كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

عبد الحليم حافظ.. نجومية عابرة للزمن!!

طارق الشناوي

2015-03-31 14:21:50

 

في عيد الميلاد رقم 70 لعبد الحليم حافظ سألت الموسيقار الكبير الراحل "كمال الطويل" ماذا لو امتدت الحياة بعبد الحليم حافظ، ما الذي كان من الممكن أن يقدمه للناس؟!

أجابني: سيقدم "الفيديو كليب" بأسلوب "عبد الحليم"!

نحتفل بذكرى حليم رقم 38 وودعنا حليم وهو لم يتجاوز 48 عاما أي أنه  لو كان بيننا كان سيصل إلى 86 عاما فهل كان سيواصل الغناء أم سيكتفي بالحديث الممل عن زمن الفن الجميل. تأملت كلمات "كمال الطويل" ووجدت أن سر "عبد الحليم" أنه كان ابناً للزمن الذي يعيشه، بل سابقاً أيضاً للزمن، يراهن على الكلمة واللحن القادم، كنا نعيش في مطلع الخمسينيات ثورة سياسية وتحرراً وطنياً، وجاء "عبد الحليم" ومعه "كمال الطويل" و"محمد الموجي" و"صلاح جاهين"، وانضم إليهم من الجيل السابق عليهم الشعراء "مأمون الشناوي" و"مرسي جميل عزيز" و"حسين السيد" فأحالوها إلى ثورة عاطفية أيضاً!

أطلق "عبد الحليم" بأغنيته "يا سيدي أمرك.. أمرك يا سيدي" التي غناها في فيلم "ليالي الحب" أول احتجاج ساخر على الأغنية التي كانت سائدة قبل الخمسينيات، فهو مثلاً يقول: "بحقك أنت المنى والطلب" ثم يكمل: "والله يجازي اللي كان السبب"! الكلمات كتبها "فتحي قورة" ولحنها "محمود الشريف" و"بحقك أنت المنى والطلب" قصيدة شهيرة من تلحين الشيخ "أبو العلا محمد" غناها كل المطربين والمطربات وعلى رأسهم "أم كلثوم" تلميذة الشيخ "أبو العلا"! ويتابع السخرية بموشح أكثر شهرة وهو "بالذي أسكر من عرف اللما" ويضيف: "كان في حاله جاتله داهية من السما"، والمقصود بـ"عرف اللما" الرائحة التي تخرج من الفم!

وفي النهاية يقول: "خايف أقول على قد الشوق لا تطلع روحي"!

يقصد أغنية "على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم" التي حققت في مطلع الخمسينيات شهرة غير مسبوقة!

وهكذا كان المجتمع في الماضي يسمح بثورة ضد الجمود و"عبد الحليم" هو ابن شرعي لزمن التمرد!

في عام 1953 عند إعلان الجمهورية رسمياً قال "يوسف وهبي" في حفل لأضواء المدينة: اليوم تعلن الجمهورية ويعلن أيضاً مولد مطرب جديد!

وهكذا ارتبط اسم "عبد الحليم" بالثورة المصرية وغنى لها: "ثورتنا المصرية عدالة.. اشتراكية"، تلحين "رءوف ذهني" و "إني ملكت في يدي زمامي" تلحين "كمال الطويل" والقصيدتان من تأليف "مأمون الشناوي".. بعد تولي "جمال عبد الناصر" رئاسة الجمهورية غنى له من كلمات "صلاح جاهين" وتلحين "كمال الطويل" "إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب، يا فاتح باب الحرية يا ريس يا كبير القلب"، وغنى له من كلمات "إسماعيل الحبروك" وتلحين "الطويل" "يا جمال يا حبيب الملايين" واستمرت رحلة "عبد الحليم" الوطنية مع الثورة، وفي نفس الوقت كان "عبد الحليم حافظ" زعيم الأغنية العاطفية في مصر والعالم العربي.

حلق "عبد الحليم" بجناحي الوطن والحب وغنى للوطن في لحظة المد الثوري العربي وأيضاً للحب حيث كان هو رسول العشاق بأغنياته.

أدرك عبد الحليم من البداية أن صاحب الثورة ينبغي ألا يدخل في معارك مع الكبار قبل أن يشتد عوده، لهذا لم يستمر خلافه الأول مع "محمد عبد الوهاب" أكثر من عام، وذلك عندما تعاقد معه "عبد الوهاب" على تقديم فيلمين مقابل 300 جنيه للفيلم الواحد، وتقاعس "عبد الوهاب" عن التنفيذ خوفاً من ألا يملك اسم "عبد الحليم" جاذبية للجمهور، وعندما جاءت الفرصة لعبد الحليم مع "إبراهيم عمارة" قدم فيلم "لحن الوفاء" ونجح الفيلم وارتفع أجر "عبد الحليم" إلى ألف جنيه في ثاني أفلامه "ليالي الحب"، لكنه ارتضى بتنفيذ عقده مع "عبد الوهاب" مقابل 300 جنيه حتى يكسب "عبد الوهاب" إلى صفه ويشاطره نجاحه.. وبعد بطولة فيلم "أيام وليالي" إنتاج "عبد الوهاب"، تحولا إلى شريكين في شركة "صوت الفن" وكان الشاعر مأمون الشناوي هو صاحب مبادرة الصلح بين الطرفين فأصبح صوت "عبد الحليم" يدر ربحاً على "عبد الوهاب" وألحان "عبد الوهاب" تدر ربحاً على "عبد الحليم"!.

ظل "عبد الحليم" يمتلك ترمومتراً يدرك من خلاله الخطوة التالية، فهو يقدم الأغنية المتطورة، وفي نفس الوقت ينبغي أن تحقق رواجاً جماهيرياً، لهذا التقط في عام 1957 الموسيقار الشاب بليغ حمدي وضمه إلى رفيقي الكفاح "الطويل" و "الموجي" وإلى الأستاذ "محمد عبد الوهاب" وإلى الملحن صاحب الألحان خفيفة الظل "منير مراد" هؤلاء كانوا هم القوة الغنائية الضاربة لعبد الحليم!

كان عبد الحليم  لا يعيش إلا لكي يغني وهو على استعداد أن  يستخدم أي سلاح للبقاء على القمة والاستحواذ على اللحن الأجمل.

ولدينا أكثر من واقعة كان "بليغ حمدى " يجرى بروفات أغينة "تخونوه" التي كتبها "إسماعيل الحبروك" في معهد الموسيقى العربية لكي تغنيها "ليلى مراد" وأعجب "عبد الحليم" باللحن وكان بصدد تصوير فيلم "الوسادة الخالية" لصلاح أبو سيف واستوقفت أذن "عبد الحليم" تلك المسحة المليئة بالشجن في لحن بليغ حمدي فيستحوذ على اللحن برغم ما يمكن أن يصيب ليلي مراد من حزن ويحتل "بليغ" بعد "تخونوه" مساحة مميزة على خريطة "عبد الحليم" تصل إلى حد الانفراد بكل أغاني عبد الحليم منذ منتصف الستينيات!

لاشك أن "عبد الحليم" في إصراره على البقاء متربعاً على عرش الأغنية كان بين الحين والآخر يتعرض لمحاولات إقصائه أو استبداله أو – على أقل تقدير- مشاركة العرش!

بدأت المحاولات مع "كمال حسني" هذا المطرب الذي وقفت وراءه المنتجة "ماري كويني" بعد أن رفض "عبد الحليم" أن يلعب بطولة فيلم لحساب شركتها لأنه لم ينس لها أنها في مطلع حياته الفنية رفضت أن يصور أغنية من فيلم "فجر" إخراج عاطف سالم وقالت للمخرج بعد أن رشحه إن وجهه ليس "فوتوجينيك"، واكتفت فقط بالتسجيل الصوتي!

وهكذا أنتجت لكمال حسني "ربيع الحب" بعد عام واحد من تقديم "لحن الوفاء" لعبد الحليم، وأكثر من ذلك لنفس مخرج "لحن الوفاء" إبراهيم عمارة ونفس البطلة "شادية"، وصديق البطل "عبد السلام النابلسي"، ووقف الصحفي الكبير "موسى صبري" مؤيداً لكمال حسني الذي لم يستطع الصمود طويلاً لأنه كان مجرد تنويعة على صوت عبد الحليم!!

وعندما اختلف حليم مع محمد الموجي أطلق الموجي أصوات "محرم فؤاد" و"عبد اللطيف التلباني" و"ماهر العطار" وصولاً إلى "هاني شاكر"، وبالفعل انزعج "عبد الحليم" من صعود "هاني" في مطلع السبعينيات وخاصة بعد نجاح أغنية "كده برضه يا قمر" التي لحنها له "خالد الأمير" بتوصية من "أم كلثوم"!

وكان الرد العملي أن "عبد الحليم" أخذ بنصيحة  صديقه الكاتب الكبير  احسان عبد القدوس عندما قال له: "العيل يحاربه عيل"، وقدم "عبد الحليم حافظ" للساحة الفنية "عماد عبد الحليم" ليواجه به "هاني شاكر"!

ربما كانت أكثر اللحظات التي عاش فيها "عبد الحليم حافظ" القلق تلك التي شهدت تألق "محمد رشدي" وشعبيته الجارفة بعد أغنيات "وهيبة" للأبنودي و"عبد العظيم عبد الحق"، ثم "عدوية" للأبنودي و"بليغ حمدي"!

كان "عبد الحليم" يغني كلمات مغرقة في الشاعرية والتجديد كتبها الأخوان "رحباني" ولحنها "محمد عبد الوهاب" أقصد" ضى القناديل والشارع الطويل"، بينما "محمد رشدي" يقول "في إيديا المزامير وفي قلبي المسامير"!

وأعجب الجمهور في هذه المرحلة بالمزامير والمسامير، فهي على الأقل أشياء ملموسة لا تتحرك في الظلام مثل "شارع الضباب"! إنه مجتمع اشتراكي يمنح العمال والفلاحين 50% من مقاعد مجلس الشعب- مجلس الأمة وقتها- وأعاد "عبد الحليم" برمجة البوصلة الغنائية العاطفية إلى الاتجاه الشعبي  وقدم "سواح" لمحمد حمزة وبليغ حمدي، وطلب "عبد الحليم" من "حمزة" تغيير كلمة واحدة كانت الكلمات في البداية "مشوار صعيب وأنا فيه غريب" فقد وجد "عبد الحليم" أن كلمة "صعيب" تليق أكثر بمحمد رشدي لهذا تحولت إلى "مشوار بعيد" لتصبح لائقة بعبد الحليم!

وعندما كان "بليغ حمدي" يجرى بروفات أغنية "على حسب وداد قلبي يا بوي" من كلمات "صلاح أبو سالم" لتغنيها المطربة الصاعدة "إلهام بديع" التي اشتهرت بأغنية "يا حضرة العمدة" أعجبت الكلمات واللحن "عبد الحليم" فتعاقد على الفور مع "أبو سالم" و"بليغ" على غنائها، وكانت "على حسب وداد" هي الأغنية الشعبية الثانية له، وبعد ذلك قدم للأبنودي و"بليغ" "أنا كل ما أقول التوبة" وأقنع "عبد الوهاب" بأن يلحن "الوي الوي" من تأليف "صالح جودت" ليقدم "عبد الوهاب" اللون الشعبي الفلكلوري بإحساس وهابي!

وهبطت أسهم الأغنية الشعبية في مطلع السبعينيات بعد أن خفت صوت الاشتراكية وعاد عبد الحليم إلى الأغنيات العاطفية الطويلة لبليغ حمدي ومحمد حمزة مثل: "حاول تفتكرني"، "أي دمعة حزن لا"، وموشح "قدك المياس يا عمري" ثم اختلف مع "بليغ" وأبقى على "حمزة" ليقدم له من تلحين "عبد الوهاب" "لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية"، ثم يعود للموجي رفيق الدرب في "قارئة الفنجان" و "رسالة من تحت الماء" وموشح "يا مالكاً قلبي" وكان ينتظر أيضاً أن يعاود اللقاء مع "كمال الطويل" و"الأبنودي" في "ولا كل من ضحكت عنيه عاشق" وأدرك "عبد الحليم حافظ" أن الناس متعلقة بأغنيات أفلامه، لهذا أعاد توزيع الأغنيات القصيرة مثل "أهواك"، و"في يوم من الأيام"، و"توبة" وحرص على تقديمها في كل حفلاته.

لا يعيش الفنان بمعزل عن الحياة ولا عن البشر فهو بقدر ما يأخذ منهم يمنحهم ،وكما كان يقول أمير الشعراء أحمد شوقي أن الفنان يمتص رحيق الزهور ليعطي عسلاً شهياً!! والزهور في حياة الفنان هو الأصدقاء المقربون الذي يتحولون إلى أشرعة يطل من خلالها الفنان على الدنيا.. كان أحمد رامي هو شباك الثقافة الذي أطلت منه أم كلثوم على كل ثقافات الدنيا وكان أحمد شوقي هو دليل عبد الوهاب في التذوق الفني وفي تذوق الحياة ومن الواضح أن عبد الحليم حافظ قد استفاد من تجربتي أم كلثوم وعبد الوهاب ولهذا اتسعت دائرته في الثقافة لتشمل العمالقة كامل الشناوي ومصطفى وعلي أمين وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم..

هذه الكوكبة من المفكرين لم يسع إليها عبد الحليم لأنه يريد أن يجمل صورته أمام المجتمع ولكن من خلالهم أدرك عبد الحليم أن عليه تذوق الكلمات والألحان وأيضاً الأقوال.

هناك دائماً بين الفنان وجمهوره جسر وهو وسيلة الإعلام التي تقدم عنه صورة ذهنية حتى أن أغلب المطربين لكي يضمنوا تعاطف الجمهور كانوا يقدمون في أفلامهم قصة كفاح لمطرب يبدأ من السفح حتى يصل للقمة ويضحي ولا يتنازل.. كل ذلك حتى يتم تثبيت هذه الصورة الذهنية  ليس فقط من خلال أحاديثهم ولكن عبر الأفلام.. حيث يحدث توحد في العادة بين الفنان في الواقع و تلك الصورة التي قدمت في العمل الفني وإذا كان الزمن قد منح الآن الجمهور قدرة على ألا يترك نفسه نهباً للصورة الدرامية فإنه على الجانب الآخر ترك المجال لكي نرصد الفنانين من خلال إبداعهم وأيضاً طريقة تسويقهم لهذا الإبداع والإعلان عنه والأسلوب والتوقيت.. وهي مفردات غائبة عن أغلب مطربي هذا الجيل.

من البدهي على سبيل المثال أن يأتي الفنان لكي يقدم رؤية مغايرة لما سبق ولا توجد قدسية لأي عمل فني ولا لفنان هناك فقط حق احترام التجربة السابقة.. أنا لا أوافق على أن نظل في حالة تقديس لكل ما هو ماض.. إنه ماض نحترمه نعم لكننا لا نقدسه.. الاحترام يتيح لنا إمكانية الاختلاف لكن القدسية لا تعرف إلا الخضوع والإذعان!!

كان عبد الحليم حافظ شديد الاعتناء بالكلمات واختيارها حتى لو اختلفنا مع عدد من أغنياته إلا أنه على سبيل المثال يقول بكلمات مرسي جميل عزيز في أغنية "في يوم في شهر في سنة" "وعمر جرحي أنا أطول من الأيام".. أو هو يقدم تلك الصورة الشاعرية الرائعة لحسين السيد.. "كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم".. أو مع مأمون الشناوي وهو يقول في أغنية "في يوم من الأيام" "أنا كل طريق لعيوني علمته بذكرى معاك"!!

وأتذكر لمحمد حمزة في أغنية "سواح" تعبير "الليل يقرب والنهار رواح" ومع الأبنودي في "أحضان الحبايب" "رميت نفسك في حضن سقاك الحضن حزن"!!

الكلمة عند عبد الحليم كانت تشكل بالنسبة له رهاناً على الأجمل والدليل أن الأغنيات الأولى لعبد الحليم كتبها سمير محبوب وبعد ذلك اكتشف أن لدى مأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وحسين السيد في الأغنيات العاطفية وصلاح جاهين وأحمد شفيق كامل في الوطنيات شاعرية أكبر.. ولهذا لم يكمل المشوار مع "سمير محبوب" الذي عاش بعد عبد الحليم حافظ خمسة عشر عاماً وهو يتساءل: لماذا لم يكمل مع عبد الحليم حافظ الرحلة التي بدأها في أغنيات "صافيني مرة" و"تبر سايل" و"ظالم وكمان رايح تشتكي".. وبعدها أخذ محبوب يشكو لطوب الأرض من ظلم عبد الحليم وتنكره لرفيق المشوار ولكن عبد الحليم ضحى بالصداقة من أجل الإبداع الأصدق والأجمل والأكثر عصرية سواء أكانت كلمة أو لحناً، وكانت لدى عبد الحليم بوصلة قادرة على أن تلتقط الجديد ويجمل به حديقته الغنائية ولهذا بعد الموجي والطويل ومنير مراد ينضم إليهم بليغ حمدي ولو امتد العمر بعبد الحليم حافظ فلاشك أنه كان سوف يتعاون مع عمار الشريعي وصلاح وفاروق الشرنوبي ورياض الهمشري ومحمد ضياء الدين وزياد الطويل وصولاً إلى وليد سعد ومحمد رحيم وعمرو مصطفى.. ومع الشعراء من أمثال بهاء الدين محمد وفاطمة جعفر وعماد حسن وبهاء جاهين وجمال بخيت وأحمد بخيت وكوثر مصطفى والمبدع الذي رحل مبكراً عصام عبد الله، كان عبد الحليم لديه قدرة على أن يلتقط  الكلمة واللحن الأكثر عصرية وصدقاً وألقا.

الفنان هو ابن شرعي لكل ما هو معاصر على مستوى الألة وليس فقط المشاعر ولهذا يلتصق أكثر مطربي هذا الجيل بأغنيات الفيديو كليب، تشعر وكأنها تحولت إلى موضة صنعت من أجلهم، الفيديو كليب في عمقه هو الإبهار الذي يعتمد على اللقطة السريعة والوهج الذي يبرق ثم ينطفئ لكنه لا يمكث طويلاً في الوجدان، ولهذا لا يتوقف مصنع إنتاج الفيديو كليب.

دائماً ما تخلق الآلة نجومها ولهذا فإنه لولا السينما ما كان من الممكن أن يصبح لدينا مطربة مثل "ليلى مراد"، ولولا الميكروفون الحساس ما كان من الممكن أن ينجح عبد الحليم ونجاة، ولولا الفيديو كليب ما أصبح لدينا عمرو دياب ومصطفى قمر وهشام عباس ونانسي واليسا وشيرين وغيرهم.. إنهم أبناء شرعيون لعصر الفيديو كليب ولكن يبقى شيء مهم خارج عن إرادة الجميع وهو النجومية التي تولد مع الفنان أو الكاتب وهي كاريزما خاصة لا تخضع لأي مقياس علمي.. النجومية تجدها في كل المجالات وليس فقط الفن والأدب.. مثلاً الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كان نجماً بين قراء القرآن بينما الشيخ محمود خليل الحصري شيخ المقرئين في العالم أجمع كان شيخاً كبيراً وجليلاً لكنه ليس نجماً!!

