كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الفيلم الأردني «ذيب» لناجي أبو نوار..

مغامرة تشويقية تتأمل جماليات الصحراء

عمان - ناجح حسن

 

بعد إنطلاقته اللافتة في مهرجانات السينما العربية والعالمية: تورنتو ، فينيسيا، ابو ظبي، القاهرة ، الدوحة، قرطاج،لندن، مومباي، وسواها كثير، أثبت صناع الفيلم الروائي الأردني الطويل (ذيب) قدرتهم على منافسة قامات الفن السابع الرفيعة.

واصل فيلم (ذيب) الذي أنجزه المخرج الشاب ناجي أبو نوار ، مسيرته في ملتقيات السينما قاطفا جوائز النقاد كافضل فيلم وافضل مخرج، وحائزاً على إعجاب الحضور المتنوع الثقافات، حيث خصصت له الكثير من المهرجانات عروضا إضافية لتلبية رغبات رواد وعشاق السينما.

قبل أسبوعين حطّ (ذيب) رحاله في صالات العرض الموزعة بالمدن والعواصم العربية ومنها دور السينما في عمان بالأردن، تسبقه شهرة عربية ودولية ذائعة الصيت، من النادر ان حققها فيلم سينمائي اردني طيلة 55 عاما من الزمان على ظهور أول فيلم أردني طويل حمل عنوان (صراع في جرش) 1959.

صوّر فيلم (ذيب) مغامرة صحراوية تدور في البادية الاردنية ابان العام 1916، وتتلخص في حكاية الفتى البدوي ذيب وشقيقه حسين اللذين يتركان مضارب قبيلتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر مع بدء الشرارة الاولى للثورة العربية الكبرى، حيث تقع على الفتى مسؤوليات جسام خاصة عندما يتعلق الأمر باصراره أن يعيش أمام كل هذا التطاحن والعنف والقسوة الآتية من الصراعات التي تنشب بين مجموعات من الناس المتنافرين في رؤاهم، فهناك عساكر العثمانيين والجنود البريطانيين ورجالات الثورة العربية الكبرى وعصابات قطاع الطرق، كل ذلك يسري في مناخات وتضاريس البيئة الصحراوية الصعبة.

أمام كل هذه التحديات يأتي اصرار الفتى ذيب على ان يصل الى نهاية رحلته الشاقةباطمئنان وثقة بعد ان يكون فهم ما يجري حوله من مخاطر تجول باحساسه العفوي في ولوج عتبة الرجولة ودراية الفروقات بين معاني الثقة والغدر والانتقام.

يحسب للمخرج ومؤلف الفيلم ابو نوار انه اختار موضوع فيلمه الحائز على جائزة افضل مخرج في قسم (آفاق جديدة) في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بدورته الحادية والسبعين، من بين تلك القصص والحكايات المتداولة في الموروث الشفهي للبيئة البدوية وصاغ
من تلك الاشعار والقصائد النبطية المفعمة بالامل والصبر والتحدي فيلما سينمائيا يفيض بمفردات وعناصر من اللغة البصرية الآسرة.

اتكأ ابو نوار في انجازه لفيلم (ذيب) على ذائقته الشخصية في الشغف بتلك السينما الكلاسيكية العالقة في ذاكرة عشاق الفن السابع، خاصة افلام الايطالي سيرجيو ليوني الموسومة بسينما الغرب (الكاوبوي) او اشتغالات المخرج الاميركي جون فورد في فيلم (الباحثون)، وايضا افلام الاميركي سام بكنباه صانع فيلم (الزمرة المتوحشة)، والمخرج الياباني اكيرا كوروساوا صاحب الرائعة السينمائية (الساموراي السبعة)، لكن كاميرا الفيلم لا تدنوا من رائعة البريطاني ديفيد لين الملحمية المعنونة (لورنس العرب)، بقدر ما تستفيد–رغم ميزانية الفيلم المقتصدة–من البيئة والمكان والفترة الزمنية في تصوير فيلم بليغ بقيمته الجمالية والدرامية على نحو اكثر صدقا وفهما واحتراما لعقل المتلقي وذائقته حين قدم مشهدية جمالية تدور وقائعها في الصحراء الاردنية ابان فترة تاريخية مطلع القرن الفائت خلال التواجد العثماني.

تتمحور قصة الفيلم عن الفتى ذيب الذي يقطن مع افراد قبيلته البدوية جنوب الأردن، وذات ليلة يصل رجل من قبيلة أخرى ومعه ضابط بريطاني، ترحب بهما القبيلة وتستضيفهما بالكرم المعهود لعابري السبيل ثم يتبين ان الضابط البريطاني في مهمّـة عسكرية وهو بحاجة إلى دليل يوصله الى بلوغ طريقه المحفوفة بالمخاطر، ويقع الاختيار على شقيق ذيب ليقوم بهذه المهمة كونه يعرف تضاريس الصحراء هنا يقوم شقيقه الاصغر ذيب باللحاق بشقيقه وصحبه ويفرض نفسه عليهم ، لكن الفتى ذيب يكتشف ان بحوزة الضابط البريطاني صندوق يصر الاطلاع على محتوياته، لكن فجأة تداهمهم احدى عصابات قطّـاع الطرق ويسقط الضابط البريطاني وصاحبه صريعين ويهرب ذيب برفقة شقيقه الى كهوف جبلية ويتصديان معا لافراد العصابة لكن المعركة تستمر طيلة الليل ليكتشف ذيب ان شقيقه سقط هو الاخر صريعا ولم يبق سواه وواحد من افراد العصابة يعاني من جروح بليغة وينطلقا معا صوب واحد من مخافر الجنود العثمانيين حيث يريد رجل العصابة ان يبيع محتويات الصندوق لضابط المخفر العثماني لكن في هذه الاثناء يكون ذيب قد صمم على الثأر لشقيقه الذي قتله افراد العصابة.

