كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

دي أوليفيرا: أسئلة وأساطير وحياة بأسرها للفن

إبراهيم العريس

 

... وفي عامه السابع بعد المئة، أسلم الروح ليسجل بهذا رقما قياسياً بالنسبة الى أكبر المعمرين في تاريخ الإخراج السينمائي، إذ ليس هناك على حدّ علمنا بين المبدعين السينمائيين من وصل الى هذه السن، أو على الأقل من واصل الوقوف وراء الكاميرا وكأنه في شرخ الشباب، إذ نعرف أن مانويل دي أوليفيرا – وهو المخرج البرتغالي الذي رحل عن عالمنا قبل أيام -، كان حتى شهوره الأخيرة يشتغل على مشروع جديد، هو الذي اعتاد إنجاز فيلم مرة كل عام أو عامين مسجلاً بهذا أيضاً ما يشبه الرقم القياسي. والحقيقة أنه إذا كان يحق لدي أوليفيرا أن يدخل كتاب «غينيس» للأرقام القياسية لأسباب عديدة، فإن من حقه بالأحرى أن يدخل تاريخ السينما الكبير من الباب الواسع لكونه، في نصف دزينة على الأقل من أفلامه، تبدّى مبدعاً حقيقياً في الفن السابع حتى خارج إطار تلك «الأساطير» التي نسجت من حوله، كتلك التي تقول مثلاً إنه المخرج الذي عاصر السينما منذ حقبتها الصامتة، والمخرج الذي حقق العدد الأكبر من الأفلام في تاريخ السينما. فلا هذا كان صحيحاً ولا ذاك. كل ما في الأمر أنه وُلد في أيام السينما الصامتة - عام 1908 - وأنه حقق عدداً لا بأس به من أفلام. لكن بدايته الحقيقية كسينمائي، إنما كانت في عام 1942 مع فيلمه الروائي الطويل الأول «آنيكي بوبو»، الذي تزوّج خلال إنجازه تلك السيدة الأنيقة الثرية ماريا إيزابيل التي رافقته خلال السبعين سنة التالية من حياته – رقم قياسي آخر؟ -...

حقائق سينمائيّة

مهما يكن من أمر، لمناسبة رحيل دي أوليفيرا كان لا بد للأرقام القياسية والتأكيدات الغريبة أن تكثر، ولكن لاحقاً سيُنسى هذا كله لتبقى من الرجل مجموعة حقائق تخصّ تاريخ السينما وتتعلّق به. ومن أولى هذه الحقائق بالطبع، أنه هو الذي أدخل، بلده البرتغال، على خارطة السينما العالمية، وظل حتى رحيله الإسم الأكبر والأشهر في سينما هذا البلد. ومع هذا، لا بد من القول إن دي أوليفيرا لم يكن محبوباً في بلده بقدر ما كان محبوباً في العالم الخارجي، مثله في هذا مثل مبدعين كالياباني كوروساوا والهندي ساتياجيت راي، وحتى الإسباني لويس بونويل الذي غالباً ما يقارن به، بل إن أوليفيرا في واحد من أفلامه وهو «حسناء الى الأبد» (2006)، استطرد راوياً حكاية شخصيتين استعارهما من فيلم «حسناء النهار» لبونويل. لكن هذا الالتفات الى مبدعين آخرين، لم يكن غريباً على المخضرم البرتغالي. فهو في الأفضل بين أفلامه، وجد نفسه على التحام حيناً مع بول كلوديل – حين حقق «حذاء الساتان» عن مسرحية هذا الأخير في أكثر من أربع ساعات بتمويل فرنسي (1985) – أو حتى مع غوستاف فلوبير حين أراد مرة أن يؤفلم «مداد بوفاري» ليتناهى الى علمه أن زميله الفرنسي كلود شابرول بصدد تحقيق مشروع مماثل عن الرواية نفسها، فما كان منه إلا أن طلب من كاتبة صديقة أن تكتب له نصاً مشابهاً تخلق فيه مدام بوفاري على الطريقة البرتغالية، فكان فيلم «فال آبراهام» (1993) الذي حقق نجاحاً مدهشاً حين عرض في «أسبوعي المخرجين» في مهرجان «كان» في ذلك العام. صحيح أن هذا الفيلم حقق نجاحاً كبيراً أيضاً حين عرض في البرتغال، لكن ذلك النجاح لم يوقف الحملة المتواصلة التي كان دي أوليفيرا يتعرض لها هناك بوصفه «مروّجاً للثقافة الفرنسية». وهذا اتهام جوبه به الرجل منذ نجاحاته الأوروبية الأولى، إذ كانت فرنسا أول من حضنه، بل إن المنتج الذي أمن له تمويل الغالبية العظمى من أفلامه منذ «حذاء الساتان»، إنما كان برتغالياً مهاجراً في فرنسا هو باولو برانكو الذي سيصبح لاحقاً واحداً من كبار المنتجين الأوروبيين.

والحال أن حكاية «علاقة» مانويل دي أوليفيرا بفرنسا، هذه يجب أن تلفتنا الى واقع أن هذا المخرج على رغم أن بداياته في تحقيق أفلام قصيرة ووثائقية، وحتى قبل روائيّه الطويل الأول «آنيكي بوبو»، تعود الى عام 1931 ليكون بذلك صاحب أول فيلم حمل إسم البرتغال، فإن مرحلة إبداعه السينمائي الحقيقي إنما بدأت في شكل متواصل في عام 1972 فقط، عبر فيلم «الماضي والحاضر» الذي سيكون مدخله الحقيقي الى السينما الأوروبية ومهرجاناتها. قبل ذلك، كان حقّق فقط روائياً طويلاً ثانياً هو «فصل الربيع» الذي حاول أن يروي فيه على طريقته آلام السيد المسيح. إذاً، عند بداية سنوات السبعين كان الدخول الأول لأوليفيرا في السينما العالمية، لكنها كانت لا تزال بدايات متواضعة آيتها بضعة أفلام أخرى لم يفت كلاً منها أن يثير بعض الإشكاليات، أما الإشكال الأكبر في ذلك الوقت «المبكر» فكان بصدد فيلمه الرابع «بنيلده أو الأم العذراء»، الذي طلع به الى الجمهور البرتغالي في وقت كانت البرتغال أنجزت ثورة القرنفل متخلّصة من الديكتاتور سالازار الذي كان دي أوليفيرا قد عُرف بمناهضته. فكانت الدهشة كبيرة إزاء فيلم غامض، يتحدث عن فتاة تدّعي أنها حملت من ملاك جاءها من السماء... في وقت كانت فيه البرتغال قد حققت حريتها! غير أن الدهشة بقيت برتغالية، إذ إن الجمهور الأوروبي لم يكن قد تنبه بعد الى وجود هذا المخرج الذي من الطريف أنه «بدأ» حينها في سن يتقاعد فيها الآخرون. لكنه بدأ شاباً حتى وإن كان قد بارح الستين من عمره.

دور النقد الفرنسي

وحتى لئن كانت أوروبا لا تزال تجهل دي أوليفيرا في ذلك الحين، فإن النقد الفرنسي – على عادته -، كان سبّاقاً في الخارج الى الالتفات ولفت النظر إليه، ولا سيما بعد أن اكتملت له بفيلم تالٍ هو «فرانسيكا» رباعية رومانسية – غيبية، في عام 1981 بعدما كان حقق نجاحاً سجالياً بالفيلم السابق «حب الضياع»، المأخوذ عن واحدة من أشهر الروايات الرومانسية البرتغالية... وكان السجال لأن دي أوليفيرا حرص على إبقاء الطابع الأدبي للعمل من دون أن يفرط في التدخل السينمائي. وهذا الجهد الذي اعتبر مجانياً في البرتغال، كان هو بالذات ما أثار حماسة النقد الفرنسي، ما دفع وزير الثقافة الفرنسي - آنذاك - جاك لانغ، الى دعم مشروع دي أوليفيرا التالي، والذي سيدخله مباشرة الى سجل كبار السينمائيين، ونعني به هنا طبعاً «حذاء الساتان» المقتبس عن مسرحية الفرنسي بول كلوديل، ليصبح ذلك الفيلم الضخم الذي عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، ليشكّل مفاجأة ضخمة بالنسبة الى البعض، ومناسبة للنوم في الصالة وللملل بالنسبة الى البعض الآخر. وفي الأحوال كافة، سنراه يقفز باســم مانويل دي أوليفيرا قفزة لا سابق لها، إذ منحته لجنة تحكيم المهرجان الإيطــالي يومها «أسداً ذهبياً» خاصاً، فيما وجد باولو برانكو، الذي أضحى صديقه ومنتجه الدائم، من السهولة بمكان الحصول له على الأموال الكافية لإنتاح أفلامه المقبلة.