رغم ذلك فإن النجومية يجب أن يحافظ عليها الفنان بالثقافة والاطلاع على الثقافة العامة وعلى الحياة.. ومن خلال متابعتي للأحاديث القليلة التي تحتفظ بها الإذاعة والتليفزيون لعبد الحليم وتبثها في ذكراه أشعر أن عبد الحليم كان أكثر ثقافة ووعياً وإدراكاً حتى ولو كانت ثقافته مجرد ثقافة سمعية من خلال اقترابه من العمالقة من كبار الكتاب ولكن عبد الحليم كان يمتلك موهبة الكلام حتى ولو كان كما وصفه كامل الشناوي "يصدق إذا غنى ويكذب إذا تكلم "فهو قادر على الإقناع وعلى توجيه النقد بخفة ظل ودهاء.. مثلاً عندما عاتبه فريد الأطرش لأنه قال عنه أنه في عمر أبيه قال له ضاحكاً "ما تزعلش انت في عمر جدي.." وعندما أراد أن يقول رأياً سلبياً في هاني شاكر اكتفى بقوله" صوت كويس ولكن ليس لديه طموح" وهو تعبير  قاسي بقدر ماهو ناعم الملمس.

عبد الحليم حافظ كان قادراً على تسويق فنه والدفاع عن نفسه..

رحل "عبد الحليم" قبل أن يكمل 48 عاماً وعدد كبير من مطربينا وصلوا إلى نفس الرقم، بل تجاوزوه ولا نزال نطلق عليهم شباباً!

أنهى "عبد الحليم" مشروعه الغنائي قبل الثامنة والأربعين وهم لا يزالون يبحثون عن مشروع!

عرف "عبد الحليم" أن السينما هي رصيده في الزمن القادم، لهذا فإن أكثر من 80% من أغنياته هي أغنيات سينمائية لهذا فلو أدرك "عبد الحليم" عصر "الفيديو كليب" لأحاله إلى قوة دفع جديدة تمد في عمره الفني سنوات حتى بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين!!

فنان بحجم وفكر "عبد الحليم" لا يمكن أن يتحول إلى "ندابة" تهاجم جيلاً وعصراً ونبضاً وإيقاعاً ونغماً جديداً، لكن من المؤكد أن "عبد الحليم" كان قادراً – لو امتد به الأجل- على أن يغني على إيقاع هذا الزمن بأسلوب حليمي المذاق ليغير بوصلة "الفيديو كليب إلى الاتجاه الصحيح!! 

 

سنتنضموووو!!

طارق الشناوي

2015-03-30 10:09:10

حرصت موجات الاذاعة على أن تنضم جميعها أثناء خطاب الرئيس وعلى أن تنضم أيضا كلما جاء ضيف إلى مصر لتصل الرسالة وهو أنه لا شئ في الدنيا يعلو على صوت هذا الحدث الجلل، كان هذا ممكنا في زمن الاعلام الأرضي قبل الانتشار الفضائي، كنت تستطيع ببساطة أن تُمسك بكل المنافذ

وأن تمنع كل من يخرج عن الصف ليشعر الناس انه لا يوجد في هذه اللحظة إلا خطاب عبد الناصر أو السادات أو مبارك، برغم أنك مثلا كنت في الحقيقة تفكر في مشاهدة مباراة كرة قدم أو حتى تلعب دور كوتشينة، إلا أن الدولة تُشعرك أنك ستصبح خارج الزمن، وأن الوطن في هذه اللحظة يناديك وعليك أن تلبي النداء وتترك اللى وراك واللى قدامك لتتابع مراسم استقبال الرئيس، القنوات الخاصة بالغت أكثر من قنوات الدولة في إثبات أن كل شئ في الدُنيا مؤجل حتى إشعار آخر.

الآن صار هذا الفكر الإعلامي يعود بك على الفور إلى مشهد سعيد صالح في "مدرسة المشاغبين" مطلع السبعينيات، عندما التقط سعيد تلك اللمحة بهذا التعبير اللحظي  ـــــ سنتنضمووووــــــــ معلنا قدوم الزعيم، الحقيقة أننا لا نزال في سنة أولى اعلام أقصد "كي جي وان"، هم يريدون توصيل رسالة بأنهم على الموجة، فتتغير الخريطة وتتوقف البرامج الأخرى والكل عليه أن يطوع نفسه للحدث الذي يوصف عادة بأنه تاريخي، وبدلا من تحقيق الهدف لا يدركون أنهم يتجاوزون إعلاميا مرحلة التشبع، التى تعني أن المتلقي لا يمكن أن يتحمل المزيد.

الأحداث المثيرة والصاخبة صارت بمثابة خبزا يوميا، ولم يعد هناك ما هو غير مألوف نخرج من مؤتمر اقتصادي إلى قمة عربية، ثم من الممكن أن تتخيل بعد ذلك مثلا عودة عبد الله منصور لرئاسة اليمن كلها بالطبع أحداثا هامة ولكن لا ينبغي أن تتوحد كل الموجات عليها امنحوا الحرية  للمشاهد والمستمع لكي يبحث عن  الخبر الذي يريده ، موجات الإذاعة الرسمية مثلا كانت تنضم كلها مع كل استقبال في القمة العربية، كان يكفي  مثلا "البرنامج العام" و"صوت العرب"،  ولكن كان قرار رئيس الاتحاد هو أن الكل ينضم حتى محطة الأغاني التابعة للدولة غيرت من  خريطة أغانيها بدلا من أن تستمع في الواحدة ظهرا إلى محمد عبد الوهاب وهو يغني "كل ده كان ليه"  تجده يردد "أخي جاوز الظالمون المدي"!!

دعونا نقلب معا صفحات الماضي القريب أعني حربي 67 و73، كانت هناك محطة غنائية وهى "ام كلثوم" هي الوحيدة التى تغرد خارج السرب، كل المحطات الإذاعية مع قناتي التليفزيون  5و9، فلم يكن لدينا غيرهما، كان الكل في عز الحرب يتابع ما يجرى  على أرض المعركة بينما لدينا محطة واحدة لم تغير من خريطتها التى تُقدم يوميا، ولديها 30 شريطا بعدد أيام الشهر كل يوم تضع شريطا تبدأ بأم كلثوم والترتيب هو بعد ثومة عبد الوهاب ثم فريد الأطرش ونجاة وفوزي وشادية ومحرم وعدد آخر لنعود مرة أخرى في النهاية مجددا إلى "ست الكل".

هذه الاذاعة ليست تابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، بل كما قال لى الإذاعي الكبير أحمد سعيد متعه الله بالصحة والعافية، لها قصة تستحق أن تروى كانت الدولة تخشى على الأمن القومي عام 56 حيث كانت الإذاعة المصرية الكائنة وقتها في شارع الشريفين قبل إنشاء مبنى "ماسبيرو" مهددة بالقصف جوا فقررت أجهزة المخابرات إنشاء موجة إذاعية سرية لتبدأ إرسالها في حالة ضرب الإذاعة المصرية، وبعد انتهاء العدوان ظلت لدينا موجة احتياطي في حوزة الأمن القومي رأت الدولة أن تُقدم للناس عليها أغاني عاطفية وبدون الاستعانة حتى بمذيع وهي الإذاعة الوحيدة التى لا أحد يعرف على وجه اليقين أين موقعها على الأرض.

ضبط الجرعة في الاعلام يحتاج إلى حرفة وذكاء وكثيرا ما أسرفنا وكثيرا ما ألمح سنتنضمووووو!!

 

ليس لأحمد زكي فروع أخرى!!

طارق الشناوي

2015-03-29 03:36:49

النجاح مُعدي.. كلنا نريد أن ننجح وأسهل طريق لتحقيق هذا الهدف هو أن تدرس من سبقك وتقلد كل تفاصيله وتعتبر أنك كلما كنت دقيقا في الاستنساخ كلما نجحت في تحقيق النجاح، رغم أنه الطريق السريع للوصول إلى منتهى الفشل.

عندما  قفز عبد الحليم حافظ إلى ذروة النجاح الجماهيري في عام 1954 بأغنية "على قد الشوق اللى في عيوني يا جميل سلم" ، فوجئت لجان الاستماع في الإذاعة المصرية بأن أكثر من 100 مطرب يطرقون بابها وكل منهم يقلد عبد الحليم ويحاول أن يغني على الطريقة الحليمية، ولم يتحقق أي منهم.

النجاح الطاغي يحيل الفنان  في أي مجال إلى أن يصبح هو الغناء وليس نموذجا للغناء، حدث هذا مع أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفيروز، وهو ما تكرر مع فاتن حمامة وسعاد حسني وعادل إمام وأحمد زكي في مجال التمثيل، حيث يعتقد الفنان الجديد أن ما يسمعه أو يراه هو فقط الفن وليس نوعا من الفن.

كثيرا ما كنت التقي في نقابة الصحفيين أو في مبني الإذاعة والتليفزيون بفنان جديد أسمر اللون يستوقفني قائلا  لي إنه موهوب في التمثيل ويبدأ في تقليد أحمد زكي وهو يرقب نظرات عيني هل أنا مبهور به وهو يقلد نجمنا الأسمر؟ وهل وصل بالفعل إلى التلاقي مع أحمد زكي؟ كنت أكتفي بابتسامة وانطلق بعيدا حتى لا ندخل في جدال  عقيم، من البدهي أن يبدأ الفنان مقلدا حتى يعثر على ملامحه  وبصمته، كان رياض السنباطي في بداية مشواره مقلدا لمحمد القصبجي أستاذه الذي علمه العزف على العود، لكنه تحرر بسرعة لتصبح له شخصيته، وكان سيد مكاوي يحاكي أستاذه الشيخ زكريا أحمد حتى عثر على نغمته الخاصة، وكان فريد شوقي يريد أن يصبح أنور وجدي وكان أنور وجدي  لا يرى في الدنيا سوى يوسف وهبي، والذي حدث مع الزمن  أن كل منهما اكتشف نفسه، أنور أصبح  أنور، وفريد فريد!!

في حياته وبعد رحيله أتحدث عن أحمد زكي وجدت أكثر من فنان بترسم ملامحه مثل عمرو سعد ومحمود عبد المغني ومحمد رمضان، كان رمضان قد عرفته الناس من خلال آدائه لدور أحمد زكي في مسلسل السندريلا فكان التوافق حتميا ولكنه في الحقيقة كان أكثر ذكاء في العبور من هذا القيد مسرعا ليصبح محمد رمضان، ويبقى الأهم وهو المنهج الذي تركه أحمد أنه المعايشة الكاملة مع الشخصية، هيثم أحمد زكي ورث جينات أحمد زكي ولكنه منذ الوهلة والطلة الأولى عرف أنه ليس امتدادا للأب  وأن الدور الذي لعبه في بداية المشوار كان حتميا أن يصبح مزيجا من حليم واحمد فهو يطل على شخصية عبد الحليم بعيون أحمد ولكنه بعد ذلك ربما بدون توجيه من أحد صار نفسه.

سألوني عن عمرو سعد ومأزق أحمد زكي قلت لهم عمرو ممثل موهوب  تأثر في البداية بأحمد  ثم صار  لديه نغمة أداء خاصة، مأزقه أنه يريد أن يصبح نجما جماهيريا وهو شرط أستطيع بعد مرور كل هذه السنوات أن أقول أيضا أنه لم ولن يتوفر فيه، نعم لديه جمهور ولكنها  دائرة محدودة لا تصنع منه نجما شعبيا وتلك هي العقدة التي يعيشها وسوف يبدد طاقته في إثبات ما لا يمكن إثباته، راجع  إيرادات أخر فيلمين  تجاريين له "حديد" و"ريجاتا" لتكتشف أن الأرقام تعانده.

أما عبد المغني فهو ممثل موهوب ولكن بلا كاريزما النجم  القادر على جذب الجمهور، ولو أقر مع نفسه بتلك الحقيقة يستطيع أن يترك أدوارا لا تنسى ولكن لو استمر في تلك المعركة المحسومة نتيجتها مسبقا في غير صالحه فلن  يجد أمامه سوي "النبطشي" آخر أفلامه وأتصوره آخر محاولات شركات الإنتاح لتحقيق نجومية مفقودة.

أحمد زكي جمع بين الحسنيين الممثل العبقري والنجم الجماهيري وهو مع الأسف ليس له فروعا أخرى!!

 

عبد الحليم وأنا أول وآخر مرة!!

طارق الشناوي

2015-03-28 10:39:16

مرة واحدة فقط شاهدت فيها "عبد الحليم حافظ" كنت طفلاً حضرت عيد ميلاد عمي "كامل الشناوي" في منتصف الستينيات ولعله كان آخر أعياد ميلاده.. لم أتعرف وقتها على كل الوجوه ولكني أتذكر  "عبد الوهاب" و"نجاة" و"فايزة" و"شكري سرحان" ومحمود المليجي

 وبعد مرور السنوات عندما استرجعت ملامح الحاضرين تذكرت الملحنون الكبار "بليغ حمدي" و"كمال الطويل" و"رؤوف ذهني" والكتاب الكبار "موسى صبري" و"سعيد سنبل" و"أحمد رجب" و"كمال الملاخ" و"جليل البنداري".. لم تلتصق عيني سوى بعبد الحليم كنت أتابعه منذ لحظة وصوله للبيت حتى ذهابه إلى البوفيه، ولاحظت أنه لم يضع في طبقه سوى عددا محدودا من قطع البطاطس لم يقترب إلا من واحدة أو اثنين.. مرت عشر سنوات على تلك الواقعة والتحقت في منتصف السبعينيات بكلية الإعلام وكنا نصدر وقتها جريدة "صوت الجامعة" - التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء - وقررت وأنا في سنة أولى أن أثبت لطلبة السنة الرابعة بأنني "وان كنت الأخير زمانه لآت بما لم تسطعه الأوائل "وأجرى حوارا مع نجم مصر الأول "عبد الحليم حافظ" وأخذت رقم تليفونه خلسة من أجندة عمي "مأمون الشناوي" لا أزال أتذكر أول رقمين "80"، اعتقدت أنه بمجرد أن يسمع اسمي مقترنا بجريدة "صوت الجامعة" سوف يقف  احتراما  ويأتي مهرولا  للكلية، إلا أنني مع كل اتصال تليفوني أصاب بخيبة أمل.. دائماً الأستاذ إما نائم أو في الحمام أو في بروفة أو مسافر أو على سفر ولم ألتق حليم. في عام 1976 انتقلت للسنة الثانية في الكلية.. كنت أتدرب منذ سنة أولى في المدرسة الصحفية لمجلة "روز اليوسف" واستطعت الحصول على صورة تجمع بين "عبد الحليم حافظ" و"أحمد عدوية" في إحدى الحفلات التي أقيمت في فندق الشيراتون!

وكان "عدوية" قد حقق وقتها شهرة عريضة بأغنيه "السح الدح امبوه"، أراد "عدوية" مجاملة "عبد الحليم حافظ"  عندما لمحه في الصالة فغنى "خسارة خسارة فراقك يا جارة" وقرر "عبد الحليم حافظ" أن يرد على المجاملة بأحسن منها فصعد على المسرح وغنى خلف عدوية "السح الدح امبوه شيل الواد م الأرض" التى كانت في تلك السنوات عنوانا للفساد الفني، أخذت الصورة باعتبارها سبقا صحفيا، وكتبت الواقعة وسلمتها إلى الكاتب الصحفي "عادل حمودة" وكان وقتها يشغل موقع سكرتير تحرير "روز اليوسف" ومنح  عادل الصورة والتعليق صفحة كاملة.. ظهرت المجلة في صباح يوم الأحد بعنوان "عبد الحليم حافظ" يغني "السح الدح امبوه"، فوجئت بأن إذاعة "الشرق الأوسط" تقدم في المساء حلقة في أشهر برنامج فني وقتها وهو "الليل والفن والسهر" تقديم "محمد أنور" و"إبراهيم صبري" واستمعت إلى عبد الحليم  وهو يكذب الواقعة تماما  ويؤكد أن الصورة خضعت لفبركة صحفية وأنه لم يلتق أبدا عدوية. ولم يكذبه أحد حتى مصادري الصحفية رفضوا أن يشهدوا لصالحي.. ورحل "عبد الحليم" وحزنت عليه مثل الملايين وظلت واقعة غنائه "السح الدح امبوه" لا يصدقها أحد إلا أنه  في السنوات الأخيرة  باتت هذه الحكاية كثيراً ما يرددها "أحمد عدوية" في أكثر من حوار تليفزيوني ويؤكدها  أخرون بينما وقتها لم يجرؤ أحد بما يهم عدوية على مجرد ذكرها!!

أنس كل شىء قرأته من قبل وتوقف فقط أمام تلك اللقطة عبد الحليم بين عشرات النجوم في عيد ميلاد عمى كامل وهو الوحيد الذي يسكن عين الطفل ليصبح كادرا ثابتا وكأنه يردد مع الشاعر النابغة الذبياني  "أنك شمس والنجوم كواكب إذا ظهرت لم يبد منها كوكب"، إنها منحة إلهية تولد مع عدد قليل جداً من البشر ومن الواضح أن "عبد الحليم" كان يقف على الذروة بهذا الفيض الإلهي فكان هو الشمس التى  حجبت كل الكواكب بجواره. ولد فقط ليغني حتى لو ردد خلف عدوية "السح الدح امبوه"!!

 

من كُتر شوقي سبقت عمري!!

طارق الشناوي

27-03-2015

هل تتذكر هذا المقطع الغنائي لأم كلثوم  في " رق الحبيب"   أستعيد معكم  تلك النغمة  الساحرة " من كُتر شوقي سبقت عمرى " هل أمسكتم  بين ثنايا الجملة الموسيقية بشعاع شمس الفجر وهو يطل علينا وعلى استحياء في عز الليل .

هذا هو محمد القصبجي استاذ التعبير الموسيقي الذي مرت ذكراه ال 49 أول  من أمس، بينما الأعلام المصري مشغول فقط بذكري  العملاقين عبد الحليم حافظ و أحمد زكي .

ولد  القصبجي  في نفس العام الذي شهد ميلاد عبقري أخر وهو سيد درويش 1892 ،  رحل درويش عام 23 ، بينما امتدت الحياة بالقصبجي حتى عام 66 ،  أنه  المجدد في الموسيقي ،الناس لا تتذكر القصبجى إلا بتلك الصورة وهو يجلس خلف سيدة الغناء العربي في الحفلات التي سجلها لها التليفزيون بداية من عام 1960 ، القصبجي  توقف فعليا عن التلحين لها عام 1946 بعد ان شارك في عدد من  أغنيات فيلم " فاطمة" مثل " نورك يا ست الكل نور حينا " وبعدها انقطعت كهرباء التواصل بينه وأم كلثوم. استوقفني التوقيت كان عمره 54 عاما في ذروة العطاء ، لم يتوقف مثلا  زميله  الشيخ  زكريا أحمد ابن جيله ، فلقد غنت له أم كلثوم " هو صحيح الهوى غلاب " عام 61  قبل رحيله بأسابيع قليلة ، القصبجي ظل  مجرد عازف عود في فرقتها، وكان كثيرا ما يشكو من ضعف المقابل المادي الذي تمنحه له .  ربما لم تنصفه أم كلثوم ماديا إلا أنها  أنصفته أدبيا  فكانت تراعى الحساسية  التى من الممكن ان تنتاب الاستاذ إذا شارك في بروفة لأحد من تلاميذه  مثل الموجي أو بليغ ، فكانت تكتفي بان يحضر القصبجي فقط اثناء البروفة النهائية التي تسبق الحفل.

كان عاشقا متيما بأم  كلثوم وهو حب من طرف واحد تماما كما أشار اليه مسلسل " أم كلثوم " الذي صاغه محفوظ عبد الرحمن وأخرجته انعام محمد على وأبدع احمد راتب في تجسيد الشخصية التي حفرت في اعماقنا  الكثير .

