كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

آل باتشينو لـ«القدس العربي»:

أطفالي لا يحبّون الخروج معي بسبب كوني مشهوراً

حسام عاصي - لوس انجلس- «القدس العربي»

 

عادة ما يبدأ الفنان مسيرته الفنية مجهولا. بعض الفنانين يقفز من الغموض الى الشهرة العالمية بشكل مفاجئ وآخرون يشتهرون بشكل تدريجي. منهم من يصمد امام تحديات وإغراءات الشهرة ومنهم من ينهار تحت وطأتها. ولكن السؤال الذي يطرحه فيلم «داني كولين» من اخراج دان فوغلمان ومن بطولة آل باتشينو هو كيف تؤثر الشهرة على فن الفنان؟

فيلم «داني كولين» مستلهم من قصة الموسيقيّ والملحن ستيف تيلستون، الذي لقي ألبومه الاول نجاحا نقديا وتجاريا عام 1971. وفي لقاء صحافي مع مجلة الموسيقى زيغ زاغ رد على سؤال ما إذا كان الثراء والشهرة سوف تؤثر على ألحانه؟ قائلا: «طبعا، سوف يكون لها تأثير ضار جدا». ولكن بعد اربعة عقود من سيرته المهنية، تيلستون بقي صادقا مع نفسه ولم يتأثر فنه من الشهرة والمال. وفي عام 2005، اكتشف وجود رسالة بيد مجمع تذكارات، كان بعثها له نجم فرقة البيتلز، جون لينون، بعد ان قرأ تلك المقابلة، وفيها يقول له لينون «الثراء لا يغير تجاربك كما تظن». هذه القصة ألهمت فوغلمان أن يسبر رد فعل شخصية فيلمه، داني كولين، على اكتشاف رسالة من لينون لو انه كان فعلا مشهورا جدا وغنيا جدا وتعيسا جدا. فعلى غرار تيلستون، تنطلق مسيرة كولين المهنية في اوائل السبعينيات وبفضل أغنية ناجحة «هي بيبي دول» فيتحول الى نجم موسيقى عالمي في اوائل العشرينيات من عمره. وبعد مرور 40 عاما، ما زال يضطر أن يغني هذه الاغنية أينما ذهب ليرضي الجماهير التي لا تعير أغانيه الحديثة اهتماما. وهذا ما أتعسه وسد سيل ابداعه. فبدلا من كتابة ألحان جديدة، استمر في تكرار اغانيه القديمة ورضخ لتعاطي المخدرات والكحول والحفلات لكي يملأ الفراغ الذي كان يخنقه.

هذه معضلة يواجهها الكثيرون من مشاهير الموسيقى، اذ انهم يتحولون الى روبوتات يتحكم بها المعجبون. فمن ناحية يود الفنان ان يطور فنه ويبتكر الجديد ومن ناحية اخرى لا يريد ان يرفض طلبات معجبيه، الذين هم وقود فنه وشهرته. ولكن عندما يجد كولين رسالة لينون، يقرر ان يترك قصره في هوليوود ومعجبيه وينتقل للعيش في فندق مجهول في نيوجرسي قرب بيت ابنه، الذي كان هجره طول حياته، ويبدأ بكتابة لحن جديد.

«جون لينون كان صادقا» يقول باتشينو عندما قابلته في فندق هيلتون في بيفيرلي هيلز. «يمكنك ان تكون مشهورا وأن تبقى أنت نفسك. ذلك كان سيترك أثرا كبيرا عليه في ذلك الوقت لأن لينون كان بطله ولكن في الوقت هذا سوف ينقذه من الهلاك، اذ يجبره على التوقف والتأمل في حياته. هو يرى انه يعيش بلا امل، غارق في المخدرات، الكحول والنساء».

طبعا باتشينو ليس غريبا عن الشهرة، فهو واحد من أشهر نجوم السينما، ارتقى قمة هوليوود ايضا في بداية السبعينيات بعد النجاح الهائل لفيلم المخرج فرانسيس فورد كوبولا «الغراب». «أحيانا عندما نكون مشهورين نبتعد عن فننا. والشهرة تجرك إلى عالم آخر ليس عالمك، ولهذا فإن تذكيرك بمن انت وكيف تتصرف في هذا الواقع مهم جدا» يقوم باتشينو، الذي ينسب نجاحه في تفادي مخاطر الشهرة لمرشده شارلي لاوتون، الذي درسه التمثيل منذ السابعة عشرة من عمره. «كان دائما معي، ويرشدني الى الطريق الصحيح ويبعدني عن الأعمال المضرة. وعندما اضل كان دائما يذكرني بمهنتي ومن اين جئت ويرجعني الى عملي، وكان ايضا فعالا في توعيتي عن المخدرات وغيرها من المواد الذي نتجرعها» يقول باتشينو.

المعضلة الأخرى التي واجهها باتشينو عندما تحول من ممثل مسرح ابن عائلة فقيرة من حارة بروكلين لنجم هوليوودي كانت في تعامل الناس معه وخاصة الذين كانوا في محيطه الاجتماعي. فجأة صار الكثيرون، الغريب منهم والقريب، يتدافعون لصحبته لأسباب مختلفة. «عندما كنت شابا كان عليّ ان اقوم بعملية فصل الحقيقي من الزائف في هذه العلاقات، وهذا يؤثر على طريقة تعاملك مع الناس وخاصة القريبين منك» يعلق باتشينو.

ولكن الشهرة ليست فقط مشاكل وتحديات فهي هذه الأيام المعيار الذي حَسبه يدرج الفنان. حتى في هوليوود، يأخذ المنتجون بعين الاعتبار شعبية الممثل في مواقع التواصل الاجتماعي عندما يختارونه لأداء دور في مسلسل تلفزيون او فيلم. فالشهرة لم تعد خيارا للفنان وانما ضرورة بدونها لا يمكنه ان يحقق نجاحا. اليوم، هناك مشاهير عديمي المواهب، حققوا شهرتهم من خلال برامج تلفزيون الواقع السخيفة او قاموا بعمل شاذ جذب اهتمام الاعلام، وصاروا يمارسون الفن كالموسيقى والتمثيل، محققين نجاحا أكبر من الفنانين الحقيقيين، الذين يكدحون ليل نهار من اجل اتقان وتطوير فنهم.

حتى بداية القرن العشرين كان على الفنان ان يقدم عملا مميزا فوق عادي لكي يحقق الشهرة ولكن ظهور المفكر الإيرلندي، أوسكار وايلد، غيّر ذلك اذ نال شهرته بدون ان يقدم أي عمل فني او أدبي. موهبته كانت جماله ولباقة حديثه وأناقة لبسه. وبعد ان أصبح مشهورا في اوروبا وامريكا يضاهي شهرة شكسبير، شرع في كتابة المسرحيات والشعر وأصبح واحدا من اهم كتاب القرن العشرين. ولكن معظم مشاهير اليوم لا ينتجون شيئا غير الكشف عن عوراتهم من حين الى حين من اجل تذكير العالم بوجودهم.

الشهرة ايضا تمنح الفنان الحرية وتسنح له بإبداع وابتكار اعمال جديدة لا يمكنه القيام بها كمجهول. فمهما قدّم الفنان المشهور فسوف يجد اهتماما نقديا وجماهيريا. اما الفنان الغير معروف فعليه ان يكدح بالترويج لعمله حتى لو كان أفضل بكثير من عمل الفنان المشهور. الطريف هو انه عندما يصبح الفنان المجهول مشهورا، يرتفع رصيد اعماله السابقة، التي لم يعرها أحد اهتماما، الى القمة وتصبح تحفا فنية. بلا شك الدعم الجماهيري الناتج عن الشهرة، يشجع الفنان ويشد من أزره ويعزز ثقته بنفسه وبفنه. ومن جهة اخرى، يفقد المشهور خصوصيته التي تصبح ملك الجماهير وتجبره احيانا على الاختفاء والاختباء في بيته. «لا يمكنني ان استخدم القطار الارضي في نيويورك» يقول باتشينو ضاحكا. «الكل يعرفني والكل يريد ان يتكلم معي مما يجعل مشواري طويلا جدا. وأطفالي لا يريدون الخروج معي وينصحونني بالبقاء في البيت ليتخلصوا مني لأن الناس يهجمون علينا عندما اكون معهم».

رغم ذلك فان باتشينو لا يود العودة الى ايام كان غير معروف لأن فوائد الشهرة أكثر بكثير. «انت كمشهور تحصل على كل شيء تحلم به» يقول باتشينو ضاحكا. «الكل يعرفك وهو ينتج ثقة الناس بك والحديث معك. كما تحصل على اكراميات كثيرة في المطاعم، الطائرات وغيرها».

ولكن كل هذه النعم التي يعيشها كولين جعلته تعيسا ولم تجلب الشهرة السعادة التي كان يسعى لها. المرة الاولى التي نلاحظ فيها ملامح ابتهاج على وجهه كانت عندما قابل حفيدته في بيت ابنه الفقير. هذا الرابط العائلي وعلاقة غرامية مع مديرة الفندق أيقظا روح الانسانية فيه وأعاداه الى الواقع وعبآ الفراغ الروحي في نفسه وألهماه كتابة لحن جديد. فبينما كان الجمهور يطالبه بأداء أغنيته الاولى، كانت عائلته تحثه على ابتكار أشياء حديثة. 

بلا شك ان الشهرة هي مهمة جدا في حياة الفنان المعاصر وخاصة في مجالات الترويج والتسويق ولكنها قد تكون ايضا عقبة في تطوير فنه وابداعاته. اما الفنان الذي يتفادى الانغماس في متع الشهرة ويبقى صادقا مع نفسه ومربوطا بعائلته فإنه سيستمر في الابداع الفني وتطويره.
«الحل بسيط. عليك ان تتأقلم مع كل واقع جديد» يقول باتشينو ضاحكا.

فيلم سينمائي من قلب مخيم اليرموك استشهد اثنان من مخرجيه وترقب لمصير الباقين: «حصار»: حكايات المخيم الفلسطيني في دمشق كما يرويها أبناؤه

راشد عيسى - باريس ـ «القدس العربي»:

لم يكفّ مخيم اليرموك منذ بدء الحصار عن كتابة يومياته، كلمات وأشرطة تسجيلية وبيانو يتجول في أزقة المخيم وساحاته. كذلك يخرج اليوم من قلب الحصار تسجيليٌ يحمل اسم «حصار، أربع حكايات من اليرموك، وفيه يكتب المخيم سينمائياً جزءاً من يومياته، بعد أن تعلم بعض شبابه خلال ورشة عمل بالسكايب كيف يصنعون أفلاماً عن حياتهم، لنجد أنفسنا أمام بشر تعلّموا أولاً كيف يخترعون أنفسهم في قلب حصار متعدد الوجوه والطبقات.

