كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

فتحي عبد الوهاب: السلطات لم تعد قادرة على ممارسة التضليل

فيلم «عصافير النيل» مسّه بعمق لأنه يقول إن المصري يستطيع منح السعادة رغم ألمه

فاطمة بوغنبور - تطوان ـ «القدس العربي»:

 

زار الفنان المصري فتحي عبدالوهاب المغرب بصفته عضوا في لجنة تحكيم الفيلم الروائي الطويل ضمن فعاليات مهرجان تطوان لسينما البحر الابيض المتوسط إلى جانب الممثلة السينمائية الاسبانية فيرجينيا دي موراتا والناقد السينمائي الإيطالي جيونا نازارو والمخرج المغربي أحمد بولان و المخرج المغربي الفرنسي الذي يترأس اللجنة علي السكاكي، فتحي عبدالوهاب الذي حضر المهرجان من خلال أفلام له شاركت في مسابقات دورات سابقة لقي ترحابا كبيرا من جمهور تطوان الذي حاصره في أبواب سينما أفنيدا لالتقاط الصور معه، على هامش فعاليات المهرجان كانت معه هذه الدردشة حول السينما المتوسطية والمغربية والمصرية وأمور أخرى:

ماذا تعني لك عضوية لجنة تحكيم مهرجان تطوان؟

□ هذه أول مرة أحضر كعضو لجنة تحكيم في المغرب، وهي تجربة مهمة خصوصا وأنها في مهرجان لطالما قدم منافسات قوية، قد لا يكون المهرجان الأكثر شهرة او الأكثر بريق وبروباغندا لكنه قوي باختياره أفلام جيدة ومهمة ومنافسة فنية حقيقية.

هل هناك سينما متوسطية مكتملة الأركان والملامح؟

□ بكل تأكيد يمكننا أن نتحدث عن وجود سينما متوسطية بمقومات مشتركة، بالأمس مثلا شاهدت فيلما إسباني وهو خارج المسابقة شعرت وأنا أشاهد تعابير الوجه بانجذاب لا أجده في الأفلام الانجليزية أو الأمريكية، وهنا لا أتحدث عن التمثيل أو العملية الفنية ولكن شيء له علاقة بالروح لن تحسه إلا إذا كنت تقتسم أنت والاخر المنطقة ذاتها والهواء نفسه.

كيف تجد السينما المغربية؟

□ اطلعت على تجارب قليلة فقط وهذا تقصير مني أعترف، لكني أجدها سينما واعدة جدا. خصوصا من الكلام الذي سمعته من فاعلين ومهتمين بالسينما. سمعت أفكار ومشاريع لو تحققت فعلا للسينما المغربية ستكون أكيد في وضع مختلف. رأيت أيضا افتتاح دور عرض وهو أمر مشجع فنيا.

عدم وصول الدراما والسينما المغربية للجمهور المصري يفسره البعض بانغلاق المصري عن رؤية إنتاجات الآخرين؟

□ قد تكون مسألة الانغلاق صحيحة لكن ماذا عن المسلسلات التركية التي تدبلج باللهجة السورية ولها مشاهدة كبيرة وكانت هناك تجارب كثيرة لمسلسلات مكسيكية ويابانية وكورية مدبلجة بلهجات غير مصرية، لهذا أقول إن الامر ليس انغلاقا.

قد يكون المشكل في اللهجة أتذكر عند مجيئي أول مرة للمغرب وجدت مشكلا كبيرا في اللهجة قبل أن يتحسن الوضع في مرات مقبلة. ووصول الدراما المصرية للجميع سببه بسيط جدا أن السينما المصرية لها من العمر 100 سنة زمن كان كافيا لتتغلغل في كل الوطن العربي.

الى أي حد انعكست التغييرات السياسية في مصر والمنطقة العربية على مخيال المخرج والاتجاهات الفنية في مصر؟

□ في رأيي أن أي انعكاس آنيّ ولحظي في هذه الفترة هو انعكاس سطحي، لأن التجربة لم تكتمل بعد ولم تهضم بعد في عقل ووجدان ولاوعي الفنان المصري حتى يستطيع التعبير عنها بشكل حيادي وواقعي هذا قد يتحقق بعد حوالي 10 سنين، هناك أمور لم نفهمها بعد. لكن التجربة الفنية لما بعد حركة الضباط الأحرار في 1952 يصعب تكرارها بعد ما حصل في 2011، لأن العالم أضحى أكثر انفتاحا وحرية في التعبير.

التاريخ يصنعه المنتصرون. فهل السينما ايضا قد يوجهها المنتصرون؟

□ لا، ولهذا لن يتكرر ما حصل في مصر بعد 1952. أصبحنا قرية صغيرة ولا أحد يستطيع أن يمنع أو يحتكر المعلومة في زمن الأنترنت و»وسائل التواصل الاجتماعي» لا أحد يستطيع ممارسة التضليل الفني والإعلامي، ثم هناك شيء مطمئن لم يعد هناك احتكار بالمعنى «السلطوي» للكلمة للإنتاج أو العرض أو لقنوات العرض، فاليوتوب مثلا هو ملك للجميع بإمكان اي كان أي يمتلك قناة الان على الشبكة العنكبوتية.

في تصريح سابق قلت إنك لست ضد السينما التجارية لماذا؟

□ كل من ينتج فيلما ينتظر أيضا مردودا ماديا يشجعه على المزيد من الإنتاج، لأنها أيضا صناعة وحركية اقتصادية، سأعطي مثلا قد يبدو ساذجا فمصانع الألبسة لا تصنع بالضرورة ما يتوافق مع ذوق صاحبه، وكما هناك جزء فني هناك أيضا العامل التجاري، ثم إن السينما في مصر هي صناعة وجزء من اقتصاد البلاد. وقد علمونا شيئا مع الأسف لأنه ليس حقيقيا وهو أن دخل السينما كان ثاني دخل بعد القطن. لهذا لا يمكننا أن نلغي الجزء الاقتصادي في الحكاية.

ما هي معاييرك الفنية الخاصة لاختيار الأدوار؟

□ يجيـب ضـاحكا: «الفـلوس» ثم يستطرد: يجب أن أصدق الدور كي أقبله لإني إن لم أصدقه فحتما سوف لـن يـصل للمشاـهد مهما بذلت مجهودا فيه، يجب أن أشعر أنه حالة حقيقية وليس تمثيل و»شغل سـينما». إحساسي الأول بالسيناريو هو ما يحدد قراراتي.

ما هو الفيلم الذي لامس أعمق ما فيك؟

□ فيلم «عصافير النيل» لأنه يناقش فكرة تنطبق على كل المجتمعات العربية لكنه يمس جدا المصريين، فالمصري في عز ألمه ووجعه الإنساني يستطيع منح الفرح والسعادة مهما كانت مشاكله، فالضحكة قدر إلهي للمواطن المصري.

ما هي تحضيراتك لرمضان؟

□ لدي مسلسل «الأستاذ بلبل وحرمه» سأستكمل تصويره بعد المهرجان، وأحضر لفيلم سيحمل إسم «خدود الفراولة» لا تزال ترشيحات الأسماء جارية لأجله. وقد نبتدئ فيه رسميا بعد رمضان.

أكاديميون وفنانون يفككون مفهوم التمثيل في الفنون بالدار البيضاء

محمد العناز - الدار البيضاء ـ «القدس العربي»:

نظم مركز الأبحاث الفنية والجمالية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بشراكة مع المكتبة الوسائطية التابعة لمسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء مؤخرا، ندوة «التمثيل في الفنون» بمشاركة نخبة من الباحثين المتخصصين في الدراسات السيميائية والفلسفية والسينمائية والفنية، وبحضور نوعي للباحثين والطلبة والنقاد والإعلاميين. 

