كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

'أرواد' فيلم يبحث في مشقة عن لوعة الانتماء

العرب/ أمير العمري

 

العمل السينمائي يروي قصة مهاجر سوري تقتله حيوية الماضي، وسط صراع حضارتين يتلخص في بطل تراجيدي.

يخوض المخرج السوري الأصل سامر نجاري، وزوجته الكندية دومنيك شيلا مغامرة سينمائية شيقة في فيلمهما الروائي الطويل الأول “أرواد”. الرؤية الأساسية في الفيلم لا شك أنها تعود إلى نجاري نفسه، الذي هاجر إلى مونتريال قبل عشرين عاما، فهي ترتبط بفكرة الحنين إلى الوطن الأصلي بعد سنوات طويلة عاشها بطل الفيلم في الغربة.

الشخصية الرئيسية في فيلم “أرواد” للزوجين السوري سامر نجاري، والكندية دومنيك شيلا، هي شخصية علي السوري الذي يهجر زوجته الكندية وطفلتيه منها عقب وفاة أمه، ويعود إلى جزيرة أرواد الواقعة قبالة الساحل السوري، حيث ولد ونشأ، لكي يبحث عن أصوله وانتمائه.

يتأمل في ماضيه وحاضره، يعلن أمام الطبيعة والبحر غضبه ورفضه لحياته والتمرد على انصياعه لرغبته في العيش المستكين، يريد أن يستردّ ما كان من طفولة زائلة، تصحبه عشيقته الحسناء ماري التي تبدو شديدة الرقة والعذوبة في تعاملها معه، في حين يميل هو إلى مشاغبتها بل ويستفزها بوضوح، يريد أيضا أن يفلت من قيدها بل ومن كل القيود.

هناك الكثير من المشاهد التي تجمع بين علي وأمه التي كانت -قبل وفاتها- تعيش معه في منزله بمونتريال، وكانت تروي له الكثير من القصص عن الماضي، عن طفولته وبالتالي أصبح من الطبيعي أن تسيطر هذه القصص وتصبح هاجسا يتملك علي ويدفعه دفعا إلى الماضي.

إن علي العائد إلى الوطن، لا يعود قادرا على فهم طبيعة الحياة في أرواد، ولا إيقاع العيش رغم أن لا شيء تغير فيها ولا شيء يتغير عبر السنين، لقد أصبح عاجزا عن مواصلة الانتماء إلى كلا الضفتين، هنا أو في مونتريال رغم أنه يمتلك هناك، في المهجر، مطعما ناجحا.

وفي أرواد هو لم يعد يرى سوى المناظر السياحية، بل ويبدأ في التعامل معها مثل سائح، فيشتري بعض الملابس التقليدية المنقوشــة لابنتيه، ويطلب من صبي يعمل في إحــدى الحــانات أن يصوره مع حبيبــته.

علي العائد إلى الوطن، لا يعود قادرا على فهم طبيعة الحياة في أرواد، ولا إيقاع العيش رغم أن لا شيء تغير فيها ولا شيء يتغير

وفي المقابل تأتيه تلك “النداهة” الغامضة الكامنة في البحر، التي تناديه وتغويه أن يمنحها ما لا يملك؛ حيوية وقوة الماضي، فيكون مصيره التراجيدي الغرق، بينما تقف ماري ترقبه في فزع على الشاطئ بعد أن رفضت أن تتبعه في تلك المغامرة الحمقاء.

عودة إلى الماضي

بعد أن يصل الفيلم إلى تلك النقطة المفاجئة، يرتدّ إلى الماضي، إلى حياة علي مع زوجته التي كان يتعين عليها أن تأتي من مونتريال إلى أرواد للتعرف على جثته واستلامها، فلم يعد لديه أحد في أرواد بعد وفاة والدته.

الزوجة تبدو شديدة الحزن فقد أحبته وارتبطت معه بذكريات جميلة وأنجبت منه ابنتيها، لكنه أراد دائما أن يفلت من القيد، أن يعود إلى أصوله، طارحا التساؤلات حول وجوده في المهجر، حول الابنتين اللتين لا تعرفان من لغته الأصلية شيئا، ما هذا المصير، ما تلك الغربة المؤلمة، وهل هي قدر، أم قرار؟

علي المعذب بالتساؤلات، لا يسعد مع زوجته غابرييل، ليس لأنها امرأة سيئة بل لأنها تحديدا امرأة جيدة، تمنحه الحب والحنان والاستقرار في حين يبحث هو عن شيء آخر، عن المغامرة، عن جنون وطيش الصبا، عن العودة إلى ثقافته للتفتيش في ذاكرته، في حين أن اللغة تظل حاجزا بينه وبين غابرييل، رغم إجادته لها. فالأزمة ليست أزمة تخاطب بل أزمة انتماء.

هذا فيلم مصنوع برقة وشاعرية كبيرتين، لا ينحرف أبدا عن مساره، مكتوب بدقة وبراعة بحيث يوزع اهتمامه بالتساوي على الشخصيات الرئيسية الثلاث: علي وماري وغابرييل، دون أن يغفل الطفلتين.

ونحن نرى الأحداث في البداية من وجهة نظر علي، ثم من وجهة نظر ماري، ثم نتوقف طويلا أمام غابرييل التي تنهار حياتها عقب مصرع علي، وفي واحد من أفضل مشاهد الفيلم (نعود في فلاش باك أي عودة للوراء في الزمن)، لكي نشهد حفلا في حديقة منزل علي للأصدقاء، حينما تحضر ماري وتتطلع إليها غابرييل في فضول وقلق.

فهي لا تعرفها ولا تفهم لماذا جاءت إلى الحفل؟ ولماذا تبدي أمام الجميع إعجابها بشخصية علي بل وتثني عليه أمام غابرييل؟ أما علي نفسه فهو غارق في ضجيج الرقص وخنقة الشراب، يريد أن يندمج، أن يوهم نفسه بالسعادة، لكنه من طرف خفي، يخطط لشيء ما.

الممثلة الكندية فاني ماليت، تفوقت في أداء دور العشيقة ماري، وهو دور غير تقليدي فهي ليست المرأة الشريرة

وفي المشهد الأخير تتواجه المرأتان: الزوجة التي أصبحت أرملة، والعشيقة التي كانت الشاهدة الوحيدة على تلك الميتة العبثية. نظرات الشك والتشكك ليس من الممكن إخفاؤها لدى غابرييل، وبوضوح نلمح على وجه ماري سمات الإحساس بالذنب، فالموقف صعب، بل وقاس. والمخرجان في فيلمهما الأول يتمكنان من السيطرة على المشاعر وعلى أداء الممثلين على نحو مدهش يدعو للإعجاب.

هناك سحر ما يسيطر على مشاهد هذا الفيلم البسيط، ولكنه محمل بعشرات التساؤلات والمشاعر. أماكن التصوير اختيرت بعناية في كل من مونتريال وتونس، حيث تعذر التصوير في جزيرة أرواد السورية بسبب الأوضاع المضطربة في سوريا عموما.

تساؤلات ومشاعر

رغم الابتعاد المتعمد عن السياسة والأحداث السياسية الساخنة، إلاّ أننا نرى في الفيلم شخصية شاب يعمل ساقيا في حانة بأرواد، يبدي تبرمه ورفضه للعيش في تلك الجزيرة رغم جمالها الخلاب، يناقشه علي ويحاول أن يفهم منه لماذا يريد أن يغادر ويهاجر للخارج؟ فيقول له الشاب إن كل شيء هنا “معطل”، ولا معنى له.

تجريد موضوع فيلم "أرواد" أفاد الفكرة الرئيسية التي تدور حول العذاب الشخصي للمهاجر الذي غادر ثقافته، وتصور ذات يوم أنه استطاع أن يتخلص من ماضيه وأن يتجرد من ذكرياته السابقة.

وفي المقابل يكتشف بعد أن يحقق كل ما يمكن أن يحلم به أي مهاجر في الغربة، أن هناك شيئا ما ينقصه؛ شيء يرتبط بطفولته وبالثقافة التي جاء منها.

من أفضل ما يمكن أن نشاهد من أداء تمثيلي هنا أداء الممثلة جولي ماكليمنز في دور غابرييل الزوجة المعذبة، التي لا يمكنها أن تفهم لماذا يمكن أن يتخلى رجل يملك كل شيء، عن حياته كلها وينتهي تلك النهاية العبثية.

وقد نجحت في التعبير بقسمات الوجه واليدين ونظرات العينين ببراعة وتمكّن، خصوصا في اللقطات القريبة (كلوز أب).

كما يحسب للمخرج نجاري، اكتشافه المثير للممثل رمزي شقير الذي قام بالدور الرئيسي، دور علي بحيويتـه وطفولته ونزعاته الغريبة.

وقد تفوقت أيضا الممثلة الكندية فاني ماليت، في أداء دور العشيقة ماري، وهو دور غير تقليدي فهي ليست المرأة الشريرة، بل على العكس، هي أيضا امرأة محبة، تشعر بالحبيب، تريد أن تسعده لكنها تواجهه بما يدور في نفسه كما لو كانت مرآة لضميره، ومن هنا تساعد في تفاقم معاناته.

'الوهراني' الجزائري يختتم مهرجان تطوان المغربي

فيلم 'الجزيرة الدنيا' يفتتح عروض المهرجان، وهو فيلم يدور حول رحلة للبحث عن اختفاء مراهقتين، وتعود أحداثه إلى أوائل الثمانينات.

العرب/ تطوان (المغرب) - يسدل الستار غدا السبت 4 أبريل الجاري على فعاليات الدورة الحادية والعشرين من مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط بالمغرب، الذي انطلق في الثامن والعشرين من مارس الماضي.

