كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

فيلم "سيحل الظلام": الهولوكوست بدون غاز!

أمير العمري

 

أخيرا أتيحت الفرصة لمشاهدة الفيلم الوثائقي الذي طال الحديث عنه، وهو فيلم "سيحل الظلام" (أو الليل) Night Will Fall للمخرج البريطاني أندريه سنجر Andre Singer الذي يعيد تناول موضوع "الهولوكوست"، أو ما يعرف بـ الإبادة الجماعية" لليهود على أيدي الألمان النازيين خلال الحرب العالمية الثانية في معسكرات الاعتقال الجماعي التي أقيمت في ألمانيا وبولندا.

يعتمد الفيلم، في معظم أجزائه على لقطات ومشاهد كاملة من الفيلم القديم الي كلف بإنتاجه وإخراجه سيدني برنشتاين (وهو يهودي) كان رئيسا لوحدة السينما بوزارة الإعلام البريطانية، وكان الهدف صنع فيلم دعائي عن الفظائع التي وجدت داخل معسكرات الاعتقال النازية، على أن يعرض الفيلم بعد إكماله، على الشعب الألماني لترسيخ عقدة الإحساس بالذنب، في إطار الحرب النفسية التي كانت تهدف إلى عمل نوع من "غسيل المخ" عن طريق الصور الصادمة، لكل من كان يؤمن بالنازية من الألمان، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب.

كان برنشتاين يرتبط بصداقة وطيدة مع المخرج البريطاني الشهير ألفريد هيتشكوك، وبعد انتهاء العمل في المونتاج الأولي للمناظر الكثيرة التي استطاع جمعها من مصوري الجيش وغيرهم، إتصل بصديقه هيتشكوك في هوليوود وطلب منه المجيء إلى لندن لكي بشرف بنفسه على الوصول إلى الشكل النهائي للفيلم. ولكن هيتشكوك تأخر أولا في تلبية النداء بسبب إنشغاله في العمل، ثم ذهب إلى لندن لفترة قصيرة حيث شاهد العمل، وأبدى بعض الاقتراحات الفنية ثم غادر، ولكن لم يقدر لهذا الفيلم الذي أطلقوا عليه "إحصائية دقيقة عن معسكرات الاعتقال الألمانية"، أن يعرض قط، لا على الألمان، ولا على غيرهم. والسبب الذي نسمعه أكثر من مرة في الفيلم، أن تشرشل وجد أن عرضه، سيمثل ضغطا نفسيا مضاعفا على الألمان في وقت كانوا قد بدأوا يتعاونون مع الحلفاء بجدية في إعادة بناء البلاد، والنهوض بالاقتصاد الألماني مرة أخرى، وأن عرض الفيلم يمكن أن يكون له أثر سلبي.

أما الفيلم الذي نحن بصدده، وهو "سيحل الليل" فهو يعيد اكتشاف فيلم برنشتاين- هيتشكوك، ويستخدم الكثير من مشاهده ولقطاته، يمزجها بمقابلات مسجلة بالصوت والصورة مع عدد كبير من المصورين الذين صوروا المعسكرات الألمانية بعد الحرب، من البريطانيين والأمريكيين، ومع طاقم العاملين في الفيلم القديم مثل المصور والمونتير وبرنشتاين نفسه بالطبع، وكذلك مع عدد من نزلاء المعسكرات الذين نجوا، وكانوا أطفالا في ذلك الوقت، ومع ضباط سابقين في الجيش البريطاني، ومع مدير "متحف الحرب الإمبريالية" البريطاني الذي عمل على تجميع وإنقاذ وترميم الأجزاء التي أمكن العثور عليها من الفيلم القديم، بعد سبعين عاما من نهايية الحرب الثانية.

تحذير من الصدمة

في تقديم الفيلم يحذرنا التعليق الصوتي المصاحب بصوت الممثلة البريطانية هيلينا بونام كارتر، من أن ما سنشاهده في هذا الفيلم، سيكون صادما، وقد لا يستطيع الكثيرون منا تحمله، وأن اللقطات التي ستعرض من داخل المعسكرات لم يسبق لها مثيل في البشاعة. ولكن بعد مشاهدة الفيلم نفسه، نجد أن هناك الكثير، إن لم يكن معظم ما نراه من لقطات، سبق أن تكررت في عشرات الأفلام الوثائقية التي تناولت موضوع "الهولوكوست"، ومنها أفلام انتجت مبكرا بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب، مثل فيلم "ليل وضباب" الذي أخرجه المخرج الفرنسي آلان رينيه عام 1955، وهو فيلم قصير (32 دقيقة)، كان يحتوي على الكثير من اللقطات نفسها، لأكوام من الجثث العظمية الشاحبة لأشخاص فاغري الفم، تحدق عيونهم المجوفة في الفراغ، وأكوام من الشعر البشري موضوعة في أجولة، واكوام أخرى من الأحذية ومن النظارات ومن لعب الأطفال والملابس وغيرها من متعلقات النزلاء الذين يقول الفيلم إنهم قتلوا داخل المعسكرات بوحشية، لكنه لا يفسر لنا بقاء الكثيرين من النزلاء الذي تم تحريرهم على أيدي الحلفاء على قيد الحياة، ومنهم من يتحدثون في الفيلم، عن الفظائع التي رأوها بعيونهم، ومنهم توأم- سيدتان- كانتا طفلتان في ذلك الوقت عندما جرى اعتقالهن مع والديهما وسيقا إلى أوشفتز، وهما ترويان كيف أصبحتا ضمن مجموعة من الأطفال خضعوا للتجارب الطبية التي كان يجريها الدكتور جوزيف منجل (المعروف إعلاميا بطبيب الرعب).

ويروي الميجور البريطاني ليونارد بيرني، عما شاهده أثناء دخول القوات البريطانية معسكر "بيرغن- بيلسن" في ألمانيا، ونرى بالطبع عشرات اللقطات من الفيلم القديم، للجنود البريطانيين وهم يسحبون الجثث التي وجدت داخل المعسكر كما نرى أيضا كيفية عمل حفرة كبيرة عميقة باستخدام جرافات الجيش، ولقطات أخرى لشاحنات تحمل أكواما من الجثث، ثم كيف يرغم البريطانيون ضباط الإس إس (قوات النخبة الألمان) على حمل الجثث بأنفسهم والقائها في الحفرة، وينتقل الفيلم من هذا المعسكر الى معسكرات أخرى مثل أوشفتز الذي كان قد وقع في قبضة السوفييت. وحسب ما يقوله التعليق في الفيلم، كان البريطانيون والحلفاء عموما لا يثقون في دقة التقارير السوفيتية بعد الحرب عن فظائع النازية ويعتقدون أنها مبالغ فيها، إلا أنهم اقتنعوا بأهميتها بعد ما وجدوه في "بيرغن- بيلزن"، وبالتالي قرر بيرنشتاين استخدام الكثير من المشاهد التي صورها السوفييت في أوشفتز في فيلمه، وهي التي نراها في فيلمنا هذا.

طواحين الموت

يتطرق الفيلم أيضا إلى الخلاف الذي وقع بين الأمريكيين والبريطانيين بسبب فيلم بيرنشتاين، فعلى حين رفض البريطانيون عرض الفيلم على الألمان، أصر الأمريكيون على أهمية عرضه، بل أقصوا فريق بيرنشتاين عن العمل وحصلوا على المادة، وكلفوا المخرج الشهير بيللي وايلدر (وهو يهودي نمساوي كان قد فر في الثلاثينيات من النازية إلى أمريكا) بعمل الفيلم الذي أطلق عليه "طواحين الموت" Death Mills. كانت المادة- كما يقول لنا صوت هيلينا بونام كارتر- متشابهة، ولكن الأسلوب كان مختلفا، فقد كان الفيلم الأمريكي يحمل إدانة مباشرة للألمان ويتهمهم مباشرة بارتكاب جرائم حرب، وقد استخدم فيما بعد، مع غيره من الأفلام، في محاكمات نورمبرج الشهيرة كدليل إدانة ضد الزعماء النازيين.

يعرض الفيلم أيضا لقطات لوصول أيزنهاور قائد القوات الأمريكية في أوروبا، إلى معسكر بيرغن- بيلزن، ويقول التعليق الصوتي: "الآن يعرف الجندي الأمريكي لماذا كان يحارب"، أي لإنقاذ العالم من البربرية الألمانية، ولكن الفيلم لا يقول لنا ماذا سيكون رد فعل الجندي الأمريكي نفسه إذا ما شاهد مناظر الدمار وضحايا القنابل الذرية التي ألقيت فوق هيروشيما ونغازاكي؟!

عنوان الفيلم "سيحل الليل" معناه كما يقال لنا في النهاية، أنه إذا تكررت مرة أخرى تلك الجرائم التي شاهدناها فمعنى هذا أن الظلام سيهبط على العالم. ولكن مما يلفت النظر في هذا الفيلم أن كلمة "يهود" لا تتردد سوى مرة واحدة على لسان إحدى الشخصيات، ويتم تصوير الممارسات النازية العنيفة باعتبارها موجهة ضد فئات متعددة من الأبرياء، فقد كانت معسكرات الاعتقال تضم الغجر واليساريين والمثليين وكل الرافضين لنظام هتلر. وعلى نحو ما ودون أن يكون هذا مقصودا من جانب صناع الفيلم، نرى الضباط الألمان وهم يحملون جثث القتلى ويقذفون بها في الحفرة الكبيرة، ونعرف أنهم فعلوا هذا بطلب من البريطانيين المنتصرين، وهو ما يتناقض مع ما نراه في الكثير من أفلام الدعاية الغربية، التي توحي للمشاهدين بأن تلك اللقطات صورها الألمان أنفسهم، وأن هذا ما كان يحدث حقا. صحيح أن الفيلم يصور المحارق وفي داخلها بقايا الجثث المحترقة، لكن دون أن يصور ولا لقطة واحدة، لما يسمى بغرف الغاز، أو حتى يقدم رسما تخطيطيا لها أو لموقعها داخل أي من معسكرات الاعتقال الجماعي التي اعتبرت "مصانع للموت"، كما لا يذكر أي من الشهود ولا مرة واحدة، "غرف الغاز" التي تعتبر الأساس المركزي لما يعرف بـ "الهولوكوست"، ومن دونها تسقط نظرية الإبادة الجماعية لستة ملايين يهودي، وقد يكون هذا السبب فيما تعرض له الفيلم من هجوم في بعض الصحف الإسرائيلية.

