كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أليخاندرو خودوروفسكي يعد عشاق السينما بـ'شعر لا ينتهي'

العرب/ أمير العمري

 

فيلم 'الطوبو' الذي أخرجه أليخاندرو خودوروفسكي عام 1970 جعل منه رائدا للسينما الجديدة في عصره، وأحد كبار شعراء السينما السوريالية في العالم.

من الأخبار السعيدة لكل عشاق السينما أن يعلن المخرج السينمائي الكبير أليخاندرو خودوروفسكي، اعتزامه إخراج فيلم جديد، بعد أن وضع مؤخرا، إعلانا يظهر فيه بالصوت والصورة بنفسه، على موقعه على الإنترنت، يقدم فيه موضوع فيلمه الجديد الذي يعتزم إخراجه، ويطلب دعما ماليا من كل عشاق أفلامه، مثلما حدث مع فيلمه السابق مباشرة.

وقد نجحت حملة خودوروفسكي وشركته الصغيرة في تحقيق الهدف منها وتمكنت من جمع أكثر من 442 ألف دولار أي أكثر من الهدف المحدد لها أي جمع 350 ألف دولار لبدء التصوير الذي أعلن أنه سيبدأ في نهاية يونيو ويستمر حتى نهاية أغسطس من العام المقبل. الفيلم الجديد سيحمل عنوان “شعر لا ينتهي”.

وعنه يقول خودوروفسكي إنه سيصور “بحث شاب عن الجمال في الشعر.. عن الجنة الروحية”، وفيه سيعود إلى فترة شبابه في شيلي في الأربعينات، وهي الفترة التي يقول إنها شهدت “ظهور الشعراء العظام أمثال بابلو نيرودا وغابرييلا ميتسرال.. وهما أبونا وأمنا”.

يعتبر أليخاندرو خودوروفسكي Jodorowsky أحد كبار السينمائيين في العالم، وإن لم يخرج طوال 40 عاما، سوى سبعة أفلام فقط، أحدثها فيلم “رقصة الواقع” (2013)، ولكن كان يكفي ظهورفيلم واحد منها هو “الطوبو” El Topo الذي أخرجه عام 1970، لكي يجعل منه رائدا للسينما الجديدة في عصره، وأحد كبار شعراء السينما السوريالية في العالم. وقد عاد إلى السينما عام 2013 بفيلم”رقصة الواقع”، بعد غياب استمر لمدة 23 عاما.

ويريد الآن أن يستمر حتى “النفس الأخير”، في الإخراج، للتعبير عما يكمن في مخزونه الإبداعي، وهو كثير. وفي أحد تصريحاته الكثيرة، قال خودوروفسكي إنه سيعيش إلى أن يبلغ مئة وثلاثين عاما. وهو مستمر في التفاؤل بقدرته على تحدّي قيود الإنتاج والاستمرار في عمل الأفلام بعد أن تجاوز السادسة والثمانين من عمره.

بدايات عملاق

ولد خودوروفسكي في شيلي في 7 فبراير عام 1929 لأبوين مهاجرين من روسيا، وانتقل إلى سانتياغو عام 1942 حيث التحق بالجامعة، كما عمل مهرجا في السيرك ورساما للكاريكاتير، وفي 1955 سافر إلى فرنسا وهناك درس فن البانتوميم مع مارسيل مارسو، وأخرج فيلما قصيرا.

كان فيلمه الأول “فاندو وليز” Fando y Lis الذي أخرجه في المكسيك عام 1968، عبارة عن رحلة سوريالية يقوم بها رجل وامرأة بحثا عن مدينة خيالية لا يمكن الوصول إليها أبدا. وكان مقتبسا عن مسرحية للكاتب الإسباني السوريالي فرناندو أرابال. وقد عرض للمرة الأولى في مهرجان أكابولكو بالمكسيك، ولكن الجمهور من شدة حماسه، تملكه العنف عند نهاية العرض وأراد قتل خودوروفسكي، واضطر لمغادرة قاعة العرض من الباب الخلفي لينجو بنفسه.

خودوروفسكي ليس فقط مخرجا سينمائيا، فقد أسس (مع الكاتب السوريالي فرناندو أرابال) حركة مسرحية في الستينات عرفت باسم حركة مسرح البانيك Panic نسبة إلى إله إغريقي يدعى "بان" Pan

وقد أدى هذا الهياج إلى منع عرض هذا الفيلم لمدة 32 عاما، وإلغاء المهرجان. إلا أنه تمكن من إخراج فيلمه الروائي التالي الذي صنع شهرته في العالم وهو فيلم “الطوبو” الذي ظل يعرض في مسرح “إلغن” Elgin في نيويورك لمدة ستة أشهر في قاعة تمتلئ كل ليلة بنحو ألف متفرج، وتحول بذلك إلى إحدى أيقونات السينما الجديدة.

لم يكن “الطوبو” فيلما يمكن تصنيفه بسهولة، فهو يجمع بين طابع أفلام “الويسترن”، مع لمسات سوريالية واضحة مشبعة بالميثيولوجيا الدينية والأساطير القديمة. وقد رحب الجمهور به بجنون، لأن جمهور نيويورك في ذلك الوقت بعد ثورة الشباب في الستينات، كان مؤهلا لاستقبال عمل بصري خالص يعتدي بقسوة على الـgenre التقليدي لأفلام الغرب الأميركي.

شاهد الفيلم في عروض منتصف الليل نجم فرقة البيتلز الراحل جون لينون فأقنع ألان كلاين مدير الفرقة بشراء حقوق توزيعه، فقام بتنظيم عروض خاصة لنقاد نيويورك أذهلتهم واقنعهم بأنهم أمام موهبة صاعدة خارقة.

وقد أنتج كلاين فيلم خودوروفسكي التالي “الجبل السحري” (1973) وذهب لعرضه في مهرجان “كان” في تلك السنة، ثم أخرج بعد ذلك ثلاثة أفلام هي “توسك” عام 1980، ثم “الدماء المقدسة” عام 1989، ثم “لص قوس قزح” عام 1990 من تمثيل عمر الشريف وبيتر أوتول وكريستوفر لي، وهو الفيلم الذي أعلن في ما بعد تنكره له وأنه لا يمثله بسبب ما فرضه منتجه عليه.

العقاب

من أطرف ما تعرض له خودوروفسكي كان خلافه الشهير مع المنتج والموزع ألان كلاين (الذي يملك حقوق توزيع أفلامه الثلاثة الأولى) بعد أن رفض خودوروفسكي أن يخرج فيلما (على مزاج كلاين)، فما كان من الأخير إلا أن عاقبه بمنع عرض فيلميه الشهيرين اللذين يمتلك حقوق توزيعهما وهما “الطوبو” و”الجبل السحري” وظلا ممنوعين لمدة 30 عاما، إلى أن تصالحا عام 2004، فأعيد توزيع الفيلمين في نسخ من الإسطوانات الرقمية عام 2004 قبل أن يتوفى كلاين عام 2009.

خودوروفسكي ليس فقط مخرجا سينمائيا، بل قد أسس (مع الكاتب السوريالي فرناندو أرابال) حركة مسرحية في الستينات عرفت باسم حركة مسرح البانيك Panic نسبة إلى إله إغريقي يدعى “بان” Pan. وكانت عروض هذه الفرقة أو الحركة، تتميز بالعنف والعري وإلقاء الدجاجات الحية من فوق خشبة المسرح على الجمهور، والصراخ الهستيري، وغير ذلك من الحركات التي تعبر عن الغضب كما تتيح للممثل الفرصة لإخراج طاقة العنف الكامنة في داخله.

وهو أيضا محاضر يمارس العلاج الجماعي عن طريق التحليل النفسي، ورسام ومؤلف لمجلات الرسوم المصورة المضحكة، ومخرج مسرحي وممثل. وجدير بالذكر أيضا أنه قام ببطولة فيلم “الطوبو” وأخرجه وألفه وكتب موسيقاه وعمل له المونتاج.

فيلم “الجبل المقدس” ليس فقط فيلما كسائر الأفلام الفنية الرفيعة التي تتعامل مع أغوار النفس البشرية، وتسعى إلى تفسيرها وتجسيدها بالصور واللقطات، بالحركة والموسيقى، وبالتكوين والتشكيل والضوء والظلال والألوان. لكنه أيضا “مغامرة” كبيرة في السينما التي تُستمد من الفن التشكيلي، ومن مسرح البانتوميم الذي كان خودوروفسكي أحد رواده، ومن العروض الاستعراضية، فمخرجه “رجل استعراض” حقيقي، كما أن له فلسفته الخاصة، فهو يرفض فكرة محدودية الجسد، كما يرفض الحدود القائمة بين الدول أو تقسيم البشر إلى جنسيات وأجناس، يشغله ما يوجد داخل الكائن البشري، أعماقه وخيالاته ومشاعره الحقيقية مهما بلغت من جموح وتوحش.

