كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الرقابة على السينما .. القيود والحدود (1-2)

عدنان حسين أحمد

 

يُثير كتاب "الرقابة على السينما .. القيود والحدود" الذي أعدّه وقدّم له الناقد السينمائي حسين بيّومي عدداً من الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بأهمية الرقابة على الأفلام السينمائية، ودورها وتأثيرها على المجتمع بكل مستوياته الثقافية والاجتماعية، وآلية انعكاسها على المبدع والمتلقي من جهة وعلى الخطاب البصري من جهة ثانية.

يؤكد المُعدّ في مقدمته بأنّ "الحرية كانت ولا تزال المطلب المُلِّح دوماً للإنسان: حُرية أن يُفكِّر وأن يُعبِّر وأن يتلقّى العالم، ويتفاعل مع الوجود والواقع دون قيود أو حدود". وهو لا يُطالب بإلغاء الرقابة بشكل مطلق وإنما يبحث عن مفهوم جديد أو تصوّر مختلف لها كأن تتكوّن هيئة "رقابية" غير خاضعة لسلطة الدولة وقد أجمع غالبية النقاد على أن تضمّ هذه الهيئة أعضاء من نخبة المجتمع وصفوته المثقّفة التي تُكرِّس الجوانب الفنية وتنتصر لحرية التعبير والتلقّي.

تأتي أهمية هذا الكتاب من تنوعه حيث يضمّ بين دفتيه عدداً من المقالات الرصينة، والشهادات النوعية، والحوارات الجريئة، والتجارب المعمّقة، والوثائق الحساسة، هذا إضافة إلى الندوة المهمة التي أثار فيها المشاركون العديد من الأفكار المتنوعة التي تناغمت حيناً واختلفت في أحايين أخر.

تصدرت محور المقالات الست مقالة الناقد السينمائي أمير العمري التي جاءت تحت عنوان "الرقابة في عالم جديد" حيث ركّز فيها على ثقافة عصر الكومبيوتر، وطالبَ فيها بإعادة النظر في مفاهيم ما يسمّى بجهاز "الرقابة" على المصنّفات الفنية، وتساءل عن السبب الذي يدفع هذا الجهاز لوضع فن السينما إلى جانب عروض الفانوس السحري وشرائط الكاسيت والمسرحيات والأغاني والمعارض وما إلى ذلك من أنواع فنية. وشدّد على ضرورة تنظيم عروض السينما وليس مراقبتها ومنعها. كما حرّض المعنيين على التفكير  بـ "تحديث" نظرة الرقابة على السينما. فهو يرفض هذه التسمية رفضاً قاطعاً ويُطالب بإزالتها، ويدعو إلى تبنّي نظام تصنيف الأفلام بدلاً عن مراقبتها. فالأفلام، من وجهة نظره، بشتّى أنواعها لا يمكن أن تُعامَل مُعاملة واحدة طالما أنها سوف تُعرض في صالات عامة الأمر الذي يستدعي فرزها وتصنيفها حسب نوعية الجمهور الذي يتلقاها كخطاب ثقافي وفني أو كمادة ترفيهية، أو كمادة تجمع بين ما هو ثقافي وترفيهي في آنٍ معاً. ويقترح أن تكون هناك لجنة من صفوة المجتمع تجيز الأفلام التي نشاهدها وسوف تكون هذه اللجنة في كل الأحوال أفضل بكثير من سلطة رقيب واحد قد لا يكون مثقفاً بالضرورة وإنما ينتمي إلى الموظفين العاديين الذين لم يكرسوا حياتهم للثقافة البصرية على وجه التحديد.

لم يدعُ العمري، مثل نقادٍ وفنانينَ آخرين، إلى إلغاء الرقابة لأنها دعوة طوباوية ولا تمتّ إلى الواقع بصلة بل دعا إلى تطويرها وتحديثها برؤىً ومفاهيمَ جديدة أكثر مرونةً وأقلّ تشدّدا.  ورأى أن تصنيف الأفلام سوف يحلّ الكثير من المشاكل، ولو كان هذا التصنيف مُطبّقاً لما استبعدت الرقابة نحو عشرين دقيقة من فيلم "جمال أمريكي"  للمخرج البريطاني سام منديز الذي فاز عنه بجائزتي الأوسكار والجولدن جلوب.

في مقاله "الرقابة على السينما في مصر. . الضرورة وحدود الحرية" يُقسِّم الناقد حسين بيومي الرقابة إلى ثلاثة أنواع وهي الرقابة الذاتية، ورقابة جهة الإنتاج، ورقابة الجمهور ويعتبر الرقابة الذاتية عند من يكتب للسينما أشدُّ قسوة وأكثر صرامة من رقابة الإنتاج ورقابة الجمهور لأنها تُوقِع الكاتب في الكتابة النمطية التي تستجيب لمتطلبات السوق ولا تلبّي الاشتراطات الفنية والإبداعية.

يشير بيومي إلى أنّ الرقابة في مصر كانت أولاً على الأفلام السينمائية التي تُعرض في الصالات السينمائية خشية أن يكون فيها تحريض ضد النظام السياسي والاحتلال البريطاني والقيم السلفية، ثم تواصلت مع ظهور الإنتاج القومي الذي بدأ يحاور المجتمع، ويحطِّم التقاليد، ويخرج على ما هو سائد ومألوف.

يعتقد بيومي أن الحاجة إلى الرقابة تقلّ وتتضاءل إلى حدودها الدُنيا كلما زادت مساحات حرية التعبير أمام الأفراد والجماعات. وهو لا يدعو إلى إلغاء الرقابة تماماً وإنما إلى تطويرها وتحديثها، وهي دعوة مشابهة تماماً لدعوة العمري. كما يناقش في مقاله بنود المادة الثانية من قرار رقم 220 لسنة 1976 التي تخلط بين الثوابت التي لا خلاف عليها الخاصة بالمحافظة على ما يتعلّق بالمعتقدات الدينية مُشكِّلةً لائحة مخيفة عن مراسم الجنازة، وتحبيذ الانتحار، والعُري البشري، والمناظر الخليعة، والمشاهد الإيروسية التي تنطوي على الإثارة والشبق وما إلى ذلك بينما يعتقد الكاتب أن هناك نقطتين مهمتين وهما ما يخدش المعتقدات الدينية ومصالح الدولة العليا وعلى رأسها الحرص على الأمن العام. يقترح بيومي إحياء العمل بقانون دخول الأحداث الذي تقاعست الرقابة في تطبيقه منذ الستينات وحتى يومنا هذا أو استحداث مرحلة عمرية أخرى. كما يطالب  بتعديل القرار 220 لسنة  1976  وخاصه بنوده العشرين التي تكاد تحرّم تصوير كل شيئ. وفي السياق ذاته أكدّ على تطوير جهاز الرقابة وإلغاء تبعيته لوزارة الثقافة وإسناده إلى هيئة مستقلة معززة بالحصانة التي لا تجعل أعضاءها يمْثلون أمام القضاء، وتطعيم لجنة الرقابة بنخبة مثقفة ليبرالية تُشكِّل على الأقل نصف عدد اللجنة الرقابية.

قدّم المخرج والناقد السينمائي هاشم النحاس "لمحات من تاريخ القمع للسينما المصرية" مُستهِلاً مقاله بإدراج السينما ضمن "الملاهي" في قانون الرقابة على المطبوعات الصادر عام 1891 والذي عُدِّل عام 1914، حيث وضع هذا القانون كل العاملين في حقل السينما موضع الشبهة وعزَل الفنانين السينمائيين عن أصحاب الرأي.

أورد النحاس العديد من الأمثلة التي تعزز رأيه في القمع الذي تعرّضت له السينما المصرية خلال عقود طويلة من بينها فيلم "زينب" للمخرج محمد كريم الذي صُوِّر صامتاً عام 1930، ثم ناطقاً عام 1950 لكنه فُرض عليه في الحالتين أن تكون القرية نظيفة، كما اضطرّوه لأن يبتعد عن أي رأي اجتماعي مغاير لما هو سائد.

 أشار النحّاس إلى تدخّل الأزهر عام 1926 حينما أصدر تحريماً يمنع فيه تصوير الرسل والأنبياء ورجال الصحابة وأهل البيت جميعاً بعد أن قرأوا خبراً عن النية في إنتاج فيلم عن شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلّم. وما إن سمع الفنان يوسف وهبي عن هذا التحريم حتى أعلن عن براءته من الدور المسنود إليه. وفي السياق ذاته صادرت الرقابة فيلم "لاشين" عام 1938 لأن وكيل وزير الداخلية رأى فيه مساساً بالذات الملكية ونظام الحكم، ولولا المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها طلعت حرب باشا لما قُدِّر لهذا الفيلم أن يرى النور ثانية. وحينما أُنجزت أفلام مثل "العزيمة" 1939، و "العامل" 1943 و "السوق السوداء" 1945 أصدرت الدولة تعاليم جديدة للرقابة لا تجيز فيها الإخلال الاجتماعي للثورات والمظاهرات والأحزاب ولا تسمح بإظهار رجال الدين بشكل غير لائق، كما لم تسمح بالإساءة إلى سمعة مصر والبلدان الصديقة. كما طبّقت محظورات 1947 على فيلمي "مسمار جحا" لإبراهيم عمارة و "مصطفى كامل" لأحمد بدرخان، الأول بحجة تعريضه بالطبقة الحاكمة، والثاني بدعوى عدم الدقة والحذر في ذكر مشاهير العظماء.

يرى النحّاس أن القانون الجديد 430 لسنة 1955 قد اقتصر على صياغة الهدف بعبارات مطّاطة يصعب تحديدها وهي "حماية الآداب العامة، والمحافظة على الأمن والنظام العام، ومصالح الدولة العليا" الأمر الذي أدّى إلى انحسار السينما في حدود نقد الماضي وإغفال الحاضر. ويقترح النحّاس بضرورة فصل الرقابة عن السلطة التنفيذية ومنحها الاستقلال والحماية، وأن تقتصر مهمتها على تصنيف الأفلام إلى ما يصلح للكبار فقط، وما يصلح للجميع حماية للأطفال الذين يستحقون وحدهم الحماية، وهو مقترح مُشابه لما دعا إليه العمري وبيومي.

نبّه الناقد أحمد عبد العال في مقاله المعنوّن "حِراك الجمهور والمحاذير غير المُعلنة" إلى أن الجمهور هو المُستهدف بالرقابة وليس السينما. ويرى أن نشأة وقيام الرقابة على الصحافة والمسرح تعود إلى سلطة الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 حيث لعبت دوراً مهماً في تحيّيد السينما المصرية واستبعادها لمشاكل الفقراء والأثرياء على حد سواء الأمر الذي أفضى بجمهور السينما إلى العزلة والحيادية والحصار المعرفي والذهني. يعتقد عبد العال بأن الرقابة قد جعلت من المصريين متفرجين على قضاياهم الرئيسية ومشكلاتهم الجدية، ومنفيين ومستبعدين عنها إلى الدرجة التي أصبح فيها الوطن الغائب الأول في كل الأحوال.

يشير عبد العال إلى أن الرقابة على الأفلام في مصر قد أنشئت عام 1914 وظلت تابعة لوزارة الداخلية حتى عام 1930. ويعتقد بأن الرقابة سوف تبقى وتستمر وقد طالت اللاوعي بعد أن أجهضت الوعي وتمكنّت منه.