وظّف ابو نوار تصويره البديع لوقائع الفيلم داخل فضاءات الصحراء الاردنية وتكويناتها وقدمها في جماليات مستمدة من عدسة مدير التصوير وولفغانغ تالر، حيث التوتر والغموض والتشويق وفطنة التدرج في تصعيد الاحداث والتأمل في معانيها وابعادها الانسانية والسياسية البليغة.

حصل فيلم (ذيب) في طور إنتاجه على دعم لتغطية جزء من تكاليف طاقم العمل، وذلك من خلال برنامج «قطار الأفلام» التابع للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الذي يرمي إلى خلق فرص عمل للطاقم المحلي والاستثمار في تدريبهم إلى جانب توفير حافز مالي للمنتجين، كما قدمت الهيئة التسهيلات وخدمات الإنتاج اللازمة لتسهيل عملية التصوير.

أنجز الفيلم (ذيب) بتعاون إنتاجي بين شركة بيت الشوارب التي أسسها باسل غندور، مع نور بيكتشرز وشركة الخلود للإنتاج الفني، وشارك في الإنتاج كل من: نادين طوقان، ناصر قلعجي وليث المجالي.

تم تصوير الفيلم في البادية الجنوبية الأردنية بمشاركة عدد من أهالي المنطقة الحقيقييين، حيث ظهروا بأدوار رئيسية في الفيلم وهي تجربتهم الأولى في الوقوف امام الكاميرا بعد إشراكهم في ورش عمل للتمثيل والأداء، حيث برع المخرج أبو نوار في ادارتهم على نحو مميز خاصة في تلك الأدوار الرئيسية التي أدّاها: جاسر عيد، حسن مطلق، وحسين سلامة، ومرجى عودة، وهم من بين الاهالي القاطنين في تلك المنطقة النائية بالجنوب التي كانت شاهدة على وقائع حقيقية من احداث تلك الحقبة التي صورها الفيلم.

فيلم (ذيب) الذي شارك في اداء ادواره الممثل البريطاني جاك فوكس هو التجربة الثانية لناجي أبو نوّار في صناعة الافلام عقب تحقيقه لفيلمه الروائي القصير (موت ملاكم) الذي شارك فيه بالعديد من المهرجانات العربية والدولية، وجاء عمله بفيلم (ذيب) عقب دراسته الجامعية في لندن حيث انضم لورشة (راوي) لمؤلفي السيناريو في الأردن التي تُنظّم بالاشتراك بين الهيئة الملكية الاردنية للأفلام ومعهد ساندانس، وأمضى ثلاثة اعوام من العمل المتواصل في الكتابة والبحث عن التمويل ليتمكن من انجاز فيلم (ذيب) حيث نال منحة صندوق الملك عبدلله الثاني وصندوق سند في أبو ظبي، ومنحة مؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق رؤى من سويسرا.

فيلم «الأزمنة الحديثة» في «شومان»

عمان - الرأي

يحتل فيلم «الأزمنة الحديثة» الذي تعرضه مؤسسة شومان الساعة السادسة والنصف مساء اليوم، المرتبة الحادية والثمانين في قائمة معهد الأفلام الأميركي لأفضل 100 فيلم أميركي. وهذا الفيلم هو الفيلم الثالث من ثلاثة أفلام في هذه القائمة للمخرج تشارلي تشابلين. والفيلمان الآخران هما «البحث عن الذهب» (1925) في المرتبة الرابعة والسبعين و»أضواء المدينة» (1931) في المرتبة السادسة والسبعين. وهذه الأفلام الثلاثة من الأفلام الصامتة، علماً بأن تشارلي تشابلين كان قد أعدّ حواراً كاملاً لفيلم «الأزمنة الحديثة»، إلاّ أنه غيّر رأيه فيما بعد وقرر أن يقدمه كفيلم صامت باستثناء بعض الأصوات غير المسموعة جيداً والموسيقى التصويرية. ومن الممكن وصف فيلم «الأزمنة الحديثة» بأنه فيلم صامت – ناطق.

ومع أن بعض النقاد يعتبرون فيلم «الأزمنة الحديثة» قمة الأعمال السينمائية للمخرج تشارلي تشابلين، فإن ترتيب قائمة معهد الأفلام الأميركية يضع فيلمي «البحث عن الذهب» و»أضواء المدينة» قبله، وهو ما يتوافق مع رأي معظم النقاد.

ويلقي تشارلي تشابلين في فيلم «الأزمنة الحديث» نظرة ساخرة على عصر الآلة التي تتحكم في حياة الإنسان وتعالج العناصر الرئيسية للقصة مشاكل الآلات الحديثة وخطوط التجميع في المصانع والبطالة والأزمات الاقتصادية في العالم، أي «الأزمنة الحديثة» في أوائل فترة الثلاثينيات التي عانت فيها الولايات المتحدة من الكساد الاقتصادي في عالم شهد وفرا من الطعام والآلات جنبا إلى جنب الجوع والبطالة، كما يعالج في سياق القصة طائفة من المشاكل الاجتماعية.

تعود في فيلم «الأزمنة الحديثة» لآخر مرة في أفلام تشارلي تشابلين شخصية «المتشرد» التي قام بتطويرها في أواسط فترة العشرات، والتي أصبحت علامته المميزة. ويقع «المتشرد» في فيلم «الأزمنة الحديثة» تحت رحمة الآلية الصناعية الهائلة للمجتمع التكنولوجي. فهو في هذه القصة عامل في خط للتجميع بأحد المصانع، حيث يستخدم رجال الأعمال الأثرياء خطوط التجميع والآلات الضخمة لزيادة الإنتاج على حساب استغلال العمال. ويقع هذا العامل ضحية للرتابة غير الإنسانية للعمل في المصنع، بحيث ينتهي به الأمر بتعرضه لانهيار عصبي بعد أن يتحول إلى إنسان آلي.