وقد ترأس الجلسة الأولى أحمد الصادقي، وكانت المداخلة الأولى لعبد الرحيم جيران، وتمحور موضوعها حول التمثيل في السرد، وقد استهلها بالحديث عن صعوبة تحديد مفهوم التمثيل، وأهميته في مقاربة السرد، ثم تحدث عن مستوياته التي حصرها في الفعل والذات، والعلاقة بينها، وبين الصيرورة. وأشار إلى أن تمثيل هذه المستويات يختلف – على مستوى الاشتغال- وفق مرحلتين سرديتين رئيستين هما: حقبة السرد العتيق، وحقبة السرد الحديث. وحصر تدخله في تناول التمثيل على مستوى الفعل في الحقبة العريقة، وقد بين أن الفعل السردي يخضع في هذه المرحلة للسمت الاجتماعي الذي يسنن الأفعال داخل الجماعة، رابطا بينه وبين الأمر الأخلاقي؛ حيث يضمر الاختيار الشخصي، ويحضر بدلا منه الواجب، بوصفه محضرا على نحو مسبق، ويحدد الأمداء التي بحسبها يتبلور الفعل سرديا، بما يعنيه ذلك من جهوزية، لا يقام على التقويم القبلي، أو التمحيص في ضوء ما هو شخصي- فرداني. كما لمح إلى العلاقة بين الفعل والاستحقاق، وكيف يصاغ الفعل السردي في مصهر النتائج التي هي بمثابة تثمين اجتماعي. وفي أثناء تحديد مظاهر تمثيل الفعل سرديا في السرد العتيق حرص عبد الرحيم جيران على تبيين الفروق الدقيقة في اشتغاله، حسب خصوصية الأجناس السردية من ملحمة وحكاية شعبية وحكايات تكون الجماعات، واختتم المتدخل مداخلته بالإشارة إلى أن تمثيل الفعل السردي لا يكتمل إلا بمقاربة المستويات الأخرى التي أشار إليها في بداية المداخلة. 

وتدخل بعد ذلك عبد اللطيف محفوظ في موضوع «خصوصيات التمثيل في فنون الفرجة»، منطلقا من صعوبة تحديد معنى المفهوم الغربي (La représentation ( وموضحا أن الصعوبة تزداد حين نفكر به مترجما، حيث يتنافس دليلان في الحلول مكانه عربيا، وهما « التمثيل» و»التمثل»، وقد توقف عند معنى كل منهما مجسدا الفوارق الدقيقة بين حديهما، وموضحا أن استعمال أحدهما دون الآخر يجعل المفهوم الغربي يحضر في العربية مؤوَّلا. ثم قدم ستة تعريفات متمايزة، لكنها متقاربة من حيث المدار الدلالي الذي يتمثل في وجود دليل ما يحضر إلى الذهن بوصفه معطى، يتطلب لكي يتجسد أن يمثل بدليل جديد يرسم حدود «التمثل» و»التمثيل» في آن.

وانطلاقا من المتشارك بين التعريفات التي قدمها وضح أنه يتماثل تماما مع تحديدات فلسفة بورس للدليل والتدلال. وخلص بعد تقديمه النظري، إلى توصيف خصوصيات التمثل في فنون الفرجة، موضحا كيف يصبح الأمر معها مضاعفا، خاصة في المسرح، حيث لا بد من التفكير في ما يتمثَّله الكاتب ويمثِّله بنص مكتوب، وفي ما يتمثله المخرج ويمثله بالعرض الذي هو توليفة من الأدلة المنتمية إلى توليفة من الأنساق، وما يتمثله المشخصون ويمثلونه بالكلام والحركات والتماسفات.. وانتهى إلى ضرورة فتح منافذ للبحث حول المفهوم وتحديده، انطلاقا من إدراك يستند إلى خلفية فلسفية. 

أما السعيد لبيب فقد وسم مداخلته بـ»جون فرانسوا ليوتار: ومساءلة العين في الفن الطليعي (ديشان- مونوري- نيومان)، وانطلق فيها من محور الفن في زمن الرأسمال، حيث أن أول البداهات التي يدعونا ليوتار إلى التخلص منها، هي أن الغرب كان متصالحا مع الفنون على خلاف حضارات أخرى. فمفهوم «الفن» تمثل حديث، بحيث أن أول معرض كان في اللوفر في بداية القرن 18، واكبه ظهور جمهور من المشاهدين يتلقى الأعمال الفنية خارج كل طقوس احتفالية – كنسية: بحيث تغير مدلول فكرة الزيارة، فلم نعد نركع أمام أوثان، وإنما نمر أمام لوحات. فبعد أن كانت مؤسسات (البلاط) والمؤسسات الدينية أخضعت فاتورة الزيارة للاحتفال بمجد الملوك والآلهة، تشكلت مهارات فنية وشاعرية وتم العمل على نقلها (بواسطة معلمين وفي أوراش) التي أوكل إليها تحديد الذوق (عند الهواة). فقد تغيرت الأذواق، سواء عند المعلمين أو الهواة، تبعا لتغير المخيال الجماعي. لقد فرض العالم البورجوازي الفن من أجل الفن – بحسب الباحث- كنمط من التمثل عن العالم، متحررا من غائيته القربانية والطقوسية واللاهوتية، التي كان معبرا عنها لآلاف السنين. أن نعرض، هو أن نرى «الواقع» المرئي كموضوع لتملك ممكن: الإنسان والطبيعة. لقد كان ذلك مشروعا ضخما أخذ يتشفع ويعتمد في وجوده أولا بالأفلاطونية الجديدة منذ الكواتروشينتو، ثم من النزعة الفيزيائية الحديثة في القرن 17. فقد كان المعرض يستمد شرعيته من البصريات الهندسية وميكانيكا القوى (المطبقة على الجسد الانساني نفسه)، ضمانا لعقلنة العالم المرئي والتحكم فيه من طرف الفكر.

فكانت النتيجة الحتمية لهذا التمثل، في الأزمنة الحديثة، الاحتفاء بمَلِكِ جديد آت: الإنسان العقلاني».»لكن الطلائعيين استبقوا إفلاس هذه النزعة الإنسانية، من خلال معاصرتهم لأزمة العقل الفيزيائي والرياضي، بعد 30 أو 40 سنة من أزمة الرأسمالية، وحربين عالميتين، وظهور أنظمة شمولية قوضت قيم الانسان البورجوازي، وكذا الأمل (الحديث أيضا) في جعل مشعل هذه القيم في يد الثورة الاشتراكية، وهي القيم التي ستتخذ صورة بارودية مع الستالينية الدموية، في صيغة «نزعة اشتراكية» فرضت على الفنون والآداب، بحيث لن تعرض وتصور هذه الأخيرة سوى «مجتمع مدني» منعدم في الواقع. في حين انصبت مداخلة معزوز عبد العلي حول «مفهوم التمثل في الفن وفي الفلسفة»؛ منطلقا من التمثُّل كمفهوم فلسفي؛ ذلك أن للمفاهيم تاريخا لكنه تاريخ مُحايث وليس مثاليا. في كتابه «الاختلاف والتكرار» يرى دولوز أن التمثل هو ما يحول دون الاختلاف، أو بعبارة أخرى، أن التمثل يرسي دعائم المُتطابق. التمثُّل لعب، دوما، دورا في تاريخ الفلسفة، خاصة في الأنساق الفلسفية الكبرى من حيث العمل على احتواء كل ما يندُّ عن المفهوم، وكل ما يستعصي على الفكر التَّوَّاق إلى الوحدة وإلى التطابق. داخل النسق الهيجلي يُقحَمُ التناقض، ولكن فقط في أفق تركيبه على نحو لا يتركُ أثرا للاختلاف. كل ما هو مُختَلِف ولا متطابق مَقصيٌّ من النظام الفلسفي. لا يحتمل النسق الفلسفي ما يزيد عن الحد وما ينقصُ عنه: أي المختلف. دأبتْ الفلسفة قبل الحديثة على إرساء التطابق مستعينة في ذلك بالتمثُّل. يُستعان بالتمثُّل من طرف العقل من أجل إرساء الهوية أو ما يُفْتَرضُ أنه هوية. يضيف معزوز، السيمولاكر عند أفلاطون، الذي لا هو الشيء ولا نقيضُهُ مثال على الاختلاف أو على المختلِفِ، وهو بسبب عدم انتمائه لا للأصل ولا للنسخة منبوذ ومقصيّ من النسق الأفلاطوني.