وتختتم عروض الدورة بالفيلم الجزائري “الوهراني” للمخرج إلياس سالم الحائز على جائزة أفضل مخرج عربي في الدورة الأخيرة لمهرجان أبوظبي السينمائي، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان السينما المتوسطية ببروكسل.

وقد افتتح فيلم “الجزيرة الدنيا” للمخرج الأسباني ألبيرتو رودريغث عروض المهرجان، وهو فيلم يدور حول رحلة للبحث عن اختفاء مراهقتين، وتعود أحداثه إلى أوائل ثمانينات القرن الماضي حين كانت إسبانيا تجتاز فترة انتقال ديمقراطي بعد وفاة زعيمها فرانكو، حيث بدأت ترسي مبادئ المصالحة مع نفسها وطي صفحة الماضي.

كما عرض ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة الفيلم التركي “سيفاس″ للمخرج كان موغديسي، وتدور أحداثه حول إحدى القرى النائية في تركيا، المهمشة والمعزولة، حيث الفراغ وغياب جميع الوسائل الثقافية والترفيهية، فالقرية توجد فيها مدرسة بها قسم وحيد، ويعدّ الفضاء الوحيد الذي يعبر فيه التلاميذ عن مواهبهم؛ ذات يوم يقترح عليهم المعلم إعداد مسرحية اقتباسا عن قصة “الأميرة والأقزام السبعة”.

وفي الأثناء يرفض أحد الأطفال، وكان يحب صديقته بالصف، المشاركة كقزم، إذ يطمح للعب دور الأمير حتى يكون قريبا من “حبيبته”، وبعد أن باءت محاولته بالفشل لإقناع معلمه، يقاطع الدراسة ليتابع معارك الكلاب التي يشرف عليها كهول القرية، ويتبنى أحد الكلاب بعدما انهزم في معركة، تخلى إثرها عنه صاحبه.

يرتبط الطفل بعلاقة صداقة مع الكلب ويعالجه، ثم يدخل من جديد في معركة ينتصر فيها الكلب كإعادة الاعتبار لنفسه بفضل الطفل وباقي أفراد القرية.

العرب اللندنية في

03.04.2015

 
 

أيقونة حضارية مجبولة بالخيبات المتلاحقة

أمستردام – محمد موسى

تأخرت كثيراً إطلالة الكاتبة والناشطة المصرية المعروفة نوال السعداوي عبر السينما التسجيلية. وكأن النوع السينمائي الذي يُوثق الواقع والمهموم بالحقيقة والشغوف بالشخصيات المُثيرة والمشاكسة، ضل طريقه إليها أو يقف مرتبكاً وعاجزاً عن إيجاد المدخل والمُقاربة المناسبين لتقديم هذه الأيقونة الجدليّة. هذا ما تبدى من فيلم «الصوت الحرّ لمصر – نوال السعداوي» للمخرجة الألمانية كونستانسه بوركارد، والذي عرض قبل أيام قليلة في مدينة لاهاي الهولندية ضمن مهرجان «Movies that Matter» السينمائي. ذلك أن الفيلم يكشف ضمنياً لَبس صعوبة تناول الكاتبة سينمائياً اليوم فقط، بل كذلك فداحة ما تغيّر في العقود الثلاثة الأخيرة في مصر وفي الشرق العربي كله، لينقلب الاحتفال الذي كان الفيلم أعده للسعداوي، إلى تأبين جديد لزمنها ومُثلها والأهداف الذي خاضت من أجلها معارك شرسة طويلة، انتهت مُعظمها بالخسارات.

عودة إلى البدايات

اختارت المُخرجة أن تعود مع نوال السعداوي إلى البدايات والجذور. حيث تحمل هذه المقاربة التي تبدو تقليدية فهماً لواقع وسيرة الكاتبة، كما تشكل أحد مداخل الاستدلال على الظروف التي أسست لشخصيتها المتمردة والحادة. فالفيلم سيعود معها إلى قرية «كفر طحلة»، حيث ولدت عام 1930. وهو المكان ذاته الذي عادت للعمل فيه كطبيبة بعدما أنهت دراستها في القاهرة بعد عامين من ثورة يوليو عام 1952. وستكون تلك القرية، مسرح أحداث حياة الكاتبة الأول، إذ فيها تعرفت على المظالم الأولى وتذوقتها كفتاة في مجتمع ذكوري رجعي، ومنها ستنطلق ثورتها النسوية التي، رغم مرور أكثر من نصف قرن على بداياتها الأولى، ما زالت مُتفردة وليس لها خليفات بالمقام نفسه حتى الساعة.

يجتهد الفيلم لكي يربط ويوازن بين مسارين: الأول يستعيد السيرة الشخصية لنوال السعداوي، عبر اتكاله الكامل على مقاطع من مكاشفات الكاتبة الذاتية من التي كتبتها في حقب زمنية مختلفة ووزعتها على كتبها العديدة، تمت قراءتها باللغة الإنكليزية عن طريق ممثلة، لتمثل ما يشبه الخلفية الصوتية لمشاهد القاهرة والريف في الفيلم. وبين مسار آخر انشغل بتسجيل يوميات حياة الكاتبة في الزمن الحاضر. فيرافق الفيلم الكاتبة في زيارتها إلى قريتها، بعد انقطاع سبعة أعوام بسبب الظروف الأمنية. لكن تلك الزيارة التي رافقها سيرك رسمي في القرية، تكشف عدائية شديدة مُبطنة مُتواصلة ضد الكاتبة، التقطها الفيلم بدون تخطيط، فالمدرسة التي تلقت الكاتبة تعليمها الأول بين جدرانها، لم تشأ أن تذكر أشهر طلابها في لوحة علقت في أحد ممراتها وضمت أسماء طلاب آخرين من الذين حققوا التفوق في مهن أخرى ليس الأدب من بينها. كما أن المكتبة العامة الصغيرة في القرية، والتي شيدت في زمن رغبت فيه السلطات السابقة أن تصالح الكاتبة فيه وتكرمها، لا تضم اليوم أياً من كُتب نوال السعداوي.

لا تتحدث نوال السعداوي مباشرة للكاميرا في هذا الفيلم. ربما لأنها قالت كل ما يجب أن يقال في نصف القرن الماضي، أو أن الفيلم اكتفى باستعادة سيرتها المكتوبة بخط يدها، والتي تميزت بالصدق الشديد والجرأة، حتى عندما مرت على تجارب حميمة خاصة، كالختان الذي تعرضت له عندما كانت طفلة، ورفضها لما تتعرض له النساء من ظلم في محيطها، وتوقها للثورة. في المقابل يحاور الفيلم شخصيات نسائية، لتقييم الأثر الذي تركته نوال السعداوي في بلدها. من الشخصيات التي تظهر في الفيلم، ستتميز سيدتان، إحداهما مُثقفة ستحلل بفهم كبير تركة نوال السعداوي الفكرية والإنسانية، والأخرى تعيش في القرية التي ولدت فيها الكاتبة المصرية، وعاشت حياة مختلفة كثيراً عن كاتبة القرية الشهيرة. شهادة هذه الأخيرة ستكون الأكثر تأثيراً وتعبيراً عن حال المصريات اليوم، فهي من جهة ستكشف أن لحظات الفخر الوحيدة بنفسها وجنسها تكون عندما تشاهد نوال السعداوي، لكنها من الجانب الآخر تعتقد أن لا شيء تغير على الإطلاق في حياة ملايين النساء من أمثالها، وأنهن ما زلن أسرى المناخ الاجتماعي المتزمت، وسلطة الرجل وظلمه.

رغم أن الاهتمام ما زال يحيط بنوال السعداوي أينما حلت، إلا أنها لم تعد مُؤثرة أو فعالة كما كانت قبل عقود. هذا الأمر يبدو جليّاً في الفيلم، وربما حدد مساره أيضاً، ليس فقط عبر تركيزه على سيرة الكاتبة المصرية السابقة، ولكن أيضاً عبر دورانه حول مفهوم القيمة التاريخية للسيدة أكثر من قياس ما يثيره وجودها من تفاعل اليوم. لا شك في أن خطاب نوال السعداوي النسويّ الليبرالي المُتشدد، وعدم تواصلها مع أجيال المصريين الجدد عبر وسائلهم التكنولوجية الحديثة، والإهمال الرسمي الذي يصل إلى العداء الذي طبع علاقتها بالمؤسسات بكل أنواعها، ساهمت في تحجيم دور الكاتبة في السنوات الأخيرة، هذا رغم أنها تشكو لليوم من تأثيرات آرائها السابقة، فهي تعيش تحت حراسة دائمة من الأمن المصري، بسبب تهديدات لم تتوقف عن تعكير حياتها.

حرية ما...

تبدو نوال السعداوي في أعوامها الأربعة والثمانين، وكأنها تحررت من مفاهيم الجنس والهوية والعمر. تحاول أن تبقى وفية لنشأتها الريفية والتزامها بقضايا الفقراء والنساء والمهمشين، رغم صعوبة ذلك، بسبب انقطاعها الطويل عن ذلك العالم. إلى جانب تقديم السعداوي الكاتبة الناشطة، تلتقط المُخرجة مشاهد حميمة من الحياة اليومية لبطلتها، بعضها يُظهر لحظات ضعف إنسانية، عندما ترفع الكاتبة جهاز الكمبيوتر المحمول وتقربه إلى وجهها حتى تستطيع قراءة ما هو مكتوب على الشاشة، أو عندما تمارس الرياضة في الشارع قرب بيتها، في مشهد كان يظهر على طرف كادره أحد حراس الأمن المصريين، الذي كان يشرف رمزياً على المشهد، وفعلياً على الحياة في الشارع من حوله.