«حصار» (9:14 دقيقة – 2015) هو عبارة عن أربعة أفلام يتراوح زمن واحدها أقل من دقيقتين، أخرجها عبدالله الخطيب، ضياء يحيى، مؤيد زغموت، براء نمراوي، جمال خليفة، محمد سكري، وسيم منور، عبد الرحمن سليم، عمر عبدالله، نوار اليوسف. ويبدو أن الفيلم نفسه لم ينج من الحصار والقصف والتنكيل، فحسب الجهة المنتجة («بدايات» بالاشتراك مع مؤسسة «وتد») تعرّض عبد الله، أحد مخرجي هذا الفيلم إلى محاولة اختطاف، كما اغتيل فراس الناجي منسق مركز «وتد»، والشريك في صناعة هذا الفيلم. واستشهد جمال خليفة، أحد مخرجي الفيلم، خلال هجوم «داعش» الأخير على مخيم اليرموك.

يُعنْوَنُ أول هذه الأفلام بـ»دانا»، وهذا اسم الطفلة بطلة العمل. تصور الكاميرا دانا وهي تجر عربة تحمل بعض غالونات الماء إلى بيتها في المخيم. صورة هي نقيض لكل الصور الرومانسية لملء الماء، حيث النبع والجرار وقصص الحب في طريق النبع أو النهر. لا نرى النبع هنا ولا البيت، نرى فقط طفلة وحيدة في الطريق الخالي من الناس، هي وصعوبات الطريق، كيف تجر البنت عربة سطول الماء. الكاميرا تصور محاولاتها الدؤوبة للسيطرة على العربة وسط الحفر. أحياناً تبدو الكاميرا نفسها وكأنها تحاول إخراج العربة من الحفرة. فوق ذلك هناك شعور البرد الذي يوحي به معطف الطفلة. تصل دانا إلى حيث تريد، تفرغ دلاء الماء البلاستيكية، يصبح صوت الماء ساطعاً ليبدو أقرب إلى خاتمة سعيدة لحكاية الفيلم، قبل أن تقفل البنت في رحلة جديدة. حركة العربة تذكر بوعورة طريق سيزيف، دانا هي سيزيف اليرموك، وعربة الماء صخرتها. 

لحظة للكاميرا لا تنسى، تلخص فحوى الفيلم، ففي لقطة خاطفة تبدو العربة وكأنها أرجوحة للبنت، ذلك يلخص الوضع المأساوي، فالبنت تزج في هذا الوضع السيزيفي، في وقت يستحق جيل دانا الأراجيح، يستحقون طفولتهم.

حكاية «أمبير» تصور لحظة عودة التيار الكهربائي، قبلها لا نرى سوى مجموعة أضواء بسيطة في العتمة، ودردشة لشبان حول أركيلة، لحظة عودة التيار تستحق أن تكون مرآة لتسجيل انفعالات الناس في سوريا. لا نرى وجوه الشبان هنا، بل انفعالهم، صراخهم، حركتهم الدؤوبة في المكان بحثاً عن أبسط حاجاتهم. هنا لا بد أن يكون للحدث الراهن، أي الهجوم الذي تشنه «داعش» على مخيم اليرموك، بل وأنباء سيطرته على المخيم، أثر كبير في التلقي، لا شك أننا سنترقب غداً ما سيكون مصير أصوات هؤلاء الشبان وصرخاتهم. 

في حكاية «ولاد الأرض السمرا» سيبدأ المشهد بصورة حقل أخضر، تعرف الكاميرا أن اللون غريب على المكان المدمر، فتقف طويلاً فوق الحقل، كأنما لتخدعنا، أو لتقول لنا «نعم، لقد صنع هذا الحقل في حطام مخيم اليرموك». بعد هنيهات سنرى أنه حقل من الفجل زرع في مساحة فارغة في المخيم، كما سنرى توزع الناس في الحقل يجنون شيئاً من «المحصول»، بل أن طفلة انكبت لتأكل أوراقه مباشرة في الحقل. الإشارة إلى جوع المخيم واضحة، لكن الأوضح منها الإشارة إلى ناس المخيم وشبابه الذين يساعدون الأهالي. حضور الناس هو كل شيء في هذه الأفلام، أصواتهم خصوصاً، لكن هذا الفيلم بالذات يبدو وكأنه مهدى إلى شباب المخيم، الذين يزرعون، ويجنون من أجل الأهالي. هكذا يختم الفيلم بصوت شاب يغني «ولاد الأرض السمرا، ضحكتهم هدّارة، تطليعتهم حرة، وجبين منارة. ما جاعوا وما باعوا…».

يرموك ـ كراجات

«أتوق إلى زحمة الناس والمشاغل»، هذه عبارة إيفان في «عنبر رقم 6»، قصة أنطون تشيخوف، ولعلها تصلح تفسيراً لرغبة شاب في مخيم اليرموك الآن في أن يركب سرفيس (حافلة صغيرة وشعبية للنقل العام) على خط اليرموك – كراجات، المتوقف الآن بعد أن كان الأكثر ازدحاماً على الدوام قبل الثورة. ازدحام لا يشتهيه إلا سجين أو عاطل عن العمل، أو محاصر في مخيم. 

فكرة فيلم «يرموك- كراجات» تكمن هنا، في هذه الرغبة الحارقة للناس والزحام. لا ندري إن كانت المصادفة وحدها قد حمّلت الفيلم بهذا الكم من الرموز، حيث يصل الخط الآنف الذكر بين الكراجات، التي تستقبل المسافرين من كافة المدن السورية، والمخيم، وقد كان على الدوام ملاذاً للكثيرين من أبناء المدن والأرياف البعيدة، بالضبط كما شكل ملاذاً آمناً لنازحي المناطق الساخنة في دمشق، قبل حصار قوات النظام للمخيم وقصفه. لكن لندع ذلك جانباً، فليس هذا هو الأهم، الفكرة الأساس في أن شاباً في المخيم يمارس حنينه وتوقه ذاك، فيذهب إلى سرفيس، أو بقايا سرفيس، ليس سوى كتلة من الحديد الصدئ ليحكي حلمه. يتذكر الشاب في تعليق مرفق رحلته في ذاك السرفيس وكيف كان يحشر فيه، مع عشرين راكباً، هو الذي لا يتسع إلى نصف هذا العدد. يعلق الشاب «حصار صغير مع عشرين راكب في ميكرو بيوسع عشرة، بس بياخدك لوين ما بدك أجمل بكتير من حصار بأرض كبيرة بس مسيجة بالموت والسواتر»، ثم يمضي الشاب، وهو هنا في الصورة جالس في السرفيس الصدئ بيده كتاب، كما لو أنه يقلد رحلة في الذاكرة، يصف السرفيس «هو مكان تختلط فيه الروائح، كيس الخضرا، مع ريحة شيخ، وصبية حلوة. وبيختلط صوت إذاعة السائق مع صوت شب عم يحكي مع صبية ويقول لها ربع ساعة وبكون عندك على باب الجامعة». وهنا، يأتي صوت المغني، كما لو أنه فعلاً جاء من مذياع السائق، وتحديداً بعد كلمة «يقول لها»: «الشام لولا المظالم كانت فوق المدن جنة». (أغنية للمغني الشعبي أبو رياح، ويقال إنه اعتقل بسببها).

وفي الصورة أمامنا كان الشاب جالساً إلى الشباك، يتأمل الخارج، كما لو أنه يتأمل الطريق الذي كان يعبره سرفيس الذاكرة. وفي داخل السرفيس توزعت عناصر الحياة، وكأن الشاب يعيد تمثيل المشهد، كيس الخضرة احتل مكاناً، والكوفية الفلسطينية وحقيبة ظهر احتلتا كرسياً آخر، فيما أخذت دمية لـ»دبدوب» بلون زهري مكاناً أيضاً. 

هكذا يتابع الشاب تعليقه «خط اليرموك- كراجات هو الخط الواصل بين قلب المخيم وقلب الشام. هالخط اليوم واقف، بس القلب لساته عم ينبض». ومع هذه الكلمات سنرى إلى أحد مسننات محرك السرفيس الصدئة قد دارت لتتوقف مع نهاية فيلم لعله الأكمل بين الحكايات الأربع.

الفيلم الأخير، «يرموك- كراجات» حين يصل بين قلب اليرموك وقلب دمشق يتناغم مع فكرة انتماء المكان الفلسطيني لمحيطه السوري الأوسع، ينتمي إلى نكباته كما إلى أحلامه، لذلك سيرد في «تيترات» الفيلم تعليق يقول «هذا جزء صغير من حكاية جنوب دمشق المحاصر»، فاليرموك قبل أن يكون مكاناً خاصاً بالفلسطينيين هو جنوب دمشق، إذن فالمخيم «جزء لا جزيرة»، وربما أراد صناع الفيلم رسالة سياسية من وراء ذلك. 

فيلم «حصار» أنجز خلال أربعة شهور، وقد أُهدي «إلى روح فراس الناجي وجمال خليفة.. استشهدا وهما يوثقان مجزرة «داعش» وحلفائه المجهولين المعلومين في مخيم اليرموك». ولا ندري ما سيكون مصير الشهداء الأحياء، صنّاع الفيلم، عند نشر هذه السطور.

إختتام فعاليات مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط

الإيطالي «الشاب الرائع» أفضل فيلم والمصري آسر ياسين أفضل ممثل

فاطمة بوغنبور - تطوان ـ «القدس العربي»

اختتمت فعاليات الدورة 21 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط  بحصول الفيلم الإيطالي «الشاب الرائع» للمخرج ماريو مارتوني على جائزة «تمودة « الكبرى للمهرجان وسلمت الجائزة النجمة المصرية منى زكي إلى مديرة مهرجان روما «جينا فوكا» نيابة عن مخرج الفيلم، وعادت جائزة أفضل دور رجالي للممثل المصري أسر ياسين عن دوره في فيلم «أسوار القمر» للمخرج طارق العريان هذا الأخير الذي تسلمها من يد الفنانة أصالة نصري نيابة عن الممثل الفائز اسر ياسين، وذهبت جائزة أفضل دور نسائي للممثلة الإسبانية «لولا دونياس» عن فيلم «الظواهر» للمخرج ألفونسو زاروزا، وحصل الفيلم التركي «سيفاس» للمخرج التركي «كان مجدسي» على جائزة العمل الأول، كما حصل الفيلم الفرنسي «أرض متلاشية»  لجورج أولاس فيلي على جائزة لجنة التحكيم  وذهبت جائزة الجمهور للفيلم المغربي «أفراح صغيرة» للمخرج محمد الشريف الطريبق ، فيما حصل  الفيلم المغربي «نصف سماء»  الذي يتحدث عن فترة الاعتقالات السياسية  في مغرب السبعينات للمخرج عبدالقادر القطع على جائزة حقوق الإنسان التي خصصها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في المغرب للفيلم الذي يناقش مواضيع ذات صلة مباشرة بحقوق الإنسان. ونوهت اللجنة بفيلم «بدون 2» للمخرج التونسي جيلاني السعدي.