كان ذلك كما أشرنا في عام 1985، وكان دي أوليفيرا في السابعة والسبعين من عمره، لكنه في الحقيقة كان يبدو أكثر نشاطاً من كثر من السينمائيين الذين يصغرونه سناً بكثير. ولقد مضى الآن أربعون عاماً على تلك الولادة الجديدة للمخرج الذي بات يرى مكانه الآن طبيعياً في صفوف الكبار، وتتهافت المهرجانات الى الحصول على جديده. وهذا الجديد سيكون نحو خمسة وعشرين فيلماً راح دي أوليفيرا يحققها الواحد تلو الآخر من دون فترات استراحة طويلة بين الفيلم منها والآخر. وهو لئن كان في البداية، بعد النجاح الكبير لـ «حذاء الساتان»، قد أمعن اقتباساً ولا سيما من الآداب الكلاسيكية: من «الكوميديا الإلهية» الى «مدام بوفاري» و«مدام دي لافاييت» (الأميرة دي كليف في «الرسالة»)، وصولاً الى استلهام شكسبير ولو بطريقة مواربة في «الدير» (1995)، فإنه في الفيلم الذي حققـه عام 1990 بعنوان «لا... أو مجد القائد غير المجدي»، قدّم في ساعتين تقريباً وانطلاقاً من حكاية دورية عسكرية برتغالية كولونيالية في إفريقيا، ما يمكن اعتباره مرافعة حول تاريخ بلده ومفاسد هذا التاريخ في تعامل البرتغال مع مستعمراتها التي لطالما زعمت أنها تتطلّع الى تمدينها. والحقيقة أن في هذا الفيلم، الذي حقق بدوره نجاحاً استثنائياً على مستوى النقد والتقييم الدراسي، أكثر مما على مستوى الجمهور، دنا دي أوليفيرا من السياسة، في بعدها التاريخي المجازي على الأقل، دنواً لم يمارسه في أي وقت أو فيلم مضى.

عودة الى الذات

في ذلك الحين، كان لا بد أخيراً لدي أوليفـــيرا من أن يبدأ التفكير بمواضيعه الخاصة. لقد خدم مواضيع الآخرين وأفكارهم بأشكال سينمائية غالباً ما اتّسمت بكلاسيكية محدثنة، وبات عليه الآن أن يقدم سينما – مؤلف أكد له فيلم «لا...» أنه قادر على صياغتها. وهكذا راح مخرجنا، بين الحين والآخر، يحقق فيلماً جــــديداً من هذه الطينة. وهو بقدر ما كــان يتقدم في مثل هذا المجهود، كانـــت سينماه تتهذب وتبدو مصقولة أكثـــر وأكثر، بحيث أن في إمكاننا هنا أن نقول إن المتن السينمائي الذي حققه دي أوليفيرا خلال العقد ونصف العـــقد الأخيرين من حياته، يشكل عملاً متكـــاملاً لا يزال في الحقيقة في حاجة الى المزيد من الدراسة والتوليف النقدي بغية اكتشاف تلك الوحدة، المـــوضوعية أو الشكلية أو الإثنتين معـــاً، التي تسم هذا المتن الذي راح متــــسارعاً في تقديم أفلامه، ولا سيما في مهرجاني «البنــدقية» و «كان»، في وقت كان قد بات أشبه ببطل قومي في بلده وبظاهرة مستغربة في أوروبا والعالم.

ففي الفترة بين سن الثانية والتسعين وسن الخامسة بعد المئة، أي قبل عامين من رحيله، حقق دي أوليفيرا عشرة أفلام أكثرها أعمال روائية تتسم بقدر كبير من الطموح التشكيلي، وبقدر أقل من الادعاء الأخلاقي الذي يسم المبدعين عادة حين يصلون الى أقل من هذه السن بكثير. ومع هذا، فإن فيلموغرافيا تلك السنوات لم تخلُ من أعمال يمكن النظر إليها اليوم على أنها أشبه بأن تكون وصايا مبدع يريد أخيراً أن يقول ذاته. فمن «بورتو طفولتي» (2001) و «الصندوق» عن مسقط رأسه، الى «فيلم ناطق» (2003) الذي يتطلع الى تصوير ما يمكن اعتباره تاريخاً للبشرية، الى «سأعود الى البيت» (2001) الذي يعالج إشكالية سن القدرة على الإبداع تحديداً، وصولاً الى «سفر الى آخر العالم»، الذي يصور لنا مخرجاً سينمائياً يعود الى الأماكن التي شهدت طفولته... عرف دي أوليفيرا كيف يقدم لنا، وغالباً بمشاركة ممثلين كبار من طينة جان مورو وكاترين دونوف وجون مالكوفتش وميشال بيكولي وميكائيل لونسدال، وحتى مارتشيللو ماستروياني (في آخر دور مثله قبل رحيله، في «سفر الى آخر العالم»)، عملاً سينمائياً يحفر عميقاً في الذات ويطرح أسئلة الإبداع والكينونة البشرية.

غير أن الانصراف الى مثل هذه المواضيع التي تتسم بقدر كبير من الذاتية، لم يمنع المخرج من مواصلة طريقه الأخرى في الاقتباس، ولا سيما عن أعمال أدبية برتغالية، ومن النهل من التاريخ حيث قدم في «كريستوف كولومبوس... اللغز» حكاية مانويل لوتشيانو الذي يسعى منذ العام 1940، الى حلّ ما يعتبره لغز مكتشف أميركا. ولعلّ من اللافت في هذا كله أخيراً، أن دي أوليفيرا حقق آخر حياته فيلمين ربما يمكن اعتبارهما الأكثر شباباً، مع تباعد في الذهنية والموضوع بين الفيلمين لا يخلو من غرابة، ففي «حالة أنجيليكا الغريبة» (2010) حدّثنا عن مصوّر يُدعى ذات ليلة الى بيت أسرة ثرية لتصوير جثمان ابنتها المسجاة قبل الذفن. فيعيش المصور حالاً من الاستحواذ، إذ يجد أن الجثمان أمام كاميراه فقط تدبّ فيه الحياة. أما في الفيلم التالي «جيبو والشبح» (2012)، فإن ما لدينا – بتمثيل أخاذ من المخضرمين الثلاثة: ميكائيل لونسدال وجان مورو وكلوديا كاردينالي – حكــايـــة أسرة تتألف من محاسب عجوز وزوجته وكنّته، يعيشون في انتظار عودة ابن ذينك وزوج هذه الغائب في شكل غامض... لا يعرفون أين هو ولا لماذا غاب، لكنهم لسبب ما يعرفون أنه سيرجع... وهو بالفعل يرجع ولكن....

إذاً، عن عمر يماثل ضعف عمر أي مخرج كبير آخر من مبدعي السينما، رحل مانويل دي أوليفيرا قبل أيام مخلّفاً كل هذا المتن السينمائي، رحيلاً يقول لنا ببساطة إنه متن جدير بالاكتشاف.

المجتمع العميق حين ينظر إلى المرأة

نيودلهي - ندى الأزهري

في الموعد الذي كان مقرراً لعرض فيلم «ابنة الهند» على إحدى محطات التلفزيون الهندي الخاصة، قُطع البث لتظهر شاشة سوداء في وسطها شعلة من اللهب وذلك احتجاجاً على منع السلطات الهندية لبث هذا الفيلم الوثائقي الذي حققته البريطانية ليسلي أودوين.

سنتان من الجهد الدؤوب والتحقيق وصعوبات عملية ومعنوية لا تحصى لتحقيق الفيلم، حيث «ما إن نخرج من مومباي واستوديواتها حتى يغدو التصوير شاقاً مهما كان الموضوع بسبب ثقل البيروقراطية والمشاكل التقنية» كما صرحت المخرجة في حديث إلى جريدة «ليبراسيون» الفرنسية. الشريط الذي تعود فيه أودوين إلى حادثة اغتصاب جماعي لفتاة حتى الموت في نيودلهي، حظرت الحكومة الهندية عرضه بقرار من المحكمة (حتى على اليوتوب) في الرابع من آذار( مارس) الفائت لخشيتها من أن تثير تعليقات أحد المغتصبين الواردة فيه أجواء من الخوف والتوتر في البلاد لما فيها من ازدراء للمرأة.

كانت حادثة الاغتصاب المفجعة نهاية 2012 قد أثارت حينها موجة عنيفة من الاحتجاجات مطالبة بالقصاص من المجرمين وقتلهم ومتهمة الحكومة بعدم حماية النساء كما يجب. يومها انتحر أحد المعتدين المعتقلين في السجن (قالت عائلته أنه قُتل)، وحكم على أحدهم بالحبس ثلاث سنوات كونه كان قاصراً وقت الاعتداء (17 سنة)، فيما حكم على الأربعة الباقين بالإعدام.

اختبار للديموقراطية

لم تكن المخرجة تتوقع أن يثير فيلمها كل هذا الجدل وهي نفت في المقابلة مع «ليبراسيون» أدنى ميل لها للاستهزاء أو التشكيك، معتبرة أن الفيلم «نوع من الاختبار لقدرة الديموقراطية الهندية لمواجهة العوائق والمشاكل» كما قالت. كما استغربت أودوين منع الفيلم من قبل برلمانيين «لم يروه» كمعظم من يهاجمه على أية حال. لم يقتصر الغضب على هؤلاء فحسب بل جاء أيضاً من الجمعيات النسائية الهندية التي شعرت بخيبة الأمل لأن المخرجة لم تذكر نشاطاتها وكفاحها. المحطة التي أرادت بث الفيلم ارتكبت بحسب المخرجة خطأ ببثها شريطاً إعلانياً عنه مع عبارات لأحد المغتصبين «أخرجت من سياقها» فبدا الأمر وكأن الفيلم يقدم منصة للمجرم ليعبر من خلالها عن نفسه. كان نائب رئيس الشرطة قد وصف مقاطع المقابلة مع أحد المغتصبين الواردة في الفيلم بأنها «مهينة وهجومية وتسببت بحال من التوتر والخوف بين النساء في المجتمع وأن قرار المنع هو من مصلحة العدالة والحفاظ على الأمن العام.