الفن السابع في مملكة العبث العربي

أحمد باشا

منذ فيلمه الطويل الأول «النهاية» (2011)، قدم المخرج المغربي هشام العسري نفسه كأحد الأسماء المقبلة بقوة على الساحة السينمائية العربية. وفعلاً، لم يخب ظن المتابعين لتجربة العسري الأولى عند مشاهدتهم أفلامه اللاحقة. هكذا كان حال المخرج المغربي الشاب في شريطه الطويل الثاني «هم الكلاب» (2013 - د 85): مخرج باحث عن أسلوبيته الفنية الخاصة، ليتمكن من تجاوز السائد شكلاً ومضموناً من خلال زج الكاميرا في مناخات المسكوت عنه سياسياً واجتماعياً. أما في آخر أفلامه «البحر من ورائكم» (2014)، والذي عرض في الفترة الأخيرة، إلى جانب الفيلمين السابقين، ضمن «أيام بيروت السينمائية»، يؤكد صاحب الثمانية والثلاثين عاماً أنه صاحب مشروع سينمائي، خاص، خارج عن القوالب المألوفة عربياً.

على غرار خياره الفني في أول أفلامه الطويلة، يقدم العسري شريطه «البحر من ورائكم» بالأبيض والأسود، راوياً من خلاله حكاية ينخر القهر في مجمل تفاصيلها الدقيقة. الأبيض والأسود عند مخرج «وشم العذاب» (2002) ليس هاجساً جمالياً خالصاً بمقدار ما هو نفي متتال لتضادات الثنائية ودلالاتها، ذلك بغية الابتعاد عن حمى التأويلات الجاهزة. الاشتغال السابق لن يكون إلا اللبنة الدرامية الأولى للانطلاق في عوالم «البحر من ورائكم» (إنتاج مغربي إماراتي - فرنسي). في المدينة التي تدور فيها حكاية «البحر من ورائكم»، اختفت الألوان، في شكل كامل، وذلك نتيجة تلوث المياه نتيجة إصابتها بوباء «البق». إلا أن إعلان الفيلم منذ بدايته عن الكارثة العامة لن يكون مدخلاً للتعرف إلى حجم النكبات الشخصية التي تفاعلت وتمازجت مع بعضها، فغدت اللوحة العامة على ما هي عليه من بؤس وفاقة.

إعلان مبدئي

يعلن الفيلم عن نفسه منذ اللحظة الأولى، من دون يحاول أن يخفي بعضاً من خيوط حبكته، فيظهر بطل الفيلم طارق (مالك خميس) متأملاً البحر أمامه وهو معطياً ظهره للعالم، مترافقاً مع مرور العبارات التالية على الشاشة: «في مكان آخر، في بلد بدون ألوان، حيث تقطع أيادي اللصوص، عالم يعتبر فيه الإنسان حيواناً، والحيوان عدماً، وقعت ظاهرة غريبة، تلوث الماء وأصابت العدوى كل شيء... إلخ». بطل الفيلم طارق، هو نفسه من سيكون جسده ممدداً وسط الشارع، يتلقى الركلات عليه بقوة، والدماء تسيح حوله، كل ذلك أمام لا مبالاة المارة أو مراقبتهم العاجزة في أفضل الأحوال. بعد ذلك، يظهر طارق ويداه مقيدتان في مركز الأمن الوطني. رويداً رويداً سنتعرف إلى طارق: رجل يرتدي زي الراقصات، يضع المكياج، ويرقص فوق العربة التي يجرها حصان اسمه العربي.

في كل ثانية، يتراكم داخل بطل «البحر من ورائكم»، وبمقدار التساوي، كل من الذل والهزيمة. يتلقى الإهانات والشتائم من دون أي رد فعل يذكر، إلى درجة أنه يشرب قهوته التي اختلطت بها قطرات من دمه في شكل طبيعي (كما في أحد المشاهد). كل ذلك لن يزيد إلا من عجزه عن الفعل أو البكاء، حتى أمام رجل المخابرات لطفي (صلاح بن صلاح)، أي الشخص الذي دمر حياته تماماً، أغوى زوجته واحتل بيته وقتل أطفاله. الذل الذي يتعرض له طارق لا يتوقف عند ما سبق فحسب، فيتعرض، بسبب شكله وولعه بالرقص، للتحرش الجنسي من رجل خليجي، كما يقع في حبه رجل مثلي على رغم وضوح هويته الجنسية لطارق منذ بداية الفيلم.

العربي حصان يجر العربة التي يرقص عليها طارق، يظهر مريضاً منذ بداية الفيلم، غير قادر على المشي إطلاقاً، يتجمع الذباب بكثافة حول برازه وذيله. لكن الأب لا يزال مفتوناً بالحصان ومتوقعاً أنه سيعود يوماً كما كان في سابق الأيام. من عنوان فيلمه، وبالعلاقة مع المقولة الشهيرة لطارق بن زياد، يتخذ العسري موقفاً نقدياً ممن يتوسلون التاريخ ويعبدونه. على هذا النحو يظهر طارق بن زياد مرة وحيدة في الفيلم: بعد أن يضرب طارق من جانب عنصر الأمن، يغمى عليه، فيضعه الثاني في صندوق سيارته. في هذه الأثناء، يظهر فاتح الأندلس، فينشأ حوار بينه وبين طارق المعاصر، حوار يستمد واقعيته من عبثيته، والعكس صحيح أيضاً.

لا يقدم هشام العسري عنف الأفراد في فيلمه على أنه الأساس في المآلات الكارثية فقط، بل يذهب إلى ما هو أبعد من الرؤية التي يتماهى فيها السلطوي مع النخبوي، مقدماً إياه على أنه نتيجة لبؤس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. الخلاص الفردي عنده ضرب من ضروب المستحيل ما دامت هذه البيئات التي تولد العنف سلوكاً وفكراً ترفض، وبإشراف السلطات، إعادة النظر بالمنظومة الأخلاقية التي تشرعن سلوكياتها تحت مسميات عدة. الأمر السابق، برعت الصورة، التي رسمها العسري، في إيصاله، لتفصح عن رؤية صاحبها التي تشير إلى أن جميع السلطات في هذه البلاد تعتاش على السياسة نفسها: سحق الفرد وجسده.

وفي السياق السابق نفسه، تبدو عشوائية الأمكنة وعدم رتابتها، قادرة على الحفر في دواخل الشخصيات، وهذا ما يظهر جلياً بالأماكن التي جالت فيها كاميرا الفيلم، من المسالخ والمزابل والضواحي الفقيرة والأمكنة المهجورة، مروراً بالحظيرة التي يقيم فيها شاب علاقةً مع حمار، وليس انتهاءً بمركز الأمن الوطني.

إدارة الظهر إلى العالم

في نهاية الفيلم، بعد أن يخرج طارق من مركز الأمن، يدير ظهره للعالم، كما كان يفعل في أول الفيلم، كأن الفيلم هو الوقت الذي قضاه بطل الفيلم في مركز الأمن الوطني. الوقت السابق هو الزمن الدرامي للفيلم الذي يختصر زمناً يزيد عن زمن حكاية طارق. عدم اكتراث الناس بمراد (الشاب المثلي) المرمي أرضاً في الشارع وسط دمه، ومن ثم موت الحصان المحتضر، والأكثر إلحاحاً فجائعية ما استعاده بطل الفيلم في سجنه من مشاهدات خاصة، تصبح مقولة طارق المعاصر، والعازم على الرحيل هكذا: «البحر من أمامكم، والعدو من ورائكم».

البهجوري يضم فنّه إلى صوت كوكب الشرق

القاهرة - عزة سلطان

عندما تستعد لمشاهدة فيلم عن أم كلثوم ستنتظر في الدرجة الأولى سماع أغانيها، إضافة إلى مادة حكائية متنوعة. أما إذا كان الفيلم يضم طرفاً آخر كالفنان التشكيلي المعروف جورج البهجوري، فيكون من الطبيعي أن يتوقع المشاهد مواقف وحكايات ستأتي على لسان البهجوري، مرتبطة في شكل مباشر بأم كلثوم. وتزداد التوقعات حين يبدأ فيلم «خيط سحري» لمخرجه حسام نور الدين بفقرة كتبها البهجوري بخطه، لتأتي كصورة دون صوت مسموع جاء فيها «أم كلثوم تنادي مصر بصوتها، وأنا كمان بأنادي مصر برسومي عنها، احنا الاتنين من عصر جميل واحد، نصف قرن عايشين سوا... رسمتها في 50 لوحة، رسمت صوتها مع حب مصر، والحنين... جورج بهجوري». إن هذه اللوحة التي تتصدر الدقيقة الأولى من الفيلم الممتد لنحو نصف ساعة (25.35) تؤكد التوقعات التي تتكون لدى المشاهد والتي سرعان ما تنكسر مع كل دقيقة تالية في الفيلم.

يبدو لدى حسام نور الدين تصور مختلف عن صناعة فيلم طرفاه محددّان بوضوح، لكل منهما شأن في مجاله، شأن يتجاوز المجال ليصبح مكانة مجتمعية ودولية أيضاً، بما يفتح أفق التوقع والانتظار لدى المشاهد.

كلّ في مجاله

يفضّل نور الدين اختياراً جديداً في معالجة مثل هذه الموضوعات من الأفلام الوثائقية، يسانده في ذلك الإنتاج المستقل للفيلم، والبعيد عن قواعد الإنتاج المتعددة تبعًا لشاشة العرض، بما سمح له بإمكان التجريب والخيال.

قرار المخرج بأن يجعل الصورة للبهجوري، بينما شريط الصوت خـــاص بأم كلثوم، أمر يكسر كل أشكال التوقع لدى المشــاهد الذي تحيله حالة الترقب للمشهد التالي إلى حالة من التحفز، لا تهدأ إلا مع نهاية الفيلم، والحقيقة أن حسام نور الدين نجح في تقديم هذه الحالة من التشويق والفضول في شكل لافت.