لماذا هذا الإقصاء؟ لأن في السيمولاكر ما يستدعي الخوف، وبالتالي التَّوجُّس منه: فهو لا قرار له ولا نظام، فيه تتكثَّف كل أنواع الفوضى، وكل أشكال السديم، وكل ألوان الطيف. 

حسب دولوز لا مبرِّر لإقصاء السيمولاكر سوى المسوغات الأخلاقية. إن قِوَامَ التمثُّل يكمُنُ في هوية الأنا المفكر وهوية المفهوم؛ فالفكر الفلسفي ما قبل الحديث يعتمد على أربعة مبادئ: 1- تطابق المفهوم 2-تعارض المحمول 3- التماثل في الحكم 4- التشابه في الإدراك. والتمثّلُ يرجع إلى مفهوم الهو هو، أو ما يمكن أن نسميه بالذات نفسها أو بالشيء نفسه. إضافة إلى عنصر أساس في التمثل وهو الذاتية: الذات هي المرجع المشرِّع والمؤسِّس. وهي في كلِّ ذلك تُثبتُ ذاتها. الذات تسن المعايير وتضع القواعد. إنها تتسيَّدُ على نفسها وعلى العالم، ووسيلتُها في هذا التَّسيُّد التمثُّلُ، وهي تستدعي كل ما يمثلُ أمامها وتُخضِعُهُ للتمثُّل. هذا كله ليس تنقيصا من إمبريالية الذات ما دامت هي المنطلق في الحداثة الفكرية الفلسفية والفنية. لينتهي الباحث إلى أنه لولا تأسيس استقلالية الذات في بداية العصور الحديثة لما ابتدُعَتْ الفنون ولما حاز المجال الفني والجمالي على شرعية التأسيس. يُرجِعُ هابرماس منطلق الحداثة إلى استقلالية الدوائر التالية: الدائرة الجمالية والدائرة الحقوقية والدائرة السياسية. أما مداخلة الفنان التشكيلي والناقد بنيونس عميروش «التمثيل» ومفارقاته في التشكيل المغربي المعاصر فقد قاربت «الصورة»، باعتبارها، موضوع نقاش متجدد منذ عهد بعيد في العالم العربي الإسلامي، مع تطور المجتمعات والعقليات والرؤى، بينما بقي الحسم في إباحتها بين مؤيد ومعارض لدى الفقهاء وعلماء الدين.

ولعل «الصورة» بالمعنى الذي يهمنا في هذا المقام، تبقى موازية لمسألة «التمثيل»، باعتبار الصورة تمثيلا للواقع المرئي. إذا كانت الصورة ضمن خلفية «التمثيل»، باعتبارها سؤالا استشكاليا في الأدبيات الفقهية الإسلامية، فقد ظلت محصورة بين «التحريم والتحليل» داخل منظومة متجددة يتداخل فيها التراثي والحداثي. أما الجلسة الثانية التي ترأسها عبد العالي معزوز فقد افتتحت بمداخلة نبيل بنعبد الجليل «التمثيل في الموسيقى الكلاسيكية» التي حفرت عميقا في الموسيقى بوصفها فنا من أكثر الفنون استهلاكا في العالم من دون أن يُحصِّنَها ذلك من الابتذال، والحال أنها أكثر الفنون رُقِيًّا. غالبا ما اعتُبِرَتْ الموسيقى فنا تابعا لفنون أخرى، مثل اعتبارها موسيقى تصويرية مُلْحَقَة بالفيلم السينمائي أو بالمسلسل التلفزيوني. والواقعُ هو أنها فن مستقلٌّ بذاته يملك قدرته التعبيرية الذاتية، دونما حاجة إلى كلام أو حوار أو صورة، فقط النَّغم هو المهمّ، وفي هذا السياق يمكنُ التمييز بين الموسيقى الطَّرَبِيَّة والموسيقى العالمة. ويجدُرُ التنبيه إلى أنَّ الشائع عند جمهور المُستمِعِين في عالمنا العربي أن الموسيقى هي أصلا طرب، بينما الموسيقى في الثقافة الغربية فنّ تعبيري. بطبيعة الحال لا يمكنُ مجاراة رأي الموسيقار الروسي الكبير سترافنسكي في رأيه القائل بأن الموسيقى لا تُعبِّرُ عن شيء سوى ذاتها. 

إذن يمكنُ القول إن للموسيقى -مثلما هو الحال في السينما أو في غيرها من الفنون – لغة خاصة بها. ويخلص إلى أنه يمكن تحليل التمثُّل الموسيقي أو التمثُّل في الموسيقى. فمفهوم «التمثُّل» أو «التمثيل» يتجلَّى أكثر ما يتجلَّى في الموسيقى الرومانسية أو الموسيقى في العصر الرومانسي التي يمثِّلُها الموسيقار الألمانيّ العبقري بيتهوفن، حيثُ طوَّع الموسيقى وأخرجها من القوالب الجاهزة للتعبير عن الذات وعن الأنا. وإن شرطُ الذاتية في الفن عامة والموسيقى بصفة خاصة هو التمثُّل. 

وركزت مداخلة المخرج المغربي هشام العسري على التمثيل الاجتماعي متناولا بالتحليل فيلمه: «هُمُ الكِلاَب» الذي حاول أن يرصد لحظة الربيع العربي سنة 2011 وانعكاساتِهِ على المجتمع المغربي مُقْرنا هذه اللحظة بلحظة عسيرة هي الأخرى وهي التي اتَّسَمَتْ باعتقالات 1981، ولكن من دون استعمال تقنية الفلاش باك. ذلك أن السينما تمثِّلُ، بالنسبة له، فنا لتمثيل الواقع الاجتماعي، ولا يكون تمثيل الواقع بنقْلِهِ حرفيا، وإنما بتناوُلهِ بلغة سينمائية مبتكًرًةٍ. كما قال إن السينما بالنسبة إليه ضدّ الخطاب لأنها أولا وأخيراً لغة بصرية تعتمد الرمز والاستعارة.

الفيلم الفرنسي «ثلاثتنا فلنمضِ» لـ جيروم بونيل…

مقاربة حديثة للعلاقة العاطفيّـة الثلاثيّـة

سليم البيك - باريس ـ «القدس العربي»:

مالت السينما الفرنسيّة في عدّة أفلام مؤخراً إلى طرح مسألة الهويّة الجنسية، في انعكاس متوقّع لواحد من هموم المجتمع الفرنسي في السنوات الأخيرة، معكوساً، كما هو في صالات السينما، على صفحات الجرائد والمجلات وفي قاعات المحاكم كما في الساحات العامة. الطرح الأخير هنا كان في فيلم «ثلاثتنا فلنمضِ» للمخرج الفرنسي جيروم بونيل المعني من خلال أفلام سابقة له بالعلاقات بين الجنسيْن عبر مقاربات مختلفة، آخرها كان قبل عاميْن في فيلم «زمن العلاقات» الذي طرح فيه فكرة العلاقة السريعة الطارئة بين رجل وامرأة كهليْن، علاقة تأتي مجانبةً لعلاقة كل منهما بشريك حياة غائب تماماً عن الفيلم.

هنا، في «ثلاثتنا فلنمضِ»، نقف أمام علاقة متعدّدة، علاقة واحدة بثلاثة أطراف، وبالجمع بين الدراما والكوميديا يطرح الفيلم مسألة الهويّة الجنسيّة، من دون أن يعطي المسألة الجنسيّة مكانة أساسية ضمن العلاقة الثلاثية، نحن هنا أساساً أمام علاقة عاطفيّة بين فتاتيْن، هما ميلودي وشارلوت، وشاب هو ميشا، في العشرينيات من أعمارهم. وهذا طرح حديث ليس غريبا عن المجتمع الفرنسي في 2015، مقدّماً العلاقة الثلاثيّة ضمن سياق الأومو/الإيتيرو، لتكون العلاقة المثليّة بين الفتاتيْن حاضرة في الفيلم، بل هي أساسه كونها أشدّ من ميول كل منهما لميشا.

