كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

تراجيديا عن شيخوخة أمنا الأرض

العرب/ طاهر علوان

 

فيلم 'المستعمرة' يعتبر من الأفلام العلمية الخيالية المستقبلية المتميزة التي تجسد الأرض بعد إصابتها بكارثة تهدد سكانها بالانقراض.

الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي والتلوث والسموم والانبعاثات وملايين الأطنان من المواد والغازات السامة التي تتدفق كل يوم، من جرّاء المخلفات النووية كلها مفردات صارت تتردّد باستمرار، وتشكل علامة فارقة للكرة الأرضية، وهي تصارع من أجل التوازن البيئي، ولكن دون جدوى.

فيلم “المستعمرة” للمخرج جيف رينفروي يقدّم للمشاهد منذ البداية صورة تراجيدية للكرة الأرضية، بعدما عصف بها الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي والانبعاثات السامة، مما دفع البشرية إلى إنشاء نظام وأجهزة قادرة على إنقاذ الحياة من هذه المعضلات الخطيرة.

وفي المقابل يبدد موسم الصقيع كل الجهود في هذا الاتجاه، ولهذا ستقع الكرة الأرضية تحت وطأة مناخ متجمّد وعواصف ثلجية لا تنقطع، فتدمّر الزراعة وتشلّ الحياة بالكامل بسبب استمرار هذه العواصف لسنوات طوال دون توقف. هذا الأمر هو الذي يدفع من نجوا من هذه العواصف إلى أن يتجمعوا في مستعمرات منظمة تحت الأرض، للحفاظ على حياتهم ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

نحن الآن في المستعمرة السابعة التي يقودها “بريغز” (الممثل لورنس فيشبورن)، ويساعده شخصان آخران وهما “سام” (الممثل كيفن زيغرز) و”مايسون” (الممثل بيل باكستون)، وهذان الأخيران يقفان على طرفي نقيض وفي تناحر واختلاف دائم، فـ”مايسون” بطبيعته إنسان عدواني ومتعجرف، ولا يتورّع عن إيذاء الآخرين بطريقة عدوانية، وهو ما يرفضه “سام”.

داخل المستعمرة تمّ تقسيم سكانها المتبقين إلى وظائف؛ يزرعون ويربون الدجاج والأرانب ويطهون ويخزنون الطعام، ولكن المشكلة هي في الخوف المستمرّ من احتمال العدوى بوباء الأنفلونزا، ولهذا فإن من تظهر عليه علامات الإصابة، يتمّ الحجر عليه مباشرة في محجر خاص.

وخلال ذلك يتمّ إعطاؤه الأدوية على أمل أن يتعافى، فإن لم يحصل ذلك فإن أمامه خياران، إمّا أن يخرج من المستعمرة ويترك سائرا هائما على وجهه وسط العواصف الثلجية حتى الموت، أو يختار الموت السريع والمباشر من خلال رصاصة واحدة يطلقها عليه “مايسون”، وهو ما يجب أن يثبته التحليل المخبري.

ومع ذلك يتصرف “مايسون” من تلقاء نفسه بعدوانية، وذلك بتسرعه في الإجهاز على أيّ مصاب، وهو ما يثير حنق “ســام” الذي يشــتكيه إلــى “بريغز” مديــر المستعمرة.

"المستعمرة" يقدم التلوث والاحتباس الحراري وشكل المدن المخربة وهياكلها المهجورة بمفردات سينمائية متقنة

تتواصل المستعمرة الجاثمة وسط الجليد مع مستعمرة أخرى تحمل الرقم 5، لكن فجأة ينقطع الاتصال بسكانها ممّا يدفع “بريغز” إلى استصحاب متطوعين لتفقد الأحوال هناك، فيتطوّع “سام” للقيام بالمهمة مع شاب يافع آخر.

يقطع الثلاثة رحلة شاقة تلوح خلالها جسور عالية من منشآت ومبان سابقة، وثمة ثغرات مخيفة في تلك الجسور تفضي إلى وديان سحيقة، وعندما يصلون إلى المستعمرة لا يجدون أحدا من سكانها، وليس ثمّة إلاّ آثار الدم، ويجدون شخصا محتجزا لوحده، وهو يعاني من العطش والجوع والذعر الشديد.

ويسعى الثلاثة لإنقاذه، ولكن من دون جدوى إذ يفضل البقاء معزولا هناك، إلاّ أنه يخبرهم عن نجاح مجموعة أخرى تبعد قرابة عشرة أميال في استعادة الصحو والشمس والأرض الصالحة للزراعة، وأن حاجتهم الوحيدة هي البذور لأغراض الزراعة.

ما إن يهمّ الثلاثة بمغادرة المكان حتى يفاجؤوا بمجموعة من الجياع، لم تجد ما تأكل حتى تعوّدت على أكل لحوم البشر، ويقع اشتباك بين الطرفين وصراع طويل ودامٍ يستخدم فيه “بيغز” و”سام” ما توفر عندهم من ذخيرة، ليعود “سام” في الأخير وحيدا بعد مقتل زميليه الآخرين.