الفلسفة والخيال

ليس في فيلم “الجبل المقدس” قصة بالمعنى المتعارف عليه، ولا يوجد أيضا سياق قصصي يسير نحو ذروة أو عقدة معينة. وشأنه شأن كل أفلام كبار المبدعين، لا يحتوي الفيلم على “تيمة” يمكن تبسيطها وبسطها، لكنه يتضمن سياقا من نوع آخر مختلف عن السياق القصصي المألوف في الدراما المعتادة.

هناك “توليفات وتنويعات” من اللقطات التي تعكس ولع صاحبها بفكرة الطوطميات أو النقوش التي رسمها الإنسان منذ فجر التاريخ، على الأحجار والكهوف والأرض، مسجلا عليها إشارات ورموزا معينة، يرى خودوروفسكي أنها ترتبط معا في علاقة ما دفينة، تعكس معاني محددة لها علاقة ربما، بالبحث عن أصل الكون، وعن سر الوجود.

بطل الفيلم لص يمر عبر الجزء الأول من الفيلم، بشتى أنواع الاختبارات والمحن والتحديات التي يكتوي خلالها بنيران العالم الحديث وقيمه: الجشع والغش والانتهازية والقمع والتدهور الأخلاقي واستخدام الدين للتضليل بدلا من التنوير، وإساءة استخدام السلطة.

ذنبه أنه يشبه المسيح مما يجعل مجموعة من الأطفال العراة يقومون بصلبه ثم يأخذون في قذفه بالأحجار، لكنه يتمكن من تخليص نفسه من الصليب ثم يطاردهم بدوره ويقذفهم بالأحجار ويلعنهم. قزم مبتور الساقين والذراعين (يتكرر ظهوره في أفلام خودوروفسكي الثلاثة “الطوبو” و”الجبل السحري” و”الدماء المقدسة”) يصادقه، يدخن معه الحشيش ثم يصحبه إلى المدينة، وفي المدينة نرى جثثا عارية غارقة في الدماء فوق شاحنة، ويحمل اللص القزم وهو يضحك.

وفي الجزء الثاني يلتقي اللص بـ”المُخلص” أو الساحر (يلعب دوره خودوروفسكي نفسه) الذي يقوده إلى رحلة يتعرف خلالها على سبعة من الرجال المتنفذين في المجتمع: السياسيين والرأسماليين، ويقول له إنهم “لصوص مثلك بطريقة أخرى” منهم صاحب مصنع للأسلحة، وتاجر للعاديات، ومستشار مالي لرئيس الجمهورية، ورسام يصنع الفن الهابط الاستهلاكي، ومعماري يعمل من أجل أن يحقق المقاولون الملايين من الأرباح على حساب الناس الذين يكفيهم كما يقول “أن نبيع لهم مأوى وليس مسكنا”.

رقصة الواقع

في 2013 يعود خودوروفسكي بفيلم “رقصة الواقع”. وفيه يعود إلى الماضي، إلى طفولته لكي يروي الفصول الأولى من حياته وهو في العاشرة من عمره، تلك الفترة التي تركت تأثيرها الكبير عليه، ويصور علاقته بوالده القاسي، العنيف، الذي كان معجبا بشخصية ستالين وكان يتقمصها، يريد لابنه الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، أن يكون قويا، صلبا، يقهر الألم، يصمد أمام المخاطر، لا يبكي، ولا يضحك، يتحمل العذاب وهو صامد.

وتعكس المشاهد الأولى من الفيلم هذه العلاقة التي ستترك تأثيرها القوي على شخصية خودوروفسكي.

لكن الفيلم ليس مجرد سرد واقعي صارم للسيرة الذاتية لخودوروفسكي، بل هو عمل سينمائي خلاب ينتمي إلى الواقعية السحرية التي تميز الأدب والفن في أميركا اللاتينية، أدب ماركيز، وسينما راوول رويز، تختلط فيه التداعيات السوريالية من الذاكرة، بأجواء السيرك التي تظهر في معظم أفلام المخرج الكبير، وتتقاطع مع مناظر ومواقف ولحظات من التاريخ، تاريخ شيلي موطن المخرج، مع عرض لما يطلق عليه خودوروفسكي “السيكوماجيك” أو العلاج النفسي لعقد ومشاكل نفسية ترتبط بالصلات العائلية أو تكون وراثية، مع نوع من التخاطر العقلي بين الابن والأم.

وكما في “الجبل المقدس” و”الطوبو” يبرز الحس الديني بقوة في هذا الفيلم، وهو يتلخص في الإيمان بوجود الله، مع رفض ممارسات القساوسة ورجال الدين والسخرية من عجزهم عن تقديم حل لمأساة الإنسان وضعفه وحيرته، كما يكشف فساد السياسيين، وبراءة البسطاء، وعجز اليسار عن تقديم يد المساعدة للفقراء وإدانة ذاتيتهم وعجزهم عن الفعل.

أفلام خودوروفسكي رحلة روحانية شيقة، تعكس ولعه بالبحث الشاق عن اليقين ولو من خلال الشك، ورغبته العميقة في التحرر من قيود الجسد وعذاباته، وهو ما لا يتحقق ربما سوى بالموت، لكن خودوروفسكي يؤكد لنا أنه سيعيش حتى يبلغ 130 عاما.

العرب اللندنية في

05.04.2015

 
 

نظرية كل شىء.. عن الحب الذى يصنع المعجزات

محمود عبدالشكور

يتناول الفيلم البريطانى «the theory of everything» أو «نظرية كل شىء» للمخرج جيمس مارش، قصة حياة العالم الشهير ستيفن هوكينج صاحب النظريات والكتب التى غيرت الفيزياء وعلم الكون، ولكن الحكاية كلها من وجهة نظر زوجته الأولى ورفيقة مشوار حياته لسنوات طويلة جين وايلد التى كتبت تفاصيلها فى كتاب بعنوان «من مذكرات السفر إلى اللانهاية ..حياتى مع ستيفن»، عنوان الفيلم كله هو أن الحب والتمسك بالأمل هما اللذان يصنعان كل شىء، هكذا كان ستيفن محظوظا بزوجته وحبيبته التى قابلته أثناء دراسته فى جامعة كامبريدج، وآمنت به وساندته رغم مرضه الغريب الذى أصابه بشلل تدريجى وصل إلى درجة الصمت الكامل، ولكنه نجح رغم ذلك فى الحصول على درجة الدكتوراه، وقدم دراساته العظيمة فى مجال تفسير حقيقة الثقوب السوداء التى تبتلع النجوم، ثم فى تأليف كتابه الشهير «تاريخ موجز للزمن»، وأخيرا فى كتابة دراسته الشهيرة المثيرة للجدل « التصميم العظيم» .

من خلال الأداء الرائع للممثل إيدى ريدمان نرى ستيفن هوكينج فى البداية شابا طبيعيا تماما، بل إنه يبدو عبقريا مقارنة بزملائه فى جامعة كامبريدج المرموقة، يتعرف على الفتاة جين والد التى تدرس الأدب والشعر، يعجب بها، يعيشان قصة حب جميلة، قبل أن يصاب هوكينج بمرض عصبى حركى يتنبأ الأطباء أن يؤدى إلى وفاته بعد عامين فقط، ولكن جين تصر على الزواج من ستيفن، وتنجب منه ثلاثة أبناء، يطول عمر ستيفن، وتصبح جين تعويضا له عن الشلل الذى يزحف على أعضاء جسده ، سيتم تصميم مقعد كهربائى يتحرك به، ثم يصممون له برنامج كمبيوتر يستطيع أن يترجم حركات عينيه إلى كلمات مسموعة، وفى كل المراحل يقدم الفيلم جين كزوجة مثالية وفية، رغم مشاعرها العاطفية تجاه الشاب جوناثان الذى استعانت به لتعليم أولادها الموسيقى، يبرز الفيلم أيضا التناقض بين الزوجة المؤمنة بالله، وزوجها المتذبذب بين الشك والإيمان، لا يتعمق الفيلم كثيرا فى شرح أفكار هوكينج، ولكنه يستغرق فى تفاصيل حياته الإنسانية، يقدمه كرجل مرح وكأب عطوف يلعب مع أولاده رغم ظروفه الصحية الصعبة، يفتقد الفيلم تسجيل تواريخ السنوات وصولا إلى حالة هوكينج فى سنواته الأخيرة، ولكن لدينا أداء استثنائيا للممثل إيدى ريدمان الذى تدرب لشهور على أيدى مدرب للصوت وآخر للحركة، كما أنه سجل رسومات بيانية لحالة هوكينج حتى لا تفلت منه الشخصية، وخصوصا أن المشاهد لا يتم تمثيلها وفقا لترتيبها فى السيناريو المكتوب، فى مشهد أخير يقول هوكينج بأنه مادام وجدت الحياة فهناك أمل، يعود الفيلم إلى مشاهد سابقة وكأنه يدير عجلة الزمن إلى الوراء، ويتوقف عند لقاء جين مع هوكينج، هنا مولد الحب صانع المعجــــزات رغم كل شىء.