وصرح» للقدس العربي « رئيس لجنة تحكيم الفيلم الطويل المخرج المغربي الفرنسي علي سكاكي بأن جودة الافلام الطويلة فاقت كل التوقعات وكانت عبارة عن خليط  غني من المواضيع والأفكار وطرق التناول والإخراج والأداء، وعن كيف مرت أشغال لجنة التحكيم قال بأنها واجهت اختلافات في الرأي ونقاشات مطولة استمرت إلى ساعات الصباح الأولى، لكن التجربة أكدت له أن هناك بالفعل سينما متوسطية متكاملة الأركان والملامح ينقصها فقط على مستوى المغرب الاشتغال أكثر على عنصر السيناريو والكتابة لأن السينما ليست تقنيات وإضاءة وممثلين بل هي قبل كل هذا سيناريو وكتابة قوية، وأيضا ينقص التحكم في إدارة الممثل وحسن توجيهه».

الفيلم القصير:

ضمن 16 فيلم قصير من 8 دول متوسطية فاز الفيلم المغربي «مول الكلب» لمخرجه كمال لزرق، والذي وصفه رئيس لجنة تحكيم الفيلم القصير المخرج المغربي «سعد الشرايبي» بالاختيار الذكي للموضوع والوصف الواقعي المقترن بتحكم حرفي في تقنيات الإخراج. وفاز بجائزة الابتكار فيلم “فلاش ” للإسباني ألبرتو رويز روخو أما جائزة لجنة التحكيم فعادت للفيلم الفرنسي «اخر الفرنسيين الأقحاح» للمخرج « مانويل يوركا»، فيما نوهت اللجنة بالفيلمين الإيطاليين «صلاة الغائب»  لفالنتينا كارنلوتي و» نجمة البحر» لجياكومو أبروزيزي.»

الفيلم الوثائقي:

حصل على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان فيلم «روشمية» للفلسطيني سليم أبو جبل، وجائزة التحكيم الخاصة لفيلم “حلاوة الديار” للبنانية نادين ناعوس، فيما عادت جائزة العمل الأول لفيلم “قراصنة سلا” للمخرجة المغربية مريم عدو.

الفيلم التربوي:

فاز فيلم «طفلة القمر» على جائزة الفيلم التربوي الكبرى من إنجاز ثانوية أبي بكر الصديق في تطوان، ونالت التلميذة منال علي ياسين جائزة أحسن ممثلة عن دور وردة في فيلم «حتى لا يذبل الورد» وعادت جائزة أحسن ممثل للتلميذ نجيب عبو عن دور حميد في فيلم «الطريق نحو الهاوية» وذهبت جائزة  التصويرلفيلم «ميساج» لمدرسة «القدس» وجائزة السيناريو لفيلم «كلام الحشومة» لنادي السينما والمسرح بثانوية المكي الناصري. وقال رئيس لجنة تحكيم الفيلم التربوي أن الجائزة التربوية كانت مناسبة لإشعاع الثقافة السينمائية بين صفوف التلاميذ والطلبة وفرصة لاكتشاف مواهب صاعدة في التمثيل والتصوير وبوادر رؤية إخراجية محترفة. وتسلم التلاميذ الفائزين جوائز عبارة عن كاميرات رقمية وألواح إلكترونية.

تكريم أحمد عز:

شكل صعود الممثل المصري «أحمد عز» منصة سينما أفنيدا أحد أقوى لحظات حفل الاختتام حيث سلمه الفنان المغربي محمد مفتاح درع التكريم، وقبل ذلك عرض الحفل شريطا استعرض بعضا من أهم محطات 30 سنة من عمر المهرجان على مدار 21 دورة بمن كُرم من النجوم  منها أسماء فنية رحلت كفريد شوقي وفاتن حمامة وخالد صالح والفنان المغربي  محمد البسطاوي  وأيضا نجوم شباب كأحمد حلمي وكريم عبدالعزيز وهاني سلامة، وعقب الحفل صرح احمد عز للقدس العربي قائلا بأن هذا التكريم يعني له الكثير لأنه جاء بعد أسماء كبيرة لأساتذة كبار في التمثيل ، مضيفا بأن هذه زيارته السادسة للمغرب والثالثة التي يحظى فيها بتكريم مشيدا بالحفاوة والترحاب الكبير الذي قابله به جمهور مدينة تطوان.

جدل حول «أفراح صغيرة»:

خلق الفيلم المغربي «أفراح صغيرة» لمحمد الشريف الطريبق عقب عرضه ضمن المسابقة و الذي حاز جائزة الجمهور جدلا واسعا في مواقع إخبارية مغربية اتهمته بالإساءة للأسر التطوانية المحافظة وذلك لعرضه قصة حب مثلية بين مراهقتين في طور اكتشاف جسديهما وذلك بسبب تواجدهما في وسط محافظ ومنغلق على الجنس الاخر. وعن هذا الجدل صرح المخرج محمد الشريف الطريبق للقدس العربي قائلا: «جائزة الجمهور بالنسبة لي هي الأفضل لأننا نصنع الفيلم أولا وأخيرا للجمهور وهي أيضا رد قوي على الحملة الشرسة التي تعرض لها الفيلم وعلى ادعاءات قالت بأن الجمهور انسحب من القاعة أثناء عرض الفيلم احتجاجا، لهذا أعتبر هذه الجائزة التي جاءت تحديدا بفضل تصويت جمهور مدينة تطوان الذي حطم أرقاما قياسية على مستوى الحضور ليلة العرض، ويضيف الطريبق بأنه يتوقع أن يتفاقم الجدل مرة أخرى عند عرض الفيلم في القاعات  على العموم وبأن الأمرقد يكون بالفعل صادم لكنه واقع وحقيقة ومن يقل العكس يثبت ذلك.

إسدال الستار:

قال مدير المهرجان «للقدس العربي» أنه راض عن الدورة التي حققت جل أهدافها رغم بعض الهفوات، وبأنها كانت دورة متقدمة على مستوى الاحتراف في عمر المهرجان الذي بلغ الثلاثين سنة والذي أثبت وجوده وانتماؤه للفضاء المتوسطي، وعن المستقبل دعا المسؤولين عن الشأن الثقافي والسينمائي في المغرب للتفكير في تطوير كل المهرجانات السينمائية في المغرب وليس فقط تطوان بتوفير كل فرص التطوير والدعم، وختاما ضرب بتفاؤل موعدا لدورة مقبلة متمنيا أن تكون أيضا حلقة متميزة ومتقدمة وجب منذ اللحظة البدء في تحضيرها.
ويشار إلى أنه عقب حفل الاختتام تم عرض الفيلم الجزائري «الوهراني»، من إخراج الممثل إلياس سالم الذي أدى فيه دور البطولة أيضا. وهو فيلم يتحدث عن يوميات المجاهدين في ثورة التحرير الجزائرية.

القدس العربي اللندنية في

05.04.2015

 
 

علا الشافعى

وجه سلوى محمد على

فى زمن بات يبخل علينا بكل شىء، حتى أبسط معانى الإنسانية، زمن صار القبح والابتذال عنوانا له، لذلك لا نملك أمام تلك الحالة سوى اختياران، الأول أن نصبح جزءا من كل ما يحدث، ونضيف إلى القبح قبحا، أما الاختيار الثانى فهو أن نفتش عن أشخاص وأشياء نحبها لنحافظ على ما تبقى من آدميتنا، أن نعيد تأمل كل ما هو أصيل فى هذا الزمن الضنين، وما أجمل أن تبحث عن هذا الجمال فى الفن وبين أصحاب المواهب الحقيقية، والذى كثيرا ما أشعر بالخجل أمامهم لأننى أرى أن كلماتى قد لا تعطيهم حقهم، خصوصا فى ظل رحلتهم الممتدة من العطاء والإخلاص لمهنة أصبحت السمة الأغلب لمن يعملون فيها الاحتراف وأكل العيش دون العمل على تطوير أنفسهم أو حتى الحفاظ على مهنتهم. سلوى تلك المرأة رقيقة الملامح التى لفتت نظرى منذ أن شاهدتها فى الفيلم الروائى المتوسط الطول "طيرى يا طيارة" للمخرجة هالة خليل التى كانت وقتها فى بداية مشوارها، سنوات مرت ولم أنس يوما وجه سلوى فى هذا الفيلم، ذلك الوجه المميز والعيون الحزينة التى تخطف كل من يتابع سكناتها وحركاتها على الشاشة، ومن بعدها وأنا أتابع ما تقدمه سلوى على الشاشة سواء فى السينما أو التليفزيون ولكن حبى لموهبتها وتقديرى لها تأكد أكثر عندما شاهدتها تصول وتجول على المسرح القومى وهى تشارك غول التمثيل العبقرى يحيى الفخرانى مسرحيته الملك لير، تقف أمامه وعيناها فى عينيه وبمجرد أن تتحرك على المسرح بخطواتها الرشيقة لا تستطيع أن تنزل عينيك عنها، سلوى التى أعرف أنها تملك الكثير، وأنها ظلمت لفترة فى نوعية أدوار بعينها إلا أنها دائما ما تملك القدرة على إدهاشى حيث تستطيع أن تلمع فى أى مساحة درامية متاحة له، وهذا ما تأكد عندما شاهدتها فى فيلمها مع المبدع محمد خان فتاة المصنع وغيره من الأعمال. تلمع موهبة سلوى وتتلألأ مثل الكريستال أمام المواهب الحقيقية والأصيلة من نفس توبها، فكثيرا ما صادفت سلوى فى مهرجانات ومحافل فنية متعددة فهى موهبة ولا تتوقف عن المشاهدة وتطوير نفسها، وكلما التقيتها أتمنى أن أهمس ببعض مما أحمله لها وتقديرى لموهبتها خصوصا وأنها من النجمات اللائى يشبعن الروح بأدائهن، فهى لا تصرخ لا تبالغ لا تغالى فى الانفعالات، تعرف متى ترفع نبرة صوتها، متى تصمت وكيف توظف لغة جسدها الرقيق فى تكثيف المعنى والشحنة الانفعالية التى ترغب فى أن تصل لمشاهديها، وفى كل مرة يخذلنى لسانى فى التعبير، لذلك فى ظل هذا العبث كان لابد أن أفتش عن سلوى وفعلا أنت السلوى فى هذا الزمان ولك من أسمك نصيب.

اليوم السابع المصرية في

06.04.2015

 
 

أفلام لها تاريخ.. ثورة اليمن.. أخرجه عاطف سالم من 49 عامًا

يفضح جرائم الإمام الحاكم وصلاح منصور يتقمصه ببراعة مدهشة

«سينماتوغراف» ـ ناصر عراق

من أفلامنا النادرة... لم يشاهده إلا القليل... رغم أنه يحتشد بالنجوم، فهل يعود احتجاب فيلم (ثورة اليمن) لعقود متواصلة إلى اختفاء الحاجة التي أدت إلى إنتاجه وعرضه؟ أم لمشكلات فنية وتقنية؟

تعال نتعرف على الفيلم المصري الوحيد الذي تناول الشعب اليمني وثورته في ظل الحرب الدائرة هناك هذه الأيام، وفي أجواء (عاصفة الحزم) وصواريخها ودخانها.

