كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الخائنة.. نموذجا لالتقاء المتناقضات في سينما كمال الشيخ

أحمد شوقي

 

من بين كبار مخرجي السينما المصرية يمتلك كمال الشيخ مكانة خاصة جدا، ربما لا تمكنه من أن يكون "الأهم والأكثر تأثيرا"، وهو الوصف الذي يكاد يكون محجوز للكبير صلاح أبو سيف خلال فترة نشاطهما المتقاربة، إلا أن كمال الشيخ يمكن أن يوصف بمنتهى الأريحية بأنه "الأكثر تطورا"، الأقدر على مواكبة الجديد في عالم السينما، وصناعة أفلام لا تقل بحال عن أبرز الإنتاجات العالمية في نفس وقت عرضها، ويكفي للتدليل على هذا أن نعلم أن الشيخ قدم رائعته "حياة أو موت" عام 1954، أي أن الفيلم الذي تدور 70% من أحداثه في الشارع تم تصويره في وقت كان كاميرا السينما فيه هائلة الحجم، وأن الفيلم بحسه الحداثي المغامر صُنع في وقت كان صلاح أبو سيف يصنع فيه أفلام شديدة الكلاسيكية المدرسية مثل "الأسطى حسن" و"الوحش".

لا أقصد بالطبع أن أقلل من قيمة أبو سيف أحد أعلى الهامات في تاريخ السينما المصرية، ولكن الغرض هو توضيح مدى التفرد الذي تمتع به كمال الشيخ بين كل أقرانه حتى يومنا هذا، والذي لا يقابله احتفاء بنفس القيمة من قبل المحبين والمتابعين. وإذا كانت "أبيض وأسود" تُعد ملفا خاصا عن سينما كمال الشيخ هذا العدد، فلم أجد أفضل من فيلم "الخائنة" كنموذج للمزيجين المتناقضين الذين جمع بينهما كمال الشيخ: الحس الفني والتجاري، والمحلية مع الانفتاح على العالم، وهي العناصر التي سنرصدها في هذا المقال.

أولا: الحس الفني يحتضن التجارية

"الخائنة" في رأيي هو واحد من أهم أفلام الدراما النفسية المعتمدة على الشك وأكثرها اكتمالا، لا سيما وهو مبني دراميا على عمليتي شك مركبتين، فاختار كاتب السيناريو عبد الحي أديب (عن قصة ابراهيم الورداني وبحوار موسى صبري)، اختار أن ينطلق من شك إلهام (نادية لطفي) في خيانة زوجها أحمد (محمود مرسي) لها، وهو الشك الذي يوصلها للوقوع في الخطأ، لينقلب الشك داخلها إلى شعور بالذنب، بينما يتصاعد الشك في نفس أحمد ليدفع الدراما تدريجيا إلى النهاية المأسوية التي يقتل فيها رجل حكيم يحترمه الجميع زوجته في ثورة جنون.

هذه هي القيمة الدرامية للفيلم على الصعيد الفني، التي يمكن تدريسها مثلا كنموذج لبناء الشخصية الدرامية وخلفياتها وأزماتها (لا سيما مع ما تعرفه تباعا وبشكل منطقي هادئ عن خلفيات الزوجين قبل زمن أحداث الفيلم). لكن الأهم أن الأمر لم يقتصر على القيمة الفنية، بل تم تحميلها على حبكة تشويقية بالغة الإثارة، لدرجة أن "الخائنة" هو واحد من أفلام معدودة في تاريخ السينما المصرية لا يمكنك أن تصل للحقيقة فيها إطلاقا إلا عندما يكشفها المخرج قبل دقائق من نهاية الفيلم، وهو نجاح سردي لا يقتصر على مؤلف الفيلم بل على من نقله للشاشة بهذا التماسك.

الأمر لم يتوقف على تماسك السرد، بل يمتد إلى الإبداع بالصورة في فيلم تدور كل أحداثه تقريبا (بخلاف رحلة الفيوم) في أماكن مغلقة. المأزق الذي خرج منه كمال الشيخ بالتعاون مع مدير التصوير وحيد فريد بالتوظيف المثالي للإضاءة كمعادل لحالة الشخصيات النفسية، ويكفي أن تقارن بين شكل الإضاءة المستخدمة في نفس الفعل وهو مشاهدة البطل لأفلام السينما التي تصورها زوجته، عندما كان يثق فيها وعندما بدأ الشك في تمزيقه. "الفعل" ثابت في المرتين، لكنه يمثل "حدث" درامي مختلف في كل منهما، لذلك ستجد طريقة توزيع الضوء الآت من نفس المصدر "شاشة العرض" على وجه البطل مختلف تماما، منير ومبهج في البداية وقاتم يشوه ملامح الوجه مع تقدم الأحداث، بما يعكس عبقرية التعامل مع الفيلم السينمائي بوضع هدف مزدوج: تحقيق إنجاز فني وبصري في نفس الوقت الذي تُروى فيه حكاية مثيرة وجماهيرية، وهي المعادلة التي أعتبر كمال الشيخ أفضل من حققها في السينما المصرية.

ثانيا: المحلية مع الانفتاح على العالم

العالم الفيلمي للشخصية الرئيسية مصري بحت، المحاكم المصرية وتحديدا محاكم الأحوال الشخصية، والقانون سيء السمعة الذي يخفف تهمة من يقتل زوجته المتلبسة بالخيانة من الجناية للجنحة، وهو القانون الذي يبدو أحمد في البداية مناهضا له على الأقل في القضية التي يتولاها، قبل أن ينقلب حاله ويتغير رأيه مع شكه في زوجته. العالم إذن شديد المحلية لن يدرك تفاصيله إلا مصري، لكن كمال الشيخ (ومعه عبد الحي أديب طبعا) تمكن من الخروج من المأزق عبر حيلتين، الأولى هي تمرير كل المعلومات المطلوبة لفهم الوضع بطريقة سلسة ودون كشف فج للمعلومات.

أما الحيلة الثانية وهي الأهم، فهي ربط العالم المصري بصراع ثقافي مواز يدور بين البطل وبين صديقه (عمر الحريري) المؤمن بفلسفة صامويل بيكيت العبثية. لن أضيع الوقت في التحسر على زمن كان من الممكن أن تجد شخصيتين دراميتين في فيلم يعد عملا تجاريا تتحدثان فيه عن نظرة بيكيت للحياة، ولكن سأقول أن هذا الجدل الدائر بينهما على مدار الفيلم هو الطريقة التي مزجت كالعادة بين ما هو شديد المحلية وما هو شديد العالمية في سينما كمال الشيخ، خاصة وأنه جدل يتصاعد وتتبدل فيه المواقف بالتوازي مع الجدل القانوني المحلي، في تواز "يوضح المعنى ويؤكده" على طريقة دروس البلاغة.

الحديث عن فيلم "الخائنة" قد يمتد لأكثر من ذلك بكثير، فعنصر التصوير وحده يمكن أن يخصص له مقال مستقل، وكذلك الأداء التمثيلي لا سيما من الكبير محمود مرسي الذي لعب في الفيلم واحدا من أهم وأمتع أدواره. لكنني لن أطيل لأن هدف المقال ليس تحليل الفيلم بشكل كامل، وإنما استخدامه للتدليل على سمات متفردة تمتاز بها سينما كمال الشيخ، العملاق الذي رسخ اسمه كواحد من أمهر وأمتع صناع السينما المصرية.

مدونة الناقد في

04.04.2015

 
 

حكايات مارلون براندو.. من مسارح برودواي إلى "تويتر"

شيرين ثابت

النهاية والبداية:

رحل الممثل الأمريكي مارلون براندو في الأول من يوليو عام 2004، بلوس أنجلوس، في عمر ناهز 80 عامًا، بعد رحلة طويلة قطعتها محطات ولقطات بارزة في حياته ومشواره الفني.

براندو الذي ولد في الثالث من أبريل عام 1924 في ولاية نبراسكا الأمريكية، انتقل في عام 1935 إلى كاليفورنيا مع والدته بعد انفصالها عن مارلون براندو الأب. وفي عام 1937 تتصالح الأسرة وينتقل مع أبويه إلى شمال شيكاغو قرب بحيرة ميتشيجان، ثم أرسلته أسرته إلى ولاية مينيسوتا ليلتحق بالمدرسة العسكرية التي لم يستمر بها طويلا. وفي عام 1943 انتقل براندو إلى المحطة الأهم وهي ولاية نيويورك، ليدرس المسرح ويبدأ طريق الفن والشُهرة.

محطة برودواي:

كانت تجربته الأولى في مسارح برودواي في نيويورك من خلال مسرحية محلية الإنتاج اسمها "أتذكر يا أمي I Remember Mama" في عام 1944، بعد أن لعب دور "السيد المسيح" خلال الورشة الدرامية التي درس بها، وذلك في مسرحية "هانيل" لجيرارت هوبتمان. وفيما بعد لعب براندو أدوارا كثيرة ومهمة في برودواي، منها "مقهى تروكلن"، "كانديدا"، و"ولادة علم"، والتي بدأت علاقته باليهود ودولة إسرائيل ومشكلاته معهم.

ولكن لم تكن مسارح برودواي هي الملعب الذي مارس براندو فيه احترافيته، بل كانت مهاراته مؤجلة لأدواره في الأفلام التي أبرزت موهبته وكتبت تاريخه فيما بعد.

أوجه براندو:

تميزت الشخصيات التي جسدها مارلون براندو في السينما بالتعدد، وكان جليًا تعدد الأوجه والهيئات التي ظهر بها أمام جمهوره، ففي فيلم "Apocalypse Now" جسد براندو دور الكولونيل كيرتز، بوزن زائد جدًا صوَّره "كوبولا" بزوايا منخفضة ليبدو حجمه عملاقًا فيناسب الشخصية الأكبر من الحياة ذاتها، فضلا عن حلاقة شعر رأسه بالموسي ليظهر في شكل مختلف تمامًا.