ويرجع “سام” إلى المستعمرة، منذرا زملاءه كي يسرعوا في الهرب إلى تلك البيئة الجديدة المكتشفة التي شاهد مكانها على الخريطة والشمس مشرقة فيها على بعد ثمانية أميال، ولكنه يواجه برفض شديد من قبل “مايسون” بأن أحدا لا يجب أن يخرج ويجازف، وأن الخروج معناه الموت.

الكرة الأرضية ستقع تحت وطأة مناخ متجمّد وعواصف ثلجية لا تنقطع، فتدمّر الزراعة وتشلّ الحياة بالكامل بسبب استمرار هذه العواصف لسنوات طوال دون توقف

وتحسبا لما قاله “سام” تبقى المجموعة، وهي تراقب مداخل المستعمرة عبر الكاميرات، لكن لا شيء يحصل، حتى إذا اطمأنوا سيواجهون بأولئك المتوحشين، وقد غزوا المستعمرة، وبدؤوا فيها تخريبا وحرقا وقتلا، حتى يكون من بين القتلى “مايسون” نفسه الذي لم يكن مصدقا بما حذر منه سام.

أما هذا الأخير فيقود بضعة أشخاص من الناجين بما فيهم صديقته “كاي” (الممثلة شارلوت سوليفان) راحلين عبر الثلوج باتجاه تلك المستعمرة الافتراضية، وحاملين معهم شيئا واحدا هو كمية من البذور.

لا شك أن بناء الفيلم دراميا وموضوعه قد تميزا بحرفية ومهارة لافتة، وأداء مميز أيضا وكان موضوع التلوث والاحتباس الحراري وشكل المدن المخربة وهياكلها المهجورة تحت الثلج مقنعا جدا، لكن التشعب باتجاه كائنات “الكانيبال” أدخل الفيلم في نوع آخر، هو أفلام الرعب ومصاصي الدماء التي ربما تجد لها من يستمتع بمشاهدتها، ويراها تحوّلا ضروريا لإبقاء الأحداث في تصاعد درامي وصراع متواصل إلى النهاية.

العرب اللندنية في

23.03.2015

 
 

علا الشافعى تكتب فى ذكرى وفاته الـعاشرة:

أحمد زكى الرجل القلق صاحب الموهبة الألماظ .. النجم الراحل وصف نفسه بأنه إنسان بسيط وحساس لا يجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة ويفتش فى خبايا البشر