الظلال التاريخية

عرض فيلم (ثورة اليمن) للمرة الأولى في 22 يونيو من عام 1966، أي في أوج الانتصارات الناصرية، وقبل أن تدق هزيمة 1967 رؤوس الجميع بعام واحد فقط، وبدون الدخول في التفاصيل التي دفعت عبد الناصر إلى مساندة ثورة الشعب اليمني ضد حكم الإمام في سنة 1962، إلا أننا يجب أن نعرف أن اليمن في ظل هذا الحكم كان أسيرًا للعصور الوسطى، وكان الإمام أحمد حميد الدين - وابنه محمد البدر - آخر حكام اليمن يمثلان عقبة أمام دخول الشعب إلى العصور الحديثة، الأمر الذي يؤكده المثقفون اليمنيون كلما سألتهم عن هذه الحقبة البائسة - كما يقولون - في الزيارتين اللتين قمت بهما لصنعاء الجميلة.

من هنا أرسل عبد الناصر الجيش المصري ليدعم ثورة الشعب التي اندلعت في 26 سبتمبر من سنة 1962 ضد طاغية هبط فجأة من العصور الوسطى ليحكم شعبًا عريقا في القرن العشرين، ورغم تحالف بعض الدول القليلة مع الإمام الابن بعد موت الإمام الأب، إلا أن الشعب نجح في النهاية في الإطاحة بالمستبد وأقام دولته الحديثة، لكن بعد حرب دامت نحو ثمان سنوات انتهت عام 1970 بانتصار الجمهوريين بقيادة المشير عبد الله السلال على أنصار الإمام ورجاله.

في ذلك العام الذي عرض فيه (ثورة اليمن) بلغ عدد المصريين نحو 31 مليون نسمة، وقدمت السينما المصرية 36 فيلمًا، من أهمها: (صغيرة على الحب/ خان الخليلي/ فارس بني حمدان/ مراتي مدير عام/ ليلة الزفاف/ شيء في حياتي/ سيد درويش/ الزوج العازب/ القاهرة 30/ الحياة حلوة/ 30 يوم في السجن)، وكلها كما ترى تعكس أنماطا مختلفة من حياتنا الاجتماعية، وكثير من هذه الأفلام اتسم بالجدية وحقق المتعة المنشودة. 

لكن السينما في هذا العام أيضا - 1966 - قدمت نجمًا جديدًا، لكنه نجم من اليمن الشقيق، وأقصد المطرب أحمد قاسم حيث تصدر بطولة فيلم (حبي في القاهرة) الذي أخرجه عادل صادق ولعب الأدوار الرئيسة كل من زيزي البدراوي ومحمود المليجي وزوزو ماضي وتوفيق الدقن، الأمر الذي يوضح عمق العلاقات بين الشعبين بعد نجاح الثورة في اليمن.

الديكتاتور والطائرة

اختار عاطف سالم مخرج الفيلم أن تسخر المقدمة من الحاكم الديكتاتور، وهكذا بعد أن ظهرت خريطة العالم كاملة على الشاشة، اقتربت الكاميرا من اليمن وحددتها بمربع، كما فعل حدث مع مقدمة الفيلم العالمي الشهير (كازابلانكا/ 1942)، ثم خرجت سمكة من البحر، وظهر الحاكم الإمام، لتتحول السمكة إلى امرأة، يتحسسها الحاكم بشهوانية، وهكذا تظل الصورة الكوميدية للحاكم الشهواني تتأرجح طوال مقدمة الفيلم!

المقدمة نفذها بمهارة رائد الرسوم المتحركة مهيب، والفيلم بالألوان، وأنتجته الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي، وكتب قصته صالح مرسي (مؤلف المسلسل الموفور الصيت رأفت الهجان)، بينما كتب السيناريو والحوار كل من علي عيسى وعلي الزرقاني، أما الأبطال فهم ماجدة وحسن يوسف وعماد حمدي وصلاح قابيل وعمر ذو الفقار، وقد لعب دور الإمام ببراعة الممثل المدهش صلاح منصور.

يبدأ الفيلم بعودة منصور - حسن يوسف - إلى اليمن بعد غياب 12 سنة أنهى خلالها دراسة الهندسة في القاهرة... إنه في الطائرة... الطائرة فوق سماء اليمن... الطائرة لا تهبط... كابتن الطائرة يتصل بالمسئول على الأرض طالبًا الإذن بالهبوط من السماء... المسئول يتصل بقاضي تعز وسكرتير الإمام... القاضي يدخن الشيشة... القاضي يأمر أن تظل الطائرة معلقة في الهواء حتى يأخذ الإذن من الحاكم... الحاكم يلهو مع النساء... الحاكم يأمر بهبوط الطائرة المعلقة في الجو... الحاكم يُجن حين يعلم أن على متنها شاب يمني متعلم، فيأمر بمراقبته!

مشهد البداية ساخر وطريف، ويكشف بذكاء كيف تدار البلاد، حيث يظهر الإمام بوصفه المتحكم الأول حتى في سماء اليمن، ولما يهبط منصور من الطائرة يلقى الحفاوة من أسرته وأصدقائه، ثم تتجول الكاميرا في الأرجاء لنشاهد الجبال المحيطة والفقر المقيم والطرق الضيقة والبيوت اليمنية ذات الطراز الخاص، ثم نكتشف من خلال حوارات قصيرة ذكية أن اليمن ليس به مواصلات عامة ولا سيارات، فيتذمر العائد من مصر ويتعجب، لكنه يصاب بالذعر عندما يرى الرؤوس المعلقة على بوابة "تعز"، ويكتشف أن هؤلاء عارضوا الإمام، وأن الإمام هو أمير المؤمنين الذي ينبغي طاعته كما قال له أبوه وأفراد أسرته!

الديكتاتور والقطار

من خلال مشاهد سريعة نتعرف على تفاصيل الحياة اليومية للإمام، فهو شخص أعرج - دلالة على العجز - مهووس بالملذات الأولية من طعام وخمور ونساء، تسحره لعبة القطار الذي يتحرك بالزمبلك، فيظل متسمرًا أمامها تحيط به الحسناوات الأجنبيات اللاتي يتفنن في تدليله وإرضاء نزواته.

ومع ذلك فهذا الإمام يخفي الذخيرة المستوردة ويرفض إعطائها للجيش لأنه يخشى من تمرده، وهكذا تدور حبكة الفيلم حول الجماعات السرية التي تناضل للإطاحة بحكم الإمام، ومحاولتها المستميتة في الوصول إلى المكان الذي أخفى فيه الأسلحة لتنطلق ساعة الصفر إيذانا بالثورة.

لعب صلاح منصور دور الإمام الطاغية الشهواني بمهارة حقيقية، واستطاع أن يطوّع صوته ليشبه النبرة اليمينة الجميلة، وعندما استطاع حسن يوسف ان يعيد تشغيل القطار اللعبة المتعطل هلل الإمام صائحًا (ما شاء الله ما شاء الله)، في مشهد من أجمل مشاهد الفيلم إظهارًا لعبقرية هذا الممثل الفذ.

مشاهد متكررة

يبدو لي أن ظلال السينما الأمريكية ستلون الكثير من أفلامنا، فهناك مشهد شهير من فيلم (كوفاديس/ Quo Vadis ( لللمخرج Mervyn Leroy، والذي لعب بطولته كل من روبرت تايلور وديبورا كير وبيتر استينوف الذي تقمص شخصية نيرون حاكم روما.

المشهد يتلخص في الآتي: يأمر نيرون بأن تخرج الأسود من أقفاصها إلى الساحة المسوّرة لتلتهم الممسيحيين المقيدين الذين يعارضون نيرون الذي يتابع عملية التوحش بسعادة، وفي (ثورة اليمن) يأمر الإمام بأن تلتهم الأسود أحد المعارضين، لكن شتان بين المشهدين... وأنت تفهم بطبيعة الحال!

كذلك تفوح من الفيلم أجواء مشابهة لفيلم (جميلة بوحيرد/ 1958) ليوسف شاهين، وماجدة هنا تنضم إلى الثوار بعد أن قتل الإمام جميع أعضاء قبيلتها، وكالعادة تشتعل قصة حب بينها وبين ابن عمها منصور، ثم نكتشف بمرور الأحداث أن قائد الحرس الإمامي - عماد حمدي - هو زعيم الثوار، ومع موت الإمام، ومحاولات ابنه البدر الاستيلاء على السلطة والتحكم في البلاد، يصل الثوار إلى مكان الذخيرة وتندلع الثورة.

أجمل ما في هذا الفيلم أن الحوار كتب بلغة فصحى معززة بلهجة يمنية مبسطة، وقد أجاد الممثلون اداء أدوارهم بشكل عام، كما جاءت الألوان متوازنة وناقلة للمناخات اليمينة وسحرها الدائم.

لكن يندرج (ثورة اليمن) في إطار الأفلام الدعائية التي يلجأ إليها أي نظام في تسفيه وتشويه الأنظمة المضادة، خاصة إذا كان في حالة حرب مع هذه الأنظمة، وهو ما يفسر - إلى حد ما - لماذا اختفى هذا الفيلم من على شاشاتنا بعد وفاة عبد الناصر ووصول السادات إلى السلطة وانقلاب الأحوال!.

http://www.cinema-tograph.com/

نيفين شلبى تهرب من السياسة الى «اليوبيل»

خاص ـ «سينماتوغراف»

بعد أن صارت واحدة من أهم مخرجى الأفلام القصيرة – تسجيلية وروائية- وبعد أن وثقت الثورة المصرية بأفلامها التى حازت جوائز كبرى من مهرجانات عالمية، قررت المخرجة وكاتبة السيناريو نيفين شلبى خوض تجربتها الأولى مع السينما الروائية الطويلة من خلال فيلم «اليوبيل» الذى أوشكت على الانتهاء من كتابته، والذى تبتعد فيه تماما عن القضايا السياسية، لتقدم قصة انسانية، بعيدا عن الثورة والسياسة.

وتعكف نيفين على الانتهاء من كتابة سيناريو فيلم «اليوبيل» لتبدأ رحلة البحث عن جهات تمول الفيلم، حيث ترى أنه لم تعد جهة واحدة هى التى تقوم بالانتاج وانما أكثر من شركة تقدم كل منها جانبا من تمويل الفيلم وهو مايحدث مع أفلام أغلب المخرجين، بعد أن توقفت شركات عديدة عن الانتاج ولم يبق سوى شركات معدودة، فى ظل سرقة الأفلام وعرضها على الانترنت، ولم يعد بيع الفيلم للفضائيات يحقق رواجا لأنه يعرض بعد سرقته على المواقع الاليكترونية.