في فيلم «خيط سحري» سوف يتأخر ظهور وجه جورج البهجوري إلى الدقيقة السادسة، رغم أن كلمته تعنون الفيلم وترسم توجهه، وربما تُشير كذلك إلى موضوعه، لكن بالتأكيد لن تكشف عن المعالجة الجديدة والمختلفة في شكل جلي.

ما بين البهجوري الذي يرسم وبين لوحاته، ستتحرك الصورة طيلة النصف ساعة، ولكن لن يرى المشاهد سوى فنان يرسم على مدار يومين، يمكن تحديدهما من مشهد في الدقيقة الرابعة لضوء النهار، ثم مشهد تالٍ لطقوس الليل واستعداد الفنان للنوم، قبل أن نرى نهاراً آخر في الدقيقة العشرين.

ولكن لن يظهر صوت البهجوري مطلقاً على شريط الصوت، فقد قرر المخرج وكاتب السيناريو أن يكون الفنان موجوداً بفرشــاته ولوحاته فقط.

إذاً، نحن أمام صوت أم كلثوم فهل نتوقع في فيلم يتحدث عنها أن نسمع بعضاً من أغانيها الشهيرة؟ كسر حالة التوقع لدى المشاهد هو أكثر الأمور وضوحاً في هذا الفيلم، فأم كلثوم يظهر صوتها عبر آهات كثيرة من أغنيات في بداية مشوارها الفني. تنوع الآهات هو الواضح، المدهش كذلك هو وجود تسجيلات إذاعية مع أم كلثوم وهي تتحدث عن حياتها، وفي موضع آخر يطلب منها المذيع أن تقرأ قصيدة ثورة الشك بصوتها، وهو ما تفعله.

لم تقف جدّة شريط الصوت هنا بل إن المخرج استعان بإعلان المذيع بفتح الستار عن حفلة أم كلثوم، الأمر الذي تكرر مرتين لحفلتين مختلفتين، دون أن يأتي صوت أم كلثوم عقب هذا الإعلان.

هناك كذلك فترات من الصمت تملأ شريط الصوت، لا شيء سوى صورة تنقل صور لوحات أم كلثوم، أو فرشاة البهجوري وهو يرسم أم كلثوم.

هذه الفترات من الصمت تحمل تساؤلات عديدة في طريقة المعالجة، فمع ما تصنعه لدى المشاهد من حالة ترقب، قد تساهم كذلك في دفع المشاهد إلى الملل.

تظهر عناوين الفيلم في الدقيقة الثانية والعشرين في حين يستمر الفيلم لثلاث دقائق أخرى. وفي الإجمال سيبدو الفيلم مختلفًا في التناول والمعالجة، فحتى اختيار الأغنيات التي جاءت في شريط الصوت بدا اختياراً مغايراً لما هو متوقع، ما كسر حالة التوقع الممتدة حتى الثواني الأخيرة من الفيلم.

«خيط سحري» يقدم حالة مختلفة بشدة في المعالجة واختيار شريط الصوت، وكذلك الصورة. إقناع فنان بقامة البهجوري أن يظهر لمدة نصف ساعة بفرشاته، وحده أمر يستحق التقدير من صانع العمل وكذلك الفنان الذي رأى أن رسالته في لوحاته وفرشاته دون أن ينطق بكلمة.

المستمع العربي لم يتعاط بشكل جيد مع أغاني أم كلثوم القديمة، وربما هناك أغان كثيرة لا يعرفها سوى المتخصصين، وهو ما قد يصنع حالة من عدم الرضا لدى المشاهد العادي والذي انكسرت توقعاته عبر سياق الفيلم، من دون أن ننسى في الوقت نفسه أنه ليس المطلوب من صناع الأفلام أن يقدموا أعمالاً تتوافق مع توقعات مشاهدينهم، بل أن تطوير الفن يأتي من المختلف دومًا.

التواصل ضرورة

حالة فيلم «خيط ســـحري» بما يقدمه من مساحة تجريـــب واخـــتلاف عن الــسائد، هي بلا شك حالة متميزة، ينحاز إليها النـــقاد والراغبون في فتح آفاق متـــنوعة للإبداع، والخـــروج من القـــولبة وضـــيق الوعي البصري واقتصاره على نمط الأفلام الوثائقية، والتي تحظى باتساع نســـــبة المشاهدة، لكن هذا الانحياز للتجربة لا يعني أن مساحة التجريب دومًا مقبولة، حيث تختلف الأراء كثيراً حول وظيفة الفن ودوره في التواصل مع المتلقي العادي، وتنمية وتطوير ذائقته، حيث إن نوعية هذا الفيلم قد لا ترضي ذائقة هذا المشاهد، وأتصور أن اختيار أغنيات مختلفة في شريط الصوت كان يضمن الاحتفاظ ببعض من المشاهدين العاديين المتوقعين، فصانع الفيلم لا ينتج فيلمه ليشاهده وحده، والاقتصار على الجمهور المتخصص والفئات الضيقة أمر يقتل العمل ويحوله إلى عمل أرشيفي لا يرى النور.

لم ينحز حسام نور الدين للمشاهد العادي في أي من اختياراته الجمالية، بل قدم تجربته لمشاهد نخبوي بامتياز، سواء على مستوى الصورة أو الصوت، وهو أمر قد يحد من انتشار الفيلم وبقائه في الذاكرة البصرية لكثيرين.

ديان كروغر : فرضت نفسي على هوليوود

باريس – نبيل مسعد

بدأت الألمانية ديان كروغر (39 سنة)، تعمل في حقل عرض الأزياء، وهي بعد مراهقة، إثر فوزها بمسابقة وكالة «إيليت» لعارضات المستقبل، ثم انتقلت بسرعة إلى التمثيل وظهرت في أفلام ألمانية وأوروبية، إلى أن استعانت بها هوليوود من أجل الدور النسائي الأول في فيلم «تروي: قصة هيلين ملكة طروادة»، إلى جانب كل من براد بيت وأورلاندو بلوم، الأمر الذي حوّلها بين يوم وليلة إلى نجمة هوليوودية دولية من أصل أوروبي، بدلاً من مجرد نجمة أوروبية.

عاشت كروغر في ألمانيا ثم في فرنسا حيث تزوجت من الممثل والمخرج غيوم كانيه، لكنهما انفصلا بسبب إقامتها شبه المستمرة في الولايات المتحدة، بينما يقيم هو في باريس حيث يعمل. ومع أنها تقيم وتعمل في هوليوود، لكن ذلك لا يمنعها من العودة إلى أوروبا بين حين وآخر، مثلما حدث عندما وافقت على تولّي بطولة الفيلم الفرنسي الكوميدي «خطة مثالية» إلى جوار نجم الفكاهة الممثل داني بون، أو مثلما هي منهمكة بفعله الآن وهو أداء الدور النسائي الأول في الفيلم الأميركي «الدخيل» المصور في لندن وباريس للمخرج براد فورمان، والذي تتقاسم بطولته مع الممثل الهوليوودي بريان كرانستون.

زارت كروغر باريس لمدة ثلاثة أيام، للمشاركة في تصوير مشهدين من «الدخيل»، فالتقتها «الحياة» في أحد مقاهي حي سان جيرمان دي بريه وحاورتها.

·        حدثينا عن فيلم «الدخيل» الذي تشاركين في بطولته بين لندن وباريس.

- يصور الفيلم في لندن أساساً عل مدار ثلاثة أشهر تتخللها ثلاثة أيام فقط في باريس، أما أحداثه فحقيقية ووقعت في الثمانينات من القرن العشرين، حينما تدخّل عميل سري في عالم المصارف الكبيرة محاولاً اكتشاف العمليات غير الشرعية التي كانت تنجزها هذه المؤسسات، وهو نجح في إسقاط رئيس أحد أكبر المصارف العالمية المشاركة في عمليات تزوير وغشّ لا أول لها ولا آخر. وأجسّد أنا شخصية خطيبة الدخيل ومساعدته الشخصية في آن معاً، وهي امرأة لعبت أحد الأدوار الرئيسية أيضاً في الكشف عن الجرائم وإسقاط العصابة. والفيلم مثير وكاتم للأنفاس، خصوصاً بفضل مخرجه براد فورمان، الذي لا يتردد في إعادة كل لقطة أكثر من عشر مرات إلى أن يحصل على مراده.

·        وهل أنت راضية عن مشاركتك في هذا العمل؟

- راضية عن الفيلم، وكوني انغمست، بفضل ديكوراته وحبكته، في عالم الغشّ والخداع الذي تعيش فيه الشخصية التي أؤديها، هو شيء هزّ شخصيتي وجعلني أتفوّق في أدائي أمام الكاميرا وأشعر فعلاً بأنني صرت غشاشة من الدرجة الأولى، أفعل كل ما بوسعي لإسقاط زعماء عصابة خطيرة. ولا مبرر لذكر التمثيل البارع الذي يقدّمه الممثل بريان كرانستون في شخصية الجاسوس الدخيل على عصابة المزوّرين. إنني سعيدة وفخورة بالانتماء الفني إلى هذا الفيلم الدرامي والبوليسي في آن معاً، وأعتبره محطة مهمة في مشواري السينمائي.

·        أنت عدت إلى فرنسا للمرة الأولى منذ هجرتك إلى هوليوود، بفيلم «خطة مثالية» وذلك في عام 2012، فهل يمكن اعتبار الموضوع نوعاً من الحنين إلى الوطن الأم، أوروبا؟

- إنها صدفة حلوة جعلتني أحصل على الدور النسائي الأول في هذا الفيلم، بعدما فتّش مخرجه باسكال شوماي عن ممثلة ألمانية الجذور مقيمة في فرنسا من دون جدوى، فراح يفكر في الفنانات الألمانيات المهاجرات إلى أميركا، وتذكرني. لم أتخذ أي إجراء أو خطوة في سبيل معاودة العمل في فرنسا، لكنني كنت في تلك الفترة من حياتي أشعر بحنين كبير الى السينما الأوروبية، خصوصاً عند مشاهدة الأفلام الجديدة التي يتم إنتاجها في باريس ولندن وبرلين، والتي وجدتها جيدة وثرية بمضامينها، إضافة إلى نوعيتها الفنية المتقدمة.