لعنة غريبة تصيب بطلات أفلام العندليب !

محمد رفعت

العندليب الراحل عبد الحليم حافظ ..الرمز الوحيد الباقى من عصر الرومانسية والغناء الجميل وسفير الحب الغائب الذى لا يزال يعيش فى كل القلوب، ارتبطت به لعنة تصيب بطلات أفلامه، فرغم أن التمثيل كان حلم كثير من النجمات والممثلات فإن معظم بطلات أفلامه قد اعتزلن وانسحبن بسرعة من عالم الأضواء.

ليلى ياسين الشهيرة بإيمان وبطلة فيلمه «ليالى الحب» تم طلاقها من زوجها الأول فؤاد الأطرش وتزوجت مهندسا ألمانيا يدعى (ماكس شليرن) أشهر إسلامه وعاد بها إلى ألمانيا ليعيشا هناك حتى الآن.

لبنى عبد العزيز صاحبة الملامح السمراء الجميلة وبطلة فيلم «الوسادة الخالية» إخراج صلاح أبو سيف انفصلت عن منتج الفيلم وصانع النجوم رمسيس نجيب ثم تزوجت من الدكتور إسماعيل برادة وهاجرت معه إلى الولايات المتحدة حيث عاشت هناك لسنوات طويلة، كانت لا تأتى إلى مصر إلا فى زيارات خاطفة، قبل أن تعود للاستقرار فى القاهرة، وتعود للوقوف أمام الكاميرا فى أكثر من عمل فنى من بينها مسلسل عمارة يعقوبيان، وتقدم برنامجا إذاعيا فى البرنامج الأوروبى.

الفنانة الكبيرة نادية لطفى التى قدمت مع عبد الحليم أحلى أفلامه (الخطايا) وأشهر فيلم غنائى مصرى (أبى فوق الشجرة) سرعان ما ابتعدت عن التمثيل بعد هذا الفيلم ثم قدمت أفلاما أخرى لم تترك أى أثر يذكر وآثرت أن تبتعد عن السينما بعد غياب العندليب.

منيرة سنبل ملكة جمال الإسكندرية فى الستينيات وغريمة صباح فى فيلم «شارع الحب» تزوجت أحد أبناء عائلة البدراوى المعروفة واعتزلت الفن وتزوجت وتفرغت لبيتها وأبنائها.

وكذلك فعلت كاريمان إحدى بطلات فيلم «أيام وليالى» التى تركت الأضواء بلا عودة وتفرغت لتربية وحيدتها الآن شيرين.

أما فيلم «فتى أحلامى « فقد اعتزلت كل بطلاته التمثيل حيث أحبت بطلته الأولى ابنة عم عبد الحليم فى الفيلم السيدة منيرة بدر طبيبا لبنانيا وانتقلت للعيش معه فى بيروت واستردت اسمها الأول «مارى حداد» ...أما بطلته الثانية التى وقع عبد الحليم فى حبها من خلال أحداث الفيلم أو الفتاة الجميلة «سهام» فقد اعتزلت هى الأخرى الفن فى هدوء ليصبح «فتى أحلامى» هو فيلمها الأول والأخير.. أما نجمة السينما فى الخمسينيات والستينيات «آمال فريد» فقد سافرت مع زوجها إلى روسيا حيث تحولت هناك إلى سيدة أعمال.

وأخيرا الفنانة الراحلة زيزى البدراوى التى رفضت حب عبد الحليم فى فيلم «البنات والصيف» وفضلت عليه شابا آخر، فكرهها الجمهور بعد مشاهدة الفيلم، وكان هذا هو السبب فى انصراف المنتجين والمخرجين عن إسناد بطولات سينمائية لها، بعد أن تنبأ لها الكثيرون بأنها ستصبح نجمة منذ أول أدوارها فى فيلم «إحنا التلامذة»..وابتعدت زيزى عن السينما لتركز كل جهودها وأعمالها فى التليفزيون وكل ذلك بسبب لعنة العندليب.

يا بدع الورد يا جمال الورد

محمد رفعت

أغنيات قليلة لا تزال تعيش فى وجداننا وتذكرنا بالربيع، الذى تحول من فصل الرومانسية وتفتح الزهور إلى فصل العواصف والتراب وأمراض العيون.

«آدى الربيع عاد من تانى» كلمات الشاعر الكبير مأمون الشناوى ولحن وغناء الموسيقار فريد الأطرش، وأغنية «يا بدع الورد يا جمال الورد» لقيثارة الشرق اسمهان، و«الدنيا ربيع» للعبقريين الراحلين صلاح جاهين وكمال الطويل، وغناء السندريلا سعاد حسنى، هذه هى أهم أغنيات الربيع، بالاضافة إلى بعض الأغانى التى تتحدث عن الورود مثل رائعة ليلى مراد "يا ورد مين يشتريك"..و" الورد جميل" ، وأغنية العبقرى الراحل محمد فوزى" الزهور زى الستات لكل لون معنى ومغزى".

ولم يفلح آلاف الملحنين والمطربين ومؤلفى الأغانى على مدى سنوات طويلة فى تقديم أغنيات تعيش فى أذهاننا وتبقى فى وجداننا لتذكرنا بالربيع، ولم يبق لنا سوى هذه الأغنيات القليلة لنذيعها مرارا وتكرارا فى هذا الوقت من العام، ونحتفل بها بهذا الفصل الذى تحول بفعل التلوث والاحتباس الحرارى والسحابة السوداء من فصل الزهور ورائحة الفل والياسمين التى كنا نشمها زمان إلى فصل الأعاصير والتراب والرمد الربيعى والاختناق والتقلبات الجوية التى تجلب معها المرض.

ورغم أن أغنية «آدى الربيع عاد من تانى» قد مر عليها الآن 65 عاماً، حيث تم تقديمها لأول مرة فى فيلم «عفريتة هانم» لسامية جمال ثم غناها الموسيقار الراحل فريد الأطرش لأول مرة فى حفل عام 1950، لكن الكثيرين لم ينتبهوا لكم الحزن والشجن الذى تنضح به كلمات الأغنية ولا تتناسب مع الاحتفال بالربيع، ومن بينها:" لمين بتضحك ياصيف..لياليك وايامك..كان لى فى عهدك أليف..عاهدنى قدامك..كان لى فى قلبك طيف..يخطر فى احلامك..من يوم ما فاتنى وراح..شدو البلابل نواح..والورد لون الجراح..مر الخريف بعده..دبل زهور الغرام..والدنيا من بعده..هوان ويأس وآلام..لا القلب ينسى هواه..ولاحبيبى بيرحمنى..وكل ما أقول آه..يزيد فى ظلمه ويهنى..وآدى الشتا ياطول لياليه..ع اللى فاته حبيبه".

والغريب أن كوكب الشرق رفضت هذه الأغنية، وطلبت تعديل بعض الكلمات، ورفض مؤلفها الشاعر الكبير الراحل مأمون الشناوى بشدة طلبها ليعطيها عن طريق الصدفة للموسيقار فريد الأطرش ليغنيها وتحقق نجاحاً مذهلاً، ومن فرط حب فريد والجمهور لهذه الأغنية غناها عشرات المرات وفى كل مرة كان يضيف اليها بعض التوزيعات.

أما أغنية السندريلا الراحلة سعاد حسنى «الدنيا ربيع»، فهى من تأليف الشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين، وألحان الموسيقار الكبير الراحل كمال الطويل وغنتها ضمن أحداث فيلم «أميرة حبى أنا» عام 1975، وهى أغنية تبعث على المرح والتفاؤل والكلمات البسيطة المعبرة وارتبط بها الملايين لأنها تعبر بالفعل عن الربيع والمرح والشباب.

ارتبطت حفلات عيد الربيع بالعندليب الراحل عبد الحليم حافظ وكان يحرص فى كل عام على أن تكون أغنية الجديدة فى ليلة شم النسيم، ومعظم أغنياته الطويلة ارتبطت بعيد الربيع «زى الهوى» 1970 «موعود» 1971 «رسالة من تحت الماء»، «حاول تفتكرني» و«يامالكا قلبى» و«نبتدى منين الحكاية» وأخيراً «قارئة الفنجان» كل هذه الأغنيات كانت فى ليإلى شم النسيم من عام 1970 حتى عام 1976.

نجوى إبراهيم: حلمت بالتمثيل مع إمام

محمد رفعت

أعربت المذيعة والممثلة نجوى إبراهيم عن سعادتها بالعودة للتمثيل مرة أخرى، بعد غياب طويل عن الشاشة، خاصة أن الوقوف أمام النجم الكوميدى الكبير عادل إمام، كان أحد أحلامها التى تحققت أخيرا.