لكن نيفين تؤكد أن تجاربها القصيرة قد حققت لها مصداقية كبيرة مع شركات الانتاج وأن هذا يؤهلها لتحصل على تمويل مناسب لفيلمها الروائى الطويل الاول، خاصة وأنها شاركت بأفلامها فى مهرجانات دولية.

نيفين شلبى التى غرقت فى بحر السياسة فى أفلامها التسجيلية والقصيرة وطافت بها مهرجانات عالمية وتوجت بحصولها على جائزة أفضل فيلم قصير من مهرجان «دلهى»  ديسمبر الماضى من خلال فيلمها «العودة» الذى يتناول قصة فتاة تعيش أجواء الثورة المصرية، وتطاردها الكوابيس خوفا من القبض عليها فتقرر العودة الى الاسكندرية .

قبلها كانت قد كتبت وأخرجت فيلميها «أنا والأجندة» الأول تم تصويره خلال أحداث ثورة 25 يناير، والثانى قدمته عن الثورة التونسية، حيث قامت بتصويره فى تونس ولاقى صدى واسع عند عرضه هناك.

وساهمت نيفين بفيلمها «الأيام الأخيرة للاخوان» فى اسقاط حكمهم خلال ثورة 30 يونية، فقبل الثورة بأيام كانت قد رصدت ووثقت العديد من تجاوزاتهم وأخطائهم فى حق الشعب المصرى.

وفى فيلمها «اليوبيل» تتخلى نيفين تماما عن السياسة موضحة سبب ذلك «أنا دائما أقدم  فى أفلامى ما أنفعل به ، وقد كانت لدى شحنة عاطفية تجاه أحداث سياسية صعبة عاشتها مصر، وأرى أنه من الأفضل عدم تقييم الوضع السياسى الآن وعلى كل مواطن أن يصلح من نفسه».

لكن هل تستقر نيفين عند الأفلام الروائية وتصبح تجاربها القصيرة مرحلة وانتهت، تؤكد المخرجة الشابة بأن الفكرة هى التى طرحت نفسها لتقدمها فى فيلم طويل وأنها لم تخطط لهذه الخطوة وأنها فى كل الأحوال تستمتع بكل عمل سينمائى تقدمه.

سينماتوغراف في

06.04.2015

 
 

'أشخاص صغار' يقهرون جفاف الأرض ونضوب مواردها

العرب/ طاهر علوان

فيلم 'أشخاص صغار' يلخص الصراع بين شباب صغار يجتهدون من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في عالم مستقبلي مجهول وصراعات مصالح.

عالم يضربه الجفاف ولا أثر فيه لحياة مدنية متطورة كما في الماضي، ولطالما سمعنا التحذيرات عن أزمة مياه بانتظار العالم في المستقبل المنظور والبعيد، وأن الحروب المقبلة هي حروب مياه، أما وقد انهار الكون وانتهت الحياة فلم يبق فيه إلّا أرض قفراء شاحبة، يلهث الباقون فيها من الأحياء خلف الماء الذي يروي ظمأهم، هكذا هي البداية في فيلم “أشخاص صغار” للمخرج جاك بالترو.

في فيلم “أشخاص صغار” لجاك بالترو، يظهر أرنست هولم (الممثل مايكل شانون) أحد الباقين على سطح الكوكب، وسط أرض قفراء، وجدب يحيط بكل شيء، هضاب ومرتفعات وتلال فيما هو يحتفظ بمستودع صغير تقبع فيه مضخة لسحب المياه من البئر، إنه صراع من أجل البقاء.

في لقطة عامة للصحراء التي تسف رمالها، يتسلل بضعة أنفار إلى تلك اللقية الثمينة، مضخة الماء فيتصدى لهم أرنست حارس الماء ببندقية آلية لا تكاد تفارقه فيرديهم صرعى بكل برودة أعصاب.

ويظهر في لقطة أخرى أرنست وابنه الشاب جيروم (الممثل كودي ماكفي) يجران بغلا يحمل الماء، ثم لا يلبث أن يسقط من أحد التلال خلال الرحلة اليومية الشاقة، فتنكسر ساقه ليجهز عليه أرنست برصاصة، ثم يجد بديلا، يشتري آلة هي أقرب إلى الحيوان، بأربعة أرجل وأقرب إلى تصميم الحشرات.

هذه الآلة مبرمجة رقميا بمستطاعها تحمل المشاق، تتنقل عبر الصخور والمرتفعات، تحمل على ظهرها ما شاء الإنسان من متاع يطلق عليها ظل سيمولويت، واختصارا يسمونها سيم، وسرعان ما تتحول إلى فرد من أفراد العائلة تؤدي كل المهام التي يوكلونها إليها.

هولم الأب الذي يقود هذه الرحلة في تلك الأرض القفراء يخوض حوارا عاصفا مع ابنته ماري (الممثلة إيل فاننغ)، وفي مواجهة الشاب فيليم (الممثل نيكولاس هولت) الذي يودّ الارتباط بها، وتكون النتيجة أن يطالبها بالتمرد على تلك الحياة الجامدة.

على الجهة الأخرى هناك مؤسسة للفلاحين ترتبط بالحكومة بشكل ما وتحتكر مياه السقي، فيما حلم هولم أن يأتي اليوم الذي يصله فيه الماء الكافي لسقي الأرض ورعايتها وزراعتها وجني محصولها، ولهذا سيخوض صراعا مع أولئك المالكين المتغطرسين محاولا رشوتهم، ليمتد ذلك الصراع عميقا في تلك البيئة الممتدة على امتداد البصر.

وفي النهاية يضطر هولم إلى التنازل عن حماره الآلي سيم، في مقابل الحصول على الماء لغرض السقي، لكنه وهو في طريق عودته سيتصادم مع صديق ابنته فيليم، الأمر الذي يدفع هذا الأخير إلى قتله والادعاء بأنه وجده مطروحا أرضا ميتا. لقطة مؤثرة في مشهد الدفن، تنطلق من حدقة عين الابن جيروم لتنفتح اللقطة إلى عامة ومشهد كامل لتـأبين الأب، وحتى من عانى من عجرفته ها هو يبكيه ويرثيه، وهم بضعة أنفار ممن يعيشون في تلك الصحراء المترامية.

يسيطر فيليم على المزرعة وينجح في ابتزاز المؤسسة التي تحتكر مياه السقي، ويتم حرث الأرض وسقيها وتتحول المساحات التي كانت جرداء بالأمس إلى أرض خضراء عامرة بالخصب.

وما لم يكن يتوقعه فيليم في كل هذا أن ذلك الحمار الآلي سيم سيقطع مسافة غير محدودة من دون السيطرة عليه، حتى يقع تحت أنظار صاحب الشركة التي تنتج مثل هذه الآلات الذي سرعان ما يتصل بجيروم ليبلغه العثور على ذلك الجهاز الآلي.

ومع ذلك تكون المفاجأة متمثلة في أن الكاميرا المثبتة فيه، ستسجل كل الفعاليات التي قام بها سيم، يراقب جيروم ذلك التسجيل الموثق حتى يصدم بمشهد إجهاز زوج أخته فيليم على والده وقتله.

وتستمر خطوط الصراع وسط تلك البيئة القاسية والشخصيات صعبة المراس، ويستمر فيليم في غطرسته حتى يتلقى إشعارا ما من المؤسسة التي تمتلك المياه، تدفعه إلى قطع الصحراء، وهناك يسقط في إحدى الحفر ليطلب العون من جيروم لإنقاذه، الذي لا يستجيب لصرخاته، لينتهي به الأمر ميتا هناك بعد أن يخبره جيروم بأنه قد اكتشف جريمته.

القصة تلخيص لصراع بين شباب صغار يجتهدون من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في عالم غريب يتم الكشف عنه أخيرا عند محاولة جيروم السفر، حيث على الحدود يمنع مرور غير البالغين، لكن جيروم ينجح في التسلل بمساعدة فتاة تكبره قليلا تطالب بالحريات المدنية ولهذا ستتهم بالإرهاب.

عالم مستقبلي مجهول وصراعات مصالح لا تفارق الكائن البشري حتى وهو في أتعس حالاته، حتى والأرض محطمة والموارد شحيحة، ورغم كل ما سبق يقدم الفيلم في المقابل سيرة إنسان، سيرة حياة شابة تقهر جفاف الأرض ونضوب مواردها.

العرب اللندنية في

06.04.2015

 
 

مانويل دي أوليفيرا ودّع أشباحه ومضى

علي وجيه

تهاوت عصا مانويل دي أوليفيرا بعد قرن وست سنوات على مجيئه إلى العالم. السينمائي البرتغالي (1908 ــ 2015/ الصورة) لم يعد أكبر مخرج يشيخ خلف الكاميرا منذ عام 2008. هو ثاني المعمّرين في تاريخ السينما بعد الأميركي جورج أبوت الذي رحل عام 1995 عن 107 سنوات. خلّف مانويل أكثر من 50 عنواناً، وشريطاً أوتوبيوغرافياً بعنوان «ذكريات واعترافات»، صوّره في بيت طفولته في بورتو، وأوصى بعرضه بعد وفاته. يبدو أنّ هذا سيحدث بالفعل في «مهرجان كان السينمائي» المقبل.