هناك على ترابيزة المبدع وحيد حامد فى أحد الفنادق الكبيرة المطلة على النيل، كثيرا ما كنت ألتقى النجم المبدع والظاهرة الفريدة التى لن تتكرر فى السينما المصرية والعربية أحمد زكى والذى تحل ذكراه الـ 10 فى 27 من مارس الجارى وكثيرا ما كان يأتى ليشاركنا محاضرات السيناريو حيث كان الكاتب الكبير مشرفا على دفعتنا بمعهد السينما، وبالطبع حضور زكى كان كفيلا بأن يأخذ المحاضرة إلى منطقة أخرى عن الفن وأدواره، وكيف يعمل عليها وكان حضوره الطاغى والآسر يجعل عيوننا جميعا تلتف حوله، خصوصا وأن العلاقة بينه وبين وحيد حامد كانت مميزة وممتدة ومليئة بالمشاكسات، ولن أنسى تلك المرة التى صادفت فيها النجم الأسمر ووقتها كان مرشحا للقيام ببطولة فيلم "سوق المتعة" قبل أن يذهب العمل إلى النجم محمود عبد العزيز، وكان زكى مبهورا بالسيناريو ينام ويستيقظ وهو فى حضنه وذلك كان تعبيره الذى استخدمه فى وصف علاقته بالعمل. دخل علينا ونحن جالسين حول الأستاذ وبحماس شديد كان يحدثه عن أحد المشاهد فى سيناريو الفيلم والذى ظل طوال الليل يعمل عليه ويتصور كيفية تنفيذه وكان المشهد بالتحديد (بعد خروج بطل العمل من السجن وشعوره بالعجز التام عن ممارسة حياته الطبيعية لدرجة أنه عند دخوله الحمام لم يستطع التعامل وقام بجلب صفيحة لأنه اعتاد على ذلك خلال أحلى سنوات شبابه التى قضاها فى السجن) وقتها لم أصدق عينى وأنا أرى لحظة تحول تلك الموهبة الفذة وكيف تماهى وتوحد مع شخصية البطل حيث استغل المساحة الضيقة التى كنا نجلس فيها وجعلها تشبه خشبة المسرح يصول ويجول وهو يجسد المشهد أمامنا مؤكدا أن مفتاح الشخصية يكمن فى هذا المشهد والذى هو تجسيد للقهر والعجز الإنسانى، وكيف أن بطل العمل لم يعد يعرف كيف يمارس أبسط حقوقه فى الحياة. يومها صفقنا بحب وانبهار بذلك الممثل المعجون بالموهبة، وكان حزنى شديدا عندما علمت أن سيناريو العمل استقر أخيرا عند النجم محمود عبدالعزيز وذلك ليس تقليلا من حجم موهبة محمود ولكن لأن أحمد كان يعيش ويستيقظ وهو يحلم بالشخصية والتى كان بالتأكيد سيأخذها ويحلق فى منطقة متفردة من الإبداع. ويبدو أن هذا المشهد الذى لا يزال محفورا فى ذهنى كان هو المفتاح لقراءة الكثير من الشخصيات التى جسدها ولعبها أحمد بعبقرية.. وبلغة أهل الفن شخصيات مقفولة والمقصود بهذا التعبير أن أحمد "قفل الشخصية" حيث لا نستطيع أن نتصور ممثلا آخر فيها.. وهذا الكلام لا يحمل أى قدر من المبالغة فهل نستطيع أن نتخيل ممثلا آخر فى دور منتصر بفيلم "الهروب"، أو عبد السميع فى "البيه البواب" أو ناصر فى "ناصر 56"، أو مستطاع فى "البيضة والحجر"، أو أحمد سبع الليل فى "البرئ" ، وهشام فى "ضد الحكومة"، وعلى عبدالستار فى "الحب فوق هضبة الهرم" ويحيى فى "أرض الخوف"، وغيرها من الشخصيات التى أبدعها زكى على الشاشة وحولها إلى درر فى عالم التمثيل وهذا يتسق تماما مع ما قاله النجم «أحمد زكى» فى العديد من حواراته عن نفسه حيث ذكر:«أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة أنا رجل بسيط جداً لديه أحاسيس يريد التعبير عنها، لست رجل مذهب سياسى ولا غيره، أنا إنسان ممثل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان، وما يعانيه الانسان المصرى من قهر وظلم هدفى هو ابن آدم، تشريحه، السير وراءه، ملاحقته، الكشف عما وراء الكلمات، ما هو خلف الحوار المباشر، الإنسان وتناقضاته، أى إنسان، إذا حلل بعمق يشبهنى ويشبهك ويشبه غيرنا، المعاناة هى واحدة، الطبقات والثقافات عناصر مهمة، لكن الجوهر واحد، الجنون موحد، حروب وأسلحة وألم وخوف ودمار، العالم كله غارق فى العنف نفسه والقلق ذاته، والإنسان هو المطحون». وبهذا الإحساس الذكى تعامل أحمد مع أدواره لذلك شكلت رغبته فى تقديم البنى أدم بكل تناقضاته وصراعه الاجتماعى والسياسى البوصلة التى اختار بها أدواره المميزة والتى باتت أيقونات فى تاريخ السينما المصرية والعربية وتربع على عرش التمثيل، متوجا ملكا للأداء الرفيع والذى يصعب تكراره، فأحمد لم يقم أبدا بتقديم دور يشبه الآخر بل هو نجما من ألماس يتوهج ويلمع ونعرف قيمته كلما مر الزمان

اليوم السابع المصرية في

23.03.2015

 
 

«ران».. الخاسر الأكبر في «الأقصر الأفريقي»

«سينماتوغراف» ـ أحمد شوقي

من بين أحد عشر فيلما شاركت في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، والذي انتهت دورته الرابعة مساء السبت الماضي، امتلك فيلم  «ران»  أو «Run»  للمخرج الإيفواري فيليب لاكوتPhilippe Lacote   مكانة فنية خاصة، ويمكن بثقة أن نعتبره الخاسر الأكبر في المهرجان، بعدما خرج خال الوفاض من المهرجان الذي قررت لجنة تحكيمه منح جائزتها الذهبية للفيلم المصري «الفيل الأزرق».

«ران» كان أشهر الأفلام المتسابقة في دائرة المهرجانات الدولية، حيث سبق له أن شارك كاختيار رسمي في قسم «نظرة خاصة» بمهرجان كان السينمائي 2014. وإذا كان القسم المذكور يهتم عادة بعرض أفلام تحمل تجارب سردية مغايرة، أو أفلام آتية من ثقافات مختلفة عن المصادر المعتادة، فإن فيلم المخرج الإيفواري الشاب يمكن اعتباره اختيارا مناسبا تماما للقسم. أما أمام لجنة التحكيم الأفريقية فيبدو أن للأمور حسابات أخرى.

طرح خارج التيارات السائدة

أول وأبرز ما يمكن ملاحظته في الفيلم هو اختلافه الواضح عما اعتدنا مشاهدته من السينما الأفريقية عموما، ومن سينما دول غرب أفريقيا بصورة خاصة. فأغلب الأفلام الأفريقية الحديثة يمكن تصنيفها ضمن تيارين كبيرين: المتأمرك والمستشرق.