هل ماتت فجأة الموهبة ونضب المعين ؟ لم التق الموسيقار الكبير بالطبع لأعرف الاجابة كيف لمن قدم طقطوقة "ان كنت اسامح "عام 28 التي حققت اكبر ارقام التوزيع  وقتها في  الاسطوانات  لتصل الى نصف مليون  نسخة  ، كيف لصاحب اللحن الرائع "مدام تحب بتنكر ليه "و"نصره قوية "و"يا صباح الخير ياللى معانا" الذي علم السنباطي وعبدالوهاب وفريد الاطرش العزف على العود ، كيف له ان يتوقف فجأة  ،لقد  امتد عطاؤه لأصوات  مثل ليلي مراد "اضحك كركر" واسمهان "الطيور" و"امتى ع تعرف امتى " هل من الممكن أن تضن عليه السماء فجأة بالأنغام  ، قال لي الموسيقار الكبير كمال الطويل الذي  كان من اكثر  المقدرين لعطاء القصبجي ، أنه تجرأ وسأله وجاءت اجابته  ،انه كلما شرع في التلحين لأم كلثوم  ووافقت على الكلمات وجد امامه غمامة سوداء تمنعه من استكمال اللحن، ونفى تماما ما كان يتردد وقتها بأنها هي التي كانت ترفض الحانه   لأنها قررت عقابه لأنه تجرأ و لحن لأسمهان وليلي مراد  ونور الهدي وسعاد محمد ،و وتناسي هؤلاء أن الشيخ زكريا ورياض السنباطي لحنا لهؤلاء  فلماذا لم  تعاملهما بالمثل.

من سؤ الحظ ان  الدولة ام تنتبه لقيمة هذا الموسيقار الكبير فلقد كان مرشحا لجائزة الدولة التقديرية وبقوة  قبل رحيله بعام ولكنها ذهبت لمحمد عبد الوهاب ، عدد لقاءاته   الاذاعية   نادرة جدا وليس له سوي تسجيل بصوته على العود وهو يغني "رق الحبيب"  وتسكن وجداني تلك الجملة الموسيقية العصية على النسيان  "من كٌتر شوقي سبقت عمري  وشفت بكرة والوقت بدري" ،نعم كنا نرى  الغد في موسيقاه!!

 

نجلاء فتحي.. الرائعة!

طارق الشناوي

25-03-2015

الصحافة بلا قلب، هكذا يعتقد الكثيرون وهم يلتقطون الأخبار ويذيعونها بغض النظر عن التدقيق والأبعاد والظلال التي تثيرها عادة بعض الأخبار، الصحافة كانت، وستظل، التزامًا بين الصحفي والقارئ حيث تراهن على الحقيقة، ولا شىء غير الحقيقة، يبدو أن مثل هذه الكلمات صارت عند عدد من الزملاء تُثير الضحك وربما تعني التخلف المهني، فهم يبحثون عن الإثارة ولا شىء غير الإثارة.

وهكذا اعتقدوا أن الحديث عن ثمن حقنة علاج نجلاء فتحي من صدفية العظام هو ما يشغل الناس، رغم أن ما يشغلهم يقينًا كان السؤال عن صحة فنانة أسعدتهم وونّستهم بإبداعها على مدى أكثر من 30 عامًا، فصارت واحدة من الأيقونات النادرات للسينما المصرية طوال تاريخها، حتى عندما قررت الابتعاد فإنها لم تختفِ عن المشاعر، بل ظلت تشغل نفس المساحة في القلب.

كان السؤال الذي قرر بعض الزملاء ضرورة البحث عن إجابته وتقديمه «دليفري» للقارئ، هو سعر الحقنة التي سوف تتعاطاها نجلاء فتحي في زيورخ الشهر القادم أربع مرات! العلاج لم يتم إقراره بعد فى سويسرا ولكنه فى أمريكا، وفى عدد من الدول الأوروبية صار متداولا ولكن لا يزالون يتابعون أعراضه الجانبية، ألم يستوقف أحدا تلك الشجاعة التى تتحلى بها نجلاء عندما قررت أن تواجه المرض بشجاعة وأن تواجه أيضا العلاج بشجاعة وأن تخبر جمهورها عن حقيقة مرضها بشجاعة؟!

هل فكّر مَن يسارعون بنشر الأخبار عن سعر الحقنة أن يرسلوا إليها كلمة مكوّنة من خمسة أحرف «سلامتك»؟ فقط سارعوا بكتابة الرقم «70 ألف دولار» للحقنة الواحدة، واضطر زوجها الإعلامى الكبير حمدى قنديل إلى نشر تصحيح على صفحته يؤكد أن الحقنة بتكلفة 7 آلاف دولار، والمطلوب أربع حقن.

نجلاء أعلنت، أقصد اضطرت إلى أن تعلن أنها تنفق على نفسها حتى لا يسأل أحد لماذا يرصدون كل هذه الأموال لفنانة؟ وأين باقى الشعب، هل هى الشهرة؟ نجلاء لم تتقدم، وأستطيع أن أقول لكم أيضا إنها لن تتقدم ولن تسمح لأحد بالتحدث باسمها للحصول على علاج على حساب الدولة، رغم أنه حق أصيل لها، ولكنها ضربت المثل للجميع عندما قالت إنها تستطيع هى وزوجها تحمل نفقات العلاج ويكفيها سؤال ودعاء الناس والمسؤولين.

نجلاء كثيرا ما جمعتنى بها لقاءات خارج الاستديو، مثلا شاركنا معًا فى لجنة تحكيم مهرجان الإسكندرية قبل نحو خمسة عشر عاما ورأيت كيف أنها تملك قدرة على التحليل الفنى لكل عناصر الفيلم، وكثيرا ما جمعتنى بها جلسات فى مهرجان دبى السينمائى الدولى عندما كان حمدى يقدم برنامجه على قناة «دبى»، ولا يتغير شىء أبدًا فى نجلاء، دائما لديها ابتسامة تصالحنا على الحياة وتفتح نفسنا على الدنيا، وستنجح إن شاء الله نجلاء فى عبور تلك الأزمة، لتظل تفتح نفسنا على الدنيا!

 

منير!!

طارق الشناوي

25-03-2015

صُدم الكثيرون في محمد منير عندما شاهدوه يغنّي في الحفل الأخير الذى أُذيع في مؤتمر «مصر المستقبل»، لإحساسهم أنه يغنّي لفضائية مرتبطة هي وعدد من مقدمي برامجها بالعداء لثوره 25 يناير.

كثيرًا ما نخلط بين اختيارات المطرب الغنائية وبين قناعاته السياسية، المطرب يغني عادة النغمة التي يعتقد أن الجمهور من الممكن أن يرددها بعده، لا أتصور مثلا أن عبد الحليم حافظ لو كانت قد تأخرت ثورة 23 يوليو 52، عشر سنوات مثلا لكان غنّى للملك «يا فاروق يا حبيب الملايين ماشيين فى طريقك ماشيين» مثلما سبقه أم كلثوم وعبد الوهاب في الغناء للملك.

عبد الحليم هو صوت الثورة وأكثر المطربين الذين صدقناهم وهم يغنون لعبد الناصر، ولكن لا تنسى أن تضع فى المعادلة دائما الظرف التاريخى. محمد منير بدأ مشواره الفنى فى السنوات الأخيرة من زمن السادات وتألق فى زمن مبارك ورغم أنه غنى مثلا «علّى صوتك بالغُنا لسّه الأغانى ممكنة» و«يهمنى الإنسان اللى مالوش عنوان» ولو «بطلنا نحلم نموت» فإنه لا يعنى ذلك أبدا أنه مثلا كان يريد أن تصل الرسالة أنه ضد فساد النظام، ولا هو يقصد أن يثور الناس ضد التوريث، لا منير ولا أحد من مطربى جيله كان لهم صوت ضد مبارك.

لا أنتظر من منير سوى أن يغنى بجمال وألق، وهذا هو مع الأسف ما لم يحدث فى حفله الأخير. أسِفْت على حال صوته، الذى نالت منه الأيام، شعرت أنه يغنى بأثر رجعى وبقوة الدفع فقط، كان الصوت واهنًا كأنه يتثآب، والحركة يعوزها اللياقة، والإحساس غائب، والملك ليس هو الملك!!

 

دريد لحام لا يزال يحلم

طارق الشناوي

25-03-2015

في الأسابيع الأخيرة بدأ دُريد لحام يغادر دمشق ويتحدث عن أشياء أخرى بعيدًا عن تأييده المطلق لبشار وهجومه المطلق على الثورة.

للمرة الثالثة بعد الألف الثالث يؤكد دريد أنه سوف يجمعه لقاء فنى مع عادل إمام فى فيلم «وطن فى السماء» من تأليفه وإخراجه وبطولة عادل!

ولو أنك راجعت أرشيف الصحافة الفنية على مدى أكثر من 30 عاما لوجدتَ أن دريد يؤكد أنه فى مطلع العام سوف يبدأ تصوير الفيلم ويأتى العام الجديد وينسى الناس والصحفيون تصريح دريد

ويجددون السؤال فى العام التالى. ربما كان عادل إمام أكثر حصافة عندما يُسأل عن «وطن فى السماء» حيث إنه لا يحدد موعدا للتصوير، مؤكدا أنه يسعده أن يلتقى مع دريد ولا يذكر أى تفاصيل أخرى. لقاء دريد «مخرجًا» مع عادل إمام «ممثلا» يذكّرنى بهذا اللقاء الذى لم يتم بين موسيقى فريد الأطرش وصوت أم كلثوم، ظل فريد يؤكد وأم كلثوم تقول «سوف نلتقى» و«يسعدنى اللقاء» ثم لا شىء.

رغم كثرة المشروعات التى جمعت بينهما فإن قناعة أم كلثوم هى أن ألحان فريد لا تصلح إلا لصوت فريد وأعتقد أنه

بشكل أو بآخر هذا هو ما ينطبق على عادل إمام الذى يرى أن أفلام دريد التى يكتبها أو يشارك فى كتابتها وإخراجها لا تصلح إلا لدريد. عادل إمام ربما كان يقدّر أسلوب دريد كممثل وكمخرج ولكن المزاج الفنى الذى يقدمه دريد فى أفلامه ليس هو المزاج الذى ينتمى إليه عادل إمام فى أدائه ولا فى اختياراته.. ودريد هو كاتب ومخرج الفيلم، وعلى هذا فلا بد أن يسيطر أسلوبه على كل المفردات. ذروة دريد فى الفيلم السياسى هو «الحدود»، وذروة عادل إمام فى الفيلم السياسى هو «الإرهاب والكباب».. ولا يمكن أن يلتقى صاحب «الحدود» مع بطل «الإرهاب والكباب».

إن ما بين دريد وعادل هو بالتحديد خلاف فى المزاج الفنى ولا يمكن للمزاجين المختلفين أن يلتقيا، أقصى ما يمكن أن يحدث هو أن تستمع إلى تصريح للمرة الرابعة بعد الألف الرابع وعلى لسان دريد أنهما سوف يلتقيان العام المقبل!

 

عندما ترقص الآلهة!!

طارق الشناوي

25-03-2015

للعام الثالث على التوالي يحتضن النيل السينما الهندية  في احتفالية تنطلق الأحد القادم بحضور الألفة أميتاب باتشان.

سينما "بولييود" هي فاكهة المهرجانات في العالم  فهي تنضح بسحرها وأيضًا سرها الخاص، السينما الهندية عمقها الحقيقي يبدأ من البساطة وينتهي الى البساطة، الشعب الهندي هو أكبر عاشق لسينما بلاده التي تعددت فيها الأديان والأعراق واللغات وتوحدوا على السينما، أنه عشق مجنون يعيشونه ويمارسونه حتى أنهم يطلقون على النجوم الهنود لقب آلهة بل يحجون إليهم.

واكتشفت مثلًا أن أميتاب باتشان في كل يوم أحد يهرع إليه الآلاف من العشاق، وكثيرًا ما يتحول الإعجاب إلى معركة وطنية  أتذكر أن إذاعة "بي بي سي" البريطانية أرادت أن تختار قبل نحو 15 عامًا نجم القرن العشرين بين كل نجوم الدنيا وبينما انقسم الأمريكيين والأوروبيين على اختيار النجم فإن الهنود جميعًا توحدوا حول باتشان ليتفوق بالأرقام على نجوم عالميين بحجم شارلي شابلن وأورسون ويلز وجريجورى بيك وجاك نيكلسون وميريل استريب ومارلون براندو وغيرهم من أساطير فن الأداء في العالم الذين لمعو منذ ميلاد السينما في العالم حتى نهاية القرن.

لاشك أن باتشان له أيضًا جمهوره في العالم كله ولا أنسى تلك المظاهرات التي كانت تصاحبه قبل 20 عامًا في مهرجان القاهرة منذ هبوطه للمطار حتى عودته، وهو ما تكرر قبل 14 عامًا عندما حضر إلى مهرجان الإسكندرية، الآن هناك أسماء أخرى بات يعرفها العالم مثل شارو خان وسالمان خان وشاهيد كابور وإيشورا راي وشابانا عزمي وغيرهم.

بولييود تعني بومباي، وهي المعادل الشرقي لهولييود، إلا أنها تنتج في العام الواحد ثلاثة أضعاف ما تنتجه أمريكا، حيث يتجاوز الرقم ألف فيلم تستطيع أن ترى في تلك السينما عناق الموسيقى الصاخبة والرقص والإيقاع والنساء الجميلات والحكاية الميلودرامية التي تجمع بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، ولهذا تنتقل في لحظات بين آهة حرقة الشجن وومضة فرحة القلب، الفيلم الهندي أتحدث بالطبع عن الوجه المألوف لنا وفي العالم كله يحيل خيال الناس إلى واقع يعيشونه أو يأملون أن يعيشوه ولهذا  يصدقونه، المبالغات في الميلودراما تعني أن الحياة نفسها من الممكن أن تحمل كل هذا التطرف في المشاعر.

في الهند تكتشف أن الفقراء يمثلون واحدة من أكبر النسب في العالم وتجد أيضًا أن الأثرياء يمثلون شريحة من أكثر النسب في العالم، إنها بلد المتناقضات، شاهدت في بومباي عندما زرتها قبل ثلاثة أعوام المئات يعيشون على الأرصفة التي تطل عليها قصور الأثرياء ولكنهم جميعًا يتوحدون على عشق السينما، الهند بلد التسامح الديني الأغلبية الهندوسية لا تقهر الأقلية المسلمة التي تصل إلى 12%، والمفارقة أن أغلب نجوم السينما مسلمون.

الشعب الهندي في علاقته بالسينما يضفي على نجومه هالة من التقديس،  وكأنها نوع من الترديد لهذا الإحساس الذي كان العربي القديم قبل الأديان يمارس طقوسه، حيث يصنع آلهة من التمر وعندما يستبد به الجوع لا يجد أمامه سوى أن يلتهم تلك الآلهة غير آسفا عليها ومع مرور الزمن يخلق آلهة جديدة، كل النجوم في العالم هم بشكل أو بأخر تخلقهم الجماهير ثم تعبدهم وبعد ذلك تلتهمهم، ثم يبحثون بعدها  عن آلهة جديدة يعبدونها.

في الهند يبدو الأمر مختلف الأساطير تظل أساطير نعم تولد أساطير أخر صيحة، لأن لكل عصر مفرداته ونجومه ولكن الشعب الهندي على عكس كل الجماهير في العالم لا يأكل نجومه بل يصدرهم للعالم كله، وهكذا يأتي أميتاب للقاهرة لنشاهد سينما تعانق الشمس وتحتضن القمر وتتنفس الجمال وآلهة ترقص!!

 

أحمد زكي والضربة الجوية!!

طارق الشناوي

24-03-2015

كثيرة هي الأحاديث التى كان يشير فيها أحمد زكي إلى أنه سوف يقدم فيلما عن الضربة الجوية وبالطبع السيناريو سوف يحصر فقط انتصار 73 في حسني مبارك، كانت تلك هي القضية وهذا هو الهدف الذي بدأ يتنامى لكي يُصبح انتصار أكتوبر مرادفا للضربة الجوية والضربة تساوي مبارك.

أحمد زكي قدم ناصر 56 في عام 96 الذي تناول 101 يوما في حياة عبد الناصر، وكانت الذروة هي تأميم القناة، الفيلم كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه محمد فاضل ،وبعدها بنحو خمسة اعوام قدم فيلمه عن حياة السادات، لاشك ان هناك من تسأل وقتها وتبعا للتسلسل الزمني اين مبارك ؟سؤال سياسي من الدرجة الأولى، ويشبه ملامح وتركيبة حسني مبارك  النفسية، لو عدت إلى الارشيف ستكتشف ان أحمد زكي في البداية  كثيرا ما كان يعلن انه سيقدم حياة حليم والمشير عامر والشيخ متولي الشعراوي وطلعت حرب وغيرهم ولم يأت أبدا على ذكر مبارك، كان لديه دائما نهم لتقديم عشرات من الشخصيات في تاريخنا المعاصر لأن هواية أحمد زكي هي التقليد فكان يجد في ذلك فرصة  لتفريغ تلك الشحنة  التى كانت تلقي صدى طيب لدي الصحافة والجمهور وكثيرا ما أشادوا به رغم اني ارى ان ذرى احمد زكي الابداعية ناضجة وناضحة أكثر في أدواره مثل أحمد سبع الليل في " البرئ" أو عبد السميع في " البيه البواب" أو ضابط المباحث هشام  في " زوجة رجل مهم " وغيرها، تتوهج موهبة أحمد زكي في الشخصيات الدرامية أكثر لأنها تمنحه القدرة على الخروج بعيدا عن محددات  الشخصية  التاريخية في الصوت والحركة إلا أن أحمد كان على العكس يرى نفسه  في  ناصر والسادات اللتين  حققتا له نجاحا جماهيريا طاغيا .

لم يكن أحمد يشير لرغبته لتقديم حياة مبارك ولكنه في سنواته الاخيرة كثيرا ما كان يكرر ذلك و لا يخلو حوار إلا وتجد هناك اقحاما للسؤال ولا يجد حمد زكي امامه سوى أن يقول نعم ويشيد بصاحب الضربة الجوية.

لم أسأل أحمد ولم تكن لدي مساحة لكي أعرف حقيقة الأمر من  مصادرها  السياسية ولكن ما سوف تقرأوه هو مجرد تحليل للموقف ، انبهر  مبارك باداء أحمد زكي  لشخصية  السادات وقرر منحه وسام الجمهورية من الطبقة الاولى  و طبقا لحال الدولة في السنوات  العشر الأخيرة من حياة مبارك  تتدخل دائرة الرئاسة  لتصحيح  المسار  وتتم اضافة أسماء المخرج محمد خان والكاتب احمد بهجت و أيضا ميرفت أمين واحمد السقا وهكذا تم منحهم أوسمة الجمهورية ليصبح الأمر لائقا بالرئاسة ، ومن بعدها كان يقول لنفسه وليه لأ ما هو يقدر يقلدني أنا أيضا.

تركيبة مبارك كانت تميل إلى ضرورة  الحصول على جرعات من الطبطبة والدلع وهكذا من الممكن أن أرى أنه ليس بمستبعد ان يكون صفوت الشريف أو ربما زكريا عزمي او الاثنين معا قد لعبا دورا في توصيل تلك الرسالة لأحمد وهي لا تنسي أن تذكر الرئيس  والضربة في جملة مفيدة وظلت الجملة تتكرر حتى رحيل أحمد ، ومن بعدها  بدأ جهاز السينما التابع لوزارة الاعلام  يُعد فيلما عن مبارك والضربة الجوية ،اسندوا كتابته الى عاطف بشاي واخراجه لعلى عبد الخالق والبطولة لأحمد شاكر ،والغريب انهم بعد 25 يناير قرروا تقديم فيلما يفضح فساد مبارك فوجدوا ايضا ان احمد شاكر هو الذي تنطبق عليه المواصفات.