·        ما الذي حوّلك من ممثلة ألمانية أساساً إلى نجمة عالمية؟

- لم أكن أبداً مجرد ممثلة ألمانية، ولكن أوروبية، فأنا عملت منذ بدايتي الفنية أو بعدها بفترة وجيزة جداً، على الصعيد الأوروبي من طريق المشاركة في أفلام إيطالية وبريطانية، خصوصاً فرنسية لأنني أحببت فرنسا وتعلمت لغتها بسهولة فائقة وتزوجت من فرنسي، ووقعت في غرام باريس وثقافتها، غير أنني مولعة بالسينما الفرنسية منذ مراهقتي. لقد غيرت مكان إقامتي من برلين إلى باريس، وبالتالي بذلت كل جهدي حتى أعثر على أدوار في السينما الفرنسية، وهذا ما حدث بالفعل. أما هوليوود، فقد جاءتني من خلال ظهوري في فيلم فرنسي أنتجه لوك بيسون بعنوان «ميشيل فايان» لم ينجح كثيراً في فرنسا، إلا أن الأميركيين عثروا فيه على لون المغامرات الذي يعجبهم بشدة، ولاحظوني فاتصلوا بمنتجه ليسألوه عن كيفية العثور عليّ لترشيحي لدور كبير في أحد أفلام المغامرات لديهم.

·        الفيلم الأميركي الذي تتحدثين عنه هو «تروي: قصة هيلين ملكة طروادة»؟

- نعم، فأنا مثلت فيه شخصية هيلين ملكة طروادة تحديداً، إلى جانب براد بيت وأورلاندو بلوم. وأعتقد بأن أي ممثلة أوروبية تتمنى مثل هذه الفرصة في حياتها الفنية، الأمر الذي يجعلني أعتبر نفسي امرأة محظوظة جداً.

·        وهل فتح هذا الفيلم أمامك في ما بعد، باب النجومية بطريقة مباشرة وتلقائية؟

- ربما ليس بأسلوب تلقائي، نظراً الى كون الأمور تتطلب نسبة من المجهود الذاتي المستمر حتى تتم في شكل جيد وعلى المدى الطويل، لكن الفيلم سمح لي بفرض شخصيتي على عاصمة السينما الأميركية، وبإقناع أهل المهنة هناك بأنني ممثلة يمكنهم الاعتماد عليها إلى حد كبير، وفي أدوار متنوعة، وأقصد بذلك أنني في فيلم «تروي: قصة هيلين ملكة طروادة» دمجت بين الدراما والرومانسية والجاذبية، بطريقة جعلت كل من حدّق النظر فيّ يقتنع بمميزاتي الكثيرة في ميدان الأداء التمثيلي.

·        أليس من النادر العثور على دور من هذا النوع؟

- نعم، لذا أوجه شكري إلى لوك بيسون الذي سمح للأميركيين بملاحظتي أصلاً، ثم بالاتصال بي من أجل مشاركتي في الفيلم. وصحيح أن الأدوار عموماً تكون حبيسة إطار محدد وموحد، خصوصاً النسائية منها، وفي أفلام المغامرات أكثر مما يحدث في الأنواع الأخرى، ذلك أن المرأة في فيلم المغامرات تحب البطل وتبكي عليه إذا راح يقاتل، ثم تستقبله بالدموع إذا عاد سالماً. وأنا في «تروي: قصة هيلين ملكة طروادة»، أحرّك خيوط الحبكة بدلاً من أن أتبع مسارها بطريقة ساكنة، وهنا يكمن الفارق الأساس بين دور من طراز ملكة طروادة وأي بطلة عادية في فيلم من الطراز المعني، أي المغامرات.

حلم تحقّق

·        أنت فعلاً نوّعت في أدوارك الهوليوودية بعد هذا الفيلم، مؤدية الدراما العنيفة والخوف والرومانسية، فما هو الفيلم الذي تفضلينه شخصياً بين أعمالك الأميركية حتى الآن؟

- أنا أحمل «تروي: قصة هيلين ملكة طروادة» في قلبي للأسباب التي ذكرتها من قبل، لكن هناك فيلم «ربيع في البوسنة» من بطولة ريتشارد غير، وهو عمل أعجبني التمثيل فيه بطريقة أعجز عن وصفها، من كثرة ما أحببت السيناريو الذي يدمج بين الرومانسية والدراما الاجتماعية الواقعية، ولأنني حلمت بالعمل مع غير طوال حياتي، فها هو الحلم قد تحقّق.

·        وهل كان الرجل على مستوى توقعاتك؟

- إنه من أهم الفنانين الذين أعرفهم أو تعاملت معهم، فهو يتميز بروح مهنية عالية، ويبدي رغبة ماسة في مساعدة من يحيطون به في جو العمل، وذلك لمصلحتهم طبعاً، لكن أيضاً لمصلحة الفيلم ككل، بمعنى أنه لا يهمه الظهور على مستوى أعلى من زملائه، لكنه يرغب في أن يكون الجميع على مستوى واحد من الجودة والإتقان والجاذبية أمام الكاميرا.

·        أنت مثلت في الفيلم الفرنسي «لا معك ولا ضدك» قبل تحوّلك إلى نجمة هوليوودية، وكان أحد أبطال هذا العمل الممثل اللبناني الأصل سيمون أبكاريان، فهل تعرفينه جيداً؟

- أجل أعرفه وأعتبره من نجوم اليوم والغد في السينما الفرنسية والعالمية، فهو إضافة إلى تمثيله في أفلام فرنسية وفي أدوار ممتازة، يمثل في المسرح، كما في أفلام دولية، مثل «كازينو روايال» أحد أفلام جيمس بوند. وربما تتاح لي فرصة العمل معه ثانيةً في فيلم أكون أنا بطلته إلى جانبه، إذ إن دوري في فيلمنا المشترك المذكور لم يتجاوز المشهد الواحد، بينما كان هو من أبطال الفيلم.

سمير صبري نموذج الفنان المتعدد

القاهرة – هيام الدهبي

في كتابها «حكايتي مع السينما» الذي صدر ضمن مطبوعات المهرجان القومي للسينما المصرية، تقول الكاتبة الصحافية ناهد صلاح إن الصدفة لعبت دوراً كبيراً في حياة محمد سمير جلال صبري الذي ولد في العام 1936 في مدينة الإسكندرية لعائلة تحب الفن وتقدره، ولهذا ساهمت في تشكيل وجدانه وإحساسه ليتعلم من والدته عزف البيانو والرسم ومن والده حاسة التذوق الفني.

وكان صبري التحق بمدرسة فيكتوريا كوليدج حيث كانت أولى خطواته للتمثيل باللغة الإنكليزية في حفلات المدرسة. وهو بعد ذلك تخرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية في جامعة القاهرة، ومع ذلك لعبت الصدفة دورها من خلال جاره الفنان عبدالحليم حافظ عندما وقف معه أثناء تصوير أغنية «بحلم بيك» في فيلم «حكاية حب» في العام 1959.

وتكمل المؤلفة قائلة: «وحدث لاحقاً أن تبناه المخرج حسن الإمام فنياً، وقدمه في أدوار صغيرة في أفلام مثل «اللص والكلاب» و «بين القصرين» و «زقاق المدق» و «الراهبة» و «قصر الشوق»، وكأن حسن الإمام مخرجاً أدرك مفاتيح سمير صبري ممثلاً فأعطاه يوماً دوراً كبيراً في فيلم «بمبة كشر» أمام نادية الجندي وعماد حمدي. وقد حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً وانعكس النجاح على سمير صبري الذي وصل عدد أفلامه مع مخرج الروائع إلى 20 فيلماً. كما أنه شارك وحش الشاشة فريد شوقي في بطولة 14 فيلماً أشهرها «وبالوالدين إحسانا» و «ومضى قطار العمر» و «الجنة تحت قدميها» و «دموع صاحبة الجلالة» و «الموظفون في الأرض» و «فتوة الناس الغلابة» و «شقة وعروسة يا رب» و «القضية المشهورة» و «من بلا خطيئة» و «دعاء المظلومين» و «شاطئ العنف» وغيرها.

وتضيف الكاتبة: «ثم توالت بعدها بطولاته وتعددت أدواره بين الكوميدي («دقة قلب» و «البحث عن فضيحة») والرومانسي («الأحضان الدافئة» و «جنس ناعم» و «رحلة الأيام») والاجتماعي («عالم عيال عيال») والإثارة («جحيم تحت الماء») وأخيراً «بتوقيت القاهرة» (2015) وغيرها كثير، إلى أن بلغ رصيده السينمائي قرابة 150 فيلماً سينمائياً، إضافة إلى ما يقرب من 40 مسلسلاً إذاعياً وتلفزيونياً.

وتضيف الكاتبة ناهد صلاح: «كما أقدم سمير صبري على إنتاج 18 فيلماً، منها: «أهلاً يا كابتن» و «شفاه لا تعرف الكذب» و «منزل العائلة المسمومة» و «علاقات مشبوهة» و «السلخانة» و «نشاطركم الأحزان» و «جحيم تحت الماء» و «دموع صاحبة الجلالة و «إنذار بالقتل» وغيرها.

وعلى صعيد آخر، لم يهمل سمير صبري مشروعه في الغناء والاستعراض، حيث قدم بعض الأعمال المسرحية الغنائية، منها مسرحية «العبيط» و «يا إحنا يا همّا» و «قطط الشوارع» وغيرها، وشارك أيضاً في فوازير «إحنا فين» مع سماح أنور وحسن كامي.