كان على أوليفيرا أن ينتظر أكثر من 70 عاماً حتى ينال انتباه النقاد وترحيب المهرجانات الكبيرة. هذا يتضمّن الأسد الذهب التكريمي عامي 1985 و2004، وسعفة شرفية عام 2008. في عمر السبعين، لم يكن في جعبته أكثر من 8 عناوين طويلة و6 قصيرة. بعد تخطّيه حاجز الثمانين، توهّج بغتةً واستخدم كل ذخيرته المبيتة. واصل إنجاز فيلم كلّ عام، حتى تجاوز قرناً من العمر. في العام الفائت، عاد إلى الجذور بروائي قصير «عجوز ريستيلو»، بعد عقود على بدايته في «عمالة على نهر دورو» (1931). الوثائقي التجريبي عن عمّال النهر الذي يقطع بورتو، أثار فضيحة سياسية في ذلك الوقت. لقطة المنارة الافتتاحية نقلها أوليفيرا لاحقاً إلى ختام الوثائقي «بورتو طفولتي» (2001)، المدينة الساحلية التي ألهمت كثيراً من أفلامه، وكانت منطلق السينما البرتغالية. قبل البداية، كان لمانويل محاولة غير مكتملة لعمل فيلم عن الحرب العالمية الأولى مع بعض أصدقائه. هو قادم من التمثيل الذي درسه في سنّ العشرين، إذ بدأ كومبارساً في أحد الأفلام الصامتة. في الروائي الطويل الأول «أنيكي – بوبو» (1942)، بقي أوليفيرا في أزقة بورتو وضفاف نهرها. لاحق أطفال الشوارع إلى جحورهم الخلفية، ليتمكّن من تسجيل أداء حقيقي من لحم ودم وبؤس. هذا نفس العام الذي سمع فيه الكوكب بمصطلح «الواقعية الجديدة» من إيطاليا. إذاً، كان مانويل دي أوليفيرا أحد المبشّرين بحقبة سينمائية جديدة، وهو ما جهله/ تجاهله كثيرون آنذاك. مضت 14 سنة قبل أن يعود «عميد السينمائيين» بفيلم «الرسام والمدينة» (1956)، الذي كتبه وأنتجه وولّفه وصوّره وأخرجه بنفسه (هذا التفاني الكامل سيتكرّر لاحقاً). انقطاعه الكارثي عن الأفلام الطويلة كابوس استمرّ أكثر من 20 عاماً. في «قانون الربيع» (1963)، رحل إلى قرية صغيرة، ما زال أهلها يحيون طقوس آلام المسيح منذ القرن السادس عشر. أسباب اعتكافه المتكرّر بعيداً عن علب الخام والبكرات الكبيرة، تُختصَر بإدارة عمل العائلة في الصناعة، والإذعان لديكتاتورية سالازار وقوانين الرقابة الصارمة. إذاً، لا بأس في هواية سباق السيارات في أوقات الفراغ. كانت هذه المرحلة الأولى في فيلموغرافيا أوليفيرا «مرحلة الشعب»: اشتباك مباشر بين الوثائقي والروائي، مع هيمنة محلية ونظرة ذاتية إلى العالم. تلتها «مرحلة البرجوازية» التي بدأت مع رحيل سالازار، وتفرّغ مانويل للسينما بشكل كامل عام 1972. شكّلتها تيمات الحب المستحيل المنسوج على خلفية اجتماعية قمعية. لطالما أغرته «كآبة البرجوازيين» في الاشتغال على عوالم غنيّة بالتفاصيل والألوان. «فرانشيسكا» (1981) مأخوذ عن رواية رومانسية لأوغستينا بيسا – لويس (اقتبس لها أربع روايات). علاقة ثلاثية من الطراز الأدبي الذي أحبّه أوليفيرا، وبنى عليه إيقاعاً من اللقطات الطويلة والثابتة، لتحقيق خلطة مفضلة من الأدب والموسيقا والكوادر الزاخرة برمزيات القصة. لا مزاح في أنّه حطّم السرد التقليدي، بأسلوب تصوير سرمدي وتوليف هادئ يكترث لحساسية شريط الصوت. أسلوب يترسّخ في الاقتباسات المسرحية العديدة التي أصرّ فيها على إدارة مسرحية للممثّل. عاد إلى ينابيع الغروتيسك والفكاهة والحوار الشعري. لجأ إلى الزركشة والديكور المتقشّف، لنقل صراعات الحب والشرف والرغبة والخوف والشعور بالذنب والنزوع إلى الخلاص. لا أحد ينسى الدور الأخير للأيقونة الإيطالي مارسيلو ماستروياني في «رحلة إلى بداية العالم» (1997)، حين لعب الأنا الأخرى لمانويل نفسه. مخرج مسن يستعيد ماضيه ويصارع أشباحه أثناء تجواله عبر البرتغال. في الأفلام التالية، خصوصاً «الحالة الغرائبية لأنجليكا» (2010)، حافظ أوليفيرا على كسل كاميراه، مركّزاً على إدارة الممثّل. نذكر حضور جون مالكوفيتش ثلاث مرّات أمام عدسته، إضافةً إلى كاترين دونوف ومايكل لونزديل وكلوديا كاردينالي وجان مارو ومايكل بيكولي وحفيده ريكاردو تريبا.

مانويل دي أوليفيرا رجل بعمر السينما. لم يسجّل غياباً منذ الحقبة الصامتة، وصولاً إلى سينما الديجتال، مروراً بدور «كارلوس» في أوّل فيلم برتغالي ناطق «أغنية لشبونة» (1933) لخوزيه كوتنيلي تيلمو. برحيله، تفقد السينما آخر الكلاسيكيين القدامى. يخفت نجم آخر في السماء السينيفيليين الشاهقة منذ الانفجار الكوني.

الأخبار اللبنانية في

06.04.2015

 
 

البحث عن أثر الثورة

نادية الأزمي

لا شك أن ناقداً سينمائياً من مستوى خليل الدمون، مشهود له بتاريخه الطويل في مجال النقد وعطاءاته على مستويات متعددة تحيل على قضايا السينما المختلفة، وتتأصل عميقاً عبر تجربة غنية في هذا المجال. وأن يقدّم قراءات متعددة، تدور في فلك القضايا السينمائية، فذلك أمر مفيد ومثير، ولا سيما أنّ هذه القراءات/ أو الأشلاء كما يسمّيها، هي قصاصات تؤرخ لتاريخ السينما، ولتاريخ الوعي النقدي لدى كاتبها؛ ذلك لأنها تمتد على نحو ثلاثين عاماً (1985ـ 2014)، ويجمع بينها الأرق النقدي الذي يسكن الكاتب، والهاجس السينمائي الذي ينقله للقارئ، ليحفّزه فيها على متابعة القضايا السينمائية.

ارتضى خليل الدمون لكتابه عنوان "أشلاء نقدية"، وكأنّ الناقد يجمع أشلاء ما تناثر من قضايا سينمائية على مدى تاريخ السينما المغربية، ثم ينثرها من جديد على صفحات كتاب.

ويشار هنا إلى أنّ الكتاب يحمل عنوان فيلم لحكيم بلعباس "أشلاء"، وهو الفيلم الذي سلط كاميرته على مشاهد حقيقية تلامس الواقع، وكأني بخليل الدمون ينحى المنحى نفسه، حين يختار العنوان ذاته، ويقتسم مع بلعباس دلالاته، ويسلط قلمه النقدي على القضايا التي تؤرق السينما، من غير أن تتسم نظرته برضى المحبّ عن كل ما يفعل حبيبه، بل بسعي المحب إلى أن يرقى بحبيبه نحو مستويات من النضج والعمق والدلالة.

وقد جاء في التقديم أنّ هذه الأشلاء "هي أشلاء نقدية كتبت في فترات متقاربة أحياناً ومتباعدة أحياناً أخرى، تبركت في عنونتها بسينما عفوية، لكنها زاخرة برؤى وصنعات تنبئ، وتبشر بظهور قوارب جديدة على شواطئ سينما هذا البلد".

ولكي يحقق الأستاذ الدمون هذا الرجاء الذي حمل على عاتقه تحقيقه فقد غطّى زمناً غير يسير من تاريخ السينما نقداً وتوجيهاً، مما جعلنا نحن القراء نعيش في زمن واحد له نكهته الخاصة، هو زمن تاريخ السينما وقضاياها وفلسفتها وطريقة اشتغالها، ونولد معها مرة بعد مرة، شأننا في ذلك شأن الفن السينمائي الذي يؤكد خليل الدمون أنه "ولد مرات كثيرة. لازال يولد لحد الساعة. ومع ولادته تمخضت قراءات عديدة، سريعة، منفعلة، متأثرة، محتضنة، مساهمة في تلطيف عسر الولادة، إنه الايمان الأول بالذات: يطبخ فيك قدرة خارقة على مضغ الواقع، وعلى تخطي الحواجز، قدرة حقيقية، لكنها غير جنونية". 

"المقالات التي ضمّها الكتاب استطاعت إلى حد كبير رسم الخطوط الرئيسية لهموم السينما المغربية والعربية"

والحق أن المقالات التي ضمّها الكتاب استطاعت إلى حد كبير رسم الخطوط الرئيسية لهموم السينما المغربية والعربية، وتناولت ضروب النقد السينمائي المختلفة، وجعلت القارئ الحالي يعيش الزمن الماضي عبر مشاهد نجح خليل الدمون في أن يضيء لنا حراكها، فينبئ بما كان، وبما هو آت، عبر كثير من التساؤلات التي طرحها، وحاول أن يجد لها بدائل تبدو في حينها مخرجاً حسناً لتحسين فن السينما وتطويره، دون أن يغيب عنه الوعي بالمطلوب، كما يقول هو بنفسه "مطلوب منا تلك القراءة الثانية التي تستطيع خلخلة الكتابة السينمائية الموجودة، وغربلتها ومقاربتها مع الأعمال الجادة. مطلوب في قراءتنا الجديدة أن نكون في مستوى المرحلة الثانية، كما كنا في مستوى المرحلة الأولى حتى تكون قراءاتنا فاعلة وبناءة". 

إنّ الالتفات إلى قضايا الإنتاج والدعم والمهرجانات والنوادي السينمائية التي يثيرها كتاب "أشلاء" عبر صفحاته، هي كلها تفريعات على ثيمة واحدة هي السينما، والسينما المغربية بشكل خاص؛ حيث يبدو الكاتب مشغولاً بالبحث عن آفاق جديدة لصناعتها، آفاق تستند إلى النهوض بالمتطلبات النصيّة والإنتاجية لهذه السينما.. من هنا فإن الكاتب يتساءل: "هل يمكن الحديث عن انطلاق صناعة سينمائية حقيقية في المغرب؟ هل يمكن القول بأن الإدارة الوصية: وزارة الاتصال، والغرف السينمائية المهنية استطاعت أن تحقق على مدى خمسين سنة قفزة ما في اتجاه ما، نحو ترسيخ تلك الركائز؟".

امرأة السوق

ولا شك أن الحديث الواعي عن هموم السينما يتشعب ليلامس هموم المجتمع العربي ذاته، وقضاياه الاجتماعية المختلفة، وتقف قضية المرأة التي تحتل حيزاً في المشهد الأدبي والنقدي والفنّي، في طليعة القضايا التي اهتمت بها السينما المغربية والعربية، لذلك فمن الطبيعي أن يتابع الدمون تلك الصورة، ويلفت إلى واقعها، ليصرّح برأي جريء ينتقد فيه الصورة النمطية للمرأة المغربية في السينما، تلك الصورة التي عملت على تشويه النظرة نحو المرأة؛ في استحضاره لصورة المرأة النمطي في السينما يقول "لا يمكن أن تكون صورة المرأة قد تعرضت للتشويه في أي مجال من مجالات التعبير أكثر مما تعرضت صورتها على الشاشة. المرأة عموماً على الشاشة تؤدي وظائف يحددها منطق السوق. منطق السوق بدوره يحدد ميكانيزمات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك".

هذه الصورة المستهلكة للمرأة في السينما لا تلغي الخصوصية المغربية والعربية، ولكنها تنتهك الصورة الإنسانية لذلك الكائن اللطيف الذي يشكل نصف العالم، إذ إن المرأة في أغلب مشاهد السينما المغربية والعربية تصبح مرادفة للسلعة، ويتحكم بها منطق السوق، وترتبط وظيفتها بالمنتوج التسويقي.