الطرح الحديث هذا ليس جديداً على السينما الفرنسيّة من ناحية العلاقة المتعدّدة، الجديد هو إدخال «المثلية» إليها. ويعيدنا الفيلم إلى أفلام سابقة شكّلت علامات في السينما الفرنسية كفيلم «المرأة هي امرأة» (1961) لجان لوك غودار ويحكي فيه عن علاقة امرأة بزوجها من جهة وبصديقه من جهة ثانية، بشكل تظهر فيه العلاقتان كعلاقة واحدة ثلاثيّة، أكثر مما تبدو كخيانة زوجيّة. في فيلم آخر هو «جول وجيم» (1962) لفرانسوا تروفو ظهرت العلاقة الواحدة ثلاثية الأطراف بشكل أكثر وضوحاً، كونها أساس ما يريد الفيلم طرحه، إنّما في الحالتيْن لسنا أمام علاقة مثليّة بين اثنيْن من الأطراف الثلاثة، ففي فيلم تروفو نحن كذلك أمام علاقة امرأة واحدة بكل من جيم وجول.

في «ثلاثتنا، فلنمضِ» لكل من الفتاتيْن علاقة مع الأخرى ومع ميشا. فيبدأ الفيلم بوصول ميلودي إلى بيت شارلوت وميشا، وهما على علاقة، وقد اشتريا حديثاً البيت قرب مدينة ليل الفرنسية ليؤسسا فيه حياة مشتركة ومستقرة، لكن شارلوت كانت قد بدأت قبل أشهر علاقة مثليّة مع الزائرة ميلودي، فحبيبة الشاب تخونه مع صديقتها، وليست، كما نراها في معظم وقت الفيلم، على توافق تام مع ميشا ولا تبدو متحمّسة للاستمرار معه، لطغيان مشاعرها المثليّة تجاه ميلودي. الشاب ميشا بدوره سيُعجب بميلودي وسيقيم علاقة معها، سيخون هو كذلك حبيبته شارلوت مع صديقتها/حبيبتها. في الوسط وضمن سياق لا يخلو من مفارقات كوميديّة خفيفة، تجد ميلودي نفسها عالقة بين الاثنين، في علاقة منفصلة مع كل منهما، وإن كان واضحاً ميولها للعلاقة المثليّة مع شارلوت، لكنّها هنا ستخون كلاً منهما مع الآخر.

لن يشكّ أحد بشيء، ميشا وحبيبته الأولى شارلوت يملآن حديثَهما مع بعضهما بالكذب ليحصل كل منهما على فرصة لقاء شارلوت، وشارلوت بدورها تحب الاثنين وتحتار بما تفعل ومع من تمضي الوقت. الحل الذي اقترحه المُخرج هنا، وقد شارك في كتابة السيناريو، يتمثّل في علاقة ثلاثية بينهم، وفي لقطة يصل فيها الفيلم إلى حلّ عقدته، تُقبّل ميلودي شارلوت أمام ميشا، فلا يجد أمامه غير مشاركتهما، هنا تحديداً تنفرد العلاقة بين ميشا وحبيبته الأولى شارلوت.

الفيلم لا يقدّم محاكمات، كما لا يقدّم تبريراً للكذب أو الخيانة بين طرفيْ علاقة حب، إنّما يحكي عن الحب كقيمة مطلقة يمكن أن تتخلّل ثلاثة أطراف ولا تنحصر بطرفيْن، هذا تحديداً غريب عن المجتمع الفرنسي كما غيره، إنّما الهويّة المثليّة لكل من الفتاتيْن هي الطرح الذي كثر مؤخراً في السينما الفرنسيّة، كما أشرت سابقاً.

ليس«ثلاثتنا، فلنمضِ» فيلم جوائز، وليس فيلماً تجارياً يتوسّل موضوعاً صار صرعة فرنسيّة لينال ربحاً مقبولاً عبر شبّاك التذاكر. الفيلم من تلك الأفلام الخفيفة التي تختلط فيها الدراما بالكوميديا والتي تطرح بأسلوب أقرب للتلقائيّة ومن دون ادّعاء مقاربة لحلول ما، لمسائلَ أكثر تعقيداً واشتباكاً.

حسن يوسف: طلبت من طلعت زكريا عدم الإشارة إلى رئيس بعينه في فيلم «حارس الرئيس»

محمد عاطف - القاهرة – «القدس العربي»:

يصور حاليا الفنان حسن يوسف بطولة مسلسل « دنيا جديدة « تأليف مصطفي إبراهيم وإخراج عصام شعبان ويشاركه البطولة أحمد بدير ومحمد نجاتي ونورهان وسامي مغاوري وروجينا ونيرمين ماهر وكريم كوجاك.

حول توقف مسلسلي «اضطراب عاطفي» و»حتى تثبت إدانته» قال حسن يوسف: السبب المنتج وتسويق الأعمال والتمويل والمحطات التليفزيونية وحتي الآن لا أعلم شيئا عن المسلسلين منذ العام الماضي .

ويقول النجم: أبحث عن الدور المميز وفي المسلسلين أعجبني ما رشحت له ففي «اضطراب عاطفي» يمثل دور والد إلهام شاهين، «وبيننا عقدة معينة ومهارة في التمثيل».

عن العمل الثاني أمام حسين فهمي والمخرجة رباب حسين يقول: «النص أعجبني وانتظر الإعلان عنه».

أشار يوسف إلى أن النجم الشاب الآن يحب الدور الكبير ليظهر خلاف جيله الذي يبحث عن الدور المليء بالتمثيل بالكيف وليس بالكم وهذا فارق بين الجيلين.

يحرص حسن يوسف على صدارة أسمه التترات لما لديه من تاريخ طويل لا يصح أن يسبقه أحد وحدث ذلك مع النجمة غادة عبد الرازق في «زهرة وأزواجها الخمسة» التي أبدت رغبتها في تصدر أسمه فهو الأكثر خبرة والأكبر عمرا ومن حقه تصدر إسمه للعمل الفني.

حول توقف تصوير مسلسل «جرح عمري» أمام النجمة سهير رمزي قال حسن يوسف: صورنا 11 يوما ثم أوقف المنتج لتعديلات ولم نقبض أي دفعات سوى شيكات وجدناها بلا أرصدة ولا يوجد حساب للمنتج في بنك القاهرة وقال مدير البنك أن المنتج أغلق حسابه قبل عام من التصوير.

أضاف: مر عام وأقمنا قضية وحصلت سهير رمزي علي حكم بخمس سنوات وأنا أخذت عليه حكم ثلاث سنوات وأتضح أنه كان يشارك أحد المنتجين وتركه. أوضح تدخل صديقه للمنتج أسمه «أبو حتة « من الصعيد وأتفق أن نحصل على ما قمنا بتصويره حصلنا على جزء ووقعنا عقدا على أن نحصل على الباقي إذا أكمل المسلسل وتصالحنا رغم علمي أنه لن يكمل المسلسل.

يؤكد يوسف أن سوق العمل تغير الآن عن زمان حيث نرى الآن أبوابا عديدة وراء الإنتاج مثل المحطات الفضائية والموزع وغيرها وزمان كنا نتعامل مع المنتج مباشرة.

حول اعتذاره عن مسلسل « فرق توقيت « قال: اتفقت مع المنتج على مبلغ وبعد أسبوع طلب مني تخفيض الأجر للنصف فاعتذرت له كما أعتذر هو عن الاتفاق.

بالنسبة للسينما وفيلم «حارس الرئيس» قال حسن يوسف: طلعت زكريا يتحدث كثيرا عن الفيلم وكتب سيناريو مبدئي وقال لي أنه سيكتبه مع سيناريست محترف ولم أقرأ السيناريو وكان يبحث عن منتج وتحدث مع السبكي ثم مع كامل أبو علي ولم يتفق.

أوضح أنه طلب من الفنان طلعت زكريا ألا يحدد أسم الرئيس وأن يكون إسما عاما وألا يكون عن رئيس بعينه فأي رئيس له مواقف محددة معروفة وإذا قام بتأليف مواقف يمكن لهذا الرئيس مقاضاة الفيلم أما إذا كان رئيسا في المطلق فيمكن تأليف أحداث في حياته

القدس العربي اللندنية في

03.04.2015

 
 

ندوة سينمائية في “الأسبوع التونسي”

واصل الأسبوع الثقافي التونسي الذي تستضيفه وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، تحت رعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، فعالياته لليوم الرابع أمس الأول، بحضور عدد من المخرجين الإماراتيين الشباب والجمهور المهتم بالسينما .