التيار المتأمرك يحاول أصحابه تقليد أفلام النوع بنكهة أفريقية، يحاولون صناعة أفلام أكشن وأخرى رومانسية وكوميدية، مع بعض الأخلاقيات والكثير من بدائية الحرفة بحكم عامل الخبرة. لتأتي هذه النوعية عادة بأفلام ساذجة حتى لو امتلك أصحابها حرفة متطورة، ونذكر مثال شهير لها هو «نيروبي نصف حياة» أو «Nairobi Half Life»، فيلم الكيني توش جيتونجا الذي أغرم الجميع به في الأقصر قبل عامين وانتزع الجائزة الكبرى، بالرغم من كونه لا يزيد فنيا عن فيلم حركة أمريكي متوسط المستوى. مثال آخر من دورة هذا العام هو الفيلم المالاوي «بيلا» أو «B’ella»للمخرج تاونجا تادجا نخونجيرا، حكاية مراهقين مليئة بالمواعظ والانقلابات الميلودرامية، لا يشفع لها إلا قدومها من دولة تتعرف بالكاد على فن السينما.

على النقيض يمتلك التيار الاستشراقي الكثير من الأعمال الجيدة، والكثير من الأعمال الرديئة قطعا. وهو تيار متأثر بالسينما الغربية والفرنسية تحديدا، يمكن اعتباره رد فعل مستمر للسينما الاستعمارية التي أساءت كثيرا لصورة المجتمعات الأفريقية، فجاء رد الفعل بإعجاب متناه بكل ما يمتلك رابطا إثنيّا بالقارة. هي سينما إثنوجرافية حتى وإن لم تقل هذا صراحة، مفتونة بالعادات والطقوس والأساطير الأفريقية، موجهة عادة لمشاهد ذو ذوق غربي انتقل من حالة «يالها من قارة متخلفة» قبل عقود، إلى حالة «يالها من قارة مليئة بالأعاجيب» حاليا.

أفريقيا قطعا مليئة بالأعاجيب التي تستحق المشاهدة، وفي «ران» تلمح من أساطيرها أثنتين على الأقل، لكن الفيلم لا يضعها في معرض عرقي عن غرائب القارة، بل ينسجها في سرد سينمائي خاص بالفيلم، بحيث تكون قيمة الأسطورة مرتبطة بوجودها داخل هذا السياق الفيلمي، لا أن يكون ثقل الفيلم نابعا من الأسطورة التي يعرضها، وهذا فارق يمكن أن يلمسه من يقارن بين فيلم لاكوت وأفلام أخرى عُرضت من قبل في الأقصر، مثل «كينيا رواندا» أو «Kinyarwanda» للرواندي ألريك براون و«الطقس والمجنونة وأنا» أو «The Rite, the Lunatic and I»للتوجولية جينتل مينجويزاني، فلو حُذفت طقوس الزواج السحرية في توجو أو الحرب الأهلية الرواندية لن يبقى لنا فيلما نشاهده، بينما الأمرين متواجدين في الواقع بشكل مجرد يمكن القراءة عنهما وتوثيقهما بعشرات الأشكال.

على النقيض لو نزعنا أسطورتي صانع الأمطار والفيل من «ران» سيظل فيلما جيدا متماسكا، حتى وإن صار أقل قوة وشاعرية، بينما الأسطورتين منفصلتين لا يبدو لهما نفس القوة والتأثير، ولا يمكن أن يتواجدا في أي سياق آخر غير فيلم فيليب لاكوت، وإلا سيتحولان لأمر مغاير تماما.

لاحظ أننا وصفنا الحرب الأهلية الرواندية بالأسطورة بالرغم كونها حدث واقعي، لأنها تحولت في المخيلة السينمائية إلى أسطورة استشراقية، بمعنى أن المشاهد الغربي سيرحب مشاهدة فيلم عن الحرب الأهلية بمثل قدر ترحيبه بحكاية من تراث القارة. تماما كما سيرحب بفيلم عن الثورة المصرية أكثر من فيلم عن أزمة نفسية لإنسان مصري.

بناء ثري وجو عام مثالي

الفيلم يبدأ بشاب يرتدي ملابس غريبة «راجع أفيش الفيلم»، ظنّ معظم الحضور أنها ملابس أفريقية تقليدية، قبل اتضاح أنها مجرد أسمال يرتديها المجاذيب. الشاب يمسك بمسدس يوجهه لشخص لا نعرف من هو، يطلق النار ويفر هاربا. في المشاهد التالية يتضح حقيقة الحدث: مجذوب يعيش في الكنيسة الكبرى يطلق النار على رئيس الوزراء، لتبدأ حملة حكومية للقبض على المجاذيب، وقتل من يحاول منهم الفرار، ليتحول قرار البطل ران إلى مصدر للمزيد من التعاسة لنفسه وللآخرين، مثل معظم ما آلت إليه تصرفاته السابقة.

التصرفات السابقة نعرفها تباعا، بعد أن يتوقف تتابع البداية المستقبلي «فلاش فوروارد Flash forward»، ونعود لنقطة البداية في حياة ران، عندما أنضم لمعيّة ساحر عجوز، حالما بأن يصير صانع أمطار، أي كاهن يستعين به البشر لإنزال المطر. هذا هو الحلم الوحيد الذي أمتلكه ران، والذي فشل في تحقيقه لأن قلبه عند اللحظة المطلوبة كان أضعف من إتخاذ فعل قاس، وبعض القسوة مطلوب أحيانا.

