوم الوجهة والسعي وراء مغامرة غير مضمونة العواقب.

لكن “فرانك” لم يستطع أن يصمد أمام تعليقات زملائه المحبِطة وأمام إغراء الترقية التي عرضها عليه رب عمله. في الوقت ذاته، اكتشفت “أبريل” أنها حبلى في شهرها الثاني؛ فلم تستطع التفكير في شيء سوى التخلص من هذا الحمل الذي بات يقف أمام حلمها في الرحيل.

عادت الخلافات إلى سطح علاقتهما مرة أخرى، وأصبح تراشق الاتهامات هو أساس الحوار بينهما؛ فـ “أبريل” تشعر بإحباط شديد وتلوم “فرانك” ضمنًا وصراحة على الفشل الذي يتوج حياتها والكآبة التي أصبحت تغلف روحها، بينما تدفع أفعالها بـ “فرانك” إلى الجنون؛ فالرجل يرى -أو هكذا يخيل إليه- أنه يوفر لها متطلبات الحياة السعيدة كما ينص عليها المجتمع من منزل جميل وراتب ضخم وأطفال رائعين.

“لقد أردت أن أحيا مرة أخرى. كم هذا محبط؟! لقد رأيت مسقبلًا مختلفًا، لا أستطيع التوقف عن رؤيته، لا أستطيع الرحيل، لا أستطيع البقاء، أنا لا أمثل أية أهمية لأي أحد“.

عيد الحب الحزين: Blue Valentine 2010

مجددًا، قصة حب توجت بزواج فاشل. تدور أحداث الفيلم حول الزوجين “دين” و”سيندي” الذين لعب دورهما الممثلان الشابان “ريان جوسلينج Ryan Gosling” و”ميشيل ويليامز Michelle Williams”. يعتمد الفيلم في بنائه على المزج بين مشاهد الحاضر ومشاهد الماضي (الفلاش باك) لتسليط الضوء على قصة الحب التي غيرتها السنوات.

“دين” هو الزوج المثالي الذي تتمناه أي فتاة؛ يحب زوجته، يعشق ابنتهما “فرانكي”، يوفر لهما متطلبات الحياة الرغدة، يدعم زوجته التي تعمل كطبيبة، في حين يعمل هو في طلاء المنازل.

تعرف “دين” على “سيندي” في إحدى دور رعاية المسنين، كان يعمل في شركة للشحن ويقوم بإيصال بعض الأغراض، بينما كانت هي تزور جدتها؛في الحال، وقع “دين” في غرامها كالقصص الخيالية، وكانت هي متخبطة عاطفيًا إثر انفصالها عن حبيبها.

“الفتيات تمضين عمرهن في انتظار الأمير الساحر. وفي النهاية، تقمن بالزواج من الرجل الذي يمتلك وظيفة جيدة ويبقى في الجوار“.

“دين”، الذي رأى دائمًا أن الرجال أكثر رومانسية من النساء؛ فالرجال يتزوجون من أجل الفتاة نفسها، في حين تنتقي النساء أفضل الخيارات. فمثلًا: لم يرد “دين” يومًا أن يصبح زوجًا ولا أبًا، ولكنه قرر الزواج من “سيندي” وتبني طفلتها (التي حملت بها من غيره) لوقوعه في حبها، بينما (اختارته) “سيندي” لإحساسها أنه الرجل المناسب.

بين زوجٍ غير مبالٍ لا يمتلك من الطموح ما يجعله يرغب في فعل أي شيء جديد، وبين زوجة تغيرت مشاعرها وتبدلت نظرتها للأمور، فأصبحت تراه كسولًا سكيرًا مجرد طفل آخر عليها الاهتمام به إلى جانب ابنتها. بين هذا وذاك؛ يقف المشاهد حائرًا: مع من يتعاطف؟

“لا أريد أن أصبح مثل أبويّ أبدًا، لا بد أنهما كانا مغرمين يومًا ما، أليس ذلك؟ كيف يمكنك أن تثق بمشاعرك عندما تختفي هكذا؟“.

لم ترد “سيندي” إعادة تجربة زيجة أبويها الفاشلة، كانت تظن أنها إذا ما تزوجت بالرجل الذي تحبه لن ينتهي بها الحال مثل أمها، دائمة الشجار مع زوجها. حب “دين” غير المشروط لها ولابنتها “فرانكي” جعلها تتخيل أنها ستحظى بحياة مختلفة عن مثيلاتها. لكن، بمرور الوقت تغير كل شيء؛ فتحولت مشاعر الحب -رغمًا عنها- إلى رفض تجاه زوجها، لم يفلح هو بتبديده عبر محاولاته اليائسة للتقرب منها وامتلاك قلبها من جديد.