تساءل المخرج والناقد صبحي شفيق في مقاله الموسوم "الرقابة أجهزة لقمع الشبكة المعرفية" إن كان مفهوم الرقابة قد انبثق من  التربة المصرية؟ فجاء الجواب بالنفي السريع معتمداً في هذه الإجابة الخاطفة على المعلومات التي جمعها الناقد سمير فريد. تتمثل بنود هذه الشبكة المعرفية بأربعة مواصفات وهي: "خلق نجوم يتحولون إلى أوثان، وتملّق الوجدان الديني الغيبي، وتحويل النزاعات الإجرامية إلى أعمال بطولية، وتمجيد المغامرين النازحين إلى الغرب والإشادة بدورهم التاريخي في إبادة ورَثة حضارات الأنكا والمايا العريقة ممن يطلقون عليهم تسمية الهنود الحمر". ويرى شفيق أن هذه الشبكة تنبع من عقلية تؤمن بالتخطيط والنمو الثقافي التدريجي التي تمثل رقابة الدولة، وهي رقابة تماثل على مستوى العقل ما تمارسه الرقابة على الأطعمة والمستوردات على مستوى الجسد والصحة البدنية.

يمكن اختصار "هذا ما حصدناه" وهي المقالة السادسة والأخيرة لسلوى بكر التي ترى بأن الرقابة لا يمكن عزلها عن جملة من التدابير المنحدرة من جذر واحد هو القمع، وأن المخوّلين بالرقابة هم في العادة أناس لا علاقة لهم بالفن أو الإبداع، بل هم في الأعم الأغلب، معادون لكل ذلك.

شهادات
يضم محوّر شهادات خمس شهادات مهمة وهي على التوالي للروائي نجيب محفوظ ومصطفى درويش والمخرج توفيق صالح، والمخرجة عطيات الأبنودي والمخرج السوري محمد ملص. وقد أدلى كل واحد منهم بدلوه. فالروائي الكبير نجيب الحائز على جائزة نوبل للأدب يرى أن الرقابة ضرورية وهذا ما نستشفه من عنوان الشهادة التي بيّن فيها أن الرقابة تدْرسُ جيداً الأعمال المُقدَمة لها، وهي ليست رقابة تعسفية. وقد صرّح غير مرة قائلاً: "نحن نعمل لخدمة الفن ولسنا بوليساً عليه".

ذكرَ محفوظ بأن بنود الرقابة محددة وهي ليست موضع خلاف. فالرقابة تمنع الإساءة للدول الصديقة، فعرض فيلم سينمائي يسيئ لليابان التي ساندت مصر ووقفت ضد الولايات المتحدة الأميركية أمر لا تقبل به الرقابة المصرية، بل إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نفسه قد أمر بسحب الفيلم من صالات السينما المصرية برمتها بسبب موقف اليابان المؤازر لمصر. أما البند الذي يُختَلف عليها فهو "الآداب العامة"  لأنه عائمٌ ومطّاط.

يعتقد محفوظ أن الرقابة على الفيلم أهم بكثير من الرقابة على الكتاب ذلك لأن جمهور الفيلم واسع وكبير وهو، أي الفيلم، يدخل في كل بيت تقريباً، أما جمهور الكتاب فهو محدود، ولا يقرأه غير المثقفين، إن قرأوا، فلا غرابة أن يطالب بتخفيف الرقابة على الكتاب، وتشدّيدها على الفيلم.

وصفَ مصطفى درويش نفسه في شهادته بأنه "رقيب متمرد". وخلال سنتين وهي مدة خدمته الكلية كمدير للرقابة على المصنفات الفنية اطلّع على 64 محظوراً تتعلق بالنواحي الاجتماعية والأخلاقية من جهة، ونواحي الأمن والنظام من جهة ثانية وهي جميعها تحدّ من حرية تعبير السينمائيين، ولم تترك هذه المحظورات صغيرة وكبيرة لها اتصال بالدين والجنس والنظام القائم إلاّ ووضعتها في دائرة المنع والتحريم.

يعتقد درويش بأنه أتاح الفرصة لأفلام كثيرة كانت ممنوعة لا للأسباب الرقابية المنصوص عليها قانوناً، وإنما لأسباب أخرى من بينها الخشية من كل جديد. ومن بين الأفلام التي أباح مشاهدتها للمتلقين "هيروشيما حبيبتي" لألن رينيه، و "الجماعة" لسيدني لوميت، و "الربيع الروماني للسيدة ستون" لجوزيه كوينتيرو، و "فيدرا" لجوزيه داسن

لم تكن تجربة توفيق صالح مع الرقابة مشجعة حيث تخللها العديد من المشاكل ففي فيلم "صراع الأبطال" طلبوا منه حذف 17 مشهداً لكن مدير الرقابة محمد علي ناصيف أبقى على مشهد واحد لمناقشته مع المخرج حيث نرى أناساً يجمعون القمامة بهدف تقديم النافع منها كطعام إلى أهل القرية ورأوا فيها إساءة للمواطنين المصريين

امتدح صالح الرقيب وقال إنه ملّم بالجوانب الدرامية وتطور العلاقات في بناء الفيلم للوصول إلى أغراضه الفنية. كما توقف صالح عند فيلم "السيد البلطي" الذي طبع منه ست نسخ بعد موافقة الرقابة عليه شرط أن يحذف منه أحد المشاهد. وقد عُرض الفيلم قبل الموعد المُتفق عليه، ورافق عرضه كتابة نقدية مريرة وكلام بذيء ينال من شخصية المخرج الأمر الذي أحبط صالح وأوقعه في دائرة اليأس. وقد وصف أحد الأشخاص هذا الفيلم بمنتهى الانحطاط، ويبدو أن الرقابة لم تحذف اللقطات التي كان يتوجب حذفها. وقد وُصِف المخرج بالتحايل والخداع وتبديد أموال دافعي الضرائب الأمر الذي دفعه لقبول دعوة إلى سوريا لإخراج فيلم "المخدوعون". لم يخلُ فيلم "المتمردون" من مشاكل لكن الوزير ثروت عكاشة طلب منه أن يحيل بداية الفيلم إلى ما قبل الثورة وأن يغيّر النهاية بالطريقة التي يراها مناسبة كي يقوم الطرفان بحماية بعضهما بعضاً. أما فيلم "يوميات نائب في الأرياف" فقد تدخل الرئيس جمال عبد الناصر ومنع حذف أي كادر من كوادر الفيلم، وأخبر الجهات المعنية فيما إذا كانت المؤسسة تستطيع أن تُنتج أربعة أفلام بهذا المستوى فإنه سوف يُضاعف الميزانية، لكن المخرج توفيق صالح يختم شهادته بهذا التساؤل المقنع: هل أن رقابة الأفلام هي من واجبات رئيس الجمهورية؟ وهل لديه الوقت الكافي للقيام بهذه الرقابة؟

تساءلت المخرجة عطيات الأبنودي بكثيرٍ من الألم في شهادتها المعنوّنة "أيهما أشدّ قسوة: رقابة الحكومة أم رقابة النقاد السينمائيين؟" وقد أثارت هذا السؤال الجوهري انطلاقاً من تجربتها الشخصية التي تُوجّت بخمسة وعشرين فيلماً وثائقياً وثلاثة كتب إضافة إلى عدد كبير من الندوات والمهرجانات السينمائية والحوارات الصحفية واللقاءات التلفازية التي غطّت تجربتها في حقلي الإخراج السينمائي الوثائقي والكتابة في شؤون السينما وشجونها.

لقد تعرّضت الأبنودي بسبب أفلامها المثيرة للجدل إلى انتقادات حادة لم يتعرض لها أي سينمائي مصري بحيث وصل الأمر إلى تشويه سمعتها الفنية والتشكيك بانتمائها للوطن! أثارت الأبنودي في كل أفلامها جدلاً واسعاً على مدى أربعة عقود ويزيد فحينما وضعت لمساتها الأخيرة على فيلم "حصان الطين" 1971 اتُهمت بالإساءة إلى مصر والمصريين لأنها صوّرت أناساً بسطاء يعملون في مشغل لصناعة "الطوب" حيث اعترضت الرقابة على لقطة لطفل يتناول طعاماً بسيطاً بينما كان أنفه يسيل أمام أعين المشاهدين الأمر الذي أثار حفيظة الرقابة ووخز حساسيتها المرهفة مما دفع القائمين عليها إلى حذف تلك اللقطة المُستفزة لمشاعرهم الوطنية! وفي فيلم "الساندويتش" 1975 اعترضت الرقابة على مشهد كلب هزيل يدخل إلى الكادر وكان اعتراض الرقيبة مُنصبّاً على شيئين وهما "فقر المكان وهزالة الكلب!".

أما فيلم "الأحلام الممكنة" 1982 الذي عُرض في برلين فقد أثار حفيظة أحد المشاهدين الذي كتب مقالاً عنوانه "مخرجة مصرية تسيء إلى سمعة الوطن" لأن الفيلم يتناول قصة فلاّحة مصرية من ضواحي مدينة السويس هُجِّرت هي وعائلتها إلى منطقة أبيس في الإسكندرية! ترى أين الإساءة إلى الوطن إذا كانت الحكومة المصرية هي التي قامت بعملية التهجير؟ لم ينجُ فيلم "اللي باع واللي اشترى" من حدة الانتقادات التي كتبها صحفيون عابرون يفتقرون إلى الحسّ السينمائي. فالفيلم يدور حول الأرض التي استصلحها الفلاحون المصريون ثم اشترتها الطبقة البرجوازية "المتوحشة" وحوّلتها إلى فيلات فاخرة للراحة والاستجمام. تعتقد الأبنودي أن أسباب المنع سياسية ربما لكونها شيوعية أو معارضة لأنظمة الحكم المتتابعة فلا يصحّ لأن يشاهد الناس أفلاماً شيوعية تتحدث عن الفقراء ومشاكلهم اليومية التي تستفز الرأي العام. ذكرت الأبنودي بأن التلفزيونات المصرية لم تعرض أفلامها منذ عام 1971 حتى أيام الديمقراطية عام 1996.

كما حُرمت هي شخصياً من تدريس الطلاب ونقل خبرتها إليهم في المعهد العالي للسينما الذي منع هو الآخر عرض أفلامها حتى ولو من باب العلم بالشيئ كي يتفرج طلاب السينما على كيفية صناعة فيلم شيوعي في الأقل!

لا تختلف معاناة المخرج السوري محمد ملص عن أشقائه المصريين ففي مقاله الموسوم "مفكرة فيلم ممنوع من العرض" يحدِّثنا ملص عن ذكرياته في تصوير فيلم وثائقي يتمحور على الغناء الشعبي لمنطقة سد الفرات لكنه صوّر في الوقت ذاته من دون موافقة الجهات الرسمية مشكلة التملّح التي تشغل بال الفلاحين واحتفظ بالأشرطة المصورة في خزانة سرّية. حثّه المدير العام على الإسراع في إنجاز الفيلم كي يرسلوه للمشاركة في مهرجان الفنون الشعبية في موسكو ولكن صدمة المسؤولين كانت قوية جداً حينما شاهدوا فيلم "فرات" حيث قالت عنه رئيسة الدائرة الثقافية ـ "أنه محاولة متعثرة" فيما وصفه مدير التلفزيون بالفيلم "المتشائم" حيث زوّد عياراته النقدية الأمر الذي دفعهم إلى سحب الفيلم من مهرجان دمشق السينمائي، لكن أصوات 85 محتجاً من الضيوف قد تعالت على قرار سحب الفيلم وحجبه.