ران ينتقل بين ثلاثة عوالم متتالية، عالم السحر وصناعة الأمطار، عالم الاستعراض الأفريقي بعمله مساعد لامرأة تدعى «جلاديس الأكولة»، تدور على القرى لتقدم عرضا تأكل فيه كل يقدمه لها أهالي القرية، والذين يقومون بتضحية غير منطقية على اعتياديتها، يقدمون قوتهم القليل ليسعدوا بمشاهدة سيدة سمينة وهي تأكله. أما العالم الثالث فهو عصابات المناضلين الوطنيين الإيفواريين، الذين ينادون بهوية البلاد في وجه التواجد الأجنبي، ويستخدم السياسيون حماسهم وإندفاعهم كأداة للضغط وقت الحاجة.

من عالم لعالم ينتقل ران في رحلة لم يختر أبدا أن يخوضها، في كل مرة يهرب خائفا فيجد نفسه جزء بسيط من عرض كبير، عرض يحمل في المرات الثلاثة حسا أسطوريا واضحا، لكنه حس آت من رحم البناء الفيلمي، من قرار المخرج بخلق أسطورة فردية ذات طبيعة تسلسلية كرونولوجية chronological، تتساوى فيها قيمة كل الحكايات في تعميد الشخصية الرئيسية لجعلها كافية للحظة الذروة التي يبدأ بها الفيلم: قتل زعيم المناضلين السابق الذي صار رئيس وزراء بألعوبة سياسية.

تساوي القيمة لا يأتي فقط في تأثير الحكايات التراكمي على نفسية ران، ولكن في تعامل صانع الفيلم فيليب لاكوت مع كل منها باعتبارها حكايته الرئيسية، يرسم جوّها العام بإتقان، عبر اختيار موقع للتصوير، مجموعة الألوان، الفصل المناسب من السنة، وبالطبع التصوير والتمثيل وإيقاع السرد في كل حكاية، والمرتبط بشريط صوتي ثري يتغير العنصر الحاكم فيه (التعليق الصوتي – الصمت مع المؤثرات – موسيقى الريجي) في كل حكاية عن الأخرى، ليمتلك كل جزء من الفيلم جوّه العام atmosphere المناسب، وهو شيء نادر الحدوث في أفلام أفريقيا السوداء، أن يتواجد مخرج قادر على خلق جو عام مواز للسرد الفيلمي.

محصلة فيلمية ليس إلا

«ران» عمل سينمائي بامتياز، من صنع مخرج حقيقي تمكن من استخدام العناصر المعتادة في السينما الأفريقية لصياغة فيلم لا يشبه معظم أفلام القارة. ستجد بعض الأساطير، وبعض الخلفيات السياسية، الموسيقى الصاخبة ومشاهد الغابات، لكن هذا كله مجموع في سياق واحد اسمه الفيلم، يضيف إليه ويستمد قوته من التواجد داخله، لتكون المحصلة النهائية له فيلمية بالأساس، وليست إثنوجرافية أو تأريخية أو سياسية، وهو إنجاز فني يستحق التقدير، حتى وإن خرج من المهرجان بلا جوائز.

سينماتوغراف في

23.03.2015

 
 

صفاء الليثي تكتب عن مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.. الصغير جميل حتى في الحمير

للمرة الأولى أحضر مهرجان للسينما الأفريقية على أرض مصر، كنت شغوفة بمشاهدة أفلام قارتنا السمراء بشكل مكثف، وفي ذهني التربة الحمراء ووجوه الأفارقة المحببة وملابسهم بألوانها الزاهية، وبالطبع في الذهن أيضا المجاعات والمذابح ومعاناة شعوب أفريقيا في بلدانها المختلفة .. في الذهن نجاحات تحققها السينما الأفريقية وآخرها فيلم “تومبوكتو” الذي عرض بالافتتاح.

ركزت مع عروض الأفلام القصيرة – لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الرابعة – التي بدأت في العاشرة من صباح 17 مارس 2015 بمكتبة الأقصر. المرة الأولى – على حد علمي – التي تعمل فيها المكتبة بكل طاقتها وتستضيف القاعة عروضا للأفلام. المخرج سعد هنداوي وبجواره المصور زكي عارف جالسان في الصف الأمامى، هما عضوان في لجنة التحكيم التي تشاهد الأفلام مع الجمهور. الجمهور كلمة غير دقيقة، فلا يوجد حضور من أهل الأقصر، وجل الحاضرين من ضيوف المهرجان أصحاب الأفلام وعدد قليل من عشاق السينما منهم الشاعر زين العابدين فؤاد وزوجته جوسلين تالبت والمثقف القدير حلمي شعراوي وزوجته وهما ناشطان في حقوق الإنسان وغيرها من الفعاليات.