قُسم الفيلم الوثائقي إلى عدة محاور كان يتنقّل بينها معتمداً كركيزة أساسية على الحوار مع الأبوين وأحد المغتصبين في السجن. واستهله لقاء والديّ الضحية والتعرف إلى هويتهما وأسلوب تفكيرهما، عائلة تقليدية شعبية لكنها لم تعتبر إنجابها بنتاً أمراً غير مرغوب به كما هي الحال في عديد من الأوساط الشعبية في الهند، لقد فرح الأبوين بـ«جوتي» وبذلا كل جهدهما في تعليمها ورضيا باستعمال المال المدّخر لمهرها كي تكمل دراسة الطبّ.

من كلام أم مفجوعة تفطر القلوب بمأساتها وكلامها وعينيها الحزينتين ودموعها السارحة على خديها، يدرك المشاهد مدى الأمل الذي كان ومن ثم مدى الفاجعة التي حلت على الأبوين. لكن الانتقال من تلك المشاهد المؤثرة إلى اللقاء مع أحد المعتدين في السجن يصيب المشاهد بصدمة من نوع آخر، فهذا الشاب (28 سنة) والمحكوم بالإعدام يظهر ليتحف المقابلة بآراء تبرر فعلته «حين تُغتصب ليس عليها أن تقاوم. عليها أن تبقى صامتة وتسمح بالاغتصاب. فبعد أن يقوموا بفعلتهم معها يرمونها ويكتفون بضرب الصبي الذي كان معها»، مضيفاً بوقاحة: «تقع مسؤولية الاغتصاب على الفتاة أكثر بكثير مما على الشاب... فتاة محترمة لا تهيم في الخارج في التاسعة ليلاً. العمل المنزلي هو للفتيات وليس التشرد في علب الليل والبارات لترتكبن أعمال سيئة وهن يرتدين ثياباً غير لائقة». لقد «أعطوها درساً» كما استنتج، و«التصفيق يحتاج ليدين» وتعليقات من هذا القبيل تبدي النظرة الذكورية الصادمة واللاأخلاقية إلى الأنثى.

ثم يعرّف الفيلم بالشخصيات وبيئتها. فتتوضح شخصية «جوتي» من خلال كلام والديها وصديقها، فهي فتاة مجدة جادة عملت إلى جانب دراستها لمساعدة أهلها، ثم يتلو ذلك سرد سير المعتدين. كان أحدهم رياضياًَ معتاداً على التحرش بالفتيات ومدمناً على الحقن النافخة للعضلات، وثان يعيش في المدينة بعيداً من زوجته وطفله وعائلته التي تقطن القرية، وثالث شاب تحت السابعة عشر... جميعهم من بيئة ريفية مدقعة الفقر قدمــوا إلى المدينة بحثاً عن عـــمل. كما توقف الفيلم عند آراء رجال الشرطة والممرضة وحقوقيين ومحلليـــن، وبيّن مشاعر أهالي الضحية والمجـــرمين وهذا الأمل الذي قُتــــل وانقتـــل لدى الطرفين من الأهل. كــما نقـل الاحتجاجات الضخمة التي تلــــت الحادثة والتي انتقدت الحكومة لعـــدم تقديمها الحماية الكافية للنساء.

وبين كل هذه المواقف أعاد الفيلم تركيب مشاهد يوم الحادثة. لقد سكر الشباب وذهبوا للتجول، وهنا بنت المخرجة الواقعة وتمثيلاً للجريمة فـــي صـــور مشوشة وخيالات تتحرك في مشاهد معتمة في باص. السائق هو الراوي: لقد صعدت الفتاة الحافلة، كانت نجحت في الامتحان الأخير وأرادت الاحتفال بالذهاب إلى السينما برفقة رفيق لها (بعلم أهلها). هاجمها الرفاق الستة الذين كانوا في الباص واغتصبوها واحداً تلو آخر بعد أن ضربوا رفيقها ولجأوا إلى العنف بسبب مقاومتها لهم بحيث أمست في النهاية في حالة يرثى لها، ثم رموها هي وصديقها لتفقد الحياة بعد أيام.

لو كانت ابنته

استعانت المخرجة بمحامي الدفاع ليتحف الفيلم هو الآخر بأقوال من نوع «إذا أقامت ابنتي أو أختي علاقة قبل الزواج وأساءت لنفسها وسمحت بأن تضيع كرامتها وشخصيتها بقيامها بأفعال كتلك، سأقوم بالتأكيد بأخذ هذه الابنة أو الأخت إلى بيت العائلة وأمام الجميع سأصبّ زيتاً عليها وأحرقها». كما أبرزت أقوال أخرى للمعتدين: «ماذا كانت تفعل في وقت كهذا مع شاب في الباص؟!».

المخرجة كما صرحت، أرادته فيلماً عن الناس الذين عاشوا هذه المأساة، عن هويتهم وكيف يفكرون، لكنه ذهب بعيداً مع كل من قابلتهم في الاتهامات والتحليلات عن العادات الاجتماعية ودور المرأة في المجتمع الهندي وثقافة العيب مع تركيز على النظرة الذكورية والتقاليد. ولكن، هل هذا يشكل وحده دافعاً للاغتصابات الجماعية التي تتزايد في الهند؟ وهل يكفي الإتكاء على هذه النظرة الذكورية الفجة للمرأة لدى أوساط عدة لتبرير الاغتصاب؟ وأين الحديث عن هذا المجتمع الذي يمور بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من الفرد تائهاً هائماً على وجهه في وسط لا يعرفه ولا مرجع له فيه ولا بيئة أليفة تحيط به؟، إنه مجرد مستهلك لكل ما تقدمه المدينة وطامع في استهلاك كل ما تتيحه المدينة من سيارات، وأضواء وأحذية رياضية و... فتيات! هذا ما لم يتحدث أحد عنه في الفيلم.

أسئلة الحيرة والقسوة كما يطرحها إنسان عصر القلق

مونتريال - «الحياة»

يشهد بعض صالات مونتريال عرضاً أول لفيلم «كلمات مع الآلهة» (مدته 135 دقيقة). ويتضمن هذا الفيلم تسعة شرائط وثائقية قصيرة تشكل مع بعضها بعضاً، فسيفساء من طقوس دينية تكتنفها مشاعر الغضب والإيمان والنشوة، ويقدمها تسعة مخــرجين من جنسيات وثقافات وأديان مختلفة. وهم جميعاً يتصدون لقضايا شعوب في مناطق نائية مـن العالم آمنت بعقائد ورؤى فلسفية وميثولوجية شغلت حيزاً كبيراً من تاريخ البشرية. ويعالجها كل مخرج من منطلق العقيدة التي نشأ عليها وترعرع.

يتضمن الفيلم الأول للمخرج غييرمو آرياغا عرضاً لفتاة حامل من السكان الأصليين في أستراليا. وتختار مكاناً نائياً تلد فيه وحدها. ويستند الفيلم في سياقه إلى عقائد السكان الدينية هناك، والتي تؤكد أن المولود هو نتاج مشترك من الأم والطبيعة التي تتكفل بحمايته ورعايته. وينتهي الفيلم بمشهد مؤثر يبدو فيه الطفل مغطى بالدم لتقوم الأم بقطع حبل الخلاص بأسنانها.

ويمتد الحديث عن الأطفال إلى الفيلم الثاني «الرجل الذي سرق بطة» لمخرجه الأرجنتيني هيكتور بابينكو. ويتضمن مشاهدات لبعض العادات الدينية والاجتماعية التي يختلط فيها العنف الأسري والحياة العبثية بنماذح غريبة من طقوس الحياة والموت (رجل مدمن على الخمر يعنف زوجته فتهجره ويموت طفله الرضيع ليصبح بعد الدفن مجنوناً، ويستعيض عن طفله ببطة سرقها. ويهيم على وجهه إلى أن يتلاشى ويجد نفسه في حلقة تمارس طقوساً دينية تؤمن بالخوارق الطبيعية).

صور غريبة

وفي فيلم «غرفة الرب» تواصل المخرجة الهندية ميرا نايير تتبع الديانة الهندوسية في شكل يوفق بين الحداثة والتقاليد المتجذرة في المجتمع الهندي في محاولة لا تخلو من نكهة كوميدية للتخفيف من حدة التصادم بين القديم والجديد. وهذه الحالة يترجمها مشهد عائلة هندوسية تزور بيتها الجديد القائم في عمارة حديثة. وخلال الزيارة يحدث خلاف بين أفراد العائلة حيال إصرار الام، على تخصيص غرفة للعبادة الهندوسية (غرفة الرب). ويتلو المشهد صور غريبة للرب الهندوسي هذا والذي يظهر تارة على شكل رأس فيل وتارة أخرى محاطاً بأشكال هواتف محمولة. وفي هذه اللحظات ينطلق طفل إلى خارح البناء باتجاه البحر ويختفي أثره.

أما المخرج الإسباني أليكس دي لا إيغليسيا فيقدم فيلماً في عنوان «الاعتراف» يتحدث عن غياب الإيمان لدى رجل كافر يحلم بالانتحار فيكون أن يستجيب الله له ويحقق حلمه.

ويلي ذلك المخرج الكردي بهمن قبادي في فيلمه «كابوكي» الذي يعرض توأماً برأسين ملتصقين يعيشان في بلدة كردية صغيرة. ويطرح الفيلم من خلال هذين التوأمين «السياميين» تساؤلات عدة بينها حيرة رجل دين عجز عن إيجاد حل لهذه الإعاقة النادرة من طريق الفقه الديني.