وفي فيلم "The Teahouse of the August Moon" جسد براندو دور شخص آسيوي بإطلالة مختلفة تماما. أما حين نتذكر الفيلم الشهير "The Godfather" نرى ماكياجًا للوجه يحاكي وجنتي دون كورليوني، وتغييرًا في نبرة الصوت وطريقة الكلام، إلى جانب اللمحات البسيطة بحركات جسده.

جسد براندو أيضًا دور الطبيب العجوز البدين، والذي سيحُال على المعاش بعد أيام، في فيلم "Don Juan De Marco" الذي صوّر فيه إرهاقه وبساطته التي تختلف عن الشخصيات المميزة التي لعبها أغلب فترات حياته، ويظهر براندو هنا كرجل عادي جدًا، يمكنك أن تراه في الشارع يوميًا.

الثائر.. رافض الأوسكار:

عرف عنه معاداته لسياسات البيض واليهود واختلافه الدائم معهم، كما اشتهر بتضامنه مع قضايا بعينها ودفاعه عن سكان وأصحاب البلاد الأصليين. في عام 1973، وعندما حصل مارلون براندو على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن أدائه في فيلم "العراب"، رفض استلام الجائزة، لأنه كان داعمًا لقضية الهنود الحُمر ومعارضًا لتهميشهم في السينما الأمريكية وفي الولايات المتحدة عموما، لذا أرسل الفنانة ساشين ليتل فيذر لتقرأ في حفل توزيع الجوائز رسالة براندو المعبرة عن موقفه واستيائه، لتصل وجهة نظره إلى الملايين.

العراب (الأب الروحي):

النقطة الفاصلة في منتصف طريق براندو كانت عام 1972، حيث حقق هذا الفيلم ما يقارب 270 مليون دولار، أكثر من نصفها كانت في الولايات المتحدة فقط، وأعاد له مجده بعد أن ترددت بعض الهمسات عن انطفاء نجوميته، وتصدر "العراب" جميع قوائم أفضل الأفلام التي تكتب عن طريق نقاد السينما في العالم، أو تصنعها المجلات الفنية أو مواقع الإنترنت المهتمة بالسنيما وشباك التذاكر. حين يتحدث الناس عن "الممثل الحق" يتذكرون العرّاب.

الأب العادي:

في الواقع، لم يكن أبًا عاديًا، حيث جعل القدر حياته الخاصة كذلك فيلمًا طويلا من الآكشن والجريمة تحديدًا، كان براندو والدا لتسعة أبناء، وحفلت حياته بزيجات وعلاقات متعددة. اعتقل نجله لقتله صديق شقيقته بعد أن حبلت منه عام 1990، وانتحرت هي نفسها في عام 1995، وحكم على ابنه بالسجن 10 سنوات بتهمة القتل.

لاعب الشطرنج:

كان براندو لاعبًا للشطرنج طوال حياته، وهنا يلعب مع صديقه كارلو فيوري في منزله ويبدو منهمكًا ومستغرقًا في تفكيره.

الموت:

قبل موته كان متفق على أن يظهر براندو في "براندو براندو" أحد أفلام المخرج التونسي رضا الباهي، ليجسد فيه شخصيته الحقيقية، فأعد بنفسه ترتيبات وفاته واستعد للموت قبلها بعام كامل، وأوصى بأن يحضر النجم جاك نيكلسون جنازته، وأن يلقي المطرب الشهير مايكل جاكسون كلمة في تأبينه، وينثر رماده بين أشجار النخيل في أحد جزر تاهيتي التي كان يملكها.

براندو مغردًا:

بعد موته بأعوام، أبت نجومية براندو أن تنطفئ، ولم تكتفِ بالوجود في أفلامه وذاكرة جماهيره، بل ظل يكتب على صفحات الإنترنت ويغرد على موقع "تويتر" لمحبيه الأخبار المتعلقة به وبمشواره الفني، ويذكرهم بأعماله أيضًا.

موقع (دوت مصر) في

04.04.2015

 
 

بورصة النجوم... على أونا على دوّي

علي وجيه

لطالما تساءل المشاهد العادي عمّا يجنيه النجوم الكبار من أفلامهم. لا بدّ أنّ هناك ثروات ضخمة خلف هذه البيوت الفخمة والسيارات الفارهة والابتسامات اللامعة.

حسناً، «بورصة النجوم» تعتمد على عوامل عدّة، وتختلف من فيلم لآخر، ومن حقبة لأخرى. إيرادات مرتفعة في شبّاك التذاكر تعني الانتشار والشهرة، وبالتالي أجراً أعلى لأصحاب الأدوار الرئيسية. العكس صحيح.

الفشل التجاري يعني سقوطاً مدوياً. أجر الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو (1974) وصل إلى 25 مليون دولار أميركي عن فيلم «ذئب وول ستريت» عام 2013 لمارتين سكورسيزي، فيما قبضت جنيفر لورانس 10 ملايين عن The Hunger Games: Catching Fire لفرانسيس لورانس في العام نفسه. عند التفكير بإنجاز أجزاء تالية لمشروع ناجح، تكون رقبة استديو الإنتاج بيد النجم. لا بدّ من موافقته لتحقيق ملايين جديدة من العمل المقبل. هذا يعني أجراً مضاعفاً بالضرورة. 20 مليون دولار ثمن عودة مات دايمون إلى سلسلة «بورن» عام 2016، وأنجلينا جولي إلى الجزء الثاني من Salt.

لا ريب أنّه رقم سحري يحلّ أعقد الخلافات، ويقلب الـ«لا» إلى «نعم». الجوائز الكبيرة مثل الأوسكار، تضيف أصفاراً إلى الأجر المتوقع لصاحب التمثال الذهبي.

-ساندرا بولوك مثلاً، حققت قفزة مالية هائلة بعد أوسكار أفضل ممثلة عن The Blind Side لجون لي هانكوك. عن Gravity عام 2013 لألفونسو كواران، أضافت النجمة الأميركية 70 مليون دولار إلى رصيدها البنكي. المبالغ الطائلة تظهر عندما يكون البطل شريكاً في إنتاج الشريط، وبالتالي في عائدات التوزيع. دي كابريو وبراد بيت وجورج كلوني اعتادوا تبنّي أفلامهم إنتاجياً، إضافة إلى اللعب أمام الكاميرا.

نوع الفيلم يدخل في المعادلة أيضاً. أفلام الأبطال الخارقين والمؤثّرات البصرية تهيمن على حصّة الأسد من ميزانيات الشركات الكبيرة، بسبب رواجها الكبير. هذا يعني أجوراً فلكية في بعض الأحيان. روبرت داوني جونيور استثمر نجاحه في Iron Man على أكمل وجه. تابع «طوني ستارك» في جزئين آخرين، ثمّ طار إلى سلسلة The Avengers ليحصد بضعة ملايين أخرى.

دواين جونسون المعروف باسم The Rock نال ما بين 14 و15 مليون دولار عام 2014 عن Hercules لبريت راتنر.

في المقابل، تحقق الأفلام المستقلة ذات المنحى الفني ما تعجز عنه عناوين البلوك باستر. إرضاء الأنا الفنيّة للممثل في لعب دور لافت له ثمن أيضاً. هنا، قد يكتفي النجم ببضعة آلاف في أعمال الميزانية المنخفضة. بعد قراءة السيناريو الساحر Frank (عام 2014) لليني أبراهامسون، أبدى النجم الألماني مايكل فاسبندر رغبته بأداء الدور بغض النظر عن أجره، ضمن ميزانية لا تتجاوز مليون و81 ألف دولار.

عربياً، يتكتّم معظم النجوم وشركات الإنتاج على الأرقام الدقيقة، إلا أنّ ظروف الأجزاء التالية من الأعمال وشعبية النجم تبقى متشابهة في كل العالم.

«سعيكم مشكور يا برو»... ضحك «للكبار فقـــط»!

 عباس محمد

يمكن إعتبار هذا الفيلم المصري الجديد بمثابة «مغامرة» يراهن فيها المخرج عادل أديب على 14 اسماً جديداً في عالم الفن، رغم مشاركة أسماء معروفة مثل الراقصة «دينا». تدور الأحداث خلال ثلاثة أيّام في قالب اجتماعي ــ كوميدي، فيما يتوقّع القائمون عليه أن يكون دعوة للتفاؤل والفرح في ظلّ التوترات التي تعانيها المحروسة

القاهرةفي إحدى فيلات منطقة المنصورية في القاهرة، صوّر المخرج عادل أديب المشهد الأخير من فيلمه «سعيكم مشكور يا برو» الذي يضم للمرّة الأولى 14 وجهاً جديداً، إضافة إلى الراقصة والممثلة دينا، وأحمد خليل، وطارق التلمساني، وبيومى فؤاد، وأحمد فتحي، وحسام داغر، ودانا حمدان، ونور قدري. علماً بأنّ «يا برو» عبارة مستخدمة في عدد من الدول العربية ومستوحاة من اللغة الإنكليزية، معناها «يا أخي». يقول مخرج العمل لـ«الأخبار»: «قرّرت خوض هذه التجربة الشبابية لتغيير مسار السينما المصرية، والوقوف إلى جانب الصناعة التي عانت الكثير في الماضي، ولإعطاء فرصة أكبر للوجوه الجديدة».