“لقد أعطيتيني وعدًا، (في السراء والضراء)، لقد كان وعدًا منك بذلك، أنا الآن في أسوأ حالاتي، لكنني سأتحسن، عليكِ فقط أن تمنحيني الفرصة كي أتحسن، أخبريني: ما الذي ينبغي علي فعله؟ أخبريني، وسأقوم بفعله في الحال“.

يختتم هذا السطرالعلاقة التي باتت تجمع بين الزوجين؛ فـ “دين” على أتم استعداد لفعل أي شئ كي يستعيد حب زوجته مرة أخرى، في حين أن “سيندي” لا تمتلك أي طاقة للرد على توسلاته.

مثل المجنون: Like Crazy 2011

الفيلم الثالث تدور أحداثه حول “آنا” (فيليسيتي جونز Felicity Jones)، الفتاة البريطانية التي تدرس في إحدى جامعات “لوس أنجلوس” وتقع في غرام زميلها الأمريكي “جايكوب” (أنتون يلشين Anton Yelchin). أحب كلاهما الآخر كالمجنون، وزاد تعلقهما ببعضهما؛ ماجعلهما يتساءلان: ماذا سيحدث بعد انتهاء الدراسة؟ كانت إجابة “آنا” قاطعة بأنها ستحصل على عمل بـ “لوس أنجلوس” وستنتقل للعيش معه. كل شيء كان يسير على ما يرام حتى انتهى العام الدراسي وأصبح عليها العودة إلى موطنها في شهور الصيف إلى أن تتمكن من الحصول على تأشيرة أخرى، قضى كلاهما الساعات الأخيرة قبل ميعاد طائرتها في أسى؛ فقررت “آنا” البقاء مع “جايكوب” وكسر تأشيرة الدراسة الخاصة بها.

سافرت “آنا” إلى موطنها لزيارة أهلها، وعادت بتأشيرة سياحة، ولكنها فوجئت عند وصولها إلى مطار “لوس أنجلوس” بأنها ممنوعة من المرور بسبب كسرها لتأشيرة الدراسة من قبل؛ لم تتمكن “آنا” من المرور ولا من رؤية “جايكوب”، الذي كان في انتظارها ممسكًا بباقة من الورود، وكان عليها العودة إلى “لندن” مرة أخرى؛ ليُطرح السؤال الأزلي: هل بإمكان الحب الصمود أمام بُعد المسافات؟

اقتصرت علاقتهما على المراسلة والمكالمات الفائتة والزيارات المباغتة، لم يستطيعا أن يحددا نوع العلاقة بينهما؛ فكما أخبرها “جايكوب” عندما التقيا بعد أشهر من الفراق: “لا أشعر أنني جزء من حياتك، أشعر كما لو كنت في إجازة”. اقترحت عليه “آنا” رؤية أشخاص آخرين أثناء افتراقهما، بينما اقترح عليهما والدها الزواج لحل أزمة الإقامة.

بدأ كلاهما بمواعدة أشخاص آخرين، إلا أن رسالة في منتصف الليل من أحدهما للآخر كانت كفيلة بهدم مقاومتهما وإعادة كل شيء من جديد كما لو كانا لم يفترقا يومًا.

“يجب أن أخبرك شيئًا ويجب عليك أن تنصت لي، لا أشعر بأن هذا الشيء سينتهي، لا أستطيع متابعة حياتي؛ يجب أن نكون معًا، أشعر ذلك بقوة، وأشعر أنه يجب علينا أن نتزوج“.

جعلت كلمات “آنا” تلك “جايكوب” ينفصل عن الفتاة التي يواعدها، ويسافر إلى “لندن” ليتزوج بها وينتظرا ستة أشهر على أمل أن يمنحها زواجهما حق الإقامة في الولايات المتحدة. ما لم يكن متوقعًا: أن تتوقف أوراقها ثانية بسبب اجتيازها مدة تأشيرة دراستها منذ سنوات.

توترت الأجواء بينهما بسبب عدم إمكانية التواجد معًا رغم زواجهما، وكأن فراقهما أمر محتوم؛ انفصلا مرة أخرى، وعاد كلاهما لمواعدة أشخاص آخرين، مع الاقتصار على بعض الرسائل لتناقل الأخبار.

تلقت “آنا” مكالمة من محاميها أخبرها فيها أنه استطاع الحصول لها على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، أصابها الخبر بالصدمة، فها هو الأمر الذي انتظرته لسنوات يأتيها بعدما توقفت عن انتظاره. لم تبدُ “آنا” متحمسة للأمر، لكن على أي حال؛ انفصلت عن الرجل الذي تقدم للزواج منها وذهبت إلى “لوس أنجلوس”؛ حيث انفصل “جايكوب” عن فتاته ثانية، وذهب لاستقبالها في المطار. لم يكن لقاؤهما حميميًا كالمعتاد، ذهبا إلى منزله الذي لم تدخله “آنا” من قبل؛ فشعرا بالغرابة، حاولا التحدث معًا ولكن حديثهما كان مصطنعًا؛ فآثرا السكوت.