ولا يناقش الفيلم  التفسير الذي يقول إن وجود المحارق كان ضروريا داخل المعسكرات لحرق جثث النزلاء الذين أصيبوا بالأمراض المعدية مثل وباء التيفوس، بسبب الظروف والأوضاع غير الإنسانية، خاصة خلال المرحلة الأخيرة من الحرب، بعد تدمير خطوط الاتصال الألمانية وعجز الألمان بالتالي عن توصيل المؤن والأدوية، وموت الكثيرين من الجوع والأمراض، وكذلك بتأثير الغارات الجوية المكثفة العنيفة الأمريكية والبريطانية التي أوقعت اعدادا كبيرة من القتلى، وهو أمر ثابت ومعروف في أدبيات الحرب العالمية الثانية، فليس كل ما يصوره الفيلم من قتلى هم ضحايا العنف الألماني، بل وضحايا غارات الحلفاء الكثيفة. ولعل من الطريف أيضا أن نرى في هذا الفيلم رجلا يدعى تومي شاشام، كان محتجزا في معكسر أوشفتر، يروي كيف أن السوفيت أرادوا عمل فيلم دعائي عن المعسكر، وكيف أنهم طلبوا من الذين نجوا من النزلاء (بعد تحرير المعسكر) ارتداء البيجامات المخططة فوق ملابسهم، والسير داخل حاجزين من حواجز الأسلاك الشائكة ثم قاموا بتصويرهم. ويتحدث بنجامين فريتز من الجيش الأمريكي عما وجدوه من انتشار كبير للأمراض في معسكر بوخنوالد، مثل الدوسنتاريا والتيفود وكل أنواع الأمراض. وإذا كانت المحارق تستخدم في حرق الجثث لمنع انتشارالأمراض، إلا أن أحد الجنود الأمريكيين يقول في الفيلم إن الألمان كانوا يحرقون الأشخاص أحياء!

يعرض الفيلم في نهايته لقطات طويلة للألمان من سكان المناطق القريبة من معسكرات  الاعتقال الذين تم تجميعهم وإرغامهم على المرور في صفوف طويلة، والتطلع إلى أكوام الجثث الموضوعة في حفرة كبيرة، حتى يقال لهم بشكل ما- كيف أنهم كانوا يمارسون حياتهم بينما كانت تلك الفظائع تقع بالقرب منهم.

أخيرا لعل السبب الحقيقي الذي أدى بالبريطانيين إلى إغفال الفيلم وإبقائه "على الرف" لمدة سبعين عاما، أنه كان يمكن أن يكشف زيف الكثير من الأفلام الدعائية التي صنعت في أمريكا وغيرها، والتي قدمت الكثير من اللقطات المتشابهة والمتطابقة، وقدمت لها تفسيرا مغايرا تماما، كما أن وجود إسم هيتشكوك – سيد أفلام الإثارة والخدع السينمائية- كان يمكن أن يضر الفيلم أكثر مما يفيده!

رؤية نقدية لفيلم "مهووسة جنسيا":

تريير المشاغب وقوة الجنس

هاني قربة

بخلاف ما أعرفه عن السينما فى أبسط تعريفاتها التى تتناولها كصورة وصوت، المشهد الأول كان شاشة سوداء، لن أقول مظلمة، أو فارغة، ولا صوت هناك. ثم تسلل ذلك الهدير الخافت، تلاه مزيج من الأصوات أشعرتنى بالمطر، أما عن أول صورة، فلا سماء هناك، ولا مطر، فقط أنابيب المياه الصدئة، وجدران مهترئة لأحد الأزقة، وتنزل الصورة مع الماء المتسلل بين شقوقها نحو الأرض، حيث ذلك الجسد المرتمى، الشخصية الرئيسية فى الفيلم.

لابد أن أختلف تماما مع كل من رأى صورة الفيلم صادمة، أو مبالغ فى تعديها على المرأة، الشخصية الذكورية على الفور كانت سيتم تأويلها إلى أشياء أخرى، ربما تتعلق بالدور، والملكية، وصراع السيادة.

المرأة، وكذلك الحال فى العديد من أفلام تِريير التى يناقش فيها تحديدا غرائز إنسانية موغلة فى العمق (الشر المطلق مثلا فى "دوغفيل" Dogville، هى، كرمز، أقرب للطبيعة، للأرض، لذلك النداء المشترك بيننا جميعا، وأعنى جميع الأحياء، منذ أن لم نَعُدْ بعدُ كتلة بروتينة مهملة، دبت فيها الحياة لسببٍ لا يمكن لوعينا، والحال كذلك، أن يتبين إن كان باعثه من الخارج أم من داخلٍ لم نعد نذكره.

هذا ما تعلنه "جو" بحسم، بعد أن أنكر عليها سليجمان تصنيفها لنفسها بالشبقة، بأن ليست تلك هي الطبيعة التى أراد الإله المسيحى الإنسان عليها..

-  ربما فى ديانة لم توجد بعد.. ربما عن إله لم يعلن عن نفسه بعد.

لعل هذا هو الفيلم الأكثر قابلية للاستمتاع به فى الثلاثية التى يمكن بسهولة أن نربطها مع بعضها البعض من أفلام المخرج المشاغب، الغريب، الساعى، على حد قول بعض النقاد، خاصة بعد استبعاده من مهرجان كان السينمائى منذ عامين حين ألقى دعابة اعتبرت تأييدا منه لهتلر النازى، نحو الحد الأقصى من الفشل العلنى. هذه الثلاثية هي "ميلانكوليا"  Melancholia "ضد المسيح" Antichrist، وأخيرا "مهووسة جنيسيا" Nymphomaniac بجزأيه والذى يضعنا تريير من خلاله أمام أكثر صور الشبق تطرفا، لكنه وبذكاء شديد يخفف من حدته، بل وربما يبرره على لسان سليجمان المتقوقع داخل شقته المتواضعة متوحدا مع حبه للكتب، والذى لا يكف عن استدعاء الطبيعة، والصيد، والشخصيات التاريخية، والفن التشكيلى، وصوتيات برامز، فيما يقاوم قسوة جو على نفسها وهى تحكى له قصتها، وقد ألقى تريير على لسانه ما بدا كاعتذار عن دعابة مهرجان كان من تفريق سليجمان بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، داخل إطار من الصور المليئة بالحيوية، والألون، وربما بعض المرح. وربما توقف تريير فى هذا الفيلم عن وخز جراح الأرواح المعذبة لمراقبة ملامح الألم وهى تعلو وجوهها، ليُظهر، أخيرا، شيئا من النضج الفنى.

احتفالية

من المؤكد أن تريير حافظ على الكثير مما اعتدنا عليه فى أفلامه من مشاهد الجنس الصريح الفعلى، الصادمة حتما للمشاهد، والتى تماشت مع أهدافه السابقة فى "نقيض المسيح" (2009) و"ميلانكوليا" (2011)، والتى سعت فيما بدا نحو استكشاف كآبته الشخصية، غير أنه هنا بدا كما لو كان يسعى نحو ما هو أكثر عالمية وشيوعا، وربما أقل غرابة نسبيا.

وحتما ليس هذ فيلما عن معالجة سيكولوجية محفوظة ومكررة للشبق، إذ لا يوجد ما يمكن استخراجه من أى من شخصياته الأساسية كحل لهذا الإدمان، بل هو فيلم يستعلى بمعالجته، وبشكل خاص المشهد الذى يستعرض بطريقة احتفالية، اشكال الأعضاء الذكورية التى مرت على جو على مدى مغامرتها الجنسية، فوق أحاسيس العار والخجل التى عادة ما ترتبط بمثل هذه العاطفة.

وكعادة تريير فى تقسيم أفلامه إلى مقاطع، يصلح كل منها كفيلم قصير قائم بذاته، كانت بنية هذا العمل، ولعلها أقواها ذلك المتعلق بالزوج الذى هجر زوجته وجاء ليقيم بشكل دائم مع محبوبته جو، التى كان الحب هو آخر ما يخطر لها على بال، والذى تألقت فيه الجميلة أوما ثورمان، الزوجة المغدورة، اليائسة، التى جائت لتُرى أبناءها فراش العهر الذى تركهم والدهم لأجله، ليتجسد وبشكل صارخ عبر هذا المقطع العار، والتعرض للخيانة، وربما شىء من الشفقة المضحكة على الزوج الأبله، والمعشوقة الغير مبالية أصلا، ورد الفعل الهستيرى، لكن المهذب، للزوجة.

وبعد استعراض قدر كبير من مراهقة وشباب جو الحافلين بمطاردة اللذة، التى بقدر ما كانت مثيرة ومشبعة، بقدر ما كانت مؤلمة ومثيرة للإحباط، ينتهى الجزء الأول بها وهى تعلن لجيروم فقدانها الإحساس فى عضوها الأنثوى، ما كان حافزا مشوقا لانتظار الجزء الثانى، والذى استمر فى منحناه الصاعد المستكشف السابر لغور روح جو الطامحة نحو أقصى درجات الاستمتاع الحسوى، فيصل الأمر بها مثلا إلى هجر زوجها وولدها من أجل موعدها مع المعالج السادى، الذى وفر لها مستوى جديدا من الإشباع لمازوخيتها، ما يلقى المزيد من الضوء على مأزق جو الروحى، فرغبتها فى الإشباع الحسوى تتخطى، وبحسم، حاجتها للعلائق العاطفية، صحيح أن الجزء الثانى أكثر قتامة من الأول، كما أنه يعرض كل هذا بمنتهى التحرر من ثقل البراءة، والوعظ، واطلاق الأحكام، إنه فقط يستكشف.