بدأت السهرة السينمائية بعرض الفيلم الروائي القصير "سلمى" للمخرج محمد عطية والحاصل على العديد من الجوائز

ويروي الفيلم قصة كفاح امرأة من أجل ضمان مستقبلها ومستقبل ابنتها بعد أن توفي زوجها، تبعه ندوة حول تاريخ السينما والثقافة السينمائية بتونس، قدم لها كل من منيرة بن حليمة مديرة الفنون السمعية والبصرية والسينما بوزارة الثقافة التونسية، والمخرج التونسي محمد دمق الذي استعرض تاريخ وتطورات السينما التونسية وطرق دعمها من وزارة الثقافة، ودور الدولة في النهوض بها، كما استعرض أزمة، الإنتاج المشترك الذي يأتي كأحد أسباب بعد السينما التونسية عن الجمهور في الدول العربية، وتماسها مع السينما الفرنسية والإيطالية والألمانية، ثم اختتمت الندوة بفتح باب الأسئلة والاستفسارات للجمهور الحضور، تلاها بعد ذلك عرض الفيلم السينمائي الروائي الطويل "خميس العشية" للمخرج محمد دمق، وهو فيلم كوميدي اجتماعي عن قصة رجل أعمال انتقد زوجة الرئيس السابق بن على فكانت النتيجة، تدبير حادث خطر له، ينجو منه بأعجوبة وتفرض حالته من يعتني به ليتجاوز أزمته الصحية .

ومع تطور أحداث الفيلم تتضح الصورة التي تعكس التفكك النفسي والاجتماعي الذي يعيشه أفراد العائلة .

وأوضح دمق أن عائلة البطل في فيلمه تمثل عينة مصغرة تشمل مختلف مكونات المجتمع التونسي، ففيها رجل الأعمال المفلس، والابن الضال والفنان والوصولي والبنت التي تعاني المشكلات النفسية والاجتماعية، وكذلك العنوسة

ومن خلال هذه العائلة نفتتح نافذة أوسع على مشكلات عديدة يعيشها المجتمع التونسي، بينها قوة السلطة والجري وراء المال، والطمع في الاستحواذ على قدر أكبر منه، ما يتسبب في قتل المشاعر الإنسانية ويحول أفراد الأسرة الواحدة إلى أعداء .

وقال وليد الزعابي مدير إدارة الفنون والتراث بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع إن هذه الأيام الثقافية تعد فرصة حقيقية للتعريف بالمشهد الثقافي التونسي، وفرصة للتواصل بين المثقفين في البلدين وللتعبير عما يجمع بين بلدينا الشقيقين من أواصر المحبة والأخوة، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى من خلال هذه الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية المتنوعة إلى إثراء الساحة الثقافية في الإمارات، وللتعريف بالهوية الثقافية والأدبية والفنية لتونس التي تزخر بالعديد من النماذج المبدعة والمتميزة .

وأكد الزعابي أن مشاركة عدد كبير من المثقفين والفرق الفنية والتراثية التونسية في فعاليات الأسبوع الثقافي، تعمل على تعزيز وتقوية جسور التفاهم والصداقة القائمة بين المثقفين في البلدين، كما تسهم في نقل الثقافة التونسية بتاريخها وتراثها الوافر إلى الجمهور الإماراتي .

الخليج الإماراتية في

03.04.2015

 
 

عرض «السمك في الظلام» 5 مارس الماضي

لاري ديفيد: ثمة آداب للموت لا يمكنك تجاهلها

الوسط - جعفر الجمري

«ثمَّة آداب للموت». تلك بعض كلمات من حوار مُطوَّل في صحيفة «نيويورك تايمز» أجراه جايسون زينومان يوم الأربعاء (18 فبراير/ شباط 2015)، مع الممثل التلفزيوني الكوميدي والكاتب والمنتج الأميركي لاري ديفيد. كلماته تلك كانت. ستسمع قليلين يتحدَّثون بلغة تهكُّمية عميقة تفكِّك مفاهيم، وتفضح قيماً لا ترتبط بالوسط الذي ظل يعمل فيه ديفيد لعقود؛ بل ترتبط بالحياة عموماً.

بعيداً عمَّا دار في المقابلة التي أجراها معه زينومان، لنعد سنوات إلى الوراء، وتحديداً في العام 1994، لنقف على نماذج من تلك التهكُّمية العميقة في إجاباته، في حوار أجري معه ونشر على موقع الممثل الكوميدي الأميركي كيني كارمر. نماذج إجابات تبدو خروجاً على السياق. بعد إجابته على سؤال نصُّه: كيف أثَّر النجاح الكبير لمسلسل «ساينفلد» على حياتك؟ تهكَّم على نفسه ثلاث مرات بتكرار: نجاح كبير، نجاح كبير، نجاح كبير، مُطلقاً ضحكة مجلجلة، ليقول بعدها: «التغيير الوحيد الذي أستطيع أن أراه حقاً هو أنني لست مضطراً إلى ابتياع سراويل من المتجر بعد الآن. يمكنني أن أبادر بالاتصال وستُجلب مباشرة إلى منزلي. هذا أمر ليس قليلاً. محاولة قياس السراويل، هي واحدة من أكثر الأشياء المُهينة التي يمكن لرجل أن يعانيَ منها. بالنسبة إلى المرأة الأمر لا ينطوي على مثل الإهانة».

في حديثه مع «نيويورك تايمز»، تناول اللقاء مسرحيته الكوميدية الجديدة «السمك في الظلام» التي بدأ عرضها في 5 مارس/ آذار 2015. بعث نوعاً من الاطمئنان لدى مُحاوره، بالقول، إنه ليس من آكلي لحوم البشر المَهَرَة. تحدَّث عن الجمهور بصراحة بالغة، ونظرة الجمهور إليه، وموضوعات أخرى تتعلَّق بزملاء المهنة، وطفولته. هنا أهم ما جاء في الحوار:

في غرفة تبديل ملابسه في «مسرح كورت»، بدأ لاري ديفيد تناول عشائه؛ ولكن ليس قبل أن يوحيَ بخفْض سقف التوقعات (بشأن الخروج بمحصِّلة استدراجه إلى حوار لا يتحفَّظ على مساحات منه؛ أو الخروج على السياق الذي عُرف به، من خلال عدد من الالتفاتات، بالقفز على عدد من الأسئلة. سيناور. سيذهب في سيريالية أيضاً، دون أن يرتبط ذلك بسؤال مُحدَّد): «أود أن أحذِّرك، أنا لست من آكلي لحوم البشر المَهَرَة»! يميل إلى الأمام لانتزاع حقيبة بلاستيك بيضاء.

تماماً مثل الشخصية التي لعب دورها في «HBO» و «اكبح حماسك»، يبدو مثار استغراب هوس ديفيد. هو خليط من المزاج القلِق والمتعكِّر، لحظة الدخول معه في تفاصيل الحياة. (باقتفاء الحوارات التي أجريت مع لاري ديفيد، يكون مُنطلقاً في الردود عليها، وأكثر تركيزاً. في هذه المساحة لن تراه خارجاً على النص، أو مُرتجِلاً، كما هو الحال في أعماله التلفزيونية).

تلك هي شخصيته في الكوميديا الجديدة «السمك في الظلام»، في دور ابن عائلة البطريرك؛ حيث هو على فراش الموت. المسرحية مليئة بالقبض على القلق نفسه، تماماً مثل بقية أعماله، لكنها أيضاً لا تخلو من الانصراف عن كل ذلك. إنها المرة الأولى التي يقوم فيها بالتمثيل على خشبة المسرح منذ أن كان في الصف الثامن. (ضمن نشاطه المدرسي الأول).

بعد الموسم الماضي من «اكبح جماحك»، في العام 2011 (كما يقول، قد يكون هناك المزيد من الحلقات في المستقبل)، مَارَسَ ديفيد هوايته في أشكال جديدة، كتابةً وبطولةً في الفيلم التلفزيوني «Clear History». وبحسب نقَّاد ومتابعين لأعمال ديفيد «هو مقارب نوعاً ما لـ (Curb)، وسيعتمد بشكل كبير على الارتجال؛ على رغم أن النجوم المشاركين في الفيلم ليست لديهم خلفية في كوميديا الارتجال».