ومن اليابان يساهم المخرج هيدو ناكاتا في فيلم عن البوذية في عنوان «معاناة» يطلق فيه حواراً بين صياد فقد كل عائلته أثناء إعصار تسونامي وبين راهب بوذي حول عدالة السماء التي لا تتدخل لإنقاذ الأبرياء من الموت.

تساؤلات القلقين

أما فيلم «كتاب عاموس» للمخرج الإسرائيلي عاموس غيتاي، فيقدم نصوصاً من العهد القديم للديانة اليهودية تنبئ بالعنف والحرب والتدمير في المناطق المحيطة بإسرائيل. وتنتهي بانوراما الوثائق القصيرة هذه بفيلم للمخرج أمير كوستاريتسا جعل عنوانه «حياتنا». ويمثل وقفة تأملية حول طروحات الديانة المسيحية الأرثوذكسية الشرقية وتساؤلات عن الوجود. ويتناول المخرج من خلال تلك التأملات، دور راهب يختبر صبره وآلامه وقوة تحمله في نقل الحجارة ورميها.

وفي الختام يعرض المخرج المكسيكي غييرمو آرياغا شريطه المعنون «دم الرب» الذي يطرح منظوراً أيديولوجيا يمكن اعتباره أقرب إلى نص مسيحي عن أجواء القيامة. ويتمثل بحكاية أب يائس يروي لابنه المهندس الذي فقد إيمانه رؤى أحلام مضطربة لا يصدقها. وينتهي الأمر بانتحاره في مشهد فريد تمطر فيه السماء دماً على وقع موسيقي للبناني الأصل غابريال يارد.

«ترنيمة مدينة» والمجازفة بالوجوه الجديدة

لندن - «الحياة»

«لم أشعر بقوة ممثل جديد أقدمه للسينما منذ أن قدمت ليوناردو (دي كابريو).. إحساسي بأنه باستطاعتها أن تصل إلى القمة إذا أرادت ذلك». بهذه العبارات تحدث المخرج السينمائي مايكل كيتون جونز لجريدة الأوبزرفر البريطانية قبل أيام، معبراً عن رأيه بـ «اكتشافه» الوجه الجديد لاتيشيا رايت، الممثلة الشابة التي تقوم بالدور الأول في فيلمه «ترنيمة مدينة»، الذي ينهي عمليات المونتاج والميكساج له ليكون جاهزاً للعرض خلال الفترة المقبلة. و «ترنيمة مدينة» هو الفيلم الروائي الطويل الثاني الذي تنتجه شركة «دشيشة غلوبال للإنتاج السينمائي العالمي»، تحت إدارة رئيس مجلس إدارتها السعودي إبراهيم دشيشة وبإشراف المخرج/ المنتج أنور قوادري (صاحب الفيلم المعروف عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومسلسل «الموت الآتي إلى الشرق» التلفزيوني إضافة إلى عدد من الأفلام القصيرة والمتوسطة التي حققها في إنكلترا). وكانت الشركة نفسها أنتجت قبل فترة فيلم «هيدا غابلر»، عن مسرحية هنريك إبسين الشهيرة، من إخراج البريطاني ماثيو جون (الفيلم الأول له ولمجموعة من الفنانين معه).

وحول هذين العملين يقول مسؤولو الشركة السعودية العاملة في بريطانيا: «بهذا نكون حققنا أحد أهداف شركتنا، ألا وهو إعطاء فرص لوجوه جديدة -أمام الكاميرا وخلفها- لضخ دم جديد وتقديم أفلام مميزة في السينما العالمية..». هذا ليس بجديد -كما تذكّر الشركة- على المخرج أنور قوادري الذي كان قدّم فينولا هيوز في فيلم «كسارة البندق» أمام النجمة الكبيرة جوان كولينز ليختارها سيلفستر ستالون مخرجاً لتقف أمام جون ترافولتا في فيلم «البقاء حياً».. ثم أعاد الكرة مع النجم الأميركي جيف فاهي في أوائل التسعينات في فيلم «الصياد الأبيض ذو القلب الأسود» حيث أخذه كلينت إيستوود لبطولة الفيلم. علماً بأن قوادري نفسه كان أول من قدّم النجم المصري خالد الصاوي في السينما العربية في فيلم «جمال عبد الناصر» حيث قام بدور الزعيم المصري إلى جانب غادة عبد الرازق -وكانت في بداياتها- في دور برلنتي عبد الحميد، والراحل خالد صالح في دور صلاح نصر.

ويرى قوادري اليوم، أن النتيجة التي أسفر عنها قيام الوجه الجديد لاتيشيا رايت بالدور الأول في «ترنيمة مدينة»، تكشف عن «أن الاختيار كان صائباً»، كما حال اختيار مايكل كيتون جونز لإخراج هذا الفيلم. وعن هذا يقول قوادري: «مايكل لم يكن أخرج فيلماً منذ «غريزة أساسية2» لشارون ستون، ومن هنا كان من المجازفة أول الأمر أن يوافقني إبراهيم دشيشة لإعادته إلى العمل في لندن، إذ اقتنعت بأنه الخيار الصحيح، بعد أن تم الاتفاق على السيناريو مع الكاتب أن يقدم رؤية سينمائية مميزة في «ترنيمة مدينة»، الفيلم الذي يعالج قضايا الشباب وضياعهم على خلفية أحداث الشغب والفوضى التي حصلت في لندن وغيرها صيف 2011 الساخن». ويضيف قوادري: «إن هذه الاختيارات نابعة لدينا من كوننا ملتزمين بتقديم أفلام تعالج قضايا مستعصية وجريئة ومستعدين للمخاطرة بأسماء جديدة وهذا سينتج عنه أفلام تترك بصمة. وطبعاً يجب أن يتم ذلك عن قناعة وبعد بحث وتمحيص، لنبني مكتبة سينمائية لشركة دشيشة غلوبال فيلم للإنتاج السينمائي على طريق محاولتنا أن نوجد لأنفسنا مكاناً متقدماً في عالم الإنتاج السينمائي العالمي.. فهذه هي استراتيجيتنا لإنتاج أفلامنا السينمائية في السنوات القادمة، من دون أن ننسى أن السينما العربية بأزماتها ليست بعيدة من أعيننا لأننا بعد أن نثبّت خطانا وتصبح لنا مكانة في عالم الإنتاج والتوزيع العالمي، سندخل بإنتاج أفلام عربية/ أجنبية مشتركة لفتح أسواق جديدة للسينما العربية وعدم الاتكال فقط على الأسواق المحلية».

«آهات الحرية»: شتات الروح قبل البلدان

القاهرة - عزة سلطان

العلاقة بين الرمز والصورة علاقة قوية، ولا يقتصر استخدام الرمز في الإشارة إلى قيمة أو فكرة، على نوع من الصور، فالأمر ممتد من الصور الفوتوغرافية مروراً بالسينما الروائية وكذلك السينما الوثائقية.

فيلم «آهات الحرية» سيبدأ من لقطات أرشيفية لمشاهد من الثورات العربية، ما يُحيل المشاهد لا إرادياً للتفكير في الثورة، كل وفق بلده، وتبعاً لما تركته بداخله من خليط من المشاعر، قبل أن يبدأ الفيلم في التخصص، أو الاكتفاء ببقعة واحدة في الوطن العربي، وهذه الطريقة في التناول لافتة حيث البدء من لقطة عامة، قبل أن تصبح لقطة مقربة لحيز بعينه.

المياه العطنة، وأوراق الشجر المتساقطة، ولون رمادي يكسو الشاشة ستظل هذه الرموز تيمة أساسية في الفيلم الممتد زمن عرضه إلى خمسين دقيقة. عنونة الأماكن تيـــمة أخرى، فالمخرج أراد أن يـــصل بالمــشاهد إلى حقيقة الوضع في ســـورية، حالة من الشتات، فالشاشة ستتلوّن بأربعة بلدان يقطنها ضيوف الفيلم.

بـعد خمس دقائق من بداية الفيلم يدرك المشاهد أن الفيلم يدور عن الثورة السورية وحدها، دون بقية الثورات في المنطقة والتي تم الإشارة إليها في مفتتح الفيلم.

وسيلة الانتقال من ضيف إلى آخر وفق ما يستخدمه المخرج ستكون تداعيات الخريف، والرحيل، فالطرق يتم تصويرها من داخل السيارة في إشارة إلى مغادرة، والطريق يتآكل سريعاً، الأشجار الذابلة لا تنقطع رؤيتها لأكثر من ثلاثين دقيقة، واعتماد أن تكون هناك لقطات خارج المركز في إشارة أخرى إلى ضبابية المشهد، وعدم وضوح شيء. بصورة عامة يتم تناول الموضوع بطريقة آلية ومعتادة، مقابلات الضيوف تسير في روتينية، الحديث عن أسباب الرحيل والمغادرة، تلك التي حدثت قهراً، فالملاحقات كانت السمة الأساسية للدفع بعدد من الكُتاب والفنانين لمغادرة بلدهم سورية قسراً.

الانتقال من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر رغم أن الجميع سوريون، يُسهم في خلق إحساس الشتات لدى المشاهد، دون أن تكون هناك إشارات واضحة أو صريحة لكون الأوضاع الحالية قد صنعت حالة من الشتات للشعب السوري.

الحديث عن العقبات والصعاب التي يواجهها الضيوف يقول لنا أنها في مجملها صعوبات فردية، رغم عموم القضية، لكنّ ضيفاً واحداً فقط يتعرض إلى مشكلات اللاجئين السوريين، من برد وظروف إقامة صعبة، في حالة من الانتقال بالمشاهد من متابعة شريط الأخبار، إلى مشاهدة بشر يعانون من أجل الحياة.

