كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

السينما الهندية الجديدة.. طموح حدوده السماء

تحقيق ــ محمد عدوى:

 

·        أميتاب الأسطورة وشاروخ الملك الجديد

·        13 ألف دار عرض و15 مليون مشاهد يوميًا

·        فاتنات بوليوود كاترينا وأنوشكا وأشواريا تخطين الحدود

100عام وأكثر ومازالت السينما الهندية ــ التى يزور أحد أساطيرها النجم أميتاب باتشان القاهرة خلال ساعات ــ تبدع وتتجاوز كثير من صناعات السينما فى العالم وفى العشر سنوات الأخيرة يمكن أن نقول إن هناك موجة سينمائية جديدة، أبطالها عدد من المخرجين الشبان الذين استطاعوا أن يغيروا النظرة التقليدية للسينما الهندية، والمدهش أن كبار نجوم السينما فى الهند ونجوم الشباك هناك استجابوا لهذه الطفرة الكبيرة، واندمجوا مع الأجيال الجديدة، وحققوا أعمالاً نافست على أهم الجوائز العالمية.

«الشروق» ترصد فى هذا الملف أهم ملامح السينما الهندية الجديدة التى تطل على ضفاف النيل مع العالمى أميتاب باتشان.. الأسطورة.

قبل أن نبدأ هناك أرقام وحقائق مهمة فى السينما الهندية.. فيكفى أن تعلم أن هناك 13 ألف دار عرض فى الهند، وتسجل وفقا للناقدة الهندية براكريتى جوبتا 15 مليون مشاهدة يوميا.. وأن الهند شهدت السينما للمرة الأولى مع الأخوين لوميير، مثل أغلب دول العالم لكن يبقى عام 1913 هو التاريخ الحقيقى لبداية السينما الهندية بعرض الفيلم الصامت «راجا هاريشاندرا».

الذى يصور الأسطورة القديمة لملك شريف ضحى بمملكته وزوجته وأطفاله ليفى بوعده من إخراج «دادا ساهب بهالكى»، والذى يعتبرونه فى الهند الأب الروحى للسينما.. وهناك تاريخ مهم فى السينما الهندية أيضا هو اليوم الذى شهد أول فيلم ناطق هو «عالم ارا» عام 1931 للمخرج أردشير إيرانى وفى عام 1937 شهدت الهند أول فيلم هندى ملون للمخرج أردشير إيرانى أيضا بعنوان «كيسان كانيا».

الأهم

فى تاريخ السينما الهندية علامات مهمة يأتى فى مقدمتها المخرج الكبير «ساتاياجيت راى» الذى نقل السينما الهندية إلى العالمية وحقق سعفة مهرجان كان عام 1955 بفيلم «باتر بانشالى»، وحاز الأوسكار عن مجمل أعماله عام 1992، وهناك أيضا المخرج «بيمال روى» والمخرج «جورو دوتّ».. ومن النجوم الذين كان لهم أثر فى بدايات السينما الهندية ديليب كومار وراج كابور وديف أناند، والممثلات نرجس مادهوبالا وميناكومارى ونوتان وفيجايانتيمالا، وأشا باريخ، ثم جاءت حقبة أميتاب باتشان ومعه من النجمات سريديفى وريكها وسميتا باتيل وهيما مالينى، وهم النجوم الذين صنعوا مجد السينما الهندية ورحيقها الذى ما زال منتشرا حتى الآن.

عصر جديد

يؤرخ النقاد لبداية الألفية الثانية وبالتحديد عام 2002 كبداية لموجة سينمائية مختلفة ابطالها خلف الكاميرا من المخرجين مرينال سين، شيام بينجال، ريتويك جاتيك، جيريش كازارافالى، جوفيند نيهالانى، سعيد ميرزا، رابيندرا دهارماجى، جوتام جوزو ميرا نائير، التى اختير فيلمها «زفاف مونسون» واحد من أهم خمسة أفلام عام 2002 وفقا لمجلة التايم، وكثير من الترشيحات العالمية، وحاز الأسد الذهبى من فينيسيا وكان من أبرز الأعمال التى نافست على أوسكار أفضل فيلم أجنبى، وتميزت هذه الحقبة بالبعد عن ثوابت السينما الهندية والتركيز على ازمات الطبقات المختلفة اقتصاديا وإظهار روح الهند الحقيقية، ويقول الناقد السورى محمد عبيدو عن الموجة الجديدة من المخرجين فى الهند فى دراسة أعدها: مرينال سين من أهم مبدعى السينما البارعين، والمعروفين فى عالم السّينما البنغاليّة.

وخلال عمله الممتد لخمسة عقود، أخرج 27 فيلما طويلا، 14 فيلما قصيرا و4 أفلام وثائقيّة متنوعة من ناحية جمال التّصوير السّينمائى والمحتوى، لكنّ دائما عرض فكر تحليلى عميق وأيديولوجيّة إنسانيّة بالتزام عميق نحو زمنى، فأنا ببساطة لا أستطيع أن أقفز عنه، وما دام الفقر والجفاف والمجاعة والظلم الاجتماعى هى حقائق سائدة فى زمنى، فإن عملى كمنتج أفلام هو أن أفهم هذه الحقائق. وربما كان مرينال سين مثلاً فريداً عن مخرج هندى ينمو من إخراج أفلام غامضة التوجه ورمزية فى البداية إلى إخراج أفلام تصور الواقع الهندى القاسى على نحو دقيق. إن التزاماته الاجتماعية وروحه الخلاقة واستخدامه للسينما كأداة للتغيير، كل هذه الأمور جرى الاعتراف بها. ومع اهتمامه الجديد فى الشرط الانسانى والشخصيات الحقيقية (من لحم ودم) أصبح لديه اهتمام بالحكايات المصقولة، وأصبحت أفلامه تحمل مواضيعه المعتادة: القمع والظلم والحرمان، التى يعانى منها أفراد الطبقة الوسطى والدنيا.

وتعتبر أفلام شايام بينجال مركزية فى تاريخ السينما الجديدة فى الهند، وهو الذى عمل فى السينما منذ عام 1960 قدم خلالها أكثر من 21 فيلما امتازت بملامستها الحارة للواقع الهندى مثل «البذرة» فيلمه الأول، الذى يعتبر علامة فارقة فى تاريخ السينما الهندية، و«شاراندا اللص» و«حصان الشمس السابع»، وغيرهم.

سينما مختلفة

شهدت السنوات الماضية ومع عدد من المخرجين الشبان السينما الهندية قفزة نوعية نحو العالمية، واستطاعت أن تصل إلى أبعد الحدود خاصة بعدما جذبت المخرج البريطانى دانى بويل عام 2008 أزقة، وحارات الهند ورواية الكاتب الهندى فيكاس سوارب سؤال وجواب ليحولها إلى فيلم المليونير المتشرد، والذى يؤرخ إلى نوعية جديدة ومختلفة من السينما فازت بجوائز كثيرة منها الأوسكار بالطبع.

بعدها يبدو ان رياح التغيير قد حلت على بوليوود من جديد فشهدت أعمالاً مؤثرة مثل اسمى خان للمخرج كاران جوهر من بطولة ملك بوليوود الجديد شارووخان والبلهاء الثلاثة للنجم أمير خان من اخراج راجكومار هيريانى وبعدها شهدت السينما الهندية عدة أفلام مختلفة، مثل راجينتى للمخرج براكاش جاها من بطولة رانبير كابور 2010 وفيلم جوزاريتش للنجم ريتيك روشان للمخرج سانجاى ليلاً، وفيلم الصورة السيئة للميلان لوثر، ومن بطولة فيديا بالان وفيلم بارفى للمخرج اناروج باسو من بطولة رانبير كابور وبريانكا تشوبرا 2012 وفيلم بين سينج تومار للمخرج تيجمانوشو دولهى من بطولة عرفان خان، الذى قدم أيضا أفلاما مثل لانش بوكس، وأخيرا فيلم الملكة وفيلم بى كى، واللذان أحدثا ضجة كبيرة العام الماضى بسبب جرأة الطرح الذى يقدمونه.

نجوم

تحفل السينما الهندية بأسماء كثيرة لها بريق وصدى عالمى الآن، من بينهم، وفى مقدمتهم النجم شارووخان الذى يطلق عليه لقب ملك بوليوود وهناك أيضا عامر خان واكشى كومار وسلمان خان ورانبير كابور وهيرتيك روشان وسانجاى دوت وعرفان خان وابن الأسطورة أميتاب باتشان ابهيشيك وجون إبرام وشاهد كابور، ومن النجمات اللاتى لهن تأثير كبير الآن فى السينما الهندية اشواريا راى وكارينا كابور وسونام وكاترينا كيف وبريتى زينتا وفيديا بالان وديبيكا بادكون وسوناكشى وانوشكا وبريانكا تشوبرا.

الشروق المصرية في

27.03.2015

 
 

معدات سينمائية عالمية "صُنعت في فلسطين"

العربي الجديد، الأناضول

في ورشة متواضعة لا تتعدى مساحتها الثلاثين متراً مربعاً، ينتج الشاب الفلسطيني نضال الكرنز معدات سينمائية يقول إنها تنافس العالمية من حيث الدقة، طامحاً أن تصل منتجاته إلى كل صناع السينما في العالم، تحت شعار (صُنع في فلسطين).

الكرنز (35 عاماً)، المولع بالتصوير، افتتح ورشته بجهود ذاتية، دون أي دعم، حكومي أو غير حكومي، قبل خمس سنوات في أحد أزقة مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية. 

والشاب، الذي درس الإعلام في جامعة الخليل، وأنتج عدة أفلام وثائقية، يقول إنه "من بين بيوت الصفيح وأزقة المخيم والمعاناة نصنع الإبداع".

وعن فكرة ورشته يوضح: "جاءتني الفكرة قبل خمس سنوات عند إنتاجي أول فيلم وثائقي (اسمه "العقدة" ويحكي عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين). لم أجد في فلسطين معدات سينمائية بالمواصفات المطلوبة، واقتناؤها أو استئجارها من الشركات الإسرائيلية باهظ الثمن".

ويمضي قائلاً: "من هنا كانت البداية، حيث بدأت في صناعة أول جهاز ويسمى (ستدي كام)، واستمر العمل في إنتاجه نحو أربعة شهور، وحاز على الجودة بعد فحصه من قبل خبراء". والـ"ستدي كام" هو حامل كاميرا يتم تثبيته على جسد المصور ويستخدم للتصوير المتحرك.