ويلفت أديب إلى أنّ الشريط يدور فى إطار اجتماعي ــ كوميدي، ويُعتبر دعوة للتفاؤل والضحك، بعد حالة الملل واليأس التي أصابت المجتمع المصري إبان فترة حكم الإخوان المسلمين وما أعقبها من توترات في الشارع. ويضيف أنّ الفيلم سيُصنّف «للكبار فقط» بسبب احتوائه على بعض الألفاظ الجريئة التي يتطلّبها السياق، موضحاً أنّ الأحداث تدور في ثلاثة أيام، وفي مكان واحد هو منزل المتوفّى: «يمرّ اليوم الأوّل بشكل عادي، وفي اليوم الثاني يتوفّى أحد الأشخاص. أما في الثالث فيُقام العزاء. ومع وصول جثمان الفقيد إلى المنزل، يكتشف الجميع أنّه يعود إلى شخص آخر، لتبدأ المفارقات الكوميدية بين أفراد العائلة».

ويشير عادل أديب إلى أنّ «هذا النص تم تنفيذه في أكثر من 5 دول منها بريطانيا، وفرنسا، والهند، والولايات المتحدة، وكان الهدف منه إظهار معنى ثقافة الحياة، وتأثير الموت على البشر. وفي النسخة المصرية، نركّز على حب الحياة ونحاول إيصال رسالة مفادها أنّ على الأرض ما يستحق الحياة». النص الأصلي يحمل توقيع البريطاني دين كريغ في فيلم Death at a Funeral (موت في جنازة) الذي صدر عام 2007.

النص الأصلي للبريطاني دين كريغ وقُدِّم في أكثر من خمس دول

ويتابع المخرج بأنّ «سعيكم مشكور» بمثابة «عودة إلى زمن الكوميديا الراقية كما في شريط «إشاعة حب» (إخراج فاتن عبد الوهاب) للنجوم عمر الشريف ويوسف وهبي وسعاد حسني، وكما في أعمال نجيب الريحاني وفؤاد المهندس. كل ما نهدف إليه هو إضحاك الناس باحترام واحتراف. لا بد من احترام عقلية المشاهد من خلال طرح مواضيع ذات قيمة، ولا أهدف إلى النجاح أو الفشل، بل كل ما يهمني هو خوض غمار التجربة وإسعاد المشاهد».

لكن ماذا لو لم يحقق الفيلم الإيرادات المتوقعة نظراً إلى غياب نجوم شبّاك التذاكر عنه؟ «الفيلم لا يخسر بحكم عرضه على القنوات الفضائية، كما أنّه في حال عدم تحقيقه أرباحاً على الشاشة الكبيرة، فسيحققها على الصغيرة. السينما تتميز بالخلود. طوال حياتي، لم أعمل في مجال الفن بدافع «السَبّوبة» (الربح بالعامية المصرية)، لكن لأنّني مؤمن بالفن السابع وبالفن عموماً، والتوفيق في النهاية من عند الله».

وفي هذا السياق، يلفت أديب إلى أنّ مجموعة الوجوه الجديدة المشاركة في «سعيكم مشكور» تمتلك الموهبة وتنتظر فرصاً أكثر خلال الأيام المقبلة لإثبات ذاتها.

من جهتها، تُعرب الممثلة والراقصة المصرية دينا عن سعادتها بتجربتها السينمائية الجديدة التي تجسّد خلالها شخصية زوجة المتوفى، مؤكدة أنّ الفيلم يقدّم عدداً كبيراً من الوجوه والممثلين الجدد، واصفة إياهم بـ«الطموحين والمجتهدين الذين يبذلون قصارى جهدهم ليكون الفيلم شهادة ميلادهم».

الممثل الشاب أحمد فتحي يشير إلى أنّ المخرج عادل أديب رشّحه للدور بعدما «شاهد أدائي في بعض الأعمال وأثنى على موهبتي»، في الوقت الذي تقول فيه دانا حمدان إنّها تؤدي شخصية «فتاة متزوّجة، تتعرّض للكثير من المواقف الكوميدية. هذا الفيلم سيعيد الضحكة إلى وجوه المصريين مجدداً». وتغتنم حمدان هذه الفرصة لتوجيه تحية إلى الشركة المنتجة، خصوصاً أنّها «خاطرت بالوجوه الجديدة ووقفت إلى جانبها». أما الممثل أحمد خليل، فسيظهر كرجل عاجز يعيش على كرسي متحرّك، ويراقب ما يحدث داخل أسرته خلال العمل في مشاهد خفيفة.

ويُعد فيلم «سعيكم مشكور يابرو» عودة لعادل أديب إلى السينما بعد غياب سبع سنوات منذ تقديم «ليلة البيبي دول» بطولة نور الشريف وليلى علوي ومحمود عبد العزيز.

فيلم الأسبوع | مع محمد هنيدي مش حتقدر تغمّض عينيك

 محمد عبد الرحمن

القاهرةمنذ بداية عام 2015 وحتى الآن، لم تنجح الأفلام التي عُرضت في الصالات المصرية في منافسة فيلم محمد هنيدي الأخير «يوم مالوش لازمة» سواء على مستوى الإيرادات أو الكوميديا. الممثل المصري الشهير، نجح في إثبات قدرته على انتزاع الضحكات سواء بمفرده أو بمن شاركوه صناعة الشريط. الفيلم وصل أوّل من أمس إلى الصالات اللبنانية، بعدما حقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر المصري مقارنة بإيرادات باقي الأفلام المنافسة وفي ظل الظروف الصعبة التي عاشها المصريون طوال شهر شباط (فبراير) الماضي.

أكدت التجربة سعي هنيدي إلى التجديد دائماً على كل المستويات، ولو تمسّك بالظهور في شخصية الشاب الذي تجاوز الأربعين بقليل ويبحث عن الحب والارتباط، ما يعرّضه لمواقف كوميدية متتالية. جديد هنيدي في هذا الفيلم تجسّد في التعاون مع السيناريست والكاتب المعروف عمر طاهر والمخرج أحمد الجندي. إنّه الثنائي نفسه الذي سبق أن أنجز لأحمد مكي أحد أهم أفلامه «طير إنت» (2009). هذا التجديد أخرج بطل فيلم «همّام في أمستردام» إلى مجال مغاير، تمثّل أوّلاً في الخطوط العريضة للقصة التي تعتمد على أبطال عدّة من دون الانتقاص من وجود هنيدي على الشاشة. وهذا ما وفّر عشرات المواقف المضحكة من مختلف المصادر طوال أحداث الفيلم. يدور «يوم مالوش لازمة» حول شاب يستعد للزواج بعدما تجاوز الأربعين، وتبدأ الأحداث صباح يوم الزفاف، لكن علاقة قديمة لم تكتمل تعود فجأة للظهور وتفسد كل شيء، لتتوالى المفاجأت التي يقع معظمها في قاعة حفلة الزفاف، فيما ينصب تركيز البطل وسط كل الأزمات على أن يمر اليوم بأقل ضرر ممكن. وهو ما يحدث فعلاً في النهاية، لكن مع حدوث مفاجأة غير متوقعة.

المخرج أحمد الجندي اختار من الجيل الجديد كل الأقارب والمدعوّين وفريق عمل الفندق. كل هؤلاء، نجحوا في تجربة إضحاك الجمهور للمضحكين. فقد تألّق في الفيلم على سبيل المثال لا الحصر بيومي فؤاد، ومحمد ممدوح، وهشام إسماعيل، وأحمد فتحي، ومحمد ثروت، ومحمد أسامة، إضافة إلى صاحب شخصية «عماد» الممثل هاشم خليل الذي يتوقع أن يكون له مستقبل واعد في مجال التمثيل. علماً بأنّ بوادر هذا المستقبل كانت قد ظهرت مع أدائه بطولة بعض الإعلانات التجارية. يضاف إلى ما سبق ظهور الفنانة روبي بشخصية جديدة تماماً، ونجاحها في إخافة الأطفال الذين حضروا لمشاهدة الفيلم، فضلاً عن إتقان ريهام حجاج لتقديم تفاصيل شخصية العروس، من دون أن ننسى استفادة الفيلم من خبرة الممثلة القديرة هالة فاخر من خلال دور الأم، ورسوخ أداء ليلى عز العرب في دور والدة العروس. الإتقان إنسحب أيضاً على ضيوف الشرف خصوصاً أنّه تمت الاستفادة من دقائق ظهورهم المعدودة، كما حدث مع طارق عبد العزيز في شخصية المأذون، ومع سامي مغاوري الذي ظهر كمدير أمن، ومع الصيدلي الذي جسّده محمد عبد الرحمن. باختصار، فيلم «يوم مالوش لازمة» مناسب لكل من يريد متابعة قصة لطيفة وجديدة ومضحكة، كما بدا لافتاً أنّه أوّل فيلم يهتم بجمهور نادي «الزمالك» لكرة القدم، بينما كان الاهتمام مصبوباً خلال سنوات طويلة على نادي الأهلي أو على المنتخب الوطني.

دي كابريو يُعلنها حرباً على مصنع الأكاذيب

علي وجيه

يبدو أنّ كلينت إيستوود وجد مشروعه الإخراجي المقبل. بعد نجاح جماهيري هائل في American Sniper العام الفائت، يبقى المخرج والممثّل الأميركي في حقل البيوغرافيا. يتردّد هذه الأيام على استوديو «فوكس» للعمل على تطوير دراما عن حارس الأمن ريتشارد جويل، المتّهم الأوّل بانفجار قنبلة في المتنزّه المئوي الأولمبي خلال أولمبياد أتلانتا 1996.