ومع أن فيلم «الأزمنة الحديثة» من الأفلام الصامتة التي تخلو من الحوار فهو يشتمل على موسيقى تصويرية وأغنية من ألحان تشارلي تشابلين.

وبلغت تكاليف فيلم «الأزمنة الحديثة» 1,5 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لأفلام تلك الفترة، وقد خسر الفيلم نصف مليون دولار في الولايات المتحدة،ولكنه استعاد خسارته وحقق أرباحا كبيرة في الدول الأخرى.

ومع أن قصة فيلم «الأزمنة الحديثة» مبنية على أحداث وقعت في أوائل فترة الثلاثينيات، فان الفيلم لم يفقد قوته وواقعيته على مر السنين. بل إن الفيلم اكتسب المزيد من القوة والتأثير مع مر الزمن، كما اتضح عند إعادة عرض الفيلم في دور السينما الأميركية في عقد الخمسينيات.

وقد نجح تشارلي تشابلين في موازنة رسالته السياسية في الفيلم مع تأملاته الإنسانية الرقيقة في معنى الحياة وجدوى العمل. ويقول تشارلي تشابلين في كتاب «سيرتي الذاتية» إنه استوحى فكرة استخدام خطوط التجميع في المصانع وأثر الآلات الجديدة على حياة العمال والناس في فيلم «الأزمنة الحديثة» من صحفي حدّثه عن مصانع مدينة ديترويت عندما أبلغه أنه سيقوم بزيارتها، حيث ينزح المزارعون عن مزارعهم للعمل في تلك المصانع التي يتحولون فيها بعد التعرض لضغوط العمل لبضع سنوات إلى كتل من الأعصاب الملتهبة.

الرأي الأردنية في

31.03.2015

 
 

«أفراح صغيرة» يتغلغل في أعماق المجتمع النسوي المحافظ ويكشف أسرار ما وراء الأسوار

المخرج المغربي محمد الشريف الطريبق يتحدث عن فيلمه الأخير

فاطمة بوغنبور - تطوان ـ «القدس العربي»:

«أفراح صغيرة» فيلم مغربي حضر ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الطويل في مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط. أحداث الفيلم تغوص في عمق المجتمع التطواني المحافظ فترة الخمسينات من القرن الماضي. صورت جميع مشاهده في تطوان بممثلين وطاقم فني تطواني صرف بل أن أحد مشاهده صورت في سينما أفينيدا حيث سيشهد عرضه الرسمي الأول ضمن مسابقة المهرجان. مخرج الفيلم محمد الشريف الطريبق ابن شمال المغرب وتحديدا مدينة العرائش غير البعيدة عن تطوان، يعتز بأنه ابن هذه الأرض وحمل على عاتقه ثوتيق هذه المنطقة سينمائيا فكانت أفلامه جميعها بهوية شمالية متوسطية. منذ فيلمه القصير الأول «نسيمة» الى فيلم «زمن الرفاق» الذي حصد سبع جوائز عالمية والذي يتحدث عن حقبة الصراعات الإيديولوجية الطلابية فترة السبعينات في مدينة تطوان، في هذا الحوار تحدث الطريبق عن إيمانه بالسينما الأصيلة التي تمتح شكلها ومضمونها وموسيقاها من البيئة الأصيلة للبلاد. وعن هموم ومواضيع اخرى:

ماذا يعني لك عرض «أفراح صغيرة» في إطار مسابقة مهرجان تطوان؟

□ غالبا ما يحرص المخرجون على عرض أفلامهم بعيدا عن المدن التي صورت بها لكني شخصيا حرصت أن يكون عرض «أفراح صغيرة» الرسمي والدولي الأول هنا في تطوان، وهذا الأمر يعنيني جدا فأقل تعبير عن امتناني لهذه المدينة ولما منحتني إياه أن تحظى بعرضه الرسمي الأول. فلو كان العرض في مدينة أخرى سيكون هاجسي سينمائي فقط لكن عرض تطوان ذو هواجس أيضا نفسية وإنسانية حماس وارتباك وإحساس بالانتماء والترقب.

ما هي قصة الفيلم؟

□ يحيلنا زمن الفيلم لفترة الخمسينات عبر قصة صداقة بين شابتين إحداهما ابنة مغنية جوق موسيقي نسوي، تقودنا علاقة الشابتين للتغلغل في أعماق المجتمع النسوي المحافظ فيما وراء الأسوار من أسرار. وترافقنا طيلة الفيلم أغاني الجوق الموسيقي النسائي المعبرة عن حالات الفيلم الإنسانية مثلما يرافقنا أيضا لباس المنطقة وتقاليدها وعاداتها ولهجتها وكل ما يمت بصلة لتطوان التاريخ والعمق والهوية. واخترت فترة الخمسينات نظرا للتغيير الكبير الذي عرفه المغرب في تلك المرحلة الدقيقة بفعل عوامل عديدة منها الاستقلال. أردت أن أصور كيف تتأقلم المرأة المحاصرة بفضاء مغلق مع الوضع المفروض بل وتجمله لدرجة نجد النساء تعشن الفرح والبهجة في ذروة انغلاقهن، فتقلبن معطيات الواقع لصالحهن.