"إذا انطلقنا من قراءة الأسماء المتداولة في السينما المغربية، وعائشة تحديداً، وجدناه يعبّر عن نموذج مستهلك، مستكين لواقع مهترئ"

فإذا انطلقنا من قراءة الأسماء المتداولة في السينما المغربية، وعائشة تحديداً، وجدناه يعبّر عن نموذج مستهلك، مستكين لواقع مهترئ، ينبغي ألا يبرر الصورة النمطية للمرأة في السينما، لأنّ هذه المرأة تستحق من خلال حضورها الكثيف على الشاشة دوراً فاعلاً لها. غير أن الواقع يشير إلى مفارقة عجيبة يلخّصها الدامون بقوله:

"بقدر ما يعمل هذا المنطق الرهيب على ترسيخ صورة دونية المرأة، وعلى تشييئها، وتبضيعها، بقدر ماهي حاضرة بشكل مكثف على الشاشة، تعمل صورتها على تنشيط هذا المنطق، وعلى ترويجه وتعزيزه".

وعلى الرغم من تعدد الاتجاهات التي يرصدها الكاتب لنماذج المراة، واختلاف النظرات الجزئية نحوها بين فيلم وآخر، فإنّ المراة يجب أن تعامل، في رأي الدمون، على أساس أنّها كائن غير نمطي، تتغير وظيفته، بتغيّر ظروفه، وليست مجرد أداة من أدوات صناعة السينما، على نحو ما يمكن أن يحيل عليه اسم "عيشة" وربطه بما يعزّز منطق تسليع المراة: "إن المرأة في هذا المخزون الفيلمي حاضرة في كل المساحات تقريباً، لكنها (عايشة") تحت رحمة الرجل، خدمة له؛ يعني صورة مفضوحة لتعزيز منطق السوق"..

وهذه المقاربة بين الاسم المغربي عيشة، المحرّف عن عائشة، التفات إلى نمط حياة، ورضى، أراد الكاتب أن يلفت النظر إليه، ويحرّض العاملين في صناعة السينما على تغييره. 

السينما والثورة

إضافة إلى القضايا الاجتماعية التي عالجها الدمون (وقد مثّلنا لها بقضية المرأة) عالج الناقد عبر كتابه "أشلاء نقدية" مدى ارتباط السينما بالواقع المتجدد، مشيراً إلى كفاءة السينما التونسية التي رافقت ثورة تونس، وأثبتت أنّ السينما جزء من مكونات التاريخ التونسي الجديد الذي كتبه التونسيون؛ إذ يؤكّد الدمون في مقالة بعنوان: "السينما، الثورة وأشياء أخرى"، أنّ "التونسيين أثبتوا بالملموس؛ أن المكوّن الثقافي جزء لا يتجزأ من الثورة، بل أصروا على إنجاح أول دورة بعد الثورة"، وذلك في إطار حديثه عن مهرجان قرطاج.

المكوّن الثقافي جزء لا يتجزأ من الثورة التونسية"

ويلاحظ القارئ أن عين الناقد البصيرة لا تحبس بصرها بين قاعات السينما وحسب بل تسافر بالقارئ إلى رسم صورة الشارع، وردود الأفعال، القاعات، وتلتقط قراءات المشاهد الحاضرة في أوج الانفعال العاطفي الراهن للجماهير العربية: "والجديد في دورة ما بعد الثورة ابتعاد رجال الأمن عن القاعات وتركها في يد المنظمين وأعوان القاعات ودور الثقافة". 

وهو ها هنا يشير إلى عهد جديد تنفست فيه السينما الحرية، وهذا ما انعكس على الأفلام المشاركة؛ غير أنّنا نخشى التفاؤل الساذج الذي يشعر به بعضهم هذه الأيام، خوفاً على الواقع العربي، وعلى السينما العربية، في إطار واقع ما بعد الثورة الذي يكشّر عن أنياب العنف وعدم الاستقرار.

ناجي جبر: "القبضايات" يعيشون مرتين

ماهر منصور

أكثر من 35 عاماً قضاها الفنّان السوري الراحل، ناجي جبر، بين السينما والمسرح والتلفزيون، صاغ خلالها حضوره في المشهد الفني السوري بعيداً عن ضجيج النجومية، قبل أن يغيب على النحو ذاته، قبل 6 سنوات.

على مدار سنوات مشواره الفني، امتلك ناجي جبر زمام قيادة تجربته بنفسه، كان معدّاً له أن يؤدي شخصية "ياسينو" في المسلسل الشهير "صح النوم"، لكنه اختار دور القبضاي "أبو عنتر"، الذي يرتبط بصداقة مع "غوار الطوشة"، ويسانده في صراعه للظفر بقلب حبيبته "فطوم"، حتى لو اضطره الأمر إلى دخول السجن.

كان الفنان نهاد قلعي، بوصفه كاتباً لمسلسل "صح النوم"، يقوم بتطوير شخصيات مسلسله بناء على تفاعل الممثلين، فيعيد بناءها الدرامي ويزيد فاعليتها في الحكاية، بما يوائم بين الشخصية وقدرات الممثل الذي يؤدّيها، وهو ما فعله مع شخصية "أبو عنتر"، التي أضفى جبر عليها شيئاً من روحه، فكانت النتيجة على النحو الذي عرفناها به: "مفتعل مشاكل" و"مشرّاني"، بزيّ دمشقي شعبي، وبذراعين مفتولتي العضلات، يكشف عريهما عن كلمة (باطل) التي تعبر عن طباع صاحبها، وتلك الصفات الشكلانية أضيفت إليها لوازم كلامية مغرقة بشعبيتها أيضاً، مثل: "عرضية، مالا فكاهة، مالا مازية".. صارت مع الأيام جزءاً لا يتجزأ من ملامح الشخصية.

منذ ولادتها، راهن ناجي جبر على شخصية "أبو عنتر"، التي فتحت له باب الذاكرة، فرسخ في أذهان المشاهدين من خلالها، حتى كادت تغيّب اسمه الحقيقي في ذاكرتهم، وظلّ الرجل مخلصاً للشخصية، يحملها معه أينما يحلّ، وفي ذلك كان مقتل نجوميته، فقد ولدت شخصية "أبو عنتر" في مسلسل "صح النوم" حيث كان "الكركتر" هو الأساس، وقد ساهمت طبيعة الحكاية بتكريسها وغوار الطوشة كثنائي فني، نشأ على هامش ثنائي دريد ونهاد، إلا أن تلك الثنائية بدت بعمر قصير، فما استطاعت أن تعمّر بعد "صح النوم"، إلا بعملين اثنين هما "ملح وسكر" و"وين الغلط"، الذي أنجزه دريد لحام مع محمد الماغوط.

حين انتقل الاثنان إلى المسرح لم يستطيعا أخذ أبو عنتر معهما، بل وعجزا عن تطوير الشخصية في أعمالهما التلفزيونية، حتى بدا حضورها أضعف ما يكون إلى جانب غوار (دريد لحام) في (وادي المسك)، إلا أن قوة حضورها كجزء من حضور غوار الطوشة كان من الصعب تجاهله، فأعاد لحام إحياءها مع إعادة إحياء شخصية "غوار الطوشة" في مسلسله "عودة غوار"، وللمفارقة كان الحفاظ على تفاصيل أبو عنتر واستثمارها درامياً في مسارب جديدة، مقابل تخلي غوار عن بعض من صفاته، لصالح مقتضيات البطولة، سبباً في تفوق وطغيان نجم ناجي جبر في المسلسل على نجم بطله دريد لحام.

خارج سرب "صح النوم" وامتداده، وجد ناجي جبر نفسه مع شخصية "أبو عنتر" وحيداً في التلفزيون، أسيراً لما قدّر لها من حكايات دفعت به إلى الصف الثاني من الأدوار، بل وإلى الصف الثالث أحياناً، حين انتقل بها إلى السينما.. فكان لا بد من إعادة البناء الدرامي للشخصية بما يتناسب وحكاية جديدة تحافظ على حرارة حضورها، وهو الأمر الذي نجح فيه الفنان ناجي جبر في المسرح، مستفيداً بالغالب من تطوّر شخصية غوار على يد الماغوط في المسرح والسينما أيضاً، فأحدث ناجي تغييراً في طبيعة "أبو عنتر"، بتسخير قوّته وتمرّده لصالح الناس، حين راح يعبر عن هموم الشارع السوري ومشاكله وآماله في مسرحياته، وينتقد الممارسات الخاطئة في المجتمع ولا سيما الفساد.

وتلك التجربة المسرحية الاجتماعية الناقدة سرعان ما نقلها جبر إلى الإذاعة، وعاد بها إلى التلفزيون من خلالمسلسله "يوميات أبو عنتر"، ولكن مقتضيات الحكاية في هذا المسلسل أجبرته على التخلي عن زي شخصيته التقليدية وعن جبروتها أيضاً، وأبقت على اسمها فقط. 

المتتبع لتحولات شخصية "أبو عنتر" الأخيرة سرعان ما يخلص إلى أن ناجي جبر صنع عبرها نجوميته بيده، وقد امتلك على نحو ما حساً انتقادياً لأعماله، لكن مقتله جاء من هذه الشخصية التي أمن جانبها، فهي كما صنعت نجوميته بداية، عادت لتحاربها تالياً.

ولننظر كيف أنه في السينما بداية وتالياً في التلفزيون، كان كلما تخلى عن شخصية أبو عنتر لقي تقديراً صحيحاً لموهبته، وفي وقت لم يستطع فيه التصدي بهذه الشخصية لدور بطولة مطلقة واحد في عمل سينمائي، كان بعيداً عنها يتصدر أدوار البطولة السينمائية، كما كان الحال في أفلامه بالقطاع الخاص "أموت مرتين وأحبك"، و"باسمة بين الدموع"، إضافة إلى تقاسمه البطولة في فيلم "شيطان الجزيرة" مع الفنانين المصريين محمود عبد العزيز ويسرا.

السيناريو بدا مختلفاً في التلفزيون، إذ قلما استطاع مخرجو التلفزيون رؤية ناجي جبر خارج ملامح شخصية "أبو عنتر"، فأسروه في أدوار القبضاي في أعمال عديدة، منها "أيام شامية" و"الخوالي" لبسام الملا، ومع سيف الدين سبيعي "أولاد القيمرية"، ومع المخرج علاء الدين كوكش "أهل الراية".. إلا أن هذا الأخير كان فرصة لناجي جبر ليكشف ما لم يدركه كثير من المخرجين، فقد اقتضى تطور الأحداث في المسلسل، تحول شخصيته "نمر" إلى التصوّف والزهد بالدنيا، وهو ما كشف جوانب في مقدرات ناجي جبر التمثيلية لم نعرفها من قبل.

وترافق هذا الدور مع تقاسمه بطولة مسلسل "بيت جدي" مع الفنان بسام كوسا، حيث أدى شخصية "أبو راشد" التي بدت، أداء وحضوراً، بمستوى يليق بشخصية شاءت الأقدار له أن تكون الأخيرة في مشواره الفني، قبل أن يغيب في 30 مارس/آذار 2009. وبعيداً عن دور القبضاي، وفي استثناءات نادرة، قدم ناجي جبر شخصية ضابط الأمن في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب" وشخصية رجل الأعمال المستهتر في مسلسل "أسير الانتقام".