"يشكو الكرنز، الذي حصل على شهادات مواصفات ومعايير دولية للكثير من منتجاته، من عدم اهتمام الحكومة الفلسطينية بمشروعه، الذي يقوله إنه الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط"

ويقول الشاب الفلسطيني: "أزعم أن مشروعي المتواضع أحد أهم المشاريع في الشرق الأوسط، حيث إن صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني والسينمائي من أهم الصناعات العالمية، وهي صناعة تخترق عالم السياسة والاقتصاد".

وفي ورشة بدائية لما تفتقر إليه من أجهزة وآلات تصنيع متطورة، تمكن الكرنز، كما يقول، من إنتاج نحو 22 نوعاً من المعدات السينمائية، وهو يرى أن "هذه المنتجات أهم من ألف سفير لفلسطين". ومن الأجهزة التي صنعها "ستدي كام، ودولي صغيرة وأخرى كبيرة، وكرين، وكرين يدوي، وأتو كرين، وتركات كهربائي".

والـ"كرين" ذراع طويلة تحمل الكاميرا، ويصور من مناطق مرتفعة يصعب على المصور بلوغها، ويتم التحكم به يدوياً، ويكون موصولاً بشاشة أمام المصور. والـ"تركات كهربائي" هي سكة حديدية تسير عليها عربة ذات عجلات يجلس عليها مصورون بكاميرا يتم استخدامها لالتقاط مشاهد جمالية ولالتقاط مشاهد للأجسام المتحركة.

ويسوق الشاب الفلسطيني، الذي شارك في معارض دولية بجانب شركات عالمية، منتجاته لمحطات فضائية فلسطينية، وأخرى عربية غير فلسطينية، ويقول إنه يرفض بيع مشروعه لشركات عالمية، مضيفاً: "تلقيت العديد من العروض من شركات ومستثمرين في دول أجنبية للعمل لفتح مصنع أديره لهم، لكنني مصر على البقاء هنا في فلسطين وتطوير هذا المنتج بختم (صنع في فلسطين)".

ولا شيء في مخيم العروب جنوب مدينة بيت لحم، الذي يقطنه حوالى تسعة آلاف فلسطيني منذ احتلال عصابات صهيونية لأراضٍ فلسطينية عام 1948، يوحي بصناعة سينمائية، فورشة الكرنز عبارة عن بيت من صفيح تتناثر فيه قطع الألمنيوم والحديد والنحاس والقماش والجلد وغيرها، وهو أشبه ما يكون بورشة خراطة وحدادة بسيطة. ويستخدم هذا الشاب في صناعة السينما، حسب قوله، "أدوات بسيطة ومواد خاماً يستوردها من إسرائيل وأخرى من الخردة (قديمة)".

ويقول محمود أبو هشش، وهو مدير برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن قطان (غير حكومية)، إن "مؤسستنا فحصت عدداً من معدات الكرنز، ووجدناها لا تقل عن نظيرتها العالمية من حيث الدقة والجودة والمتانة، وقد اشترينا منه منتجات، وننتظر تسلم أخرى خلال الفترة القادمة". ومؤسسة القطان هي مؤسسة تنموية تأسست عام 1993 في بريطانيا كمؤسسة خيرية، وباشرت العمل في فلسطين عام 1998.

أبو هشش يمضي قائلاً: "عند إنشاء المؤسسة تم تجهيزها بمعدات صنعت في بلجيكا، وهي باهظة الثمن، واليوم بتنا نستعين بمعدات يصنعها الكرنز لنشجعه ونشجع المنتج المحلي". وبحسب ضياء الجعبي، وهو مختص بالدعم الفني في مؤسسة القطان، فإن "معدات الكرنز تباع بنصف سعر نظيرتها العالمية".

ويشكو الكرنز، الذي حصل على شهادات مواصفات ومعايير دولية للكثير من منتجاته، إذ يقول إنه باع منتجات من نحو 20 نوعاً وبأسعار تصل إلى نصف الأسعار العالمية، يشكو من عدم اهتمام الحكومة بمشروعه، الذي يقوله إنه الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.

ويناشد وزارة الاقتصاد الوطني دعمه ليتمكن من تسويق منتجاته داخلياً وخارجياً تحت شعار "صنع في فلسطين"، مضيفاً: "أحتاج إلى دعم وتطوير.. منتجاتي تنافس العالمية من حيث الدقة والمتانة وتباع بأسعار زهيدة مقارنة بالعالمية". وعن اتجاه إلى هذه الصناعة، التي تعلمها بالبحث والتجربة، يقول الشاب الفلسطيني إنها "موهبة نمت معي منذ الصغر، حيث كنت أعشق الفن والرسم والمشاريع".

العربي الجديد اللندنية في

27.03.2015

 
 

محاولة لكسر الاحتكار... و«الانتفاضة» حاضرة...

فيلم «المطلوبون الـ 18»... أبقار تُهدِّد أمن إسرائيل!

الوسط - جعفر الجمري

ثمة أفلام يرى فيها الكيان الصهيوني، أنها تُهدِّد أمنه القومي. «المطلوبون الـ 18» لفنان الكاريكاتير الفلسطيني عامر الشوملي، والذي استغرق تنفيذه خمس سنوات، وشارك في إنتاجه المخرج الكندي بول كاون، هو أحدها، في الوقت الذي يعالج موضوع الاكتفاء الذاتي الفلسطيني؛ ولو ضمن حدود مُعيَّنة، والذي يرى فيه الكيان الصهيوني أحد التهديدات الكبرى التي تواجهه؛ لكن هذه المرة بروح من السخرية المُرَّة والسوداء. بروح من الفكاهة ذات المدلول العميق.

يتناول الفيلم قصة مطاردة أحد أقوى الجيوش في العالم لقطيع من الأبقار، والذي يدور حوله موضوع العصيان المدني، ومحاولة كسر احتكار إحدى الشركات الإسرائيلية لمنتجات الألبان، في محاولة مجموعة تحقيق الاكتفاء الذاتي في بيت ساحور عن طريق مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. زمن القصة يدور فترة الانتفاضة الأولى؛ حيث تتم مطاردة الأبقار.

تنجح المجموعة في إنتاج كميات من الحليب، لتفاجأ بهجوم القوات الإسرائيلية على المزرعة، لتعتقل على إثرها الناشطين، والأمر بإغلاق المزرعة. يتمكن الناشطون من إخراج الأبقار، وإخفائها بعيداً عن العيون، لتستمر حملة البحث والتفتيش لأربع سنوات، في محاولة للقضاء على الأبقار!

تلك الرمزية التي طبعت الفيلم، تجعل الشوملي منحازاً في اشتغالاته إلى ما يُعرف بالمفاهيمية الفنية.

مع ملاحظة أن جَمْع الشوملي لعدد من الإمكانات والأدوات الفنية والإبداعية، أتاحت له ذلك الفضاء الرحب في اللعب على ثيمات المكان وقضاياه، من البورتريه إلى توظيف الأدوات الرقمية، والرسوم المتحركة، والكاميرا والتي هي مظلته الكبرى في أعماله السينمائية الوثائقية.

كيليان فوكس من صحيفة «الغارديان»، أضاء جوانب من الفيلم، في عدد الصحيفة يوم الأحد (22 مارس/ آذار 2015)، هنا أهمُّ ما جاء فيه، مع تقديم وهوامش لمحرر «فضاءات» في ثنايا المراجعة.

السخرية على الجروح... الشفاء

«لقد كان مرعباً إلى حدٍّ بعيد»، ذلك ما قاله رسام الكاريكاتير والمخرج الفلسطيني عامر الشوملي عن قراره تقديم فيلم مضحك (يضم أبقاراً ناطقة) حول وضع خطير جداً (الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أواخر ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي). وأضاف « أنا رسام كاريكاتير، والفكاهة هي جزء من الطريقة التي أرى بها الأشياء. وأعتقد أن الأمة التي لا يمكنها أن تسخر من جراحاتها لن تكون قادرة على الشفاء منها. لذلك عليك أن تُدرك أولاً المحيط، أو الحالة القذرة للغاية التي أنت فيها»، يُطلق المخرج الشاب البالغ من العمر 33 عاماً ضحكة ليكمل «ثم قُمْ بالسخرية من نفسك».

«المطلوبون الـ 18»، يحكي قصة حقيقية للجنة فلسطينية في مدينة بيت ساحور قرب بيت لحم، اشترت قطيعاً من الأبقار من مالك وَدُود في أحد الكيبوتسات، واستخدمتها في محاولة لتقويض السيطرة الإسرائيلية. (كانت جزءاً من حل للوصول إلى منظومة من الاكتفاء الذاتي، في الطريق إلى الاستقلال ذاتياً عن هيمنة الاحتلال الإسرائيلي). كان الغرض هو وضع حد لاحتكار شركة إسرائيلية لمشتقات الألبان (تنوفا).

بعد أيام قليلة من بدء إنتاج الحليب، هاجم الجيش الإسرائيلي مزرعة الأبقار واعتقل الناشطين وأمر بإغلاق المزرعة. حينها قرر المواطنون إخراج الأبقار من المزرعة وإخفاءها في بيوتهم بعيداً عن أعين الجيش الإسرائيلي، ليبدأ فيما بعد الجيش بحملة تفتيش واسعة استمرت أربع سنوات، حيث حاول خلالها «الجيش الأقوى في العالم» القضاء على 18 بقرة.

من منزله بـ «رام الله»، أخبرني الشوملي، الحادُّ الذكاء، ذو الرأس الكبير، والشعر الأسْوَد المجعَّد، وهو يتعافي من إنفلونزا تعرَّض لها، إنه سمع القصة للمرة الأولى كطفل في سورية. «ولدت في الكويت،» موضحاً «لكن عائلتي تعرَّضت للطرد في العام 1982، وأجبرت على العيش في مخيم سوري للاجئين». وعلى رغم أن المسافة تقدَّر بنحو ست ساعات فقط بالحافلة، كانت فلسطين «مثل بُعْدٍ آخر» لشاب منفيٍّ. «لم يبدُ كما لو أنه مكان حقيقي يمكن أن تقطعه جسدياً» ولعل هذا هو السبب الذي تحضر فيه المناشدة في قصة الأبقار: إنها لم تقِل غرابة عن فلسطين في ذهنه. كما أنها ضرب على وتر حسَّاس أيضاً لأن عائلة والده جاءت من بيت ساحور، وبعض المعنيين كانوا من الأقارب.