صباح 27 تموز (يوليو) من ذلك العام، اشتبه جويل بحقيبة ظهر موضوعة تحت أحد المقاعد، فأبعدها عن المارّة وقام بإبلاغ السلطات. الرجل الثلاثيني صار بطلاً، قبل أن يتسرّب إلى وسائل الإعلام اعتباره متهماً من قبل المباحث الفيدرالية. كانت حادثة جويل مفترق طرق تاريخياً في توحّش الميديا، وانقضاضها على خصوصيات البشر وانتهاك حياتهم.

هكذا، فُتحت أبواب الجحيم على جويل، وصار «المجرم المنبوذ» بين الناس، بسبب نشرات الأخبار التي لم ترحمه. على الرغم من تبرئته لاحقاً، تركت «المحاكمة الإعلامية» أثراً عليه رافقه حتى رحيله عام 2007 بداء القلب وأمراض أخرى.

الأميركي جونا هيل يلعب ريتشارد جويل، فيما يبدو دور محاميه متجهاً إلى النجم ليوناردو دي كابريو (الصورة). سيناريو بيلي راي صاحب Captain Phillips (عام2013) و The Hunger Games (عام2012)، قائم على مقال منشور في مجلة «فانيتي فاير» الأميركية بعنوان «قصة ريتشارد جويل»، فيما لم يُحدَّد عنوان الفيلم أو موعد صدوره حتى الآن.

هذا الاجتماع الثاني بين دي كابريو وهيل بعد The Wolf of Wall Street (عام2013) لمارتن سكورسيزي. منذ Moneyball (عام2011) لبينيت ميلر، أثبت جونا هيل أنّه أكثر من مجرّد ممثّل هزلي. تماهى بإتقان لافت مع أدوار مساعدة في أفلام مهمّة، مسجّلاً ترشيحات للأوسكار والبافتا والغولدن غلوب. هنا، يستعدّ للنقلة المنتظرة في مسيرته كأوّل دور رئيسي جاد.

دي كابريو لا يمانع في الوقوف إلى جانب صديقه الشخصي في دور مساعد، على عكس ما حصل في تحفة سكورسيزي الأخيرة. نذكر دوره الصغير في «دجانغو الطليق» لكوينتن تارانتينو، لتأكيد قدرته الدائمة على التوهج.

بدوره، يقف إيستوود أمام شريط لا يتضمّن التوابل «الوطنية» الرخيصة، التي أغرت جمهور «القنّاص الأميركي». كذلك، يأتي بعد فيلم خلّاب بتيمة مشابهة هو Nightcrawler لدان غيلروي. الإنتاج قد ينتقل إلى «وارنر برذرز»، استوديو إيستوود الدائم، إذا ما نجح في انتزاع المشروع من «فوكس».

بالعودة إلى البطلين، جونا هيل يواصل العمل مع الكبار. الأخوان كوين يقومان بإدارته في شريطهما الكوميدي القادم Hail, Caesar! (عام2016). كذلك يستعدّ لفيلمين من الجنر نفسه: Arms and the Dudes لتود فليبس و 23 Jump Street لرودني روثمان.

من جهته، يتابع دي كابريو لعب الشخصيات المعقدة هذا العام. فيلمان مقبلان قد يتمكّن أحدهما من فكّ النحس الأوسكاري المرافق له منذ سنوات. في The Revenant، يلعب «هيو غلاس» الساعي إلى الانتقام، تحت إدارة المعلّم المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو. ويستعدّ للدور الحلم الذي يسعى إليه منذ 20 عاماً، في البيوغرافياThe Crowded Room. بيلي ميليغان أوّل من أفلت من المحكمة بتهم الاغتصاب والسرقة، بعد إقناع هيئة المحلّفين بأنّ لديه 24 شخصية، في ما يُعرف بـ«اضطراب تعدّد الشخصية». على الصعيد الشخصي، نفت النجمة ريهانا أنّها على علاقة به، ما يعني أنّه ما زال متوافراً للمهتمات حول العالم.

الأخبار اللبنانية في

04.04.2015

 
 

رف السينما - الفيلم الأول لـ (راسل كرو)

بقلم - ممدوح صلاح :

مش أول مرة ممثل أو ممثلة عندهم رصيد من النجاحات والجوايز يتحولوا لمخرجين. نفس الفيروس ده أصاب ناس كتير من آخرهم (أنجيلينا جولى) اللى عملت لحد دلوقتى فيلمين روائيين وبتجهز للتالت. ووصف (فيروس) ده مش اعتراضى فى المطلق؛ لأن التاريخ مليان ممثلين اتحولوا لمخرجين وعملوا أفلام تستحق.. لكن اللى بيخلينى كل ما اسمع عن ممثل بدأ رحلة الإخراج اتحسس مسدسي، هو إن التحول يكون لأسباب غير سينمائية أو نوع من (أزمة منتصف العمر).. أول حاجة باحسها إن الممثل ده لقى مسيرته الفنية مش بتتطور كويس، ومش معبرة كفاية عن أفكاره وطموحاته، أو يمكن مافيهاش التقدير النقدى اللى شايف نفسه يستحقه. فيقرر يغير (الكارير) وينضم لفئة أكثر إحتفاءاً من المهتمين بالسينما.. وهو سبب شخصى بالدرجة الأولى ومالوش دعوة بالفن ولا بالرغبة فى إنه يقول حاجة مختلفة مش قادر يقولها من مكانه الأولانى

والأسوأ بكتير: إنه يكون عنده اللى يقوله فعلاً.. بس اللى يقوله ده عبارة عن رغى أو مراهقة فكرية توافرت ليها الإمكانيات بسبب شهرته مش أكتر، محتوى فكرى من نوعية (الحب والسلام للبشرية كلها) أو (حافظوا على نظافة البيئة) أو (بالإصرار والتحدى يقدر الإنسان يتخطى كل العقبات) وغيرها من الأفكار اللى ممكن تتوصف بالوعظية.. وبرضه مش إعتراضاً على الأفكار دى نفسها اللى ممكن توصل فعلاً من خلال عمل فيلم، لكن الإعتراض على إن الجملة دى لوحدها تكون المحرك اللى يخلينا نكتب قصة ونجيب ممثلين ونطلع فيلم ماكنش فيه منتج هيعتمده بالموافقة إلا لأن الممثل – أو الممثلة – عندهم شعبية وعملهم الإخراجى الأول هيجذب الجمهور والنقاد ولو من باب الفضول.

تالت أسوأ سبب للتحول – واللى بيختلط عادة بواحد من اللى فاتوا – هو اللى ممكن نسميه (السينما الخيرية)، إنى أعمل فيلم يعرف الناس بمعاناة شعب الهنود الحمر، أو الأطفال فى باكستان، أو ختان البنات فى أفريقيا.

كده لمجرد إن صوتى مسموع، بدون أى خبرة حقيقية أو عمق معرفي وإنساني.. زى بالظبط اللى بيتبرع بوقته أو فلوسه لقضية، بس التبرع لصالح القضية هو فايدة حقيقية ومباشرة هتعود على المتضررين. لكن مع السينما، سهل النوايا الحسنة دى تتحول لنوع من العنصرية والكلام من فوق عن الناس الفقرا الغلابة المضلَلين فكرياً اللى بيعملوا حاجات متخلفة، واللى جيت أنا بنوع من عقدة (الرجل الأبيض) عشان انقل صوتهم للعالم المتحضر.. حتى لو صاحب الفيلم مش قاصد يكون عنصري.

الروائى الطويل الأول للممثل صاحب الأوسكار (راسل كرو) كمخرج، بتظهر فيه كتير من خصائص – وعيوب – أول فيلم.. فجأة بيتجرد من تاريخه السابق ويتحول من ممثل مخضرم ليه سجل حافل، لصاحب (عمل أول) بيتحسس بدايات أسلوبه الفنى وبيحاول يثبت نفسه، وفيلمه هيحدد مدى تقبل الناس ليه وخطوته الجاية، وإن كانت دى مجرد تجربة، ولا بداية لطريق فنى جديد. أكيد إحساس مختلف وفيه نوع من الإثارة سواء بالنسبة له كسينمائي أو بالنسبة للمشاهد.

فيلم (مستبصر المياه) (The Water Diviner) من إنتاج استرالي تركي، بيقوم ببطولته (راسل كرو) نفسه، مع مجموعة من الممثلين من ضمنهم أتراك فى أدوار رئيسية. وظاهرياً عنده كل الخواص السابق ذكرها واللى ممكن تهدم تجربته الإخراجية..

دراما تاريخية فى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، عن مزارع استرالي بيسافر تركيا بعد معركة (جاليبولي) للبحث عن أولاده التلاتة المفقودين فى فترة الحرب. وبيلاقى نفسه بيتورط فى خلافات مجتمعية وسياسية للبلد اللى بيتشكل من جديد وبيدور على استقلاليته، وفى فترة قصيرة بيرتبط بالأسرة التركية اللى بتدير الفندق اللى هو ساكن فيه، مع رسالة إنسانية قوية مناهضة للحرب.

لا يخلو الفيلم من الجو الإستشراقى المعتاد بتاع الأجنبي اللى بيلاقى نفسه وسط المدينة الغرائبية المليانة بسحر الشرق، والموسيقى المختلفة والألوان الدافية والروحانيات، والعلاقات العاطفية اللى بترفضها العادات والتقاليد الصارمة. جو عام من التنميط استغربت وجوده فى فيلم من إنتاج السنة دى! لو كان الأتراك بيتكلموا لغة مش مفهومة بدل لغتهم الحقيقية كان بقى شبه أفلام التمانينات الهوليوودية فى تقديمها للبلدان الشرقية.