الجانب المظلم

لا مجال للتعاطف فى هذه المعالجة لمثل هذا الموضوع الشائك، والذى هو ولابد، ثقيل على المعدة العربية، فقط "جو" تكرر سؤالها إن كانت شخصا جيدا أم لا، بوصلتها القيمية محطمة تماما، غير أنها فى منتهى الاعتزاز بذاتها وهويتها، كما أعلنت ذلك فى خطبتها التى انهالت بها على رءوس زميلاتها فى جلسة علاج إدمان الجنس:

"أعزائى، لم يكن الأمر سهلا، لكننى أفهم الآن أننا لسنا متشابهين على الإطلاق، ولن نكون، لست مثلكن، تمارسن الجنس لإثبات الصلاحية، ولقد حصلتن عليها حين رغب أحدهم أن يمارس معكن الجنس أول مرة، وقد بلغتن ذروة إشباعكن منذ زمن، وما إدمانكن للجنس إلا لرغبتكم القميئة فى الامتلاء بأى شىء كمحاولة لإخفاء احتقاركن لذواتكن، وهذا التعاطف المزيف المتبادل بينكن ما هو إلا غطاء لكونكن فى الحقيقة جزء من الشرطة الأخلاقية المجتمعية، والتى تسعى لمحو أمثالى من الوجود، لكى لا تشعر البورجوازية بالامتعاض، لست مثلكن، أنا شبقة، وأحب نفسى لكونى كذلك، وفوق كل شىء أحب شهواتى الدنيئة القذرة".

وبعد أن تركتهم مصدومين، ازداد توغلها نحو الجانب المظلم، لتعمل لحساب أحد جامعى الديون، ونظرا لخبراتها الجنسية الواسعة كانت فى قمة آدائها الوظيفى، خاصة في ذلك المشهد المهيب حيث استخدمت مهاراتها النفسية فى الكشف عن ميل أحد ضحاياها لحب الاطفال، ما دفعه للانهيار ودفع المبلغ المطلوب.

كنت أسائل نفسى طيلة مشاهدتى لجزأى الفيلم" كيف سينتهى الأمر؟"، هذه الرحلة السينمائية المثيرة والشجاعة، والتى أكدت أن تريير مخرج لا يعرف الخوف، ولا ترهبه الاعتبارات المجتمعية، وأنه على استعداد لخوض ما قد يراه المخرجين الأخرين انتحارا سينمائيا، والتى قدمت لنا امرأة تعلن أن الجنس هو الغريزة الأقوى لدى البشر، كما هى الأشد إثارة للحيرة، وفى مقابل قسوتها ومركزية خبراتها الشخصية، يدافع عنها سليجمان، بقراءاته الموسوعية وشاعريته المخنثة، والتى تكشفت فى النهاية عن وجه قبيح حين حاول مضاجعتها بعد أن نامت، متعللا بأنها فعلت ذلك مع آلاف الأشخاص، هنا عادت الصورة إلى سواد البداية، لكنه سواد حمل إصرار جو على المضى فى طريقها، وكانت أول مرة بالنسبة لى أرى فيها هذا فى فيلم سينمائى، فى مشهدين، إن صح التعبير، بلا صورة، فقط الأصوات تخبرنا أن جو قتلت سليجمان، والفضل له أن شرح لها لماذا لم يعمل المسدس أول مرة، ثم قتلت جيروم والفتاة التى تركها من أجلها، بل واعتدى عليها بالضرب، ما ألقاها دامية فى أول ظهور لها بالفيلم.

ما باليد حيلة إذن، صار الأمر بهذه النهاية عصيا على التأويل، يقترح العودة إلى أول الفيلم مرة أخرى، ولنقبل حكاية جو بالكلية، أو نرفضها بالكلية، لكننا لن نستطيع حتى أن نناقش واقعية القصة من عدمها.

عين على السينما في

28.03.2015

 
 

العندليب 2015.. باي باي يا جدو

العندليب الأسمر ليس مجرد مطرب في تاريخ مصر ولكنه حالة اجتماعية لا تتكرر في تاريخ الأمم كثيرًا.. فهو صوت الحب لطبقة لم تكن تحلم بالزواج إلا من خلال الصالونات وهو صوت الثورة التي جعلت الفلاح والعامل المصريين يأملان في غد أفضل.

العندليب هو النموذج الذي دفع الشباب للعمل من أجل الانعتاق من اليتم والفقر كما حدث معه

عبد الحليم حافظ هو ذلك المطرب الذي منح المرأة والفتاة المصرية مكانة لم تكن تعلم أنها تستحقها حين غنى لها جبار، وهي في قمة ضعفها الاجتماعي وغنى لها ظلموه بينما تعيش في موقع المظلوم دائما..

حليم الذي كان مطربا وتحول إلى رمز.. هل يعيش بيننا طيفه كما كان؟ أم أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والأجيال الجديدة بكل أحلامها تراه بشكل آخر؟

عبد الحليم لما يحبني

نغم علام

حليم حليم بأسلوبه الرقيق، وعينيه الدامعتان، صوته الهادئ الذي يجتاحه الألم، وشخصيته الحالمة إلى ما لا نهاية.. حليم الأسمر ذي الملامح الريفية التي تتخفي خلف ابتسامة عذبة في الكبر وحائرة مع ثقة خفية وتحد في بدايات الشباب.. حليم.. هل هو فتى أحلامي؟

وسط حياة سريعة ومجتمع غلب عليه التعقيد، ووسط زحام التكنولوجيا والتطور هل يوجد مكان له من الأصل؟

حليم.. حاولت أن أتخيل أنه أحبني بكل تفاصيل شخصيته الساحرة ماذا أفعل؟

فكرت كثيراً و تخيلت تلك العلاقة بكل تفاصيلها

من "تسبيل،

نحنحة،

ملل

غيرة لأتفه الأسباب

حب حالم،

وخيالي،

حياة بطيئة " لا تصلح لي في الغالب،

وتوصلت الى أنني سوف أعطف عليه، ولكنى أدركت حقاً أن حليم ليس له مكان في مجتمعنا. خطرت على ذهني بعض المواقف المضحكة مثل:

"حليم بعتلي ماسج عالواتس"

فمقارنةً بالتليفون القديم و مكالمة نص الليل بعد أن ينام والدي حتى لا يكتشف سر هذا الحب،

وفي المقابل رأيت سهولة الحياة الحالية عندما يمكنه أن يعبر لي عن حبه و سيصل لي في أي لحظة و كل هذا في أقل من نصف دقيقة فحليم ما زال ليس له مكان بيننا.

ففي النهاية أود أن أوضح أنني لا أسخر من شخصية حليم و لكن فقط نحن نضع محاكاة بسيطة لحياة حليم في 2015 بمناسبة ذكراه، رحم الله عبد الحليم حافظ و عاش لنا فنه. فهل عبد الحليم يمكن أن يكون فتى أحلامك في 2015 ؟!.

على قد الشوق اللي في عيوني يا حليم.. ح أتكلم

كرمة أيمن

حليم.. دنجوان فتيات الستينيات والسبعينيات.. أسرهم بحنية ودفاء صوته ورومانسيته.. وتحول إلى رمز الحب بالنسبة لهم.

كل فتاة كانت تحلم برجل مثل عبد الحليم حافظ.. بشخصيته وأدواره التي يؤديها في الأفلام.. الرجل العاشق المحافظ على العادات والتقاليد، والصح والغلط، الرجل الذي يعشق ويدافع عن حبه.
عبد الحليم بالنسبة لهن فارس الأحلام، الذي يفعل أي شيء يخطر على باله ليفوز بقلب حبيبته، فلا مانع لديه أن يذهب إلى المكان الذي تسكن فيه فقط ليراها تنظر له من البلكونة.

ليس هذا فحسب، بل سحر صوته واستخدامه للتعبير عن حبه، جعله يسكن القلوب ويجعلها تذوب امام عذوبة صوته ورقته، هذا غير كلمات أغانيه التي انتقاها بعناية.

"الحلوة الحلوة الحلوة.. برموشها السودة الحلوة.. شغلتني نادتني خدتني.. ودتني بعيد وجابتني.. والشوق الشوق غلبني.. الشوق كان ح يدوبني.. لولا ضحكتها الحلوة.. وعدتني بحاجات حلوة".

عبد الحليم الخالد في القلوب.. هل ما زال فارس أحلام الفتيات 2015.

بعد مرور تلك الأعوام.. ما زال فتيات 2015 يستمعن لأغاني العندليب، ويسرحن مع صوته في ملكوت العشق والحب.

ويطرن مع أغانيه في سماء الحب السابعة، فدفء صوته وحنانه قادران على إشعال نار الحب في أي زمان ومكان.

لكن.. يبقى السؤال.. مع كل هذا الحب المتدفق من إحساس العندليب.. هل ما زال الدنجوان الذي تتمنى الفتاة أن تكمل معه حياتها.

في 2015، منظور كل شيء اختلف كثير، في هذا الزمن الذي بات كل شيء إلى زوال، وخاصة القيم والعادات، تبحث الفتاة عن رجل بمعنى الكلمة.

من أغنية "الحلوة" يبدأ الحديث.. أمثل تلك الشخصية أريد؟.. هل أنا من سيناديه؟ وأوعده بالحاجات الحلوة؟..

أنا أحتاج لمن يناديني ويعدني بالأمان والحب والحنان، لمن أجد معه ما حلمت به طيلة عمري، رجل يدافع عني مهما حدث ولا يتخلى عني، قادر على الحوار ولا يتسرع في الحكم علي، ولا يكون "جبار" في تصرفاته.