عندما قدَّم الفيلم، كانت أعمارهم تتراوح بين السابعة عشرة، وكان الشوملي مُحْبَطاً حين وجد أن بيت ساحور لم يكن هو الأمل تماماً باعتباره المكان الخيالي الجمعي أو المدينة الفاضلة، بتراجع الانتفاضة، وكذلك روح المجتمع التي أصيبت بالتراجع.

«اعتقدت أنه المكان المثالي؛ حيث يساعد الجميعُ الجميعَ، ولكن بدلاً من ذلك، كان العديد من الناس مهووسين بالسيارات والعلامات التجارية، ولا يهتمون إلا بأنفسهم فقط».

نافذة على الماضي

إنجاز الفيلم على مدى خمس سنوات أصبح «نافذة على الماضي» بالنسبة إلى الشوملي «لقد كانت عملية شفاء بالنسبة لي لإعادة هذا الواقع الذي افتقدته».

حقق الشوملي العمل باستخدام الأداء الحي وكذلك الرسوم المتحركة - وعلى رغم الشكوك التي تبدَّت من قبل المخرج الكندي المشارك بول كوان، تلعب النكتة في العمل دوراً مركزياً. ويصرُّ الشوملي على أنه «بالنسبة لـ (كوان) كان من الخطر بعض الشيء أن تحكي الأم قصة عن طفلها الذي يموت في تظاهرة، إلى جانب بعض الرسوم المتحركة لأبقار تقوم بـ «الضراط»، ولكننا كنا بحاجة إلى هذا المزيج من الحزن والكوميديا».

«كانت مُخاطرةً، ولم يكن هنالك ما يضمن بأن العمل سيتحقق «ولكن من خلال ما أسمعه من الردود على الفيلم في الداخل والخارج، فإن الأمور كانت إيجابية للغاية».

وفي هذا السياق، أشار الشوملي في حوار صحافي آخر إلى أن الفيلم «واجه عدداً من الصعوبات، من بينها الحصول على الأرشيف الذي كان في قبضة الجهات الرسمية الإسرائيلية، إضافة إلى كلفة الفيلم التي بلغت مليوناً و200 ألف دولار.

ضوء على السيرة

يشار إلى أن عامر الشوملي، من مواليد الكويت العام 1981، ويسكن في رام الله بفلسطين.

فنان تشكيلي متعدد التخصصات يتبنى في أعماله «المفاهيمية الفنية» من اللوحة، ووسائل الإعلام الرقمية والأفلام والكوميديا، في استكشافه القضايا الاجتماعية والسياسية الفلسطينية وأيقونة الثورة.

حاصل على بكالوريوس هندسة معمارية من جامعة بيرزيت العام 2003. واصل تعليمه العالي وحصل على الماجستير في الفنون الجميلة تخصص رسوم متحركة من بريطانيا.

في العام 2006، كان واحداً من 13 فناناً في «تجمُّع صُنَّاع السينما الفلسطينية» للمساهمة في مختارات أفلام قصيرة «صيف 2006»، و «فلسطين»، تقدم صورة للمجتمع الفلسطيني.

في العام 2011 عرض الشوملي عمله «أيقونة... داخل الإطار/ خارج الإطار»، وهو عبارة عن عمل تركيبي لصورة المناضلة ليلى خالد، مصنوعة من 3500 قلم أحمر شفاه.

رُشِّح فيلمه «المطلوبون الـ 18»، كافضل فيلم وثائقي من العالم العربي في مهرجان أبوظبي السينمائي 2014، وأفضل فيلم وثائقي في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس في العام 2014.

الوسط البحرينية في

28.03.2015

 
 

عن الفتى الأسمر

محمود عبد الشكور

أول مرة شاهدت فيها أحمد زكى فى التليفزيون كانت من خلال برنامج شهير جدا وأنا صبى (ربما كنت فى خامسة ابتدائى) اسمه "النادى الدولى" من تقديم سمير صبرى . لم أحفظ اسم الممثل، لكنى أتذكرجيدا وبوضوح ذلك الشاب الأسمر الذى كان يرتدى قميصا وبنطلونا فى منتهى البساطة، والذى تكلم بعفوية، وأخذ "يشوّح" بيديه، ويشتكى لأنهم استبعدوه من بطولة فيلم اسمه "الكرنك" من إخراج على بدرخان، أتذكر أن زكى قال : "طيب ما السينما العالمية فيها واحد زى القمر اسمه ألان ديلون، بس فيه كمان ممثلين سود"، كانت أول مرة أسمع اسم ألان ديلون، نجم السينما الفرنسية، ولكنى تعجبت أكثر من الطريقة اللى يتكلم بيها هذا الممثل الناشىء، فيها جرأة وبساطة وحميمية، وتعجبت من الوصف الغريب:"ممثل زى القمر"، هذا التعبير يطلق على الممثلات، لا على الممثلين الرجال. لكنى بدأت فى حفظ اسم احمد زكى مع عرض "مدرسة المشاغبين" لأول مرة فى التلفزيون، تعلّقت مثل معظم أبناء جيلى بكل الأبطال، لدرجة أننى أشتريت كراسة ونقلت أسماؤهم وأدوارهم واحدا واحدا، كما كتبت فى العناوين، وطبعا من ضمنهم أحمد زكى أو أحمد الشاعر. كان أداؤه مختلفا تماما عن الجميع، سعدت أكثر عندما رأيته فيما بعد فى إعادة من إعادات مسرحية "هاللو شلبى"، أى أننى شاهدت "مدرسة المشاغبين" أولا وليس العكس، لم استطع نسيان اسكتش "عودة الندل" الذى قدمه زكى، ولا تقليده للراحل محمود المليجى، وسط تشجيع وإعجاب الجميع: مدبولى وسعيد صالح وعبد الله فرغلى ، فيما بعد قال محمد صبحى إنه كان يتابع مشاهد زكى من الكواليس بإعجاب كبير، كان صبحى يظهر أيضا فى المسرحية فى دور الطبيب. بعدها شاهدت زكى فى مسرحية "العيال كبرت " فى عرضها التليفزيونى الأول، ثم كانت ضربته التلفزيونية الساحقة مع دور طه حسين فى مسلسل "الأيام" حيث تفوق على محمود ياسين اللى لعب نفس الشخصية فى فيلم "قاهر الظلام"( عرض الفيلم أيضا فى التليفزيون). لكن العجيب، وبسبب هذه الطريقة المختلفة فى الأداء، والتى لم أكن أدرك تفسيرا لها، فإننى أتذكر وبقوة أدوارا ليست مشهورة لأحمد زكى شاهدتها فى التليفزيون، منها مثلا دوره فى حلقات بعنوان "العسل المر"، ومسلسل عجيب نسيت اسمه أمام تيسير فهمى، كان زكى يموت ضمن أحداث العمل، ودور قصير فى مسلسل رمضانى اسمه "الشاطئ المهجور" ، عرض فى أحد شهور مضان فى السبيعنات من بطولة حسن يوسف، ودور قصير جدا فى فيلم "بدور" اللى كان مقررا علينا فى أعياد اكتوبر، كان زكى يؤدى شخصية عامل مجارى بطريقة مذهلة، وينطق اسم المستشار النمساوى وقتها برونو كرايسكى بشكل مضحك، ودوره الرائع فى فيلم كنت وما زلت مفتونا به هو "أبناء الصمت" اللى كان مقرر علينا أيضا مثل فيلم "العمر لحظة"، الفيلمان لمخرج واحد هو محمد راضى، ولكنى أحببت دور زكى فى "أبناء الصمت" أكثرمن "العمر لحظة" ، ودور آخر فى فيلم عرضه التليفزيون أيضا اسمه "العوامة 70"، ايه الراجل العجيب ده؟ وازاى هوة طبيعى أوى كدة؟ ثم كأنك يا أخى شفته فى الشارع إمبارح مثلا؟!!
لما جئت القاهرة فى عام 1983 لدخول الجامعة، كان زكى قد بدأ رحلة الإنطلاق السينمائية بعد نجاحه فى فيلم "الباطنية" بطولة نادية الجندى وإخراج حسام الدين مصطفى، ثم قدم أدواره الهامة بعد ذلك فى أفلام الميهى والطيب وخان وبشارة وداوود طوال سنوات الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية، أصبح الممثل المفضل لدى مخرجى الواقعية الجديدة، شاهدت كثيرا من أفلام أحمد زكى فى السينما وقت عرضها، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : كابوريا (ما زلت أذكر النجاح المدوى للفيلم ولشخصية حسن هدهد وللأغنية المعروفة )، وفيلما "الهروب" و"البيضة والحجر" (رأيتهما فى سينما راديو)، ومستر كاراتيه (شاهدته فى سينما ريفولى)، وفيلما أرض الخوف وأيام السادات ) رأيتهما فى سينما مترو أكثر من مرة)، وفيلم "الراعى والنساء" (شاهدته فى سينما التحرير عندما كانت أفخم سينما فى مصر، الحفلة كانت مكتظة)، واستكملت مشاهدة كل أفلامه الأخرى فى التليفزيون. أحمد زكى متولى عبد الرحمن بدوى المولود عام 1949، والمتوفى فى 27 مارس عام 2005 من أهم مشخصاتية السينما المصرية عبر تاريخها، موهبة جارفة، شديد الحساسية ، وعظيم المقدرة على التعبير بوجهه وجسده، يتميز باقتصاد مذهل فى الأداء، صوت خافت معبر، حتى طريقته على المسرح تخلو تماما من المبالغة أو رفع الصوت، أحمد زكى صنع انقلابا كاملا فى مواصفات النجم السينمائى، إنه مندوب الناس العادية والمواطن إكس، لولاه ما انفتح الباب أمام نجوم مثل يحى الفخرانى، لم يقدم زكى كل ما لديه أبدا، ولكن بصمته هى الأهم من بين كل ممثلى جيله، هناك شارع للبساطة والسهولة الممتنعة الصادقة ما زال وسيظل يحمل اسم أحمد زكى ، يحكى مدير التصوير سعيد شيمى أن عاطف الطيب قال له أثناء الإعداد لتصوير "البرىء": "أهو أنا عايز أحمد زكى يمشى زى العسكرى اللى جاى هناك ده"، عندما اقترب منهما العسكرى، وجدوه احمد زكى وقد لبس ملابس الشخصية، وتقمص مشيتها، كان زكى يقول :" أنا صفحة بيضاء عليها شخبطة بالقلم، لا يصبح لهذه الشخبطة معنى إلا عندما أقف أمام الكاميرا" .. ربنا يرحمك يا احمد ياشاعر.