لا ينبغي ان نطلب من فنان ان يواجه دولة تملك الكثير من الأسلحة وننتظر مثلا أن يقول  أحمد زكي لا لن أقدم حياة مبارك أو لن اختصر  انتصار أكتوبر في مبارك، لدي احساس أن أحمد كان يعلم ان هذا مجرد تصريح يجنبه شر الدخول في معركة غير متكافئة مع الاجهزة السيادية في البلد. بعد ثلاثة أيام تحل الذكرى  العاشرة  لنجمنا الراحل الكبير ووجدت نفسي أفكر معكم بصوت مسموع عن  إجابة لسؤال يؤرقني وربما يؤرقكم !! 

 

ما هو ذنب عبد الوهاب؟

طارق الشناوي

23-03-2015

لا أوافق على هذا الجدل الذي يثار حول موعد عيد الفن، عاد العيد في 13 مارس 2014 واختيار التاريخ لم يكن عشوائيا بل هو يوم ميلاد عبد الوهاب وهناك من قال وقتها لماذا لا نؤخره أربعة أيام ليوافق ميلاد سيد درويش أستاذ عبد الوهاب بشهادة عبد الوهاب، لا أوافق على تبديد الطاقة في هذا الجدل العقيم .

عيد الفن انطلق عام 76 واختير له يوم 8 اكتوبر بعد يومين فقط من الانتصار ليظل يذكرنا بهذا اليوم  المجيد وأظنه كان اقتراح من د.رشاد رشدي  رئيس أكاديمية الفنون فاستملحه أنور السادات ،  الذي كان حريصا في كل عيد ليس فقط على منح  شهادات الدكتوراة والجدارة  ولكن ايضا باصدار  قوانين لصالح الفنانين  ،مثل عدم الاحالة للمعاش وتطبيق حق الأداء العلني، وشاهدنا الرموز تحصل على الدكتوراة عبد الوهاب ويوسف وهبي وزكي طليمات وتوفيق الحكيم، لم يكن الأمر مجرد تجميع لعدد من الفنانين ولكن هناك منطق وعقل، كان السادات صاحب مزاج وحس فني راق، أتذكر في حفل أعادته الاذاعة المصرية قبل عشر سنوات  عندما منح  السادات أحمد رامي الدكتوراة الفخرية وقبلها كان رامي قد ألقي كلمة عن أم كلثوم التى كانت قد رحلت عن دنيانا، ثم امسك السادات الميكروفون ونحى أوراقه  جانبًا وقال ماذا اقول بعد رامي .

السادات كان يٌضفي الكثير على هذا العيد مثلا وهو يكرم حسن الإمام يداعبه قائلًا فيلمك "بالوادين إحسانًا"  أبكاني عايزين منه كتير أو يُذكر الشاعر الغنائي مأمون الشناوي برائعته "الربيع".

توقف العيد بعد السادات وقالوا الكثير عن الأسباب منها غضب الفنانين من دعوة حسني مبارك نائب الرئيس للحضور بدلًا من السادات في أخر عيد فن قبل رحيل السادات، مما أدى إلى غضب الفنانين ومقاطعة  بعضهم الحضور مما أوغل صدر مبارك وعندما صار الرئيس بعدها بعام ألغي العيد، الحكاية هي أن مبارك كان يكتفي بالاحتفال بمبارك وهو ما نجحت  فيه وزارة الإعلام بعد أن رأسها صفوت الشريف فكان هو العريس في حفل الاعلام السنوي  الذي يقام في  ذكرى اكتوبر التى صارت هي احتفالية مبارك حتى يخفت تماما اسم السادت ويحدث ارتباطًا شرطيًا بين أكتوبر ومبارك والضربة الجوية، ورغم ذلك فان طلعت زكريا عندما اجتمع به قبل اشهر قلائل من اجباره على التنحي استطاع ان ينتزع منه تصريحا بعودة عيد الفن، وللتاريخ كان محمد مرسي أيضًا قد وعد بذلك بعد طلب عدد من الفنانين.

هاني مهنا رئيس اتحاد النقابات الفنية استطاع في العام الماضي إعادته في عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور، ولكن بعد صدور حكم ضده بالسجن بسبب شيك بدون رصيد بات من المستحيل أن يظل في موقعه وتأجل العيد وأعادوه مؤخرا لحضن الدولة، لتزداد قبضتها على كل شئ.

العشوائية التى ضربت في مقتل العيد في الدورة الماضية كان فيها مقتل العيد أما تغيير الموعد  فهو مجرد تبديد الطاقة هناك من يري عيد ميلاد سيد رويش أو ينحاز للفن التشكيلي ويصبح مثلا عيد ميلاد مختار أو سعيد أو يرى أن الغناء هو أم كلثوم  أو الرواية نجيب محفوظ أو السينما محمد كريم وهم الأجدر بالاحتفال بأعياد ميلادهم وكلها بالمناسبة إجابات صحيحة بالطبع ولكن ماذا بعد.

جائزة عيد الفن لم تحمل مثلا صورة لعبد الوهاب حتى يعتبرها البعض اختصارًا للفن في شخص وتاريخ عبد الوهاب هو فقط يوم لرمز فني لا يختلف عليه أحد عاش معنا 90 عامًا ولا نزال نعيش على إبداعه، المشكلة ليست في اليوم ولكن في العقول التي تختار من يستحق التكريم، هل أذكركم بأن الأمن طرد المطرب محمد محسن من فوق مسرح الأوبرا قبل الحفل بدقائق بحجة أنه من مؤيدي ثورة 25 يناير ووقوفه على الهواء غير مأمون العواقب، مع الأسف هذه العقول لا تزال تسيطر على العيد فما هو ذنب عبد الوهاب .

 

الدولة ترمى بياضها!

طارق الشناوي

22-03-2015

هم يفكرون فى الصناعة بمعزل عن الحرية، رغم أنهما توأم سيامى، بعضهم ينتظر ما الذى سوف تمنحه له الدولة، وفى هذه الحالة يقول سحقًا للحرية، أتحدث مع الأسف عن قسط وافر من السينمائيين، ولو اتسعت الدائرة لقلت المثقفين.

أول من أمس كان لقاء وزير الثقافة د.عبد الواحد النبوى مع كل من لجنة السينما وغرفة صناعة السينما. الوزير منذ أن اعتلى الكرسى وتحوطه الكثير من التساؤلات عن توجهه الإخوانى، كنت متأكدا أنه لا يمكن أن تأتى الدولة مهما بلغت من درجات العشوائية بإخوانى، لكنها تتوجه إلى اختيار رجل متحفظ، يتوافق مع ملامح الزمن، الذى نرى بوادره الآن على الكثير من أوجه الحياة، النظرة ضاقت جدا فى محاولة لتوجيه الإبداع، بحجة أن كل ما نراه على الشاشة من موبقات يتم تصديره للشارع، وعندما تتم تنقية الشاشة سنجد أمامنا الشارع المصرى نظيفا من كل شىء وعلى «سنجة عشرة».

فى اجتماع الوزير مع السينمائيين تجسدت أمامى صورة الدولة، هناك من يوافق ضمنيا على تلك المقايضة، ولسان حالهم يقول «ماذا ستمنحنا الدولة فى مقابل تنازلنا عن الحرية»، الدولة تريد فنا مهذبا معقما مقابل الدعم المادى، الذى تقدمهم لهم، وهم مستعدون للتنفيذ الفورى بعد أن ترمى الدولة بياضها.

عندما نتحدث عن الفن نُقطة الانطلاق كان ينبغى أن تتوجه أولا للحرية، مع الأسف نراها تبحث عن مزيد من القيود، ولدينا مجتمع بطبعه يميل إلى تطبيق الأحكام الأخلاقية المباشرة على الإبداع، قسط وافر من الفنانين لا يمانع، الكل ينتظر الدعم الذى سوف تدفعه الدولة، يريدونه مباشرا، ولا ينبغى أن تسترده الدولة. السينمائيون يقدم عدد منهم رسائل للسلطة، نحن سنقدم السينما التى تريدونها، الدعم فى العادة لا يذهب إلى مستحقيه، بل المفارقة أن الدولة شكلت لجنة قبل بضعة أشهر من أجل دعم الأفلام، واستعانت بعدد منهم، وبعد أن وضعوا المعايير استقالوا لكى يتقدموا بعد ذلك بمشروعاتهم للحصول على الدعم، الذى وضعوا هم شروطه المسبقة «كده عينى عينك»، كيف من الممكن أن يستقيم هذا الوضع؟ لكنه استقام، ومع الأسف لم يعترض أحد، وهو ما يفرض على الوزير الجديد إعادة النظر فى الأمر برمته.

قلت لدكتور عبد الواحد فى الاجتماع الذى حضرته مع السينمائيين، إن هناك إحساسا يتنامَى بتناقص الحريات، وأن المجتمع أصبح يعتقد مما صدره له الإعلام الرسمى والخاص أو الخاص قبل الرسمى أن الحرية مرادف للفوضى، وأن عجلة الإنتاج ستتوقف عن الدوران لو أطل ملف الحرية، وعلينا أن ندفع بحجر الحرية بعيدا حتى تظل العجلة فى انطلاقها.

رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى بطبعه يميل إلى التحفظ فى علاقته بالفنون، لا تنسى كلمته لأحمد السقا ويسرا «ربنا ح يحاسبكو»، وهو تعبير يدل على أن النظرة الأخلاقية هى التى يطل من خلالها الرئيس على الفنون، وهو ما سوف ينعكس بالضرورة على البناء الهرمى للدولة من رئيس الوزراء إلى وزير الثقافة إلى الرقيب.

النظرة المتحفظة حتى لو كانت للرئيس لا ينبغى أن نعتبرها قانونا، قبل نحو شهر تراجع بوتين عن إصدار قانون يمنع استخدام أى الفاظ «أبيحة» فى الأعمال الفنية فى روسيا، عندما اعترضت النقابات وكبار الكتاب هناك، واعتبروه نوعا من القيود التى تمارس على الفن.

نعم، عدد من المخرجين يزيد من الجرعة لكى يضمن أكبر قدر من الأرباح، لكن التجربة أثبتت أن الجمهور يرفض الإسفاف، وهو الوحيد القادر على المواجهة عندما يشيح بوجهه عن الرداءة.

نعيش بين كأسين كلتاهما مُرة: دولة متحفظة فى علاقتها بملف الحريات، ومثقفين تعودوا على انتظار «البياض»، الذى ترميه الدولة لهم، وفى سبيل تحقيق ذلك سوف يبيعون كل شىء وأوله الحرية.

 

إسماعيل ياسين يقهر «صليل الصوارم!!»

طارق الشناوي

22-03-2015

هل رأيت عبر «النت» ما الذى يفعله «داعش»؟ هذا هو الكابوس الدائم الذى نجحوا فى تصديره لنا، وأخيرا انتقلنا من مرحلة الهلع إلى الاستهزاء.

تُقاس قوة الشعوب النفسية والروحية ومدى صلابتها بقدرتها على السخرية، وهكذا شعرتُ بحالة من الاطمئنان على الصحة النفسية للمصريين والعرب وأنا أتابع الرد الفورى الذى اشتعلت به كل مواقع «النت» استخفافا بنشيد «صليل الصوارم» الذى أصدره الدعادشة لإعلان موقفهم المُعادى للحياة، صار الصليل على الجانب الآخر تماما، فهو يفتح الشهية للضحك من خلال الاستعانة بمقاطع من النشيد تم تركيبها على مشاهد شهيرة لنجوم الكوميديا أمثال أحمد حلمى ومحمد سعد وأحمد مكى وغيرهم. ولم يكتفوا بهذا القدْر، بل امتدت دائرة السخرية إلى رجل الشارع، حيث الأفراح الشعبية فى القاهرة وعديد من المحافظات لنرى العريس والعروس والمعازيم يرقصون على إيقاعات هذا النشيد، وأقام بعضهم -إمعانا فى السخرية والتحدى- قفصًا من الكارتون ويدخل العريس والعروس إليه بديلا عن الكوشة، ونرى خنجرا خشبيًّا نستمع إلى صليله الذى تحول إلى قهقهات بصوت إسماعيل ياسين، ليصبح الصليل صهللة!!

كل تلك التفاصيل التى أرادوا من خلالها إخافتنا بتسريبها إلى الملايين عن طريق قنوات التواصل الاجتماعى صارت على العكس تماما تؤدى إلى الضحك عليهم والاستهانة بأفكارهم المريضة، حتى إنهم وضعوا مقاطع من نشيد «داعش» على رقصات صوفينار. «داعش» يحرص على أن يرهب العالم بتلك الأشرطة التى صوروها لضحاياهم، إذ استخدموا فى التنفيذ أكثر من كاميرا وفريق تقنى محترف وأيضا لعبت الموسيقى التصويرية والمؤثرات البصرية والصوتية والمونتاج، وبل ولحظات الصمت والترقب، دورا فى تصدير تلك الحالة من الرعب التى أرادها هؤلاء الدمويون.

بث الخوف إلى العالم من خلال تلك الأشرطة هو هدفهم الاستراتيجى، حتى يفكر ألف مرة مَن يريد أن يتصدى لهم بأنه سوف يواجه قوة باطشة لا تعرف سوى جزّ الرقاب.

على المقابل كانت السخرية اللاذعة هى وسيلة المقاومة القادرة على التصدى، أن تستهين بالخطر فهذا هو السلاح الباتر وحائط الصدّ الذى تواجههم به، لا تستطيع أن تهزم عدوك وأنت تبالغ فى قوته، ولكن الاستهانة برسائلهم التى قدموها عبر «الميديا» هى نوع من التفجير الذاتى المبكر لها عن طريق تحويلها إلى قنبلة عكسية ترتد إليهم.

تذكرتُ مشهدا من «تيمبكتو»، الفيلم الموريتانى، وهو بالمناسبة أهم فيلم عربى عُرض فى 2014، وكان عنوانا لنا فى عديد من المهرجانات والمسابقات العالمية، والحاصل على جائزة «سيزار» الفرنسية كأفضل فيلم، التى تعادل «الأوسكار» الأمريكى، قدم المخرج عبد الرحمن سيساكو مشهدا لافتًا داخل فيلمه يسخر فيه من منظمة أخرى إرهابية وهى «بوكو حرام»، فلقد تعددت التنظيمات والتسميات والإرهاب واحد. قدم المخرج مشهدا موازيًا لهم وهم يستعدّون لقتل الضحية ثم فى اللحظة الحاسمة يتضح أنه مجرد مقلب ساخر، ليتحول إلى موقف كوميدى. فى الحقيقة، الفيلم يقدم رسالة للعالم بقدر ما هى تدين الإرهاب الذى يتدثر عنوة بالإسلام لكنها تدافع عن حقيقة الإسلام، كل تلك التفاصيل قدمها المخرج بهدوء ونعومة وأيضا بخفة ظل.

كثير من التراجيديات رآها البعض تحمل وجها آخر يدعو للضحك، مثل ريا وسكينة، وهما أشهر سفاحتين فى التاريخ المصرى والعربى بتلك الجريمة التى أقدمتا عليها فى مطلع القرن العشرين، فقدم المخرج صلاح أبو سيف فيلمه التراجيدى عنهما فى عام 1953، ثم من بعدها لعب سُمعة بطولة فيلم «إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة» ومن بعدها تعددت المعالجات الكوميدية الساخرة.. كثيرا ما نكتشف أن إسماعيل ياسين هو الحل!!

 

إسماعيل يسن يقهر صليل الصوارم!!

طارق الشناوي

22-03-2015

تُقاس  قوة الشعوب النفسية والروحية ومدي صلابتها بقدرتها على السخرية ،وهكذا شعرت بحالة من الاطمئنان على الصحة النفسية للمصريين والعرب، وأنا أتابع الرد الفوري الذي اشتعلت به كل مواقع "النت" استخفافا  بنشيد  "صليل الصوارم" الذي أصدره الدعادشة لإعلان موقفهم المعادي للحياة، صار الصليل على الجانب الأخر تماما فهو يفتح الشهية للضحك من خلال الاستعانة  بمقاطع  من النشيد تم تركيبها على  مشاهد شهيرة لنجوم الكوميديا امثال أحمد حلمي  ومحمد سعد وأحمد مكي  وغيرهم ولم يكتفوا بهذا القدر، بل امتدت دائرة السخرية إلى رجل الشارع، حيث الأفراح الشعبية في القاهرة والعديد من المحافظات؛ لنرى العريس والعروس والمعازيم يرقصون على إيقاعات هذا النشيد، وأقام بعضهم إمعانا في السخرية والتحدي  قفص من الكارتون ويدخل العريس والعروس إليه بديلا عن الكوشة، ونرى خنجرا خشبيا نستمع إلى صليله الذي تحول إلى قهقهات بصوت إسماعيل يسن؛ ليصبح الصليل صهللة!!

كل تلك التفاصيل التى أرادوا من خلالها أخافتنا بتسريبها للملايين عن طريق  قنوات التواصل الاجتماعي  صارت على العكس تماما تؤدى الى الضحك عليهم والاستهانة بأفكارهم المريضة ، حتى أنهم وضعوا مقاطع من نشيد داعش على رقصات صوفينار، داعش تحرص على أن ترهب العالم بتلك الاشرطة التى صوروها لضحاياهم ، حيث استخدموا في التنفيذ أكثر من كاميرا وفريق تقني محترف وأيضا لعبت الموسيقى التصويرية والمؤثرات البصرية والصوتية والمونتاج وبل ولحظات الصمت والترقب دورا في تصدير تلك الحالة من الرعب التى أرادها هؤلاء الدمويون.

بث الخوف الى العالم من خلال تلك الاشرطة هو هدفهم الإستراتيجي، حتى يفكر ألف مرة من  يريد أن يتصدى لهم، بأنه سوف يواجه قوة باطشة لا تعرف سوى جز الرقاب.

على المقابل كانت السخرية اللاذعة هي وسيلة المقاومة  القادرة على التصدى ،أن تستهين بالخطر هو السلاح الباتر وحائط الصد الذي تواجههم به، لا تستطيع أن تهزم عدوك وأنت تبالغ في قوته ولكن الاستهانة برسائلهم التى  قدموها عبر "الميديا" هو نوع من التفجير الذاتي  المبكر لها عن طريق تحويلها الى قنبلة عكسية ترتد إليهم.

تذكرت مشهدا من "تيمبكتو" الفيلم الموريتاني وهو بالمناسبة أهم فيلم عربي عُرض في 2014 وكان عنوانا لنا في العديد من المهرجانات والمسابقات العالمية، والحاصل على جائزة "سيزار" الفرنسية كأفضل فيلم ،التي تعادل "الأوسكار" الأمريكي، قدم المخرج عبد الرحمن سيساكو مشهدا ملفتا داخل فيلمه يسخر فيه من منظمة أخرى ارهابية وهي "بوكو حرام"، فلقد تعددت التنظيمات والمسميات والارهاب واحدا ، قدم المخرج مشهدا موازيا لهم وهم يستعدون لقتل الضحية ثم في اللحظة الحاسمة يتضح إنه مجرد مقلب ساخر ، ليتحول الى موقف كوميدي، في الحقيقة أن الفيلم يقدم رسالة للعالم بقدر  ما هى تدين الإرهاب الذي يتدثر عنوة بالإسلام بقدر ما تدافع عن حقيقة الإسلام، كل تلك التفاصيل قدمها المخرج بهدوء ونعومة وأيضا  بخفة ظل.

كثير من التراجيديات رآها البعض تحمل وجها أخر يدعو للضحك مثل ريا وسكينة وهما أشهر سفاحتين في التاريخ المصري والعربي بتلك الجريمة التى أقدمتا عليها في مطلع القرن العشرين، فقدم المخرج صلاح أبو سيف فيلمه التراجيدى عنهما  في عام 1953، ثم من بعدها  لعب سُمعة  بطولة فيلم  "اسماعيل يسن يقابل ريا وسكينة " ومن بعدها تعددت المعالجات  الكوميدية الساخرة، كثيرا ما نكتشف أن اسماعيل يسن هو الحل!!