المخرجة إنعام محمد علي والسيناريست سناء الشيخ وكاتبة هذه السطور والمخرج أحمد رشوان. المخرج سالم دندو والمخرج جورج كابونوجو، وعدد آخر لا أذكر أسماءهم. مسئول البرنامج القصير ومدير الندوات أحمد حسونة ومعه فريق من المهرجان لتنفيذ العروض. هناك جدية واحترام في كافة التفاصيل، بداية من احترام لجنة التحكيم وتواجدهم في موعد العرض تماما، وانتهاء بالاستجابة إلى طلبنا بتخفيف التكييف البارد في القاعة الجديدة.

في اليوم السابق حدث تعارف مع عدد من المشاركين بأفلامهم، يخاطبوننا: فيلمي في العاشرة أو الثانية عشرة.. نعم سأشاهد الأفلام كلها، تأكيد يحتاجه أصحاب الأفلام القصيرة التي عادة لا تجد متابعين، إذ يفضل الغالبية مشاهدة عروض الأفلام الطويلة التي تجري في قاعة المؤتمرات بأعلى درجات الجودة بالوسيلة الأحدث للعروضDCP غير المتوفرة في مكتبة الأقصر، حيث جهاز عرض جيد، ولكنه غير مثالي.

تعرض الأفلام روائية وتسجيلية دون فصل، وتقوم لجنة التحكيم بمنح الجوائز دون خلط النوعين معا. فتكون هناك جوائز للروائي وأخرى للتسجيلي، وقد ضمت المسابقة 13 فيلما روائيا وأربعة تسجيلية.

شهد اليوم الأول أفلاما قوية وهي التي حازت الجوائز، وشهد اليوم الثاني أفلاما مصرية مهمة نافست دولا أفريقية منها السودان ونيجيريا وتونس. فيلم الناقد والمخرج محمود الجمني “وردة” حاز على جائزة النيل الكبري التي استحقها عن جدارة، إذ يتناول المخرج شخصية فتاة أصيبت بالمرض، ولكنها تواجهه بابتسامة وتمارس عملا فنيا في تنفيذ لوحات بمطبعة صغيرة، بدون ميلودراما، وبرقة شديدة يضرب لنا المخرج ووردته مثلا في قوة العزيمة والصبر على الشدائد.

يقول المخرج عن فيلمه: ليس فيلما عن المر أو عن الفن الذي تقدمه الفتاة، بل عن المرأة التونسية القوية والثائرة، وفي كلمته بعد استلام الجائزة، يوجه نداءا للمسئولين: “اصرفوا على الثقافة”.

الجمني كان يقودنا بين قصر الثقافة وقاعة المؤتمرات، وقد درس شوارع الأقصر، رغم أنها زيارته الأولى لها.. يندمج مع الجميع نقاشا ومداعبة، حضوره محبب كما فيلمه الذي يعكس جمال الحياة.

من نيجيريا فيلم مدهش عن الاحتفال بالميت والرقص له قبل أن يواري جثمانه التراب، حاز شهادة تنويه خاص عن عمله المبهج رغم وحشة الموت، مخرج الفيلم جورج كابونجو مخرج قدير له أعمال مهمة شاركت بالمهرجانات، وكان من أكثر المشاركين انتظاما في حضور العروض.

الفيلمان التسجيلييان الثالث والرابع من مصر والسودان، همهما سياسي وقد تباينت حولهما الآراء. فيلم “ملكية جوبا” لمخرج سوداني شاب في عمله الأول يعتمد بالكامل على وثائق تروي تاريخ السودان، وما حدث به من ثورات بالتوازي مع لقاءات مع رياضيين يحكون عن تأثير التغيرات السياسية على مهنتهم، لعب الكرة، ينتصر المخرج لوحدة السودانيين ويعكس – بدون قصد – سببا من أسباب انفصال الجنوب، ونحن نشاهد فتيات بملابس عصرية تشجعن اللعبة بحيوية وإقبال على الحياة.

مزمل نظام الدين هو نفسه مقبل على الحياة، يحمل روح طفل أدهشها الغناء الصعيدي وفنون الرقص والعزف، التفت إلي متسائلا: هل يمكنني الانضمام إليهم؟ وقبل أن أجيب كانت الحلبة قد امتلأت بالشباب يمرحون بعد إعلان الجوائز في حفل ضم المشاركين وضيوف المهرجان.

مع مزمل قابلت غدير وهي فتاة عملت معه في الفيلم وكانت تصور الندوة، بوجهها المبتسم يظهر أسنانا بيضاء وحجابا وبنطلون، يمحي من ذهني الصورة التي تصلنا عن العقاب والاضطهاد لمن ترتدي البنطلون.. سودانية أخرى بلا حجاب يؤكد أن الوضع بالسودان لا يختلف عن الأوضاع في مصر، حيث تتنوع اختيارات الفتيات وتمتلكن حريتهن في العمل وفي اختيار الزي المناسب لهن.