وحينما بلغ الاحتجاج ذروته شاهد وزير الإعلام الفيلم وأعرب عن استيائه خصوصاً بعد أن اطلّع على الوثائق واكتشف أن هناك فارقاً كبيراً بين ما كتبه وما نفّذه فاتهمه بالخداع والتحايل. وعلى الرغم من تلك الضجة الكبيرة التي أثارها منع الفيلم إلاّ أن جميع المخرجين السينمائيين والتلفزيونيين شاهدوا فيلم "فرات" الأمر الذي أفضى بالضرورة إلى أن يقطع الشعرة الهشّة المتبقية من الصداقات التي ربطته بعدد من الشخصيات الإدارية. وقد اعتبر ملص هذه الدقائق الـ 34 الممنوعة والمحاصرة شوكة في حلق النظام على الرغم من أنها حملت في روحه وشماً من العذاب.

الأزيز الذي يَسبقُ النيران

محمد موسى

يُعَدّ فيلم "درون" للمخرجة النرويجية تونيا هيسن سيكي، والذي يُعرض حالياً ضمن مهرجان "Movies that Matter" الهولندي، الأول في مُقاربته المُوسعّة والمُعمقّة لقضية الطائرات الحربية الأمريكية المُسيرة عن بُعْد، والتي تحولت في السنوات الأخيرة، إلى أحد الأسلحة الفتاكة والأساسية في حروب الولايات المتحدة المُتواصلة ضد الإرهاب حول العالم، من اليمن إلى باكستان، مروراً بالعراق وأفغانستان. وإذا كانت طبيعية الموضوع العسكري الحساسّة تعني عادةً أن الأبواب الرسمية ستكون مُوصدة أمام السينما التسجيلية الإستقصائية التي يمثلها فيلم "درون"، والذي قاد هنا إلى غياب وجهات النظر الحكومية، إلا إن المخرجة عرفت كيف تَشُدّ الانتباه للقضية عبر مُعالجتها الذكية، التي ربطت فيها العسكري بالإنساني، والتكنولوجيا بالعنف، مُسلِّطة الضوء على الحروب الافتراضية الجديدة التي تدار عبر "الريموت كنترول"، وأثارها البشرية الفعليّة المُدمِّرة، مُركِّزة على باكستان، البلد الذي شهد في العامين الأخيرين عمليات عسكرية عديدة لهذه الطائرات، خلّفت مئات الضحايا من المدنيين.

يسعى الفيلم أن يُحلِّل الظاهرة العسكرية الجديدة نفسياً، ويربطها بظواهر أخرى مثل ثقافة الألعاب الإلكترونية في العالم، عبر لقاءات سيجريها مع خبراء نفسيين وعسكريين على حد سواء. فالطائرة ليست شعبية بسبب دقتها وأداءها، هي أيضاً تَحَجب الأنظار عن أثمان وأهوال الحروب على الجنود. فما دامت الحرب تُدار إلكترونياً ومن قاعدة عسكرية بعيدة عن مواقع الأحداث، فلا خطر عندها على سلامة الجنود الجسديّة والنفسيّة، وما يعنيه هذا من أن ينسى الناس في الولايات المتحدة ما تُخلِّفه الحروب الخارجية لبلدهم من ضحايا مدنيين، على حسب تعبير أحد الخبراء النفسيين الذين تحدثوا في الفيلم.

الحَرْبُ لعبة الرجال". سيرد هذا المثل الإنكليزي المعروف في مواقع عديدة في سياق الفيلم، الذي يحقق في علاقة ألعاب الفيديو الشعبية العنيفة بما يجري في واقعنا، ليس من مدخل أثر هذه الألعاب في تنامي العنف بين اللاعبين، بل عن علاقتها الفعلية بالصناعة العسكرية الأمريكية، إذ تحاول الأخيرة أن تجذب صانعي هذه الألعاب أو حتى اللاعبيين البارعين فيها إلى الخدمة العسكرية. فتكنولوجيا الطائرات التي تسير عن بُعْد وبلا طيارين، لا تحتاج إلى جنود مُدربّين مُتمرسّين، بل يمكن أن يديرها لاعبون متوحدون، من الذين يقضون ساعات طويلة يومياً يقتلون ويدمرون أعداء وبنايات خيالية في ألعاب فيديو عنيفة. وفي إطار التكنولوجيا، يصل الفيلم إلى شركات مدنية أمريكية صنعت طائرات مشابهه لأغراض ليست قتالية، إذ كشف أصحابها، إن التكنولوجيا المُستخدمة في هذه الطائرات ليست بالتعقيد الذي يظنُّه المرء، وإن هناك ما يقارب الثمانِ دول حول العالم صارت تملك هذه التقنية، الأمر الذي يزيد من احتمالات وقوع حروب مُستقبلية يقوم بالمهمات القتالية فيها طائرات تُحرَّك عن بُعْد.

يخصص الفيلم أوقاتاً مُهمة لجندي أمريكي سابق كان ضمن الفريق الذي يُشرف على تشغيل هذه الطائرات، وترك الخدمة بعد أن ساءت حالته النفسيه لفداحة ما رأى. وإذا كان الفيلم ليس الأول في تقديم هذا الجندي، الذي ظهر إعلامياً بكثرة، إلا أن العمل اجتهد لكي يوظف قصة هذا الجندي في تركيبته، ومنحه مكانة مهمة ضمن اتجاهه التحقيقي الناقد، ليسير الفيلم بذكاء على النقيض مما حاولت السلطات العسكرية الأمريكية فعله، بإبعاد هؤلاء الجنود عن التماسّ مع الواقع أو الإعلام. فهو سيقدم شهادة مؤثرة جريئة صادمة عن المدنيين الذين يُقدّر أنهم قتلوا بفعل الأوامر التي كان يرسلها هو نفسه إلى طائرات الأشباح، كاشفاً عن شعور الذنب الذي يهيمن على حياته، والذي أوصله إلى حافات الجنون. وكاشفاً أيضاً عن التهديدات التي يتلقّاها من مجهولين، والإهانات من زملائه السابقين.

وفي خطٍ موازٍ، يتوجه الفيلم إلى باكستان، حيث يقابل بعضاً من عائلات ضحايا الطائرات الأمريكية المُسيرَّة عن بُعْد، والذي نجى بعضهم من الموت بأعجوبة. فالطائرات تلك قتلت أحياناً عوائل بأكملها كانت تحتفل بمناسبات زواج وعزاء، مُتوهمة أنها كانت مجتمعة لأغراض أخرى. تحدّث كثير من الباكستانين الذين ظهروا في الفيلم التسجيلي عن الأزيز الذي كانوا يسمعونه في السماء، قبل أن يبدأ ما وصفوه بالجحيم الأرضي. سيمرُّ بعض الوقت قبل أن يربط هؤلاء بين ذلك الأزيز والانفجارات التي كانت تحدث في قراهم الصغيرة. فالأصوات التي تشبه الصفير هي للطائرات الأمريكية المُسيرَّة عن بُعْد. كما يرافق الفيلم محاولات مدنيين وبمساعدة نشطاء أوروبيين جمع أدلة كافية لإدانة الحكومة الأمريكية قضائياً، ليُقدِّم الفيلم في هذا السياق مشاهد مؤثرة لمدنيين قُتلوا بوحشية كبيرة، ومنهم أطفال ونساء.

يُثبت الفيلم التسجيلي هذا، أن لاحدود تقف اليوم بوجه السينما التسجيلية وخاصة في شقها الاستقصائي. إذ تبدو هذه الأخيرة وكأنها تقف مُتيقظة لما يحدث في العالم من أحداث، وعندما تعثر على القضية المناسبة، لا تتردد عن الخوض في تفاصيلها وكشفها عبر معالجات بعضها غير متوقعة، رغم أن هذا ليس بالأمر الهيّن دائماً. فالمخرجة عرفت كيف تحوِّل الموضوع السريّ والمُغلَّف بالألغاز إلى شأناً إنسانياً مُلحَّاً، مانحة في ذلك فرصة لأهل ضحايا الطائرات لكي يرووا قصصهم، كما لم تنسَ أيضاً أن تمرّ على ما تفعل هذه الحروب في عقول وأرواح الجنود الأمريكيين. في كل ذلك، قَرّبَ الفيلم الحرب البعيدة والمجردة وحولّها إلى شيء ملموس مُؤلم وحشي، أي كما هي في الواقع، وكما يجب أن تُجَسَّد على الشاشة.

"أيام بيروت السينمائية" يعكس الواقع الراهن

الجزيرة الوثائقية - بيروت

كسرت الدورة الثامنة لمهرجان "أيام بيروت السينمائية" الركود السينمائي في بيروت، وقدّمت 41 فيلما جرى اختيارها من أصل 115 فيلما تقدمت للمشاركة، تحت عنوان "مهرجان الأفلام العربية".

تنظم المهرجان "جمعية دي سي" للسينما، وتعاونت مع عدد من المؤسسات المهتمة كاليونيسيف التي ساهمت في عرض 15 فيلما قصيرا من دقيقة إلى خمس دقائق لناشئة لبنانيين وسوريين حضروا العرض وناقشوا العروض، و"ملتقى بيروت السينمائي" الذي تم فيه اختيار 14 فيلما روائيا ووثائقيا من مصر والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا وتونس، منها ما هو في مرحلة التطوير، ومنها ما هو في مرحلة التنفيذ النهائي، وبحث الملتقى كيفية تحويل المشاريع إلى أفلام، و"مؤسسة سينما لبنان" التي أقامت ورشة عمل لكتابة السيناريو، واسمها "مواهب من المتوسط" (Medi - talent).

كما قُدّمت مجموعة أنشطة من ضمن فعاليات الدورة، أبرزها ندوة للمخرج المغربي هشام العسري عن أسلوبه المتميز في صناعة الأفلام،  وجلسة تعارف جمعت سينمائيين لبنانيين وعرب وأجانب بهدف تأمين فرص إنتاجية للأفلام، وجرى توقيع فيلم "ليال بلا نوم" لإليان الراهب، وكلاسيكيات السينما العربية كفقرة تضمنت عرض فيلمين للمخرج المصري هنري بركات، هما "القلب له واحد" بطولة الفنانة الراحلة صباح، وأنور وجدي (1945)، و"أفواه وأرانب" من بطولة فاتن حمامة (1977).

وقالت زينة صفير، المديرة الفنية للدورة الثانية من المهرجان، في حديث لـ "الجزيرة الوثائقية" أن فريق جمعيتها، وجله من المتخصصين في السينما، يحمل هاجس إيجاد حركة سينمائية في بلدنا، ومنطقتنا، ولذلك وجه مهرجاننا عربي على الدوام".

ورأت أن "التحديات الكبيرة تجعلنا نبحث عن آخرين تجمعنا معهم هموم نشر السينما المشتركة في المنطقة".