ما الذي أوحى لك بفكرة الفيلم؟

□ كثيرا ما سألت لماذا لا نجد أفلاما مغربية تستوحي كل شيء اللباس الأجواء العامة فضاءات التصوير من الخصوصية المغربية الصرفة، قرأت أيضا كتاب «نساء على أجنحة الحلم»  لفاطمة المرنيسي والذي  تحكي فيه طفولة فترة الأربعينات في تطوان بتفاصيل  دقيقة  أنضجت أكثر الفكرة بداخلي، خصوصا وأن فاطمة المرنيسي علميا وسوسيولوجيا تمنحك دراية وعمقا كبيرا للمجتمع التطواني بكل جوانبه، استعنت أيضا بالذاكرة الشفهية  لنساء المنطقة ومنهن الفنانة التشكيلية وابنة تطوان خديجة طنانة التي راجعت معي السيناريو ودققنا معا بعض الحوارات والعبارات المتناسبة وحقبة الفيلم وتقاليد المنطقة آنذاك.

انتبه العديد من المخرجين مؤخرا لشمال المغرب تطوان طنجة وشفشاون. عبر العديد من الأفلام والمسلسلات «للا منانة» نموذجا لماذا؟

□ هي «دمقرطة « بات يعرفها المجال السينمائي في المغرب، مرت فترة في المغرب بالفعل كانت السينما تصنع فقط انطلاقا من الرباط والدار البيضاء، لكن الآن تغيرت الأوضاع فالإعلام أصبح حاضرا بقوة هنا وسياسيا هناك التنظيم الجهوي فلم تعد المنطقة مهمشة كما كانت. والجمهور تعب من لهجة واحدة. لأن جمهور المغرب متنوع منه الأمازيغي والشمالي والصحراوي وساكنة الوسط دكالة عبدة كل من هؤلاء يريد أن يرى نفسه ويسمع صوته.

لكن هناك «كليشيهات» سينمائية في المغرب تصور غالبا ابن منطقة الجديدة ودكالة وعبدة مثلا تلك الشخصية العنيفة الأمية ذات الصوت المرتفع فيما دراما شمال المغرب تمنحنا صورا جميلة طبيعة ولباسا وطباعا؟

□ فنيا هذا الأمر كان قد شمل كل مناطق المغرب. ضحكنا من الفاسي والشمالي والعروبي والأمازيغي، لكن الأمر اختلف حين أصبح ابن المنطقة هو من ينجز عنها فيلما، ذاك ينتج تصالحا وصدقا في الأداء والتصور، فقد اعتدنا للأسف في السابق حين نود أن نضحك الجمهور نقلد الاخر المختلف عنا وهذي في نظري عنصرية لا ينبغي أن يسقط الفن داخل البلد الواحد في شباكها.

معروف عنك الاستعانة بالوجوه الجديدة في أعمالك الفنية، لماذا؟

□ في الغالب أتعامل مع فترات عمرية محددة لا أجدها متوفرة لدى المحترفين، في فيلم «زمن الرفاق» مثلا كنت في حاجة للفئة العمرية من 19 إلى 23 سنة. وانا بالعادة أقضي مدة زمنية طويلة في إعداد وتصوير الفيلم والبحث في موضوعه وأحتاج ممثلين متفرغين، أيضا أحب أن أنتج فيلم جديدا غير مطروق على مستوى الفضاءات والموضوع والوجوه ثم بطبعي استمتع بصناعة الفنان الممثل وأعمالي متوافقة مع هذا الأسلوب.

تنتمي لجيل جديد من المخرجين الشباب. توصفون بأنكم تحملون مشروعا فنيا مختلفا؟

□ لم نتفق أو نقرر ذلك وان كانت هناك قواسم مشتركة فقد فرضتها إكراهات اللحظة والهموم والاجواء العامة التي نتقاسمها، ومشروعي الشخصي أن أقدم سينما أصيلة مغربية في كل أبعادها سينما هي لسان حال مجتمع بأكمله. سينما أوظف فيها ثقافتي وانتمائي لهذه المنطقة بكل مكوناتها.

هل الجو العام في المغرب مهيأ للأبداع؟

□ سؤال الابداع والجوائز غير مطروح في الخارج في رأيي نحن في حاجة أكثر لنرى أنفسنا وليتعرف الاخر على المغاربة كيف يعيشون ويفكرون ويحلمون، كمهني أحتاج فقط بنى تحتية وقوانين تسمح لنا بالاشتغال. فيما سؤال الإبداع هو نسبي وقضية ذوق، نحتاج أن ننتج وثائق وصور غزيرة تعطي للأجيال القادمة صورا واضحة عن أسلوب عيشنا. وفي الوقت الحاضر المغاربة يتابعون بنسب مشاهدة عالية الانتاجات المحلية مهما كان موضوعها ومستواها وحجم ما يوجه لها من انتقادات.

بعد «زمن الرفاق» و»أفراح صغيرة» هل تعيش كمخرج مخاضا فكريا جديدا ذا صلة بشمال المغرب؟

□ تراودني رواية كتبت في الثمانينات وتحكي تاريخ تطوان منذ التأسيس إلى اليوم. تمنيت أيضا لو تناولت حياة شخصيات تاريخية صنعت المنطقة لكننا للأسف نفتقد سير ذاتية ووثائق تاريخية تمنحك مادة جاهزة قابلة للتشخيص. وأقل بحث شخصي في هذا الاتجاه لشخصية ما قد يتجاوز الأربع سنوات من التفرغ، ما يوجد من سير ذاتية تغوص فقط في الهواجس الذاتية للشخصية لكاتبها وبإمكان مخيلة المخرج أن تنتجها. بعكس ما يكتب في مصر مثلا وقد قرأت أخيرا سيرة ذاتية عن سعد زغلول أحسست أني قادر على تحويلها لفيلم لو توفرت الفرصة والإمكانيات. ثم في المغرب نحن في حاجة لكسر الخطاب التيأيسي الذي يصيب بالإحباط عبر صناعة النموذج التاريخي الناجح من أجل تقديمه للأجيال الجديدة كي تعرف الى أي حد أنجبت هذه الأرض أبطالا.