ففي أغلب الشخصيات التي قدمها حليم رأيناه يتخلى عن حبيبته ويستسلم للأوضاع التي تفرض عليه، ويتسرع في حكمه، لا مجال للحوار، وفي أغلب الأوقات يسعى للانتقام.

وعلى الرغم من أن العندليب لم يستطع أن يحتل مكانته في قلوب بنات 2015، كما حدث في الماضي عندما انتحرت الفتيات حزنًا على موته.. لكنه سيظل رمز الحب.. والصوت الدافئ.. مهما مر الزمان.

بلاش عتاب يا حليم.. لو سمحت

آية فتحي

يفصلني عن وفاة عبد الحليم حافظ، ما يقرب من ضعف عمري، لكن أغانيه التي ملأت بها "كارت الميموري" الخاص بهاتفي المحمول، جعلت منه صديقًا لي في كثير من الأوقات، إحساسه نجح بتقدير ممتاز أن يقحمني في كل حالات أغانيه، سواء كانت شجنا، عشقا، فرحا، أو غناء وطنيا.

فأنا أدين لعبدالحليم بالفضل في إخراجي من لحظات الكآبة والتي كثيرًا ما تصيبني - حسب وصف صديقة لي بأني "عيلة كئيبة ونكدية"- وعندما كنت أقلب في قائمة الأغاني على هاتفي الخاص، وفاجأني طلبه قائلًا: "أي دمعة حزن ﻻ ﻻ"، وكذلك حالة الحماسة التي أصابتني عند مقطع "وﻻ هرضى أبات مغلوب".. في أغنية "على حسب وداد قلبي".

وفي أوقات أخرى كنت أشتهي قتله، عندما يصرخ بصوته الذي يروق لي في كل أحواله "فطريقك مسدود مسدود يا ولدي"، لماذا يا حليم؟ لماذا تطرق بتلك القوة على لحظة الإحباط التي أمر بها؟ أعلم أنها كلمات يحمل معناها بطن الشاعر نزار قباني مؤلف القصيدة، ولكن حليم جسدها بصوته في أسلوب وﻻ أروع، كما كنت أبحث بين جيراني عن أحدهم، أفقده لأغني له كما غنى هو "خسارة خسارة فراقك يا جارة.. عنيا بتبكي عليكي بمرارة”، لكني فشلت في العثور عليه بين جيراني.

أتخيل عبد الحليم يُحيي حفلة ختام المؤتمر الاقتصادي في 2015، ويشدو قائلاً: "عدّى النهار، والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر الشجر”، ثم يتراشق بأبشع الألفاظ من جانب معارضي النظام، ويحمل على الأكتاف من قبل مؤيدي النظام مع ترديد عبارات "تحيا مصر"، وأتخيله أيضًا وهو يطبطب على قلوب أمهات الشهداء في عيد الأم قائلًا: "لو مت يا أمي ما تبكيش، راح أموت علشان بلدي تعيش”.

وأنا في عام 2015 يثير دهشتي خبر انتحار شابة حزنًا على وفاة عبد الحليم، لن أتقمص شخصية مفتى الديار ﻷجزم أنها قليلة الإيمان بربها وأنها كافرة كما تردد حول وفاتها، ولكنه حقًا خبر غريب، فهل يستحق عبد الحليم أو غيره أن ينهي أي إنسان حياته بسببه؟
لا أعلم ملابسات الانتحار لكني أراها ”أفورة" بلغة فتايات جيلي، فلا أتصور أن تنتحر "عاشقة تمورة" التي تصرخ في كل حفلاته بأنها "بتمووووت فيه"، فجيلنا يعي جيدًا أن العمر ليس هينًا، ونوفر هذا العمر كي ينتهي بالمظاهرات التي تطالب بالحرية، ومن ينتحر فيقدم على تلك الخطوة بعد أن تضيق به الأرض بما رحبت سواء بعد مروره بأزمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، و"بلاش عتاب يا حليم" جيلنا لن ينتحر بسببك، حتى وإن كان يعشقك.

لا أمتلك باعا في مجال التوزيع الموسيقي أو النقد الفني، كي أجزم أن صوت عبد الحليم أقوى وأفضل صوت بالعالم، أو العكس كما وصفه البعض بأنه أخذ أكثر من حقه في الشهرة بسبب الكلمات التي كان يجيد اختيارها، والألحان التي كانت تزيد على جمال الكلمات جمال، كل ما أستطيع أن أجزم به هو أنه شخص ناجح، وأنا أعشق الناجحين، فرحمة الله عليه كإنسان وأمد الله في عمر فنه.

عبد الحليم.. نصير الفقر

عربي السيد

العندليب.. كروان من زمن "فات وحاضر وقادم"، لم يختلف اثنان على جمال صوته وعذوبة أغانيه، بمجرد سماع صوته تشعر بالراحة النفسية، فهو رفيق "العشاق والمجروحين"، هو أسطورة لن تعوض مرة أخرى نجم جميع الأجيال.

عشق الغناء وعشقه الغناء، فلم يترك مناسبة إلا وكان متواجدا فيها ففي لحظات الفرح قدم أغنية "وحياة قلبي وأفراحه" وفى الاحتفال بعيد الميلاد ترك أغنية "عقبالك يوم ميلادك"، وفي اللوم والعتاب غنى "بلاش عتاب"، وفي وقت المعركة غنى "خلي السلاح صاحي"، ووقت الهزيمة "عدى النهار"..

رافق صوت العندليب مرحلة المراهقة والشباب لأغلب الأجيال التي ولدت بعد امتداد شهرته من المحبط إلى الخليج، فكان صاحب البصمة الأولى في وجدان الجميع شبابا وشابات وقد نشر ما يشبه الثقافة العاطفية لدى الجميع حتى أن المشهد الشهير له في فيلم الوسادة الخالية مع لبني عبد العزيز حين يتحدثان تليفونيا بينما الجميع نيام ويرفض كل منهما إغلاق سماعة التليفون حتي يغلقها الآخر – هذا المشهد – قد يكون تكرر في التاريخ الاجتماعي لمصر بعدد أجهزة التليفون وعدد الشباب والشابات بل إنه في بعض المراحل كان من الممكن الحديث ببساطة عن استنساخ شعر حليم وسلوكه العاطفي في أغلب شباب مصر.

لذلك من الصعب التعامل مع العندليب الأسمر على أنه مجرد مطرب، فقد تجاوز ذلك إلى حالة مجتمعية دائمة التكرار عبر الأجيال المتعاقبة , لكن هذه الحالة ظلت تتحرك من المدينة إلى الريف عبر سنوات طوال منذ رحيله إلى أن استقرت في أقصى مناطق الريف إيذانا برحيل نهائي بعد انتشار الأغنية الشبابية في التسعينيات من القرن الماضي.

ومع التطور الموسيقي والانفتاح على العالم عبر شبكة الإنترنت يبدو عبد الحليم محاصرا في زاوية التقليدي رغم كونه صاحب الريادة في الأغنية المصورة وصاحب البصمة الكبرى في تطوير الأداء الغنائي، بل ومن الإنصاف القول إن الظواهر المرتبطة بالغناء الحديث ينتمي معظمها إليه.

عاش عبد الحليم علي إسماعيل شبانة الفقر والحاجة في طفولته وبدايات شبابه ودفع به النجاح والشهرة إلى الثراء لكن حياة الفقر، انعكست على أعماله، فقدم عبدالحليم 16 عملًا سينمائيًا ركز في أغلبها علي الشاب الفقير النبيل الطموح والذي يملك موهبة خاصة تميزه عن غيره ومن ثم تدفعه هذه الموهبة إلى النجاح والأفلام هي: "لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، ليالي الحب، أيام وليالي، موعد غرام، دليلة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، شارع الحب، فتى أحلامي، حكاية حب، البنات والصيف، يوم من عمرى، الخطايا، معبودة الجماهير، أبي فوق الشجرة".

انشغل "العندليب" دائمًا بعشاقه، فبالرغم من مرضه إلا أنه كان يحب الظهور في صورة حسنة أمامهم، أحب "السندريلا" وتزوجها عرفيًا خلال رحلة إلى المغرب، وكان ينوي أن يعقد زفافه عليها ولكن بشرط واضح أن تعتزل الفن، الأمر الذى رفضته وانتهت علاقتها به.

ولد "عبد الحليم" في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم "إسماعيل ومحمد وعلية"، توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل، ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج "متولي عماشة".

كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمر حياته، ولقد قال مرة أنا "ابن القدر"، وقد أجرى خلال حياته 61 عملية جراحية.

بدأ عبد الحليم مشواره الفني عام 1951 بعد أن غني قصيدة "لقاء" من كلمات الشاعر صلاح عبدالصبور وألحان كمال الطويل في الإذاعة المصرية، وبعدها قدم أغنية "صافيني مرة" في الإسكندرية ولكنها كانت صدمة له بعد أن رفضها الجمهور وقذفه بالطماطم والبيض الفاسد لاعتراضهم عليه، ولكن الأمل كان سمة يتسم بها فظل متمسكًا بتقديم هذا اللون من الغناء وقدم نفس الأغنية مرة أخرى في نفس العام بحديقة الأندلس بالقاهرة ونالت إعجاب الجمهور.

التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948

ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا على آلة الأبواه عام1950.

قدم عبد الحليم أكثر من مائتين وثلاثين أغنية، امتازت بالصدق، والإحساس، والعاطفة. وقد جمع مجدي العمروسي صديقه، أغانيه في كتاب أطلق عليه " كراسة الحب والوطنية.. السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ"، تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم حافظ.

مصر العربية في

28.03.2015

 
 

فيلم الأسبوع | القاتل المأجور لم يذهب إلى النهاية

بانة بيضون

قد يكون حضور الممثل شون بين (1960) وحده سبباً كافياً لحث المشاهد على رؤية فيلم التشويق الجديد The Gunman من إخراج الفرنسي بيار موريل. من هذا المنطلق، لن يخيّب الشريط ظنّ المشاهد، إذ أنّه أشبه بعرض تفصيلي لعضلات النجم الخمسيني التي تبدو مثيرة أكثر من الحبكة الروائية.