وفي سؤال عن المعايير المعتمدة في اختيار الأفلام قالت: "لا معايير محددة في السينما، بل هناك القيمة الفنية السينمائية، أولا، وكوننا مهرجانا عربيا، جاءت الأفلام مرآة تشبه ما يجري حولنا".

توزعت الأفلام بين الروائي الطويل في 11 فيلم، وقد عُرض فيلم "سلم إلى دمشق" في  حضور مخرجه محمد ملص في ختام المهرجان، والروائي القصير في 12 فيلم، والوثائقي.

الأفلام الوثائقية

احتلّت الأفلام الوثائقية الحيز الأكبر من العروض، فعرض فيها 18 فيلما، والتبست هويتها بين الروائي المستند إلى قصة حقيقية، وهي أغلبها، والوثائقي التقليدي الذي يقدم المعلومات حول موضوع معين.

فيلم "يوميات كلب طائر" (75 د)، للبناني باسم فياض، يعرض الحياة في ظروف حرب متغيرة يوميا، و"هوم سويت هوم" (75 د) للبنانية نادين نعوس وفيه نقاش بين ابنة عائدة من السفر ووالدها عن تطورات الحال اللبنانية ومتغيراتها، و"الرقيب الخالد" (75 د) للسوري زياد كلثوم الذي سئِم الخدمة العسكرية، وأخبار الدمار والعنف لينشقّ عن الجيش رافضا حمل السلاح. "لي قبور في هذه الأرض" (110 د)، للبنانية رين متري تعكس فيه مخاوف فئات واسعة من الجو المشحون في بلد تنتشر فيه الكراهية والحقد، و"الأوديسا العراقية" (90 د)، للمخرج العراقي سمير الذي قضى خمس سنوات يجمع ذكريات عائلته المنتشرة في أصقاع الأرض، مستخدما تقنية الأبعاد الثلاثية. و"رسائل من اليرموك" (59 د)، للفلسطيني رشيد مشهراوي، وهي رسائل المنفى والوطن التي انحازت للحياة على حساب الموت في زمن الحروب، "مومنتوم" (80 د) للبناني فادي يني تورك وفيه معالجة لقيام نصوب في المناطق المختلفة تفاقم الانقسام في البلد بينما هوت الكثير من النصوب في الدول العربية، "أم غايب" (85 د) للمصرية نادين صليب وفيه معاناة فتاة تريد الإنجاب، ويعالج الفيلم صراعها بين الأحلام والحقيقة.

"أنا مع العروسة" (98 د) فيلم مشترك للفلسطيني السوري خالد سليمان الناصري، والإيطاليين غابرييل دل غراندي و أنطونيو أوجوجليارو، تروي قصة استضافة شابين فلسطيني وصحافي إيطالي لخمسة سوريين وفلسطينيين هربوا من الحرب السورية، وسهلّا لهم العبور إلى مكان آمن في السويد. "العودة إلى حمص" (87 د) للسوري طلال الديركي، صُوِّر الفيلم في حمص على مدى ثلاث سنوات، حلم شابان بإبقاء التظاهرات السورية في إطار سلمي، باسط (19 عاما) حارس مرمى تحول إلى زعيم تظاهرات ومغنِّي، وأسامة (24 عاما) مصور انتقادي مسالم وساخر،  إلى أن وجدا نفسيهما في خيارات مغايرة، تضطرهما للتحول إلى مقاتلين.

ساكن" (90 د) للفلسطينية ساندرا ماضي، يروي قصة إبراهيم سلامة الفلسطيني المقيم في الكويت،والذي يرغب في الالتحاق بالثورة الفلسطينية ويصاب فيفقد الأمل في أن يكون جزءا من الثورة. و"ماء الفضة" (92 د)، مشترك بين الفرنسية وئام باديركسن، والسوري أسامة محمد، قصة لقاء المخرج، الذي يصور أفلام اليوتيوب لسماء بلاده، مع امرأة كردية تسأله عما كان يصوره لو كانت كاميرته معه في حمص.

المجلس" (80 د)، للأردني يحيي العبدالله، رحلة طالبين تبدأ مع الإعلان عن انتخابات مجلس الطلبة ويعالج العلاقة بين المعلم والتلاميذ. ,"المرحلة الرابعة" (37 د) للبناني أحمد غصين، ينسج الاتحاد المستبعد بين الوهم والخرافة، وعوالم متزامنة هي السينما وسحر الطبيعة المتغيرة في الجنوب اللبناني.

"شباب اليرموك" (78 د)، للفرنسي ألكس سلفاتوري سينز، يحكي قصة شباب من اليرموك الفلسطيني من الجيل الثالث الذي لم يعد يحلم بالعودة، ويناقشون همومهم ومصيرهم. و"المطلوبون الـ 18" (75 د) للفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كوان، يخلق الاثنان قصة حقيقية عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، من خلال المزج بين تقنية الستوب موشن، والرسوم، والمقابلات.

المخرج اللبناني أكرم الزعتري يهوى المطولات، شارك بعنوان طويل "ثمانية وعشرون ليلا وبيت من الشعر"، في 105 دقائق، وفيه دراسة لممارسة مصور استوديو في منتصف القرن الماضي، والبحث عن جوهر أرشيف اليوم، في محاولة لفهم آلية عمل هذا النمط من إنتاج الصور، والحياة التي خدمها وكيف استمرت.

وقالت صفير عن سبب خيار الوثائقي كأكبر مجموعة: "في العالم العربي، الإنتاج الأكبر هو للوثائقي، ولم يكن ذلك مقصودا من قبلنا".

وعن الفرق بين الفيلم الوثائقي والفيلم المستند إلى رواية واقعية حقيقية، قالت: "لم تعد هناك حدود تفصل بين نوعية الأفلام، وربما لم يعد الفيلم الوثائقي الكلاسيكي رائجا، فالأفلام الإبداعية تتخطى الحدود".

الجزيرة الوثائقية في

29.03.2015

 
 

المخرج الأرجنتيني فرناندو سولاناس يتطلع إلى كرسي الرئاسة

العرب/ أمير العمري*

سولاناس يبحث من خلال أعماله المليئة بالنقد عن الأمل للمضطهدين من الديكتاتوريات ويؤمن بقوة الحراك الشعبي الذي يمكنه أن يحقق العدالة الاجتماعية.

من السينما إلى السياسة، ومن السياسة إلى السينما. هكذا ظل المخرج السينمائي الأرجنتيني المرموق، الحائز على جائزة الدب الذهبي تكريما لإنجازه السينمائي من مهرجان برلين عام 2004، ينتقل بين العالمين. ورغم موهبته الكبيرة كفنان صاحب بصمة خاصة مميزة، وحصوله على الكثير من الجوائز في المهرجانات السينمائية الدولية، إلا أنه آثر خلال السنوات الأخيرة أن يكتفي بصنع الأفلام الوثائقية (السياسية)، وأن يتفرغ تقريبا للعمل السياسي منذ أن أسس حزبه اليساري الشهير “برويكتو سور” (أي مشروع الجنوب) عام 2007.

وقد خاض سولاناس الانتخابات الرئاسية في العام نفسه، وانتخب عضوا في البرلمان عام 2009، ثم ترشح لمنصب عمدة العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس عام 2011. آخر ما نشر عنه اعتزامه خوض الانتخابات البلدية مجددا لمنصب عمدة العاصمة بعد أن نجح في تحقيق ائتلاف بين حزبه الذي يحتل المرتبة الثانية في البرلمان، وحزب “جبهة التجديد”، كما أنه من المحتمل أيضا أن يخوض انتخابات الرئاسة القادمة وهو على مشارف الثمانين، وربما يصبح أول سينمائي يتولى منصب الرئاسة في بلاده.

البدايات الثورية

ظهر فرناندو سولاناس في أواسط الستينات كداعية راديكالي للسينما الثورية في أميركا اللاتينية، وطالب في البيان الشهير الذي أصدره مع رفيقه البوليفي أوكتافيو غتينو عام 1964، إلى ضرورة صنع سينما جديدة مختلفة في أميركا اللاتينية، تكون بالضرورة مضادة لما أطلقا عليه “السينما الكولونيالية”، أي سينما تستمد جمالياتها من الواقع السياسي الثوري في “القارة الجنوبية”.

كان أول أفلامه فيلم قصير بعنوان “استمر” عام 1962، وكان عملا تحريضيا مباشرا من تلك الأفلام “النضالية” التي كانت سائدة آنذاك، في زمن النضال السري ضد الحكومات العسكرية في أميركا اللاتينية. أما فيلمه الثاني (الذي أخرجه عام 1967 مع رفيقه البوليفي غتينو) فهو فيلم “ساعات الأفران”. ومعنى العنوان في ترجمة أفضل من الترجمة الحرفية، هو “زمن اللهيب” أي اللهيب الثوري.

إنه فيلم تسجيلي طويل (4 ساعات) على ثلاثة أجزاء، يتناول من خلال الأسلوب الوثائقي التعليمي تاريخ النهب الاستعماري في أميركا اللاتينية. ويستخدم سولاناس في هذا الفيلم الخرائط والصور الفوتوغرافية والرسوم البيانية والإحصاءات والأرقام، مع تصوير مباشر تم سرا، للتناقضات الاجتماعية والاقتصادية في الأرجنتين، يكشف واقع السيطرة والنهب والاستغلال من جانب الاحتكارات الأميركية لثروات القارة. وكان الفيلم يعرض في السر، داخل الكنائس والمصانع وساحات القرى النائية، بغرض إيقاظ الوعي لدى الفلاحين والعمال، على أمل أن يلعب الفيلم دورا شبيها بدور السلاح في معركة التحرير.

ظهر فرناندو سولاناس في أواسط الستينات كداعية راديكالي للسينما الثورية في أميركا اللاتينية، وطالب في البيان الشهير الذي أصدره مع رفيقه البوليفي أوكتافيو غتينو عام 1964، إلى ضرورة صنع سينما جديدة

إلا أن سولاناس لم يتوقف عند الحدود الضيقة لسينما التحريض السياسي، فالخلفية الثقافية له تشير إلى أنه درس مبكرا التأليف الموسيقي، وتخصص في العزف على آلة البيانو، كما درس فنون الدراما والمسرح والفن التشكيلي. وبعد الانقلاب العسكري الذي وقع في الأرجنتين عام 1976 هاجر سولاناس واستقر في فرنسا حيث ظل هناك إلى ما بعد سقوط النظام العسكري عام 1983.

وقد ظل سولاناس ينتقل طيلة مسيرته السينمائية، بين الفيلم الوثائقي الخشن الثوري الذي يكشف ويعرّي القهر وأسباب التفرقة وينحاز إلى الطبقات الكادحة الفقيرة ضد السلطة، وبين الفيلم الروائي الشعري الذي يستخدم الرموز الثقافية في الأرجنتين مثل رقصة التانغو الشهيرة.