وتعود نجوى للتمثيل من خلال مسلسل، «أستاذ ورئيس قسم»، فى الدور الذى اعتذرت عنه الفنانة ميرفت أمين فى اللحظات الأخيرة، مما دفع المخرج وائل إحسان لترشيح الفنانة الغائبة منذ فترة طويلة نجوى إبراهيم، والتى وافقت على الدور فوراً وبدأت تصويره فى أيام معدودة.

والمذيعة الشهيرة، معروفة بلقب « ماما نجوى»، منذ كانت تقدم اشهر برنامج للأطفال فى التليفزيون، فضلاً عن تقديمها لعدد من انجح برامج المنوعات، ومنها فكر ثوانى واكسب دقائق»، كما تألقت كممثلة من خلال العديد من الشخصيات، وأهمها أول أدوارها فى فيلم « الأرض» مع العملاق الراحل محمود المليجى، وأفلامها مع النجم الكبير محمود ياسين، ومنها « العذاب فوق شفاه تبتسم»، و «السادة المرتشون».

مفاجأة تامر حسنى.. أغنيات عالمية وفيلم أكشن

محمد رفعت

قرر المطرب الشاب تامر حسنى التراجع عن فكرة إصدار ألبوم عالمى، يجمعه بكبار نجوم ونجمات الغناء فى العالم.

وقال تامر:" قررت تقديم "دويتوات" غنائية تجمعنى بنجوم من أمريكا وأوروبا وطرحها بشكل منفرد، وبهذه الطريقة تتمكن كل أغنية من الوصول إلى الجمهور بشكل أفضل، والحصول على اهتمام أفضل، وتحقيق نجاح لا يقل عما حققته أغنيات Welcome to The Life وSmile و«سى السيد».

وأضـــــاف:سيستــمع الجمهور قريباً إلى دويتو غنائى يجمعنى بمطرب الراب الأمريكى «بيتبول»، وسيكون بعنوان Arabian knight «الفارس العربى».

ونفى تامر خبر انضمامه للجنة تحكيم أحد برامج المسابقات الغنائية..قائلاً:" أحب تقديم المواهب الغنائية والتمثيلية بطريقتى الخاصة، فأنا حريص على مساعدة الفنانين الجدد وتشجيع المواهب الحقيقية منذ سنوات، من خلال تقديمهم فى الأفلام أو المسلسلات التى أشارك فى بطولتها، وأيضاً من خلال الغناء معى، وهذا حدث أكثر من مرة، ووجهة نظرى ليس فيها أى تقليل من قيمة برامج اكتشاف المواهب، وكل ما فى الأمر أننى أمتلك طريقة خاصة بى لاكتشاف المواهب".

وعن حقيقة عودته للسينما..قال تامر حسنى: أستعد بالفعل لتصوير فيلم جديد أعود به للشاشة الفضية بعد غياب سنوات، والفيلم ينتمى إلى نوعية أعمال «الأكشن»، لكنه يحتوى على العديد من المشاهد الكوميدية، فأحداثه تدور فى إطار مشوق وتعتمد قصة الفيلم على فكرة جديدة.

أكتوبر المصرية في

05.04.2015

 
 

حول الفيلم الياباني "اعترافات".. التربية والجريمة والانتقام

زكريا حسن

"اعترافات" هو فيلم ياباني انتاج عام 2010  من اخراج تيتسويا ناكاشيما وحاز على عدة جوائز منها جائزة الأكاديمية اليابانية لأفضل فيلم  وجائزة الفيلم الأسيوي لأفضل  فيلم وافضل مخرج.   

يطرح الفيلم المشاكل المتعلقة بطلاب إحدى المدارس في فئه معينه منهم ممن لهم مشاكل أسرية أو نفسية وما يتعلق بالقانون تجاه مرتكبي الجرائم، كما يطرح الفيلم  الجانب السلبي للتكنولوجيا بشكل غير مباشر، والعنف بين الطلاب، كل ذلك من خلال موضوع يدور حول جريمة قتل.

ينكشف للمتفرج كل شيء في الفيلم في أول نصف ساعة منه، وهي طريقة غير تقليدية لافتتاحية فيلم، وخلالها يبدو للمتفرج ان الفيلم قد انتهى.. فالتدرج  في استخدام التفاصيل في أول نصف ساعة من حديث المعلمة داخل احد الفصول مع الطلبة عن الصحة الخاصة بطلاب المدرسة، ثم الحديث عن اهمية التعليم ودور المعلم تجاه  الطلاب ومساعدتهم. ومن الناحية الأخرى معاملة الطلاب للمعلمين  بشكل سيء ثم الحديث عن الحياة ثم عن مرض الايدز، ثم عن حياتها، وما مرت به من ظروف، ثم عن مقتل ابنتها، ثم الحديث عن ان القتلة هم من طلاب هذا الفصل ثم عن كيفيه انتقام المعلمة منهم.. وخلال كل ذلك تظهر تفاصيل أخرى عن شخصيات الطلاب.

يحدث كل هذا بأسلوب غيرتقليدي في تنفيذ  المشاهد كما يتضح من خلال طريقة  القطع  بين اللقطات بشكل ناعم مع المزج بين اللقطات واستخدام الحركة البطيئة لنقل حالة الملل لدى الطلاب، مع عزل الصوت وأحيانا  لتعزيز الحدث دراميا او للتشويق مع استخدام الموسيقى واللقطات الصامتة والفلاش باك وطريقة تتابع المشاهد واسلوب و نبرة  صوت المدرسة.. يأتي كل ذلك في اتجاه  معاكس لإحساس الموقف الذي يروى في اول نصف ساعة عن الحياة التي تمثلها  بشكل خاص الطفلة الصغيرة، والقتل الذي يمثلة بعد ذلك اعترافات الموت وهي اعترافات الجناة  التي تُسرد بعد ذلك على شكل فصول.

الفصول

 تكشف فصول الاعترافات تكوين شخصيات الطلبة واسباب ارتكابهم الجريمة  ويتضح في نفس الوقت، انهم أيضا مجني عليهم من خلال دور المنزل في التربية  وايضا الجانب السلبي للتكنولوجيا. وتتعاقب الفصول من خلال اكثر من راوِ، وتتابع للمشاهد غير تقليدي، فأحيانا تظهر لقطات تسبق الحدث وتكون غير مفهومة   بمعنى ليست في سياق المشهد وتثير الفضول، ولكن يظهر معناها بشكل واضح في مشاهد لاحقة عندما تُعرض من جديد، لتأكد المعنى او المغزى، ونفذت بعض اللقطات بشكل مسرحي كصورة لتعزيز الغموض واحيانا بتسليط الإضاءة على الشخصيات بشكل مسرحي صريح.

وبما ان الفيلم يتناول جريمة قتل تأتي من بعدها الاعترافات والانتقام،  فإننا امام الغاية والمبرر والوسيلة لدى كل شخصية، والمعنى المبني على كل تصرف من الشخصيات من قرارات بشكل مباشر أو غير مباشر. و تُظهر  المرآة المحدبة المستخدمة في بعض المشاهد  لتشويه المنظور لبعض اللقطات فهو تشوه نفسي   داخلي للشخصيات في اللقطة. واحيانا تعبر عن  المشهد التالي له من تشوه للتفكير أو نية الشخصية في فعل أمر ما مشوه، وتظهر تلك المعاني بشكل  مباشر واحيانا بشكل غير مباشر ليظهر معناها بعد ذلك.

القتل والانتقام ببرود  

شخصية المعلمة  غايتها الانتقام ممن قتلوا طفلتها، فالشرطة في التحقيق قالت انها توفيت نتيجة غرقها في حمام السباحة ومن وجهه نظر المعلمة حتى اذا اكتشفوا الحقيقة التي عرفتها من خلال القتلة، فالقانون لن يعاقبهم لصغر سنهم، ووسيلتها  كانت بث الذعر والخوف في نفوس من قتلوا ابنتها عن طريق اخبار الطلبة انها وضعت في الحليب الذي تناولوه دما ملوثا بفيروس الايدز. وأيضا قامت بذلك لتعليم جميع الطلية معنى كلمه الحياة.

المتهم (أ) أو (شويا واتانابي) غايته  لفت الانتباه اليه ومبرره عامل نفسي نتيجه ما تربى عليه منذ صغرة على يد والدتة فظهر يعد ذلك بشكل  سلبي عن طريق الايذاء  من خلال نشر كيفيه ايذاء للحيوانات عبر موقع له على الانترنت، وبعد فترة لم يعد يشعر بالتفات الأنظار اليه، وجاءت وسيلتة للفت الانتباه من جديد، محفظة ضد السرقة قام باختراعها  وهي في فكرتها أيضا إيذاء للآخرين، وهي التي تم بها إيذاء ابنة المدرسة والسبب في سلوكه طريقة تربية الام له في صغرة التي أتت نتائجها بشكل غير مباشر وعكسي والنتيجة لسلوكه وتفكيره قام بقتل زميلته  الني لها قصة اخرى.