ومع ذلك، إذا كنت تتوقع أن لاري ديفيد سيكون في مزاج المنتصر بهذه الحوار السريع، الذي تمَّ قبل يومين من العرْض التحضيري المُسبق (يُفتتح العرض في 5 مارس/ آذار الجاري)، فعليك إعادة النظر في انتصاره ذاك، هنا مقتطفات من الحوار السريع:

·        «السمك في الظلام»... تبدو أنها تُمثِّل «خَبْطَة» حتى قبل أن يتم عرْضها. هل هو أمر مهمٌّ بالنسبة لك؟

- لا أعتقد أن ذلك أمراً جيداً. إذا فضح شبَّاك التذاكر نفسه، فإن العملية مُربحة للجانبين. إذا كانت المسرحية جيدة، فذلك أمر عظيم. وإن لم تكن كذلك، فلن يشاهدها أحد، وستعود أدراجك إلى البيت. لذلك أنا لا أنظر إلى الأمر على أنه شيء جيد. انه شيء فظيع.

·        فترة ترعرعك في بروكلين، ما الذي عناه لك مسرح برودواى؟

- لا شيء. لقد كان بمثابة مكان بعيد في حيٍّ آخر، وهذا المكان يُسمَّى مانهاتن. وقتها لم أذهب إلى المسرح. كان لدينا عدد قليل من الألبومات في المنزل. على سبيل المثال، كان لدينا «أوكلاهوما» نديره في الجهاز باستمرار. هنالك أيضاً «ماي فير ليدي» وهو بمثابة مرجع، وله إشارة في العرض المسرحي المقبل.

·        هل ارتاد والداك المسرح؟

- ربما لمرَّة واحدة. أتذكَّر. ذات مرة كانت لدى والدي تذكرة إضافية لمشاهدة عرض «كيف تنجح في الأعمال» وطلب منِّي أن أرافقه لمشاهدته. قلت: «لا، إنني منهمك بلعب الكوتشينة».

·        قلتَ، هذه المسرحية هي بمثابة ردَّة إلى مسرحيات الستينيات من القرن الماضي. ووقتها كانت الكوميديا في ذروتها بالنسبة إلى نيل سيمون في «برودواي»، أليس كذلك؟

- لا أودُّ أن أضع نفسي ضمن تلك الفئة. رأيت «سجين الجادَّة الثانية» في برودواي. كان عملاً طريفاً. لم أحلم يوماً بأنني سأكتب عملاً مثله. (يخرج عن الحوار) هل تحبُّ الطماطم؟ (يعرض شوكة من البلاستيك تحمل قطعة من الطماطم). أليس رائعاً؟ إنه من محل في الشارع الخامس والخمسين! (يبدو أن نيَّة استدراج لاري ديفيد من قبل جايسون زينومان، لم تنجح. يبدو أن لاري هو الذي استدرجه، بإخراجه عن سياق الحديث)!

·        هل هو المكان الذي ترتاده؟

- أنت تجعلني أبدو كفرانك سيناترا في عمله «جيلي». إنه مكان ليس بعيداً عن المسرح.

·        ألا تبدو حلقة المطعم الصيني في «ساينفلد» وقد أُدِّيَت بشكل جيد؟

- وتلك واحدة من الحلقات التي كُرهت أكثر من غيرها. لم تكن «NBC» تريد بثَّها.

·        وهذا هو حضور عرضك الخاص والأول في برودواى. هل تلقَّيت أية نصيحة تتعلَّق بهذا الأمر؟

- الجميع شجَّعني على أن أكون في العمل؛ باستثناء صديق واحد، وهو سيث غرينلاند. قال لي: عليك أن تستمتع بالعمل باعتبارك كاتباً. هل كان عالِماً بالغيب؟

·        «اكبحْ جماحك» كان مُرتجَلاً، بمعنى أنه اعتمد على كوميديا الموقف، ولكن هذه المسرحية ليست كذلك. هو تحدٍ أكبر أن تتم كتابتها أليس كذلك؟

- إنه واحد من الأسباب التي جعلتْني لا أحب التمثيل. لا أحب أن أكون عاجزاً عن ممارسة الإقحام في العمل. لا أحب الانتظار كي يأتيَ دوري في الكلام. عليك أن تنتظر شخصاً آخر كي يُنهي نصَّه في الدور. ولكن لابد لي أن أقول إن عملية البروفة، أثارت الكثير من دهشتي، فيها الكثير من المَرَح. استمتعتُ بها. ولم أكن أتوقع ذلك.

·        هل كان في ذهنك ممثل مُحدَّد حين كتبت هذا العمل؟

- كان يمكن أن يكون أي شخص، لكنه لن يكون أنا. كانت تلك مشكلة. لم يتبادر إلى ذهني شخص بعينه؛ ولو فعلتُ ذلك لبدا طابع الشخصية - ربما - مختلفاً عني. لكن الشخصية بدَت مثلي تماماً، لذلك لم يكن هنالك متسعُ مجال للمنتج سكوت رودين للمضيِّ في العمل وقال لي: «يتعيَّن عليك أن تقوم بالدور».

·        كيف أقنعك لتكون بطلاً في المسرحية؟

- إنه شخص جِدُّ مقنع. ظلَّ يتحدَّث معي بشأن هذا الأمر. وقال: «دعْنا نقُمْ بالقراءة». قلت: «حسناً، سنقوم بقراءتها لنرى شعورنا حيالها. كنت في لوس أنجيليس مع مجموعة من الممثلين. كانت رفقة ممتعة. وروب راينر، شخص مقنع أيضاً، قال لي: «عليك أن تؤدِّي هذه المسرحية!» عندما يصرخ بك روب راينر، لابد أن تُصغيَ إليه.

·        كيف تقارن شخصيتك في المسرحية، مع شخصين مثل نورمان دريكسل، الذي لعبتَ معه الدور في «كبْح» وجورج كوستانزا في مسلسل «ساينفلد»؟

- إنه أكثر معرفة، وأقلَّ تعقُّلاً.

·        هذه المسرحية تدور حول موت رجل. ما هو المضحِك في ذلك؟

- إنه أمر مهم للغاية. الوقار هو الفكاهة. إنه يُغيِّر سلوك الناس. كنت اضطر إلى التحدث بطريقة معيَّنة، والتصرُّف بطريقة معيَّنة أيضاً. أنتَ لستَ أنتَ. لا يمكنك الدخول إلى غرفة حيث توفي قريب لشخص مَّا لتقول بصوتٍ عالٍ... صوت قطيعيٍّ: «أهلاً، كيف تسير الأمور؟» عليك أن تذهب بجِّدية ووقار، وبصوت منخفض لتقول «كيف تسير الأمور؟» عليك أن تتصرَّف على هذا النحو. هنالك آداب. إنها آداب الموت.

·        هنالك خلاف في المسرحية بشأن مدى جودة التأبين. ما الذي يجعل التأبين سيِّئاً؟

- التأبين السيئ هو ذلك الذي لا يُحرِّكك... لا يحِّرك فيك شيئاً على الإطلاق، ومثل ذلك ليس مُضحكاً أو مُؤثِّراً. عليك أن تتأثَّر من خلال تأبين جيِّد.

·        هل فكرتَ يوماً بالكيَّفية التي تريد أن تكون عليها جنازتك؟

- أنا لا أريد أن أكون مُؤثِّراً. دعْهم يروون قصصاً مُضحكة، إذا وُجدَ أي منها.

·        كيف يُمكن مقارنة التحدِّي الناجم عن التأبين مع نَخَب الزفاف؟

- بالنسبة لي، أكره اقتراح نَخَب. لا أستطيع فعل ذلك. أتجمَّد مكاني، لأنني أشعر بأنَّ التوقعات بالنسبة لي ستكون مضحكة حقاً. وأنا أشعر بالاختناق تحت الضغط. أنا لا أرتقي إلى مستوى الحدث.

·        من الشخص الأول الذي كنت تعتقد أنه فكاهي ومسلٍّ حقاً؟

- أحببْتُ «Amos n Andy» عندما كنتُ صبيِّاً. أحببْتُ «أبوت وكوستيلو». كانا من برامجي المفضَّلة.