الولع بالتانغو

في فرنسا أخرج سولاناس فيلم “تانغو: منفى غارديل” (1985)، وهو عمل شاعري يعتمد على الموسيقى والرقص والتعبير بالصورة والحركة، عن إبداعات المهاجرين الأرجنتينيين المقيمين في باريس ومعاناتهم، وخلافاتهم السياسية والشخصية، والعلاقات العاطفية فيما بينهم، وحنينهم الجارف إلى الوطن وإلى الأهل والأصدقاء، الرغبة المشتركة التي توحد بينهم، رغبتهم في التحقق والحفاظ على الهوية، عن طريق الاشتراك معا في تقديم عرض راقص على الطبيعة، يعتمد على الإيقاعات السريعة المتدفقة لرقص التانغو، وعلى كلمات الشاعر الأرجنتيني كارلوتشي غارديل. ويصور الفيلم في النهاية الفرحة التي تغمرهم مع الإعلان عن سقوط الحكم العسكري، وفتح أبواب العودة أمامهم إلى أرض الوطن. وكان الفيلم مُهدى إلى الشاعر غارديل الذي عاش في فرنسا في الماضي، عقب الانقلاب الأول الذي وقع في الشيلي خلال الثلاثينات.

في الجنوب

في عام 1988 أخرج سولاناس فيلم “الجنوب” El Sur الذي يعدّ من أفضل أفلامه وأكثرها جمالا ونضجا واكتمالا، بل وتحقيقا لفكرة السينما الشعرية، التي لا تعتمد على سيناريو تقليدي محكم وتحليل منطقي للشخصيات، ودراما تسير إلى الأمام من خلال “حبكة” مصممة سلفا، بقدر ما تعتمد على تدفق المشاعر والأفكار والرؤى والتداعيات، باستخدام الإمكانيات التعبيرية الهائلة التي تكمن في الموسيقى والحركة والرقص والضوء ومحاكاة المسرح أحيانا، مع التحرر في السرد، والجمع في الأسلوب، بين الواقعية والانطباعية والرومانسية، بل والسوريالية التي تتضح في بناء العديد من المشاهد.

“الجنوب” هو حكاية المنفى الطويل، المنفى داخل الوطن، ثم العودة من المنفى، من السجن، والتحرر من المعاناة والضغوط القاسية، ومواجهة الحرية وما يترتب عليها من مواجهة محتومة مع الذات ومع الآخرين، والعودة إلى العالم الشخصي القديم، وإلى أحضان الأهل والزوجة والأصدقاء.

تدور أحداث الفيلم في ليلة واحدة، عقب سقوط الحكم العسكري مباشرة. البطل يعود، يقطع رحلة من الجنوب، من إقليم بتاغونيا الصحراوي في أقاصي الجنوب الأرجنتيني إلى بلدته التي لم يرها منذ سنوات بعيدة، أي منذ اعتقاله. وخلال سيره في شوارع البلدة تتداعى في ذهنه عشرات الصور من الماضي، ومن الحاضر، للذكريات الحميمية الدافئة التي تظهر فيها صور أصدقائه وزوجته التي يتطلع بلهفة، إلى لقائها بعد طول فراق، والارتماء بين أحضانها.

عشرات التساؤلات المقلقة تدور في خيال البطل، يجسدها سولاناس في لقطات خاطفة سريعة، تقطع السياق السردي، قبل أن نعود لنتابع رحلة البطل. ويقسم سولاناس فيلمه إلى عدة أقسام ترتبط بالبناء الموسيقي لفيلمه. وتتخذ العودة إلى الحرية شكل الحلم السوريالي، الذي يمتزج فيه الخيال بالواقع، والتداعيات بالذكريات، والكوابيس بالأشباح.

يبدأ الفيلم وينتهي بموسيقى “تانغو الجنوب” التي يعزفها على آلة الأكورديون رجل عجوز بإحدى ساحات البلدة، يصحبه شاعر يردد مقاطع من قصائد “الجنوب”. ويقول سولاناس إنه صنع فيلمه كتحية إلى أشهر عازف أكورديون في الأرجنتين وهو الموسيقار الشهير إيبالي ترويللو.

إنه فيلم عن الحب، وعن الحنين للعودة، وعما ينتظره المرء من مفاجآت وتغيرات بعد عودته من غيبة طويلة، ورغم أن الفيلم يدور بأكمله حول شخصية البطل العائد، إلا أنه أيضا فيلم عن المرأة، فالمرأة هي محور الحب، ومحور العذاب الشخصي للرجل.

يستخدم سولاناس في تصوير الفيلم مرشحات خاصة تمنح الصورة طابعا ضبابيا شاعريا، ويسود اللون الأزرق معظم مساحة الفيلم؛ ذلك الأزرق الذي يوحي بالشجن والعذوبة والرومانسية كما يضفي على المشاهد مسحة من الحزن. وتقع الأحداث كلها في الليل، فالليل -كما يرى سولاناس- هو وقت استدعاء الذكريات، وممارسة الحب، ووقت للحلم والسمر والموت.

ونحن لا نرى ضوء النهار الطبيعي، سوى مرة واحدة في النهاية، فالفيلم بأكمله بمثابة تصوير لعملية غروب ليل الدكتاتورية وطلوع فجر الحرية، في الصباح ينقشع الضباب، يختفي اللون الأزرق ببرودته ووحشته، تذوب أشباح الليل، وتعود موسيقى التانغو الجزلة تصدح في أرجاء المكان.

الرحلة

بدأ سولاناس تصوير فيلم “الرحلة” في بيونس أيريس عام 1990، وسط أجواء شديدة التوتر بينه وبين الرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم، الذي حاول إثناءه عن نشاطه السياسي المعارض لسياساته لكنه فشل، فما كان منه سوى أن أحال أمره إل القضاء بتهم مثل نشر الإشاعات والتضليل والكذب، لكن سولاناس نجح في دحض اتهامات منعم، وفي اليوم التالي عندما كان متوجها إلى قسم المونتاج في مبنى معامل السينما، أطلق مجهولون ست رصاصات عليه فأصيب إصابات بليغة، وظل عاجزا عن الحركة لأشهر عدة. وأشارت أصابع الاتهام وقتذاك، إلى الشرطة السرية، لكن الحكومة تسترت على الحادث ولم يُقدم الجناة للمحاكمة. أكمل سولاناس فيلم “الرحلة” عام 1992 وعرضه في مهرجان كان في العام نفسه، وفيه يمزج سولاناس بين قوة الوثائقي أو أسلوب سينما التحريض السياسي، وبين سينما النخبة المثقفة الخيالية المستندة إلى الواقع. إنه عمل كبير عن العلاقة بين الفردي والجمعي، وبين الذات والعام، وبين السياسي والرومانسي، أساسه البحث عن الهوية.

سولاناس خاض الانتخابات الرئاسية في العام 2007، وانتخب عضوا في البرلمان عام 2009، ثم ترشح لمنصب عمدة العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس عام 2011

يتابع الفيلم رحلة فتى في السادسة عشرة من عمره يدعى مارتن، من بتاغونيا في أقصى بقعة بجنوب الأرجنتين، هرب من المعاملة الفظة التي يلقاها من زوج أمه وقمعه له، يريد أن يدرس علوم الفلك. تقوده رحلته إلى العاصمة ومنها إلى بيرو ثم إلى بوليفيا والبرازيل وبنما. إنها رحلة في الزمان والمكان لاكتشاف القارة الجنوبية والعالم وفي الوقت نفسه، اكتشاف الذات. وعبر الرحلة يشهد بطلنا الشاب أشكالا متعددة للقهر والظلم والتخلف وانتشار الأوبئة، وأنماطا متباينة من الثقافات والحضارات القديمة، يلمح آثار المستعمر الإسباني وما تركه من تناقضات وتمزقات بين أوصال القارة الواحدة، ويرى كيف زحفت الاحتكارات الأجنبية لتقضي على مساحات شاسعة من الغابات الطبيعية في حوض الأمازون حيث يقيم السكان الأصليون.

يرى البروفيسور مات لوسادا، أستاذ اللغات اللاتينية الحديثة والآداب، أن سولاناس كان دائما يستخدم مصطلح “الجنوب” في أفلامه، منذ فيلم “ساعات الأفران” الذي نسمع فيه موسيقى “تانغو الجنوب” التي تثير الحنين إلى ضواحي بيونس أيريس الشعبية. هذا المصطلح المتعدد المعاني، الذي يعود ليظهر في الكثير من أفلامه، له مرادفات محددة للغاية. إن بيونس أيريس تنقسم إلى جنوب (بروليتاري) وشمال (غني بورجوازي). وكان سكان الجنوب هم الذين طالبوا الزعيم الوطني خوان بيرون بالعودة من المنفى عام 1945، وأشعلوا الأمل في الثورة خلال الستينات، وأصبحوا ضحايا للدكتاتورية في السبعينات، وتلاعب بهم كارلوس منعم في التسعينات. هنا يبحث سولاناس مجددا عن الأمل الذي يمتد ليشمل جنوب العالم، في مواجهة الشمال الصناعي الأمبريالي. هذا الإيمان بقوة الحراك الشعبي الذي يمكنه أن يحقق العدالة الاجتماعية، ظل لخمسة عقود يدفع سولاناس إلى تحدي ذلك التحالف غير المقدس، بين نفوذ الشركات، وبين الفساد السياسي، من خلال أعماله المليئة بالنقد.

*ناقد من مصر

العرب اللندنية في

29.03.2015

 
 

يُحلّق إلى الكويت بعملين ترافقه نظرات عتب إماراتية

محمد حسن أحمد: أرفض النصوص المُعلَّبة

دبي- دارين شبير

لم يعد اسم الكاتب المحلي مقتصراً على الأعمال الدرامية المحلية، بل استطاع أن يصل إلى خارج بيئته بكل ما لديه من إبداع وإحساس عال بوقع الكلمة وقوة تأثيرها، وهذا ما حدث مع السيناريست محمد حسن أحمد، الذي ينطلق هذا العام بقوة، من خلال نصيه الذي يحمل أولهما عنوان «في عينيها أغنية»، وثانيهما «عناق الماء»، ليغوص من خلالهما في عوالم الحب والقسوة والعنف المبرمج، ويلامس مناطق لم يتطرق إليها أحد في وقت سابق، ما يضعه تحت المجهر، لحين تمر نصوصه على الشاشة بسلام.

«البيان» تواصلت مع الكاتب محمد حسن أحمد، موجهة له رسالة عتب، كما فعل آخرون، تتضمن تساؤلات حول سبب تحليقه بنصوصه إلى الكويت، في حين تفتقر الدراما الإماراتية إلى نصوص قوية، ليؤكد أن المسألة مهنية من الدرجة الأولى، رافضاً النصوص المعلبة، ولافتاً إلى أن المنتجين الخليجيين هم من يسعون لصيد نصوصه حتى قبل البدء فيها.

وإلى نص الحوار:

·        أين قلمك هذا العام من الدراما الإماراتية؟

أنا مؤلف محلي، وأتمنى أن أقدم عملاً للبيئة، التي أعيش فيها لأنها الأقرب لي، من حيث اللهجة والقضايا والمشكلات، ولكن الدراما الكويتية تتسيَّد الموقف، وأنا لست منتجاً لأقدم ما أريد، كما لم يتم الاتفاق معي حول نصوص للدراما المحلية بشكل رسمي، وبالمقابل، لديّ مجموعة من العقود تخص الدراما الخليجية بانتظاري للموافقة عليها.