يتعرض الفيلم لعدد من القضايا المهمة والمتعلقة بالسوريين خارج أرضهم، خاصة هؤلاء الذين هربوا نظراً لملاحقات، فالفنانة التشكيلية هبة العقاد تحكي عن ابنها الذي لا يمتلك أوراقاً ثبوتية وعمره عام واحد فقط. إن مثل هذه المشكلات التي يتعرض لها السوريون في بلاد اللجوء إنما تكشف عن حالات ومشاعر متعلقة بالوحدة والغربة والبرد، لتصل إلى مشكلات من نوعية خطيرة، تتعلق بهوية الفرد ووجوده القانوني.

في خضمّ هذا يمضي الفيلم في أُطره التقليدية في معالجة المحتوى، فبعد أن تعرفنا إلى المصاعب التي يمر بها كل ضيف، نرى شكل حياته في البلد الآخر. ثم في الثلث الأخير وفي الدقيقة 36 يبدأ التفاؤل يسود، عبر أحلام كل ضيف وتصوره المتفائل لنفسه وبلده.

عدوى التفاؤل

لكن هذا التفاؤل ليس لفظياً فقط بل تدعمه الصورة، فالشجر الذابل الذي سيطر على المشهد طوال ثلثي الفيلم، سيتلون وتصبح الأشجار خضراء، سنرى بنايات عديدة تحل محل البيوت المهدومة، التصوير يتم في نفق، ثم يخرج إلى منطقة مضيئة، التصوير من السيارة سيكون عبر طريق تقطعه السيارة ببطء في محاولة لتأمل معالمه، حتى اللقطات الأخيرة للفيلم، ومنها لقطة من داخل السيارة، حيث نرى لافتة تُشير إلى دمشق، وحين تتساقط الأمطار، يتم من طريق المسّاحات في السيارة مسح الزجاج لتتضح الرؤية، مع أن المطر ما زال يتساقط.

يتناول هذا الفيلم قضية مهمة قد لا ينتبه إليها الكثيرون نظراً لأن المنطقة مشتعلة بالعديد من التفاصيل ما يحول الوضع السوري إلى مجرد شريط أخبار على الشاشة، كما قال أحد الضيوف منتقداً، ورغم الأهمية التي لا ننفيها، فإن التعامل مع القضية تم عبر أدوات وطرق نمطية للغاية وتقليدية، تجاوزها كثر من صُناع الأفلام أخيراً، ناهيك بأننا أيضاً لن نتعرف إلى أسماء طاقم عمل الفيلم الذي عُرض دون عناوين «لدواعٍ أمنية».

وكنتيجة لهذا كله نجد أن تقليدية العرض والرمز ألحقت بالفيلم حالة من الفتور، وبعضاً من الملل، يكسره على أية حال التعاطف الذي قد تصنعه بعض الحكايات التي يرويها الضيوف، أو القطع المتوازي الذي يتم بين المقابلات، حيث إن الانتقال من بلد إلى آخر (تركيا – الأردن- لبنان) يصنع كسراً لحالة الملل التي تخلق التناول المكرر.

الحياة اللندنية في

10.04.2015

 
 

المخرج خالد الحلفاوي:

{زنقة ستات} فيلم مُبهج ترددت في قبوله

كتب الخبرهند موسى

قدَّم المخرج خالد الحلفاوي من خلال فيلم «زنقة ستات» أوراق اعتماده كمخرج سينمائي ينافس زملاءه المشاركين بأعمالهم في الموسم السينمائي الراهن، خصوصاً بعد ردود الفعل الواسعة التي حققها العمل لدى الجمهور. الحلفاوي قال إنه كان ينتظر هذه التجربة منذ سنوات طويلة عمل خلالها كمخرج مساعد في عدة أفلام من بينها «الجزيرة»، و{أعز أصحاب».
حول كواليس أول أعماله الإخراجية السينمائية، وأبرز الصعوبات التي واجهها كان لنا معه هذا اللقاء.

·        ما الذي دفعك لقبول {زنقة ستات} كأول عمل سينمائي من إخراجك؟

في الحقيقة ترددت في البداية كثيراً قبل الموافقة عليه لأنني لم أكن أتخيل أن تكون بدايتي في السينما من خلال عمل كوميدي، بل بفيلم درامي. وعندما علمت أن كريم فهمي، وهشام ماجد هما مؤلفا الفيلم توقعت أنهما لن يقدما أي عمل وحسب. وفعلاً وجدته كوميدياً راقياً ومبهجاً بعيداً عن الاستظراف أو الافتعال، وهو ما شجعني على قبوله.

·        ماذا عن اختيار أبطال العمل؟

حينما انضممت إلى فريق العمل كان المنتج والمؤلفان قد اتفقوا مع حسن الرداد وإيمي سمير غانم على بطولة الفيلم، ثم بدأنا اختيار باقي الممثلين كل في دوره المناسب، وبعد اختيارات عدة استقرينا على آيتن عامر، ومي سليم، ونسرين أمين، وبيومي فؤاد.

·        هل وجدت صعوبة في التعامل مع عمل كتبه اثنان من المؤلفين؟

كانت مشكلة فعلاً ولكن ليست صعبة، فمثلاً عندما أفكر في اقتراح جديد أتصل بكريم وأخبره به، ثم أعود لأحكي الاقتراح نفسه لهشام، والعكس، وقد يحدث ألا أتفق مع أحدهما في الرأي، فيقرر الثاني التدخل وإقناع الأول، وهكذا.

·        ألم تقلق من أن تكون بدايتك السينمائية مع المنتج أحمد السبكي؟

لا، لأن السبكي قدم أفلاماً كثيرة محترمة منها {كباريه}، {الفرح}، {واحد صحيح»، «الحرامي والعبيط}، كذلك قدم أفلاماً خفيفة. صحيح قلقت عندما علمت بأنه فيلم من إنتاجه، وأنه ينتمي إلى الأعمال الكوميدية، وسيُعرض في شم النسيم. لكن بعد التعرف إلى فكره الفيلم، وقراءة السيناريو تبين لي أنه جيد، وأرى أن من الظلم الحكم مسبقاً على فيلم قبل مشاهدته، وهو بدوره وفر  الإمكانات كافة التي نحتاج إليها ليخرج العمل على أكمل وجه.

·        ماذا عن ردود الفعل التي وصلتك؟

أسعدتني كثيراً، وإن كنت أترك مرحلة ما بعد انتهاء الفيلم وعرضه على الله، فقد بذلت ما أملك من مجهود في التصوير واختيار الفريق وتوجيه الأداء حتى خرجنا بهذه النتيجة. كذلك سعدت  حينما وجدت الجمهور يضحك في القاعات على المشاهد التي تخوفنا ألا يتجاوب معها. حتى إننا لم نقدم مشاهد مبتذلة أو بها إسفاف، وهو ما جعلني أشعر أنني محظوظ بنجاح العمل.

·        هل ما حققته من نجاح  سيدفعك لتكون تجربتك المقبلة كوميدية أيضاً؟

شخصياً، أتمنى ألا يكون عملي المقبل كوميدياً، كي لا يتم حصري في هذا النمط، لكن الأمر يتوقف على جودة النص والسيناريو، بمعنى أنني إذا تلقيت عرضاً لتقديم فيلم كوميدي على مستوى {زنقة ستات} نفسه أو أعلى منه حتماً سأقبله ومن دون تردد، فلن أجلس في منزلي منتظراً النوع المختلف الذي أتمناه.

·        ماذا عن كواليس تصوير {زنقة ستات}؟

سادتها المحبة والود، فمنهم من تربطني به علاقة صداقة قبل هذا العمل، ومنهم من تعرفت إليه للمرة الأولى في الفيلم، سواء أمام الكاميرا أو خلفها. ولكن عموماً لم نشهد أي مشكلات لأن كل فنان كان يرغب في تقديم دوره على نحو جيد خلال مدة تصوير الفيلم والتي وصلت إلى نحو 18 يوماً على مدار شهرين تقريباً، والصعوبات التي قابلتني كانت عادية لا تعد مشكلات قوية تعرقل التصوير.

·        ماذا عن الشخصيات المتعددة التي قدمها بطلا الفيلم؟

لم أجد صعوبة في توجيه كل من إيمي سمير غانم وحسن الرداد في تجسيد الشخصيتين، خصوصاً أن إيمي شخصية كوميدية بالأساس وتحب الضحك بطبيعتها، لذا قدمت الدور كما يجب، كذلك اجتهد حسن  كثيراً حتى خرجت المشاهد وفقاً لما هو مكتوب في السيناريو، وعلى النحو الذي أتوقع أنه يرضي الجمهور.

·        كيف وجدت إشاعات تصنيف هيئة الرقابة للفيلم {للكبار فقط}؟

لم أفهم السبب في الترويج لهذه الإشاعة، وفوجئت عند قراءتها في كثير من المواقع الإخبارية، وللتحقق من الأمر تحدثت إلى المنتج أحمد السبكي الذي أوضح لي أنه لم يكن تقدم للحصول على تصريح بالعرض من الأساس آنذاك، وبالتالي لم يتم تصنيف العمل.

·        في رأيك... هل كانت ملصقات الفيلم سبباً في هذه الإشاعة؟

ربما تسبب بذلك مشهد الاستحمام. بالمناسبة، هذا المشهد غير موجود في الفيلم من الأساس، وإنما تم الترويج للأبطال من خلاله، وعبر مجموعة أخرى من الملصقات ذات الموضوعات المتغيرة، والهدف منها إضفاء أجواء من المرح على العمل. ومن سيشاهد الفيلم سيتأكد من غياب هذه المشاهد، وأن الفيلم عائلي يمكن لأفراد الأسرة كافة متابعته.