·        هل كان والداك طريفين؟

- لا. أمِّي كانت طريفة نوعاً ما وعن غير قصد. كانت طريفة بالطريقة نفسها التي ربما كانت عليها جرايسي ألين في طرافتها. تقول أشياء لا تُدرك أنها كانت طريفة، ولكنها مضحكة بطريقة بريئة. والدي كان سعيداً ومحظوظاً، يتمتَّع بسيجَارِهِ، وهو يشاهد «Untouchables». كان رجلاً طيِّباً.

·        متى أدركتَ أنك تملك حسَّ الفكاهة؟

- فترة الجامعة. التقيت بأشخاص جُدد، وحين أريد الذهاب إلى موعد عاطفيٍّ، أقوم بسرْد القصص. نلت ضحك كثيرين على القصص تلك. في المواعيد العاطفية يمكن أن تبرز الكثير من القصص والحكايات الفكاهية تلك.

·        هل خرجتَ في مواعيد غرامية فترة الدراسة الثانوية؟

- مواعيد مثل تلك التي تعنيها؟ لا. لا شيء من ذلك.

·        عندما بدأت مسيرَتك بالظهور على المسرح في نيويورك، كنت مشهوراً بالسير خارج المنصَّة حيث الكواليس، قبل أن تقول نكتة لأنك لم تكُ تحبُّ نظرة الجمهور لك. ما الذي رأيتَه من كل ذلك ولمْ تشعر بحبٍّ تجاهه؟

- المسألة لا تكمن في ما الذي أراه. تكمن في ما أسمعه. الكلام الذي يدور. عدم اهتمام ذلك الجمهور بك. أن يكون بتلك الدرجة من الفظاظة. جمهور لا يضحك حقاً بفعل مادَّة جيدة تُقدَّم إليه. كنتُ مؤمناً بالآتي: إذا كانوا لا يضحكون لما يقوله هذا الرجل، فإنهم لن يضحكوا بفعل الدور الذي أؤدِّيه. لماذا يتوجَّب عليَّ أن أفعل ذلك؟ رؤية الطريقة التي يرمقونني بها من رأسي حتى أخمص قدميَّ. لم أكن أحبُّ النظرة تلك.

يُذكر، أن لاري ديفيد وُلِد في بروكلين بمدينة نيويورك يوم الثاني من يوليو/ تموز 1947 (67 عاماً). ممثل وكاتب وكوميدي ومنتج أميركي. اشتُهر بابتكاره المسلسل الشهير «ساينفلد» والذي مثَّل فيه 34 حلقة، وحصل فيه على جائزتي «إيمي».

من بين أفلامه: «اكبح حماسك» في العام 2000، مسلسل «ساينفلد»، الذي استمر عرْضه في الفترة ما بين 1989و 1998، «Clear History» العام 2013، و«المهرِّجون الثلاثة»، في العام 2012.

الوسط البحرينية في

04.04.2015

 
 

إعادة تمثيل فصول من كتاب "النبي"

بالفيديو: سلمى حايك وليام نيسن أبطال الفيلم المنتظر لجبران خليل جبران

24 - محمد هاشم عبد السلام

أنجز المخرج الأمريكي المعروف روجر أليس آخر أفلامه مقتبساً عن أحد أهم كتب التراث الإنساني المعاصر، "النبي" لكاتب اللبناني جبران خليل جبران، الذي حقق أرقاماً كبيرة في مجال المبيعات والترجمة على مستوى العالم منذ صدوره.

واختار الكاتب والمخرج الشهير روجر أليس، صاحب الجميلة والوحش والأسد الملك وعلاء الدين وغيرها، أن يخرج فيلمه إلى النور في نوع الرسوم المتحركة، وليس السينما الروائية، في حين أن الفيلم يمتد عرضه لساعة ونصف الساعة تقريباً، واختار المخرج فصولاً بعينها من كتاب "النبي"، وليس الكتاب بأكمله.

واشترك في إخراج مقاطع الفيلم تسعة مخرجين إلى جانب أليس، من أبرز العاملين في سينما الرسوم المتحركة من مختلف بقاع الأرض، ومن بينهم الكاتب والمنتج والمخرج الإماراتي الشاب محمد سعيد حارب، إلى جانب مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكتاب المعاونين في صياغة القصص والحوار وأيضاً الموسيقة التصويرية.

كما جمع الفيلم الكثير من نجوم التمثيل من أنحاء العالم، لتأدية الشخصيات بأصواتهم المميزة، وعلى رأسهم الممثل ليام نيسن في دور "مصطفى"، وسلمى حايك في دور "كاميلا" التي شاركت أيضاً في إنتاج الفيلم إلى جانب الإنتاج القطري واللبناني والكندي والأمريكي الذي عرض لأول مرة في مهرجان "كان" العام الماضي.

وقالت حايك "هذا الفيلم من أهم المشاريع التي أنجزتها على الإطلاق على المستوى الشخصي وأنا فخورة به لأقصى درجة". 

ومن المقرر أن تبدأ عروضه الأوروبية والأمريكية خلال شهر يوليو (تموز) الآتي، بعد أن عرض بأكثر من مهرجان أوروبي، ونشر مؤخراً أول فيديو دعائي له على اليوتيوب.

بمناسبة مرور مئة عام على مولده

فرانك سيناترا يظهر في فيلم وثائقي جديد

24 - محمد هاشم عبد السلام

انتهى المخرج الأمريكي الكبير أليكس جبني من أحدث أفلامه التسجيلية، وهو بعنوان "سيناترا: كل شيء أو لا شيء"، والذي يتناول فيه قصة حياة أسطورة الغناء الراحل فرانك سيناترا، وذلك بمناسبة مرور مئة عام على مولد سيناترا في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) القادم.

بعد شهر تقريباً من بدء عروض آخر أفلامه التسجيلية، "ستيف جوبز: الرجل في الماكينة" عن قصة حياة ستيف جوبز، فاجأنا المخرج التسجيلي المتميز أليس جبني، صاحب الأوسكار عام 2007 عن "تاكسي إلى الجانب المظلم"، بانتهائه من فيلم تسجيلي طويل، يمتد زمن عرضه لأكثر من أربع ساعات، عن حياة النجم الراحل فرانك سيناترا.

يعتمد الفيلم بشكل أساسي على كم هائل من المواد التسجيلية والأرشيفية والصور الفوتوغرافية عن سيناترا، وكذلك العديد من المقابلات التي سجلت معه قبل وفاته، والكثير منها لم يتم عرضه من قبل، إلى جانب الاستعانة بلقطات هائلة من كليباته وحفلاته الغناية، خاصة الحفل الأخير له، قبل أربعة عقود تقريباً، حفل اعتزال سيناترا في الثالث عشر من يونيو (حزيران) عام 1971.

وقرر المخرج أليس جبني أن ينقسم فيلمه الطويل إلى جزأين، مدة كل منها ساعتين تقريباً، يتناول الجزء الأول سيناترا الشاب في عنفوانه وأغانيه التي صنعت شهرته وجعلته نجماً محبوباً لدى الجماهير العريضة من الشباب. والجزء الثاني من الفيلم يتناول سيناترا في مرحلة مبكرة ومتأخرة من حياته بعدما أصبح أيقونة عالمية بحق، حيث النضج والاكتمال واختلاف نوعية ما يقدمه من أغاني وأغنيات، والشرائح العمرية التي يتوجه إليها بفنه.

موقع (24) الإماراتي في

04.04.2015

 
 

(إيفرلي)… فلتحيا السينما المجنونة!

محمد حمدي – التقرير

بداية وقبل كل شيء، يجب أن نلفت نظركم لعدم جواز مشاهدة هذا الفيلم لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر، كما أن المشاهدين ذوي الإحساس المرهف قد يجدون في بعض المشاهد ألمًا نفسيًا حادًا؛ لذا وجب التنويه.

فيلم (إيفرلي Everly) ينتمي لنوعية خاصة من الأفلام، هذه التي تُدخلك مباشرة لقلب الحدث من المنتصف، تلقيك غريقًا في بحر الحدث بلا قارب نجاة، فلا يسعك سوى المتابعة أملًا في الوصول لبر نجاة في وسط أحداث لا تعرف الرحمة.