عتب

·        ولكن هناك عتب عليك بسبب تخليك عن الدراما المحلية؟

وصلني هذا العتب، ولكن مَن يعاتبني مِن الأَوْلى أن يجلس معي لنتفق حول عمل محلي، فالمسألة مهنية بحتة، تتضمن عقوداً واتفاقات، وأنا شخص عملي، ولدينا في الإمارات قصص وقضايا مهمة لم تطرح بعد، كما أحمل في داخلي هماً كبيراً للكتابة للدراما المحلية، لكنني ضد النصوص المعلبة، ويجب أن أعرف مع مَن أتعامل قبل كتابة نصي، كما يجب أن أعرف أبطال العمل وقدراتهم حتى أفصل النص وفقاً لشخصياتهم.

·        بدأ تصوير نصك «في عينيها أغنية»، بطولة وإخراج هيا عبد السلام، لأي مدى تجده في أمان كونها لا تزال التجربة الإخراجية الثانية للفنانة؟

تعاملت مع هيا عبد السلام سابقاً، وهي ممثلة متميزة، كما أنها عملت مخرجاً منفذاً في أعمال كثيرة إلى جانب المخرج المعروف محمد دحام الشمري، وتمتلك خبرة جيدة، وقد بدأت مع المنتج باسم عبد الأمير والمخرجة هيا منذ الصفر في هذا النص، وأعرف إلى أين سنصل به، وهذا ما يجعلني مطمئناً.

·        ما قصة «في عينيها أغنية»؟

«في عينيها أغنية» دراما معاصرة ومشوقة تسير في اتجاهات متعددة، تلعب أدوارها شخصيات شابة، أهمها هيا عبد السلام، وفؤاد علي، وشيماء علي، ومحمد صفر، وليلى عبد الله، وفرح الصراف وغيرهم، يمتاز برومانسية غير معتادة، ولكنها تُعاش بنفسيات أصحابها، وتعكس الحب في منطقة جميلة وأخرى قاهرة، وكذلك القسوة في المنطقتين كلتيهما، وقد بدأ تصوير العمل قبل أسبوع تقريباً، ويحتاج إلى شهرين للانتهاء منه.

·        هل هناك رسائل كامنة وراء عملك هذا؟

أنا كوني كاتباً أقدم فناً وترفيهاً وليس رسائل، وشخصياتي هي من تقدم هذه الرسائل من خلال الأدوار التي تؤديها.

·        وماذا عن «عناق الماء»؟

لا أزال أكتب الحلقات الأخيرة منه، ولديّ ورشة عمل قريباً تجمعني بصناع المسلسل للاتفاق على موعد تصويره، ويمتاز هذا النص باختلافه عن الدراما المعاصرة، إذ يعرض قضايا لم تطرح في الدراما الخليجية من قبل، ويتضمن التشدد والعنف المبرمج بلا أي مشاهد للدماء والضرب وغيرها، ليبحر في جوانب العنف النفسي.

·        هل تم تخصيص العملين للعرض في رمضان؟

«في عينيها أغنية» سيكون في رمضان، أما «عناق الماء»، فلم يتفق الاتفاق حوله بعد، ولكني أتمنى ألا تكون أعمالي مخصصة للعرض في رمضان فقط، وأرجو أن نكسر هذه القاعدة قريباً.

تقييم

·        ما تقييمك للدراما الإماراتية اليوم؟

الدراما الإماراتية على قدر كبير من الأهمية، ولكنها بحاجة إلى أن تُعطى مساحة أكبر في الكوميديا، وخصوصاً أنها تمتلك اسمين مميزين هما جابر نغموش، وعبد الله زيد، كما أتمنى أن تزداد قوة الأعمال المحلية، من حيث النصوص، فلدينا ممثلون بارعون، ولكن نصوصنا ضعيفة جداً.

·        من ينافسك من الكُتاب؟

عدد كتاب السيناريو الإماراتيين قليل جداً، فلدينا تقريباً من 5 إلى 7 كتاب، وليس هناك منافسة بينهم، فالأهم الآن هو وجود الكتاب أنفسهم، ولم نصل بعد لمرحلة ننافس فيها بعضنا البعض.

وراء الكواليس

ذكر محمد حسن أحمد أن شهرة الكاتب مستقاة من قوة نصوصه، وأنه اختار أن يقف خلف الكواليس والأضواء والكاميرات، ولم يكن هدفه الشهرة يوماً، إلا أن نصوصه سلطت أضواء الشهرة عليه، واختارته بنفسها، فأصبح اسمه اليوم أبرز من أسماء كثير من المخرجين.

البيان الإماراتية في

29.03.2015

 
 

"مارسيدس" هادي زكاك في DVD: قصة سيارة وعائلة ووطن

ريان ماجد

"60عاماً من تاريخ لبنان المعاصر من خلال قصّة سيارة المارسيدس 180 وعائلتها الألمانية – اللبنانية. مارسيدس: قصة سيارة وعائلة ووطن"... هذا ما كُتب على غلاف فيلم "مارسيدس" للمخرج اللبناني هادي زكاك، والذي أُطلق الـ"دي.في.دي" الخاص به في "مسرح الجميزة" في بيروت قبل أيام، وبات متاحاً للمشاهدة المنزلية بعما كان حكراً على صالات المهرجانات.

استغنى المخرج في فيلمه هذا عن التعليق والمقابلات والشكل التلفزيوني، وتفاعل مع الأرشيف البصري والسمعي ومع الموسيقى والصورة ليروي الحكاية، حكاية بلد مليء بالتناقضات والعنف، ذاكرته مثقوبة وتاريخه لم يمضِ، من خلال السيارات الأشهر في هذا البلد.

بدأت القصة في أواخر الخمسينيات حين تركت سيارات مارسيدس ألمانيا وجاءت إلى لبنان، بعدما سمعت عن هذا البلد الذي التقى فيه "الشرق والغرب"، وتفاعلت فيه "عبقريتان"، "عبقرية الخالق وعبقرية الإنسان"، كما يقول صوتان شاعريان خارجان من الأرشيف، يثيران الضحك والحزن في آن. و"عمل عدد كبير منهم كتاكسي - سرفيس فيما أصبح البعض الآخر من وجهاء البلد (...) وكانت مارسيدس المدعبلة الأكثر شعبية"، وهي وحّدت جميع الطبقات وأصبحت لاحقاً "رمزاً للطبقة الكادحة".

عند اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، احترق بعضها، والبعض الآخر ذهب إلى الجبهات للقتال، وعدد منها شارك في التمثيل بجثث القتلى، فجال بهم في الشوارع، أو ساهم مع مقاتلين بتعذيب من هم من المقلب الآخر عبر ربطهم على الصندوق والتجوال بهم أو سحلهم. لكن سيارات أخرى انكبّت على مساعدة الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات، أو تحميل ما أمكن إنقاذه من أثاث الفارّين من ساحات الإشتباك، وأخرى سقطت اغتيالاً، "فيما كان الوجهاء يقيمون الحرب والسلام". وبين هذه المواقع وتلك، اشتركت سيارات المارسيدس بالشهادة على الجيوش المتعاقبة التي دخلت لبنان، واحتفلت بعد سنوات أيضاً بانسحابها منه.

في العام 1990، أعلن اللبنانيون انتهاء الحرب الأهلية رسمياً، ولم تغب سيارات المارسيدس عن الاحتفال بهذا الحدث، فشاركت في المسيرات المنظّمة على وقع إطلاق النار، والهتافات المؤيدة للرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد. ومع حلول السلام، "دخل معظم وجهاء عائلة مارسيدس مجال السياسة" مع ألقاب خاصة أبرزها "الشبح"، لكن المارسيدس عادت إلى دائرة الاستهداف مجدداً في العام 2005 مع موسم الاغتيالات السياسية.

في 68 دقيقة، وثّق هادي زكاك بشكل ساخر أهم الأحداث التي عاشها لبنان منذ أواخر الخمسينات إلى اليوم، ومحاولاً أيضاً استشراف ما سيكون حتى العام 2020.

"السخرية هي أفضل وسيلة لمعالجة إحباط الواقع. لجأتُ إليها في فيلميّ "درس في التاريخ" و"مارسيدس""، يقول زكاك لـ"المدن" بمناسبة إطلاق فيلمه "دي في دي". وقد جعله غوصه في البحث التاريخي عن لبنان وبيروت وأفلامه الوثائقية السابقة، "يكفر بالوضع وبالبشر" ويفضّل التعامل مع السيارات، التي اختارها شاهدة على العقود الأخيرة من تاريخ لبنان المضطرب.

وُلد زكاك العام 1974 في بيروت، وانتقل إلى الجبل عند اندلاع الحرب اللبنانية. عاد إليها العام 1992، ليدرس في معهد الدراسات السمعية والبصرية في الجامعة اليسوعية. ويتحدث عن "موقع الجامعة على خطّ التماس، ما جعلني أعيد اكتشاف المدينة وأبنيتها وجدرانها وما تحويه من أشياء. كان درساً في التاريخ بالنسبة لي ودرساً في السينما وتفاعلها مع الواقع، هذا في الوقت التي كانت المواد في الجامعة تركّز على مواضيع بعيدة ممّا هو مُعاش".

وكان قبل تخرّجه العام 97، أنجز زكاك كتابه الأول عن تاريخ السينما في لبنان من العام 1926 ولغاية العام 1996، "السينما اللبنانية: مسار سينما نحو المجهول". وبحثه جعله يكتشف الذاكرة المفقودة والسينما وإمكانية التأريخ من خلالها.

في العام 2000، أنجز فيلمه "بيروت، وجهات نظر"، بحث من خلاله عن صورة بيروت التي كانت تتبدّل بسرعة رهيبة، إذ أنه وخلال سنوات معدودة شهد على مدينة قديمة وأخرى جديدة جعلته يشعر بالغربة، وحاول البحث عن وجهها الآخذ في الاندثار من خلال علاقة فناّنين مثل جلال خوري وبرهان علوية وأحمد قعبور وغيرهم بها. "كان هذا الفيلم علاجاً لي". وألحقه بفيلم آخر (2003) عن "سينما الحرب في لبنان".

بدأ بعدها مرحلة جديدة في عمله تناولت هذه المرّة العلاقة بالأديان والطوائف، فعمل على مجموعة أشرطة وثائقية عن الأقباط في مصر، والشيعة بين إيران ولبنان، والمبشّرين الإنجليين. وثّق أيضاً للمرحلة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005، "حدث تاريخي من هذا النوع يجب تصويره" قال هادي، فكانت أفلامه الثلاثة "حرب السلام" و"أصداء سنية" و"أصداء شيعية".

بعد العام 2007، طغى الإحساس بالاحباط والهزيمة، كما أخبر، وقرّر في العام 2008 مقاومة هذه المشاعر التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية بالسخرية، فبدأ العمل على فيلم "مارسيدس" الذي أنهاه العام 2011. لكنه، قبل ذلك، أنجز فيلماً بعنوان "درس في التاريخ" تناول فيه كيفية تعليم مادة التاريخ في المدارس اللبنانية، وأنجز فيلمين إضافيين عن "التاكسيات"، "تاكسي بيروت" و"تاكسي صنعاء" الذي شكّل مناسبة له للتعاطي مع محيطه العربي كما قال.