التقرير الإلكترونية في

12.04.2015

 
 

أحدث أعماله السينمائية

"رجل طائش" جديد المخرج الأمريكي وودي آلان

24. إعداد: محمد هاشم عبد السلام

انتهى المخرج الأمريكي الكبير وودي آلان، من وضع اللمسات الأخيرة فيما يتعلق بأحدث أعماله السينمائية، والذي يحمل عنوان "رجل طائش".

وفيلم آلان الجديد من نوعية أفلام الغموض، ويتجاوز زمن عرضه الساعة ونصف الساعة تقريباً، وكتب له السيناريو والحوار وودي آلان نفسه، كما هي العادة فيما يتعلق بمعظم أفلامه، التي يخرجها سنوياً ويقدمها في نفس هذا التوقيت تقريبًا من كل عام.

تقوم بدور البطولة في فيلم وودي آلان الجديد النجمة الأمريكية الشابة إيما ستون في دور طالبة جامعية، في ثاني فيلم لها على التوالي مع آلان بعد فيلم العام الماضي "سحر في ضوء القمر".

ويشترك معها في البطولة النجم البورتوريكي المعروف جواكين فينيكس في دور أستاذ جامعي، وذلك في أول لقاء يجمع بينهما إيما ستون وجواكين في فيلم من أفلام وودي آلان.

وتدور أحداث الفيلم حول العلاقة التي تجمع بين أحد أستاذة الجامعة العاملين بمجال الفلسفة وإحدى الطالبات عنده بالجامعة، التي تقع في حب أستاذها رغم الفوارق فيما بينهما.

وكان وودي آلان، في الثمانين من عمره هذا العام، فرض سياجاً من السرية الشديدة فيما يتعلق بأية أخبار عن فيلمه الجديد، وذلك لاحتمالية ترشحه للعرض في الدورة القادمة من مهرجان كان السينمائي في مايو، خارج المسابقة الرسمية أو كفيلم الافتتاح للمهرجان.

وهذا الأمر كان تكرر مع فيلم وودي آلان الشهير، "منتصف الليل في باريس"، الذي اختير لافتتاح دورة مهرجان كان قبل أربع سنوات في عام 2011.

وتقرر أن يتم عرض الفيلم في دور العرض التجارية في السابع عشر من يوليو (تموز) القادم.

فيلم للمخرج مارك أوزبورن

"الأمير الصغير" رسوم متحركة لأول مرة

24. إعداد: محمد هاشم عبد السلام

عن الرواية العالمية الذائعة الصيت، "الأمير الصغير"، للكاتب والأديب الفرنسي الكبير "أنطوان دو سانت أكزوبيري"، انتهى المخرج الأمريكي مارك أوزبورن من أحدث أفلامه الذي يحمل نفس عنوان الرواية.

واختار الممثل والمنتج والمخرج مارك أوزبورن أن يخرج فيلمه "الأمير الصغير" في جنس الرسوم المتحركة، وهي المرة الأولى التي تقتبس فيها رواية الأمير الصغير إلى فيلم رسوم متحركة، وقد اشترك في صياغة القصة المخرج مارك أوزبورن وبمشاركة الكاتب بوب بيرزيشتي، أما السيناريو فهو لكاتبة السيناريو إيرينا برينغنول.

يشترك في أداء الشخصيات بأصواتهم نخبة كبيرة من نجوم ونجمات السينما، من بينهم، النجمة راشيل ماك آدمز في دور الأم، والنجم جيمس فرانكو في دور الثعلب، والنجمة ماريون كوتيار في دور الوردة، والنجم بينيسيو ديل تورو في دور الثعبان، والنجم جيف بريدجيز في دور الطيار، وفي دور الفتاة الصغيرة ماكينزي فوي.

تدور أحداث فيلم "الأمير الصغير"، حول "الفتاة الصغيرة" التي تعدها أمها كي تكبر وسط عالم تخشى عليها وتحذرها منه، لكن الجار الطيار الطيب القلب والغريب الأطوار، يصادق الفتاة الصغيرة ويعلمها ما هو خلاف ذلك، حيث يحببها في العالم، ويدخلها عالمه هو الغريب، عالم الأمير الصغير الخيالي.

بمساعدة ذلك الطيار الطيب وعبر هذا العالم الخيالي، تعيش الفتاة الصغيرة طفولتها وتتعرف على عالم الخيال، وتتعلم في نهاية المطاف من عالم الأمير الصغير أن العلاقات بين البشر هي الأكثر أهمية، وأن تلك الصلات الإنسانية هي ما تستحق بالفعل أن يعيش المرء لأجلها ويستشعرها ويراها بقلبه النقي الطيب.

موقع (24) الإماراتي في

12.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)