·        أي نوعية من الأعمال يرغب الجمهور في متابعتها راهناً؟

بالطبع الكوميدية، ففي السنوات الأخيرة تسببت الأحداث السياسية في سوء الحالة المزاجية للمشاهدين، وبالتالي فإنهم بحاجة إلى أعمال تخرجهم من هذا الاكتئاب إلى حالة أفضل، وأعتقد أن {زنقة ستات} أحد الأعمال التي ستساعدهم في ذلك.

·        ما جديدك؟

ثمة اتفاقيات على مشروعات سينمائية جديدة، ولكني لم أستقر على أي منها حتى الآن، وأود الاستمرار في متابعة أصداء عملي الأول.

·        هل ستُكمل مشوارك في السينما أم ستتجه إلى التلفزيون؟

سبق وأخرجت مسلسل {فرصة تانية} في دبي وقامت ببطولته مجموعة من النجوم منهم فراس سعيد، وهيدي كرم. ولكن عموماً تعددت المجالات والإخراج واحد، وإن كانت السينما هي الأقرب إلى قلبي، لذا أنوي التركيز فيها في الوقت الحالي.

فجر يوم جديد: {أسوار القمر}

كتب الخبرمجدي الطيب

فيلم «أسوار القمر» أحد الأفلام التي لا يمكنك أن تشاهدها عبر الأقراص المدمجة أو من خلال أي وسيط آخر، لأن المكان الوحيد للفرجة عليه هو شاشة السينما في قاعة مُظلمة، بعدما وظف المخرج طارق العريان كل ما في جعبته من موهبة وحرفية لتقديم تجربة فنية تذخر بالإثارة والتوتر والحيل الفنية والمؤثرات البصرية، ولا تخلو من المشاعر الإنسانية، واستدعاء للأسطورة والتراث إذا لزم الأمر.

في جو ينذر بالخطر، حيث السماء الملبدة بالغيوم التي تخفي وجه القمر، والظلمة الحالكة التي يشق هدوءها الرعد والبرق، نتبين ملامح {زينة} (منى زكي) التي تخترق الظلام، وعند خروجها إلى النور نكتشف أنها كفيفة، ووسط الموسيقى الصاخبة نتابع وقائع معركة شرسة، تدور في البحر أمام الفيلا التي غادرتها {زينة}، بين غريمين تنتهي بأن يضرب أحدهما الآخر بحجر يشج رأسه، ولحظتها لا تستطيع أن تنحي عن مخيلتك ما رواه العهد القديم عن {قابيل} الذي قتل {هابيل}، وتركه ملقى في العراء فطاردته اللعنة، وبدأ رحلة تيه وهروب. لكن كاتب السيناريو محمد حفظي يهرب من الوقوع في الفخ، ويُجري تغييرات جوهرية عندما يكتفي بأن يترك {أحمد} (آسر ياسين) {رشيد} (عمرو سعد) مغشياً عليه في البحر، ويهرب بصحبة {زينة}، التي لا تدري من أمرها شيئاً لكنها تشعر بتعاطف خفي تجاه {رشيد}، الذي يطاردهما براً وبحراً، ويلجأ {أحمد} إلى مذكراتها الصوتية، التي سجلتها قبل أن يكف بصرها، لينعش ذاكرتها، ويبرئ ساحته أمامها!

مع اللقطات الأولى للفيلم ينجح المخرج طارق العريان في استعادة لياقته الفنية، وبراعته الحرفية، التي عودنا إياها في أفلامه: {تيتو} (2004)، {السلم والثعبان} (2001)، {الباشا} (1993) و{الإمبراطور} (1990)، فالدراما البصرية عنده لا تقل أهمية عن دراما الحكي والسرد. ومثلما يخرج بالكاميرا عن الأطر المعتادة للأماكن التقليدية، يقدم رؤية إبداعية مبتكرة للمطاردة باليخوت البحرية، ومن قبلها التلاحم بالأيدي في البحر، كما يتفنن في تقديم قراءة بصرية جديدة للسيناريو، ويُبحر بالمتلقي في رحلة من الغموض والخوف من المجهول الذي يطرق الأبواب في صورة امرأة كف بصرها لكنها لم تفقد بصيرتها، ويخت يقاوم العنف والأمواج المتلاطمة، وحقيقة ملتبسة عن رجلين أحبا امرأة كلٌ بطريقته، وكعادة المرأة تركت نفسها فريسة لصاحب الكلام المعسول حول {الموتى الذين يقبعون خلف أسوار القمر في انتظار اكتماله ليتحدثوا مع الأحباء}، قبل أن تفيق لنفسها، وتُدرك أنها ضحية مخبول تصور أنه {روميو} الذي ينبغي لـ {جولييت} أن تنتحر من أجله أو معه!

أجواء تُعيد التذكير بالفيلم الأميركي (Cape Fear (1991 إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو مع نيك نولت وجيسيكا لانغ. فالعنف الجسدي، الغيرة المرضية، التشوه النفسي والصراع على المرأة، ملامح مشتركة بين الفيلمين، فضلاً عن احتدام الصراع الرئيس في يخت تتنازعه العاصفة ويُهدده الغرق. لكن {العريان} يُضفي لمساته الخاصة على النص الذي كتبه محمد حفظي، وعلى غير العادة لم يقطع {الفلاش باك} تدفق الأحداث، وإثارتها، ولولا السنوات الطويلة التي استغرقها تصوير الفيلم، وظهر أثرها على نسخة العرض، كذلك بعض الضعف الذي شاب {الغرافيكس} والخدع البصرية، لأصبحنا أمام تحفة سينمائية تضافرت فيها عوامل عدة، كالتصوير المبهر (أحمد مرسي ونزار شاكر) والمونتاج المُحكم (ياسر النجار) والموسيقى (هشام نزيه)، والأداء التمثيلي الذي يعكس نضج الثلاثي: منى زكي، آسر ياسين وعمرو سعد من ناحية، كما يؤكد مهارة العريان في إدارة الممثل، سواء من خلال توظيفه في الدور المناسب أو تغيير النمط الذي اعتاده الجمهور، فضلاً عن خلق {هارموني} (انسجام) بين الممثلين، بعد بث روح التنافس المشروع بينهم، وهو الأمر الذي بدا جلياً في أداء الفنانين الثلاثة على الشاشة.

في {أسوار القمر} دفعت {زينة} ثمناً غالياً حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتُفرق بين الحب الحقيقي والمزيف، والمثير أنها أدركت، وهي كفيفة، الحقيقة التي لم تتوصل إليها وهي غارقة لأذنيها في عالم الدخان الأزرق والزيف والانبهار الخادع، وربما جاءت النهاية السعيدة، التي مات فيها الشرير {رشيد} وعادت فيها {زينة} إلى {أحمد} أقرب إلى نهايات أفلام الأربعينيات والخمسينيات، لكنها لم تطفئ جذوة النشوة وأجواء الإثارة التي شاعت في أرجاء الفيلم بلغة سينمائية رفيعة الشأن، ومشاعر متباينة، وشخصيات متناقضة، ونفوس لا تستطيع أن تنفذ إلى أعماقها بسهولة.

أكد فيلم {أسوار القمر}، ومن قبله {الفيل الأزرق}، أن الخارطة الإنتاجية في السينما المصرية في سبيلها إلى التغيير، وأن شركات الإنتاج باتت تملك الجرأة التي تدعوها لتدشين سينما جديدة بعيدة عن الأنماط السائدة، والأفكار المستهلكة، والأمل كبير في المزيد من التجارب المختلفة.

لعبة الكراسي الموسيقية بين أفلام موسم الصيف السينمائي

كتب الخبرهيثم عسران

البداية المبكرة لموسم الصيف السينمائي بسبب قدوم شهر رمضان في منتصف الصيف، أجبرت منتجي الأفلام على الدفع بأعمالهم مع بداية أبريل الجاري حتى نهاية يونيو ليبدأ النصف الثاني من الموسم في مطلع شهر أغسطس ومع بداية عيد الفطر.

المؤكد أن خريطة الأعمال السينمائية التي يفترض طرحها في دور العرض يحيطها الغموض، حيث يُستبدل بعض الأفلام بأخرى سواء بسبب عدم جاهزيتها للعرض أو تأجيلها خوفاً من عدم تحقيقها إيرادات كبيرة، ذلك مع ضيق الوقت ووجود عدد كبير من أفلام أجنبية حققت نجاحاً كبيراً ولا تزال في شباك التذاكر المصري.

هي لعبة الكراسي الموسيقية بين التأجيل والتبكير والطرح وترقب الإيرادات، خصوصاً بعدما فشلت الأفلام في حصد إيرادات خلال الموسم الماضي وما جُمع منها كان أقل من المتوقع، فيما يشهد الموسم، وللمرة الأولى منذ فترة، غياب الأفلام ذات التكلفة المرتفعة، حيث اعتمد المنتجون على طرح أعمال محدودة التكلفة خلال الموسم، بينما لم تتجاوز ميزانية أي من الأفلام المرشحة للعرض الخمسة ملايين جنيه.

على الجانب الآخر، أجَّلت شركة «نيو سينشري» طرح  «الخلبوص» الذي يتقاسم بطولته محمد رجب مع إيمان العاصي رغم الإعلان عن طرحه خلال الربيع، حيث قررت الشركة الاكتفاء بطرح «كابتن مصر» الذي يقوم ببطولته محمد عادل إمام خلال الموسم الجاري مع تأجيل «الخلبوص» لموسم عيد الفطر.