بحث هادي المتواصل وإنتاجه الغزير، هو الذي يُدرّس في الجامعة اليسوعية منذ 17 عاماً مواد تتناول تاريخ السينما في لبنان والكتابة السينمائية والإخراج، أعطياه الطاقة لتحمّل واقع لا يُحتمل. ومن خلال السيارات، سيبقى يتفاعل في أعمال لاحقة مع مواضيع هي خلاصة لعمله الذي تناول التاريخ ولبنان وبيروت والطوائف: "في الفيلم، حتى المارسيدس تحوّلت إلى طائفة"، يختم زكاك مازحاً.

المدن الإلكترونية في

29.03.2015

 
 

«يوم مالوش لازمة» لأحمد الجندي:

صراع كوميدي بين امرأتين على رجل واحد

رانيا يوسف - القاهرة ـ «القدس العربي» :

يقال إن الرجال لا يعرفون طبيعة المرأة، رغم أن أعظم من عبر عن مشاعر النساء في الأدب والشعر كانوا رجالاً، مقولة أكدها الروائي عمر طاهر في فيلمه الأخير «يوم مالوش لازمة»، التي جسدها في صراع بين امرأتين على رجل واحد، إحداهما تحاول الحصول عليه وأخرى تحاول الحصول على قلبه. 

يطرح الكاتب عمر طاهر عدة اسئلة أهمها، هل المرأة مستعدة للقتال علناً من أجل الفوز بمن تحب، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تخشى فيها النساء من التصريح بمشاعرهن، المثير في القصة الكوميدية التي جنحت أحداثها إلى الخيال، أن السيناريو جرد شخصية الرجل من الإرادة في تحديد اختياراته، واعطى هذا الحق إلى المرأة الأقوى بينهما، الشخصية الأولى «مها» التي تجسدها الفنانة ريهام حجاج وهي خطيبة يحيى «محمد هنيدي» فتاة تقليدية تهتم بمظهرها إلى حد مرضي، في ليلة زفافها من يحيى تظهر امرأة اخرى تقاتل من أجل الحصول على حبيبها الذي سيتزوج من أخرى، شخصية بوسي التي تجسدها الفنانة روبي هي الطرف الأقوى، على الأقل لديها حجة وسبب تتمسك به لاستعادة يحيى. اما «مها» العروس التي تعرفت إليه عن طريق منظومة الزواج التقليدي فتقاتل من أجل حفظ شكلها الاجتماعي، وبالطبع ينتهي الصراع داخل قاعة العرس التي تحولت إلى حلبة قتال دموي بين العروستين بفوز بوسي على مها. المرأة هي التي تختار الرجل وليس العكس، واقع أكده الكاتب عمر طاهر، من دون انتقاص من قدر الرجل.

يعود الفنان محمد هنيدي في هذا العمل إلى شاشة السينما بعد غياب 3 أعوام عن آخر فيلم قدمه «تيته رهيبة» عام 2012، يحاول هنيدي استعادة نجوميته على شاشة السينما بعد عدة أعمال لم يحظ فيها بالنجاح نفسه الذي حققته أفلامه الأولى، خاصة بعد أن انتقل من العمل الجماعي والبطولة الثنائية إلى البطولة الفردية، التي يستعين فيها بفنانات الصف الثاني، والوجوه الشابة ليظل هو نجم القصة، لكنه مع الوقت أصبح نجما خافتا لا يضيء وحده.

هذا الفيلم رغم تحقيقه إيرادت مرتفعه مقارنة بأفلام أخرى تم طرحها في الموسم نفسه ولم تحقق شيئا، لكنه ينتمي إلى قائمة أفلام هنيدي، الذي يستعرض فيها عضلاته في الأداء الكوميدي، حيث استنفد طاقاته وشبع منه الجمهور في سلسلة أفلامه السابقة. لم يحاول هنيدي تطوير موهبته خلال السنوات الماضية، واتكأ على نجاح متراكم حصده في بداياته، لكن في الحقيقة كان نجاح عمل جماعي وموجة جديدة في السينما المصرية لا تنسب إلى شخص واحد. 

في فيلم «اسماعيلية رايح جاي،، الذي فتح الباب إلى جيل جديد من الفنانين الشباب، ثم فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» و«همام في امستردام» الذي جمع السقا ومني زكي وطارق لطفي وفتحي عبد الوهاب، وضع هنيدي ومن معه على أول درجات النجومية في السينما، ثم انفرط عقدهم وذهب كل منهم للبحث عن بطولة خاصة به وتركوا هنيدي، الذي عاد سريعاً إلى البطولات الثنائية في أفلامه. 

في فيلم «جاءنا البيان التالي» رغم أن القصة كانت مقتبسة عن فيلم أجنبي، إلا أن وجود حنان ترك أعطي ثقلا للفيلم، لم يستمر هنيدي كثيراً في تقديم البطولات الثنائية بعد أن قدم فيلم «صاحب صاحبة» مع الفنان أشرف عبد الباقي، ذهب إلى الاستعانة بنجمات الصف الثاني وأصبح تأثير الدور النسائي في أفلامه معدوما، استولت شخصيته على السيناريو وأصبح هو من يحرك الأحداث، أحد اهم أسباب انخفاض شعبية هنيدي خلال السنوات الماضية تتمثل فيه هو شخصياً، وفي اختياراته واعتياد الجمهور على طريقته في خلق مواقف كوميدية لم تعد تبهره مع الوقت، ولكن في هذا الفيلم فرض السيناريو على هنيدي ربما من دون ارادته أن يكون جزءا من العمل الفني، إلى جانب شخصيتين اعطاهما السيناريو مساحة كبيرة وفعالة في تطوير الأحداث، تحولت شخصية «يحيى» إلى مستقبل لأفعال الشخصيات التي تحيط به، لم يقتصر هذا التأثير على الامرأتين اللتين تتنازعان عليه، لكنه امتد إلى الشخصيات الذكورية الأخرى في الفيلم، التي تقود يحيى كشخصية ابن خالته سامح الذي يستسلم له ويتركه يقوده حيث شاء.

اختيار المخرج أحمد الجندي للفنانة ريهام حجاج والفنانة روبي لتلعبا لأول مرة أدوارا كوميدية مغامرة بحد ذاتها، ولكنها مقبولة مع محاولة ريهام الاجتهاد لاكتشاف طاقات أخرى في موهبتها التي تثبتها من عمل لعمل، لكن مع روبي الأمر يختلف ويحيل إخفاقها المتواصل في تثبيت اسمها بطلة على شاشة السينما إلى حرفية المخرج الذي تتعامل معه.

موهبة روبي محدودة ومستوى ادائها في أعمالها متفاوت تبعاً لحرفية المخرج الذي يقود العمل، بعد أن اثبتت نجاحا في مسلسلها التلفزيوني «بدون ذكر اسماء»، والعمل مع المخرج المتميز تامر محسن، أصبحت روبي تشكل خطرا على المخرجين، خاصة الذين يتركون للفنان حرية الأداء من دون توجيه واضح، كما هو الحال في هذا الفيلم، نجاحها التلفزيوني أصبح يحيل اي اخفاق لها على شاشة السينما إلى مدى اجتهاد المخرج في توجيه الشخصية التي تقدمها، وإن كنا نتحدث عن شخصية كوميدية فهي أصعب ما يمكن أن يقدمه الفنان، أو يجتهد من أجله، إن لم يكن يتمتع بموهبة شبه كامله.

روبي حاولت أن تقدم الكوميديا بالصوت المرتفع والأداء الطفولي الذي لن تقبله ذاكرة المشاهد عن فنانة استخدمت كل أسلحة الأنثى في الدخول إلى ساحة الفن بالغناء وأدوار البنت المثيرة التي قدمتها في بداياتها، حاولت روبي أن تخلع من هذه الصورة وتستخدم موهبتها فقط لكنها لم تنجح حتى الآن سينمائياً.

سؤال الأنا في فيلم «فورمطاج» للمخرج المغربي مراد الخودي

عزالدين بوركة*

عرفت سينما (لانكس) في الدار البيضاء عرض – ما قبل الأول- للشريط المطول الأول للمخرج المغربي مراد الخودي، يوم الاثنين 23 مارس /آذارالجاري، الفيلم الذي جاء تحت عنوان «فورمطاج» (مسح الذاكرة).. 

سيناريو وإخراج مراد الخودي، وتشخيص كل من بن ناصر فاطمة الزهراء، وفهد بنشمسي، ويونس بواب، ديا أيت موح وأحمد، وجلال بوفطيم وراويا ولينا الخودي… وآخرين. عرف العرض حضورا وازنا لأسماء سينمائية مغربية، وأخرى تهتم بالنقد السينمائي، كما عرف تغطية مهمة للقنوات الإعلامية السمعية والبصرية والمكتوبة..

على مستوى القصة

جاء الفيلم في مدة تجاوزت الساعة، من الإثارة والغموض، بمزيج خفيف من الكوميديا السوداء، والانتقال من الواقعية المتمثلة في ما يعرفه ضريح (زاوية) «بويا عمار» المشهور بشفاء واحتواء المجانين والمرضى النفسيين، إلى فانتازيا من حيث الانتقال في الأحداث بشكل سريع أحيانا، ومربك للتلقي أحيانا..

عبر تقنية الفلاش باك الحكائية – التصويرية، تنتقل أحداث الفيلم من سرد الحاضر، إلى استذكار الماضي.. يحكي الفيلم المغربي قصة ريحانة سيدة متزوجة تواجه هواجس فقدان ذاكرة رمزي (زوجها)، الذي عاد مؤخرا من خلوة بويا عمر (الماضي) فتحاول تذكيره بمجموعة من المحطات، لكنها تجد نفسها أمام شخصية منغلقة رافضة للكلام والتواصل.

ويدخل فاضل (ضابط المخابرات) على الخط، من خلال ظهور مفاجئ ليخبر رمزي بأن ريحانة ليست زوجته، وما هي إلا مجرمة تهيئ لخطة مستغلة ذاكرته المنعدمة (الحاضر).

فيبحث رمزي في البيت عن أدلة تدينها، لكنها تواجهه وترفض أن يكون ما يدعيه هو الحقيقة، في الوقت الذي يواصل فاضل تحقيقاته التي تجعل رمزي في حيرة بين حقيقتين وربما سيتورط في قضية مخابراتية كبيرة ليس له القوة لمواجهتها.

ما يجعل قصة الفيلم تدخل في سلسلة من المتواليات الحكائية (التصويرية)، تربك المتلقي في تحديث الحقيقة.. الحقيقة التي ستتضح في آخر الفيلم..

على مستوى التصوير والديكور

عبر التصوير بالتقريب والتصوير البانورامي للمشاهد والشخوص، وتقنيات التصوير العالية الجودة، تألق الفيلم، بتقنيات توازي تلك المستعملة من قبل أفلام عالمية أوروبية/ أمريكية.. وهو المتأثر بالسينما الأمريكية كما أعرب ذات تصريح في مهرجان السينما المغربية الثاني للأفلام السينمائية الروائية، الذي جرت فعالياته في العاصمة الجزائرية، لهذه السنة. تحدث مراد الخودي، عن مشكل نمطية صورة السينما المغاربية، التي يرفض اعتمادها ضمن خطه السينمائي المعاصر، المتمرد على القوانين والأطر المسبقة، مؤكدا بأنّ الفعل الفني هو فعل إبداعي لا يمكن تلجيمه أو تحديده.