الـ FaceBook في

28.03.2015

 
 

أبواق الدعاية الصهيونية تصدح في ثيسالونيكي السابع عشر

رامي عبدالرازق/ ثيسالونيكي (اليونان)- خاص:

        بينما لا يزال مهرجان ثيسالونيكي أحد أهم مناسبات

·        السينما التسجيلية الأوروبية، غزت هذه الدورة أفلام

·        تريد الدفاع عن الفكرة الصهيونية بإعادة التذكير بويلات

·        النازية.

"على العالم أن يتعلم الدرس وإلا فإن الليل سوف يسقط وسيحل الظلام على البشرية كلها".

هكذا كانت السطور التي اختتم بها المدعي العام قرار الأتهام في محاكمات نومنبرغ الشهيرة التي اجريت لقادة وضباط وجنود الرايخ الثالث عقب هزيمة المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وكان محور الأشارة التي تضمنها القرار يخص تحديدا الجرائم المتعلقة بمعسكرات الأعتقال النازية التي ازهقت ارواح الألاف من اليهود والغجر والمعاقين خلال سنوات الاجتياح النازي لأوروبا أثناء الحرب، ولكن وحدهم اليهود/ الصهاينة هم من استطاعوا ان يزيحوا من عداهم من قوائم ضحايا النازية ليستاثروا بمفردهم بعقدة الذنب الهائلة التي خلقت داخل المجتمعات الأوربية كنتيجة مباشرة لما فعله النازي واصحابه.

استطاع مهرجان سالونيك للأفلام التسجيلية عبر دورته السابعة عشر(13-22مارس) ومن خلال برمجه انتقائيه دقيقة ومحسوبة أن يطرح العديد من الأسئلة الحضارية والسياسية حول وضع العالم خلال القرن الحادي والعشرين وهو ذاته الشعار الذي أعلنه منذ انطلاقه مع بداية الألفية الجديدة (صور من القرن الحادي والعشرين).

فمن خلال 185 فيلما عبر احد عشر قسما تمثل البرامج الأساسية لقوام الدورة السابعة عشر يمكن أن نلمس بقليل من التمعن هذه الأشارات الباطنية التي يبثها تجاور التجارب التسجيلية عبر سياقات تتشابه في الروح وتختلف في الاطر والاشكال، ويكفي ان نشير إلى أن ثمة فيلمين من أهم الأفلام التي عرضت خلال فعاليات الدورة بديا وكأنهما فيلم واحد من جزئين رغم اختلاف المخرجين والدول المنتجة، الاول هو الأمريكي الأنجليزي الأسرائيلي الدنماركي المشترك "الليل سوف يسقط" للمخرج اندريه سينجر والثاني هو"كل وجه يملك اسما" للسويدي ماجنيوس جيرتن والحائز على جائزة اتحاد النقاد الدولي"الفيبريسي"لهذا الدورة.

"الليل سوف يسقط" بناء تسجيلي يعتمد على مادة فيلمية أفرج عنها مؤخرا من متحف الحرب البريطاني وتصور لقطات ومشاهد طويلة صورت بكاميرات وحدات السينما في جيوش الحلفاء (انجلترا وفرنسا والسوفيت) عن معسكرات الأعتقال الألمانية التي أكتشف الحلفاء أنها تحتوي على اطنان من الجثث البشرية التي ابادتها النازية.

وعلى نفس السياق باختلاف المادة يقوم بناء "كل وجه يملك اسما" على مشاهد طويلة لوصول مئات من اللاجئين المحررين من جحيم النازي إلى ميناء مالمو السويدي ومحاولة المخرج التعرف على اسماء هذه الوجوه العديدة التي تظهر في الفيلم لأعادة قراءة هذه اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ البشرية والعالم مدمجا اياها في لقطات حديثة لوصول مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين إلى نفس الميناء بعد سبعين عاما من وصول المركب الأول.

وكأن "كل وجه يملك أسما" هو الجزء الثاني من "الليل سوف يسقط" عقب تحرر مجموعات المعتقلين في المعسكرات النازية، ولكنه أيضا يبدو اقرب لجسر وثائقي أذا ما قمنا بتتبع المادة المصورة على استقامتها عبر طرح سياسي وحضاري لنجد أن المشاهد الأخيرة من "كل وجه يملك اسما" والتي تصور عمليات انزال المهاجرين غير الشرعيين إلى السويد تسلمنا فكريا ونفسيا إلى رحلة الروح الهائمة عبر كاميرا طائرة وزوايا غريبة ولقطة طويلة مشهدية داخل جحيم المهاجرين الغير شرعيين إلى اوروبا عقب نزلهم إلى شواطئها في توابيت الهجرة المسماة بالقوارب في فيلم "هؤلاء الذين يشعرون بلسع النار" للمخرج مورجان كنيبي. 

وعلى نفس الخط المستقيم يمكن بسهولة الربط ما بين "الليل سوف يسقط" الذي يصور هروب اليهود من جحيم النازي إلى فلسطين وفيلم"المطلوبون ال18" لأمير شوميل فتجاور الفيلمين يعبر عن تجلي المثال الأبرز لمتلازمة ستكهولم الشهيرة- تحول الضحية إلى جلاد- ونحن نتابع الصراع العربي الأسرائيلي خلال انتفاضة 1987 في بيت حانون عندما قررت اسرائيل أن 18 بقرة تكفل اللبن إلى المدينة الفلسطينية الصغيرة يمكن أن تصبح مهددة لامن اسرائيل وبالتالي تطالب بتلك البقرات من أجل الا تتحول بيت حانون إلى نموذج للمقاومة السلبية بمقاطعة الألبان الأسرائيلية وبالتالي الأضرار باقتصاد الدولة العبرية.

تسلمنا التجارب التسجيلية إذن عبر برامج المهرجان المختلفة إلى غواية الصورة الكبيرة التي تتشكل اجزائها تباعا عبر النظر إلى التفاصيل ولكنها في النهاية تصنع المشهدية الحضارية المطلوبة لمحاولة استيعاب  أن الليل قد سقط بالفعل والظلام قد حل على العالم.

ماذا فعلتم بعقدة الذنب؟

يعتبر فيلم "الليل سوف يسقط" في ظاهرة نموذجا للأفلام الدعائية الصهوينية التي طالما روج لها اليهود فيما يخص ما فعله بهم النازي خلال سنوات الحرب لكن المتأمل بقليل من الريبة تحت مسام البشرة التسجيلية فسوف نجد أنه يتحدث عن كيفية زراعة عقدة الذنب اليهودية لدى الألمان والأوربيين. أنه يفسر على مستويات كثيرة لماذا تدعم اوروبا اليهود الصهاينة في قتل الفلسطينين! لأن اليهودي الجيد- على حد قول ايال سيفان المخرج اليهودي المعادي للسياسية الأسرائيلية- هو اليهودي البعيد عن أوروبا. وإذا ما وضعنا المواد المصورة بهذا الفيلم والتي نرى بها اطنان الجثث المنتهكة ارواحها عبر شتى صنوف العذاب والقتل بجانب اكثر من ستين عاما من المذابح الأسرائيلية-خمسة عشر ضعف زمني من المدة التي نكل بها هتلر باليهود-فسوف نجد الأمر اشبه بتفويض اوربي يقول اذهبوا لتقتلوا العرب بعيدا ولكن لا تبقوا هنا لاننا سوف نحرقكم دون رحمة.

تذكرنا مشاهد الملابس المجمعة لسجناء المعسكرات في المواد المصور التي يعرضها الفيلم بأستفاضة كبيرة على اعتبار أنها القوام البصري الأساسي للبناء التسجيلي بمشهد الملابس المجمعة في الوان متشابهة الذي قدمه يسري نصر الله في الجزء الأول من فيلم"باب الشمس"عندما عادت نائلة واهل قريتها لبيوتهم بعد ان طردتهم عصابات الهاجاناه فوجدوا الأسرائيليين يضعون الملابس بنفس الأسلوب والطريقة التي كان النازيين يفرزون بها ملابسهم في المعسكرات!!

وإذا ما وضعنا مشاهد الاطفال المبتسمين والمراهقين الذين عادوا من حافة الموت في المشاهد التي صورها الحلفاء لتحرير المعسكرات بجانب المشاهد التي يعيد"المطلوبون ال 18" تصويرها عن المواجهات بين قوات الاحتلال والفلسطينين في بيت حانون دفاعا عن البقرات المطلوبات سوف ندرك حجم المآساة البشرية التي صيغت من ذهاب هؤلاء المراهقين بعد ثلاث سنوات فقط من تحريرهم من قبضة النازي كي يفرغوا كل شحنات الغضب والحقد والعذاب الذي شاهدوه وعلق داخل جيناتهم في شعب أخر في أرض اخرى بحجة دينية تخصهم ولا تلزم العالم.

يعرض الفيلم لقطات من الصحف الألمانية التي كانت تنشر بعد الحرب وتحمل صورا من المواد المسجلة عن جثث اليهود في المعسكرات وفوقها مانشيتات الصحفة الأولى التي تقول (هذا ما تسببتم فيه)محاصرة بدعايتها تخوم العقلية الأوربية التي تتشكل بعد الحرب والتي استراحت للأبعاد حتى لا يكون اليهود سببا في أي حرب مستقبلية في اوروبا وتجعل ما فعلوه في فلسطين تحريرا وليس أبادة وكأن رد الجميل للأنسانية التي حررتهم يأتي بتخفيف احمال الأرض بقتل بشر ابرياء كانوا يجلسون في هدوء اسفل بيارات البرتقال في بلادهم الجميلة بينما كان اليهود معبئين في الأفران الضخمة التي نراها في لقطات طويلة ينتظرون ان تصعد ارواحهم إلى السماء لأفساح الأرض لمن هم افضل منهم بحكم النظرة النازية العنصرية الشهيرة.

هل تعلمون لمن ذهبت تلك المواد لكي يصيغها في فيلم واحد طويل عام 1945 لكي يفضح للعالم ممارسات النازية؟ أنه هتشكوك نفسه! 