لهذه الأفلام نقاط قوة وضعف، فهي عادة لا تحظى بإعجاب النقاد، أيضًا لا تلقى إعجاب السواد الأعظم من الجمهور، لكنّ محبي الجنون السينمائي سيعرفون طريق الفيلم جيدًا، وسيحتفظون بصورة جديدة ومختلفة للجميلة (سلمى حايك Salma Hayek) التي استطاعت أداء مشاهد الحركة على الرغم من اقترابها من سن الخمسين عامًا.

يبدأ الفيلم بمشاهد صادمة لـ(إيفرلي) في حمام أحد المنازل، لا نعرف شيئًا عنها سوى تعرضها لتعذيب شديد، واقترابها بشدة من الموت مع جرح غائر ومجموعة من القتلة عديمي الرحمة ينتظرونها بالخارج. موقف لا تحسد عليه، وتنخفض فرص نجاتها من هذا الموقف لما يقترب من الصفر، لكنّ مشهدًا آخر لتبادل إطلاق نار عنيف في الشقة المنكوبة بسلاح حصلت عليه (إيفرلي) يبدأ في إعطائها فرصة جديدة للبقاء، وفرصة جديدة لنا للفهم.

نبدأ في فهم محيط الأحداث الخاصة بـ(إيفرلي)، هناك طفلة صغيرة تدعى (مايسي)، وهي ابنة (إيفرلي)، وهي قادمة مع جدتها للمبنى الذي حوصرت فيه (إيفرلي) منذ قليل، هنا نبدأ في (التورط) حرفيًا في المأساة التي ستخسر أمها وابنتها -وحياتها بالتأكيد- مع سعي مجموعة من القتلة المحترفين للنيل منها لخدمة زعيم مافيا يابانية مجهول يدعى (تايكو).

ورطة غريبة هي تلك التي يسحبنا لها المخرج (جوي لينش Joe Lynch) مع تمسكه بتصوير الفيلم في مكان واحد هو شقة (إيفرلي) الواقعة في مبنى سيئ السمعة مُوزع به مجموعة من كاميرات المراقبة، مع قوات شرطة متواطئة مع زعيم المافيا، وبيئة عدائية للحد الأقصى.

يعتبر الفيلم الأفضل والأقوى في مسيرة المخرج (لينش)، والذي لا تبشر باقى أعماله كمخرج بالكثير، لكنه متخصص في كتم أنفاس المشاهدين من خلال مشاهد الحركة المليئة بالدماء والأطراف المبتورة، ويمكن اعتباره تلميذًا نجيبًا لعبقري السينما الدموية (كوانتن ترانتينو) المتخصص هو الآخر في أفلام الخيال الشعبي التي لا تحظى باهتمام النقاد وإن كانت تترك علامة مؤثرة في أذهان مشاهديها.

يُحسب أيضًا للمخرج قدرته على توظيف رغبته في صناعة فيلم منخفض الميزانية (Low Budget Movie) من خلال تصوير الفيلم بالكامل تقريبًا في ديكور الشقة التي تُسجن فيها (إيفرلي)، مع قدرته على جذب انتباه المشاهد من المشهد الأول للنهاية على الرغم من ذلك، وهي حيلة إنتاجية إخراجية لا يقدر عليها سوى مخرج متمكن من أدواته، وشاهدنا العديد من الأفلام التي تم تصويرها -تقريبًا- في ديكور واحد مثل فيلم (Buried 2010) أو (Open Water 2003) .

تبدأ موجات من الأعداء بمهاجمة (إيفرلي) لمحاولة النيل منها، فرادى وجماعات، بداية من فتيات الليل الساعيات للمال بأي شكل، وانتهاء بسفاح سادي يستمتع بتعذيب ضحاياه بالحمض الحارق، مرورًا بمجموعات من مقاتلي النينجا المتأنقين في الأزياء الرسمية، وباقي الخلطة السينمائية المجنونة التي يعشقها محبوها وينتظرون إنتاجاتها أولًا بأول.

ولأننا نتحدث عن أحد أفلام (جوي لينش)، فلابد من وجود مخلوقات (الزومبي) في أحد أركان الأحداث، حيث قادنا بحث قصير على موقع (يوتيوب) لملفات الفيديو لفيلم قصير بعنوان (العطش) أخرجه (لينش)، يحكي عن رجل يتعرض للعديد من المواقف الدموية على الطريق السريع، عندما يرتكب خطيئة -من وجهه نظر لينش- وهي البحث عن مشروب مرطب في ظل حر الصيف!

ونجد في الاهتمام بأفلام الزومبي لمحة أخرى من التشابه بين (لينش) و(كوانتن ترانتينو)؛ حيث قدم الأخير العديد من المعالجات لأفلامه -التي يحرص على تأليفها وكتابة السيناريو الخاص بها أيضًا- التي كانت تحتوي على مخلوقات الزومبي المرعبة مثل فيلم Grindhouse الذي قسمه ترانتينو لفيلمين قصيرين، تناول أحدهما قصة هجوم مجموعة من الزومبي على بعض الآمنين.

نعود لـ Everly، يُحسب لسلمى حايك رغبتها في تقديم نوعيات جديدة من الأعمال السينمائية، وعدم حصر نفسها في أدوار الإغراء التي تهبط بأبطالها للحضيض وإن جلبت عليهم الشهرة والمال بشكل مؤقت وسريع. يُحسب لها أيضًا قدرتها على تجسيد مشاهد الحركة وإطلاق النار، وقدرتها على تجسيد التحول الدرامي في الشخصية من سيده تسعى للنجاة بأي ثمن لامرأة راغبة في الانتقام وقادرة على رد الصاع صاعين.

يتشابه دورها هاهنا مع فيلم آخر تذكرناه للتو مع نهاية أحداث الفيلم، وهو فيلم Desperado الذي شاركها بطولته الوسيم (أنطونيو بانديراس Antonio Banderas)، والذي ينتمي هو الآخر لنفس النوعية من الأفلام الدموية المجنونة منخفضة الميزانية، مع ظهور نادر ومتألق للمخرج (كوانتن ترانتينو) في دور رجل الحانة المجنون الذي يتلقى رصاصة في الرأس مع بداية الأحداث.

تميز الممثل الياباني الأصل (آكي كوتابي) بدور متميز من خلال رجل مشرف على الموت يحاول مساعده (إيفرلي) ببعض النصائح الأخيرة، وعلى الرغم من أدائه لمعظم دوره مستلقيًا على أريكة مشرفًا على الموت؛ إلا أن دوره كان مهمًا وحاسمًا، وقدم العديد من الحلول الذكية للسيناريو التي يحاول أن يبعد بها الملل عن المشاهد بأي طريقة.

تميزت الديكورات الخاصة بالفيلم بالبساطه، وقدرتها على نقل الجو العام الخانق للأحداث، وعلى الرغم من الأحداث التي تمر في مكان واحد؛ إلا أن التنويع في ترتيب قطع الأثاث، واستغلال بعض الحيل في السيناريو لإعادة تجديد المكان (مثل قيام إيفرلي بالتنظيف وإخفاء الجثث)، أعطى للمخرج القدرة على إعادة استغلال قطع الديكور من جديد، مع اهتمام شديد بتتابع الأحداث بشكل لا يخل بالتحديثات التي تفرضها الأحداث على السيناريو.

على العكس من الديكورات، تأتي الموسيقى التصويرية بتوظيف أقل قوة من الديكور، وإن كان متميزًا فيما يتعلق بهذه النوعية من الأفلام، وشاهدنا بعض المشاهد التي لعبت فيها المؤثرات الصوتية والخدع دورًا كبيرًا، مثل مشهد إطلاق النار في المصعد أو مشهد التخلص من الكلب الشرس من خلال قنبلة يدوية، مع إفراط في استخدام جالونات الدماء كسمة أساسية في هذه النوعية من الأفلام.

إعلان الفيلم https://www.youtube.com/watch?v=jCWXWgg5H9g - الفيلم على IMDB

التقرير الإلكترونية في

04.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)