مراد الخودي العارف بالفن بنوعيه التشكيلي والديكور، كان له حسن اختيار ديكور المشاهد، المتنقلة من بيئة غابوية إلى أخرى مدنية.. جاء الديكور مشابها للديكور الأوروبي من حيث تأثيث الفضاء. ليعطي بالتالي ذلك الطابع العصري على القصة، لكونها تحكي عن بطلة غنية..

سؤال الأنا في الفيلم:

الفيلم يتطرق لظاهرة الاستغلال الذي يتعرض له المرضى النفسيون في المغرب بسبب سوء التشخيص.. وفي تصريح لمخرج الفيلم مراد الخودي أن قصة فيلم «فورماطاج» مأخوذة من قصة واقعية متداولة في منطقة «بويا عمر»، حيث «تتجاوز سلطة رجال الزوايا وعائلات الشرفاء سلطة القانون، وهي الرسالة التي يركز الفيلم على تمريرها بأسلوب خارج عن الإطار السينمائي المغربي التقليدي. وأنه حان الأوان لكسر تابوهات الزوايا التي يختلط فيها المريض النفسي بالمصابين بالمس، لتبدأ المعاناة بين التعذيب والاستغلال الجنسي، في غياب أقل الشروط الإنسانية والحقوق الآدمية لدرجة البيع الذي يطال العديد منهم في ظل غياب أي نصوص قانونية أو أي تدخل من السلطات المعنية أو حتى رعاية الأهل والأقارب، فبعد وضع المريض في مثل هذه الأماكن يبقى لسنوات طويلة معزولا عن العالم الخارجي ليصبح في خبر كان.

فالبطل «القادم من بويا عمار»، يقع في صراع مع ذاته ومحيطه، وهو يحاول معرفة هويته الحقيقية، التي تتشابك عليه، بعد أن يُخبر في بادئ الأمر أن اسمه «رمزي» من قبل زوجته المُفترضة، ثمّ يعرف أن اسمه ليس «رمزي» بل هو اسم ثان، من قبل رجل المخابرات المفترض، فيُلحق به اسم رضوان أثناء التحقيق معه، إلى أن يُدرك أن اسمه الحقيقي الذي سُجل به أنه متوفى، هو «يوسف العثماني».. بين كل هذه الأسماء التي لا يتمكن البطل من معرفة اسمه الحقيقي من الوهمي منها.. يدخل في صراع الـ»أنا» القلقي/الوجودي.. كأن المخرج (السيناريست) يحاول مناقشة تلك العلاقة الإشكالية بين «الجسد»/ المادي والاسم/ اللامادي، في تحديث هوية المرء…

أخيرا:

باستثناء بعض الهفوات التقنية البسيطة (غياب رجال الشرطة في غالب لقطات الحركة، تغيير سيارات المطاردة بشكل فجائي… إلخ) التي يمكن التغاضي عنها في ظلّ جماليات تصوير وإخراج الفيلم. فقد نال هذا الفيلم في العديد من المهرجانات جوائز من بينها، جائزة أحسن مخرج في المهرجان الدولي للسينما والسمعي البصري «FESTICAB « بورونديا، وكذلك جائزة أحسن دور نسائي في المهرجان الوطني للفيلم في طنجة.

*ناقد مغربي

علي السكاكي: الفن سبيل لهدم الحدود المادية والمعنوية في ظل الصراعات التي تمزق المنطقة

افتتاح فعاليات مهرجان تطوان السينمائي

فاطمة بوغنبور - تطوان ـ «القدس العربي»:

انطلقت فعاليات الدورة 21 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط والذي ستستمر إلى الرابع من أبريل/نيسان المقبل بمشاركة 16 دولة وثلاث مسابقات للفيلم الطويل والقصير والوثائقي. شهد حفل الافتتاح الذي أقيم في سينما أفنيدا معلمة مدينة تطوان السينمائية لحظات قوية تمثلت في وقفة تذكر واستحضار أسماء غادرت الساحة الفنية المتوسطية هذه السنة ويتعلق الأمر بالفنان المغربي الراحل محمد البسطاوي ومن مصر سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفنان خالد صالح ومن إيطاليا الفنان والمخرج فرانسيسكو روسي. وفي جو مؤثر تابع الجمهور الذي حج بكثافة لحفل الافتتاح مقاطع من أفلام المكرمين واللذين سبق وكرموا جميعا وهم على قيد الحياة في دورات سابقة للمهرجان.

وتكريم هذه السنة خصت به إدارة المهرجان سيدة المسرح المغربي الفنانة ثريا جبران أو أيقونة الفن أو ثريا الشاشة المغربية وهي ألقاب منحها اياها مخرجون وكتاب وشعراء رأوا في ثريا جبران ظاهرة فنية مغربية بامتياز صاحبة أفلام خالدة وأدوار منقوشة بزخم من الجوائز والنجاحات في عشرات العناوين ك»الناعورة» «اسم مؤقت» «عطش» «أركانة» «عود الورد» «بامو»… وعن هذا التكريم قالت في كلمة أمام الحضور عقب تسلمها درع التكريم بأنه انتصار لديها لقيم الوفاء والتميز في عالم الفن والإبداع الرحب القادر على تبديد الفرقة والاختلاف وعيش الحرية في أسمى معانيها».

وفي كلمة ألقاها مدير المهرجان أحمد حسني قال إن هذه الدورة تخلد الذكرى الثلاثين لميلاد مهرجان تطوان للسينما المتوسطية وهو الحدث الذي عبر كل دوراته كثيرا ما ساهم في إشاعة البعد الثقافي والفكري في مواجهة العدمية والعنف اللذين باتا يحاصران العالم اليوم واستمرارية المهرجان هي بمثابة انتصار للحياة وانتصار للسينما وللإنسان»
وفي سؤال له عما بات المهرجان حريصا على الحفاظ عليه بعد مرور ثلاث عقود على تأسيسه أضاف أحمد حسني «للقدس العربي»: نحن حريصون على تبني البعد الثقافي وانتقاء افلام جيدة ونوعية متميزة من الضيوف ذوي الحضور القوي والقيمة الفنية. وهذه الدورة تحديدا متميزة في نظري بندوتين كبيرتين الأولى حول السينما وعلاقتها بالسمعي البصري والثانية حول السينما والمدينة وهذا لأن مهرجان تطوان يريد أن ينخرط في نقاش عمومي حول دور التلفزيون في دعم السينما الوطنية. ثم نريد أيضا تطوير النقاش حول علاقة السينما بالمدن التي بدأ بعدها في التراجع عن لعب دورها على المستوى الفني والثقافي» هذا وقد جاء في بلاغ سابق للمهرجان أن السينما لم تدر ظهرها يوما للأخطار التي تتهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتضعه على كف عفريت. وذلك بعدما ارتفعت الأصوات في مختلف بقاع العالم، وهي تصرخ «محذرة سكان كوكب الأرض من مغبة استنزاف ثروات المعمور والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية والقضاء على الثروة الحيوانية والنباتية». من هنا، يبدأ الحديث عن السينما والبيئة، وهو يستحضر مفهوم التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة، المتمثلة في العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية والجودة البيئية. فلم تكن السينما قط مجرد وسيلة للترفيه المجاني، بل إنها استنفرت وسائلها وفاعليها وجماليتها وبلاغتها الخاصة لنشر الوعي البيئي والتحسيس بأهميته»، يضيف البلاغ.

ويتنافس على الجائزة الرئيسية للمهرجان والتي تقام تحت عنوان “جائزة تمودة الذهبية للسينما المتوسطية” 13 فيلما سينمائيا منهم الفيلم المصري “أسوار القمر” للمخرج طارق العريان، فيلمين من المغرب هم “نصف سماء” لعبد القادر لقطع، و” أفراح صغيرة” لمحمد شريف، وفيلمين إيطاليين الأول بعنوان “ليو باردي” لماريو مارتوني، والثاني هو “أطفالنا” لإيفانو دي ماتيو، وتشارك تركيا بفيلمين هما “سيفاس” للمخرج كان مجديسي و”رافقني” لحسين كارابي. ومن لبنان فيلم “الوادي” لغسان سلهب، ومن تونس فيلم “بدون 2″ لجيلاني السعدي، وفيلم “عيون الحرامية” لنجوى النجار من فلسطين ، وفيلم “الظواهر” لألفونصو ثارواثا من إسبانيا ، وتشارك جورجيا بفيلم بعنوان “أرض متلاشية” للمخرج جورج أوفاشفيلي ، وفيلم فرنسي بعنوان “فدليو”.

وعن الأفلام المشاركة صرح رئيس لجنة تحكيم الفيلم الطويل المخرج المغربي الفرنسي علي السكاكي لـ«القدس العربي» قائلا: شاهدت البعض من هذه الأفلام في مهرجان مونبولي لهذا ألاحظ أنها تشكيلة مهمة من الأفلام ومختارة بدقة بشكل متناسب جدا مع تيمة المهرجان ذو البعد الإقليمي المتوسطي، نحن في حاجة لقيم السلم والثقة المتبادلة والحوار وسماع الصوت الاخر خصوصا في ظل ما يعيشه العالم وهذه المنطقة تحديدا من صراعات وتمزقات سياسية قد يبدو الفن وسطها سبيلا لهدم الحدود المادية والمعنوية ولم شمل الناس. وعن علاقته الخاصة بمهرجان تطوان عن باقي الاحتفاليات السينمائية في المغرب يضيف علي السكاكي قائلا: بالنسبة لي مهرجان تطوان يدافع عن سينما الابداع والفن، السينما التي نحتاجها حقا بأفلام منتقاة تحمل أفكار ورسائل وحلول وليس سينما تجارية» وإلى جانب علي السككي تضم لجنة التحكيم كل من الممثلة والسينمائية الاسبانية فيرجينيا دي موراتا والناقد السينمائي الإيطالي جيونا نازارو والممثل المصري فتحي عبد الوهاب والمخرج المغربي أحمد بولان.

ويترأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة المخرج المغربي سعيد الشرايبي والسينمائية الفرنسية ميشيل دريغيز والممثلة الفرنسية نانو هاري، واليونانية ستافرولا جيرونيماكي، والاسبانية إستير كابيرو.

فيما يترأس لجنة الفيلم الوثائقي لسينمائي والجامعي أحمد البجاوي، والسينمائي الفرنسي ديدي كينير والمخرج والمنتج الاسباني فيرناندو مينديث والكاتبة والجامعية المغربية العالية ماء العينين.

وتضم المسابقة أيضا جائزة الفيلم التربوي المخصص لإبداعات ثلاميد وطلبة المدارس والثانويات وتضم لجنة تحكيمها المفتش التربوي العياشي السرحاني والكاتبة المغربية فاطمة الزهراء الرغيوي والشاعرة ايمان الخطابي.

وبعد أن تعرف الجمهور الذي حضر حفل الافتتاح إلى لجان تحكيم الدورة اختتمت الأمسية بعرض فيلم الافتتاح الإسباني ‘الجزيرة الدنيا» بحضور بطله الرئيسي والفيلم ذو طابع سياسي يناقش حقبة الانتقال الديمقراطي التي عاشتها إسبانيا بعد رحيل الجنرال فرانكو.

القدس العربي اللندنية في

29.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)