أجل الفريد هتشكوك العظيم الذي قرر أن المادة تحتاج إلى المزيد من القوة التأثيرية رغم كل ما تعرضه من فظاعات جعلت من بقوا على قيد الحياة من الضباط والمصورين والمونترين وهم في التسعين من عمرهم الأن يبكون كلما تذكروا تلك اللقطات التي صوروها او مشاهد اكوام العظام وبقايا الرماد البشري، ما فعله هتشكوك أنه قام بوضع خرائط مصورة حول مدى قرب المعسكرات من المدن والقرى الألمانية تحديدا كنوع من التأكيد على أن تلك المعسكرات كانت جزء من البنية الأقتصادية لألمانيا بحكم اعتمادها على عمالة بلا ثمن وبالتالي لم يكن السكان يتذمرون من روائح الجثث أو الهواء المعباء بدخان اللحم المحترق يوميا عقب انتهاء صلاحية الجسد الذي يظل يعمل حتى يموت من الجوع والتعب، ولكن الأمر في الحقيقة كما تكشف عنه بشكل غير مباشر اللقاءات التي اجراها المخرج اندرية سينجر أنه كان نوعا أخر من زراعة عقدة الذنب الرائعة في نفوس الألمان للقضاء على العداء التاريخي بينهم وبين اليهود.

أين ذهبوا ؟؟

تنقل لنا المواد الارشيفية المفرج عنها وشهادات العاملين في الجيش ووحدات التصوير العسكرية أن معتقلي المعسكرات الذين بقوا على قيد الحياة لم يكونوا يريدون العودة إلى موطنهم بل الهجرة إلى فلسطين او امريكا ولكن الصحف والمواد الأذاعية التي تصاحب مشاهد سفن الاجئين اليهود تعكس بشكل مباشر رفض امريكا وانجلترا أن تفتح ارضها لليهود الهاربين من اوروبا خوفا من نازي جديد ربما يظهر ذات يوم وبالتالي اصبح من السهل تقبل فكرة أن تكون هناك قطعة ارض بعيدة اسمها فلسطين يمكن ان يجتمعوا فيها كجيتو ضخم بعيدا عن اوروبا كلها.

ولكن يصبح السؤال هنا ؟؟ لماذا اذن تم حفظ هذا الأرشيف الضخم من المواد المصورة ولم يتم توظيفه ضمن عشرات الأفلام الدعائية خلال سنوات الأعداد لأقامة دولة اسرائيل! واكتفى الأمريكان بالحصول على بعض المشاهد واللقطات التي صيغت في فيلم قصير من اخراج هوليودي اخر هو بيلي وايلدر تم عرضه عام 1946 واصبح جزء من تاريخ الدعاية الصهيونية لتأكيد احقيتهم في وطن قومي يهودي يحميهم من غدر الأوربيين مجددا!!

لا يطرح الفيلم اجابة واضحة عن سبب الحفظ! يشير من بعيد إلى اسباب مخابراتية ضمن بدايات الحرب الباردة بين المعسكريين الغربي الأمريكي والشرقي السوفيتي خاصة أن الأمور لم تكن بعد واضحة بشكل كبير ورغيف العالم كان مختمرا طازجا بعد الحرب امام الحلفاء ينتظرون تقسيمه فيما بينهم بأسرع وقت وبشكل يضمن ثبات النظام العالمي الجديد أنذاك بأقل قدر من الخسائر واكبر قدر من الضمانات.

ولكن التحذير الذي اختتم به الفيلم سياقه الدعائي ضمن مشاهد محاكمات نومنبرغ( إذا لم يتعلم العالم الدرس فأن الليل سوف يسقط)يبدو الأن في اللحظة الحضارية الراهنة دليل على أن العالم لم يتعلم الدرس وأن الليل قد سقط بالفعل لأنه بعد ثلاث سنوات وفوق ارض طيبة تدعي فلسطين شرع هؤلاء الاجئين والهاربين من جحيم ملابس المعتقل المخططة طوليا باللونين الأبيض والأسود في تلقين العالم درسا جديدا في القسوة وموات القلب.

وهنا يمكن أن نتنقل بسلاسة ما بين المشاهد الأخيرة من فيلم "الليل" إلى اللقطة الأولى من فيلم "كل وجه يملك أسما" والتي تصور المئات من الاجئين وهم قادمون من المعسكرات المحررة إلى بلد جديد لكي ينطلقوا منه إلى العالم بعيدا عن اوروبا البغيضة والمدمرة.

ان بحث المخرج السويدي ماجنيوس جرتين عمن تبقى على قيد الحياة من هؤلاء اللاجئين ومحاولة معرفة اسم كل منهم والقصة التي وراء كل وجه وأسم هو تذكير للعالم بفظائع الحرب وويلات الدم المراق بلا ذنب وهو فيلم اقل دعائية بالطبع من الفيلم السابق لأنه مصبوغ بتلك الروح المسالمة الشفافة والتي حاول المخرج من خلالها وضع مقارنة بين استقبال الاجئين عام 1946 والقبض على المهاجرين غير الشرعيين في 2014.

الربط بين مشاهد الاجئين واللقاءات التي اجريت معهم ما بين امريكا وتل أبيب والسويد واستراليا وبين المشاهد البوليسية المبهمة لمحاصرة قارب المهاجرين غير الشرعيين والقبض عليهم هو ربط يبدو تعسفيا في ظاهرة لكنه ضمن سياق النظرة العامة لوضع الحضارة الأنسانية يبدو متجانسا بشكل كبير، فما حدث أن العالم لم يتطور إلى الأفضل ولم يتعلم الدرس الرهيب الذي لم ينتهي سوى من ستين عاما فقط فلا يزال هناك لاجئون يسعون للهرب من موطنهم لانهم مضطهدون ولأن الحرب اكلت بيوتهم والذي لم تآكل الحرب بيته أكلت الأوضاع السياسية والأقتصادية روحه فالليل الذي ظن العالم أنه لن يهبط مرة أخرى بعد درس الحرب العالمية الثانية والذي تصوررحلة لبحث عن اسماء الاجئين وقصصهم اذداد كثافة في ثلاثة ارباع القرن الذي مضى من عمر البشرية.

الجنة كامل العدد

 المشهد الأخير في فيلم "كل وجه يملك اسما" يمكن بسهولة أن ننتقل منه إلى المشهد الأول من الفيلم الهولندي "هؤلاء الذين يشعرون بلسع النار" الذي يبدأ بزروق مهاجرين غير شرعيين يغرق على شواطئ اوروبا ثم تنطلق الكاميرا إلى الفضاء مجسدة نظرة روح هائمة في جحيم يشبه جحيم دانتي لكنه اشد وطأة على النفس لأنه جحيم ارضي معاش وليس صورة من حياة أخرى غامضة حيث تنتقل تلك الكاميرا/الروح ما بين العشرات من اماكن وتفاصيل حياة المهاجرين والأجئين إلى اوروبا على اعتبار أنها الجنة الأرضية القريبة بينما الواقع الذي تصوره عين الكاميرا/الروح تسجل ما هو عكس ذلك تماما بل وتجعل من زيارة واحدة لهذا الجحيم عبر سياق الفيلم كفيلة بأن يفكر كل لاجئ ومهاجر غير شرعي في ان يطأ بقدمه اعتاب تلك الجنة التي علقت يافطة كامل العدد.

هذه إذن واحدة من ميزات المهرجانات التي تقوم على برمجة واعية ودقيقة ذات محصلة نهائية وليست مجرد مساحة عروض بلا سياج فكري ووجداني يحيطها ويؤطر ملامح دوراتها عاما بعد عام وإذا كان تاريخ الامم هو محصلة سردها فأن تاريخ السينما هو محصلة البرامج المهرجانية التي تجعل من اصطفاف الأفلام بجانب بعضها في شاشات متجاروة يمنحها المزيد من البريق الوجودي الخلاب والمفعم بالوعي والأدراك. 

ظلال وأشباح في

28.03.2015

 
 

38 سنة على رحيل أشهر مطرب فى القرن العشرين

ناصر عراق يكتب: الوسادة الخالية.. أكثر أفلام عبد الحليم تشويقا وإحكاما وجمالا

* أغنياته باللهجة القاهرية اللينة تعبير رقيق عن مشاعر الطلاب الفياضة بالأحلام

* صلاح أبو سيف استطاع يفجر طاقات العندليب ليبدو ممثلا جيدًا

* رقابة الإذاعة تحذف مقطعا من أغنية “أول مرة تحب يا قلبى” 

عندى.. سيظل فيلم “الوسادة الخالية” أكثر أفلام العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ متانة، من حيث البناء والإحكام ومهارات الصناعة السينمائية، صحيح أن الرجل قدم 15 فيلمًا وثلث الفيلم، طوال تاريخه الفنى القصير، إلا أن معظم هذه الأفلام افتقدت الجودة والإتقان، ولولا أغنيات حليم فى كل منها لسقط الفيلم فى مستنقع السذاجة الفنية.

لكن قبل الحديث عن “الوسادة الخالية” علينا أن نقدم إطلالة سريعة – بمناسبة مرور 38 على وفاته – توضح كيف تضافرت عوامل كثيرة دفعت عبد الحليم (21 يونيو 1929/ 30 مارس 1977) نحو الصعود إلى هذه المكانة السامقة فى دنيا الغناء، وجعلته يستحوذ على قلوب المعجبين والمعجبات بصورة مذهلة، لدرجة أن لوثة أصابت إحدى الفتيات فور علمها بوفاته، فأقدمت على الانتحار، فى واقعة لم تحدث من قبل، منذ عهد عبده الحامولى وسيد درويش حتى زمن محمد منير وعمرو دياب.

لا يمكن فهم ظاهرة عبد الحليم دون إدراك كامل لطبيعة القاهرة وأحوالها وناسها، هذه المدينة الساحرة التى امتصّت واستوعبت مصر كلها، وتمكّنت لهجتها اللينة من فرض نفسها على جميع من يتحدثون العربية داخل مصر وخارجها، فاللهجة القاهرية مفهومة للمشارقة والمغاربة، بسبب بساطتها وإيقاعها الفاتن الطرى المحبّب.

ظهر عبد الحليم عقب سقوط نظام ملكى لم يراع حقوق الغالبية العظمى من المصريين، وفى ظل معركة محتدمة مع الاحتلال الإنجليزى، الأمر الذى وفر له فرصة ذهبية للاقتناع بثورة يوليو وقائدها، هذه الثورة التى اهتمت كثيرًا بتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية من ناحية، وتوفير التعليم المجانى للملايين من ناحية أخرى.