رجب الذي خرج من السباق السينمائي رغم تحديد الشركة موعد طرح الفيلم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بعد انتهاء التصوير مطلع العام الجاري، عليه انتظار طرح  «الخلبوص» قبل المشاركة في أعمال جديدة، خصوصاً مع رغبته بالتركيز في السينما والابتعاد عن الدراما التلفزيونية.

ويتردد أن السبب الحقيقي في تأجيل شركة «نيو سينشري» فيلم «الخلبوص» هو تشابه قصته مع «زنقة ستات» الذي طرحه المنتج أحمد السبكي في الصالات أخيراً. وتدور أحداث الفيلمين حول شاب مولع بالنساء لكن في سياقات مختلفة.

كذلك أصبح «سكر مر» الذي يخرجه هاني خليفة ويقوم ببطولته كل من آيتن عامر وأحمد الفيشاوي وهيثم زكي وكريم فهمي وعمر السعيد، خارج السباق الذي كان من المفترض أن تدخله الأفلام، إذ قررت الشركة المنتجة تأجيله ليطرح خلال موسم عيد الفطر المقبل.

وتأجل الفيلم بسبب عدم انتهاء هاني خليفة من المونتاج وعمليات الميكساج، كذلك عدم طباعة النسخ، علماً بأن الفيلم سيعرض خلال موسم عيد الفطر المقبل في الصالات المصرية، خصوصاً بعدما اتفقت الشركة المنتجة على طرحه في الصالات العربية بالتزامن مع عرضه في مصر.

الثلاثي أوكا وأورتيجا وشحتة

التأجيل أيضاً كان من نصيب فيلم «4 كوتشينة» الذي تقوم ببطولته الممثلة الأردنية هيام الجباعي، والذي تأجل عرضه لموسم عيد الفطر رغم أن الفيلم مؤجل منذ فترة ويشاركها في بطولته الثلاثي أوكا وأورتيجا وشحتة، فيما ستبدأ حملته الدعائية خلال شهر رمضان المقبل.

وحتى الآن لم يحسم المنتج أحمد السبكي موقف فيلمه الجديد «حياتي متبهدلة» الذي يقوم ببطولته كل من محمد سعد ونيكول سابا.

انتهى تصوير الفيلم أخيراً، ولكن لم يحدد السبكي ما إذا كان سيعرضه خلال الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل عدم تواجد نجوم الصف الأول في السينما خلال تلك الفترة، وفي حال تأجيله إلى موسم عيد الفطر سيتنافس مع «ولاد رزق» الذي يعود من خلاله أحمد عز إلى السينما.

المخرج شادي علي أوشك على الانتهاء من مونتاج الفيلم خلال الفترة الحالية، فيما ستطرح الأغنية التي قدمها محمد سعد مع الراقصة صوفيناز ضمن الحملة الدعائية قريباً، وسيطرح العمل بأكثر من 50 نسخة، ويعول سعد عليه في استعادة صدارة شباك التذاكر بعد تراجع  سنوات عدة.

أما الشركة المنتجة لفيلم «كرم الكينج» الذي يقوم ببطولته محمود عبد المغني فقررت طرحه خلال النصف الأول من الموسم السينمائي رغم ترشيح الفيلم للعرض خلال موسم عيد الفطر، بسبب رغبتها في الاستفادة من قلة الأفلام المطروحة خلال الموسم الحالي.

وبدأت الشركة بحملة دعائية للفيلم عبر القنوات السينمائية المختلفة، بالإضافة إلى الترويج لصفحته على «فيسبوك» علماً بأن بطل الفيلم محمود عبد المغني سيقوم بجولة على الصالات السينمائية بالتزامن مع طرح الفيلم لمشاهدته مع الجمهور بهدف زيادة الإيرادات.

الجريدة الكويتية في

10.04.2015

 
 

مسيرة فنية استئنائية

رحيل أعظم فناني العراق.. خليل شوقي

عبدالجبار العتابي

بغداداعلن في مدينة لاهاي الهولندية عن رحيل الفنان العراقي خليل شوقي، عن عمر 91 عاما في احد مستشفيات مدينة لاهاي بهولندا التي يقيم فيها منذ 19 عاما مع اسرته.

رحل عن الدنيا الفنان العراقي القدير خليل شوقي يوم الخميس التاسع من نيسان / ابريل 2015،بعد صراع مع الشيخوخة والمرض، رحل في غربته ايضا  وكأن المبدعين العراقيين محكوم عليهم الموت في اوطان بعيدة غير وطنهم العراق لتهتز المدامع صاخبة من وجع البعاد ووجع الرحيل.

ويعد الفنان خليل شوقي من اعظم فناني العراق وقامة عالية من قامات الفن العربي، وصاحب مسيرة فنية استثنائية، قدم للمسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة اعمالا ظلت راسخة في الذاكرة الشعبية للناس ومن ثم الذاكرة الفنية للعراق،وهو فنان شامل بمعنى الكلمة، فقد جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل وغطى نشاطه الفني مجالات المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة، أحبه الناس ممثلا ومخرجا ومؤلفا، وعشقوا أدواره في التلفزيون والمسرح والسينما، وحفظوا مقاطع لا تحصى منها، وحفظنا أسماء الشخصيات التي مثلها، مثلما ابهرتهم طريقة أدائه المميزة، وسحرهم صوته البغدادي  الدافئ الجميل، واطربتهم تلقائية أدائه المميز في كل شيء.فيما تظل شخصيته في مسرحية (النخلة والجيران) شاخصة وهو يهمس  لـ"سليمة خاتون"،تقابلها شخصية (قادر بيك) المذهلة في مسلسل (الذئب وعيون المدينة) وتربصه المدهش بـ (حسنية خاتون)، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

كان الراحل يحرص دائماً أن يؤكد في مستهل لقاءاته قوله "أنا كردي، بغدادي الهوى.. وطني العراق"وهو ما أكده ايضا في فيلم وثائقي عنه عُرض في ليلة مهرجان الخليج الافتتاحية الذي احتفى به وبمسيرته الفنية المعطاء عام 2013.

والراحل خليل شوقي، ولد يوم 14 من شهر ايار / مايو عام 1924م في بغداد، وارتبط بالفن بتشجيع من أخيه الأكبر، فدخل قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد مع بداية تأسيس هذا القسم، لكنه هجر الدراسة فيه بعد أربع سنوات، وما لبث أن عاد اليه ليكمل دراسته ويتخرج منه حاملاً معه شهادةً دبلوم في فن التمثيل عام 1954.

عمل موظفًا في دائرة السكك الحديد،وأشرف علي وحدة الأفلام فيها وأخرج لها العديد من الأفلام الوثائقية والإخبارية، وعُرضت في تلفزيون بغداد بين عامي 1959 و1964.

مميز في المسرح والسينما

كانت بدايته مع المسرح، وكان من مؤسسي "الفرقة الشعبية للتمثيل" في عام 1947، ولم تقدم الفرقة المذكورة آنذاك سوى مسرحية واحدة شارك فيها الفنان خليل شوقي ممثلاً، وكانت تحمل عنوان "شهداء الوطنية" أخرجها الفنان الراحل ابراهيم جلال، وفي عام 1964 شكّل فرقة مسرحية بعنوان "جماعة المسرح الفني" بعد أن كانت أجازات الفرق المسرحية (ومنها الفرقة المسرحية المشهورة فرقة المسرح الحديث التي كان ينتمي إليها) قد الغيت في عام 1963، وقد اقتصر نشاط الفرقة المذكورة علي الإذاعة والتلفزيون، وكان أيضا ضمن الهيئة المؤسسة التي أعادت في عام 1965 تأسيس (فرقة المسرح الحديث) تحت مسمى "فرقة المسرح الفني الحديث" وانتُخب سكرتيرًا لهيئتها الإدارية.

عمل الراحل في  هذه الفرقة ممثلاً ومخرجاً وإدارياً وظل مرتبطاً بها إلي ان توقفت الفرقة المذكورة عن العمل، وقد أخرج للفرقة مسرحية "الحلم" عام 1965، وهي من أعداد الفنان الراحل: قاسم محمد، ومن أشهر أدواره المسرحية التي قدمها ممثلاً دور مصطفي الدلال في مسرحية "النخلة والجيران" التي كان اداؤه فيها ساحرا وخلابا لاسيما في تناغمه مع أداء الفنانة الراحلة زينب، وهو  ما منحه صفة التميز، وكذلك تجسيده شخصية البخيل في مسرحية "بغداد الأزل بين الجد والهزل"، ودور الراوية في مسرحية "كان ياما كان"، وهذه المسرحيات الثلاث من إعداد الفنان الراحل قاسم محمد.

في مجال الإخراج السينمائي تهيأت له فرصة في عام 1967 لإخراج فيلم "الحارس" (وهو فيلمه الروائي الوحيد الذي أخرجه)،وقد شارك بالتمثيل فيه، كتب قصته المخرج السينمائي العراقي قاسم حول، وشارك في عدد من المهرجانات السينمائية، ففاز بالجائزة الفضية في مهرجان قرطاج السينمائي عام 1968 كما فاز بجائزتين تقديريتين في مهرجاني طشقند وكارلو فيفاري السينمائيين. واشترك في تمثيله : زينب ومكي البدري وقاسم حول وسليمة خضير وكريم عواد وفاضل خليل.