غرقت الدراما السورية مؤخراً بقبضايات وزعران، لم يفلح معظمهم بالاقتراب من عفوية "أبو عنتر"، تلك التي كانت تأكيداً لموهبة تمثيلية لم يستثمر مخرجو الدراما إلا بعضها في أداء ناجي، فيما أهدرتها السينما يوم أهدرت ما أنجزته سينما القطاع الخاص في سورية ونجومها. 

العربي الجديد اللندنية في

06.04.2015

 
 

exodus gods and kings

جنة عادل – التقرير

في عام 1994، أخرج العبقري يوسف شاهين، فيلمه المأخوذ عن قصة النبي “يوسف”، المهاجر. أثار الفيلم بالطبع عاصفة من الجدل، بسبب تحريم تجسيد الأنبياء بصريًا، ما تسبب في إيقاف عرضه لفترة، حتى غيّر يوسف شاهين أسماء الشخصيات، وكتب على بداية شريط الفيلم تلك العبارة التي كانت بمثابة أقسى مزحة تعرض لها المسؤولون في السينما المصرية، ولابد أنه مازال يقهقه ضاحكًا عليها في قبره إلى الآن، حيث نفى أن يكون للفيلم أيه علاقة بأي قصة أو حادثة في التاريخ باللغة العربية، ثم أوضح بالفرنسية وعلى نفس الشاشة أن قصة “رام” بمثابة محاكاة لقصة يوسف بن يعقوب، ومر الفيلم من النقابة وعرض بالفعل!

لا شك أن قصص الأنبياء والقديسين والميثولوجيا الإنسانية بشكل عام مادة سينمائية خصبة، تداعب خيال المخرجين والكتاب على حد سواء، وتقدم مساحات واسعة من الإبداع، لا سيما مع ما يستجد يوميًا في تكنولوجيا التصوير والإخراج والتقنيات البصرية، والذي يجعل تقديم مثل تلك القصص اليوم فرصة لم تُتح من قبل.

إذا نحينا جانبًا اتفاقنا أو اختلافنا مع تحريم تجسيد الأنبياء، سنجد أن معالجة قصص الأنبياء ستتخذ واحدًا من دربين، الأول، وهو ما فعله يوسف شاهين في “المهاجر” حين نفض عن قصة يوسف بريق المعجزات -وبذلك ابتعد في الوقت نفسه عن الجدل الديني في تلك النقطة- ليتعامل معها من منظور إنساني صرف، وليفسح مجالًا لمعجزاته الخاصة في الإخراج.

والثاني، وهو مربك بعض الشيء، أن يتبنى المخرج رواية بعينها لقصة أحد الأنبياء -روايات القصة الواحدة تختلف من ديانة لأخرى- ويقدمها كما هي أو بتغييرات طفيفة، مخاطرًا بكونه سيتسبب ولابد في انزعاج طائفة على الأقل من أتباع الديانات التي تختلف روايتهم عن الرواية التي تقدمها؛ إلا أن الأمر -وعلى الرغم من أن المخاطرة كبيرة- يتيح مساحة أكبر للإبداع .

في فيلمه الأخير، Exodus، لم يسلك Ridley Scott أيًا من هذين الدربين، فقدم معالجة غريبة مشوهة لقصة النبي موسى، تمكنت من إغضاب أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث على حد سواء، كما فشلت على المستوى السينمائي.

بدأت مشاكل الفيلم منذ بدأ Scott في اختيار طاقمه، فكانت أولى التهم الموجهة له هي العنصرية، باختيار مجموعة من الممثلين البيض لأداء الأدوار الرئيسة لشخصيات مصرية فرعونية، وهو الشيء الذي أجاب عنه Scott بقوله: ” أنا بصدد إنتاج ضخم، ولن أستطيع الحصول عليه في وجود أسماء مثل محمد الفلاني من الدولة الفلانية”، الشيء الذي أكد صحة تلك الاتهامات بالطبع.

اختار Scott النجم Christian Bale لدور موسى، والنجم Joel Edgerton ذا العيون الزرقاء لدور رمسيس، فرعون مصر، كما اختار مجموعة من كبار النجوم لأدوار ثانوية بشكل عبثي تمامًا، لا طائل من ورائه ربما إلا وجود أسماء لامعة على ملصق الفيلم الدعائي، ليظهر Ben Kingsley على سبيل المثال بدور “نون”، اليهودي الذي يخبر “موسى” عن أصله العبراني وقصة أمه وأخته مع النهر، ويعينه فيما بعد على توحيد بني إسرائيل تحت قيادته، فلا يتعدى إجمالي ظهوره في الفيلم العشر دقائق، في مشاهد عادية لا تحتاج لموهبة بحجم Ben Kingsley لأدائها، وكذلك النجمة Sigourney Weaver التي ظهرت بدور “تويا”، أم فرعون التي تكره موسى دون سبب واضح، والتي ظهرت صامتة لمدة دقيقتين، ولم تتكلم سوى في مشهد واحد عادي جدًا لم يتجاوز بضع دقائق أيضًا.

نأتي للمعالجة التي اختارها فريق من 4 كتاب من بينهم Steven Zillian الحاصل على الأوسكار عن رائعته Schindler’s list، ومع ذلك يأتي السيناريو مشوهًا، ففي النهاية نحن أمام قصة النبي موسى، واحدة من أغنى قصص الأنبياء في الديانات الإبراهيمية الثلاث، وأكثرها إبهارًا من ناحية المعجزات، فأتت التعديلات التي أدخلها فريق الكتابة على الروايات المتداولة لقصة موسى، ممسوخة تمامًا.

على سبيل المثال، يصبح موسى صديق رمسيس ورفيق صباه الذي يفضله الفرعون والد رمسيس عن ولده، بخلاف كافة الروايات الدينية التي تؤكد أن موسى كان ربيب فرعون نفسه، والتغيير هنا لا داعي له على الإطلاق، ولا يخدم القصة بشيء.

كذلك رعونة فرعون ولينه التي تتنافى مع الروايات الدينية من ناحية، ولا تحمل ذرة من المنطق من ناحية أخرى، فمن المفترض أن فرعون كان مقتنعًا بكونه الإله الأعلى، وهو ما جاء على لسانه في الفيلم، ومع هذا، بدت شخصية رمسيس باهتة مهزوزة.

أما عن ظهور الله في صورة طفل، فالأمر يبدو صداميًا بهدف الصدامية ولا سواها، فـScott المعروف بكونه “لا ديني”، والذي اختار تقديم نسخة “دينية” من قصة موسى، أراد تقديم شيء مختلف في نقطة لن يستوعب الدينيون المزاح فيها، ومجددًا لا لشيء إلا لأنه يستطيع.

أما عن الأداء التمثيلي، فيأتي مخيبًا للآمال، شأن بقية عناصر الفيلم، لاسيما أداء Edgerton لدور رمسيس، ففي المشهد الذي يفترض أن يصرخ رمسيس “أنا الله”، والذي يفترض أن يكون من أقوى مشاهد الفيلم،  لم يأت أداؤه بالقوة الكافية.

ربما كان الأداء القوي من نصيب الطفل Isaac Andrews، ابن الـ11 عامًا، في دور الله، وبالرغم من ضعف حواره في بعض المشاهد؛ إلا أن أداءه يفوق باقي نجوم الفيلم براعة بمدى بعيد.

الموسيقى كذلك لا تقل تشوهًا وتخبطًا عن بقية عناصر الفيلم، حالة عشوائية من “القص واللزق” تبدو حينًا مناسبة لما يحدث وللحقبة التي تدور فيها أحداث الفيلم، وحينًا تبدو كمحاكاة ساذجة للموسيقى الشرقية من منظور غربي يخلط خلطًا مفزعًا بين نكهة الموسيقى المصرية الفرعونية وموسيقى الملاحم اليونانية.

ربما في هذا السياق يبدو من المناسب الاستماع لموسيقى فيلم “المهاجر” التي كتبها العبقري الراحل محمد نوح، والتي جاءت مناسبة تمامًا لروح الفيلم الذي يناقش بدوره قصة نبي تدور في مصر وفي العصر الفرعوني، فجاءت مقطوعة واحدة متناغمة تختلف أجزاؤها بسلاسة لا تزعج المستمع ولا تنفره كما تفعل موسيقى Exodus.

ما يحسب لـScott وسط كل هذا التخبط والإضافات عديمة الداعي، مشاهد الكوارث التي حلّت بمصر، التماسيح التي أحالت مياه النيل دمًا، الضفادع التي أتت من كل مكان ودخلت القصور ووصلت لفراش فرعون، البعوض، الجراد، والوباء، فجاء استخدام المؤثرات فيها مدهشًا بدرجة تثير التساؤل، إذا كان المخرج إلى هذا الحد قادرًا على صنع شيء مميز، فلم يفسد الأمر بمحاولات التجديد عديمة الجدوى؟

كما تثير التساؤل أيضًا عن مشهد عبور البحر الأحمر، الذي اختزله Scott وسطّحه من معجزة انشقاق البحر التي تجمع عليها كافة الأديان الإبراهيمية، والتي كانت لتصبح معجزة جديدة على الشاشة لو تم تنفيذها كما ينبغي، لمجرد حالة من انحسار الماء بين الضفتين مكنت موسى وقومه من العبور دون خسائر، وإن أودت عودة المياه المفاجئة لمنسوبها الطبيعي بحياة فرعون وجنوده. فإذا افترضنا عدم رغبة Scott في تبني الرواية الدينية للحدث لحساب الإبداع السينمائي، فأيهما أفضل سينمائيًا؟ انشقاق البحر أم انحساره؟ وإذا كان سكوت يحاول مَنطقة معجزات موسى كما جاء على لسان أحد كهنة فرعون حين شرح من الناحية العلمية كيف يبدو تسلسل الكوارث منطقيًا، فأين المنطق في الموت الذي حصد أبناء رجال فرعون دون أبناء اليهود؟ أين المنطق في جعل الله طفلًا في الحادية عشرة من عمره؟ أين المنطق في وجود الإله وكونه سببًا في هذا كله من الأساس ؟

الفيلم مخيب للآمال على جميع الأصعدة، فمن المتوقع لفيلم يعالج قصة مماثلة بميزانية تقدر بـ140 مليون دولار ومن إخراج ريدلي سكوت، أن يأتي بمستوى مختلف تمامًا عما جاء به الفيلم، ولعل الجلبة التي أثيرت حوله، لاسيما منعه من العرض في الكثير من الدول العربية والإسلامية، هي ما ساعده على جني ما جاوز الربع مليار دولار في شباك التذاكر، وإن كانت تلك الأرقام لا تمثل النجاح التجاري -بفرض أننا بصدد تقديم فيلم تجاري- المتوقع لفيلم مماثل.

التقرير الإلكترونية في

06.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)