 

الدولة ترمي بياضها!

طارق الشناوي

21-03-2015

هم يفكرون في الصناعة بمعزل عن الحرية رغم أنهما  توأم سيامي، بعضهم ينتظر ما الذي سوف تمنحه له الدولة وفي هذه الحالة يقول سحقا للحرية، أتحدث  مع الأسف عن قسط وافر من السينمائيين  ولو اتسعت الدائرة لقلت المثقفين.

أول من أمس  كان لقاء وزير الثقافة د. عبد الواحد النبوي مع كل من لجنة السينما وغرفة صناعة السينما، الوزير منذ أن  اعتلى  الكرسي  وتحوطه الكثير من التساؤلات  عن توجهه الاخواني ،كنت متأكدا أنه لا يمكن أن تأتي الدولة  مهما بلغت من درجات العشوائية  باخواني ولكنها  تتوجه  الى اختيار  رجلا متحفظا يتوافق مع  ملامح  الزمن  الذي نرى بوادره الان على الكثير من أوجه الحياة ، النظرة  ضاقت جدا  في محاولة لتوجيه الابداع  بحجة أن كل ما نراه على الشاشة من موبقات يتم تصديره للشارع  وعندما تتم تنقية الشاشة سنجد أمامنا الشارع المصري  نظيفا من كل شئ وعلى "سنجة عشرة".

في اجتماع الوزير مع السينمائيين تجسدت أمامي صورة الدولة، هناك من يوافق ضمنيا على تلك المقايضة ، ولسان حالهم يقول ما ذا ستمنحنا  الدولة في مقابل تنازلنا عن  الحرية ، الدولة تريد فنا مهذبا معقما  مقابل الدعم المادى  الذي تقدمهم لهم وهم مستعدون  للتنفيذ الفوري بعد أن ترمي الدولة بياضها.

عندما  نتحدث عن الفن نُقطة الانطلاق كان ينبغي أن تتوجه  أولًا للحرية  مع  الأسف نراها تبحث عن مزيد من القيود ولدينا  مجتمع بطبعه يميل الى تطبيق الاحكام الاخلاقية المباشرة على الابداع ،  قسط وافر من الفنانين لا يمانع ،الكل ينتظر الدعم الذي سوف تدفعه الدولة يريدونه مباشرا  ولا ينبغي أن تسترده الدولة ، السينمائيون يقدم  عددًا منهم رسائل للسلطة نحن سنقدم السينما التى تريدونها، الدعم في العادة لا يذهب لمستحقيه  بل المفارقة  أن الدولة شكلت لجنة  قبل بضعة أشهر من أجل دعم الافلام  واستعانت بعدد منهم وبعد أن وضعوا المعايير استقالوا لكي يتقدموا بعد ذلك بمشروعاتهم للحصول على الدعم الذي وضعوا هم شروطه المسبقة  "كده عيني عينك " ،كيف من الممكن أن يستقيم هذا الوضع ؟ولكنه استقام ومع الأسف  لم يعترض أحد ، وهو  ما يفرض  على الوزير الجديد اعادة النظر في الأمر برمته.

قلت لدكتور عبد الواحد  في الاجتماع الذي حضرته مع السينمائيين، أن هناك احساس يتنامى  بتناقص الحريات وأن المجتمع اصبح يعتقد مما صدره له الاعلام الرسمي والخاص أو الخاص قبل الرسمي أن الحرية مرادفًا للفوضي وأن عجلة الانتاج ستتوقف عن الدوران لو أطل ملف الحرية وعلينا أن ندفع بحجر الحرية بعيدا  حتى تظل العجلة في انطلاقها.

رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بطبعه يميل للتحفظ في علاقته بالفنون، لا تنسي كلمته لأحمد السقا ويسرا "ربنا ح يحاسبكو"، وهو تعبير يدل على أن النظرة الأخلاقية هى التى يطل من خلالها الرئيس على الفنون وهو ما  سوف ينعكس بالضرورة على البناء الهرمي للدولة من رئيس الوزراء الى وزير الثقافة الى الرقيب.

النظرة المتحفظة حتى لو كانت للرئيس لا ينبغي أن نعتبرها قانون، قبل نحو شهر  تراجع بوتين عن اصدار قانون يمنع استخدام  أى الفاظ أبيحة في الأعمال الفنية في روسيا، عندما اعترضت النقابات وكبار الكتاب  هناك واعتبروه  نوع من القيود التى تمارس على الفن.

 نعم  عدد من المخرجين  يزيد من الجرعة لكي يضمن أكبر قدر من الأرباح  ولكن التجربة أثبتت أن الجمهور يرفض الإسفاف، وهو الوحيد القادر على المواجهة عندما يشيح بوجهه عن الرداءة .

نعيش  بين  كأسين كلاهما مُر، دولة متحفظة في علاقتها بملف الحريات ومثقفين تعودوا على انتظار  "البياض" الذي ترميه الدولة لهم ، وفي سبيل تحقيق ذلك سوف يبيعون كل شئ وأوله الحرية.

 

شرف الاعتذار!

طارق الشناوي

20-03-2015

الرقم الذي يتحقق في شباك التذاكر وكثافة المشاهدة وتداول الكتاب وتوزيع الاغنية لا يمكن أن نقلل من أهميته برغم أنه ليس هو الدليل الوحيد على القيمة الابداعية إلا أنه يحمل مؤشرا ودلالة يجب الالتفات إليها وتأملها بدقة ،على الجانب الأخر عندما تتضاءل الايرادات ويدير الجمهور ظهره للعمل الفني ويلاقي فشلا ذريعا في دور العرض أو محلات بيع الاغاني، علينا في هذه الحالة أن نحلل  ظلال الأرقام وما تطرحه علينا  من أسباب  ودوافع مباشرة أو غير مباشرة.

في الأسابيع الأخيرة صارت الافلام الجديدة تتبخر سريعا من دور العرض، والفيلم إذا لم تلحقه في أيامه الأولى بل في حفلاته الأولى  لن تعثر عليه بعدها، لا تصدقوا مخرجو هذه الافلام التى خاصمها الجمهور، عندما يتشعبطون على أكتاف المخرج يوسف شاهين ويقولون لك لا تنسى فيلمه "باب الحديد" وكيف رشقه الجمهور بالحجارة قبل 60 عاما ثم أصبح الفيلم  اليوم واحدا من أكثر الأفلام شعبية في التاريخ السينمائي ولا يزال يحظى في نفس الوقت بمكانة متقدمة في التقييم الفني، حيث أحتل مؤخرا المركز الثاني عربيا  بعد "المومياء"  لشادي عبد السلام في استفتاء أفضل 100 فيلما الذي أجراه مهرجان دبي السينمائي الدولى 2013 في دورته العاشرة.

بالطبع "المومياء" لا يزال حتى الآن فيلما نخبويا بينما "باب الحديد" يستحق عن جدارة  لقب الفيلم الشعبي.

أرى دائماً أن من حق صانع العمل الفني مهما بلغ مستواه ،الدفاع عن الفيلم أو الأغنية التي قدمها ومن حقه أيضاً أن يلجأ لكل الأسلحة في تجميل بضاعته على شرط ألا يستخدم سلاحاً واحداً باتت كل الاعمال الفنية  الخاسرة   تلجأ إليه وهو  شماعة "باب الحديد" ربما يضيفون أيضاً أفلاما رائعة أخرى   لم تحقق في البداية  شيئا  في شباك التذاكر مثل "شيء من الخوف" إخراج "حسين كمال" و "بين السماء والأرض" إخراج "صلاح أبو سيف" حيث  صارت هذه الأفلام  مع الزمن هي الأهم في ذاكرة السينما ويتابعها الملايين في كل القنوات الفضائية واستطاعت من خلال أرقام البيع أن تضمن أيضاً الملايين لمنتجيها، نعم هذه الأفلام وغيرها حققت كل ذلك لأنها تنطوي على قيمة فكرية وإبداعية  تزيدها الأيام حضورا ورسوخا ، كان رهانها   على السينما المغايرة بمختلف مفرداتها ولهذا لم يتماهى معها الجمهور في البداية لأنه لم يستطع أن يفك شفرتها بسهولة ولأننا كلنا – لا أستثني  حتى المتخصصون أو  النقاد – نفضل التعامل مع العمل الفني الذي ألفناه وتعودناه مع اختلاف الدرجة. يرتاح البعض  لمن يقدم لهم النغمة الدرامية السائدة التي تجعل الذهاب لمشاهدة الفيلم أقرب إلى رحلة استجمام وليست مخاطرة استكشافية.. إلا أن  العمل الفني الذي يخرج عن الصف يجب أن يحمل وميضاً خاصاً يجذبك إليه، هذا الوهج الخاص هو الذي يدفعك لكي تشاهده مرة أخرى وبعد ذلك يصبح هي الأقرب إليك وتشعر بحنين واشتياق دائمين إليه لتعاود المشاهدة مرة وربما مرات ودائما تعثر على ما يفتح شهيتك للمزيد ، وكأن المتفرج  يقدم اعتذارا وبأثر رجعي  لصُناعه.

بينما تلك الأفلام التى أشاح الجمهور بوجهه عنها مؤخرا كانت تسبح سينمائياً في نفس المياه الراكدة التي تعودها الناس في السرد الفني وبلا أي لمحة جاذبة، كانت تكرر المقرر السينمائي بحذافيره، ولا أتصور أن جمهور الزمن القادم من الممكن أن يجد في  تلك الافلام  الرديئة التى رفضها أبائه  ومع سبق الاصرار ما يستحق أن يقدم عنه اعتذارا، الجمهور لديه من النبل ما يمنحه القدرة على أن يقول نعم أخطأت في حق هذا الفيلم أو تلك الأغنية، يا ترى كم فنانا يملك شرف الاعتذار؟!

 

عبد الواحد وفن الأخلاق الحميدة!

طارق الشناوي

18-03-2015

الوزير الجديد د.عبد الواحد النبوى هو أكثر الوزراء الذين جاؤوا إلى هذا المقعد وأُثيرت حوله الأقاويل، أقلّها أنه إخوانى.. لا ليس خلية نائمة فقط ولكنه طبقًا لما تردد خلية مستيقظة ومفنجلة العينين! لم يكن هذا صحيحا على الإطلاق، هو أزهرى جاء من جامعة الأزهر ولم أجد غضاضة بسبب خلفيته الأزهرية، ولكن تكوينه الثقافى والفكرى والشخصى الذى يميل إلى المحافظة والانغلاق هو الذى أزعجنى.. لا ليس هذا هو مربط الفرس ولكن فى الحقيقة، الخوف من المثقفين هو الذى أراه الأجدر بالخوف. ما الذى تتوقع من المثقفين فى بلادنا أن يقْدِموا عليه؟ مع الأسف سيرقصون على الإيقاع الجديد للوزير مثلما تعودوا دائما على الرقص مع مَن سبقوه.

عبد الواحد، لو حسبتها بدقة ستكتشف أنه يحمل رقم 9 منذ ثورة «25» والتى شاهدناه فيها -ومبارك لا يزال ممسكا ببقايا السلطة بين يديه- يسند الحقيبة إلى جابر عصفور، ثم بعد نجاح الثورة تتابعت الأسماء من محمد الصاوى ثم عماد الدين أبو غازى ثم شاكر عبد الحميد ثم صابر عرب ثم علاء عبد العزيز ثم صابر عرب كلاكيت ثانى مرة ثم جابر عصفور ثانى مرة أيضا، دائما هناك خلية نشطة من المثقفين تتطلع إلى من يجلس على مقعد الوزير. هل سينفّذ كل ما يريده ويراه ويتمناه قطاع لا بأس به من المثقفين علاقتهم مع الدولة لا تتجاوز المصلحة إذا تحققت أصبحت الصورة حلوة؟

أتصور من واقع كل الملابسات أنه من المستحيل أن يكون عبد الواحد هو هذا الذى ينشرون عنه الأخبار باعتباره إخوانيا أبًا عن جد ومن عائلة مزروعة فى حقل من الأخونة، لا ليس هو هذا الرجل فلا يمكن تصوُّر أن الأجهزة الرقابية والأمنية والسيادية فى حالة نوم لا يعرف اليقظة. ما أزعجنى ليس ما عَلَق باسم الوزير ولكن أحاديث الوزير، وكيف يُطل على الفنون عموما والسينما تحديدا باعتبارها فصلا من كتاب «المطالعة الرشيدة فى الأخلاق الحميدة».

إنه يريده فنًّا نظيفًا بلا شوائب ولا كلمات مشاغبة ولا مواقف ساخنة، فنًّا منقًّى ومعقمًا ومصفىًّ تمامًا ليقدم شريطا سينمائيا لا يعبر عن الواقع بقدر ما يزيّف الواقع الذى يتحول إلى «كارت بو ستال» لمصر تباهى به الأمم، من الممكن مواجهة ذلك لو كان لدينا مثقفون بحق، ولكن مع الأسف ستكتشف أن قطاعا لا بأس به منهم ينتظرون ما يجود به الوزير عليهم، وهم على استعداد من أجل «السبوبة» أن يقدموا له فاصلا من نومة العازب وعجين الفلاحة!

 

أنا والنجوم

طارق الشناوي

18-03-2015

"بوكو حرام" تهنئ "داعش"!!

كان تواجد الفيلم في افتتاح مهرجان الأقصر للسينما الافريقية حتميا فهو عنوان السينما الافريقية وإذا اتسعت الدائرة وأضفت العربية فأنت قد أصبت ولاشك  كبد الحقيقة.

" تيمبكتو" الفيلم الموريتاني الفرنسي المشترك قد حصل الشهر الماضي  على جائزة سيزار الفرنسية والتى  تعتبر المعادل الفرنسي للأوسكار الأمريكي.

الفيلم يضع خطاً واضح المعالم والتوجه أمام تلك القضية الفكرية التى صرنا جميعا نعاني منها ونكتوي بنارها  وهو أنه لا يمكن أن يعيش الارهاب والتطرف الديني مع الحياة أنه يتنفس فقط مع كل ضربة جبانة  تتوجه لاغتيال الحياة ، وتتعدد المسميات والأرهاب واحد، حيث بابعت مؤخرا بوكو حرام داعش.

لمحة شاعرية أجدها في افلامه على ندرتها  أتحدث عن المخرج عبد الرحمن سيساكو مثل "في انتظار السعادة" و" باماكو" وأخيرا " تيمبكتو"  لقد أدرك المخرج أن العنف والدموية تستطيع أن تواجهها بالموسيقي والغناء و بكوب الشاي وبكرة القدم ،أنهم يرفعون شعار التحريم  لكل شئ.

تمنيت أن أصفق بعد هذا المشهد عندما منعت الشرطة الاسلامية في " تيمبكتو" وهى أحدي القطاعات في تلك الدولة ممارسة   كرة القدم بحجة أن الكرة حرام شرعا فقرر الشباب في تلك القرية الفقيرة أن يواجهوا هذا العنف بالخيال أنهم يلعبون الكرة ووضعوا قانونا جديدا وهو لعب الكرة بدون كرة وكانوا يمارسون اللعبة بمهارة تستطيع أن تلاحظها بسهولة ،عليك أنت كمشاهد أن تتخيل معهم كيف تنتقل الكرة التى لا نراها من قدم الى أخرى حتى تستقر في نهاية الامر في الشبكة ويصفقون ويهللون للفائز ، وهكذا انتصر الفن على اعداء الحياة الذين أرادوا اغتيالها وهكذا دائما يأتي الخيال كسلاح باتر ليحافظ الانسان  من خلاله على هويته ، وهنا يأتي لعب الكرة وهو يحمل هذا البعد الرمزي وهو ماعبر عنه سيساكو بكل استاذية وحرفية وخيال جامح .

يبدأ المخرج أحداث الفيلم لقطة لغزال جميل يجري بكل رشاقة في الصحراء  وينتهي أيضا إليها كأنه أمل قادم بالتخلص من  هؤلاء الدمويون الذين يتدثرون عنوة بالدين ، الشرطة تعتقد أن  الانسان يتم السيطرة عليه عندما يصبح بلا روح ولهذا يحرمون الغناء والموسيقي ويطاردون من يمارس هذه الفنون حتى يصل بهم الامر الى القتل رجما بالحجارة ،وتطالب النساء ليس فقط بتغطية  الرأس ولكن بارتداء قفازات ينبغي أن تُخفي بها  المرأة يديها وفي مشهد تحدى تُقدم المرأة يديها الى الشرطي تقول له اقطعها لاني استخدمها في بيع السمك ،لا ينسى المخرج أن يضع أيضا في المعادلة هؤلاء الذين  يسخرون من تلك الممارسات ويضعون  يافطة مكتوبا عليها "أشهد أن لا الله إلا الله محمد رسول الله" ويقدم الشاب نفسه في لعبة تمثيلية، فهم يواجهون هؤلاء القتلة الدمويين بالسخرية من افعالهم.

العائلة الرئيسية في الفيلم تتكون من زوجة وزوج وطفلة والزوج لديه ثمان بقرات يتكسب منها ونلاحظ أن مسؤول الشرطة في تلك المقاطعة يتعمد أن يذهب إليه في توقيت غيابه  في محاولة لاستمالة زوجته ، الحدث المباشر الذي نتابعه هو عندما يقتل أحد الصيادين بقرة لأنها دخلت بدون أن تقصد الى شباكه التى زرعها على النهر  ، وعندما تحدث مشادة يُقتل الصياد وينتهى الامر بالقبض على صاحب البقرة والذي يمهد الفيلم بقتله لأنه لا يستطيع سداد الدية 40 بقرة على شرط أن يقبل أهل القتيل ، يحرص المخرج على أن يقدم بين الحين والأخر الوجه الاخر للاسلام من خلال رجل الدين يحاول تصحيح الصورة ،لجأ المخرج بين الحين والأخر الى استخدام لغة فصحي مبسطة حيث أن في موريتانيا العديد من اللغات وبينها العربية ولكنه لجأ للفصحى المبسطة وإن كان أداء الممثلين بالعربية كان يبدو به قدر من الافتعال.

الموسيقى الافريقية تدخل في لحظات مليئة بالشجن لتشع احساسا روحيا بل وصوفيا بديعا ، المخرج يقدم صرخة ضد هؤلاء المتطرفون الذين يمارسون القمع باسم الدين بينما قلوبهم مملوءة بكل مساحات القسوة، أنه الفيلم الذي شرفنا افريقيا وكان ينبغي أن يصبح هو عنوان هذه الدورة من مهرجان الأقصر الأفريقي!!

 

نجلاء سلامتك!!

طارق الشناوي

17-03-2015

ستصبح هذه المحنة مجرد صفحة في حياتها وستطويها سريعا بقوة ارادتها وبدعوات احباءها  وقبل كل ذلك بشفاعة من ربنا.

الصدفية مرض خطير ولاشك فما بالكم عندما نُصبح بصدد نوع نادر منه  والعلاج الذي تتلقاه حاليا في سويسرا لا يزال تحت التجربة، نجلاء فتحى قررت بشجاعة أن  تقف في أول الصف  وتتعاطى الدواء ،لدى يقين أنها قادرة في نهاية المشوار على هزيمة هذا العدو الشرس، لتعود الينا كعادتها بابتسامة  تملأ الكون سعادة وبهجة.

لو كان للصدق عنوانا فلاشك أنه نجلاء فتحي، لن تجد أبدا مسافة بين الفنان والانسان فهي تعيش الحياة بصدق باعتبارها فاطمة الزهراء اسمها الحقيقي، وعندما تقف أمام الكاميرا تُصبح نجلاء فتحي وتُمثل الشخصية الدرامية أيضا بصدق زهرة، جمال نجلاء ليس على الفرازة  ولا هو على سنجة عشرة، ستجد اسنانها السفلية غير منتظمة و ستلمح حشرجة في نبرات الصوت، ولكننا اكتشفنا أن هذا هو سر السحر.