المتهم (ب) او(ناوكي) غايته  ايذاء معلمته عن طريف ابنتها. ومبررة في ذلك  معاقبة المعلمة لعدم اهتمامها بهم كطلبة ووسيلته اقناع (شويا واتانابي) بالاشتراك معه في إيذاء الفتاة. وسبب سلوكه  يكمن في طريقة تربيته وضعف شخصية أمه  امامه. ولذلك فقد قتل الطفلة كما قتل والدته.

تستمر الاحداث بشكل متداخل عن طريق فصول أخرى  الى ان نصل الى النهاية التي تُظهر مدى قسوة الانتقام بطريقه نفسيه متصاعدة  قوية وصعبة وغير متوقعة مما جعل الفيلم مشوقا حتى آخر لحظة مع جملة الحوار الأخيرة.

ملامح الاغتراب والعزلة في السينما الحقيقية

محمد الغريب

الفن الحقيقي في  السينما، هو فن مأزوم، علي أكثر من مستوي، فأولا هناك حالة من العزلة الجماهيرية العريضة يعيشها هذا الفن، بجانب نخبويته وانفصال الفنان السينمائي الحقيقي عن المجتمع، ويعبر عن المقال عن ذلك عبر منهاجية علمية للتاريخية الاجتماعية، وثانياً التحليل الثنائي لعلاقة الفنون بالمجتمع وذلك علي المستوي العام للفنون وليس السينما فقط، ثم مستوي الاغتراب الداخلي للفن السينمائي الحقيقي نفسه، نتيجة لمحاولاته الدؤوبة الاقتراب من الحقيقة البائسة لعالمنا، وذلك عبر المدخل الماركسي لعلم الجمال والفن، ونقده بالفكر النيتشوي من باب العدمية.  ثم طبقية الفن، وأخيرا ايجابيات الفن الحقيقي في السينما علي مستويين. وهو ما يحاول المقال شرحه في السياق التالي.  

عزلة السينما العظيمة

الفن الحقيقي في السينما والذي يمثله تيار من المخرجين الكبار والفنانين العظام، يعاني من عزلة جماهيرية فهناك عدد قليل من الافراد يتابعونه، وذلك لأنه يكشف عن حقيقة العالم المعاصر البائسة، من قبح المجتمع والحضارة المعاصرة الصناعية الرأسمالية البشعة، بما فيها من مراكز صناعية كئيبة ومدن مزدحة قذرة، وتحول الانسان الي كائن استهلاكي تسطير عليه قوانين لا تعرف الرحمة، وهناك كثير من الأفلام تتحدث عن هذا الجمود الانساني. ويقابل الجمهور العريض من المجتمع هذا الفن الجاد والحقيقي بالازدراء والاحتقار، أو يقابله بالتجاهل وعدم الاكتراث، مما يؤثر علي عظمة الفن السينمائي وميله الي الانسحاب التدريجي، ووجود حالة من اللاجدوي تجاهه.

هذا التجاهل والانفصال يحدث لأن الانسان لا يمكنه أن يتحمل مواجهة الحقيقة، ورؤيتها بصريا علي الشاشة، وخاصة ان تكون الحقيقة قاسية وتعبر عن دواخله البائسة والعدمية، فهو يهرب دائما منها، ويحتاج الي السينما لكي يشعر معها بالراحة والمتعة  والتسلية فكيف أن يجده بؤسه متجسدا أمامه في لقطاته مشهدية. يعايشها مرة أخري ويتأمل تفاصيلها، ليشعر بالحزن والحسرة، فالانسان كائن هروبي يبحث عن السعادة والمتعة دون المعاناة والألم والحزن. فهو دائما يهرب من الفن الحقيقي في السينما مهما كلفه الأمر.

عزلة الفنون

هذه السمة الانفصالية والانعزالية للفنان السنيمائي الحقيقي، تأتي في اطار السمة الانعزالية للفنان بوجه عام، والذي يشهدها العالم ذلك خلال القرنين الماضيين، حيث حدث تغير ضخم في مركز الفنان في المجتمع، فقد اخذ يزداد انفصالا عن بقية مجتمعه، واصبح ينظر الي نفسه علي أنه مميز عن الباقين، بفضل قدراته الخلاقة أو عبقريته، وفضلا عن ذلك فإن نشاطه الابداعي اصبح منفصلا عن الوظائف الأخري للمجتمع، وذلك لاسباب التي ذكرت اعلاه حول قباحة المجتمع الحديث الصناعي. وذلك بعد ان كان الفنان عضوياً في المجتمع، ومشتركا في كل ابعاده الاجتماعية والدينية، خلال القرون السابقة قبل القرن التاسع عشر، اصبح كائنا مغتربا عنه، خارجه من لحمه وتفاعلاته الحيوية، يعاني الفنان من ذاتوية فردية حزينةـ تبحث عن المجتمع مرة أخري دون جدوي.

عزلة المشاهد

 ونتيجة لهذه السمة الانعزالية للفنان العظيم للسينما، سنجد ان المشهدية هي لذاتها، هي فن ذاتوي، داخلي فمن يهتم به يجد نفسه نخبوياً، و يحمل كبتا يعبر عن وحدته وعزلته البرادة تجاه هذا الفن العظيم،  فهو يريد مشاركة الجميع هذا الفن الحقيقي، ويحادث نفسه دائما عن ذلك، كأنه يسير في الطرقات والمقاهي ليناقش افكار هذه الافلام علي الجالسين والسائرين، ولكن لا احد يسمعه مطلقا، هذا كبتاً يجعله يشعر بالاكتئاب والعزلة الكلية.

فالفن الحقيقي يسيطر علي متذوقه كل السيطرة لأن هذه السينما تهدف الي تنوعات مختلفة من خطابات المتعة وخطابات اللذة، بمستوياتها المتعددة، بعيدا عن هدف التسلية وقضاء وقت الفراغ، و بعيدا ايضا عن التماهي مع فن تجاري، لأن هذا الفن الأخير هو فن وقتي لا يترك اثرا علي المشاهد، كما يفعل الفن الحقيقي للسينما.

الاغتراب المضاد الاكتئابي

رؤية الحقيقة

رغم أن المخرجين العظام اصحاب الفن الحقيقي مثل بيلاتار المجري، وبرجمان السويدي، وتاركوفسكي الروسي، هم اصحاب الفن الطليعي أو الفن اليساري بمعناه الجمالي والفني، والذي يعني ماركسيته الجادة وميله لازالة اغتراب الانسان عن التشيؤ وصناعية الفن والحياة والابتذال العام والتذوقي، الا أن ذلك يؤدي الي حياة اغترابية وتذوق جمالي اغترابي، وهو ما اسميه الاغتراب المضاد الاكتئابي، لان السلام الداخلي يفقد لأن الفرد يري الحقيقة بعينها دون تفاعل جماهيري عريض وصلب واتحادي الوعي والفعل.

هذه الاكتئابية النفسية نتيجة ارهاق بصري وفكري حقيقي وجاد، أتي بالتضاد في الهدف والرسالة السامية له، حيث فقد هدفه بإزالة الاغتراب وتحول إلي بعد مرضي كبير، هذه الشرنقة، التي يعيش فيها المشاهد الجاد، هي تخوف نيتشوي من الاقتراب من الحقيقة، حيث يكون الانسان في درجان الجنون، وهذا ما حدث مع نيتشة نفسه.

هناك غلاف فكري وحضاري يعيش الفن الحقيقي للسينما فيه، هو اكتئابي عدمي ايضا، حيث مفردات الحداثة المكونة من التشيؤ والفوضي الذهنية والفكرية وفقدان الانسان لمركزيته في المجتمع وفي حركة التاريخ، وبالاضافة الي الطبيعة الروتينية والصناعية المبتذلة للحضارة العالمية،  وذلك ينعكس علي وعي الفنان السينمائي الحقيقي حيث يحدث اغتراب وعزلة لوعيه، وعلي منتجاته السينمائية .

الطبقية والاغتراب السينمائي

الجماهير العريضة والتي يمثل اغلبها تراتيبة طبقية فقيرة ومتوسطة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، تشعر بالاغتراب تجاه الفن الحقيقي للسينما، لأنها لا تمتلك ادوات الانتاج السينمائي، لأن الفن براجوزي رأسمالي حتي لو كان فلسفي، لانه يحتاج الي حياة ارستقراطية الي حد ما، ومحددات ثقافية نخبوية، حتي لو كانت هذه السينما تعبر عن الفئات المهمشة والمعاناة والفقر. وهناك اراء ماركسية تطالب هذه الجماهير العريضة التي تمثلها الثقافة البروليتارية بأن تثور وتكون لها ثقافتها الخاصة في الفن، وان تستقل عن الثقافة البرجوازية، وهذا يخلق استحالة فنية متبادلة بين هذه الجماهير والسينما الحقيقية، لوجود اسباب كثيرة تؤكد استحالة ذلك فيقول تروتسكي المفكر الماركسي  أن البرجوازية في أدوات الإنتاج المادية والذهبية داخل المجتمع الأقطاعي قبل قرون من وصولها إلى السلطة السياسية. وكانت تملك الظروف والكثرة الضرورية لنمو وازدهار الفن.