وهذا ليس من باب التشكيك في لياقة شون بين الجسدية المذهلة مقارنة بعمره، بل إنّ أداءه لمثل هذا الدور الذي يرتكز بشكل أساسي إلى التشويق الحركي، والتناقض الواضح الذي يظهر في تعابير وجهه التي توحي بالعمر والجسد الفتي، أمرٌ يبدو سريالياً إن لم يكن كوميدياً. هذا إضافة إلى العلاقة التي تجمعه في الفيلم بالممثلة الشابة جاسمين ترنكا (1981). المشكلة لا تكمن في فارق العمر الكبير بين الاثنين، بل في عدم اعتراف الفيلم بوجوده أصلاً. وهو ما كان ليكون مختلفاً بطبيعة الحال لو كانت البطلة امرأة! وهذا ما يعكس ميل السينما عموماً إلى تبني وجهة النظر الذكورية التي تفترض أنّ التقدّم في العمر لا ينتقص من قوّة الرجل وجاذبيته، كأنه مقاوم للزمن وللرصاص أيضاً كما في حالة شون بين. لكن هذا ليس التفصيل الوحيد الذي ينتقص من صدقية The Gunman، فالسيناريو بحبكته المبسّطة لا يقترب من مستوى الأعمال السابقة لبطل فيلم Harvey Milk، علماً بأنّه شارك في كتابة السيناريو. وهذا يدفع إلى الاستغراب، مقارنة بالتجارب السابقة الناجحة لبين في الإخراج والكتابة مع فيلم The Pledge عام 2001، وInto The Wild عام 2007.

القصة تبدأ في الكونغو، حيث يتظاهر «جيم» (شون بين) بالعمل كمستشار أمني لإحدى شركات التعدين، كغطاء لعمله السري كقاتل مأجور لصالح جهات خاصة. يُكلّف الرجل ورفاقه باغتيال وزير التعدين في البلاد لتهديده مصالح بعض الشركات. لكن الجهة المخططة للعملية تشترط مغادرة «جيم» مطلق النار الكونغو مباشرة من بعدها. هكذا، يضطر «جيم» إلى هجر حبيبته الطبيبة «آني» من دون أي تفسير، في حين يستغل رفيقه وشريكه في العملية «فيليكس» (خافيير بارديم) غيابه للتقرب منها.

لكن بعد مرور حوالى ثماني سنوات تقاعد خلالها «جيم» من مهنة القاتل المأجور وعاد ليعمل في الكونغو لصالح مؤسسة إنسانية للتكفير عن ذنبه، تهاجمه مجموعة من السكان المحليين الذين كُلّفوا بأخذ عينة من دمه كما يكتشف في ما بعد لإثبات ضلوعه في الاغتيال. بعدها، يغادر القاتل المأجور الكونغو بحثاً عن المستفيد من محاولة قتله، ويلتقي بشركائه السابقين بينهم «فيليكس» الذي تزوّج من «آني» ويعيشان في برشلونة. وبعد سلسلة من المواجهات والمطاردات الخيالية، يتمكن جيم أخيراً بمساعدة الإنتربول وأحد الثيران من فضح المخططين لعملية الاغتيال وإنقاذ «آني» التي احتجزت كرهينة. علماً بأنّ المطاردات تضمّنت مشهداً تحوّل كوميدياً كغيره من مشاهد التشويق، بسبب سرياليته حين يقرّر زوج «آني» فجأة إنهاء حياته بسبب غيرته من «جيم».

أما أسلوب الإخراج، فيواكب التشويق من دون الارتقاء إلى مستوى الأعمال السابقة للمخرج بيار موريل مثل Taken عام 2008. ولعلّ مشكلة الفيلم أنّه تائه بين نمط الأكشن التجاري الذي يعتمد بشكل أساسي على التشويق الحركي، وبين التشويق الأكثر ذكاءً الذي يعتمد على المهارة في حبك الأحداث والشخصيات. فعلياً، لا ينجح The Gunman في محاكاة أي من النمطين. يبدو شون بين عالقاً في شخصية «جيم» المدرّع ضد الرصاص والزمن، لكن أيضاً ضد العمق. شخصية ببنائها المسطّح وجملها الحوارية المتواضعة، لا تُظهر أداءه الأكثر احترافية في التمثيل.

25 عاماً... وما زالت: Pretty Woman

علي وجيه

Pretty Woman بلغت الخامسة والعشرين منذ بضعة أيام. الجميع يذكر الكوميديا الرومانسية التي أخرجها الأميركي غاري مارشال عام 1990 عن سيناريو جاي. أف. لوتون. إدوارد لويس (ريتشارد غير) رجل أعمال وسيم، يلتقط فتاة ليل تُدعى فيفيان وارد (جوليا روبرتس) من الشارع، لترافقه إلى بعض المناسبات والحفلات. هو بارع في الهيمنة على الشركات المفلسة، فيما تبدو هي أحد المتضرّرين من تمدّد هؤلاء. تشتبك نظراته الدافئة مع ضحكتها الآسرة، لتأتي النتيجة المتوقعة.

يقع الاثنان في الحب رغم الفوارق الهائلة بينهما. اليوبيل الفضي ليس وقتاً مناسباً لحشر الشريط في الزاوية النقدية. هذا سينزع عنه كثيراً من بريقه. إنّه أوان الاحتفال بواحد من أكبر نجاحات التسعينيات في شبّاك التذاكر، بما يقارب نصف مليار دولار أميركي.

أخيراً، اجتمع طاقم الفيلم مجدداً في The Today Show على شبكة NBC الأميركية. المخرج مارشال والممثلان هكتور إليزوندو ولورا سان جياكامو، عادوا مع البطلين روبرتس وغير. هذا الأخير كشف أنّه كان متردّداً في قبول الدور. لم يُعجب بالسيناريو الأصلي الذي حمل عنوان «3000»، نسبةً إلى المبلغ الذي تتقاضاه فيفيان لقاء خدماتها. كانت معالجة مظلمة للارتباط بين الطبقة اللامعة ومهنة الدعارة في لوس أنجليس. «لم يكن هناك دور. كان لا شيء. يمكنك وضع بدلة على جدي وإطلاقه ليقوم بالمطلوب». قال غير لمات لور في البرنامج الصباحي الأشهر. هذا كلام لطيف قياساً إلى تصريح سابق له: «الناس يسألونني عنه (الفيلم)، ولكنّي نسيته. كان كوميديا رومانسية سخيفة». النجم الأميركي (1949) غيّر رأيه إثر اتصال هاتفي من غاري مارشال. أخبره أنّه سيحوّل المشروع إلى كوميديا رومانسية بميزانية ضخمة (14 مليون دولار آنذاك). بدورها، مرّرت له روبرتس ورقة صغيرة تحمل كلمات قليلة: «أرجوك، قل نعم». النجمة الأميركية (1967) لم تكن مشهورةً على نطاق واسع في ذلك الحين، على عكس شريكها.

بعد ربع قرن، تكشّفت الكثير من الحقائق عن الشريط. جوليا روبرتس كانت آخر المرشّحات للدور بعد اعتذار عدد من النجمات أو عدم تفرّغهنّ، منهنّ مولي رينغوالد وكيم بايسنغر. حتى ريتشارد غير لم يكن الخيار الأوّل. كان مارشال راغباً في جمع ميشال فايفر وآل باتشينو، إلا أنّ «مايكل كوروليوني» اعتذر عن عدم لعب الدور. المفارقة أنّ اللقاء تحقق بعد عام في نجاح رومانسي آخر لغاري مارشال هو «فرانكي وجوني». الرجل ماهر في صنع هذا النوع. في «امرأة جميلة»، لاحظ الكيمياء والتناغم بين بطليه، فأنجز التحوّل الكبير.

الدراما المظلمة صارت قصّة حبّ خيالية بين نسخة «للكبار فقط» من سندريلا وأمير معاصر (إنتاج ديزني أيضاً)، بين فتاة ليل تمتلك قلباً من ذهب و«جنتلمان» يضرب في العمل من دون رحمة. عنوان أغنية روي أوربسون الشهيرة Oh, Pretty Woman أكمل ضمان الاكتساح العالمي. في الاكتشافات الجديدة أيضاً، سيخيب ظنّ المعجبين بساقي جوليا روبرتس في بعض المشاهد وجسدها على البوستر. كلاهما عائدان لبديلتها شيلي مايكل. كانت روبرتس متوترةً أثناء المشاهد الساخنة. وريد جبهتها برز بشدّة، فاحتاج إلى تدليك من ريتشارد غير وغاري مارشال. نفسها أصابع المخرج التي دغدغت قدمها لتضحك بشدّة على إحدى حلقات I Love Lucy في المشهد الشهير.

طبعاً، لم ينجُ الفيلم من اقتباس عربي بائس. شريف شعبان حقق نسخة مصرية بعنوان «الجينز» (1994) من بطولة فاروق الفيشاوي وجالا فهمي. لا يُنصح بالمقارنة بين الشريطين، لأنّها تسبّب كثيراً من الأمراض المزعجة!

آشلي جود تتصدّى لوحوش النت!

عبد الرحمن جاسم

يبدو أنّ الممثلة الأميركية آشلي جود (1968 ــ الصورة) باتت غير قادرة على تحمّل اللغة التي تُخاطَب بوساطتها النساء اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. قبل أّيّام، برزت مشكلة حين نشرت النجمة الناشطة في مجال السياسة على حسابها على تويتر تعليقاً قاسياً بعض الشيء على إحدى مباريات كرة القدم الأميركية.