لا شئ تُخفيه هذا هو دائما انطباعي عنها فهى لا تضع أبدا مكياجا على مشاعرها ،تتحرك وتتحدث  وتشاغب بطبيعية  ،  لم تعرف الغضب من رأي  يكتب عن عمل فني لا أتذكر أبدا أن هذا قد حدث بيننا ، ولكنها تفاجئني  ،  بأنها ربما تكون أكثر سخرية مني لو كتبت ساخرا ، نجمة بالمقياس الحقيقي للنجومية أي القدرة على جذب الجمهور ، كانت هي وميرفت أمين بعد سعاد حسني هما الأكثر استحواذا على الجمهور ،  أنقسم شباب  السبعينيات  الى فريقين ، واحد نجلاء والثاني ميرفت ،كل منهما فتاة أحلام الجيل ،كانت نجلاء  قد ارتبطت على الشاشة  مع محمود يسن بينما ميرفت مع نور الشريف، الغريب في الأمر والذي اكتشفته في حوار شخصي مع ميرفت ونجلاء وحمدي قنديل، أن نجلاء وميرفت في عز التنافس، كانتا صديقتين  حميمتين، صحيح ان شركات الانتاج صدرت للناس صراعا حادا بينهما وكثيرا ما تورطت الصحافة في اختلاق حكايات  ساخنة لتأكيد صراع  لا أساس له من الصحة ،والحقيقة  هي انه كان بينهما دائما تليفون مسائي للفضفضة، فإذا طلبت نجلاء مثلا رقما  كأجر رآه  المنتج مبالغا فيه وطلب تخفيضه وعلى الفور تخبر ميرفت انها اعتذرت وتذكر لها المبلغ حتى تُصر عليه ميرفت، المنتج في النهاية  مقيد بين نجلاء وميرفت  وهكذا كان اجرهما يرتفع معا بتلك الحيلة .

محطات هامة في حياتها  الفني ولكني أتذكر أن المنتج رمسيس نجيب اراد ان يتحدى بنجلاء فتحى سعاد حسني ،اختلف مع سعاد عام 69  حول فيلم " أفراح"  فقرر ان يقدم نجمة جديدة، ويومها أراد موزع  الفيلم  تخفيض قيمة المبلغ الذي يدفعه  عادة للمنتج على أساس ان نجلاء  مجرد مشروع نجمة ولكن رمسيس اصر على أن يحصل على  نفس  الرقم  مؤكدا ان نجلاء قادمة للقمة.

قبل نحو عشر سنوات اتصلت بي من دبي حيث كانت تُقيم مع زوجها الاعلامي الكبير حمدى قنديل ،وسألتني إيه رأيك  تسجل  برنامج  من 30 حلقة عن  قصة حياتها يخرجه على بدرخان ،بالطبع تحمست فأنا أعرف نجلاء جيدا وأعتز بها  فنيا وانسانيا ،ولكن بعد أشهر تأجل المشروع لأجل غير مسمي و لم أسألها عن الاسباب رغم اننا التقينا بعدها عشرات المرات .

تغيرت القواعد والقوانين  الفنية في نهاية التسعينيات وبات تواجدها الفني محدودا ،ولكن نجلاء لم تعتزل ،هذه هي الحقيقة ،دائما هناك مشروع  تعيش فيه ، أتذكر فيلم  مع عمر الشريف كانت مرشحة لاخراجه سماح أنور ، وقبلها كتبت قصة سينمائية  بعنوان " دموع نجمة" من أجل أن تعود  سعاد حسني  للشاشة في  السنوات  التى عاشتها سعاد في الغربة.

إذا كان رمسيس نجيب هو الذي اكتشفها فان عبد الحليم حافظ أشعلها جماهيريا عندما شاركته بطولة مسلسله الاذاعي الوحيد "ارجوك لا تفهمني بسرعة" عام 73. على الخريطة السينمائية لها بصماتها في أفلام  مثل "عفوا ايها القانون" و "المرأة الحديدية" و"دمى ودموعي وابتسامتي" و" صابرين "، ولو راجعت وأمعنت وتأملت ستجد دُررا مثل "الشريدة"و"اسكندرية ليه" و"أحلام هند وكاميليا" و"سوبر ماركت " و"سونيا والمجنون" و"حب لا يري الشمس" و"المجهول" و"سعد اليتيم" دائما لها اشعاع وطلة لا تٌنسي ،نجلاء أنتظر مع الملايين اشراقك!!

 

ضوء من ثقب إبرة!!

طارق الشناوي

16-03-2015

نعم من الممكن أن ينفذ الضوء من ثقب ابرة ،هذا هو خالد جلال الذي يُطل علينا دائما بالجديد والمختلف وأهم من كل ذلك العصري، دائما يشعرني من خلال مركز الابداع الذي يشرف عليه أنه يقدم أعماله الفنية ساخنة بنار الفرن.

ما الذي تفعله أكاديمية الفنون المترامية الأطراف المتعددة الإمكانيات من خلال معهد المسرح، هل تمنحنا إبداعا، هل تُشعل الوسط الفني بعدد من الفنانين الشباب أم أصابها ما أصاب مفاصل الدولة من ترهل وتكلس، المؤكد أن مركز الإبداع التابع أيضا للدولة وجد مساحة للحركة يحطم بها الروتين ليصبح مركزا للتجدد.

أغلب من تراهم على الساحة في مجال الكوميديا قبل 30 عاما كانوا نتاج فرق مسرحية خاصة لعب محمد صبحى ولينين الرملى هذا الدور قبل أن ينفصلا ثم استمر كل منهما منفردا في هذا الاتجاه. في الستينيات كان سمير خفاجة هو الأسطى يقابله السيد بدير في مسرح التليفزيون أسطى آخر ثم بح خلاص.

توقف كل شئ قبل عشر سنوات عندما انسحب الكبار من المسرح الخاص  بينما مسرح الدولة إيدك منه والأرض.

خالد جلال بدأ مشروعه في عز الدولة المباركية 2003 عندما كانت مشغولة بالتوريث، كان  خالد يلعب في مساحة اخرى، وفي ظل حالة التردي التى نعايشها في كل شئ وخاصة الدولة التى صارت مرتعا لمن يريد التكويش بلا رقيب ولا حسيب، تابعوا مثلا فضيحة المسرح القومي  التى بدأت في زمن فاروق حسني وأستمرت حتى زمن جابر عصفور ولم تجد الدولة أمامها مؤخرا سوى أن تغلق المسرح لأسباب أمنية   ولم  وأيضا لن تجرؤ على فتح الملف، الدولة حتى الأن لم تفتح ملف فيلم "المسافر" الذي احاطته شبهات انتاجية ، تعدد الوزراء بعد فاروق والتطنيش واحد.

ليس الأن مجال البكاء على أطلال الزمن الهارب، دعونا نسعد بمسرح مركز الابداع  الذي يبعث فيه الحركة والنشاط هذا السمين جسدا الثمين فكرا الرشيق ابداعا  خالد جلال الذي لا يقف منفردا بل يستعين بعدد من المخرجين الموهوبين الكبار وقدم للساحة في السنوات الأخيرة أسماء أصبح لها مساحات متميزة على الخريطة  الفنية سينما ومسرح وتليفزيون مثل  محمد فراج ونضال الشافعي وبيومي فؤاد وسامح حسين  وايمان السيد وهشام اسماعيل وغيرهم.

يلجأ خالد  لنظام الورشة في تقديم تلك المسرحيات التي يلعب فيها روح الشباب دور البطولة لنرى أمامنا على المسرح كل هذا الابداع المسكون بمشاغبة جيل الروشنة.

خالد جلال ليس مخرج قطاع عام  بالمفهوم  المتعارف عليه للكلمة هناك الكثيرين أراهم لا يتواجدون ابداعيا إلا من خلال دولة تنفق ، خالد يتعامل بمقياس الشباك ،هذه المسرحيات في تلك القاعة الصغيرة لو اتيح تسويقها لأصبحت تشكل موردا اقتصاديا لوزارة الثقافة.

اتابع خالد  قبل 12 عاما بداية من "هبوط اضراري" ثم  "قهوة سادة" دائما الدراما تعزف على أوتار المجتمع المصري لا يقيدها أنها  تعمل تحت عباءة دولة  بل كثيرا ما تُخرج لسانها وتنتقد  السلطة، شاهدت قبل نحو اسبوعين المسرحية الاخيرة "بعد الليل" ووجدت كيف أنه يضرب في مقتل وبخفة ظل برامج "التووك شو" التى  فرضت وجودها داخل البيت المصري  وصارت   تُمسك ببوصلة  الرأي العام، فتوجه الى كشفهم أمام الرأي العام.

فن أداء الممثل هو أصعب أنواع الفنون لأنه يتغير بإيقاع الحياة، وإذا لم يلتقط الممثل هذا التغيير يسقط وفي  لحظات يجد نفسه خارج المنظومة، فما بالكم بالاستاذ عندما يوجه تلاميذه كيف يمنحهم مفردات الاداء العصرية هذا هو ما يبرع فيه خالد ولمعت أسماء ولكن لا يمكن أن تتسع المساحة المتبقية أمامي لكي أكتب أمامكم 40 أسما تستحق الاشارة أقصد الأشادة، ولكننا سنلتفي معهم مجددا في دنيا الفن الواسعة بعد أن تم تعميدهم في مركز الابداع!!

 

محمد قنديل و«تلات سلامات»!

طارق الشناوي

15-03-2015

أول من غَنَّى لثورة 23 يوليو كان محمد قنديل «عَ الدوار عَ الدوار»، ورغم ذلك لم يصبح هو مطرب الثورة، هذا اللقب يقترن فقط بعبد الحليم حافظ. وهو أول مَن غنَّى للوحدة مع سوريا عام 58 «وحدة ما يغلبها غلابّ»، بينما الناس تتذكر صباح «م الموسكى لسوق الحامدية»!!

إنه أقوى صوت عرفته مصر فى القرن العشرين بشهادة عديد من أساتذة علوم الصوت، كما أن أم كلثوم منحته «الأيزو» الأكمل والأجمل بين كل المطربين.

لم يحقق قنديل مكانة تستحقها إمكانياته، النجاح يحتاج دائما إلى الموهبة وأشياء أخرى، وقنديل افتقر إلى الأشياء الأخرى.

قال لى الموسيقار الكبير محمود الشريف إنه لم يبكِ فى حياته وهو يستمع إلى مطرب يردد ألحانه سوى مرة واحدة، عندما جاء قنديل إلى بيته وفى أثناء البروفة كان يغنّى له على العود لحنه الأسير «تلات سلامات» تحديدا فى هذا المقطع «عيونك سُود وأقول مش سُود عشان الناس تتوه عنك»، فلم يتوقف عن البكاء.

التقيت المطرب الكبير مرة واحدة فى اليوبيل الفضى للتليفزيون عام 1985، أتذكر المكان «حديقة الأندلس»، قلت له فى الكواليس أريد أن أستمع إلى «أبو سمرة السكرة» و«يا حلو صبح يا حلو طلّ» و«يا ميت لطافة يا تمر حنة» و«إنشالله ما اعدمك» و«رمش الغزال يانا» تعجب وأنا أسرد له أسماء أغانيه، ولم يكن يعلم أنى أحفظها، ومن حُسن حظه أننى لم أجرؤ على غنائها بصوتى.

قبل هذا التاريخ بسنوات كنت أكتب تحقيقا صحفيا فى «روزاليوسف» أتناول الأصوات التى لم تغنِّ من ألحان محمد عبد الوهاب، مثل قنديل ونجاح سلام ومحرم فؤاد وسعاد محمد، كلهم ذكروا وقائع محددة وتحدثوا عن الأسباب، الوحيد الذى تحفَّظ هو قنديل، قال لى باقتضاب: «اسأل عبد الوهاب».

عبد الوهاب كان مُقِلًّا فى التلحين لأصوات الرجال، باستثناء عبد الحليم، الذى جمعه به أيضا مصالح مادية من خلال شركة «صوت الفن»، قدم عبد الوهاب عددا محدودا من الألحان لعبد المطلب وعبد الغنى السيد ووديع الصافى وسعد عبد الوهاب وشكوكو وإسماعيل ياسين، عندما سألوه أين قنديل؟ أجابهم إنه مطرب كبير، ولكنه لا يهتم بتفاصيل اللحن قدر اهتمامه باستعراض إمكانياته، كان هذا هو السبب المعلَن، أى أن عبد الوهاب لا يأتمنه أدبيًّا على أنغامه، ولو كان هذا صحيحا، فلماذا غنَّى قنديل أروع ألحان كمال الطويل وأحمد صدقى ومحمود الشريف ومحمد الموجى وسيد مكاوى وعبد العظيم عبد الحق وعبد العظيم محمد ورؤوف ذهنى وغيرهم، الذين وجدوا فى نبرات صوته شجنا ووميضا وسكنا دائفا لأنغامهم؟ كان لقنديل قدرة على التلون الغنائى بين كل هذه الأطياف اللحنية.

روى لى كمال الطويل أنه فى عز نجومية قنديل وفى بداية مشواره -أقصد الطويل- أراد أن يلحن له «يا رايحين الغورية» و«بين شطين وميه» وفوجئ برئيس لجنة النصوص فى الإذاعة الشاعر صالح جودت يعترض متعللا بأن كمال بلا خبرة، فكيف يجرؤ على التلحين لقنديل، وصارت الأغنيتان من أشهر أغانى قنديل، ومن المفارقات أن عبد الحليم حافظ شعر بالغيرة، وكانت لديه قناعة بأنه الأَوْلَى بكل ألحان صديقه كمال، وغنَّى «الغورية»، كان عبد الحليم حريصا طوال حياته على منع تداولها، ولكن فى السنوات الأخيرة بات من الممكن أن تستمع لـ«الغورية» بصوت عبد الحليم، فتسكن مشاعرك بصوت قنديل.

مَن يعرفونه قالوا إنه كان يحنّ دائما إلى عالم الطفولة، وكثيرا ما كان يشترى لعب أطفال، أتصوره يعيش حالة من النقاء فى المشاعر نضحت على صوته.

لو كان النجاح فقط بالورقة والقلم لقفز قنديل منفردا إلى القمة، ولكن دائما فى المعادلة الأشياء الأخرى، إنها فن تسويق الموهبة، وهذا هو تحديدا ما افتقر إليه قنديل.

أعيد نشر هذا العمود احتفالا بذكرى ميلاده الـ«86» التى مرت دون أن يتذكره أحد، وله منى «تلات سلامات.. بإيدى سلام، وعينى سلام، وقلبى سلام»!

 

ليس إخوانيًّا ولكن!!

طارق الشناوي

14-03-2015

الوزير ليس إخوانيا وهناك حملة قاسية تحاول النيل منه، لأنه جاء بعيدا عن الشلة التى تعتقد أنها الحاكم الأول والأخير فى عزبة وزارة الثقافة. هذا هو ما يمكن أن تنتهى إليه بعد أن تقرأ عمود الكاتب الصحفى والإعلامى الكبير حمدى رزق على صفحات «المصرى اليوم»، أعاد حمدى نشر ما سبق أن تناقله «النت» عن توجهات الوزير الإخوانية فى تقرير منسوب للأمن الوطنى، كما أن هناك صفحة على النت تؤكد أن الدولة أسندت الوزارة إلى درويش ينتقل من زار إلى مولد، وليس أستاذا لمادة التاريخ فى جامعة الأزهر. ما انتهى إليه حمدى هو أن كل هذه المعلومات مضروبة ومدسوسة، وتم نسبها لجهاز حساس فى الأمن الوطنى، ولهذا يتساءل لماذا لا يتحرك الجهاز ويحاكم من أساء إليه؟!

كل هذا مطمئن ولا غبار عليه، الوزير ليس إخوانيا، لقد بدأت المعركة بوصم الوزير لأنه أزهرى، لم أخشَ شيئا لأن الأزهر مثلا قدم لنا فى النصف الأول من القرن العشرين الأخوين «عبد الرازق» مصطفى وعلى، والباقورى وعبد الحليم محمود، وكانوا جميعا رموزا للتفتح الذهنى، ويدركون أن لكل مقام مقالا، راجعوا مثلا قول مصطفى عبد الرازق «باريس عاصمة الدنيا، ولو أن للجنة عاصمة لأصبحت باريس»، هل من الممكن أن يردد ذلك الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، الذى درس عدة سنوات فى السوربون هذا، تركيبة شيخ الأزهر الحالى المتحفظة تحول دون تصور حدوث ذلك.

ولو عدنا إلى مطلع القرن العشرين نجد الإمام مفتى الديار المصرية الأسبق محمد عبده، الذى رحل عام 1905، كانت فتواه هى التى مهدت للاعتراف الشرعى بفن النحت، وبالتالى إنشاء كلية أو بتحديد أدق مدرسة الفنون الجميلة التى افتتحت فى 1908، ولولا ذلك لتأخرت مصر عن الركب الفنى والسينمائى، الشيخ المستنير بحق أباح صناعة التماثيل دون قيد ولا شرط. بينما عندما تولى د.على جمعة دار الإفتاء، قننها مؤكدا أن الحُرمة هى للتمثال الكامل، وأباح فقط الناقص، حاول أن تتذكر ما الذى كان يفعله الداعشيون قبل عشرة أيام فى متحف الموصل، كانوا ينفذون بالضبط فتوى على جمعة ويحطمون التماثيل الكاملة.

«تكلم حتى أراك» هكذا قال سقراط، وهكذا رأيت وزير الثقافة د.عبد الواحد النبوى فى أكثر من لقاء تليفزيونى وصحفى، يريد أن يعقد صلحا بين الرؤية الدينية والفنية، ولا يمانع فى أن يستشير رجل الدين فى الأعمال الفنية.

إنها منطقة ملغومة، هل يعتقد الوزير أنه من الممكن أن يوافق رجل الدين أيًّا ما كان الدين الذى ينتمى إليه، على إباحة أغانى نانسى عجرم وهى تردد مثلا «أطبطب وادلع»؟ ممكن للشيخ أو القسيس أن يستمع إليها فى بيته أو حتى يغنيها مع نفسه، لكنه لا يجرؤ أن يبوح بها للملأ، بل لو سألوه فسوف يحرم لا محالة الطبطبة والدلع.

لقاء رجال الدين والمثقفين على أرض واحدة ومائدة واحدة، أُمنية مستحيلة التحقق لأن الأحكام الفنية بالضرورة نسبية، بينما الأديان فى أحكامها مطلقة، فكيف من المكن أن يلتقى المطلق والنسبى. مؤسسة الأزهر لها وقارها واحترامها فى نفوس كل المسلمين، ولكن لا دور لها فى الأعمال الفنية سواء فى الإباحة أو التحريم، وتظل أيضا هناك ملاحظة أخرى وهى فكرة الفن الوطنى التى تسيطر على الوزير، الوطن هو كل الأنماط ولا يمكن أن نعتبر أن «الأطلال» مثلا هى التعبير عن الفن الوطنى، بينما «غنى لى شوى شوى» تخاصم الوطن.

الوزير ليس إخوانيا، ولكنه حتى الآن ليس متفتحا، ولا مرنًا فى تقبل كل أطياف الفنون!!

 

صفقات في حياتنا!

طارق الشناوي

13-03-2015

كيف عاد فضل شاكر إلى مقدمة الكادر الفنى بلا لحية على ذقنه ولا كلاشينكوف فى يده! كانت آلة العود تُطلّ علينا فى المشهد فى أثناء التسجيل الذى أجرته معه قناة «إل بى سى» اللبنانية، كيف ظهر فجأة بعد أكثر من عامين، وكانت صورته قبلها المنتشرة عبر الإنترنت نراه وهو يُشهر السلاح، مشاركًا فى عمليات عسكرية ضد الجيش اللبنانى.