هنا تكمن المعجزة.. الملايين يدخلون المدارس والجامعات بالمجان، بدءًا من منتصف الخمسينيات، هؤلاء الطلاب الجدد حالمون بوطن جديد، لا يعكر صفوه ملك أو إنجليز أو باشوات، طلاب رومانسيون – بحكم السن ومستوى التعليم – عبد الحليم يغنى لهم باللهجة القاهرية، سواء أغنيات عاطفية مشبوبة، أو وطنية تحث على العمل وتحتفل بالوطن وقائده عبد الناصر، يغنى بصدق فينفعل به الطلاب ويشعروا أنه المعبِّر الأول عنهم، خاصة وأن بنيانه الجسدى قريب منهم، فهو نحيل، ملامحه عادية، لا وسامة طاغية ولا دمامة منفرة، وإنما يمتلك قسمات هادئة طيبة، ومزوّد بنظرات حزينة عاشقة.

لاحِظ أن الغالبية العظمى من أفلامه لعب فيها دور طالب الجامعة، أو الذى تخرّج توًا فى الجامعة، والفيلم الوحيد الذى تقمّص فيه دور “كهربائى” فشل، ولم يحقق النجاح المأمول، وأعنى فيلم (دليلة/ 1956) للمخرج محمد كريم.

حليم.. المطرب المحظوظ سينمائيًّا

شاهد الناس عبد الحليم للمرة الأولى على الشاشة فى فيلمين خلال أسبوع واحد، وكان ذلك بعد ثورة يوليو بثلاث سنوات تقريبًا، إذ عُرِض فيلم “لحن الوفاء” للمخرج إبراهيم عمارة فى الأول من مارس من عام 1955، وفى السابع من مارس عُرِض فيلم “أيامنا الحلوة” للمخرج حلمى حليم، كما جاء فى موسوعة “دليل الأفلام فى القرن العشرين” للناقد والمؤرخ السينمائى الكبير محمود قاسم.

فى الفيلمين كان طالبًا جامعيًّا، وفى فيلمنا اليوم (الوسادة الخالية/ 7 أكتوبر 1957)، تقمص دور الطالب فى البداية، ثم مرّ بمنعطفات نفسية حادة، دفعته لأن يجتهد ويتخرّج ويتقدّم الصفوف وينجح فى مشواره العملى فى الحياة.

فى عام 1957 بلغ عدد المصريين نحو 23 مليون نسمة تقريبًا، لأن عددنا سنة 1947 كاد يصل إلى 19 مليونًا، وفى تعداد 1966 اقترب من 30 مليونًا، وفى ذلك العام أيضًا – أقصد عام 1957 – عرضت السينما المصرية 39 فيلمًا، من أهمها: رُدّ قلبى، وبورسعيد، ولا أنام، وعلمونى الحب، وابن حميدو، وتمر حنّة، والفتوّة، وأرض السلام، وبنات اليوم، وفتى أحلامى، فضلا عن فيلم “الوسادة الخالية”، أى أن عبد الحليم قدم ثلاثة أفلام فى هذا العام، الأمر الذى يؤكد أن له جمهورًا كبيرًا يتابع نشاطه الفنى، ويقبل على مشاهدة أفلامه فى دور العرض.

أبرز ما فى أفلام “حليم” أنها أنتجت جميعها وعرضت بعد ثورة يوليو 1952، فلم ير الجمهور صورة للملك فاروق فى خلفية أى مشهد، كما كان الأمر مع المطربين الذين سبقوه، ولم يظهر الممثلون بالطرابيش، الأمر الذى يجعل نجمنا محظوظًا صافيًا نقيًّا من أى تلوث بمناخات العهد “البائد”، كما كان يُطلق عليه.

الوسادة الخالية.. عبقرية صلاح أبو سيف

تبدأ مقدمة فيلم “الوسادة الخالية” بوضع اسم عبد الحليم حافظ قبل اسم الفيلم، وقد كُتِب بالخط الديوانى الرشيق، مصحوبًا بترجمة فرنسية، ما يوضح أن هذا الفنان الشاب استطاع فى عامين اثنين فقط أن يتصدر الجميع، ثم تتوالى الأسماء، بداية من لبنى عبد العزيز – وهو أول أفلامها – وزهرة العُلا، وأحمد رمزى، وعمر الحريرى، وعبد المنعم إبراهيم، وسراج منير، وعبد الوارث عسر ورفيعة الشال – التى لعبت دور والدة حليم – لكن الملاحظ أن الترجمة الفرنسية للأسماء اقتصرت على مؤلف القصة إحسان عبد القدوس، ومدير التصوير محمود نصر، والمنتج رمسيس نجيب والمخرج صلاح أبو سيف.

من المفيد أن نذكر، أن الترجمة إلى الفرنسية كانت سُنّة اعتادها صناع السينما فى زمن الاحتلال الإنجليزى، وذلك لأمرين: الأول لأن عدد الأجانب فى مصر كان كثيرًا وحاضرًا بقوة، والأمر الثانى فى شأن اختار صناع الأفلام للغة الفرنسية فى الترجمة – وليست الإنجليزية – حتى لا يسقطوا فى عار استخدام لغة المحتل، وهكذا تخفف أبو سيف فى سنة 1957 من هذه الضرورة، بعد جلاء الإنجليز تمامًا، قبل هذا التاريخ بعام، واكتفى بإلصاق الترجمة بكبار العاملين فى الفيلم فقط، وحرم الصغار منها.

فى البداية، نطالع عبارة بتوقيع المؤلف إحسان عبد القدوس، منطوقها: “فى حياة كل منّا وهمٌ كبير اسمه الحب الأول”، هذه العبارة هى التى تتكئ عليها فكرة الفيلم، وأظنك لاحظت أن مشكلات الحب الأول ازدادت مع دخول الشباب والفتيات الجامعة بمئات الآلاف فى عهد عبد الناصر، ويبدو أنها باتت تؤرق كثيرين من العشاق المخذولين، الأمر الذى جعل الثلاثى: إحسان وأبو سيف وعبد الحليم، يقدمون معالجتهم الناجحة لها.

الوسادة الخالية.. رومانسية التليفون

أنت تعرف قصة الفيلم، فهو يُعرَض كثيرًا، لكننى سأذكّرك ببعض المشاهد التى ترسم صورة لعصر وزمن، إذ كان أبناء الطبقة الوسطى يحظون بوجود التليفون فى منازلهم، كما توضح هذه المشاهد براعة المخرج وحساسيته الرهيفة، خذ عندك: الغرام المشتعل بين حليم ولبنى الذى اتقد عبر أسلاك التليفون، وأظنها المرة الأولى سينمائيًّا التى يُستَخدم فيها التليفون بهذه الكثافة للبوح والتدلّه فى الحبيب.

كذلك اللقطات الكبيرة التى رصدت حركة الأكف، وكيف تتعانق وتتشابك فى لحظات الصفاء، لكن هذه المغازلة بالأكف توقفت حينما خُطِبَت لبنى عبد العزيز لعمر الحريرى، إذ رفضت أن تمنح راحتها للحبيب الأول، إنه احتشام الفتاة المصرية وتقاليدها، رغم أنها لا تحب هذا الخطيب الجديد، ولا تنس اللقطة القريبة التى اصطادت رعشة شفتى لبنى عبد العزيز، وهى هائمة، قبل أن تتلقّى قبلة طويلة ساخنة من العاشق المفتون.

من أهم مشاهد فيلم “الوسادة الخالية”، اللقطات التى صُوِّرت فى صحراء مترامية وخالية، إلا من بقايا آثار قديمة على شكل مجموعة أعمدة فرعونية، يجلس عليها العاشقان ويتناجيان، وتتعجب أن هذا المكان على أطراف مصر الجديدة، حيث تقطن البطلة، فأين هذه الآثار الآن؟

أغنيات “الوسادة” الخالدة

لأن صلاح أبو سيف مخرج متميز، يعرف كيف يدير أدواته ليقدم للجمهور فيلمًا شيّقًا منطقيًّا ممتعًا، فقد وضع أغنيات الفيلم فى مكانها تمامًا، فعندما طرق الحب قلب “حليم” شدا بأغنية “أول مرة تحب يا قلبى”، وقد استخدم فيها التليفون أيضًا، والمفارقة أن الرقابة الإذاعية المتشدِّدة – فى زمن مبارك – حذفت عبارة من الكوبليه الثالث الذى يقول: “قلبى يعيد لى كل كلامك كلمة بكلمة يعيدها عليّا/ لسه شفايفى شايله سلامك/ شايلة أمارة حبّك ليّا”، فانزعجت الرقابة من حكاية الشفايف ومحتها من الإذاعة!

أما الموسيقار الكبير بليغ حمدى، فقد التقى “حليم” للمرة الأولى فى هذا الفيلم من خلال أغنية “تخونوه”، وكذلك صدح صوت فايزة أحمد بمقاطع من أيقونة الفيلم، وأعنى أغنية “أسمر يا أسمرانى”، التى برع أبو سيف فى توظيفها دراميًّا وموسيقيًّا، بشكل يثبت أنه قائد قدير، كما تمكّن المخرج من تفجير طاقات عبد الحليم التمثيلية، وأخرج أفضل ما لديه.

باختصار.. “الوسادة الخالية” أفضل أفلام عبد الحليم، وأكثرها إحكامًا وإمتاعًا، وإذا لم تتفق معى، رجاء شاهد أفلام العندليب مرة أخرى.. وقارن!

موقع (كايرو دار) المصري في

28.03.2015

 
 

جروح مفتوحة: ثلاثة أفلام عن الحروب الأهلية

محمد صبحي – التقرير

في أحد أيام العام 1980، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قُتلت عائلة “ديجول عيد” أمام عينيه. الجريمة الفظيعة، التي شهدت مثلها مئات آلاف العائلات أثناء سنوات الحرب الأهلية الـ 15، ترسّبت في عقل الطفل الذي رأى القاتل وحفظ صورته بداخله. بعد 10 سنوات من ذلك، هاجر عيد إلى فرنسا كي يدرس السينما. وفي 2007، وثّق مأساته العائلية في فيلم “شو صار؟”. أثناء تصوير أحد المشاهد، يصطدم عيد بالقاتل. لا يتشوّش عيد، ويسأله: “أتذكرني؟”، القاتل لن يتعرّف بالطبع على طفل في العاشرة. “أنت قتلت أمي”، يقول له عيد.

ذكريات الحرب الأهلية موضوع حساس للغاية في لبنان. للذكريات طابع فتاك، فهي من شأنها في كل لحظة أن تعود لتنكأ الجراح التي لم تندمل بعد. وفي تاريخ السينما العربية، يحتل الإنتاج السينمائي المتعلق بالحرب اللبنانية والمسمّى اختصارًا “سينما الحرب” مكانة أساسية؛ إذ من المعروف أن ولادة هذه السينما مع اندلاع الحرب في لبنان كانت إيذانًا بولادة ما للسينما اللبنانية نفسها.