رائد في التلفزيون

اما في التلفزيون فيعدّ الفنان الراحل رائدا من رواد العمل التلفزيوني في العراق. فقد عمل في تلفزيون بغداد منذ عام 1956 وهو عام تأسيسه، عمل مخرجا وممثلا بعد أن دخل دورة تدريبية، وهو يقول أيضا انه كتب أول تمثيلية عراقية للتلفزيون، وهي ثاني تمثيلية تقدم من تلفزيون بغداد ولكنها أول تمثيلية تكتب خصيصا  للتلفزيون. ولعل أبرز أدواره التلفزيونية دور (قادر بك)  في مسلسلي "الذئب وعيون المدينة" و"النسر وعيون المدينة" الذين كتبهما عادل كاظم وأخرجهما الراحل إبراهيم عبد الجليل. وهذه الشخصية شكلت علامة فارقة بين الشخصيات التلفزيونية للاداء الرائع الذي قدمه الراحل فكان في اوج توهجه وقد منحه الناس تقديرا عاليا لازال يذكر له، ومن أدواره أيضا  دور "أبو جميل" في مسلسل "جذور وأغصان" الذي كتبه عبدالوهاب الدايني وأخرجه عبد الهادي مبارك، ودور "عناد" في مسلسل "صابر" ودور "صادق" في مسلسل "الكنز"، والمسلسلان من تأليف الراحل: عبد الباري العبودي وإخراج الراحل حسين التكريتي. وأدي دور "أبو شيماء" في مسلسل "بيت الحبايب" الذي كتبه الراحل عبد الباري العبودي وأخرجه حسن حسني، إلى جانب أدواره في مسلسلات: "الواهمون" تأليف: علي صبري، وإخراج: عادل طاهر، و"دائما نحب" الذي أعده وأخراجه صلاح كرم عن مسلسل كتبه قاسم جابر للإذاعة، و"إيمان" لمعاذ يوسف ومن إخراج حسين التكريتي، و"بيت العنكبوت" من تأليف عبد الوهاب عبد الرحمن وإخراج الراحل: بسام الوردي. وتألق أداؤه دور الراعي في تمثيلية "المغنية والراعي" التي كتبها معاذ يوسف وأخرجها الفنان القدير حسن حسني.

احتفاء بميلاده التسعين

اخر نشاطات الراحل.. كان حضوره في مهرجان الخليج السينمائي في دبي عام 2013 الذي احتفى بحاضره وتاريخ فنه، حضر المهرجان حاملاً جهود 60 عاماً من العطاء في مجال الإخراج والتأليف والتمثيل التلفزيوني والمسرحي، قادماً الى دبي من هولندا التي تحولت من منفى قصده قبل 18 عاماً إلى مستقر لأسرته.

وكانت اسرته الفنية الصغيرة قد احتفلت بعيد ميلاده التسعين في 14 / 5 / 2014 في لندن، فقدمت عملاً فنياً جميلاً، وهو مسرحية "همس الياسمين" التي تم إعدادها عن قصة قصيرة بعنوان "الاختان" للكاتبة الكولومبية ماريا دل سوكورو غونزالس، شارك افراد عائلة شوقي في هذا العمل الذي عرض على خشبة مسرح Questors theatre وعلى مسرح في لندن وقبل بدء العرض تم استعراض بعض اعمال الاستاذ خليل شوقي خلال مسيرته الفنية الطويلة من أعمال مسرحية وسينمائية وتلفزيونية، كان الممثلون حسب الظهور هم: روناك شوقي بدور ماريا، عشتار فاروق المفرجي حفيدة خليل شوقي بدور الاخت روز، ربيع العبايچي بدور ڤكتوريا، مي خليل شوقي بدور العمة، رويدة شوقي (ابنة فارس شوقي) بدور ساندرا، أيسر شوقي بدور لارا، والمسرحية من إخراج روناك شوقي، الديكور واثق شوقي، المدير الفني فارس شوقي.

حزن مضيء

وفي ظل الحزن الذي غمر  جمهور محبي الراحل، يمكن ان نردد ما قاله الدكتور فاضل السوداني وهو يخاطب الراحل الكبير خليل شوقي : أيها الفنان.. أمجدك كشهاب مازال يضئ سماء مسرحنا العراقي والعربي. ولكن كم كان بودي أن نحرق سوية تلك النذور التي لم نستطع حرقها على سواحل دجلة المقدسة في ليالي الشجون، ليالي المسرح العراقي في زمن بهائه، وليالي فرقة المسرح الفني الحديث. ايها الفنان أمجد فيك تاريخا مازال حيويا، وزمنا لم يستطيعوا سرقة بعضه إلا خلسة وتهيبا.

خليل شوقي... في أمان الله!

قاسم حول

بين لحظة وأخرى كنت أنتظر القول "في أمان الله" فكلنا راحلون من هذا الزمن وعن هذا الزمن يا أبا مي، هي سنة الحياة وقانونها الذي يرفض الجدل

في أمان الله، فهي رحلة طالت أم قصرت، لكن المؤلم فيها عراقيا أنها رحلة قاسية ملأى بالنذالة، لذا وأنت المترفع دائما رفضت التوجع فيها فآليت الوجع مع نفسك حتى لا يشمت فيك الزمن. تعرف أنها مرحلة قاسية حين فضلت الإنزواء لأن الأضواء بات البرغش يتطاير حولها ويشغل الفراغ الذي تركته أنت ليس الآن بل منذ وقت طويل!

وأنا أنتظر دوري! كنت أنتظر دوري يوما في زقاق من أزقة الكريمات ونحن ننفذ فيلم الحارس من إخراجك، وأنت واقف بالقميص الأزرق ليس فقط ترسم مسار الكاميرا بل كنت ترسم مساري، وأنا أنتظر كيف ترسم مسار الكاميرا وكيف تحدد زاويتها كي أتعلم منك.

خليل .. أبا مي أبا فارس .. أنا الذي أردتك أن تكون مخرجا لفيلمي "الحارس" ولم أجد عنك بديلا ولم أكن أريد بديلا عنك. فأنت الشاطر والمعلم والذكي الموهوب في شبابك في أعوام الستينات. كنت أنا تلميذا وسأبقى تلميذا وكنت أنت معلما ورحلت معلما. وستبقى في ذاكرة الأجيال المثقفة والأجيال السينمائية معلما عظيما.

بعد أن تعلمت منك الكثير وغادرت الوطن إلى بيروت وهناك أكملت دروسي، عدت إلى بغداد لأنفذ فيلم الأهوار ومن بعده فيلم بيوت في ذلك الزقاق.

كان عندي مشهد حذفته السلطة من الفيلم. كان المشهد ليلا في الساعة الواحدة ليلا في ساحة التحرير وأمام نصب الحرية وكنت أصمم اللقطة فصعدت في الرافعة مع الكاميرا وحين توقفت الكاميرا في فضاء ساحة التحرير والساحة خالية من الناس سوى الممثلين شاهدت شخصا جاء من شارع السعدون ووقف قرب مكتبة المثنى وكنت أنت، فطلبت أنزال الكاميرا لأغادر الرافعة وذهبت نحوك وكنت متكئا على جدار المكتبة. ذهبت وقبلتك قائلا "هذا تلميذك الذي يدير المشهد. أنت معلمي وأستاذي" أتذكر أنك قلت لي "أتركني وحدي، وإذهب لتنفيذ المشهد".

خليل شوقي، ماذا بوسع المرء أن يقول في رحيلك .. الكلمات تفقد معناها، وكل شيء مؤلم وأكثر إيلاما سلوك الوطن بكل ما يحتوية من مكونات لم يعد لها معنى ولا قيمة. وإلا كيف ترحل أنت بدون ذلك الزخم المتوقع في ودعاك. سيودعك أهلك وأصدقاؤك ومحبيك في الغربة وأنا بينهم التلميذ الذي تعلم منك الحرفة والخلق الجميل والحب الذي صار إجلالا

كنت ترفض الحديث عن تجربتك وحياتك .. والله معك حق ايها المعلم. والله معك حق.  وكلنا الذين نتحدث ونظهر على واجهة الشاشات لا حق لنا. فالكلمات وأنت تعرف فقدت معناها. ليس ثمة معنى للكلمات مهما صيغت ومهما كتبت ومهما دونت ونشرت .. لا معنى لها في معنى الموت والرحيل وفي معنى الغربة والنسيان. وفي معنى غربة المثقف وإغترابه

يقول كل القادة المزيفيين، وتقول كل الأحزاب المتفائلة قسراً، ويقول كل المتفائلين إدعاء "وطني دائما على حق" كلا .. أنت دائما على حق يا خليل، وصمتك دائما على حق، ووحدتك دائما على حق، وغربتك دائما على حق. ماذا سيقول أهل العراق بحق مبدعهم الجميل .. هل من كلمات تقال، وهل من إعتذار يقال. هل أعتذر نيابة عنهم. لم يخولني احد أن أعتذر نيابة عنه. أعتذر أنا منك وعزائي الوحيد إني سرت خلفك في المسيرة الفنية فرحا، وها إني سوف أسير خلفك حزينا دامعا، فصبرني أنت في وداعك، وأربت على كتفي وأمسح دموع عيني. فليس غيرك من يحمل ذاك الحنين الجميل حتى في توحده وسفره في الطريق الموحش الأخير. سامحني فقط أني لم أغلق جفنيك. يصعب علي ذلك  .. في أمان الله.

تلميذك .. قاسم حول

إيلاف في

10.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)