بعدها، تعرّضت جود لكمٍّ هائل من التعليقات المؤذية، وصلت أحياناً إلى حدّ التحرّش الجنسي، إضافة إلى التهديد بالقتل أو الاغتصاب. تُعتبر جود من نجمات تسعينيات القرن الماضي، ويعرفها الجمهور من أفلامٍ مهمّة مثل نورما جين ومارلين في عام 1996، وKiss The Girls عام 1997، وبالتأكيد أخيراً عام 2014 في Divergent، وهي لا تزال من القلائل في جيلها اللواتي بقين يحتفظن بشهرتهن وقوّة حضورهن الإعلامي، كما الفني.

لم تكتفِ جود بإثارة الضجّة حول الأمر، بل سرعان ما قامت بإعلان ما حصل على الملأ من خلال رسالة نشرتها على موقع Mic الإلكتروني، كتبت فيها كل ما حدث معها منذ اللحظة الأولى للتعليق على المباراة، عارضةً التعليقات القاسية والمهينة التي وصلتها. بحسب جود، تناولت التعليقات شقّين: الأوّل ذو بعد عدائي تجاهها كأنثى، محاولاً إظهارها ضعيفة، ولا تستطيع إبداء آراء رياضية. في هذا السياق، أشارت جود في رسالتها إلى أنّ تعليقها (الذي عادت وحذفته في اليوم التالي للمباراة) كان من الممكن أن يقوله أي «مشجّع» (ذكر) من دون أن يتعرّض لما حدث معها. أمّا الشق الثاني، فهو كمية الألفاظ والشتائم الجنسية التي توجّه إلى أي مشجعة رياضية، فقط لكونها أنثى: «فهذه الأخيرة تتعرّض للكثير من المضايقات على السوشال ميديا لمجرّد أنّها أنثى». وأضافت جود إنّ الأمر شديد التعقيد، ولا سيّما أنّ «الشتائم الجنسية طالت عائلتي أيضاً. لقد وصف أحدهم جدتي بأنّها قذرة».

تأخذ آشلي جود القضية على محمل الجد، إذ تعتبر أنّها مُلزمة كـ«ناجية» من عمليات «اغتصاب وتحرّش جنسي» بأن تدافع عن «أخريات قد يتعرضن لذلك ولو على الإنترنت». يُذكر أنّ متخرجة «جامعة هارفارد» فاجأت الجميع بالإعلان عن تعرّضها عام 1984 للاغتصاب، وهو ما لم تتحدّث عنه سابقاً على الإطلاق. هنا، أشار موقع صحيفة «إندبندنت» البريطانية إلى أنّ جود ستنقل هذه القضية إلى القضاء، سعياً لمحاسبة كل من وجّه لها أي «تهديد بالإيذاء الجسدي أو المعنوي» في محاولة لتفعيل قوانين أكثر حسماً في التعامل مع «وحوش» الفضاء الإلكتروني.

الأخبار اللبنانية في

28.03.2015

 
 

الثلاثي خان يتصدر صناعة السينما الهندية

يكشف طبيعة المجتمع الهندي العلماني

نيودلهي: براكريتي غوبتا

يجمعهم اللقب، وسنة الميلاد، والديانة. وأضفى كل من عامر خان، وشاروخان، وسلمان خان، مسلحين بنجومية هي الأطول في تاريخ السينما الهندية، سحرا على «بوليوود». ولطالما كان لقب خان هو سر الإيرادات التي تحققها السينما الهندية على مدى الأعوام الخمسة والعشرين أو ربما الثلاثين الماضية.

والجدير بالذكر أن أولئك الأبطال سوف يكونون قد أكملوا في العام الحالي نصف قرن من العمل في السينما الهندية، ومع هذا لا يزالون يقومون بأدوار الأبطال أشداء البنية، ويعيشون قصصا رومانسية، ويرقصون على الشاشة مع بطلات تبلغ أعمارهن نصف أعمارهم، في الوقت الذي يعاني فيه أقرانهم من أزمة منتصف العمر، أو يضعون خططا للتقاعد، ولديهم لحى شمطاء، إن لم يكن الصلع قد بدأ يزحف على رؤوسهم، أو أصبحت لديهم بطون ضخمة.

لقد غزوا قلوب محبي الأفلام الهندية في مختلف أنحاء العالم برقتهم وعذوبة حديثهم، وحركاتهم، ورقصاتهم، بدءا من نهاية الثمانينات، ولا يزالون حتى يومنا هذا يمتعون الجمهور، ويتصدرون صناعة الأفلام الهندية تجاريا. ورغم ظهور وجوه جديدة، لا يزالون هم النجوم الساطعة في سماء السينما الهندية، حيث لا يزال الجمهور يستمتع بالحضور، والشغف، والطاقة التي تنبعث منهم على الشاشة. ويتذكر صانع الأفلام كاران جوهر حضوره حفل عيد الميلاد الخمسين لأميتاب باتشان، أسطورة السينما الهندية، مع آبائه. ويبلغ باتشان من العمر الآن 72 عاما. وقال جوهر: «كان هناك إجلال واحترام له».

أما بالنسبة إلى حفلات أعياد ميلاد أولئك النجوم، الذين يتشاركون لقب خان، فيقول جوهر إنها الأكثر نجاحا، حيث يتساءل: «هل يمكن لأحد أن يحلم بتبجيله وهو في الخمسين من العمر؟ مستحيل». وأول من يحتفل بعيد ميلاده بين الثلاثي هو عامر خان، الذي يعد أكثرهم تطلعا نحو الكمال والمثالية والأكثر شعبية حاليا. ويُعرف عامر خان بحكمته، ورزانة عقله، في عالم السينما الهندية، حيث لا يشارك إلا في فيلم واحد خلال العام، ولا يحضر أي حفلات لتوزيع الجوائز. ونظرا لاهتمامه الكبير بعملية صناعة الأفلام ككل، يجري عامر خان أبحاثًا مكثفة عن أي دور يقوم به، ويبذل مجهودا كبيرًا من أجل بث الروح في الشخصية التي يقدمها. ويفسر هذا كيف برع في دور الأحمق في فيلم «الحمقى الثلاثة» وهو في الخامسة والأربعين من العمر، بعد قيامه بدور البطل المغوار في فيلم «غاجيني» وهو في الرابعة والأربعين من العمر. واحتفل عامر بعيد ميلاده في الخامس عشر من مارس (آذار). ويستقبل عامر عامه الخمسين دون أن يطرف له جفن دون النظر إلى منبت شعر ذقنه الأبيض، فهناك الكثير من النصوص بانتظار موافقته. وبعد أن بلغ الخمسين من العمر، صرح عامر خلال لقاء صحافي قائلا: «يبلغ ابني من العمر 21 عاما، وابنتي في السادسة عشرة من عمرها. وأشعر بأنني أصغر من ابني، فهو أكثر جدية مني. كذلك لدي ابن يبلغ ثلاثة أعوام، وأشعر بالراحة في التعامل معه، فحتى إنجاب الأطفال لم يجعلني أشعر بالتقدم في العمر. القمة بالنسبة لي تعني أنك في طريقك نحو النزول، لذا آمل ألا أصل إلى قمة نجاحي المهني». ويبدو بالفعل أن العمر لا يمثل عائقا أو مشكلة بالنسبة إلى نجم السينما الهندية المتطلع إلى الكمال.

أما إذا كنا نتحدث عن ممثل يلهم الجمهور بشجاعته، فذلك بالتأكيد سيكون سلمان خان، الذي تبين أنه حقا نجم تجاري متفان بين الحشود. إنه واحد من أكثر نجوم السينما الهندية شعبية، بل إنه رئيس عالم السينما الهندية. ورغم أن سلمان قد بدأ حياته المهنية كبطل رومانسي، فإنه ركز خلال السنوات التالية على بناء جسده وتحول إلى بطل قوي في أفلام الحركة. وقال: «لا يمكن أن يتم القبض علي متلبسا بالتمثيل، لأنني لا أمثل. أكون على الشاشة مثلما أكون في حياتي الحقيقية». وقد ثبتت صحة هذا القول بالفعل، حيث يمكن للمشاهد أن يرى في أفلام سلمان، أو «سالوبهاي» كما يطلقون عليه، البطل وهو منغمس في كل أنواع اللذة والمتعة من أجل إرضاء المعجبين به. ورغم وصفه بـ«فتى بوليوود الشقي» بسبب سجله الحافل بالمشكلات التي أوقع نفسه فيها، أثبت سلمان أنه يملك قلبا من ذهب من خلال دعمه لعدد من القضايا الإنسانية. ويدير سلمان منظمة غير حكومية تسمى «بينغ هيومان» تساعد الأطفال المحتاجين. ولم تمنع الانتقادات ولا الجدل المثار سلمان خان من المضي قدما، فقد تمكن من استعادة ثقة المنتجين فيه من خلال أفلامه الأخيرة الناجحة. وسيبلغ الخمسين من العمر في 27 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

كذلك الحال بالنسبة إلى شاروخان، الذي يوصف بأنه «ملك بوليوود»، الذي سيتجاوز نصف قرن من العمر قضى أغلبه في العمل هذا المجال في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويعد شاروخان هو الأكثر حماسا ونشاطا بين الثلاثي. وعلى عكس النجمين الآخرين لا ينتمي شاروخان إلى عائلة تعمل في هذا المجال؛ وبدأ حياته المهنية بالمشاركة في مسلسلات تلفزيونية، ثم خاض عالم السينما الهندية في عام 1992. وجذبت أفلامه الناس إلى دور العرض السينمائي بفضل ما تتضمنه من متعة وترفيه وما تبعثه من شعور بالحنين، وما يشعه من سحر كبطل رومانسي على الشاشة. وتضيء شخصيته المفعمة بالحيوية العروض على خشبة المسرح وكذلك المقابلات التي يجريها؛ فهو يشع طاقة مذهلة ويتمتع بتدفق رائع للأفكار. وبفضل أفلام مثل «ديلويل دولهانيا لي جاينغ»، و«ديل تو باغال هاي»، و«كوتش كوتش هوتا هاي»، أصبح «ملك الرومانسية» في السينما الهندية.