روجينا: أفكر في إنشاء مسرح خاص بي مع زوجي

تشارك في 3 مسلسلات مهمة في دراما رمضان

محمد عاطف - القاهرة – «القدس العربي»:

تشـارك النجـمة روجينا في ثـلاثة أعماـل درامية خلال رمضان المقبـل وتعتـبرها من أهم المسلسلات وهي « حالة عشق» مع مي عز الدين في دور شخصية مركبة ورومانسية ولديها عقدة في حياتها بسبب أبيها.

ومسلسـل « بعد البـداية» في أول بـطولة مطلقة للفنان طارق لطفـي وتلـعب دور زوجته ويتم الانفصال بينهما ولا يجد سواها بعد ذلك أمانا في حياته .

أيضا مسلسل بطولة لها في « بين السرايات « زوجة باسم سمرة صاحب مكتبة في حارة شعبية ولي طله مختلفة فيه تأليف أحمد عبد الله وإخراج سامح عبد العزيز وهي نفس الحالة الشعبية لفيلم « الفرح».

اعتذرت روجينا عن مسلسل « ألوان الطيف وتقول : هو تجربة مختلفة لكنني خشيت من 60 حلقة والتنسيق مع الأعمال الأخرى . مضيفة : أفضل مسلسل أل 30 حلقة حتى أبعد عن إجهاد الحلقات الطويلة .

أوضحت : أنها تخرج من دور إلي أخر مختلف وتعرض لشخصيات لم تقدمها .

عن دور بائعة هوى في « كلام على ورق « قالت : هي حالة تحدي من المخرج محمد سامي وشعرت بأنها شخصية ضعيفة وكنت سأرفض لكن سامي أقنعني خاصة أنني أحب العمل معه.

أضـافت : محمد سامي يثق في قدراتي جدا ويراني في شخصيات مركبة وصعبة ولذا أوافق على ترشيحاته وعندي خوف دائم وهذا يدفعني للأفضل ولذا في مسلسل «مع سبق الإصرار» تحديت نفسي لأكون أو لا أكون في دور كان جديدا تماما علي.

لكنك بعيدة هذا العام عن محمد سامي وترد قائلة : عندي رعب في اختياري بعيدا عن محمد سامي وأنا مع 3 مخرجين مهمين سامح عبد العزيز و إبراهيم فخر و أحمد خالد وستكون نقلات في الدراما التلفزيونية وأركز جيدا وأتشاور مع محمد سامي حول اختياري لأنه صديق.

أين أعمالك مع زوجك أشرف زكي قالت : جمعنا محمد سامي العام الماضي في « كلام على ورق» وكلامي مع أشـرف أن يكون لي مسرح خاص بي أن أشتري أرضا لأبني عليها مسرحا مع أشرف وتؤكد أن المسرح حالة فنية خاصة تحب التواجد بـه.

عن السينما قالت :لا توجد مشروعات سينمائية وعرض علي العام الماضي واعتذرت لعدم اقتناعي بالعـمل وأحـب التـواجد في السينما بأفلام قوية فقط.

عن مشـروع المطعـم قـالت: أنـا ومجـموعة أصدقاء فكـرنا في المشـروع وافتـتحنا مطعما يقــدم الأكلات المصرية الشهية.

القدس العربي اللندنية في

31.03.2015

 
 

رشيد مشهراوي: مؤسسات الطفل شعاراتها كاذبة

مروة عبد الفضيل

عُرض للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في مهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل الـ 22، عدد من أفلامه. في هذا السياق، صرّح مشهراوي، في حديث إلى "العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ الطفل بالنسبة له كيان، والمفترض أن يكون كذلك بالنسبة لأي شخص لأنّه بحاجة إلى رعاية شديدة، "وأن ندعم الفن فيه لما للفن والسينما من تأثير إيجابي شديد عليه".
وأوضح أنّ هذا ما لمسه بنفسه حين جلس مع عدد من الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا، وطلب من بعض الأشخاص المسؤولين عن الأطفال، دعمهم فنياً، من خلال مشاهدة الأفلام السينمائية وكل أنواع الفنون. وبالفعل، شاهد الأطفال أحد أفلامه، ولمس مشهراوي، كما يؤكد، تفاعل الأطفال مع الفيلم، ممّا دفعه إلى إرسال عدد كبير من أفلامه إليهم لمشاهدتها.

وخصّص رشيد فلسطين في حديثه، قائلاً: "واجهت الاحتلال مثلها غيرها من الدول، وكل عربي تذوق مرارة الاحتلال، لكن الشيء الذي لا يمكن احتلاله هو الفن"، موضحاً أنّ السينما هي بحد ذاتها سلاح ومقاومة، جعل كثيرين -وهو واحد منهم- أن يتحمل مرارة الاحتلال كوني من الأشخاص الذين مروا بأحداث مأساوية. إذ خُطف والدي أمام عيني، وكان من أقسى وأفظع المشاهد التي شاهدتها في حياتي".

وأدان رشيد ما تتحدث عنه المؤسسات التي من المفترض أنها منوطة بالأطفال، قائلاً: "هذه المؤسسات لا تقدم شيئاً للطفل ولا تفيده، فكل ما تفعله هو رفع الشعارات فقط. فكم من نشاطات يتحدثون عنها وأنّهم بصدد تنفيذها، لكن واقعياً، تأتي النتيجة صفر، ما يعني أنّ الطفل العربي يواجه أشد أنواع الظلم".