كما قام ببطولة مسلسلات عدة في الإذاعة المصرية، من أشهرها «أرجوك لا تفهمني بسرعة» مع عبدالحليم حافظ ونجلاء فتحي وعادل أمام، و «الوسادة لا تزال خالية» مع لبني عبدالعزيز. وقام أيضاً ببطولة العديد من المسلسلات التلفزيونية منها «المرافعة» (2014) و «كاريوكا» (2012) و «قضية رأي عام» (2007) و «يا ورد مين يشتريك» (2004) .

بدأ سمير صبري حياته العملية في الإذاعة المصرية منذ تبنته الإذاعية المعروفة آمال فهمي، ليقدم برنامج «النادي الدولي» في الإذاعة ثم انتقل به إلى التلفزيون محدثاً انقلاباً في شكل العمل التلفزيوني ومضمونه وأسلوبه، كما قدم برنامجاً وثائقياً باسم «مشوار»، حيث كان ضيوفه من الشخصيات المتميزة، مثل الشاعر أحمد رامي والكاتب توفيق الحكيم والكاتب فكري أباظة والكاتب يوسف إدريس وعميد المسرح يوسف وهبي وسيدة الشاشة فاتن حمامة وغيرهم. كذلك قدم برامج «كان زمان» و «وسنة أولى هوا» و «سمير والجميلات».

وترى الكاتبة أن سمير صبري يعد نموذجاً «للفنان الشامل» إذ يمتلك قدرات فنية متنوعة، فهو الفنان المنفتح على الغرب والمحتفظ بشرقيته في ذات الوقت، بدأها بالعمل الإذاعي والتلفزيوني ثم اتجه للتمثيل والغناء والرقص الاستعراضي، فهو من القلائل الذين ساهموا في إثراء حركة الفن الاستعراضي بأعماله التي وضعت حجر الأساس لفن الفيديو كليب.

الحياة اللندنية في

03.04.2015

 
 

أعجوبة في بورتو: أول صباح بلا مانويل دو أوليفيرا منذ 1908

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

في الأوساط السينمائية، كان الناس يضربون المثل بالمخرج البرتغالي مانويل دو أوليفيرا عندما يشعرون بوطأة العمر وأثاره: رجل أعتق من ذكرى استقلال معظم الدول المعاصرة، زمنياً أبعد من أقدم اختراع عرفوه، ولا يزال يمارس الاخراج بنشاط لافت، متجاوزاً الظروف البيولوجية، بحبّ وتفانٍ قل نظيرهما. كان في السادسة عندما اندلعت الحرب الاولى، وفي الستين من عمره عندما وضع نيل أرمسترونغ رجليه على سطح القمر، وعلى مشارف المئة في 11 أيلول، وابن مئة وستة أعوام عندما رمى عصاه أمس بعد مسار يمتد على 80 عاماً. يكاد عمره يكون من عمر السينما التي احتفت قبل أيام بالذكرى الـ120 لولادة هذا الفنّ الذي كان سيبصح اكثر الفنون شعبية. كثر من عمالقة السينما ولدوا بعد ولادته بعقود وماتوا قبل موته بعقود. وجوده ملاكاً حارساً على السينما كان طبيعياً حتى ان موته ــ أكثر من حياته الطويلة ــ "هو" الاعجوبة!

أوروبا في كفّ رجل

لنتخيل لحظة رجلاً بدأ يصنع الأفلام أيام السينما الصامتة وعاصر الناطق والألوان وكلّ التحولات التقنية التي شهدتها الشاشة وصولاً الى الأبعاد الثلاثة وثورة الديجيتال، ولا يزال نشطاً مواظباً معطاءً ينهض صباحاً ليفكر في مشروع جديد، لا بل يعود الى الفيلم القصير ("عجوز ريستيلو" - 2014)، ختاماً لمسيرته التي بدأها كومبارساً في أحد الأفلام الصامتة وهو في العشرين. أوليفيرا شاهد حقيقي على قرن كامل من تاريخ أوروبا، هبوطها وصعودها. من السينمائيين الذين انطلقوا في عهد السينما الصامتة، وهو كان الوحيد الذي لا يزال بيننا، يطل بين فترة وأخرى، بفيلم جديد. انه ايضاً الشاهد الأكبر على السينما وتطوراتها واتجاهاتها المختلفة، وأحد دعاة اعادتها الى ينبوعها، ذلك الذي ارتوى منه مثله العليا من دراير الى ميزوغوشي. ظلّ يشارك في المهرجانات حتى سنوات قليلة قبل تدهور صحته، يتكئ على عصاه الغليظة ويمشي بخطى سريعة على رصيف الواجهة البحرية في ليدو البندقية، حيث عُرض عدد من أفلامه الاخيرة. الى السينما التي قدّمها، كانت هذه طريقته ليتحدى اخطار التحول الى قطعة اثرية في متحف. لم يكن يستسيغ أن تعتم مسألة العمر المديد التي كانت تُثار في المقابلات الصحافية على شغله، فيَصبح هو الموضوع بدلاً من أفلامه.

الواقعية البرتغالية

أوليفيرا المتحدر من عائلة بورجوازية ميسورة جمعت ثروتها من صناعة الأحذية، أنجز فيلمه الأول (قصير، صامت) عندما كان في العشرين. حكايته مع السينما كلاسيكية بعض الشيء: يرتاد الصالات لمشاهدة شابلن وليندر، قبل ان يهدي إليه والده في مناسبة بلوغه سن الرشد كاميرا، فيروح يصوّر "دورو" طوال سنتين، وثائقياً فيه بعض اللمسات الشاعرية، يعرفنا من خلاله الى يوميات عمال يشتغلون على النهر الذي يعبر بورتو، مسقط أوليفيرا، المدينة الساحلية الفقيرة التي استلهم منها بعض افلامه (صوّرها في "بورتو طفولتي" عام 2001). الفيلم أحدث فضيحة سياسية، ولكن أوليفيرا أرسى به اسس سينماه التي تستحضر الشعر حتى من قبل الخراب.

لن يكون أوليفيرا غائباً عن اطلاق أول فيلم ناطق في السينما البرتغالية: "أغنية لشبونة" (1932). هو الذي التحق بمعهد التمثيل، سيضطلع فيه بأحد الأدوار. هذا كله يعطي الشاب العشريني روح الاندفاع والمثابرة ويصقل موهبته بالثقافة والمعرفة. وبعد مجموعة أفلام وثائقية قصيرة، يتجه الى الروائي الطويل، فيقدم "انيكي - بوبو" عام 1942، مصوّراً بعض الأولاد القاطنين في بيوت الصفيح التابعة لأحد أحياء بورتو الشعبية، ومبشراً على صعيد الاسلوب بقدوم تيار "الواقعية الجديدة". مع هذا الفيلم، يشارك أوليفيرا في مهرجان البندقية حيث يغنم بردود ايجابية. لكن، كان عليه انتظار المزيد من السنوات كي يعترف به عالم السينما.

التصوير في زمن الديكتاتورية

اضطراره الى ادارة مصالح العائلة لم يكن دائماً لمصلحته، وهذا ما يفسر السنوات العشر التي اضاعها بين "دورو" و"أنيكي - بوبو". هذا ليس كلّ شيء: انقطاع رهيب عن السينما سيحدث في حياة أوليفيرا بين عامي 1943 و1963، تاريخ عودته بفيلمه الثاني. تحت حكم سالازار وفي ظلّ عدم توافر البنى التحتية المطلوبة لصناعة الأفلام، اعتكف أوليفيرا وأذعن للصمت طوال عقدين (أي في فترة العصر الذهبي للسينما) وخضع لابتزاز السلطة القمعية الحاكمة، قبل ان يقدم، "سر الربيع" (1963)، عن التمثيل الذي يقوم به أهل قرية في شمال البرتغال لالآم المسيح منذ القرن السادس عشر. في الفيلم، يصوّر أوليفيرا جانباً من عملية التقاط المَشاهد. طوال سنوات النفي القسري، يكتفي باخراج وثائقي عنوانه "الرسام والمدينة"، مزيج من السينما المباشرة والكاميرا الذاتية.

سنوات السبعينيات شاقة، وإن كانت هي الفترة الزمنية الحقيقية التي سيحقق فيها أوليفيرا ذاته. في الواقع، بعد "سرّ الربيع"، يعاني أوليفيرا مرة جديدة من مضايقات الحكومة، فيُرغم على الاعتكاف حتى السبعينيات، تاريخ انطلاقه في مشروع ثلاثية موضوعها الحبّ الخائب، وذروتها "حب هلاك" عام 1978. الفيلم عن علاقة حبّ مستحيلة بين اثنين ينتمي كل منهما الى عائلة تعادي العائلة الاخرى. حكاية مقتبسة من نصّ لكاميّو كاستيّو برانكو. أوليفيرا في العقد الثامن من عمره، رومنطيقي وحالم أكثر من اي وقت مضى في حياته، يتولى كلّ مراحل انجاز الفيلم بنفسه، من كتابة السيناريو الى الانتاج فالاخراج والمونتاج. في أول خمسين سنة من عمره، لم ينجز الا عدداً قليلاً من الأفلام. وعندما انطلق كقطار على سكة، صعب عليه أن يجد مكاناً له في السينما الأوروبية التي كانت بدأت تنجز ثورتها على ذاتها ("الموجة الجديدة" في فرنسا؛ "السينما الحرة" في بريطانيا). اتُهم تهماً كثيرة زوراً. كان ينبغي ان يبلغ الشيخوخة لينشرح صدره وتكتمل دائرة المواضيع التي دار فيها بلا ملل: حبّ، شهوة، اثم، ذنب. هذا كله في اطار رغبات مكبوتة يحكمها نظام اجتماعي ضاغط. وكأن الرجل قرر فجأة أن يكون بروست السينما، فيعود من بين حطام الماضي، ليسترجع الزمن المفقود، وصولاً الى اعتراف دولي غير مسبوق تجسد في الاحتفاء الكبير الذي خصه به مهرجان كانّ عام 2008 في مئويته، وحضر المناسبة كلينت ايستوود وميشال بيكولي وشون بنّ.