فيه عيوب تانية واضحة فى الفيلم زى عدم توازن الدراما، الجزء الأولانى اللى بيدور فى استراليا أحداثه سريعة ومش متناسقة وكأن اللى بيحكيها بيحاول يديلك كل فعل ونتيجته فى أسرع وقت عشان يتنقل للجزء المهم فى القصة. وبعدين بيبتدى الإيقاع يهدى فى الجزء الخاص بتركيا ويحدد الفيلم شكل وملامح واضحة رومانسية درامية، وفى الفصل التالت بيظهر ميل مفاجيء للمغامرة وتحويل آخر نص ساعة لمطاردات تشويقية وإختلاق ذروة مش فى مكانها.. بخلاف الإفراط فى الأساليب المختلفة زى المؤثرات البصرية الخاصة والفلاش باك المتكرر والتصوير البطيء، وبإستخدامات تقليدية معتادة.

لكن اللى بيغفر للفيلم أخطاؤه دى، وبينقله لمنطقة خاصة من التواصل الحقيقي والإستمتاع، هو الإحساس اللى لا يمكن تزييفه بإن الفيلم (مشروع) فنى، تمت صياغته بدفعة شعورية حقيقية مش مجرد فيلم تجارى أو دفاعاً عن قضية عامة.. فى حوارات (راسل كرو) اللى قريتها بعد الفيلم كان بيأكد على إن معركة (جاليبولي) والجزء ده من التاريخ الأسترالي ماينفعش يفضل مستخبي، وكان واضح إنه حاسس بيه ومدرك لطبيعة الصدام السياسي والحضاري اللى بيولّد الحروب وبينتج عنها، أو ع الأقل ده اللى وصلنى، وبالتالى بتيجي رسالته الإنسانية بشكل تلقائى من قلب القصة اللى فعلاً تستحق تتحكى.

والحس الماوارائى المغلف للفيلم وبيظهر فى قدرات البطل على التواصل مع أبناؤه الغائبين بنفس قدراته الإستبصارية فى البحث عن المياه بيفرق كتير فى القصة، علاقة الأب بأولاده معمولة بشكل شخصي أصيل وبيبان فيها القوة التمثيلية الحقيقية لـ(راسل كرو). والأحلى إن مفيش محاولات لتفسير الجانب الميتافيزيقى ده بشكل يفسد عذوبته وغموضه. وبتيجي الصورة السينمائية الساحرة لمدير التصوير المخضرم (Andrew Lesnie) صاحب ثلاثية (The lord of the rings) كقيمة جمالية مضافة، متناغمة مع الطبيعة فى استراليا أو تركيا اللى بيتعرض ليها الفيلم طول الوقت فى خلفية الحرب والقبح والصدام.. مزايا الفيلم دى مستمرة بطول الشريط السينمائي، بتخفي عيوبه، وبتحسسك فى لحظات بعينها إنك متفاعل مع الأبطال وشايف بعينيهم، وبتنقلك فعلاً للعالم الخيالى/الواقعي للحدوتة، وده بالنسبة لى أكتر من كفاية فى الفيلم الأول.

موقع (مصراوي) في

04.04.2015

 
 

اضربْ فشش يا بروس!

محمد سويد

بعد مشقة، عثرتُ على الكاديلاك الذهب. صبرتُ فنِلتُ. لا أعني السيارة الأميركية الفارهة خليلة الذوات وغنّوجتهم. ليست السيارات هوايتي. تُوتّرني قيادتها، وطبّ الأعصاب وأمراضه ومرضاه وأعراضه شاهدون لحالي.

ولعي بالكاديلاك وتحرّياتي المزمنة عنها ناجمان عن إعلان نشره الخواجة إميل دبغي في الصحف المحلية مبشّراً أفاضل بيروت وأكارمها بافتتاح "الحمرا"، أولى صالات العرض السينمائي في شارع الحمرا، يوم الأحد 6 تشرين الأول 1957، بفيلم أميركي عنوانه الأصلي "الكاديلاك الذهبية المتينة"، إخراج ريتشارد كواين وبطولة جودي هاليداي وبول دوغلاس. حُلَّت عقدتي بحصولي عبر الشبكات العنكبوتية على نسخة مستعملة في قرص مدمج اشتريتها من بائع افتراضي مستقل في لندرة. أتممتُ الصفقة وقدرها اثنا عشر جنيهاً إسترلينياً من طريق الفرع البريطاني لشركة "أمازون". لم أكن قد رأيتُ النور حين أُطلق الفيلم في بيروت. كنت في مجاهل الغيب. وُلدت بعد عامين من تدشين الصالة. وعلى خطى كثر، لسعني حبّ شارع الحمرا وصالاته ومسارحه من دون التخلي عن عشقي لساحة البرج، ساحتنا، وإن هجرت النساء دورها السينمائية وبادلنها بالحمرا. أوقعنا نزوحهن عن عتمة السينما تحت رحمة الـ"حاج ولاد"، نسبةً إلى نعت شعبي أطلق على اللاهث وراء طرائد جنسية في فتيان صغار السنّ. اليوم، انقطع ذكر "حاج ولاد". صار "الحاج" لقب كلّ من يركب سيارة أجرة أو يتودد إليه أحدٌ ظانّاً أن أدب التحدث إلى مسلم يستوجب تحيته بالحاج. صار الحاج أيضاً صنو الشهيد والنائب والمعلّم والمهندس وجميع الرجال على وجه البسيطة اللبنانية.

الحاج فريد

في ما مضى، نشط حجاج الأولاد بين أشجار الصنوبر في حرج بيروت ودور سينما البلد. مارسوا عاداتهم "بالهمس"، واستطراداً، "باللمس، بالآهات، بالنظرات، باللفتات، بالصمت الرهيب"، تقليداً لأغنية نجاة الصغيرة "لا تكذبي". رغم السنين وتجاعيدها، ظلت نجاة صغيرة. على ندرة ظهورها، كاد ذكرها يقتصر على ما كُتب في رحيل أختها ومتيّمتي سعاد حسني. عندما دُشَّن مشروع "سوليدير" ورُفِع الصوت احتجاجاً على هدم الآثار السينمائية في ساحة البرج، انبرينا في تعداد الفنانين العرب والأجانب ممّن صعدوا خشباتها وفُرشت دروبهم إليها بالورود والسجاجيد الحمر. أيّدنا رواية صحافي مخضرم أخرج من ذاكرته إحياء نجاة الصغيرة حفلة في سينما "ريفولي". في حيازتي نسخة محدثة عن أسطوانة ٣٣ لفة تحوي تسجيلاً حيّاً لأغنية طويلة، "أول همسة - حفلة الريفولي". تثبت أسطوانتي أن فريد الأطرش شرّف مستمعيه المحليين وشنّف آذانهم في السينما الراحلة. لم أجد أسطوانة أخرى تؤكد وقوف نجاة الصغيرة على الخشبة نفسها. لن تكبر نجاة. ستبقى صغيرة. أخال أن حفلة "أول همسة" كانت حدثاً توّج مجيء الحاج فريد إلى الـ"ريفولي" قبل زحف حجاج الأولاد إلى صالات السينما وانسلالهم بين مقاعدها المهترئة من كثرة السنين والجلوس. شُلّ نشاطهم في الحرب. وتفادوا الظهور السافر في الحمرا. بدا الشارع المزدهر بحياة جديدة محصّناً بصيت كبح جماح الحجاج من نقل نزواتهم السافلة من قاع بيروت إلى رأسها. انتشروا خارج دور العرض وتموّهوا بالسابلة. فعل الصيت. بوكالتي عن جحافل خندق الغميق ورأس النبع والطريق الجديدة وحي اللجا ورمل الظريف والمصيطبة والبسطة في شقّيها الفوقاني والتحتاني، ومن فاتهم التعداد وأنا منهم، ذهبنا صحباً وصخباً إلى الحمرا ملجومين بحيائنا من رؤية نسخة منقحة ومهذبة ومزيدة من البلد ولقاء مجتمع آخر لا نحتمله ولا يرحب بنا.

هبَّت!
استفز الشارع قلة مهارتنا في التكيّف وزعرانه وتباينهم عن رفاق أزقتنا النتنة وشقائنا وشقاوتنا ومغامراتنا. ساحتنا، ساحة البرج. ليس للحمرا ساحة. شارع، لا غير، عُبّد وزُفِّت ومُهِّد للتشبيح. شبّيحته سائقو دراجات نارية من الهيبيز وهواة موسيقى الروك، كما صوّرهم المخرج الراحل سمير الغصيني في باكورة أعماله، "قطط شارع الحمرا"، عام 1972. حمرا الغصيني موجودة في عنوان الفيلم أكثر من مشاهده المأخوذة داخل الشقق وعلى شاطئ البحر وبعض دمشق، إذ أنتجه السوري تحسين القوادري ووُزِّعت أدواره الأولى على اللبنانيين شوقي متى وكريم أبو شقرا والسوريين ناهد حلبي ونزار فؤاد والمصريين يوسف شعبان ومديحة كامل. يقرّر الفيلم أن خنافس الحمرا وافدون من "الخارج" لا يتحدثون العربية، لغتهم إنكليزية، فوضويون ومدمنو مخدرات. ليسوا مثل شبّيحي ساحة البرج، ساحتنا، مرتع ضرّيبة الأمواس المشحوذة بالثأر من أرمن الضاحية الشمالية لبيروت وبعلبكييها.