ومن أبرز القضايا الخاصة بالأطفال والتي تؤرق مشهراوي هي عمالة الأطفال وحرمانهم من عيش حياتهم الطبيعية. فالعمالة برأيه، هي اختلاس لبراءتهم، لذا رصد هذه الظاهرة في أحد أفلامه التي عرضت في المهرجان، حمل اسم "حوراء.. بغداد". هو فيلم وثائقي يقع في 52 دقيقة، يرصد حياة الأطفال في بغداد خلال الحرب على العراق. تم تصويره أثناء زيارة قام بها إلى بغداد، وسلط فيه الضوء على الأطفال الذين أُجبروا على العمل في أنحاء المدينة لكسب قوتهم اليومي.

وعن رأيه بطريقة طرح القضية الفلسطينية في السينما العربية بشكل عام، قال: "مع احترامي لكل من تحدث عن القضية في أعماله، يبقى الفلسطيني وحده هو الأكثر قدرة على التعبير عن مأساته. وهنا، لا ننسى أن بعضاً من السينمائيين الفلسطينيين يصورون أعمالهم خارج أراضي فلسطين، وهو ما يسهم في عدم توضيح الصورة كاملة للمتلقي، وذلك باستثناء بعض التجارب التي تم تصويرها على أرض فلسطين".

يذكر أنّ في أسبوع السينما الفلسطينية المقامة ضمن مهرجان سينما الطفل، سيعرض لمشهراوي "عينٌ على غزة" الذي صُوّر في إحدى الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفيلم "إلى ياسر عرفات.. تحية طيبة وبعد"، وهو فيلم يحمل رسائل من أطفال فلسطين إلى الشهيد الرمز ياسر عرفات.

سينما الذاكرة

نجوى بركات

على هامش سؤال طرحه عليّ، كروائية، الصحافي فايز علام، حول ثلاثة أفلام شاهدتها وأحببتها، على أن تأتي الإجابة من دون تحليل وتعليل، وفي سطور قليلة، وجدتني أسمّي أول ثلاثة أفلام خطرت ببالي، لا لأثرها الكبير الذي تركته عليّ، وفي ذاكرتي، بحيث يمكنني وصفها لقطة لقطة، ومشهداً مشهداً، بل خاصة للظرف الذي كنت فيه حين شاهدتها. 

الفيلم الأول هو "البوسطجي" (1968) لحسين كمال، عن قصة ليحيى حقي. كان الفصل صيفاً، وكنا مجتمعين في غرفة التلفزيون. أذكر أني لم أكن قد بلغت العاشرة بعد، وأني كنت قد تجاوزت الساعة التي حُددت لنومي، فيما كان شكري سرحان، ساعي البريد في قرية كوم النحل، في أسيوط، يفتح الرسائل على بخار إبريق الشاي، فيقرأها قبل أن يعيد لصقها وتوزيعها على أهالي القرية. قال أبي الذي كان جالساً عند رأسي، والذي كان يدرك جيداً ولعي الكبير بالتلفزيون، إن الساعة تأخرت، وعلى صغار البيت أن يذهبوا حالاً إلى النوم. ولكن، كيف أترك زيزي مصطفى التي أخبرت أمها أنها حامل من الذي تقدّم لها، ورفضه أبوها، وقد أتلف البوسطجي رسالة حبيبها إليها، متسبباً بموتها قتلاً على يد أبيها لمحو عاره؟ وضعتُ الغطاء على رأسي، وهمدتُ كي أوهم أبي أني غفوت. وبقيت أعضّ على خيوط النسيج القطني بنابيّ، حتى أحدثت ثقباً صغيراً وضعت عيني فيه، وتابعت الفيلم حتى نهايته، "سرقة". 

الفيلم الثاني هو "ابنة رايان" (1970) لديفيد لين، المقتبس عن رواية إيمّا بوفاري، للكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير، وتدور أحداثه عام 1916، في إحدى القرى الإيرلندية المحافظة. تتزوج سارة رايان من مدرّس القرية، روبرت ميتشوم الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً. لكنها، وبعد أن تخيب سريعاً من زوجها، تُغرم بالضابط الإنكليزي الذي جاء ليتولى قيادة الثكنة العسكرية المجاورة. الحب المحرّم ومناظر الطبيعة التي تخلع القلب، وسارة التي تخرج بقميص نوم رقيق، في طقسٍ ينذر بالعاصفة، لعناق حبيبها، وأنا التي أشعر أني شاهدة على ما لا ينبغي لي مشاهدته، في أول خروج لي إلى السينما، وحيدة، أنا ابنة الحادية عشرة على أبعد تقدير. فهي سينما القرية، والكل يعرف الكل، ولا بأس في ذهابي إليها، بعد توسّل وإلحاح طويلين. حتى أصابتني اللوثة، وبات مصروفي كله يذهب، كل صيف، على تذاكر سينما لاكوريدا التي كانت تعرض كل يوم، عند الثالثة تماماً، فيلماً من أحدث الأفلام العالمية التي أنهت جولتها في العاصمة. كانت ابنة رايان تذوب هياماً بالضابط الإنكليزي، وأنا أغرق في مقعدي، فلا تطال قدماي الأرض، فيما تتحرك الشاشة الكبيرة كأنها السماء فوقي، في صالة شبه فارغة. حتى افتضح أمر سارة، وقررت القرية معاقبتها على خيانتها الزوجية، وخيانتها إيرلندا، بإقامتها علاقة مع العدو الإنكليزي. قبضت نسوة القرية عليها، وحلقن لها شعرها في مشهد قاسٍ، لم أحتمل عنفه، فشاهدته خلف أصابعي المبلولة بمياه وجهي...   