أما ظروف الطبقة العاملة عند إستيلائها على الحكم فكانت مختلفة تماماً، فهى لم تملك في أي وقت أدوات الإنتاج المادي والذهني في المجتمع القديم، وخرجت من ذلك المجتمع مستغلة وغير متعلمة وفي حالة فقر ثقافي شديد، ولذلك فلم يكن هناك سبيل لأن تدشن الطبقة العاملة علي الفور مرحلة جديدة في تطور الثقافة البشرية، تصل البروليتاريا للحكم وهى فى حالة جهل بالتراث الفني والأدبي، ولذا فمطالبتها بأن ترفض التراث للبرجوازية ليس له معني. أن مهمة البروليتاريا هي إستيعاب ذلك التراث والتفاعل معه ومن خلال ذلك تجاوزه، ومهمة الثورة ليست خلق ثقافة جديدة لكن الإستيعاب النقدي للثقافة الموجودة ونقلها للجماهير.

قوة الفن السينمائي الحقيقي

ذكرنا فيما سبق نقديا حالات الاغتراب والعزلة للفن السينمائي العظيم، وذلك عبر علاقته بالمجتمع، والجماهير العريضة، ثم علاقته بالحقيقة ثم بالملامح الحضارية، وكل ذلك كان به من البعد النقدي السلبي بما يكفي، لوجود ازمات في جدوي هذا الفن العظيم، وتحقيق اهدافه، وهذه الابعاد هي ابعاد مادية صلبة، بها كثير من الاصطدام والحتمية، ترفض الفن العظيم، وهو اشار اليه افلاطون وكان حديثه حول الفن، "فهو يرى ضرورة طرد الشعراء والفنانين من المدينة، لأنه يرى أن الفن يقلد الطبيعة، التي هي مجموعة أشباح وظلال كاذبة للعالم المعقول، فعمل الفنان محاكاة للشيء المقلد".

ويحاول المقال في الجزء التالي، عرض بعدين إيجابيين للفن الحقيقي، يؤكدان علي أصالة حقيقتها، وعلي خطابه الخاص، واستمراريته في الفعل الجمالي، والفعل الاجتماعي، فهو مستمر ولديه تأثير ملحوط كفن من الفنون، حيث يعتبر الفن السينمائي لديه قواعده الخاصة التي تدل علي خصوصيته وحيويته.

الا أن السينما في ذاتها، هي جماليات وبها فن يفعل الانسان ويستمد منها حيويته، وبها كثير من الجوانب الايجابية، فالمقصد النقدي هنا هو الحكم علي السينما باعتباره عمل فني من خلال قيمته الجمالية. فهناك كثير من الاعماق السينمائية التي تستحق التأمل والمشاهدة.

وهناك آراء عدة، لبعض الفلاسفة تؤكد الاستقلالية الجمالية للعمل الفني، منهم الفيلسوف الالماني كارل ماركس، حيث أذعن لوجود نوع من الخاصة الكلية أو اللا زمنية في الفن. ولأن القطع الفنية التي أنتجت في أشكال اجتماعية عفا عليها الزمن من الممكن أن تظل تمنحنا متعة جمالية، وتظل أيضًا معيارا ومثلاً أعلى. وفي كتاب “الأدب والثورة” يسلم الفيلسوف الماركسي ليون تروتسكي في معرض جداله مع المدرسة الشكلية الروسية، بأن للفن مبادئه وقواعده الخاصة، قائلاً أن: "الإبداع الفني تغيير وتحويل للواقع وفقًا لقوانين الفن الخاصة".

ومن جانبه يؤكد الفيلسوف المجري جورج لوكاتش أن المجتمع وجدله التاريخيينعكس داخل بنية العمل الفنيويتحور ليلائم مقاييس جمال العمل الفني وهنايتضح تأثر لوكاتش الواضح بهيجل من خلال مقولة الكلية أو الجوهر الكلي،فالعمل الواقعيالحقيقييستقل بذاته من خلال انعكاس الجوهر الكليللواقع داخل بنية العمل الفني.

تثوير السينما والتناقضات

رغم معاناة الفن السينمائي الحقيقي من عدة تناقضات مرتبطة بعزلته واغترابه كما ذكرنا اعلاه في المقال، إلا أن قواعده الخاصة الفنية تسعي دائما لتثوير هذه التناقضات والتفاعل معها، والخروج منها بمساحات من الاستفادة، مثل قدرة الجماهير العريضة التي لا تملك ادوات انتاج هذا الفن، علي التفاعل معه والدخول في عالمه، فهناك بعض المخرجين والفنانين الذين كانوا يعيشون ضمن طبقة فقيرة، دخلوا السينما وانتجوا اعمال تعبر عنهم وعن معاناة هذه الجماهير العريضة، ومنها مثال السينما الافريقية، فكثير من مخرجين الافلام عانوا في مسيرتهم الفنية.

وايضا فيما يتعلق بوصول المشاهد الي حالة اكئتاب عندما يشاهد الفن الحقيقي للسينما، فهناك جوانب معرفية قد حصل عليها متعلقة بمسائل الحقيقة في الحياة، من موت وحب، وعلاقات اجتماعية، ومخالفة القانون وعلاقة السلطة بالمجتمع والافراد، وايضا مع مرور الوقت، يستطيع المشاهد التخلص من هذه الحالة الاكتئابية وتجاوزها، وذلك باستيعاب البعد المعرفي المكثف، والسيطرة عليه، وتحديد تأثيره، بجانب ان المشاهد في هذا العالم السينمائي الحقيقي يعيش حالة انسانية راقية، تجعله اكثر انسانية واخلاقية، ليرتقي الي السماء، ويبعد عن شر الأرض، فهذا الجانب الايجابي يكفي كثيرا، لمعالجة الانسان المعاصر روحيا، والذي يعاني من مشاكل وجودية وحياتية متعددة.

عين على السينما في

05.04.2015

 
 

علا الشافعي تكتب:

السينما أفسدت حياتي

لا اتذكر – تحديدا – الوقت الذي كنت أمازح فيه الصديق والأستاذ عصام زكريا واقول: “طوال الوقت أجد نفسي في أفلام الكارتون والرسوم المتحركة.. تبهرني الألوان واتمنى منزلا يحاكي منزل بطوط.. تلك الشخصية الشهيرة”.

يومها رد علي عصام مؤكدا بجدية: “كدا هيبقي عندك مشكلة في حياتك.. الحياة مش بالبراءة أو البهجة دي، والشر مش واضح أوي كدا وكمان الخير”.

مرت سنوات على ذلك الحوار، والذي دائما ما استدعيه في كل موقف صعب امر به أو يقع من حولي، لذلك وقفت – مؤخرا- أمام نفسي وسألتها: هل أفسدت السينما حياتى؟! هل حبي للأفلام قد أخذ مني؟! وذلك ليس مبالغة.. كثيرا ما يكون الواقع أقسى مما تقدمه السينما، بل يحمل مصادفات ومفارقات تفوق بكثير ما نشاهده على الشاشة، لكن من ناحية أخرى السينما دائما ما كانت تبيع لي ولغيري الحلم.. الصدق.. الإخلاص، ودائما ما كنت أفضل النهايات السعيدة حتى لو كانت غير منطقية، وأصدق بإخلاص منقطع النظير أن الحب يجب أن يأتي مثل الفلاش.. سريعا وخاطفا.. ينتصر رغم كل المعوقات والصراعات، حتى لو كانت النهاية بموت روميو وجوليت، يكفيني أنهما اختارا الموت سويا.

وأيضا عشقت الصراع المكتوم بين آمنة والمهندس في “دعاء الكروان”، وتمنيت أن تهنأ آمنة وتأمن في حضنه، ورضيت بأن يموت بين يديها، وتعاطفت مع عتريس عندما بدأت النار تأكله، وهو ينادي على حبيبة عمره فؤادة التي خذلها، وخذل روحه في فيلم “شئ من الخوف”، ورقصت طربا عندما عاد يحيى أبو دبورة لفريدة في “أرض الخوف”، ويحيي جسده آسر ياسين في “رسائل الحب” إلى نورا.