محليّون في وسط العاصمة ومأخوذون في شارع الحمرا بأنه منزل من غرب العالم. لا أعلم من طوّبه "شانزليزيه العرب". كان البلد بأسره مشمولاً في دعاية "سويسرا الشرق" المخطوطة بالبويا على طول السور الفاصل بين المطار ومسابح الأوزاعي. في السياحة يجوز النفخ. وفي الحمرا قرفتُ من جادّة الشانزليزيه قبل أن تطأها قدماي وتنفث فيَّ قرف الحمرا.
يحوي ازدهار الأمكنة مقدمات انحطاطها. بكلمة شائنة، بشتيمة، بهيصة، أمكن ردّ الحمرا مراراً إلى حظيرة ساحة البرج. حين قصدتُ سينما "سارولا" مشاهداً فيلم بروس لي "قبضة من غضب"، دخلتُ في خفر ملتزماً الهدوء والتهذيب والاحترام. انقضى ربع ساعة من العرض. لم أتحمّل سكوت الجمهور عن تعرض البطل الصيني إلى الإهانة والضرب والركل وفرك الأنف. فقدتُ أعصابي وصحتُ: "نيك قلبه يا بروس". هبّت الصالة ضحكاً وتذمّراً. و"هبّت" جريـدة عريـقـة أدمنها مقامرو سبـق الخـيـل في مـيـدان بـــارك بـيـروت.

فلافل وشاورما

يمّم كثرٌ شطر صالات الحمرا ظنّاً أنها ستحتضن أفلاماً ما عاد وسط العاصمة يليق بها. غاير ظنّهم حقيقة أن أفلام إنغمار برغمان ولويس بونويل وفدريكو فلليني ولوتشينو فيسكونتي وأندره تاركوفسكي وفرنسوا تروفو جاورت، في الحمرا، أشرطة تشارلز برونسون وبروس لي وأقلّهما مستوى من نجوم السينما البخسة. عُرض المختار من بيار باولو بازوليني وجان لوك غودار والوفير من إدويج فينيش وكلاوس كينيسكي. ولم تفت شاشات البرج مزامنة العروض الأولى في الحمرا. كانت "إتوال" و"بافيون" و"ستراند" توائم "أمبير" و"روكسي" و"سيتي بالاس". وحين استقبل قصر "البيكاديللي" "العرّاب" و"سارولا" "قبضة من غضب"، دار عرض الفيلمين تباعاً وجنباً إلى جنب على شاشة "بيبلوس" في الصيفي، قرب البيت المركزي لحزب "الكتائب"، وسط العاصمة. ولئن تميزت قاعات الحمرا عن مثيلاتها في ساحة البرج بالأثاث الفاخر وحداثة آلات العرض، اجتمع التواضع والفخامة والبخس والغلاء والطبقات الدنيا والعليا في مساكنة طبعت الحمرا أيام بحبوحته وشانزليزيته. إلى بضعة مسارح استضافت أعمالاً وفنانين ونجوماً محليين وعرباً وأجانب، ومطاعم ومخابز حلويات امتلكها أوروبيون في الشارع الرئيسي وأحيائه الخلفية، انتشرت "شاورما خياط" و"فلافل بكار" وعلب الليل الداكنة وأرتيستاتها وقوّادوها والمارّون على عتباتها متعثري الخطى والعيون الشاردة في البصبصة. يخطر إليَّ أن الحمرا راكم مخزوناً شعبياً أعانه على الاستمرار بعدما حوّل اقتصاد الحرب الأنظار من غرب بيروت إلى الكسليك – جونيه قبل أن يختزل اقتصاد السلم المراكز التجارية ودور السينما والمتاجر والمواعيد بالمول.

كُتب في مديح الحمرا والحنين إليه ما لا يُحصى. بولغ في إطراء حداثته. بدا الثناء طالعاً من الحكم على مظاهر تبرّج بها وزاد من حجمها وجود جاليات أميركية وفرنسية وبريطانية وإيطالية بمدارسها ومعاهدها الثقافية في أرجاء رأس بيروت. في حكم عملي في الصورة، يسهل تزييف الشكل وادعاء أنه نتاج واقعة تاريخية، أسطورية. على سطح مبنى مقابل لعمارة سينما "سارولا"، المقر الحالي لـ"مسرح المدينة"، نُصب عمود معدني منفرج الأطراف عند قاعدته، المرجح أنه برج اتصالات لشبكة خليوية. من زاوية ولقطة محددتَي الحجم، يحتمل أن يكون مجسماً لبرج إيفل. صوّرتُه قبل عشرة أعوام وأعدتُ تصويره في الأسبوع الفائت. أقنعتُ نفسي أنه نسخة مصغرة عن البرج الباريسي. ولد صغيراً وكبر صغيراً كبطل "قارع الطبل" لفولكر شلوندورف أو نجاة الصغيرة، أو الحاجة نجاة. على غراره، كان شارع الحمرا حدِثاً وليس حديثاً، كان الحديث وليس الحديث، حديث الناس وحسب. ولو صُوِّر البرج في سبعينات القرن العشرين لتحوّل طوداً للحداثة في قلب الحمرا وزعماً من مزاعمها وتفصيلاً في منمنمة باريسيّة كست الحمرا. حداثة لا تنوف عن زينة البصر وطلاوة اللسان الراطن في لغات ولهجات ولكنات نزلت على رحب الشارع وسعته. حداثة الحمرا في عقول روّاده من شعراء وكتّاب وفنّانين ومريديهم، وفي حبر قصائدهم ورواياتهم ومقالاتهم ومسرحيّاتهم. أما الوجه الآخر لها، الغالب على المخيلة العامة، فتنازلٌ واهٍ لثقافة العصر، أقدم عليه عقلٌ محافظ يهمّه من الحداثة مسايرتها ومجاملتها، إذا خرجتْ عن طوعه، أقصاها وإذا لامستْ جوهر الحرية قمعها بلا هوادة، يؤازره حرّاس القيم، اليساريون قبل اليمينيين منهم أحياناً. مَنْ منع جوني هاليداي من الغناء في لبنان، زعيم الأحزاب الوطنية والتقدمية، عرّاب برنامج الإصلاح المرحلي لـ"الحركة الوطنية"، الاشتراكي كمال جنبلاط. ومَنْ رمى بثقله وجمهوره من أجل حظر فيلم مناوئ للستالينية في أوروبا الشرقية، الحزب الشيوعي اللبناني. أخفق الحزب وشقّ "الإعتراف" لكوستا غافراس (1970) طريقه إلى سينما "كابيتول" في ساحة رياض الصلح. ومن سخرية المفارقات أن جوني هاليداي صبر حتى تجاوز الستين وتمكّن من الغناء في مهرجانات بعلبك، صيف 2003. نبذه لبنان المنفتح على الغرب ورحّب به لبنان المنغلق على طوائفه. شاخ جوني. اهترأ لبنان. جاءه جوني حاجّاً من حجيج معبد جوبيتر في بعلبك.

سبكاً وسكباً

أكره ما أكره، اجترار "الزمن الجميل" في الصحف ووسائل الإعلام. لازمةٌ رفعها نقّاد سينما قاهريون ترحمّاً على عبد الناصر والقومية العربية ورموزهما الفنية. على حد وعيي بستينات القرن العشرين وسبعيناته، ذاع تعبير "الزمن الرديء". وفي مقابلة أجريتُها مع إحدى رائدات التمثيل في مصر، أسرّت أن عهد فاروق كان أبهى والقاهرة أفسدها فلاحّو عبد الناصر. وذات ندوة عن السينما العربية والهوية القومية، احتدّ السجال ردّاً على قول ناقد مصري إن القومية أضرّت بالعرب مذ حوّلها "البعث" والأحزاب الشبيهة إلى عقيدة. قبل تسيّسها، مورست القومية بالفطرة. سافرت الفرق المسرحية العربية وتجولت بين العراق وسوريا وفلسطين ولبنان من دون فيزا. لم يعن الناقد في الضرورة أن الفن عاش أجمل أيامه في حقب الانتداب الأجنبي والملكيّة. عام 1927، نشر كامل الخلعي مدوّنة أبحاثه ومقالاته في كتاب "تاريخ الموسيقى الشرقي". رثى الموسيقي والملحن والشاعر والأديب المصري الدمنهوري، الإسكندراني المولد، أسلافه ومعاصريه أحمد أبي خليل القباني وسلامة حجازي وعبده الحامولي وسيد درويش، سائلاً الحكومة ماذا فعلت وقدّمت ذوداً عن حياض الفن الأصيل من هبوط الأغنية واختناق مقاهي القاهرة وكباريهاتها بالأصوات النكراء. رغم التهكم والنقد، تواترت لازمة "الزمن الجميل" واستعاد مديح الجمال جرأة الأفلام العربية في الجنس والتعري. أغفل المادحون أن أشد الأفلام جرأة كان أكثرها تعبيراً عن عقلية محافظة تنهى عن الاستهتار بالعرض وتدعو إلى التوبة. في "قطط شارع الحمرا"، حذت مديحة كامل حذو ناهد يسري في "سيّدة الأقمار السوداء"، ألقت نفسها في البحر غسلاً للعار. حفلت الأفلام بالحرية ولم تحتفل بالحرية. تعهّدت الحرية زجراً للحرية.