اختلفت الآراء حول الفيلم المصري “جزيرة التحرير” الذي صاغه صانعاه الكاتبة هبه الحسيني والمخرج حسن صالح من وثائق مصورة بالتحرير بكاميرا هواة، بالتركيز على فترة حكم المجلس العسكري وقبل استلام الإخوان للسلطة، بوجهة نظر واضحة تدين “حكم العسكر” وتتبنى وجهة نظر ثوار يشعرون أنهم في جزيرة معزولة عما يجري خارج ميدان التحرير.

أجد من حق هبة وحسن التصريح برأيهما الذي قد يخالف البعض ممن شاهدوا الفيلم، وإن كنت لا أوافق على عدم النجاح في تلافي ضعف الصورة في المونتاج. في النهاية جودة الصورة وسيط لابد من احترامه لاكتمال العمل الفني. وهو ما تحقق مع الفيلم الفائز بأفضل فيلم روائي قصير “الأرض الأم” لمخرج أخبرنا أنه فرنسي، رغم أن الفيلم مسجل كمنتج لدولة السنغال، والمخرج أصوله من موريتانيا وتلقى دعما من عبد الرحمن سيساكو صاحب “تمبوكتو” ، لتصوير الفيلم، نلمح نفس سيساكو وأسلوبه الفني الذي تناول بهدوء فكرة تتعلق بالتغيرات التي يصادفها مهاجر عاد لموطنه مع أصدقائه من أصول عربيه وأفريقية ليدفن جثة أخيه، فيصعب عليه ذلك نتيجة سيطرة المتطرفين على بلدته، ويضطر لدفنه بعيدا عن مقابر العائلة. وفي الطريق تدور مناقشات بين الأصدقاء الأربعة وخاصة عند توقف، نجح المخرج في تبريره بعطل مفاجيء بالسيارة، يتميز الفيلم بسيناريو محكم وإخراج شديد الاحتراف لمخرج قدم عملا روائيا وآخر تسجيليا، ليأتي عمله الثالث هذا مكتملا في عناصره الفنية شكلا وموضوعا. والفيلم كان منافسا قويا لثلاثة أعمال أخرى أحدها للممثلة التونسية نجمة، أقدمت على إخراج عمل قصير أجده عملا جيدا من منظور اجتماعي عن زوجة تقليدية يهملها زوجها السياسي الزائف، فتقبل على التهام الشوكولاته تعويضا عن إهماله وخيانته لها. أسهبت نجمة في شرح دلالات سياسية لعملها وأجد أنها بالغت في شرح فيلمها، ناسية أنه علينا أن نستقبله وأن نقرأه دون الحاجة لمذكرتها التفصيلية عنه.

الثرثرة كانت داخل الفيلم المصري “لحظة” لمخرجه الوليد جمال عن فكرة قُتلت بحثا عن الشخصيات الدرامية وامتلاكها حياة حقيقية رغما عن مؤلفها. الوليد درس فقط في ورشة لصنع الأفلام ولحظه كان عمله الأول، وقد أدرك بنفسه قدرا كبيرا من أخطائه بعدما شاهد الأفلام الأخرى، وتعلم منها الإيجاز واختصار الحوار ليكون مكثفا دون شوشرة على الصورة التي بذل فيها مجهودا يحترم. الوليد جمال أعاد مشاهدة فيلمه بينه وبين نفسه بعد كل عرض للأفلام الأخرى ليدرس بنفسه مشاكل فيلمه ليتلافاها في أعماله القادمة. تلقى دعوة للمشاركة بفيلمه في وهران بالجزائر وفي مهرجان آخر بأفريقيا، وهذه إحدي فوائد المهرجانات بالتشبيك والتواصل بين منظمي المهرجانات وبين صناع الأفلام.

اقترب الفيلم المصري الآخر “نصبة” من الكمال، وحاز إعجاب الحضور لتعبيره عن لحظات مصرية جدا في موقف صاغه بتمكن عن الشاب الذي حضر قبل الفجر ليشرب شايا على نصبة بالشارع.

إيقاع الثورة التي تجري على مقربة من النصبة وتفاصيل الحياة خارج الموقع الذي اختاره المخرج، وحوار الشخصيات، رسمت صورة للقاهرة في لحظات تبدو ساكنة ولكنها تموج بالصخب وبالتوقعات لحدوث أشياء كبيرة، أفسد الفيلم أداء الممثل القديم عبد العزيز مخيون الذي سبب لي ولعدد من الحضور لبسا حول كونه يعرف الشاب القادم لشرب الشاي أم كونه مجرد عابر سبيل.