في داخل جزء مني، كان ينتظر السعادة والبهجة.. أحيانا كانت السينما تبيع لي هذا الوهم وأصدقه وأعيش، بل اتماهى معه، وأحيانا أخرى كانت النهايات غير السعيدة تحفر حزنا في داخلي لا أفهمه، لكن ظلت العوالم الساحرة والتي تخلقها السينما – أيا كانت أوروبية أو أمريكية أو مصرية- تبيع لي عالمي الذي أنشده، ويبدو أن هذا ما سبب لي حالات متكررة من الإحباط بين عالم الحلم على الشاشة والواقع الذي اعيشه في كل لحظة، وكلما ازداد الواقع ابتذالا في مشهد يعد هو الأقبح، اعود وألوم السينما وأسخر من سذاجتي تلك، والتي لم أفكر يوما في مقاومتها، بل نميتها وكبرتها بداخلي، خصوصا كلما شاهدت فيلما جميلا أو فيلما يؤكد لي أن القادم أفضل، وأن الأحلام قابلة للتحقق.

كثيرة هي الأحلام التي تعاملت معها بمنطق شريط السينما وأن هناك مفارقة درامية ستقع قبل النهاية بلحظات وتجعلني سعيدة ومشبعة، وفي كل مرة كنت أبكي عندما يتكسر الحلم على أرض الواقع، ويتحطم معه جزء من روحي، ولم أتعلم يوما أن أفصل بين ما أشاهده على الشاشة والطريقة التي أتعاطي بها مع كل تفاصيل حياتي.

لم أنضج أبدا رغم الكثير من التجارب القاسية، وحتى هذه اللحظة لازلت أتعاطى مع الحياة على أنها شاشة عرض كبيرة ونحن أبطال فيها، وحتما سيأتي البطل المنقذ، وحتما سيمر من هنا فارس آخر، وبالتأكيد سينتصر الشر في لحظة، لكن الخير سيجمع قواه من جديد، وقد أرحل أو أجد نفسي في منزل بطوط – ذلك الذي طالما حلمت به.

ولن أخجل من نفسي ومن البوح بطفولتي وسذاجتي بعيدا عن صراخ الكائنات التي باتت تحاصرنا وتطل من الفضائيات، أو نصادفها في الشارع وتفسد حياتي حقاً.

نعم سأغلق على نفسي وأشاهد فيلما من زمن الأبيض والأسود، وأقف أمام المرآة وأصرخ في نفسي: “فاشلة ساذجة فوقي.. الحياة مش فيلم، وبعد قليل سأهدأ وأعاود من جديد.

موقع (زائد 18) في

05.04.2015

 
 

المسيح مجّده على الشاشة المثليون وأنصار الالحاد!

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

الثلاثية السينمائية الأكثر شهرةً عن المسيح ("يسوع الناصري" و"الانجيل بحسب متى" و"تجربة المسيح الأخيرة")، التي تراوحت فيها المقاربة بين تبسيط المعّقد الى تعقيد البسيط، لم ينجزها قساوسة أو قديسون أو مخرجون يلتزمون تعاليم المسيحية وطقوسها. هذه الأفلام - وكلٌّ منها مختلف جداً عن الآخر – من توقيع مثليّ (فرانكو زيفيريللي)، ومثليّ ماركسيّ ملحد (بيار باولو بازوليني)، وكاثوليكي اجتاز مرحلة شكوك أفضت به الى اعتناق البوذية (مارتن سكورسيزي). حتى أن البعض من هؤلاء كانت له حياة جنس وصخب وفسق وتعاطي ممنوعات. نعلم على الأقل انهم لم يلتزموا الوصايا العشر بكامل بنودها. يا للمفارقة: اليوم، عندما نريد العودة الى تجسيد المسيح بالصورة والصوت، لا نجد سوى هؤلاء الذين تعتبر الكنيسة أفعالهم خطايا وزندقة.

كلّ مشاريع الأفلام عن المسيح التي تولاّها أشخاص منضوون تحت جناج المؤسسة الدينية، كالفيلم القصير المعروض حالياً في بيروت الذي استنجد ببركة البابا فرنسيس، لم تُكتب لها القيامة بل أكلها النسيان. في حين صمدت أفلام "المختلفين" ومتذوقي الفنّ الرفيع أمام الزمن. حدّ أن "يسوع الناصري" لزيفيريللي الذي اتُهم بالتحرش ببطل فيلمه "روميو وجولييت"، صار قداساً تلفزيونياً على المحطات في عيد الفصح.

أراد بازوليني في "الإنجيل بحسب متى" مسيحاً غير كاريزماتي، في نصّ بصري هائل تحوّل بياناً تأسيسياً ليسنماه ذات الثقل الشاعري، وأهداه الى البابا يوحنا الثالث والعشرين. الكلّ أجمع على أهمية الفيلم، نقاداً ومشاهدين، مؤمنين وغير مؤمنين، وفاز بجائزة المركز الكاثوليكي للسينما. في خيار رمزي، أسند الشاعر الملعون دور العذراء مريم الى أمه. أما زيفيريللي فكان يرغب في بداية المشروع أن يجعل المسيح رجلاً بسيطاً منزوع الهالة الربانية، لولا اعتراض أميركي على هذا الخيار الذي اعتبره ازدراء للدين المسيحي. ويُروى حتى أن شركة "جنرال موتورز" انسحبت من المشروع لاستيعاب موجة الغضب التي أثارها قسّ إنجيلي. في النهاية، "بارك" هذا الفيلم الاستيتيكي، اليهود والمسيحيون، وكرّس صورة المسيح بعيني روبرت باول الزرقاوين وتقاسيم وجهه الناعمة. كاتب السيناريو، أنطوني برغس (ملحد هو الآخر)، ليس سوى مؤلف "البرتقالة الآلية"، الرواية التي اقتبسها كوبريك فيلماً ممعناً في العنف، منعت بريطانيا عرضه لسنوات. في البداية، طُلب من انغمار برغمان، المترجح الأبدي بين الايمان وعدمه، إخراج "يسوع الناصري"، لكن نصه (ذا التساؤلات على طريقة "الختم السابع") لم ينل رضا الممولين.

عندما أنجز سكورسيزي "التجربة الأخيرة للمسيح" المقتبس من نيكوس كازانتيزاكيس، الذي أغضب "دواعش" المسيحيين فأحرقوا صالة سينما في باريس، كان في مرحلته البوذية، علماً أنه من أكثر المخرجين الأميركيين استخداماً للتيمات المسيحية في أفلامه (مراجعة "سائق التاكسي" و"ثور هائج" و"اخراج الموتى"...). الكالفيني بول شرايدر الذي شارك في نقل رواية كازانتيزاكيس الى الشاشة كان ممنوعاً عليه الذهاب الى السينما في طفولته التي أمضاها حصراً في الكنائس. وعندما كبر، بدأ يرتاد صالات سينما البورنو ويعشق المسدسات ويكتب سيناريوات قوامها التوبة.

اليوم، لم يعد من الممكن اخفاء حقيقة أن الملحدين واللادينيين والمشككين والمثليين - أيّ كلّ هؤلاء الذين تنبذهم المؤسسة الدينية - هم الذين مجّدوا المسيح (والمسيحية) وصنعوا أكثر صوره خلوداً على الشاشة.

استطراداً، فإن الكاثوليكي ريدلي سكوت، المعروف بعدائه لما يُعرف في الغرب بـ"الديانات المنظمة"، لم يكفّ عن العودة تكراراً الى نصوص دينية آخرها رؤيته العلمانية - الالحادية لـ"سفر الخروج". رسم سكوت هنا صورة جديدة لموسى قد تعمر طويلاً في المخيلة السينيفيلية. سكوت أعلن قبل فترة اعتزامه انجاز فيلم عن العذراء مريم، قبل أن يشدد على أنه يعتبر الدين أكبر مصدر للشرّ في عالمنا المعاصر. في العام 2005، قدّم سكوت "ملكوت السماء"، حيث يستعيد الحروب الصليبية لينتصر من خلالها للسلم. ليس غريباً أن نسمع في الفيلم جملة كهذه: "رأيتُ الكثير من الدين في عيني الكثير من المجرمين". حتى سيناريست الفيلم وليم موناهان لم يُخفِ أنه لاديني، واضح وصريح. على الرغم من هذا كله، قدّم سكوت صورة مجيدة تفخيمية عن الدين.