شموليّة المتنو

تيمة الحبّ تعود كلازمة في فيلموغرافيته. مع "الماضي والحاضر" (1972)، اقتبس مسرحية لفيثنته سانشيز، كوميديا سوداء عن سيدة تعاني ما تعانيه من أزواجها الثلاثة الذين أنفصلت عنهم. "بنيلدي او الأم العذراء" (1975)، هو الآخر مقتبس من مسرحية، يحكي عن فتاة عذراء تكتشف انها حامل، في احالة على حكاية العذراء مريم. في منتصف الثمانينيات، يأتي أوليفيرا بـ"حذاء الساتان"، ملحمة من سبع ساعات تستند الى نصّ مسرحي لبول كلوديل (الحبّ ايضاً وايضاً) ينال عنها "الأسد الذهب" في مهرجان البندقية، وهي نموذج صريح عن تقنية اطالة الزمن التي اشتهر بها في هذا الفيلم وطوّرها في افلام اخرى كـ"الرسالة" (1999).

العناوين التي صمدت في الذاكرة السينيفيلية كثيرة: "لا، أو المجد الباطل للحكم" (1990)، "الكوميديا الالهية"(1991)، "فال ابراهام" (1993)، "الدير" (1995)، "رحلة الى بداية العالم" (1997)، "الرسالة" (1999)، "أعود الى المنزل" (2001)، "جميلة دائماً" (2006)، "حكاية انجليكا الغرائبية"(2010)، الخ. في سينماه، مزيجٌ عضوي متجانس بين الأدب والميثولوجيا والنزعة الى الاستعراض الذي يستقي قوته من ذوبانه في الفنون الاخرى، كالمسرح والموسيقى والتشكيل.

المُشاهد لا يبقى سلبياً إزاء فيلم لأوليفيرا. المعلم البرتغالي يقحمه في علاقة تفاعلية. في سينماه التي كانت تنبذ الذهنية والثقافوية (رغم المظاهر التي توحي عكس ذلك)، قفزٌ فوق المعطى المادي لمسٰ المشاعر والعقل. رأى ان السينما فقدت الكثير من أصالتها كلما تقدمت تقنياً، وعبّر عن رغبته في كسر الماكينة المعمول بها. نظر أوليفيرا الى العالم الواسع بشمولية المتنور وبلقطاته الثابتة التي تبدو أبدية، حيناً من نافذة المسرح واحياناً من نافذة الأدب أو الفلسفة أو التاريخ. كلّ الأزمنة تتداخل عنده في بدعة رومنطيقية، لكن الواقع المضطرب واحد والطبيعة البشرية واحدة عصية على التغيير. ولعل واحدة من أروع اللحظات في سينماه هي لحظة تماهيه المطلق مع مارتشيللو ماستروياني في "رحلة الى بداية العالم" (آخر دور ظهر فيه الممثل الايطالي الكبير)، عندما يصوره في دور مخرج مسن اسمه مانويل يقوم برحلة في البرتغال لاستعادة ذكريات طفولته. فجأة، يلتقي شبح فيلليني شيطان الخلود. تأملاته حول الشيخوخة استمرت لاحقاً مع "أعود الى منزلي" مع ميشال بيكولي في دور ممثل ثمانيني، علماً انه لم ينجز يوماً "سينما العجزة"، بل ظلّ تجريبي النزعة كآلان رينه. "أعود الى المنزل" فيلم هادئ كالنهر يمسكك بك من الضلوع. هذا الاقتصاد في أدوات التعبير جعله أوليفيرا اسلوباً خاصاً به، ليستمر في التصوير حتى عام 2012، تاريخ صدور آخر أفلامه الروائية، "غيبو وظله"، مع مايكل لونزدال وكلوديا كاردينالي وجان مورو. لا يمكن اختزال عظمة أوليفيرا في كونه ظاهرة عمرية. فهو، أولا، كائن شفاف صاحب بصمة اخراجية مغايرة لا تنتمي الى عصرنا هذا وايقاعه. مع رحيله، نفقد صلة الوصل بين ماضي السينما ومستقبلها.

النهار اللبنانية في

03.04.2015

 
 

أوليفيرا عميد السينمائيين رمى عصاه!

هوفيك حبشيان

في آخر تكريم مهم له في مهرجان "كانّ" 2008 بمناسبة بلوغه المئة من العمر، فاجأ مانويل دو أوليفيرا (1908 ــ 2015) الجميع برشاقته وحيويته. بدا المخرج البرتغالي الكبير، عميد السينمائيين في العالم، مبتهجاً صافي الذهن لا تشوبه شائبة. فتح باب قلبه ولم يقفله وهو يغادر. مازح الناس، جعلهم يتسلون ويضحكون ويتأثرون، لكنه لقنهم درساً في التعلق بالحياة وعشق السينما. حضر الحفلة كلينت ايستوود، ميشال بيكولي، شون بِن وآخرون، وجميعهم اصيبوا بالدهشة وهم يشهدون على قدراته الجسدية والفكرية. لم يكن سهلاً ان نصدق ان الرجل ذا العصا الذي أمامنا عمره أقل من عمر السينما بـ13 سنة فقط لا غير.

وقد رحل أمس نتيجة أزمة قلبية..

مرّت اكثر من 80 سنة على بدء دو أوليفيرا حياته المهنية التي عبر بها كلّ التطورات السينمائية والسياسية والاجتماعية في بلاده البرتغال والعالم. فهو المخرج الوحيد الذي عاصر السينما الصامتة والديجيتال في آن معاً. أخرج باكورته القصيرة العام 1931: وثائقي صامت عن الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها العاملون على النهر في مسقطه بورتو، المدينة التي ألهمته دائماً. رغم ان هذا الفيلم يُعتبر اليوم نموذجاً كلاسيكياً للسينما الرائدة، فلم يؤثر في أبناء بلده لدى عرضه للمرة الأولى في لشبونة، واستغرق بعض الوقت لتتكرس سمعته. أوليفيرا لم يكن نبياً في بلاده، وفيلمه هذا سيكون من اول حلقات سوء الفهم بينه وبين البرتغاليين الذين اتهموه مراراً بالنخبوية.

في العام 1942، أخرج "انيكي بوبو" الذي حمل بعض سمات تيار "الواقعية الجديدة" الناشىء في ايطاليا. أطفال الشوارع، بيوت الصفيح، مغامرات الصبا. هذا كله عمّق صلته بالواقع البرتغالي. صحيح انه ابن عائلة ثرية، لكنه كان ملمّاً بما يجري من حوله. بعد فترة دامت نحو عقدين من الجفاف وعبور الصحراء، تزامنت مع الديكتاتورية في البرتغال (عمل خلالها في الزراعة وأشياء مختلفة)، ازدهرت أعماله من جديد أواسط السبعينات، حتى أصبح في التسعينات يخرج فيلماً كل سنة. وعندما بلغ الستين من العمر، بدأ يسترعي الأنظار والاهتمام، لا سيما بعد موت سالازار وبدء انتعاش أوضاع السينما البرتغالية. في حين كان مقدّراً في فرنسا وايطاليا، لم تكن شهرته واسعة في الولايات المتحدة، بسبب أفلامه الطويلة جداً التي تتعارض مع المنطق التجاري. وأحياناً، قد تمتد أكثر من سبع ساعات، كما الحال في "حذاء الساتان" (1985) الذي اقتبسه من مسرحية لبول كلوديل ونال عنه "الأسد الذهب" في البندقية. الأميركيون وجدوا أفلامه بطيئة ومسرحية حيث يكثر الكلام والتأمل.

دارت مواضيعه المفضلة في فلك الحب المعذّب والقضايا الوطنية الكبرى. تنقلت به بين الأزمنة الغابرة والحديثة، بين الميثولوجيا والواقع، بين الحياة والموت. عمل تحت إدارته كبار الممثلين، من مارتشيللو ماستروياني الى ميشال بيكولي وجان مورو وكاترين دونوف. أكثرية أفلامه اقتبسها من أعمال أدبية، وارتبط اسمه غالباً بثلاثة كتّاب برتغاليين: كاميّو كاستيّو برانكو، وخوسيه ريخيو، وأوغوستينا بيسّا لويس. منذ بدايته، اعترض على الأشكال الفنية التقليدية لصناعة الفيلم. عندما عُرض "بينيلدي أو الأم العذراء"، قبيل الثورة البرتغالية، اتّهم بالابتعاد عن الواقع السياسي ـــ الاجتماعي. فأجاب دو أوليفيرا ببساطة ان أحداث الفيلم تقع في الثلاثينات وليس في السبعينات.

مرحلتان في سيرة أوليفيرا، تضم الاولى افلاماً وثائقية، فيما تتركز الثانية على الروائي. غير ان هذا التقسيم فيه شيء من التبسيط، اذ ان كان المخرج يمزج دائماً بين الروائي والوثائقي حتى في الفيلم الواحد، ويتنقل بينهما بحرية مطلقة، لذا لا انقطاع واضحاً بين هذين النوعين. عموماً، هكذا كان يرى السينما: "اؤمن بأن الصورة التي تظهر على الشاشة غير مادية. انها اشبه بشبح لحقيقة فعلية او خيالية، صورة لا تنتمي الى العالم المحسوس. السينما ليست فيلماً او كاميرا، وليست آلات متطورة واستوديوات، ولا ممثلين او مخرجين او كاتبي سيناريو او موسيقيين او تقنيين. في الحقيقة، هذه العملية لا تنجح اذا كان العقل الذي يعطينا الاشارة غائباً، تماماً مثل أجسامنا".