سبق ذلك بالطبع تصريحات أطلقها شاكر تُحرّم الفن، بل وصل بعضها إلى حد انتهاك أعراض زملائه وزميلاته.

لدينا معضلة قانونية بالطبع ستواجه فضل، لكن أشعر فى المقابل أن هناك صفقة ما تمت معه، ولديه مَن يدعم عودته إلى الحياة الفنية وخروجه آمنا من الملاحقات القانونية، مقابل أن يُعلن توبته على الملأ ويتنصّل من كل مواقفه السابقة.

هل أنت عزيزى القارئ راضٍ عن تلك الصفقة؟ أنا شخصيا لا أخفيكم سرا أننى أتمنى أن تكلل بالنجاح، وأن تُسفر تلك المقايضة عن عودته مجددًا إلى الحياة الفنية.

بين الحين والآخر نضبط أنفسنا ونحن نغضّ الطرف عن الوسيلة ما دامت أن النتائج جاءت مرضية، قرأت مثلًا قبل يومين أن «الفاتيكان»، وهو أعلى سلطة دينية روحية فى العالم عند الكاثوليك، معروض عليه أن يستعيد وثيقتين بخط يد مايكل أنجلو الذى شارك بالرسم والنحت فى إعداد الكنائس داخل الفاتيكان، السارق طلب أن يحصل على 100 ألف يورو، بالطبع لا توجد مؤسسة دينية توافق على الابتزاز، لكن فى نفس الوقت أشعر أن نجاح الفاتيكان فى إعادة الوثيقتين قضية إنسانية لا تعنى فقط الكاثوليك، من الممكن أيضا أن تحدث تلك المقايضة بعلم الكنيسة، لكنها ستظل دوما تعلن رفضها للابتزاز.

كثيرة هى المقايضات التى نوافق عليها، وإن كنا فى العادة لا نبوح بها، حكى لى مثلا الموسيقار الكبير كمال الطويل أنه بحكم عمله فى الإذاعة المصرية فى قسم الموسيقى والغناء فى مطلع الخمسينيات، كان عضوا بلجنة الاستماع المنوط بها اعتماد أصوات المطربين، وكلما تقدّم عبد الحليم للجنة رسب، كانت القاعدة المعمول بها هى أن اللجنة الثلاثية ينبغى أن توافق كاملة، وكان هناك مطرب يمتّ بصلة قربى إلى أحد أعضاء اللجنة، وفى كل مرة يتقدم يرفضه الطويل، لأن صوته نشاز، على المقابل كان هذا العضو يرفض اعتماد صوت عبد الحليم، وتدخل عضو اللجنة الثالث واقترح على الطويل تليفونيًّا أن يوافق على المقايضة، وهذا هو بالضبط ما نفّذه الطويل، وعندما روى لى هذه الواقعة سألته، أجابنى كنت أعلم أن هذا المطرب لن يكمل أبدا الطريق، سيحمل شهادة من الإذاعة المصرية باعتماده، لكن ماذا بعد لا شىء، بينما فى تلك السنوات كان من المستحيل أن يكون مطربا خارج نطاق الإذاعة المصرية، فوافقت على تلك الصفقة من أجل حليم.

فى فيلم «خلى بالك من زوزو» الذى حقق نجاحا جماهيريا وفنيا غير مسبوق، كانت المرشحة لدور زوزو منى قطان، هكذا كتب صلاح جاهين السيناريو لزوجته الجديدة، واتفق مع مخرج الروائع حسن الإمام، حيث كان جاهين مشاركًا أيضا فى الإنتاج. بذكاء التقط الإمام الفكرة وأقنعه أن البطولة تُسند هذه المرة إلى سعاد، على أن تشارك منى بدور رئيسى كبداية، وبعدها يمنحها دورا أكبر فى العمل الفنى القادم، ولكن الذى حدث بعد نجاح زوزو قدّموا معا «أميرة حبى أنا» لسعاد، ولم تعرف منى أبدا البطولة.

روى لى المخرج سعيد مرزوق أنه وافق على إخراج فيلم «الدكتورة منال ترقص»، ولم يكن مقتنعا بالبطلة التى فرضها عليه المنتج، ولكن أمه فى نفس التوقيت كانت بالمستشفى وبحاجة إلى مصاريف علاج أسبوعية لغسل الكلى فوافق. عندما قلت لسعيد مرزوق هذا هو أسوأ أفلامك، أجابنى: أنت تجاملنى أنه أسوأ أفلام السينما المصرية على الإطلاق، لكن لو عادت بى الأيام سأوافق ثانية من أجل دفع تكاليف علاج أمى، مَن كان منكم بلا صفقة فليرجمهم بحجر!!

 

فى انتظار «تفنيط الكوتشينة»!

طارق الشناوي

11-03-2015

فى دراسة عن تأثير الزحام فى زيادة معدلات العنف، وضعوا عددا قليلا من الفئران داخل مكان متسع، اكتشفوا أنها عاشت فى وئام وسلام، وكل فأر لا يستطيع النوم قبل أن يطمئن أن جاره فى الجُحر المجاور سعيد، ولا شىء يعكر صفو حياته الزوجية، زاد عدد الفئران داخل نفس الحيز المكانى، فتضاءلت معدلات الودّ والحنية، ضاعفوا العدد أكثر فبدأ الاحتكاك وزاد العنف الذى وصل إلى حدود الاقتتال.

ضيق المكان يؤدى لا محالة إلى زيادة العنف، هل من المكن أن نجد مقابلا لذلك فى ما يجرى فضائيا على ساحتنا العربية؟ نعم هناك تلامس بين الدائرتين، إنه المكان الذى ضاق، بعدما تجاوزنا رقم الألف من الفضائيات الناطقة بالعربية، وأمامها فى العادة موضوعات وقضايا واحدة قُطريا وعربيا وعالميا، الحدث اليومى ثابت، بل فى أحيان كثيرة تلمح الضيف وهو يتنقل من فضائية إلى أخرى، ويكرر المذيع نفس السؤال، ويردّ الضيف بذات الإجابة التى صارت أقرب إلى الوجبات جاهزة الصنع، ولا يُجهدون أنفسهم حتى بإعادة تسخينها.

مع هذا التشابه الممل كان لا بد من البحث عن اختلاف ما، فلم يجد المذيعون سوى وسيلة الصراخ، الكل يستعرض أحباله الصوتية، وإلى أى مدى هى قادرة على اختراق جدران الاستوديو المجاور، لكى تصل الرسالة نحن هنا، الموضوع المثير لم يعد وحده يكفى، ينبغى إضافة الكثير من التحابيش، ولم يسلم الأمر من تراشقات بين مذيعى الفضائيات، كلٌّ منهم يعتقد أن التخلص من الآخر، الذى يقف فى نافذة الفضائية المقابلة، هو الهدف، وهكذا كثيرا ما توعّد مقدمو البرامج بعضهم بعضا بكشف المستور، وبعد ذلك تقرأ أنهم تقابلوا فى حفل عشاء، وكلّ منهم اكتشف أن من مصلحته أن يُبقى على الطابق مستور.

الصوت العالى الذى يصل إلى حد التشنج تستطيع أن تعتبره ملمحا دائما، والمذيعات -مع الأسف- صرن فى هذا الشأن أكثر ضراوة من الرجال، كل مذيع يعتقد -ولا أدرى لماذا- أنه يجب أن يتقمّص دور صاحب الرأى العالم ببواطن الأمور، الذى يعرف كل الكواليس، وسحقا لكل نظريات الإعلام التى تُطالب المذيع بالحيدة والموضوعية، ينتاب أغلب المذيعين إحساس يتنامى أنه هو الذى يحرّك الكون كله، ويغيّر الوزارات، ويقيل الحكومات، ويعيد تشكيلها، وأن الحياة تبدأ ببرنامجه، وتنتهى إلى برنامجه.

ولا يتوقف الأمر عند مقدمى البرامج، تابع حالة الضيوف الذين أصابتهم العدوى فى التجاوزات اللفظية والحركية، يبدو الأمر وكأن هناك رهانا على زيادة مساحة الانفلات، وفى العادة تتحول الكلمة أو الحركة الخارجة إلى مادة على «اليوتيوب» تحقق أعلى درجات الانتشار.

مَن الذى يهيمن على تلك المنظومة برمتها فى الإعلام؟ إنه أنت عزيزى المشاهد، الكل يستغل اسمك، مؤكدا أنه يعبر عنك، ويلبى احتياجاتك وطلباتك، وكثير من البرامج التى تفتح باب الخير أمام المشاهد وتحل مشكلاته هى فى الحقيقة تسعى لكى تستثمر ذلك فى تحقيق جماهيرية طاغية، ولا تعنيها من قريب أو بعيد حل مشكلتك، بقدر ما يصبح الهدف الأسمى هو تحقيق الإثارة.

ابحث عن الدافع الحقيقى وراء كل ذلك، تكتشف أنها تورتة الإعلانات، التى يلهثون وراءها، بعد أن تقلصت فى الحجم، وهذا لعب دورا أكبر فى زيادة حدة الصراع. وكالات الإعلان هى اللاعب الخفى فى كل التفاصيل، هم يحددون أسعار المذيعين، وأيضا يتدخلون فى اختيار أسماء النجوم فى الأعمال الدرامية، كثيرا ما تشعر أنهم فى لحظات يعيدون تفنيط أوراق كوتشينة المذيعين، وبين الحين والآخر اسم جديد يتم الدفع به أو فى الحقيقة اللعب به.

وتزداد المعركة شراسة قلما ضاقت الرقعة، واتسع عدد الفضائيات، العنف صار هو الحل فى شريعة الفئران، وفى منظومة الفضائيات، والكل ينتظر إعادة تفنيط الكوتشينة لمعرفة اسم الولد الذى يقشّ الإعلانات!

 

السبكى يقابل عبد الواحد!

طارق الشناوي

10-03-2015

وزير الثقافة: أهلا يا حاج سبكى.

الحاج السبكى: أهلا يا د. عبد الواحد.

وزير الثقافة: إنت راجل طيب ووطنى.. إنت تحب الوطن والوطن يحبك.. إنت من الأحرار يا سبكى، إنت عارف إننا نعيش فى مرحلة فارقة، ولدينا أعداء يتربصون هنا وهناك، الأمن القومى مهدد من أعداء الوطن كل ده بيخلينا لازم نفتح عينينا ونحافظ على شبابنا، لأنه مستهدف وسلاحنا الوحيد هو أفلامنا الوطنية، فاكر ياسبكى «رد قلبى» وإنجى وعلى يا ويكا، هو ده المطلوب دلوقتى، وفى الآخر عبد الواحد الجناينى يهتف تحيا مصر هو كان فاقد النطق، لكن حب مصر خلى المعجزة تحصل.

السبكى، والدموع تنهمر من عينيه: أرجوك يا د. عبد الواحد أنا جسمى بيقشعر كل ما أفتكر القلم اللى خده الجناينى كل ده عشان طلب إيد إنجى لابنه على، مش كلنا ولاد تسعة، فيها إيه، بس على فى الآخر طلع واد مجدع لما أداها القلب أخذه من علبة المجوهرات اللى احتفظ بيها كلها لنفسه ما عدا القلب، شفت حنية أكتر من كده، صحيح العلبة تساوى مليون جنيه دهب وهو أداها القلب «الفالصو» لكن المهم أنها انبسطت.

«السبكى لا يزال يتنحنح بصوت مسموع بينما الوزير يربت على كتفه ويطالب من السكرتارية علبة كلينيكس جديدة بعد أن فقدنا ثلاث علب استهلكها لتنشيف دموعه».

الوزير: الناس فاكرة أن السينما دى حاجة كده للتسلية ورقصة وغنوة وعشوائيات وشوية ألفاظ خارجة، لازم يكون فى الفيلم روح الوطن عمال وفلاحين بتشتغل وبتعرق من أجل الوطن.

السبكى: أنا مستعد أضحى بروحى عشان الوطن، روحى فداء كل حبة رمل من أرض الوطن.. روحى يا سيادة الوزير روحى.

الوزير يقاطعه: بس حاسب من موضوع روحى ده، لأنه بيفكرنى والعياذ بالله بفيلمك «حلاوة روح» مش دى الروح اللى إحنا عايزنها أبدا فى تلك المرحلة الفارقة، يعنى مش لا زم هيفا وأستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم بتعمل حاجات فى الأفلام ما ترضيش ربنا أبدا، أنا عارف إن هيفاء وطنية وأمها كمان مصرية، بس ساعات يعنى ولا أقولك بلاش نجيب سيرة الناس ربنا يهديها ويشفيها ويعافيها من «الواوا».

السبكى: انتهت مرحلة الهشك بشك تماما من حياتى، أنا النهاردة حاسس إنى أتولدت إنسان جديد ح ألبى نداء الوطن.

الوزير: كتير حذرونى وقالوا اوعى تقابل السبكى، لما قلت فى برنامج مجدى الجلاد «لازم نفهم» إنى ح أقابلك، الكل استغرب، وقالوا معقولة تقعد معاه من غير ما تتخذ إجراءات أمنية ده بيعمل أفلام أبيحة، فيها والعياذ بالله ستات بترقص وساعات بيعملوا حاجات أستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم، أنا كنت واثق فيك وقلت أنا حأعرض عليه مسرحيات شكسبير ومولييروتشيكوف ولا إيه رأيك تعمل حاجة أحسن لصمويل بيكت.

السبكى: بيكت راحت عليه خلاص من زمان يوجين يونسكو هو الأفضل، لأنه يتناول بسخرية عبثية أوضاع الحياة، وده هو المطلوب الآن، أنا أشعر فى هذه اللحظة يا سيادة الوزير أن الوطن ينادينى، كل حتة فىّ بتقول تحيا مصر، أنا مش عارف إزاى ممكن ربنا حيسامحنى، تفتكر سيادتك ربنا ح يغفر لى أفلامى اللى كان فيها كباريهات وخمرة، صحيح أنا كنت بنهيها والبطل رايح يصلى، بس عندى إحساس إنى ارتكبت معاصى كتير قبل ما البطل يروح الجامع.

الوزير: ما تنساش أن الحسنات يذهبن السيئات طالما راح الجامع وتاب يبقى خلاص.

السبكى: إيه رأى سيادتك نعمل الجزء الثانى من «رد قلبى»، ونبدأه من اللحظة اللى اكتشفت فيها إنجى أن القلب «فالصو»، فيه بت جديدة اسمها شاكيرا مصرية أبًّا عن جد مكسرة الدنيا لا تقولى هيفاء ولا صوفينار، وفى نهاية الفيلم تتحجب وتهتف هى وعلى وإنجى والجناينى تحيا مصر تحيا مصر.

الوزير والسبكى يهتفان معا: تحيا مصر.. تحيا مصر!

 

لا إسفاف بعد اليوم!!

طارق الشناوي

2015-03-09 04:17:05

عندما تم تعيين د.صابر عرب وزيرا للثقافة، وتم التجديد له خلال ثلاثة أنظمة حكم متعاقبة، لم يسأل أحد وقتها من المثقفين الغاضبين الآن: لماذا جاؤوا به وهو أستاذ لمادة التاريخ فى جامعة الأزهر؟ هذه المرة الكل يتساءل عن تعيين وزير الثقافة الجديد د. عبد الواحد النبوى أستاذ مادة التاريخ فى جامعة الأزهر.

الحكاية ليست أزهر، ولكن داخل وزارة الثقافة تربيطات ومنافع وصفقات وخواطر، ومَن يأتِ من خارج تلك المنظومة تتم مطاردته والتشنيع عليه، مثلما فعلوا من قبل مع الكاتب الصحفى د.أسامة الغزالى حرب، خريج جامعة القاهرة، لأنه ليس منهم، والوزير الجديد ليس من الشلة!!

أنتظر أن أرى كيف يُفكّر الوزير فى التعبير المطاطى السينما الوطنية. لا تستهوينى مثلا التصريحات بأنه سيمنع الإسفاف الفنى، فهى فى النهاية كلمات مجانية لا تستطيع أى دولة فى العالم أن تمنع الفن الردىء، لكنها تملك أن تهيئ المناخ لصناعة الفن الجيد، لا يمكن أن نصحو من النوم لنجد أمامنا الجو فى الشارع كله أوكسجين وبلا أتربة ولا ميكروبات ولا فيروسات كأننا فى غرف معقمة. من الممكن تصور حدوث ذلك فى الجنّة، ولكن الغلاف الجوى يشغل فيه الأوكسجين 21% فقط. الأعمال الفنية الجيدة تشغل نفس القسط، والأغلبية كانت وستظل للردىء، لن تختفى الرداءة لأن المبدع نفسه متغير ومتباين ومتعدد الأوجه.

الشيخ يونس القاضى، الذى كتب نشيدنا الوطنى بلادى بلادى، وتلك الأغنية الرومانسية زورونى كل سنة مرة، هو نفسه الذى كتب بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة، وارخى الستارة اللى فى ريحنا.. أحسن جيرانك تجرحنا. محمد عبد الوهاب الذى غنى جفنه علم الغزل هو نفسه الذى غنى ولحّن فيك عشرة كوتشينة فى البلكونة.. لاعبنى عشرة انما برهان، الأغنية دعوة صريحة للعب القمار.

الوزير الجديد د.عبد الواحد مكلف من قبل الدولة، أو إن شئت الدقة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بضبط إيقاع الفن وتقديم صورة مشرقة لمصر، كل هذا لن يأتى إلا بتهيئة المناخ لصناعة أعمال فنية جيدة. الإبداع لن يتغير بقرار سيادى، والإسفاف لن يتوقف بالمصادرة. ثم يبقى شىء هام وضرورى وهو أن توصيف مسف وردىء تظل مطاطة ونسبية.

بعد نكسة 67 ظهرت أغانى مثل السح الدح امبوه لعدوية، والطشت قاللى يا حلوة ياللى قومى استحمى لعايدة الشاعر، والدولة مثلا أصدرت قرارا بعدم الاعتراف بكل أغانى أحمد عدوية، لكنه استطاع أن ينفذ إلى الشارع، لأننا كنا نعيش عصر الكاسيت الذى شكّل منفذا موازيا لتداول الفن خارج الصندوق الرسمى. الآن صارت هذه الأغانى معترفا بها رسميا وتقدم هى وأخواتها مثل سلامتها ام حسن وكراكشنجى دبح كبشه عشرات المرات فى إذاعة شعبيات التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومى. شنبو فى المصيدة واحد من أكثر الأفلام الكوميدية نجاحا، كانوا يعتبرونه وقتها مسفا، رغم أنه الآن هو عنوان الضحك والأريحية.

تلك التعريفات الخاصة والضيقة بالمرفوض نسبية جدا، وغالبا هى نتاج مرحلة زمنية محددة تتغير فتتغير زاوية الرؤية تماما.

لا أتمنى أن أرى الدولة ممثلة فى وزير الثقافة وكأنها شرطى يطارد ما يعتقد البعض فى توقيت زمنى محدد أنه الردىء، فى هذه الحالة سوف تتبدد الطاقة، وتكتشف الدولة أن كل ما صادرته فعليا وأغلقت دونه الأبواب الرسمية بالضبة والمفتاح تسلل من الشبابيك وصار يحتل المساحة الأكبر.

على الدولة أن تفتح الباب على مصراعيه للحرية، ولا شىء غير الحرية، وعلى الوزير أن يدرك ذلك ويقف فى أول الصف. أما حكاية الفن الوطنى فهو شعارات تجاوزها الزمن، تُدخلنا لا محالة فى مولد وطنى يا وطنى يا وطن طن !!

 

خارج الخدمة!