الحمرا، في المحصلة، صنيعة تجّار محافظين، البعض منهم محدود العلم لا يرضى أن يقتني لنفسه ما يغري به الزبون؛ تجّارٌ في أفضل الأحوال، محافظون جدد. بأموالهم واستثماراتهم أطلقوا شانزليزيه العرب. انطلت عليهم الخدعة وإن أزعج فريقاً منهم وسم الشانزليزيه بالعرب. ذات مرّة، سألتُ وارث شبكة رائدة في العرض السينمائي لماذا يرفض برمجة الأفلام العربية في صالاته. صرّح أنه لا يريد أن يفتح باباً لأفلام تجلب "جمهور البزورات". فعلاً، حمل فيلم سمير الغصيني اسم الحمرا، غير أنه عُرض على شاشتي "متروبول" و"ستاركو" نتيجة اعتذار صالات الحمرا عن عدم استقباله. يوازي تصريح طارد أكلة بزر البطيخ واليقطين من صالاته الكلام، أن سرّ الحمرا في حماية مظهره. الحماية، في منتهاها، سلوك محافظ، متبادل الشأن بين بناة الحمرا وزبائنهم. هوية الشارع مظهره. عام 1977، عرضت "دار كوليزه" الفيلم الفرنسي، "تاكسي بنفسجي"، للمخرج إيف بواسيه. ازدحمت الصالة بالمشاهدين. لمحتُ بينهم، لحظة الخروج، امرأة كلها بنفسج. شعرها، فستانها، جورباها الممدودان سبكاً وسكباً على طول ساقيها. كانت آخر منظر لافت للعين في الحمرا وآخر مظهر دالّ إليه. لم تحل الحرب دون نشوء صالات جديدة. تباعاً، أوصدت أبوابها. تحوّل الشارع معبر سيارات محمّلة جرحى القصف وقتلاه، تزخّ الرصاص فتحاً لمرورها إلى مستشفى الجامعة الأميركية. انطفأت أنوار الحمرا، خلا وهج البنفسج في عيني.

"لديها كلّ شيء"

على طرز الكليشيهات المعرّفة إلى باريس ببرج إيفل ولندن بساعة بيغ بن ونيويورك ببرجَي التجارة، اختار سمير الغصيني مبنى سينما "الحمرا" ولوحتها الإعلانية في "قطط شارع الحمرا"، تعريفاً بالحيّ الصاخب في بيروت. استأجر إميل دبغي موقع الصالة وأدارها عبر شركته الخاصة، "دولار فيلم". كان حريصاً على تفقدها ومراقبة أعمال تنظيفها قبل نزوله إلى مكتبه مبكراً في الصباح. تمسك ببقائها في أصعب فصول الحرب إلى أن سئم منها. ما عاد لديه الحول على زيارتها أو عبور رصيفها. قفلها متأسفاً. انتقل الإيجار إلى "نايكه" للأحذية والملابس الرياضية، واليوم إلى مقهى "كاريبو". الأثر الوحيد المتبقي على وجود السينما، آرمتها العريضة، كأنها شاهد على ضريح طاوله دنس السنين. لا الحرب ولا أزيز رصاصها يبرران أفول صالات السينما. مؤشر انهيارها، وعلى ما حصل قبلاً في ساحة البرج، هجرة النساء لها. "ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين؟"، صدق شيخ المغنين مولانا وحجّنا وحجتنا صالح عبد الحيّ. أينها بنفسجتي المغادرة عتمة السينما وعتباتها بجوربها المُنسّل رفيعاً على كرّ ساقها العالية المتعالية إلى أعلى، إلى الجنّة؟ أخيراً، عثرتُ عليها، كاديلاك جودي هاليداي وبول دوغلاس، نسخة جيدة ومرممة من فيلم فاتتني رؤيته. أسدلت الستائر، أظلمت الغرفة. تشبهاً بعارضي الأفلام في صالات البرج، فككتُ أزرار قميصي، ملأتُ قدحاً من الويسكي وصحناً صغيراً من المكسرات، أشعلتُ سيجارة "لاكي سترايك" وامتزجت سحب الدخان في النور الوحيد المشعّ من شاشتي الكبيرة والعريضة. أدرتُ الفيلم منتقياً الأصفر لوناً للترجمة المبثوثة أسفل الشاشة بما يتلاءم وتقاليد عرض الفيلم بالأسود والأبيض. من الثواني الأولى سحرني الراوي المتخفي في صوت الممثل جورج برنز. تفاعلتُ ونبرته الهازئة من رجال المال والأعمال في وول ستريت. على نمط أدوار سابقة، أشهرها في رعاية المخرج جورج كيوكور في "مولودة الأمس"، أشرقت جودي هاليداي في إدارة ريتشارد كواين، امرأةٌ تواجه رياء من حولها بسذاجتها المفرطة، لورا ممثلة عزباء وفاشلة، أورثها صديق حصة صغيرة من الأسهم في شركة عملاقة، يُعيّن مؤسسها إدوارد (بول دوغلاس) مستشاراً لرئيس الولايات المتحدة في البنتاغون. كي لا يُتهَم بالمحاباة والتوسط لشركته في إبرام صفقات مشاريع حكومية، يبرئ إدوارد ذمته ويتخلى عن جميع حصصه. يخلفه مجلس إدارة، أعضاؤه فاسدون ونصّابون يتلاعبون بالأرباح تاركين الفتات لصغار المساهمين. في واشنطن، ترهق البيروقراطية إدوارد ويستنزفه الكونغرس في جلسات استماع ماراتونية قبل إقرار الموازنة المقترحة لمشاريعه. يتماثل اليوم بالأمس. من يرَ الفيلم تعاوده أمراض المال والفساد والمرافعات المضنية لجون كيري مستجدياً تفويض الكونغرس لمحاربة "داعش". يقول راوي الفيلم إن سند الاقتصاد الأميركي صغار مساهميه وليس كباره. بسذاجتها الأقرب إلى الغباء، ترصّ لورا صغار المساهمين وراءها وتجرّ إدوارد إلى الاستقالة من منصبه والعودة إلى نيويورك لمحاربة لصوص مجلس إدارة شركته. بالتضامن وجمع الكلمة، ينتصر الصغار على الكبار. هوليوود نصيرة الضعفاء. سينما رأسمالية الوجه ويسارية القلب. تفوز لورا بإدوارد زوجاً لها. حسناً ولكن أين الكاديلاك؟ طوال مشاهدته، استغربتُ افتتاح أولى صالات الحمرا بشريط أسود وأبيض في زمن التكنيكولور. الجواب في الدقائق الأخيرة. يتكلل زواج البطلين بتحول الفيلم تدريجاً إلى الألوان كاشفاً سيارة كاديلاك مطليّة بكاملها ذهباً أهداها إدوارد إلى لورا جزاءً وإكراماً. بورك الأحبة. كنت عارض الفيلم ومالك دار العرض والمشاهد الساكت، الصادح، المصفّق، المدخّن، شارب الويسكي، آكل المازة، المتأثر والدامع ضحكاً في الآن عينه. إنه جُماع التوحد. بورك الجُماع.

ليس في سجلاتي أرقام بإيرادات "الكاديلاك الذهب". أدلى إميل دبغي بأحاديث قليلة أكد فيها أن تجاوز شبّاك التذاكر السبعة آلاف ليرة حمّسه لبناء صالة ثانية وفتح الباب لانتشار السينما في الحمرا. بين تدشين صالة إميل دبغي عام 1957 وزوالها البطيء بدءاً من ثمانينات القرن الفائت، يُهَيّأ أن عمر الحمرا كان قصيراً مقارنةً بساحة البرج عندما شبّت نار الحرب واستعرت. اللافت في غزارة ما نُشِر عن الحمرا انحسار الكتابة في المقابل عن ساحة البرج وتحولها إلى الكتابة عن "سوليدير". ربما لأن الحياة في الحمرا استؤنفت بما كانت عليه ولم تُستأنف في ساحة البرج مما تبقى منها بل مما صارت إليه. يُزَيّن إليَّ أن ماضي ساحة البرج وراءها فيما ماضي شارع الحمرا أمامه.

في رواحنا إلى شارع الحمرا وغدواتنا منه اعتدنا على تأنيثه. وحين رُوِّج تدشين سينما "الحمرا" في إعلانات الصحف المحليّة، ورد عنوان فيلم الافتتاح في صيغة المذكّر، "الكاديلاك الذهبي". كأن الحمرا شغل الأرمن وإثنيات تخلو لغاتها من التمييز بين الذكر والأنثى. ما زلت على وفائي لساحة البرج وزعرانها. غير أني أحبّ الحمرا حبّ إدوارد للورا، حبّي للسينما وغادة البنفسج، لامرأة محيّرة أحاول أن أهدي إليها شيئاً ودوماً أتراجع. أهدى إدوارد إلى لورا كاديلاك من ذهب وفي ظنّه أنه أعطاها ما لم يسبقه إليه أحد. وقال الراوي، "ماذا تُعطي امرأة لديها كل شيء؟"

شاهدتُ "قبضة من غضب" مرتين. في الأولى، روّعتُ الحضور. وفي الثانية، ضبطتُ أنفاسي. أهانوا بروس لي. صفعوه. أوجعوه. لم أحرّك ساكناً. تحيّنتُ انتقامه من مذلّيه. يللا يا بروس. وجاءت اللحظة. طار الحاج بروس ضارباً ذات اليمين وذات اليسار كاسراً أعداءه. صرختُ. لا أعرف كيف، وبقدرة قادر، رفعتُ كلماتي من تحت الزنّار إلى ما فوقه بقليل، أخرجتُها في تهذيب صائحاً، "أضرب فشش يا بروس".

وهَبَّت!

النهار اللبنانية في

04.04.2015

 
 

«أنا وديور» فيلم وثائقي يدخل دهاليز الموضة ويكشف المستور

كاميرا تتبع راف سيمونز وهو يصمم أول تشكيلة للدار

لندن: جميلة حلفيشي

في عام 2012 تسلم المصمم البلجيكي الأصل، راف سيمونز، مقاليد دار «ديور» الفرنسية، بعد عام تقريبا من طرد جون غاليانو. كان من أولوياته أن يعيد الثقة إلى 5.200 شخص يعملون في الدار بعد الزلزال الذي خلفه خروج غاليانو بالطريقة التي خرج بها، وأن يجهز، خلال 8 أسابيع فقط، تشكيلة «هوت كوتير» تعزز مكانة «ديور» كواحد من أهم بيوت الأزياء العالمية المتخصصة في هذا المجال من جهة، واستحقاقه للوظيفة من جهة ثانية.