الثالث هو فيلم أماركورد (1973)، "إني أتذكّر"، للمخرج الإيطالي فيلليني. هذا كان اكتشافاً رائعاً، وبمثابة خروجي إلى العالم، لإحساسي الغريب بأني كنت، كأبطال الفيلم المراهقين، أغادر عالم الطفولة إلى غير رجعة، فيما كانوا هم يكتشفون أولى ارتعاشات أجسادهم المراهقة. في هذا الفيلم الذي شاهدته مع أختي الكبرى وصديقها، في النادي الثقافي العربي، ثمّة ما أخبرني عن نفسي، وما ستكون عليه، بحدسٍ كنت مدركة أنه لن يخطئني. هكذا، شعرت، وأنا غارقة تحت النفناف المتراكم أمامي بخفة على الشاشة، أني جالسة في شجن هادئ كبحيرة، أشاهد مع أبطالي مرور السفينة – العيد - الحياة.

هذا كله جرى ذات هدأة، قبل أن يبدأ، في عام 1975، فيلمُ لبنان الطويل.

العربي الجديد اللندنية في

31.03.2015

 
 

هل يمكن للموسيقى أن تنقذ حياتك؟!

ياسمين عادل – التقرير

للموسيقى سحر يُحيط بنا فيعزلنا عن العالم أجمع للحظات ننسى فيها ما يؤرقنا أو ننغمس أكثر داخل الوجع لنشعر بأن هناك من يَربُت على أكتافنا، يُهدهدنا ولسان حاله يقول: “أنا هنا، أعلم تمامًا ما تمُر به، فتَيَقَّن أنك لست وحدك ولا تيأس”؛ هذا حالنا نحن من نستمع للموسيقى، فما بال من يكتبونها ويتنفسونها ويعيشون من خلالها؟!

Once“، فيلم أيرلندي إنتاج 2006، تأليف وإخراج “John Carney”، بطولة “جلين هانسارد Glen Hansard” و”ماركيتا إيرجلوفا MarkétaIrglová”، التي كان عمرها 17 عامًا أثناء تصوير الفيلم. وقد رُشح الفيلم لجوائز عديدة، كما فاز بجائزة أوسكار أفضل أغنية أصلية عن “Falling Slowly”.

وتدور أحداث الفيلم حول شاب وفتاة دون أن نعرف اسم أي منهما -فهذا لا يهم- يعيشان بـ “دبلن”. الشاب يعمل بتصليح المكانس الكهربائية مع والده بينما في باقي يومه يكتب أغنيات ويلحنها ثم يعزفها ويُغنيها بطرُقات المدينة مقابل أي مبالغ نقدية يجود بها المارون عليه.

أما الفتاة، فهي من التشيك وقد أتت إلى أيرلندا مع أمها وابنتها تاركة زوجها بالوطن، تعمل ببيع الزهور للمارة وتنظيف المنازل من أجل كسب النقود، غير أن شغفها الحقيقي كتابة الأغنيات والعزف على البيانو على الرغم من أنها لا تملك واحدًا؛ ما يجعلها تذهب من يوم لآخر لأحد محلات بيع الآلات الموسيقية لتعزف هناك بعد موافقة صاحب المكان.

يتقابل الاثنان معًا بالطريق حين تستمع الفتاة للشاب وتُبدي إعجابها بأغنياته متسائلة لماذا لا يُغني تلك الأغنيات بالصباح بينما يكتفي بتأدية الأغاني المعروفة، فيُخبرها أن مارة الصباح لا يُريدون الاستماع إلى ما يجهلونه في حين أن مُستمعي المساء مختلفون، ومن هنا يبدأ الحوار بينهما.

للوهلة الأولى، تبدو الفتاة مُلحة وثرثارة ولكن مع الوقت يبدأ الشابان في التعارف، يجمعهما حُب الموسيقى والأغنيات وليس شيء آخر. ففي الفيلم نحن لا نعرف أي معلومات عن ماضي الأبطال إلا ما يُخبرونه لبعضهما من وقت لآخر لتأتي الحقائق مُتأخرة فيتغير تصورنا -في كل مرة- عن مجرى الأحداث.

مع الوقت، تُنسج بعض المشاعر الدافئة بين البطلين إلا أن واقع زواج البطلة وعدم قُدرتها/ موافقتها على السفر مع البطل إلى لندن للعمل بالموسيقى يقف أمام ما كان من المُحتمل أن يحدث، وقبل أن يرحل البطل يُقرر تسجيل ألبوم بأحد الاستوديوهات لاستخدامه في الدعايا لنفسه بلندن، فيُكوِّن فرقة مع البطلة وبعض موسيقي الشوارع مثلهما ليتشاركوا العزف والغناء والحلم والتنفيذ.

في هذا الفيلم لا يوجد الكثير من الحوار، فقط الأغنيات مع جملة هنا وأخرى هناك، لنتعرف على مشاعر الأبطال من حُزن وغضب وحُب، وِحدة من خلال كلمات الأغاني وكيفية أدائها لتتضافر المشاعر مع الموسيقى بطريقة شديدة البراعة والجمال.

ثم تأتي النهاية فينتهي الفيلم بكل منهما في طريق يُكمل به حياته بعد أن أعاد كل منهما إحياء الآخر من خلال تواصلهما الموسيقي مُقدمين لبعضهما أكبر دعم كان من الممكن أن يحصلا عليه.

Begin Again“، فيلم أمريكي إنتاج 2013 لنفس مؤلف ومُخرج العمل السابق، والذي قام بكتابة هذا الفيلم بعد نجاح “Once” ثم أسند كتابة الأغنيات لجريك ألكسندر، وقد ترشحت أغنيته “Lost Stars” لأوسكار أفضل أغنية أصلية هذا العام.

الفيلم بطولة “كيرا نايتلي/غريتا Keira Knightley” و”مارك رافلو/ دان Mark Ruffalo” و”آدم لافين/ دايف Adam Levine” في أول عمل سينمائي له.