وبحسب كومال ناهتا، المحلل في صناعة السينما والمقيم في مومباي، ربما يكون الثلاثي خان قد أتموا الخمسين «لكن إيرادات أفلامهم تبلغ إيرادات أفلام نجوم في الخامسة والعشرين». وأضاف «إنهم سيستمرون في تصدر صناعة السينما لسنوات طويلة قادمة. وبالنظر إلى ما تحققه أفلامهم من إيرادات، والطريقة التي يمتعون بها الجمهور، لا أعتقد أن هناك من يستطيع القيام بذلك».

وعند التفكير في الأمر، سنجد أن تصدر الثلاثي خان السينما الهندية يعد ظاهرة فريدة من نوعها في أي صناعة ترفيه في أي مكان في العالم. خلال الخمسينات والستينات، شهدت السينما الهندية تصدر ثلاثي آخر يضم ديف أناند، ودليب كومار، وراج كابور. مع ذلك كانت سنوات ميلادهم مختلفة، ولم يكونوا يتشاركون اللقب، ولم يتمكنوا من تمثيل أدوار الأبطال الرومانسيين بعد تجاوزهم الأربعين من العمر. وهذا هو سر تميز هذا الثلاثي، حيث لا يوجد في العالم ثلاثة رجال ولدوا في العام نفسه، وهو 1965، ولديهم اللقب نفسه، وهو خان، ولا تزال أفلامهم تتقاسم إيرادات السينما الهندية بعد قضاء كل منهم نصف قرن في هذا المجال.

ويعتقد راجيش تاداني، موزع الأفلام، أن للثلاثي خان الفضل في تحقيق الجزء الأكبر من إيرادات السينما الهندية، قائلا: «نحن ننتظر جميعا عرض أفلامهم. وأظن أنهم سيظلون محافظين على تصدرهم للساحة».

وتقول كاترينا كيف، التي لعبت دور البطولة النسائية مع الثلاثي، إن «شغفهم، وحب الجمهور لهم، ورغبتهم في التفوق» سر استمرارهم. وأضافت في تصريح إلى وكالة الأنباء الهندية - الآسيوية: «إلى جانب تمتعهم بموهبة حقيقية، فإنهم يتمتعون بشخصيات رائعة، وسيظلون موجودين بقدر ما يشاءون». وأوضحت الممثلة ريتشا تشادا: «لقد لعبوا بأوراقهم جيدا، وكانوا يتمتعون ببعد نظر في وقت لم يكن أحد يتمتع فيه بذلك». وقال رؤوف أحمد، الصحافي السينمائي المخضرم: «لقد زادوا من أسهمهم وحققوا نجاحا كبيرا».

مع ذلك كان هناك الكثير من الشكوى أيضا، مثل الشكوى من سلوك سلمان السيئ والقضايا الكثيرة الخاصة به في المحاكم، واختيار شاروخان لعدد من الأفلام التي لم يستهدف بها إلا تحقيق إيرادات، واهتمام عامر خان بالمظاهر واعتقاده الكبير في صحة آرائه. مع ذلك لا يزال المعجبون يشجعونهم. ويرى كاران جوهر تشابك وتلاقي مصائرهم أمرا مثيرا للاهتمام. وأوضح قائلا: «أشك في أن تشهد السينما الهندية هذا المستوى من النجومية، فقد وصلوا إلى القمة في هذه المرحلة، ولا يزالون يقدمون أفلاما مهمة. وثلاثتهم محجوزون للعامين المقبلين. إنهم لن يذهبوا إلى أي مكان آخر، بل سيبقون هنا. وحتى لو مر عقد آخر، ستراهم في ريعان الشباب».

والثلاثي خان ليسوا بالغرباء على جمهور التلفزيون الهندي. وفي الوقت الذي قدم فيه شاروخان برنامج مسابقات بعنوان «كاون بانيغا كروريباتي؟» (من سيصبح مليونيرً؟)، و«زور كا جهاتكا» (سقوط كلي)، قدم سلمان خان برنامج مسابقات من برامج تلفزيون الواقع بعنوان «10 كا دوم»، و«الرئيس الأكبر»، لخمسة مواسم متتالية. ونشهد أيضا استغلال عامر الذكي لقدراته ونجوميته في معالجة القضايا الاجتماعية من خلال برنامجه الحواري «ساتياميف جاياتي».

وعندما طلبت سادهفي براتشي، الزعيمة الهندوسية المتطرفة، مؤخرا من الهندوس في خطابها العدواني مقاطعة أفلام الثلاثي خان، سخر منها محبو السينما الهندية باختلاف انتماءاتهم الدينية. ويوضح هذا الطبيعة العلمانية التي تتسم بها الهند، حيث يحظى الثلاثي خان المسلم بالشهرة، والحب، والإعجاب، في دولة يدين عدد كبير من سكانها بالديانة الهندوسية، بل إنهم بمثابة وجه السينما الهندية. الجدير بالذكر أن والدة سلمان هندوسية، وكذلك زوجة كل من عامر وشاروخان من الهندوس. لقد تمكن هذا الثلاثي، الذي تحدى العمر والزمن، من شغل مكان مقدس في قلوب الجمهور الهندي، وكذلك مكانة متميزة في شباك التذاكر.

الشرق الأوسط في

28.03.2015

 
 

"سندريلا": فانتازيا رومانسية خلابة وخيال "تحريكي" مدهش

مهند النابلسي

بطة جميلة بيضاء تركض فرحة أمام عربة تجرها الخيول، التاجر الناجح بمملكة ايلا، العائلة السعيدة، الفتاة الجميلة البريئة، أجواء بهيجة تحفل بالسعادة والضوضاء، موسيقى تصويرية خلابة، ثم تموت الأم بمرض مفاجىء وتفقد الأسرة سعادتها، يضطر الأب الأرمل بعد فترة للاقتران بزوجة الأب "الشريرة"، التي تدخل حياة الاسرة بلباس أسود ثم تدعي انها ستعيد الحياة للمنزل. قطها السمين الأزعر يلاحق الفئران "الودودة" بمكر جيني.

وعندما يغادر الأب في آخر رحلاته التجارية، وكأن الابنة العطوفة تشعر بأنها تراه للمرة الأخيرة، توصيه: أحضر لي أول غصن يلامس كتفك. يقول لها: أترك دائما جزءا مني ورائي، فامك المرحومة ما زالت هنا وروحها تملأ المكان!

لا يعجب هذا الكلام الحزين الشفيف زوجة الأب الحقودة، فتفيض غيظا وغيرة، خاصة عندما يقول لابنته المحبوبة: وداعا ايلا سأبقى احبك.. ثم نرى ونسمع صوت الغربان وهي تنعق مبشرة إيذانا بأيام قادمة حالكة، وتتوالى الأخبار السيئة، فنعلم عن موت الأب بعيدا أثناء رحلته، وكيف يلتزم باحضار "الغصن الأخضر" كذكرى لابنته، ثم تكشف زوجة الأب عن وجهها الكريه بلا تحفظ، فتأمر إيلا بالنوم في العلية مع أصدقائها الفئران، وتتقبل ايلا الطيبة الشجاعة واقعها الجديد بلا تذمر، وهي التي تفيض حبا للحياة والعمل والطبيعة، فهناك بالعلية لا يوجد قط عدواني بغيض ولا اختان كسولتان "مقرفتان"!

التغير

أبدعت "كيت بلانشيت" في أداء الدور كزوجة اب غيورة حقودة، وبعد ان مرض الأب ومات، صرفت الخدم الأوفياء توفيرا للتكاليف، وحولت الابنة الجميلة إلى خادمة مطواعة كما أساءت هي وابنتاها معاملتها، وقامت بتسميتها "سندريلا" (بعد أن سخرن من منظرها المغبر بالرماد، وتعني: ايلا الرماد)، ثم قالت لها بتعالِ بغيض: لا يمكن لك الجلوس معنا!

ثم أن للأسماء تعويذة سحرية قد تقود لحظ جيد ومصادفة رائعة، فبعد أن تغادر حانقة، هائمة على وجهها، تجد فجأة مجموعة صيادين يستهدفون "ظبيا" بريا ضخما جميلا، ثم تصادف "أميرا متواضعا"، ما زال لديه الكثير لينجزه بحياته حيث يخبرها (دون ان يكشف عن هويته) بأنه يعيش بقصر باذخ، ثم انها تعيد على مسمعه بسذاجة الحكمة التي تناقلتها عن والدتها المرحومة: "لنتحلى بالشجاعة ونكون طيبين".

ينبهر الأمير بجمالها وبراءتها، فيبلغ والده الملك، ويدعو لحفلة موسيقية عامة صاخبة لكي يختار عروسا ملائمة، وعندما تعلم زوجة الأب بالأمر تقوم  بمنع سندريلا من حضور الحفلة، لكي تحظى ابنتاها "ديزيريلا وانستازيا" بفرصة لقاء الأمير، وتفاجأ سندريلا بحقد زوجة الأب: لن تذهبي للحفلة!

سندريلا تخفي غضبها وتصف الابنتين ببشاعة الباطن وجمال الظاهر. لقد أصبحت بائسة محتارة، وتظهر لها فجأة ساحرة بشكل عجوز متسولة، تطلب منها القليل من الحليب قائلة: الحليب لا شيء ولكن الطيبة هي التي تعطي المعنى لكل شيء.. "أنا عرابتك الجنية وسأحقق امنيتك!".