لم تكن المهمة سهلة، لأن راف سيمونز لم يعمل في مجال الـ«هوت كوتير» من قبل. ما زاد من حجم التحدي أن فكرة الفشل لم تكن واردة، لا بالنسبة للدار التي راهنت عليه، ولا بالنسبة له بعد محاولاته المستميتة للحصول على الوظيفة التي كان يحلم بها أي مصمم شاب. وكأن هذه الظروف المحفوفة بالمطبات، والمسؤوليات الملقاة على كتفه، لم تكن كافية، كان مقررا أن يتتبع فريق سينمائي، بإشراف المخرج فريدريك تشانغ، كل خطوة يقوم بها المصمم، ويحولها إلى تاريخ مسجل في فيلم وثائقي بعنوان «ديور وأنا» (Dior and I) صدر في صالات السينما مؤخرا.

العنوان مأخوذ من كتاب نشرته الدار، وحاولت فيه التفريق بين ديور الرجل المؤسس، وديور كدار أزياء تحقق أرباحا تقدر بـ21 مليار جنيه إسترليني، إضافة إلى إنجازاتها في مجال الموضة عموما والـ«هوت كوتير» تحديدا. ففي عام 1949 وبعد عامين فقط من تأسيسها وإطلاقها، أصبحت واحدة من بين أهم المؤسسات الفرنسية، حيث تشكل 75 في المائة من صادرات الموضة و5 في المائة من كل الصادرات الفرنسية.

ما تعرفه الدار جيدا أن نجاحها التجاري لا يتحقق من دون نجاحها الفني والإبداعي. وهنا تكمن أهمية الفيلم في تعزيز صورتها كمؤسسة فرنسية قوية، يحركها بشر لهم عواطف وأحاسيس لا مجرد أشخاص ينصب اهتمامهم على تحقيق الربح بأي ثمن.

من هذا المنطلق يمكن القول إنه من أفلام الموضة التي تستحق المشاهدة، لأنه يشرح الكثير عن كيف يجري العمل في مجال الـ«هوت كوتير» النخبوي، كما يكشف شخصية مصمم خجول إلى حد الانطواء على النفس، وعازف عن الأضواء، وجد نفسه فجأة في بؤرة الضوء. فكل حركة يقوم بها تحت المجهر، بما في ذلك انخراطه في البكاء تحت الضغط قبيل تقديم تشكيلته الأولى. ما يُحسب له أنه لم يمنع تسجيل لحظة الضعف هذه، رغم أنه لم يكن سعيدا بتتبع الكاميرا له، وهو يصمم واحدة من أهم التشكيلات التي سيقدمها في مشواره المهني.

كل من يعرف راف سيمونز استغرب كيف وافق على الأمر من الأساس، لأنه خجول أولا، ولأن مخرج الفيلم في فرنسا له الكلمة الأخيرة في المونتاج وما سيعرضه، الأمر الذي قد لا يخدم صورة أي أحد، عدا أن المخرج فريدريك تشانغ حصل على وعد من الدار بعدم تدخلها في النتيجة النهائية. والجواب أن بذور الفكرة كانت مزروعة قبل اختيار راف سيمونز لوظيفة مصمم فني، وهذا يعني أنه لم يكن له رأي في الأمر. المخرج اعترف بأنه لكي يُقنعه، أو بالأحرى يطمئنه، طلب منه أن يشاهد فيلم «ذي آي هاز تو ترافيل» (The Eye Has to Travel) الذي تناول قصة دايانا فريلاند، وشارك في إخراجه في عام 2011. لحسن الحظ أن سيمونز أعجب به وبطريقة تناوله. في البداية تشعر بالتوتر بين المصمم والمخرج، لكن بعد رحلة قاما بها من باريس إلى أنتويرب، مسقط رأس راف سيمونز، ذاب الجليد بينهما، وتغيرت ديناميكية الفيلم.

التوتر الأولي التقطه المخرج بطريقة شاعرية، كما التقط لحظات الانفعال عندما يدخل المصمم إلى «أتيلييه» الدار ليتعامل لأول مرة مع الخياطات والأيادي الناعمة المسؤولة عن تنفيذ التفاصيل التي تجعل فستانا بمثابة تحفة فنية تقدر بمئات الآلاف من الدولارات. كان المصمم يلقي بتعليماته وهو ينتقل من الفرنسية إلى الإنجليزية في صراع تستشف منه صراعا بين التقاليد التي تمثلها الخياطات، والحداثة التي يتميز بها المصمم، ومن المفترض أن يصب بعضا منها في جينات الدار العريقة. في هذه اللقطات ينتابك الإحساس بأن راف سيمونز ليس البطل الوحيد في الفيلم، فالأنامل الناعمة اللاتي ورثهن عن أسلافه جزء لا يتجزأ من عالم «ديور» والـ«هوت كوتير» على حد سواء. تلمس بإعجاب ولاءهن شبه الأعمى تجاه الاثنين، «ديور» والـ«هوت كوتير». يتعاملن مع كل قطعة وكأنها طفل يجب أن يقدمنه للعالم في أجمل حلة وحالة، في علاقة عاطفية مدهشة، ويتحدثن عن المسيو كريستيان ديور كما لو كان بينهن حيا يُرزق. وهذا ما أثار انتباه المخرج وركز عليه في بداية الفيلم. فقد افتتحه بلقطة أرشيفية للمؤسس كريستيان ديور تشير إلى أن روحه لا تزال تحوم حول الدار ولا تفارقها.

يقول المخرج تشانغ «لا شك أن كل المصممين الذين توالوا على المنصب شعروا في لحظة من اللحظات بأنهم مثل الزوجة الثانية»، ملمحا لفيلم «ريبيكا» الشهير للمخرج ألفريد هيتشكوك، والمقتبس من رواية دافني دي مورييه. وهو فيلم يدور حول زوجة شابة تشعر بأن الزوجة الأولى المتوفاة لا تزال سيدة البيت، لأن كل شيء في جوانبه يذكر بها، كما أن الخدم لا يتوقفون عن الاستشهاد والتذكير بها. طبعا في نهاية الفيلم تنجح في فرض نفسها وسلطتها، وهو ما نجح فيه راف سيمونز بعد عدة مواسم.

ما لا يختلف عليه اثنان أنه من الصعب إنجاز فيلم عن الموضة ينجح على المستويين الجماهيري والفني، لأن موضوع الموضة نفسه إما يثير الكثير من الولاء والحب لدى البعض، أو الكثير من الاستهجان والرفض من قبل البعض الآخر. بالنسبة للشريحة الأولى فهي تفهمها وتقدر فنيتها والساعات الطويلة والمضنية التي تستغرقها قطعة «هوت كوتير»، بينما لا تفهم الشريحة الثانية الاهتمام الذي تثيره أو ما يبرر أسعارها النارية. هذا الفيلم يشرح لهم ما خفي عنهم، وما تثيره الموضة من مشاعر قد تجعل خياطة تبكي تأثرا بجمال قطعة أشرفت على تنفيذها وهي تتابعها على منصة العرض أو مصمما يبكي خوفا أو تأثرا.

وهذا ما يميزه عن أفلام أخرى تناولت الموضة كموضوع مثل «الشيطان يلبس برادا» أو «بريت أبورتيه» للمخرج روبرت ألتمان. فهذه الأفلام تعتمد على بهارات من الإبهار وجرعات من الخيال للزيادة من عنصر من التشويق وشد الأنفاس وتحقيق النجاح التجاري باستقطاب جماهير لا تعرف بالضرورة ما يجري خلف الكواليس لكن تريد أن تُرفه عن نفسها. في المقابل، يدخل فيلم «أنا وديور» ضمن الأفلام الوثائقية.

هل سينجح الفيلم جماهيريا؟ ربما لا، لأنه يتوجه إلى المتخصصين والمهتمين من أوساط الموضة، وكل من يتابعها أو يعشقها. فعندما يقول راف سيمونز في لحظة من اللحظات إنه أنجز «كوتير جديدا» أو مفهوما جديدا لـ«الكوتير» في دار «ديور»، فإنه يتكلم بلغة متخصصة لا يفهمها الشخص العادي، الذي لا يعرف ما هو المفهوم القديم لـ«الكوتير» حتى يفهم الجديد فيه. كما أن المتخصص والمتابع وحده قد يربط بين ما قاله سيمونز وما حققه المؤسس في عام 1947 عندما أطلق تشكيلة جديدة بكل المقاييس أطلقت عليها أوساط الموضة «ذي نيو لوك». لكن ما نجح فيه الفيلم أنه يجيب عن بعض الأسئلة التي كانت تثير الفضول، بكشفه المستور وما كانت تغلفه بيوت الأزياء بالكثير من السرية. فلا أحد لحد الآن يعرف سعر فستان بالتحديد، ولا اسم الزبونة التي اشترته، بل لا أحد يعرف من هن زبونات هذا الجانب أساسا، بحكم أنهن يجلسن في مقاعد بعيدا عن وسائل الإعلام، أو تنظم لهن عروض خاصة بعيدا عن عيون الفضوليين.

كما نجح في تغيير صورة مصمم الأزياء النمطية، من خلال شخصية راف سيمونز وطريقته في العمل، لأنك تخرج وأنت متأكدا أنه ليس كل من يعملون في مجال الموضة طاووسا يحبون الأضواء والاستعراض، وأن منهم من يريد أن يعمل بجد في الظل وبتواضع للإبقاء على هذه الصناعة كفن، وفي الوقت نفسه ضرورة تسويقها لزبونة مقتدرة تشتريها وتلبسها في أرض الواقع. هذه كانت مهمة راف سيمونز، ويبدو أنه حقق المعادلة الصعبة رغم المطبات التي واجهته في البداية.

الشرق الأوسط في

04.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)