وفي حروب القرن الـ20، لقي ما لا يقل عن 43 مليونًا من العسكريين حتفهم وأكثر من ذلك العدد من المدنيين؛ حيث تشير المصادر التاريخية إلى سقوط ما يقارب 52 مليونًا من المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الناجين من الحروب هم بطريقة ما خسائر صامتة جراء الصراعات العسكرية؛ بحملهم الكثير من آلام وأحزان الخسارة لسنوات طويلة. وربما يحاولون الحفاظ على العنف الذي شهدوه مختبئًا بداخلهم، خوفًا من التعاطي مع الماضي وجروحه الجسدية والنفسية.

لكن، تظل الصراعات الأهلية هي الأصعب للغاية بالنسبة للناجين الذين يشاهدون انهيار الحضارة الإنسانية والانزلاق السريع والخطير نحو عنف يغذّيه الخوف والطمع وجنون العظمة، وثمة اتفاق عام على أن الحروب الأهلية تحقق أعلى معدلات الجرائم الجماعية بحق البشرية، والسينما عندما تنتهي حرب أهلية في مكان ما من العالم تجد فيها موادًا لإنتاج أفلام عن تلك الحرب وتصوير بشاعتها ومدى الجرائم التي ارتكبت فيها وآثارها اللاحقة على المجتمع الذي وقعت فيه، وما أكثر الأمثلة في عالمنا الموعود بالقادة الدمويين.

ولأن الحروب واحدة؛ يعرض لكم “التقرير” ثلاثة أفلام، ليست عربية، تناولت الحروب الأهلية حول العالم.

The Travelling Players) 1975)

الفيلم الذي تم إنجازه تحت حكم العسكر، يحكي براديكالية لا تنقصها العاطفة متاهة السياسة اليونانية حول مأساة الحرب الأهلية من خلال أعضاء فرقة مسرحية جوّالة تجوب اليونان لتعرض مسرحية من أواخر القرن الـ 19 بعنوان “غولفو الراعية”.

تدور الأحداث بين عامي 1939 و1952: تاريخان يرقمان ذكرى بدء الحرب العالمية الثانية، وإقامة الانتخابات الرئاسية التي مهّدت لانتهاء الحرب الأهلية اليونانية ورسّخت حكم العسكر الديكتاتوري في البلاد. وتُرى كسلسلة من الأحداث الفردية غالبًا ما يتعذّر تفسيرها، مذيّلة بمونولوجات وأغانٍ وشعارات كتبت على الجدران. يكشف الفيلم تلك الفترة المضطربة بالتركيز على الممثلين الذين قضوا تلك السنوات الـ 14 في التجوال على مقاطعات ومدن وقرى اليونان، يؤدون في ظروف رثة على نحو متزايد ميلودراما لم يتمكنّوا يومًا من عرضها كاملة، بينما بقي الخروف الساكن المرسوم على ظهر ملابسهم محدقًا في أجيال سُفكت دماؤها وعاينت الدمار.

هذه المجموعة الحزينة والرثة، والجائعة أحيانًا، تقوم علاقتهم على روابط عائلية تعود لبيت أتريوس “House of Atreus” وتتنوع ميولهم السياسية بين المتعاون مع النازية “Aegisthus” والانتهازي “Chrysothemis” والقومي اليوناني “Agamemnon” والرافض للسياسة “Clytemnestra” واليساري المثالي “Electra” والشيوعي المقاتل “Orestes”. يملؤون أدوار أمثالهم الأسطوريين من القائد الهائم، الزوجة الخائنة، الابن الخائن أو المنتقم. وفي تجوالهم وقت الحرب بتناقضاتها، فإنهم يبدؤون بطريقة غير واعية في إعادة تمثيل دورة أسخيلوس “Aeschylus” المأساوية كما حفظتها الميثولوجيا اليونانية.

يعطي المخرج ثيو أنجيلوبولوس أبعادًا أسطورية لفيلمه ومن دون التنازل للسرد السينمائي التقليدي، يقدّم رؤية ملحمية للتاريخ اليوناني باستخدامه لمحاولات الفرقة الجوّالة لعرض المسرحية كورقة للعبور إلى الاحتلال النازي وتداعياته، الحرب الأهلية بين الملكيين والماركسيين التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وخطر الاستبداد السياسي بشكل عام. هناك تأثيرات ماركسية وفرويدية وبريختية واضحة في الفيلم ولكن أنجيلوبولوس ينجزها بأسلوبه المعتاد الذي سيطوّره على مدار مسيرته اللاحقة: لقطات طويلة وتجنّب شبه تام للقطات المقرّبة Close-up لصالح تحريك الكاميرا خلال سلسلة الرقصات الموحية بحيث يصبح الحدث في الأنحاء بدلًا من تصدّره الصورة، إبقاء مشاهد “الزمن الضعيف” التي تقع بين الحدث والآخر وفاءً لفكرة “الصورة الكبيرة” وتجنبًا للتقطيع. يقدّم فيلمًا مربكًا وباردًا، أكثر منه عاطفيًا ورومانتيكيًا، وتمامًا مثل “بريخت Brecht”، حيث الهدف ليس تماهي الجمهور مع الحدث بل خلق وعي ذاتي بالجدل الدائر، فإن أنجيلوبولوس لا يهدأ في محاولته لتصوير تلك الدوامة التاريخية التي تتطلّب الانتباه.

صفحة الفيلم على IMDB

War Witch) 2012)

عندما يبدأ الفيلم مع بطلته ذات الـ 12 عامًا التي يتم تسليمها بندقية لقتل والديها، يمكنك أن تكون على ثقة من أن الدقائق الـ 90 التالية لن تكون سهلة المشاهدة. هذا هو الحال مع فيلم الكاتب والمخرج الكندي كيم نجوين “Kim Nguyen” الذي يحكي قصة كومونا “Rachel Mwanza”، فتاة صغيرة تُختطف من قبل المتمردين ويتم تحويلها إلى “طفلة مقاتلة” في مكان غير مسمى من صحراء إفريقيا الجنوبية الكبرى. الفيلم يؤكد على أنه من وحي الخيال، ولكن هناك ذلك الشعور المزعج بأن قصصًا كهذه قد حدثت ولا تزال تحدث في هذا العالم الذي يغرس “ساحرة الحرب” في واقعية مؤلمة لا مفرّ منها.

نجوين، الذي أمضى ما يقرب من عقد من الزمان في البحث لأجل تلك الوثيقة الدرامية عن الجنود الأطفال في إفريقيا، ينجز ذلك العمل المؤلم عن شجاعة مذهلة لفتاة إفريقية في محاولتها النجاة من كابوس تلو الآخر في سبيل الحفاظ على ما تبقى من إنسانيتها. فخلال العقدين الأخيرين، تم إختطاف أكثر من 30 ألف طفل إفريقي من عائلاتهم والزجّ بهم في حرب عصابات مهلكة تنتهك آدميتهم، ويضطر فيها الأطفال لقتل المدنيين الأبرياء واغتصاب النساء والفتيات الصغيرات بل وحتى تشويه المارة العابرين. يقول أحد الأطفال الجنود: “هذه الحرب أحدثت ثقبًا في روحي وغيّرتني إلى الأبد”.

لكن، في حين أن الفيلم هو بالتأكيد بورتريه قوي -ومروع في بعض الأحيان- عن الظلم، فإنه ليس ثقيل الوطأة على طول الخط، ولكن ثقله الشعوري يتأتى بمهارة وحساسية. نجوين يملك متعاونين رائعين: موانزا بأدائها الرقيق والمعقد، توجّه الجمهور من مجرد مصمصة شفاه الشفقة إلى التعاطف الكامل مع مأساتها، والمصور السينمائي الفرنسي نيكولا بولدوك Nicolas Bolduc الذي يخلق لحظات من الجمال وسط وحشية الأحداث (على طريقة تيرانس ماليك Terrence Malick)، تضمن للفيلم انتباه العين بقدر القلب.

صفحة الفيلم على IMDB

Grbavica) 2006)

في الحروب التي دارت في يوغوسلافيا السابقة خلال التسعينيات قُتل أكثر من 100 ألف شخص، تم دفن الكثير منهم في مقابر جماعية قبل أن تسنح لعائلاتهم فرصة التعرّف عليهم. وتقول تقارير الأمم المتحدة أن نحو 20 ألف امرأة تعرضت للاغتصاب بشكل ممنهج في البوسنة. الكاتبة والمخرجة ياسميلا زبانيتش JasmilaZbanic صنعت فيلمًا عاطفيًا ومؤثرًا عن امرأة تعيش في سراييفو وتناضل مع كوابيس وأسرار هذه الحرب. يطارد الماضي الحاضر في هذه الدراما التي حملت عنوان غرابافيتشا، إحدى ضواحي العاصمة البوسنية سراييفو، التي شهدت أثناء الحرب الأهلية وقائع تعذيب بحق البوسنيين؛ حيث كانت أحد معاقل التعذيب والاغتصاب الصربية سيئة السمعة. قوة الدراما تأتي من تصوير آثار الحرب العرقية على أرواح وأجسام وعقول من تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، والذين لم يعودوا أبدًا كما في السابق.

يعود الفيلم بعد 10 سنوات من انتهاء الحرب ليحكي قصة “إسما” (ماريانا كارانوفيتش Mirjana Karanovic) امرأة صلبة في منتصف عمرها وابنتها المتمردة “سارة” ذات الـ 12 عامًا المتحمسة للذهاب في رحلة مدرسية مرتقبة. كلفة الرحلة 200 يورو، والابنة تعلم من أحد مدرسيها أن بامكانها الذهاب مجانًا لأن والدها كان أحد شهداء الحرب، ولكن يجب إحضار شهادة رسمية تثبت ذلك. حين تخبر سارة أمها بذلك، تحجم الأم عن إعطائها الوثيقة المطلوبة وتصرّ على دفع مصاريف الرحلة، هي التي تقوم بعمل نهاري في مصنع للأحذية وعمل ليلي كنادلة في أحد النوادي الليلية. لماذا؟

يتحدّانا الفيلم أن ننسى أن رياح الحرب تبقى طويلًا بعد انقضاء المعارك وصمت القنابل؛ فذكريات الناجين تحمل آلافًا من بذور المعاناة والألم. “إسما” تكشف بعض أسرارها في جدال عنيف مع ابنتها ينتهي بصدمة الاثنتين، ولكننا نعرف أن محبتهما وحاجتهما إلى بعضهما البعض ستحملهما إلى مستقبل أفضل.