طارق الشناوي

2015-03-06 01:46:10

نحن بصدد فيلم مختلف لمخرج يقدم أفلامه دائمًا داخل المقرر السينمائى المتعارف عليه وكثيرًا ما كان يكرر المقرر.

رصيده لم يكن مشجعًا بالنسبة إلىّ على ترقب الجديد الذى يحمل اسمه لولا أنها واجبات المهنة.

أفلامه الأربعة السابقة ميكانو و أدرينالين و عزبة آدم و حفل منتصف الليل لا تشى أبدًا إلا بأنه مخرج متوسط المستوى بموهبة لا تحمل وميضًا خاصًّا، جاء للسينما قبل عشر سنوات ليقدم أفلامًا تُشبه الأفلام السائدة، وفى العادة هؤلاء تتم الاستعانة بهم لتوفير النفقات، لأنهم لا يغالون فى أى شىء ويرضون بقليله، هؤلاء فى العادة يشكلون النسبة الأكبر بين صُناع السينما التى تتحول مع الزمن إلى حرفة، وهكذا ذهبت إلى خارج الخدمة محملًا بانطباع سلبى مسبق، إلا أنه مع اللقطات الأولى استطاع أن يبدد كل ذلك ممسكًا بالتفاصيل محافظًا على الجو العام ضابطًا للإيقاع ويحقق مع ممثليه أقصى لمحات الإجادة، وهى الطبيعية عندما تختفى أداة التشبيه كأنْ يصبح الممثل هو الشخصية تمامًا وليس مؤديًا لها، هكذا رأيت، ليس فقط نجمى العمل الرائعين أحمد الفيشاوى وشيرين رضا، ولكن كل الممثلين كانوا فى ذروة التلقائية، هل كان ينبغى لمحمود كامل أن يطل فى البداية على السينما مرددًا نغمة عامة حتى يعثر فى فيلمه الخامس على نغمته الخاصة؟

الفكرة التى التقطها الكاتب الجديد عمر سامى هى هؤلاء المغيبون عن الوعى يعيشون بيننا، ولكنهم لا يعيشون أبدًا معنا، لهم ساعتهم البيولوجية الخاصة لا تعنيهم توقيتاتنا، ولا حياتنا، هم ليسوا فقط خارج الخدمة، بل هم خارج الحياة تمامًا. اختار المخرج ثورتى 25 يناير وحتى 30 يونيو لينسج من خلالهما زمن الفيلم السينمائى لنطل منه على الثورة. الشاب المعدم من كل شىء الذى أدى دوره أحمد الفيشاوى حتى سرقاته تبدو لنا ساذجة وعبيطة تتوافق مع تركيبته الشخصية، فهو يسطو على أى شىء ومطارد فى نفس الوقت بسبب عدم سداده ثمن المخدرات، التى لا يستطيع الحياة دونها، الصدفة تدفعه لكى يتعرف على امرأة كان يعتقد أنها قاتلة وهى كانت تؤدى مشهدًا فى لقطة تمثيلية وصلت إليه بالصدفة على فلاشة ، هى لا تدرك أيضًا شيئًا بسبب حالة الغياب التام التى تعيشها ولا يربطها بالعالم خارج حدود منزلها سوى المعاش الشهرى الذى تذهب لتتسلمه. الفيلم قائم على تلك الحالة بين البطلين ومناوشات من الأشقياء الذين يطاردون البطل، بالطبع كان الفيلم يبدو فى لحظات متوقفًا ويكرر المشاهد والمواقف والمرحلة الزمنية قرابة عامين ونصف العام لا تتوافق مع الزمن الذى تتحرك فيه الأحداث دراميا على الشاشة، ولكن يبقى أن هناك تفاصيل فى التعبير بالكاميرا قدمها مدير التصوير أرتورو سميث البريطانى فى الإضاءة وموسيقى تامر كروان وتلك الكاميرا التى حافظ المخرج على أن تصبح معادلا موضوعيا لعيوننا فى المتابعة، فهى لا تتبنى أبدًا أيًّا من الشخصيات.

مأزق السيناريو أنه لم يمتلك خيالا دراميا أبعد مما حصر الكاتب فيه نفسه، كما أن شاشة التليفزيون فى الخلفية التى كنا نتابع من خلالها الثورة كانت بحاجة إلى تفاعل أكثر مع الفيشاوى وشيرين، صحيح هما مغيبان ولكن هذا لا يعنى أن التفاعل ليس قائمًا حتى لو صنعا عالمًا خاصًّا للثورة، كان المخرج يبدو كأنه يخشى التورط فى أى موقف حتى لو كان يردده هؤلاء المغيبون، حيث لم يتجاوز الأمر كوْنَ شيرين عند عودتها من الشارع يوم 30 يونيو تقول إنها لم تر أحدًا فى الشارع.

نعيش مع فيلم نجح صُناعه فى القفز خارج الصندوق التقليدى، وهناك فى الحقيقة لمحات خاصة فى الأداء أحمد الفيشاوى هذا الجسد الفارع، ولكنه يبدو مستكينًا ورعديدًا أمام الشقى، احتياجه المادى والمعنوى جعله فريسة مستكينة لهذا الشقى، شيرين رضا أنضجتها الأيام لتجسد دورًا يضعها على القمة فى فن الأداء الدرامى، خارج الخدمة لم يصمد طويلًا فى دار العرض، ولكنه جدير بمكانة خاصة فى ذاكرة السينما المصرية.

 

وما أدراك ما «الكاريزما»!

طارق الشناوي

04-03-2015

قبل يومين استمعت -عبر محطة الأغانى فى الإذاعة المصرية- إلى صوت المطرب «إسماعيل شبانة» تذكرته الإذاعة المصرية فقط فى ذكرى رحيله الـ«30»، ووجدت نفسى أقف حائرًا أمام هذه الدنيا التى يلعب فيها الحظ الدور الأوفر!

وإسماعيل شبانة هو الشقيق الأكبر لعبد الحليم حافظ، هو الذى أنقذه من الموت وحمله على يده وهو رضيع ابن أيام، قبل أن يقتله أهل قريته «الحلوات» بمحافظة الشرقية، بعد أن اعتبروه شؤمًا، ماتت أمه وهى تنجبه، ومات والده بعد ذلك.. إسماعيل كان هو المعلم الأول لشقيقه عبد الحليم شبانة، قبل أن يضحى بلقب «شبانة» ويصبح «حافظ» تيمنًا باسم المذيع الذى اكتشفه حافظ عبد الوهاب.. إسماعيل أيضًا هو الذى أخذ بيد عبد الحليم، أقام عنده فى القاهرة، بعد أن ترك الملجأ الذى عاش فيه قرابة 10 سنوات. صوت إسماعيل شبانة من ناحية البناء الفنى يعتبر مقياسًا للاكتمال، حتى إن بعض كبار الموسيقيين أمثال سيد مكاوى وعبد العظيم عبد الحق وعبد العظيم محمد، بل والموسيقار الكبير رياض السنباطى كانوا يرون فيه الصوت الأحق بالنجاح، ويفضلونه كبناء صوتى على صوت شقيقه عبد الحليم، لكن الناس اختارت عبد الحليم. عاش إسماعيل مأساة داخلية وهو يرى شقيقه يصعد ويصبح معبودًا للجماهير، بينما هو لا يعرفه أحد من خارج الوسط الفنى إلا باعتباره شقيق عبد الحليم حافظ.. والذين عايشوا تلك السنوات أمثال الموسيقار الراحل صلاح عرام، عازف الكمان، وقائد الفرقة الذهبية، قال لى إن إسماعيل بالفعل كانت لديه مرارة ليست موجهة ضد شقيقه، ولكن بسبب الزمن الذى لم يمنحه النجاح الذى يتوافق مع موهبته. هل هى حظوظ أو أن هناك أشياء أخرى؟ لا شك أنها تلك الأشياء الأخرى التى لا يعلم سرها إلا الله، لماذا حقق عبد الحليم حافظ كل هذا الحب؟

إنه الذكاء العاطفى، حيث يتعاطف الجمهور مع فنان دون أسباب موضوعية.. قال لى الموسيقار كمال الطويل إن عبد الحليم كانت كل النساء من مختلف الأعمار تحبه، المراهقات والسيدات حتى النساء الكبيرات كن يعتبرنه ابنًا لهن.. ورغم كل ذلك فإن إسماعيل شبانة ظل مخلصًا لشقيقه الصغير، يحاول أن يحميه، فلقد كان كمال الطويل -حبًّا فى عبد الحليم- لا يقدم ألحانًا إلا لعبد الحليم فقط، وكل منافسيه يرفض أن يلحن لهم، مهما ألحوا عليه، ولهذا مثلًا فهو لم يلحن لكل من محرم فؤاد وماهر العطار وعبد اللطيف التلبانى، حتى محمد رشدى لم يلحن له إلا بعد رحيل عبد الحليم بأكثر من خمسة أعوام.. صوت واحد فقط تعامل معه الطويل، إنه محمد مرعى، مطرب لبنانى، وعلى الفور كان عبد الحليم يعتب على صديقه كمال الطويل، لأنه منح مرعى أغنية «لا يا حلو لأ.. لأ مالكش حق» واكتشف الطويل أن الذى أبلغ عبد الحليم بذلك هو إسماعيل شبانة، حيث كان يعمل موظفًا بمعهد الموسيقى عندما كانت تجرى بروفات الأغنية، وكان حريصًا على أن ينقل لشقيقه ما يجرى داخل المعهد!

فى مسلسل «العندليب» الذى عرض قبل نحو عشر سنوات، قدم كمال أبو رية دور إسماعيل شبانة بإحساس عال، ولكن دراميًّا أرى أن إسماعيل يستحق أن توثق حياته بمفرده فى فيلم أو مسلسل بكل جوانبها، حيث تختلط مشاعر الفرح بنجاح الشقيق الصغير بالغيرة من نجاح الشقيق الصغير.

يظل السؤال الأهم الذى لن يستطيع أحد الإجابة عنه: ما السر الغامض للنجاح والحضور الطاغى، بينما نجد أن هناك من لا يعرف فى حياته وحتى بعد رحيله سوى الخفوت والانزواء والانصراف؟

الإجابة تجدها فى كلمة واحدة «الكاريزما» وما أدراك ما «الكاريزما»؟!

 

ضبط الجرعة!!

طارق الشناوي

2015-03-03 05:11:22

«مصر قُريبة» فيديو كليب أطلقوا عليه عنوة «أوبريت» ولا توجد له علاقة بالمفهوم العلمى لمدلول الكلمة، فهو أغنية جماعية شارك فى أدائها قطاع وافر من الفنانين والمطربين، فى كل الأحوال ينبغى أن نعتبر أن ما شاهدناه وكأنه لم يكن، صحيح أن كثافة المشاهدة وصلت إلى قرابة 2 مليون، إلا أن الاستهجان كان هو النغمة المتكررة التى رددها كل من تعامل مع هذه الصورة الغنائية الركيكة.

لم يسفر الأمر على الشاشة سوى عن أن مصر لا ترحب إلا بالسائح الخليجى، مشاعر المصريين إيجابية بالطبع تجاه الخليج، وما قدمه لمصر من مساعدات اقتصادية بعد 30 يونيو لا يمكن إغفاله، إلا أن هذا مجاله التصريحات الرسمية وهو ما تفعله السلطة السياسية كثيرًا.

الصورة الغنائية تتناول مشاعر المصريين تجاه من يأتى إلى بلدهم وهذا يعنى أن تمتد الدائرة لتشمل كل العالم العربى، ثم تصل إلى العالم كله. تخيل لو أن مغربيًّا أو عراقيًّا أو لبنانيًّا قرر أن يذهب إلى مصر للسياحة، ثم وهو يقلب فى الفضائيات شاهد الفيديو كليب إياه فوجد أن مصر لا ترحب به، أفهم أن عددا من المطربين والمطربات يقدم بين الحين والآخر أشرطة خليجية فى الكلمات والألحان، هذا من الممكن أن أتفهمه، حيث إن شركات إنتاج خاصة فى الخليج تطلب منهم ذلك ويحصلون على مقابل مجزٍ، ولكن عندما تقدم مصر للعالم دعوة لزيارتها نصبح بصدد خطأ فى البناء الفكرى واستراتيجى، لو كان فقط النغم والإيقاع الخليجى هو السائد.

دائما نحن مسرفون فى رد الفعل، وتلك الرعونة أراها نوعًا من قراءة متعسفة لحالة مصر السياسية، يحاول البعض بين الحين والآخر أن يجد نغمة يرددها، معتقدا أن هذا هو المطلوب، ومع الأسف فكما يقرأ عدد لا بأس به من الإعلاميين فى الكثير من الأحيان موقف السلطة المصرية من المعارضة بقدر ملحوظ من التشدد، وتجدهم يزايدون على النظام ويمارسون قدرا من التنكيل بأى صوت لا يردد ما يروق لهم، تشعر أيضا أن الإعلاميين يقرؤون عادة الشفرة خطأ، فيسرفون فى التجاوز وهم يتطاولون أو ينهشون فى الأعراض، ومع الأسف يفعلون ذلك بضمير مستريح.

أرى أن الفيديو كليب هو وجه آخر للقراءة المتعسفة، المشهد الذى أثار الكثيرين، الوردة التى تحملها غادة عادل وتقدمها إلى السائح الخليجى، ويطيل المخرج تامر المهدى فى النظرة التى توجهها غادة إلى الزائر، مما يفتح عين المشاهد إلى أن يعتبرها تحمل دعوة أخرى تتجاوز أهلًا وسهلًا، بالطبع السياق العام للفيديو لا يمهد لتلك القراءة التى أراها أيضا متعسفة ومتجاوزة، ولكن لا شك أن المخرج لم يتدخل فى التوقيت المباشر لحذف ما يراه خارجا عن السياق، أو يؤدى إلى قدر من اللبس، هذا هو دور المونتاج فى ضبط زمن اللقطة.

التتابع العام يفرض تقديم كل الوجوه مرحبة والكل سعيد منذ لحظة هبوط السائح إلى مطار القاهرة، ومع أول إطلالة لآسر ياسين ضابط الجوازات وقبلات من هنا وهناك، ومنير وأنغام يرددان أغنية، وعلى المقابل غناء ومشاركة خليجية، ونسأل أين من كل ذلك وجه مصر السياحى؟

هل تتذكرون محمد العزبى وأغنيته الأقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح ولما ييجى وقت المرواح بتبقى مش عايزة تروح كلمات فتحى قورة وتلحين على إسماعيل وإخراج على رضا، هذه هى مصر التى نروج لها سياحيًّا، أما ما قدمه هؤلاء فهو مزيج سيئ الصنع من الاسترخاص والفجاجة.

 

الدنيا سخيفة!

طارق الشناوي

02-03-2015

الأفلام المصرية لا تمكث كثيرا فى دور العرض، إذا لم تلحق الفيلم خلال الأسبوع الأول أو حتى خلال الأيام الأولى، ربما لن تجده بسهولة، سوف يُلقى به بسبب تضاؤل الإيرادات فى بحر الظلمات.

ولهذا قررتُ فورا أن أشاهد فيلم الدنيا مقلوبة، واكتشفت أن الجمهور الذكى عرف الفولة مبكرا، لأن دار العرض شبه خاوية، كيف أدَرَكَ المتفرِّج فى لحظات أنه بصدد فضيحة سينمائية! إنها الخبرة فى التعامل مع شباك التذاكر، الجمهور يسأل مجرَّب أولا، وهكذا ينتظر اللى جرَّب فينصحه بأن لا يلدغ من نفس الجحر، بالنسبة إلىَّ هذا هو واجبى، وتلك هى مهنتى أن أتلقَّى اللدغات ومن مختلف الجحور.

مصر أمريكا، وأمريكا مصر، ولهذا فإن الدنيا مقلوبة، وهكذا وقع صُنَّاع الفيلم على تلك الفكرة، الهجرة من أمريكا إلى جمهورية مصر العظمى -كما أطلقوا عليها فى الفيلم- هى حُلم الأمريكان، وأن منة شلبى وغادة عادل وروبى هن نماذج المرأة الحلم فى العالم، وتسقط بجوارهن نيكول كيدمان ومادونا وجنيفر لوبيز وأنجلينا جولى.

البداية فى أمريكا، حيث إن حلم باسم سمرة أن ينجح فى تزوير أوراقه ويستعين بإدوارد المصرى لمساعدته حتى يحصل على فيزا، السيناريو لمحمد سيد قناوى والإخراج هانى صبرى، وأتصوَّرها بداية للكاتب والمخرج، وكان من الممكن أن تحقِّق شيئا لو أن هناك جهدا مبذولا فى محاولة التعمق فى الفكرة، لكن ما فعله الكاتب والمخرج أنهما استسلما تماما ووقفا محلك سر، خيالهما الكسيح لم يسعفهما بأكثر من تلك اللمحة التى من الممكن أن تحيلها إلى فيلم قصير.

قرَّرا أن يبحثا عن أى مواقف، معتقدين أنها كوميدية، بينما هى فى واقع الأمر عنوان للسخافة، ولهذا أسرفا فى استخدام الرقص، وهكذا قرأتُ على التتر أسماء 3 راقصات، ومثلهن مطربون شعبيون، الرقص والغناء فى مصر يقابله الرقص والغناء فى أمريكا، هزة هنا وهزة هناك، كلما لم يجد الكاتب والمخرج ما يُقدّمانه عادا إلى قانون الهز، المياه المعدنية تحمل اسم النيل، والجنيه المصرى فى السوق السوداء الأمريكية يتم شراؤه بعد أن وصل إلى عشرات أضعاف الدولار المضروب، والحمار هو الوسيلة الأمريكية فى التنقل، بينما العربات الأحدث طراز فى مصر والبطالة هما ما يعانى منهما الأمريكيون، وفى المستشفى الأمريكى يُلقى المرضى على الأرض، دائما هذا هو المشهد المتكرِّر، المقارنة على طريقة الكلام لك يا جارة ، لكن ماذا بعد! لم يدرك صُنَّاع الفيلم لقلة الخبرة أن هناك مرحلة تشبع بعدها ولا يستطيع المتفرِّج تحمل المزيد.

كل تفاصيل الفيلم بسبب الإسراف فى استخدامها تصل إلى حدود السخافة، مثل باروكات الرجال الصفراء، والمشاهد المتكررة فى السفارة المصرية بين باسم، طالب الهجرة، والمسؤول، منير مكرم، كلها تتجاوز مرحلة الظرف إلى الاستظراف، والتعبير الصحيح هو الاستهبال.

أكثر فنان يتحمَّل مسؤولية فشل تلك التجربة هو باسم سمرة، لأنه الشخصية المحورية فى الدراما، وللمرة الثانية فى غضون شهور قليلة يحقّق فشلا ذريعا على المستويين الفنى والرقمى، الأولى كانت فى فيلم وش سجون، فهو لا يعرف بالضبط أين يضع قدمه ليتقدم خطوة، فتجده يتراجع خطوات سينمائيا.

باسم قدَّمه إلى الشاشة الكبيرة المخرج يوسف شاهين قبل 20 عاما فى القاهرة منورة بأهلها ، ثم انتقل بعدها إلى تلميذ يوسف فى تلك السنوات، يسرى نصر الله، مرسيدس ، وصولا إلى المدينة ، واستمر حتى بعد الموقعة ، لكنه لا يكتفى بسينما يسرى، ويتطلع دوما إلى السينما التجارية، إلا أن المعادلة كثيرا ما تخفق.

ممثل موهوب لكنه لا يملك القدرة على الاختيار، وهكذا تتقاذفه شركات الإنتاج من سيئ إلى أسوأ، وهو كما يبدو فى حالة غيبوبة حتى وصلنا إلى فاجعة الدنيا مقلوبة ، عفوا سخيفة أقصد سخيفة جدا !

التحرير المصرية في

02.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)