المخرج الفرنسي غير المؤمن كزافييه بوفوا حكى في "رجال وآلهة" (2010) قصة الرهبان الفرنسيين السبعة الذين قتلتهم الجماعة الاسلامية في الجزائر في العام 1996 (علماً أن بعض المصادر تقول إن الجيش الجزائري تورط في قتلهم). يصوّر بوفوا تجربة الرهبان وإيمانهم العميق بالرسالة (شيء نادر في أيامنا هذه عند رجال الدين) الانسانية التي جعلتهم يتركون بلدهم لمساعدة الجزائريين الذين يعانون أنواع العسف والظلم جراء التعاطي السيئ للجماعات المتطرفة معهم. لا أحد مثل بوفوا استطاع في السنوات الأخيرة ردّ الاعتبار الى الايمان المسيحي المتقشف الحميمي، كما فعل في هذا الفيلم الذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم الكبرى في كانّ. لم يكن شرطاً لبوفوا أن يتشارك عقيدة الرهبان كي يقول شجاعتهم بأكثر الطرق بهاءً. كذلك الأمر بالنسبة إلى الملحد رولان جوفيه الذي أنجز مع السيناريست روبرت بولت (الملحد) فيلمه الأشهر "المهمة" ("سعفة ذهب" في كانّ 1986) بطولة روبرت دو نيرو. في بداية القرن الثامن عشر، قاد راهب يسوعي حملة تبشيرية الى أميركا الجنوبية (باراغواي)، أرض الهنود الغارانيين، قبل أن يوحّد جهوده مع مقاتل اسمه مندوزا لمواجهة الهيمنة الاسبانية- البرتغالية.

حالة المخرج الملحد روبرتو روسيلليني فريدة أيضاً وإن لم تكن استثنائية. فهو صوّر حكاية فرنسيس الأسيزي كما لم يصوّره أحد من قبله أو بعده. في العام 1950، أخرج رائد الواقعية الايطالية الجديدة تحفته، "حكايات فرنسيس الأسيزي الإحدى عشر"، المملوءة نعمةً وايماناً وإخاء، في مشهدية تذكّر بالأيقونات المسيحية. يُعتبر الفيلم اليوم مرجعاً ونموذجاً، ولا سيما أن روسيلليني أراد أن يعبر بشخصية القديس من الايمان الى الروحانية.

النهار اللبنانية في

05.04.2015

 
 

The Words

زهراء إبراهيم – التقرير

“الكلمات”: أحد تلك الأفلام التي تقسم المشاهدين إلى قسمين، قسم يحتفي به بشدة، وقسم آخر لا يرى فيه ما يؤهله لأن يكون فيلمًا. عادة ما تحتوي هذه الأفلام على حبكة أو تويست فيهما شيء من التعقيد الذي قد يعجب البعض ويرفضه البعض. لكن هذا الفيلم لا يحتوي على أي شيء، مجرد قصة سطحية للغاية يمكن استنباطها مبكرًا، لكن ما يجعل هذه القصة قابلة للمشاهدة والاستماع هي الطريقة السردية. أو كيف تجعل من حكاية ضعيفة فيلمًا مقبولًا.

يحكي الفيلم عن الشخص الذي يتلبسه حلم الكتابة حتى لا يعود قادرًا على القيام بعمل آخر. برادلي كوبر في دور (روري جانسن) الكاتب المغمور ذي الأسلوب الجيد الذي لا يتماشى مع ما يريده السوق وما تبحث عنه تجارة النشر يفشل في نشر أية رواية يكتبها، فيعمل موظفًا في دار نشر بدلًا من الاعتماد على أموال والده. بعد أن يوضح الفيلم مدى صفاء الحب الذي بينه وبين دورا (Zoe Saldana) التي تستمر في مساندته ودعمه، تبدأ تيمة “علي بابا” في الظهور. يسافران إلى باريس ويقفان أمام تذكار لإرنست همنجواي ثم يدخلان إلى مكان للأنتيكات وتنفتح المغارة.

يجد حقيبة قديمة للغاية فيها عمل أدبي قديم، في رمزية واضحة للقصة التي حكاها همنجواي عن أوراقه التي فقدتها زوجته في قطار. فهل يحاول الفيلم في وضع نهاية أخرى لقصة همنجواي ذاته؟ أم أنه ينظر للقصة من منظور آخر حين يجد أحدهم الأوراق في زمن ما ومكان ما وبين يديه هذا الأدب العظيم؟ ربما يحاول الفيلم فعل الأمرين معًا. وهنا يأتي التميز السردي للحكاية، ثلاث قصص تُحكى بشكل متداخل، وثلاثة أزمنة مختلفة، وقد أتت كلها منسجمة مع انتقالات سلسلة ولطيفة لا تشعر معها بالمفاجأة، انتقال حتمي وعودة حتمية.

يأتي الهرم السردي كالتالي، في البدء هناك كاتب يدعى هاموند (Dennis Quaid) يروي جزءًا من روايته على جمهور قادم للاستماع لحكاية فقط، مع دانيلا (Olivia Wilde) الفتاة الذكية اللامعة التي تعجب بالكاتب. أما الجزء المقتطع من الحكاية التي يحكيها هي روايته عن كاتب يدعى جانسن (Bradley Cooper) يحاول دخول عالم الكتابة فيفشل فشلًا ذريعًا، وحين يجد قصة عظيمة كتبها غيره، يبدأ تبلور المشكلة الأخلاقية التي تتلخص في حيرته: هل آخذها وأنسبها لنفسي؟ تضع زوجته حدًا لهذه الحيرة حين يصادف أن تقرأ الرواية فتظن أن زوجها هو من كتبها.

وهكذا، حين يقرر جانسن أن يضع اسمه عليها يتلاشى الشعور بالذنب خلف ساتر قوي من التماهي مع الشهرة وأصوات التصفيق، يظهر الكاتب الأصلي على هيئة رجل مسن (Jeremy Irons) ليغير مسار حياته للأبد؛ برسالة واضحة أن “من يأخذ حياة غيره لا يمكنه إلا أن يأخذ آلامها أيضًا”، والذي يحكي لجانسن حكايته مع عشيقته الباريسية التي تزوجها وحدثت المأساة التراجيدية بعد ذلك حين توفيت طفلتهما، ما أدى إلى خلق كاتب عظيم. على قمة الهرم تأتي أوليفيا وايلد كمفتاح لحل اللغز المفترض في الحكاية، الفضول الذي يريد أن يفرق بين الحقيقة والخيال. وفي المنتصف، يبدأ الفلاش باك في سرد الحكاية الأقدم من باريس، الكاتب الذي يصارع بين الكلمات والحب، فتتغلب الكلمات. أو كيف يمكن أن تقص حكاية همنجواي بنهاية أخرى أكثر تراجيدية.

السينماتوجرافي جميلة، وتعطي كل زمن لمسته الخاصة. هناك أداءات جيدة في هذا الفيلم أيضًا، بالأخص أداء أوليفيا وايلد ثم جيرمي آيرونز وبين بارنز، لكن في الحقيقة فإن معظم الأدوار في هذا الفيلم واهية ولا تؤدي المعنى المطلوب وراء ما تمثله كل منها، نقطة الضعف تأتي من السيناريو في المقام الأول بالطبع، لكنها تجتمع مع انعدام الهدف الكلي من الفيلم مما يؤدي إلى اللامعنى في أداء الكاست. أما زوي سالدانا -وعلى الرغم من أنها لم تأخذ مساحة كافية وتعقيدًا أفضل في هذه الدراما كذلك- إلا أنها قامت بما ينبغي أن تقوم به بشكل جيد. وكما اعتدنا من برادلي كوبر، فإنه يستند على وسامته في المقام الأول مع انفعالات باهتة وأداء سريع مرتبك، على الرغم من أن هذا الدور يعد من أفضل أدوار المسيرة الفنية لنجم سلسلة “Hangover” بعد فيلم “Limitless”، فإنه يعطي كوبر سياقًا جديدًا يبشر بتطوره في أدوار لاحقة.

مع انتهاء الفيلم بنهاية سريعة ينظر فيها Dennis Quaid للكاميرا بشكل مباشر يبدو الأمر مبتذلًا للغاية؛ إذ إن الفيلم بالضعف الكافي الذي يجعل هذه النهاية ضرورية كي يبدو الفيلم كأحجية لا تحتاج إلى حل. الفيلم يحكي عن (الكلمات) التي يمكنها أن تضع الكاتب في صراع بينها وبين حياته أو حبه أو قناعاته ومبادئه، لكنه فشل في أن يقنع المشاهد بذلك ساعيًا بلا هدف وراء تعقيد الحبكة، مما أدى إلى نتيجة غير واضحة بلا سياق.

على الرغم من ذلك يبدو الفيلم وكأنه يريد أن يضع المشاهد في مواجهة الأزمة التي واجهها جانسن كي يتخيل الفعل الذي سيقوم به، هل سيترك نفسه للكفر بقدراته ويترك حلمه ليتهاوى متمسكًا بأخلاقياتها واحترامه لها، أم أن غياب صاحب الرواية الفعلي سيكون مبررًا كافيًا لأخذها طوق نجاة في أصعب وقت في حياته. إذا كنت تبحث عن “تويست” جيد يحيّرك، وسرد قوي وأزمنة متداخلة فلا تشاهد هذا الفيلم؛ أما إذا كنت من محبي الكتابة والمعاناة المعتادة للروائيين والأوراق القديمة المصفرة ودراما الأزمات الأخلاقية فهذا فيلم لطيف سيشغل وقتك بشيء ما.

التقرير الإلكترونية في

05.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)