ومارست سحرها "المستحب"، فحولت  يقطينة ضخمة لعربة ذهبية فخمة، وحولت "أصدقاءها" الفئران الى جياد بيضاء جميلة، والعظايات الصغيرة لخدم بلباس ملكي أبيض، أما الأوزة البيضاء الجامحة فقد تحولت لتصبح سائق العربة، ثم صنعت لها رداء فتانا أزرقا، وترافق ذلك المشهد الخرافي مع موسيقى صادحة وانطلاق فراشات جميلة، وصنعت لها اخيرا زوجا من الأحذية الزجاجية الملونة، وحذرتها قائلة: سيدوم مفعول هذا السحر مع أخر صدى لجرس منتصف الليل، فاحذري وعليك العودة قبل ذلك، ثم انطلقت العربة الذهبية مع الأجياد المسحورة بقيادة الأوزة البهية للحفل الملكي وقبل فوات الأوان، ليعود الأمير فينبهر بوجودها المفاجىء، ولتفوز بقلبه، ولكنها تختفي هاربة مع جرس منتصف الليل ثم تفقد "لعجلتها" الحذاء الملون اللافت.

يجري الأمير الولهان مسحا شاملا لكشف صاحبة الحذاء المفقود، ولا تفلح محاولات "زوجة الأب" الحاقدة والغيورة لاخفاء سندريلا في دهاليز المنزل، فينكشف الأمر أخيرا، فتعود  للأمير المتلهف، ليتزوجا وتصبح الملكة، ولكنها تسامح زوجة الأب الشريرة وابنتيها وتقول بالمشهد الأخير المعبر "اسامحك...لا انتقام"، وكأنها تسترجع وصية والدتها المرحومة: كوني طيبة وتحلي بالشجاعة وسيكون كل شيء على ما يرام!

سحر القصة

ينبع سحر "قصة سندريلا" من فكرة "الاذعان السلمي" للأمر الواقع، وهي سمة قدرية- صوفية، وان الرسالة تكمن في أنه مهما حدث في حياتك، ومهما بدت لك الأشياء مزعجة ظاهريا، فان الله سيفتح لك دربا جديدا اذا ما ما بقيت "طيبا وشجاعا ومكافحا ومتفائلا". يعني ذلك أن تنظر للشوكة وترى الوردة، وان تنظر الى حلكة الليل وترى ضوء الفجر، وهذا ما فعلته سندريلا!

الفيلم الذي شبهه النقاد بـ "قرصان الكاريبي" لكونه تحفة بصرية سينمائية شاملة، حافظ على النكهة الأصلية للرواية الشعبية المعروفة، وأظهرت فيه الممثلة الجميلة الشابة "ليلي جيمس" مواهب تمثيلية فريدة، واقنعتنا بوجود "كيمياء خاصة" وبالحب من اول نظرة مع الممثل "ريتشارد مادن" (الأمير الولهان)، كما أبدعت كيت بلانشيت كعادتها بدور زوجة الأب الطاغية-الخبيثة، وتفوق "ديريك جاكوبي" بدورالملك المريض.

تظهر مهارة وعبقرية المخرج "كينيث براناه" في قدرته على دمج هذه الفانتازيا الرومانسية الممتعة مع خيال "تحريكي" حيوي، بحيث لا نعرف الحدود بين الواقع والخيال، كذلك بقدرته على ادخالنا لقصته السينمائية باسلوب تصوير استحواذي ومؤثرات بصرية مدهشة، ناهيك عن روعة الموسيقى التصويرية وبراعة تصميم الملابس والانتاج.

عين على السينما في

29.03.2015

 
 

Bogowie.. أطباء أم آلهة

منة فهيد – التقرير

يبدو أن 2014 كانت سنة أفلام السير الذاتية، فبعد الوجبة الدسمة التي منحتنا إياها (هوليوود) في نهاية العام بأفلام رشح معظمها لجوائز الأوسكار كـ(The Theory Of Everything)، و(The Imitation Game)، و(Big Eyes)، و(Unbroken)، يأتي دور السينما الأوروبية لتختتم هي الأخرى العام بفيلم بولندي عن السيرة الذاتية للطبيب (زبيجنف رليجا ZbigniewReliga)، بعنوان (Bogowi/الآلهة)، وبطولة (توماس كوت Tomasz Kot).

يستعرض الفيلم قصة كفاح الطبيب (ريلجا) وقيادته لفريق من الأطباء للقيام بأولى عمليات زراعة القلب بـ(بولندا)، مع التعرض لتفاصيل طبية في غاية الدقة تذكّر المشاهد بأجواء المسلسلات الطبية الشهيرة (ER) و(Grey’s Anatomy).

نوستالجيا

قليلة هي الأفلام الأجنبية التي تخرج كقطعة فنية مكتملة، فتندرج تلقائيًا ضمن قائمة أفضل الأفلام، فيلم (Bogowi/الآلهة) الناطق باللغة البولندية يشعرك بحالة من الحنين إلى الحقبة الماضية؛ فالمشاهد الخارجية والداخلية لم تخرج عن النطاق الزمني الذي تدور فيه الأحداث، والدقة كل الدقة كانت في الإضاءة، صيحات الملابس، تسريحات الشعر، وموديلات السيارات، كل شيء ينطق بأجواء الثمانينيات كما لو كان الفيلم شريط فيديو قديم مسجل لأبطاله الحقيقيين.

رجل مجنون بمشرط

يبدأ الفيلم بلقاء تلفزيوني مسجل -حقيقي- تعقيبًا على ما حدث في أولى محاولات البروفيسور (جان مول) الفاشلة في القيام بعملية زرع قلب في (بولندا)عام 1969، والتي مات في أثنائها المريض على طاولة الجراحة، لتنتقل الكاميرا إلى (ريلجا) وهو يقوم بالتمرن على إحدى الجثث واستخراج القلب متحديًا نفسه في الوصول إلى زمن قياسي جديد، في المشهد التالي وعند وصول مريض إلى عيادة القلب مُصاب بالاحتشاء، يقوم (ريلجا) بإدخاله إلى غرفة العمليات وإنقاذه متعديًا بذلك اختصاصاته دون انتظار إذن من الطبيب صاحب العيادة.

لا أعرف لماذا تعتقدون أنفسكم آلهة يا أطباء القلب؟

عند مثوله أمام اللجنة الأخلاقية للتحقيق في وفاة مريضته ذات العشر سنوات في غرفة عملياته، لم تجد اللجنة (ريلجا) مخطئًا في شيء مما فعله أثناء الجراحة، واعترفوا أن الفتاة لم يكن أمامها فرصة للنجاة على كل حال بقلبها العليل؛ إلا أن (ريلجا) كان مقتنعًا بأن هناك سبيلًا واحدًا لإنقاذ الطفلة من مصيرها المحتوم: زراعة القلب.

ذاع صيت (ريلجا) الذي قام بشق صدر رجل في الشارع تعرض لطعن في القلب لإنقاذ حياته، قرربعدها البدء في إنشاء عيادته الخاصة لجراحات القلب وانضم إليه فريق من الأطباء كانوا قد سافروا في بعثات إلى الخارج لدراسة عمليات زراعة القلب عن قرب، وهكذا أيضًا انضم إليه طاقم تمريض تركوا أعمالهم من أجل مشاركة الطبيب الذي سيعيد صياغة تاريخ جراحة القلب بمبضعه.

البحث عن تمويل

احتاج (ريلجا) لثلاثة ملايين دولار حتى يستطيع تجهيز عيادته بالأجهزة والمعدات التي ستمكنه من تنفيذ حلمه: القيام بأولى عمليات زراعة القلب في (بولندا).

كانت الردود التي تلقاها من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ ساخرة، لكنه لم يتوقف عند الرفض ولم يبال بنظرات أحدهم الهازئة عند سماعه بالرقم المطلوب، بل منحه نظرة متفحصة وأخبره أنه يعاني من السمنة وضيق التنفس وقريبًا ما سيقصد باب عيادته، ليذهب ويتركه متصلبًا في مكانه تعلو وجهه علامات الفزع.

تمكن (ريلجا) من الحصول على تمويله من أحد الأحزاب السياسية، شريطة أخذها بالعملة المحلية وتولي مهمة تحويلها إلى العملة الصعبة بنفسه.

تعرض الفيلم قليلًا لعلاقة (ريلجا) بزوجته (آنا) التي تركها في (وارسو) وانتقل إلى (زابرزي)، حيث أنشأ عيادته سعيًا وراء تحقيق حلمه؛ إلا أنه كان يلجأ إليها كلما حاربته الظروف واعترض طريقه الفشل، على الرغم من مشاهدهما القليلة سويًا والتي لم تتعد أصابع اليد الواحد؛ إلا أن المخرج نجح في توظيف تلك المشاهد ليظهر للجمهور قوة العلاقة التي جمعت بين الزوجين والمساندة المعنوية التي كان لها أثر كبير على استمراريته فيما بعد.

في مشهد الفيلم الأخير، يجلس (ريلجا) إلى جانب طاولة العمليات، بينما يظهر مساعده نائمًا في زاوية المشهد، يستبدل المشهد بصورة حقيقية للطبيب (زبيجنف رليجا) في نفس المكان مع وجود إحدى الممرضات نائمة في الخلفية.

الفيلم نال استحسان النقاد وترشح لإحدى عشرة جائزة محلية، ومن المحتمل ترشحه لجائزة أوسكار كأفضل فيلم أجنبي العام القادم.

بالطبع يعود جزء كبير من الفضل في خروج الفيلم بهذا المستوى إلى الممثل الرائع (توماس كوت)، الذي استطاع بقامته الفارعة وكتفيه العريضين ومشيته المتهدلة تقمص دور (ريلجا) دون أدنى عناء، ونجح في رسم خطوط شخصيته التي تتخبط بين الجنون والعبقرية بإيماءات رأسه الحادة ونظرات عينيه الثاقبة.

يحسب للمخرج (لوكاس بالكوفسكي Lukasz Palkowski) قيامه بانتقاء طاقم تمثيله بعناية فائقة، وحرصه على توحيد النمط الزمني للفيلم طوال مدة العرض، وأيضًا قيامه بدمج تسجيلات تليفزيونية حقيقية ونسخ من الجرائد والصور تم نشرها في الثمانينيات تعليقًا على بعض الأحداث بالفيلم دون أن يُشعِر المُشاهد بإخلال في إيقاع العمل.

التقرير الإلكترونية في

29.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)