باقتصاد حكائي وحسّاس كذلك، تؤسس زبانيتش فيلمها -الحائز على دب “برلين” الذهبي- على سلسلة من التفاعلات والمواقف البسيطة، بما في ذلك الصداقة الطيبة بين “إسما” و”بيلدا”، حارس النادي الليلي وأحد الناجين من الحرب، الذي ترك دراسته الجامعية ويقوم بزيارات منتظمة للمقابر أملًا في العثور على رفات والده الذي فقد في القتال والذي يتفكّر “إذا تذكرت كل شيء، كنت سأقتل نفسي”. ومع الأداء التمثيلي الجيد، ترسم المخرجة صورة كاشفة لمجتمع يكافح من أجل الاستمرار في حياة “عادية” والتعامل مع إرث معاناته المؤلمة.

صفحة الفيلم على IMDB

التقرير الإلكترونية في

28.03.2015

 
 

الفائز بأوسكار أحسن فيلم رسوم متحركة 2015

ستة أبطال كبار.. فيلم أمريكي بنكهة آسيوية

محمد هاشم عبد السلام

في حفلها السابع والثمانين، حسمت ترشيحات الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون جائزتها السنوية، المعروفة باسم الأوسكار، في فئة أفلام الرسوم المتحركة، لصالح الفيلم الذي يحمل عنوان "ستة أبطال كبار"، كأحسن فيلم رسوم متحركة لعام 2014، وهو من إخراج دون هال، وكريس ويليامز

اشترك في كتابة الفيلم ثلاثة من كتاب السيناريو وهم، جوردون روبيرتس، ودانيال جيرسون، وروبرت إل. بيرد. هذا إلى جانب مشاركة العديد من المعاونين في تطوير ورسم شخصيات الكثير من الأبطال المشاركين بالفيلم. أما قصة "ستة أبطال كبار" فهي مستلهمة، إلى حد كبير، من سلسلة "الأبطال الخارقون" الشهيرة التي أصدرتها مارفيل كوميكس.

الأمر المثير واللافت، من بين أشياء أخرى عديدة بهذا الفيلم، أنه، وبداية حتى من البوستر أو الملصق، وعبر الخطوط التي كتب بها والتصميم الكلي، تدرك أن ثمة ما هو آسيوي الطابع فيه وبشدة. ولولا أن المرء يلحظ كلمة ديزني على الملصق لظن بالتأكيد أنه أحد الأفلام اليابانية أو الصينية أو أنه على أبعد تقدير دعاية لآلة جديدة تم اختراعها هناك.

وبالفعل، مع التعمق في مشاهدة أحداث الفيلم، سيتضح لنا أننا أمام ما هو أكثر مما بدا في ملصق الفيلم. إذ أننا سنحتار في أي مكان على وجه التحديد تدور أحداث القصة، إنها بالتأكيد تدور في المستقبل البعيد، من الناحية الزمنية، لكن، من الناحية الجغرافية، نجد تداخلاً غريباً فيما يتعلق بالأجواء والأماكن وحتى الأسماء والشخصيات.

فبخلاف "بايماكس"، روبوت بمواصفات مختلفة عما عهدناه في الأجهزة الآلية، يعتبر البطل السادس المكمل لتلك الفرقة التي تكونت من شباب المخترعين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "الأبطال الكبار الستة"، هناك بطل الفيلم الصغير "هيرو هامادا" وشقيقه "تاداشي"، وغيرهما من الأسماء الآسيوية، التي، وللمفارقة ليست ذات ملامح آسيوية بالمرة.

أيضاً المدينة المستقبلية التي تدور بها الأحداث، تدعى "سان فرانسوكيو". وحتى الرجل الغامض، الذي سرق اختراع هيرو، وكان السبب في وفاة شقيقه، يضع على وجهه قناعاً يشبه إلى حد كبير أقنعة الكابوكي.

ذلك التداخل الغريب بين الثقافات الآسيوية وغيرها، حتى ذات البشرة السمراء الممثلة في المخترع وعضو الفريق "وسابي"، إلى جانب اجتماع جميع أفراد الفريق على قلب رجل واحد بغية إنقاذ العالم مما يتهدده من شر على أيدي ضعاف النفوس، وفي الوقت ذاته أيضاً نبذ العنف والكراهية، وعدم السعي إلى الانتقام حتى لو كان لشقيق هيرو، ربما توضح كل تلك الأمور السبب الذي جعل الفيلم يحظى بالأوسكار.

ومما يؤخذ على فكرة الفيلم وخلفية الأحداث، تناولها لفكرة الاختراعات والعلوم ودور العقل والشباب أو بالأحرى المراهقين من العلماء والمخترعين، والأفكار الاختراعات البراقة التي يفكرون فيها وينفذونها، لكن بدلاً من مناقشة الاستفادة من هذه الاختراعات أو حتى بيان تأثيرها على المستقبل وعلى المجتمعات البشرية، ظلت الفكرة أسيرة النمط الهوليوودي المتعاد. إذ يجتمع هؤلاء الشباب من المخترعين ويتحدون في النهاية ويكونون فريقاً لمصارعة الشر والانتصار للخير، وغيرها من الأفكار المتمحورة حول البطل والبطولة الأسطورية وإنقاذ العالم والبشرية إلى آخر تلك الفكرة المستهلكة والتي لا بد وأن تنطلق بالأساس من أمريكا ويكون الأمريكان على الأقل شركاء فيها

بالطبع، لا نستطيع أن نغفل أن الكثير من الأفكار الأصيلة والمبتكرة جداً موجودة بشكل أو آخر هنا وهناك في الفيلم، كذلك فيما يتعلق بالتنفيذ التقني العالي المستوى الذي ظهرت عليه الكثير من مشاهد الفيلم، فجاءت على نحو غاية في الإبهار والتجديد، لا شك أنها لعبت دوراً أيضاً في فوز الفيلم بالأوسكار. لكن لا بد في النهاية من التساؤل إن كان هذا الفيلم، على وجه التحديد، هو أفضل أفلام الرسوم المتحركة التي خرجت إلى النور العام الماضي واستحقت الوصول للقائمة القصيرة ثم الفوز بالجائزة أم لا؟

يتناول الفيلم قصة المخترع تاداشي هامادا وشقيقه الأصغر هيرو، الذي يهوى الاختراعات، وبمساعدة ودفع من شقيقه تاداشي الطالب الجامعي في الجامعة التقنية والهندسية بسان فرانسوكيو، يتحصل هيرو على قبول بالجامعة وذلك بعدما نجح في ابتكار جهاز عبارة عن مجموعة من الروبوتات أو الأجهزة الآلية الصغيرة التي تعد بالآلاف، والتي تعمل معاً بحيث تفكك وتركب وتتجمع وتتحد لتنتج أشكالاً لا حصر لها من النماذج والأشكال، وهي شبيهة في بنيتها وفكرتها بلعبة المكعبات.

وبمساعدة شقيقه أيضاً يتعرف هيرو على أصدقاء تاداشي من المخترعين في الجامعة، ويتعرف على شخصية كل منهم واختراعاته والمجال الذي يبرز فيه. وفي إحدى المرات يطلعه شقيقه على الجهاز الذي قام باختراعه وأطلق عليه اسم بايماكس، وهو عبارة عن روبوت لكنه مصنوع من المطاط أو مادة معينة تجعله شبيهًا بالبالون بحيث يمكن نفخه أو تفريغه من الهواء ووضعه داخل علبته التي يشحن بها.

والغرض الذي اخترع تاداشي الجهاز لأجله لم يكن فقط بغية إيجاد جهاز آلي خالي من أي بنية هيكلية وعبارة عن مجرد بالون كبير ضخم يمكن حمله وشحنه في أي مكان. فكرة تاداشي كانت أبعد من هذا، فذلك الجهاز الذي قد يبدو عادياً أو حتى قبيحاً بسبب ضخامته وجسده غير المتناسق بعض الشيء، مبرمج في الأصل من أجل التفاعل والتواصل الإنساني مع البشر. وعمله الأساسي يتمثل في كونه بمثابة ممرض أو معالج طبي ونفسي وبدني أو أي حالات مرضية أخرى قد يشعر بها الإنسان. بإمكان بايماكس فهمها جميع الحالات ومعالجتها وفقاً للبرنامج الخاص به.

وبناء على تلك البرمجة يتفهم الجهاز، بعد المسح الضوئي لجسد هيرو، حالة الإحباط والعزوف عن الحياة والدراسة والاختراعات ومدى الحزن والدمار النفسي الذي استولى على هيرو عقب وفاة شقيقه تاداشي. وذلك بعدما أصر تاداشي على الدخول إلى أرض المعارض بالجامعة، حيث كانت تعرض الاختراعات، من أجل إنقاذ أستاذه ومعلمه من الاحتراق بالداخل، بعد الحريق المفاجئ الذي شب بالمكان.

بصعوبة بالغة يبدأ هيرو في التفاعل مع بايماكس، لكنه يتحفز سريعاً للعودة إلى طبيعته المعتادة بعدما يدرك أن الروبوت الصغير الذي اخترعه لم يحترق في بقية الاختراعات في الجامعة، وأنه موجود بأحد الأماكن السرية بحوزة شخصية غير معروفة تضع قناعًا على وجههًا. وبعد ذلك، يتبين لهيرو أن سبب الحريق لم يكن مصادفة وإنما بفعل فاعل، فيصمم في بداية الأمر على الانتقام لشقيقه، لكنه للأسف لا يفلح لضعفه وعدم استعداده الجديد.

بمساعدة أصحاب شقيقه الراحل من المخترعين الذين لم يتركوا هيرو وظلوا بجواره طوال الوقت، يعقدون جميعًا العزم عبر التدريب والتفكير والاختراعات وغيرها من الحيل والأساليب المبتكرة على مواجهة ذلك الوحش أو الرجل الخطر صاحب القناع، الذي استولى على الاختراع وراح يسخره في خدمة أغراضه، وقبل كل شيء تسبب في مقتل تاداشي. وبعد معارك وصراعات ضارية تستمر على امتداد الفيلم، الذي يبلغ زمنه ساعتين تقريباً، ينجحون أخيراً في التغلب على ذلك الرجل الغامض واكتشاف حقيقته، التي شكلت مفاجأة صادمة بالنسبة للجميع.

موقع (24) الإماراتي في

28.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)