بحث اوليفيرا باستمرار عن صفاء الأسلوب، متجنّباً حركات الكاميرا الكثيفة والتأثيرات البصرية. ظل لسنوات من دعاة العودة الى ينبوع السينما، ذاك الذي ارتوى منه حبيب قلبه الأبدي كارل تيودور دراير. في بعض أفلامه، الكادر يكون ثابتاً والمَشاهد طويلة وما نراه أمامنا ليس أكثر من مسرحية. لكن أوليفيرا كان يعرف كيف يطرح المفاجأة ويبتكر اللحظة التي تأتي من العدم.

عن الحبّ الخائب الذي كان يحتل مكانة مرموقة في سيرته، صوّر أربعة أفلام: "الماضي والحاضر" (1971)، و"بينيلدي أو الأم العذراء" (1975)، و"الحب الهلاكي" (1977) و"فرانسيسكا" (1981). الأفلام الأربعة مقتبسة من نصوص لبرانكو نُشرت في القرن التاسع عشر. عن الحبّ الخائب كان يقول: "الفنان يحب الهاوية ويحتاج الى أجنحة، حتى لو كانت مصنوعة من الشمع مثل أجنحة ايكاريوس. تجنّب الهاوية ينسينا خطر الموت المحتم". ان اصعب ما يواجهه الفنان، من وجهة نظره، هو "ان يُفهم عمله جيداً". يقول: "تكمن المشكلة في عدم الفهم أكثر من عدم التواصل. لا ينتهي الفيلم السينمائي الا عندما يراه المُشاهد، فهو يرى أحياناً اموراً لا نعرفها نحن المخرجين. لا أريد ان أصبح معلماً، بل ان أبقى تلميذاً. أريد أن أتعلم، حتى لو كان مع مبتدئين".

المدن الإلكترونية في

03.04.2015

 
 

شيرلوك هولمز.. المحقق الذي يصلح لكل زمان

علياء طلعت – التقرير

المحقق هولمز الشخصية الخيالية التي أبدعها الكاتب “سير آرثر كونان دويل”، وأعطاها من روحه حتى أصبحت بالنسبة لكثيرين مجسمة وحقيقة أكثر منه هو شخصيًا.

فالباحث حول شيرلوك هولمز، سيجد أن المعجبين جمعوا من قصصه ورواياته قصاصات قليلة صنعوا منها ثوبًا كاملًا وهو حياته، ما بين طفولته، شيخوخته، علاقاته العاطفية والأهم بالطبع مغامراته مع شريكة العتيد “جون واطسون”.

ظهر شيرلوك أول مرة عام 1887 في رواية “دراسة باللون القرمزي”، ونُشرت أربع روايات له بالإضافة إلى 56 قصة قصيرة، وقد استوحى الكاتب الشخصية من أستاذه الدكتور “جوزيف بل”؛ حيث انبهر بقدرته على التوصل إلى استنتاجات معقدة من تفاصيل بسيطة.

ولهولمز ملامح شخصية مميزة جعلت من تقمصه في الأعمال الفنية عملًا شديد الصعوبة والسهولة في آن واحد؛ فهو ذكي، متغطرس، مغرور، ذو طبيعة باردة متباعدة، وحس دعابة حاد قد لا يفهمه كثيرون، بعيد عن مفهوم البطل حامي العدالة الذي قد نراه في شخصيات روائية أخرى، فيستشعر القارئ أن ما يفعله ليس بغرض تحقيق العدل قدر إرضاء نفسه واستعراض قدرته في الوصول للحقيقة، وهذا ما جعل تقمص الشخصية سهلًا لو اتبع الممثل هذه العلامات الواضحة، ولكن شديد الصعوبة؛ لأن من يجيد هذا الدور يجب أن يصل لروح هولمز نفسها بحيث لا يتمادى في جانب ويهمل آخر.

وبالطبع شخصية بهذه الجاذبية تم تناولها في العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، بدءًا من فيلم Sherlock Jr، الذي تم إنتاجه عام 1924، وحتى فيلم Sherlock Holmes: A Game of Shadows والذي تم إنتاجه عام 2011، واليوم نستعرض بعضًا من هذه الأعمال.

يمكنكم مشاهدة قائمة بالأعمال الفنية حول هولمز هنا.

وكانت البداية مع شيرلوك الصامت Sherlock Jr، فيلم صامت من إنتاج عام 1924، وهو يعتبر من أوائل الأعمال التي تناولت قصص شيرلوك هولمز من الناحية السينمائية، الفيلم تدور أحداثه في إطار كوميدي خيالي، والبطل شاب يعمل في دار عرض الأفلام ويأمل في أن يصبح محققًا في يوم من الأيام، يريد إهداء حبيبته صندوق شيكولاتة والتقدم لزاوجها، بينما غريمه يحاول أن يورطه في سرقة قام الأخير بها، وعندما يرجع العاشق الجريح لعمله ينام ليحلم بأنه أصبح المحقق الشهير شيرلوك هولمز، والذي ينجح بالطبع في التوصل للحقيقة بعد فاصل من المواقف الكوميدية.

الفيلم من إنتاج أمريكي، ويشبه كثيرًا أفلام شارلي شابلن في أسلوب التصوير، ومن إخراج وبطولة Buster Keaton، وتم اختياره في المرتبة 62 في قائمة أكثر الأفلام كوميديا.

شيرلوك بالنكهة الأمريكية

بالطبع السينما والتليفزيون الأمريكي قدما أغلب الأعمال المقتبسة من قصص شيرلوك هولمز، ولكن هنا نقصد الفيلمين الأحدث في هذا الإنتاج Sherlock Holmes وSherlock Holmes: A Game of Shadows، وتم إنتاجهما عام 2009 و2011 على الترتيب، وهما من إخراج Guy Ritchie، وبطولة Robert Downey Jr في دور شيرلوك، وJude Law في دور الدكتور واطسون، وتم ترشيح الجزء الأول لجائزتين أوسكار لم يفز بأي منهما بينما فاز روبرت داوني جونيور بجائزة الجولدن جلوب عن دوره في الجزء الأول.

وعلى الرغم من أن الفيلمين حاولا نقل روح القصص والشخصيات بالضبط والطابع الإنجليزي؛ إلا إنهما لم يفلحا في ذلك تمامًا، فظل الطابع الأمريكي مسيطرًا، سواء على الشخصيات أو الحوار أو الموسيقى التصويرية.

فالفيلم الأول دار حول اللورد بلاكوود الذي يتم إعدامه بسبب جرائم قتل وممارسة السحر الأسود، ولكن بعد ذلك يُكتشف إنه لم يمت؛ بل عاد للانتقام والسيطرة على العالم عن طريق التحكم في منظمة ماسونية، وهدفه هو الوصول إلى الولايات المتحدة وإعادتها للحكم البريطاني في لمسة أمريكية الطابع تمامًا، أما الجزء الثاني فدارت أحداثه حول البروفيسور “موريارتي” الذي يرغب في التحكم في العالم أيضًا ولكن هذه المرة بطريقة أكثر ذكاء وحنكة، فهو يعمل على امتلاك مصانع ضخمة مختلفة مثل مصنع لإنتاج الضمادات الطبية وآخر لإنتاج الأسلحة، ثم يصنع السوق الملائمة لهذه المنتجات وهي الحرب بالطبع، وهو الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في الحقيقة.

الفيلمان يتميزان بخفة ظل وموسيقى تصويرية مميزة، وبالطبع إخراج رائع تم استخدام تقنيات تصوير متعددة به، ويضمنان للمشاهد ساعات من المتعة والإثارة.

شيرلوك الأصلي

هذه المرة التناول عبارة عن مسلسل من إنتاج بريطاني، بدأ أول موسم عام 2010، ومستمر إلى الآن، عدد حلقات المسلسل قليلة (كل موسم ثلاث حلقات فقط)، وكل حلقة طولها ساعة ونصف مما يصنع منها فيلمًا تقريبًا، وهو من بطولة Benedict Cumberbatch في دور شيرلوك هولمز وMartin Freeman في دور دكتور واطسون.

من المتوقع أن العاملين على تحويل أي نص أدبي إلى سينما، عليهم أن يبحثوا في كل تفاصيل الشخصية بقراءة العمل أكثر من مرة، ولكن أعتقد أن أي فريق قام بعملية التحويل هذه لم يبذل المجهود الذي قام به كتاب مسلسل شيرلوك؛ فكل تفصيلة صغيرة في الروايات والقصص تم سردها بطريقة أو بأخرى في المسلسل حتى لو كانت في جملة عابرة قد لا ينتبه إليها المشاهد العادي غير العالم بتفاصيل الشخصية، ليصنعوا لنا في النهاية عملًا فنيًا متقنًا للغاية نقل شخصية المحقق شيرلوك كما لم يحدث من قبل.

تدور أحداث المسلسل في لندن المعاصرة على غير العادة، وبالطبع هذا أثرى المسلسل بشدة مع كل التغييرات التكنولوجية التي حدثت منذ وقت كتابة الروايات في نهاية القرن التاسع عشر، أضف على ذلك الأداء المميز للبطل الذي استطاع الوصول إلى روح هولمز الحقيقية أكثر من أي ممثل آخر قام بهذا الدور، وحس الدعابة البريطاني المختلف عن الأمريكي تمامًا، واعتماد المسلسل على التحليل المنطقي لكل تفصيله بطريقة مميزة في عرضها على المشاهد، لنجد أننا أمام أكثر عمل فني نجح في نقل أعمال آرثر كونان دويل إلى الشاشات بدون تحويلها إلى فيلم حركة؛ بل هي الإثارة والتشويق في أقصى صورها.

صفحة الفيلم الأول

إعلان الجزء الأول

صفحة الجزء الثاني

إعلان الجزء الثاني

التقرير الإلكترونية في

03.04.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)