وتحكي القصة عن “غريتا”، كاتبة الأغاني التي تأتي مع صديقها “دايف” للعمل على ألبومه الغنائي بنيويورك، فتتحول مع الوقت من شريكته بالعمل وحبيبته لمن يجلب له القهوة بالاستوديو قبل أن تكتشف خيانته لها فتتركه وتذهب لتمكث مع أحد أصدقائها الذي يُغني بالشوارع والحانات فيدعوها لغناء إحدى أغنياتها، وعلى الرغم من انشغال الحضور عنها إلا أن من ينتبه لها يكون بالضبط الرجل المطلوب.

“دان”، رجل يعمل بمجال الإنتاج الموسيقي واكتشاف الأصوات الجديدة إلا أنه يظل عدة سنوات دون إنجاز أي تقدم بعمله، ورغم تأسيسه لشركة الإنتاج التي يعمل بها إلا أن فشله في ممارسة عمله يجعل شريكه يطرده منها. “دان” أيضًا أب لـ “فايلوت” ذات الـ 14 عامًا، لكنه مُنفصل عن والدتها ما يجعله بائسًا فلا حياة شخصية أو عملية ناجحة يحظى بها.

وفي أقسى لحظات وصوله للحضيض، يستمع لـ “غريتا” تُغني إحدى أغنياتها فتقوم بإحياء مارد خفي بداخله ليعرض عليها العمل معًا على أن يُسجل لها أغانيها، توافق بعد تردد إلا أنهم يفشلون في إقناع الاستوديو بتسجيل الأغنيات؛ فيُقرر دان أن يجمع هو الفرقة الموسيقية ليقوم بتسجيل الأغنيات في الهواء الطَلق بشوارع نيويورك (وهي الفكرة التي استوحاها المُخرج من فيلم A Star Is Born).

تتوالى الأحداث مع تتابع الأغنيات لتنشأ عاطفة سرية بين دان وغريتا دون أن يُخبر أيٌ منها الآخر. في الوقت نفسه، يستشعر دايف فداحة خطئه ويُحاول إرجاع غريتا، كل هذا يحدث بالتوازي مع إنهاء الألبوم الذي تسعى شركة دان القديمة لإنتاجه قبل أن تُقرر غريتا فكرة مجنونة ويُساعدها دان على تنفيذها.

ومثل فيلم “Once”، ينتهي الفيلم النهاية الأكثر منطقية تغاضيًا عن أخذ الحكاية في الاتجاه الرومانسي؛ فالتركيز الأول والأخير على الموسيقى التي تنقذ أصحابها فتمد لهم يد العَون وتُعيد فَتح الطُرق الرحبة أمامهم ليتصالحوا مع أنفسهم وأوجاعهم فيتمالكون أنفسهم ويستمدون القوة لمواصلة الحياة.

وعلى الرغم من أن الفيلمين لنفس المُؤلف/ المُخرج ويتشابهان في الكثير من النقاط، كالفكرة والنهاية، كونهما أفلامًا موسيقية، إلا أن الجمهور والنُقاد أشادوا أكثر بالفيلم الأول في حين رؤوا أن الفيلم الثاني جيد وممتع لكنه لم يصل لنفس المستوى من العظمة.

 رُبما لأن “Begin Again” أفسح مجالًا أكبر للحدوتة نفسها وللإخراج فأصبح أداء الأبطال والصورة أحد نقاط الحُكم، ما جعل الموسيقى ليست محل التركيز الوحيد وجعل الفيلم بالنسبة للبعض يفقد أحد أهم عوامل نجاح الفيلم السابق، الحميمية.

وإن كان لا أحد يُنكر أن كيرا ومارك أجادا أدوارهما أكثر من أبطال فيلم “Once”، بالرغم من أن كيرا لم تكن هي الخيار الأول للمخرج الذي أراد أن تؤدي الدور أديل أو سكارليت جوهانسون قبل أن يُسند لها الدور لتتمرن على الغناء والعزف وتُجيد الدور بشكل مُفاجئ للجمهور.

ولكن، يبدو أن كل ذلك جعل فيلم “Once” -بأبطاله مجهولي الأسماء، غير المُتمرسين بالتمثيل، والحوار شبه النادر، والقصة غير مكتملة المعالم- يحتل مكانة أكبر من القلب بسبب عفويته وبساطته الشديدة، حتى إن الغالبية أحبوا أغنيات الفيلم الأول عن الثاني أيضًا لأنها جاءت أغنيات خجولة ومُنغلقة على ذاتها ما جعلها أكثر قُربًا واتساقًا مع الجمهور.

 ولو أن في نهاية الأمر كلا الفيلمين حظي بأحد أفضل وأقوى تراكات الأغاني التي ستجد نفسك تلقائيًا بعد مشاهدة الفيلم تقوم بتحميلها للاستماع إليها بشكل مستمر أثناء ممارستك لحياتك اليومية.

وقطعًا، لا يُمكن أن نختم حديثنا دون الإشادة برؤية المُخرج، خاصًة فيما يخُص نهايات أعماله كما لو كان يُصر على أن يجعل في الموسيقى الخلاص الوحيد، رافضًا أن يكون طوق النجاة في قصص حُب تأتي وتذهب وتتغذى على أصحابها بعكس الموسيقى التي تُعطي أكثر مما تأخذ.

لذا؛ إجابة على السؤال الخاص بعنوان الموضوع، والذي كان بالمُناسبة العنوان الأول لفيلم “Begin Again” قبل أن يُغيره المُخرج للعنوان الحالي:

هل يمكن للموسيقى أن تُنقذ حياتك؟!

الغالبية العُظمى يقولون لا، لكنني أقول نعم، إن كُنت فعلًا تؤمن بذلك.

التقرير الإلكترونية في

31.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)