تكتمل الأعمال الفنية القصيرة التي تمتلك أسلوبا خاصا بأداء غير نمطي لممثلين لم يفسدهم الاحتراف وهو ما تحقق مع أحمد مجدي جزئيا، وما تحقق بشكل كامل مع ممثل لا أعرفه ولم يذكر اسمه في الكتالوج. وعرفت أنه نبيل نور الدين وأنه ممثل سكندري وناشط سياسي، أخبرني عنه الشاعر زين العابدين فؤاد الذي كان فعالا ومفيدا في المناقشات، مما جعلني أبدل رأيا سابقا لي راودني عن جدوى دعوة غير سينمائيين لحضور فعاليات مهرجان سينمائى، فقد وجدت حضوره والسيده زوجته جوسلين تالبت، والأستاذ القدير حلمي شعراوي وزوجته من أجمل ما حدث بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وكان تفاعلهم في النقاشات سواء في الندوات أو في النقاشات الجانبية مهما وممتعا لي ولعدد كبير من الحضور، خاصة شباب السينمائيين مثل السوداني مزمل والمصري الوليد والتانزاني أميل، وكان له فيلم روائي قصير يعكس كما فيلم “لحظة” عيوب العمل الأول والطموح الذي يفتقد القدرة على تحقيقه بأدواته البدائية.

يحضرني دائما المثل الشعبي “الصغير جميل حتى في الحمير”، وأجده وصفا مناسبا للفيلم القصير الذي يمضي قبل أن يتورط صانعه في ثرثرة مملة، يمضي عادة دون أخطاء فادحة، إلا إذا تصور صانعه أن جحشه اللطيف يمكن أن يتحول إلى حمار ناصح لو امتلك إنتاجا أكبر. لكن الحقيقة أن الفيلم القصير عمل قائم بذاته يمتلك من الجماليات وأسس البناء ما يجعلنا نشعر بالامتلاء والتشبع بحيث نضع مع المخرج نقطة النهاية قبل أن يراوغنا أحيانا بنهايات أخرى تفقده روعة السرد الذي بدأه.

الفيلم القصير فن له طبيعته الخاصة، يشترك في الكثير من السمات مع القصة القصيرة والصورة الفوتوغرافية”.. من كتاب كتابة سيناريو الأفلام القصيرة، تأليف بات كوبر وكين دانسايجر، ترجمة أحمد يوسف. انصح صناع الفيلم القصير في مصر بقراءتها قبل الشروع في إخراج فيلم قصير، واندهش من انتشار ورش العمل والتهافت عليها باعتبارها وسيلة سريعة لتجميع بعض المعارف لعمل فيلم قصير. لكن الأهم والمتفق عليه بين جميع آراء من لهم خبرة في صنع الأفلام أو في النقد هو مشاهدة الأفلام ومحاولة قراءتها واستيعابها.. تحليلها وتفكيها لدراسة عناصر تكوينها، وطرق سردها، وهو ما يمكنك من صنع فيلم قصير تنافس به على الجوائز في المهرجانات الدولية. وتوقع باسمك في قائمة صناع الأفلام.

موقع (زائد 18) المصري في

23.03.2015

 
 

احتفاء جماهيري كبير وترحيب بالسينما الأردنية

«ذيب».. وحَّد صـالات العرض العـربـيــة

المصدر: عُلا الشيخ ـــ دبي

في ظاهرة فريدة من نوعها وحَّد الفيلم الأردني الروائي الطويل «ذيب» للمخرج ناجي أبونوار الصالات السينمائية العربية في 19 من هذا الشهر، حين عرض في كل صالات السينما في العديد من العواصم العربية في توقيت واحد، لذلك كان من المتوقع رصد العدد الكبير من المشاهدين وهو مصطف أمام شباك التذاكر في دور السينما هنا في الإمارات، لشراء تذكرة مشاهدة «ذيب»، الذي حصل على جوائز عالمية من مهرجانات دولية عدة، بسبب الحملة الإعلانية الضخمة التي رافقت الفيلم، والتي دغدغت شعور المشاهد العربي بعرض وحّد دور العرض والمشاهدين في لحظة فارقة، وتسبَّب بهذا الذهول الذي صاحب غالبية مشاهدي الفيلم الذين منحوه العلامة التامة، مقترناً بضرورة عودة الثقة تجاه بقية شاشات السينما العربية، التي انحصرت لعقود طويلة فقط بالسينما المصرية، مؤكدين أن الفيلم عبارة عن تحفة فنية، تتخللها الكثير من المشاهد التي تصلح لأن تكون لوحات فنية تعلّق في المنازل، مشيرين إلى أن أداء الممثلين الذين يواجهون الكاميرا أول مرة أعطاهم شعوراً بأنهم أقرباء لهم، من شدة البساطة والصدق في الأداء.

فالفيلم الذي احتاج إلى عامين ليخرج إلى النور، يدور في مرحلة ما قبل الثورة العربية الكبرى بقيادة الراحل الشريف حسين، ويحاول أن يأخذ المشاهد إلى مشاعر سكان البادية المعروفين بترحابهم وإكرامهم الضيف، لكنهم لا يحتملون الغدر والخيانة، فقد يضحون بحياتهم من أجل كرامتهم وكرامة وطنهم.

عنود محمد طالبة في جامعة زايد قالت: «الفيلم قادر على أن يدخل مشاعر عديدة إلى القلب والروح»، موضحة «هناك المشاهد الخلابة مع موسيقى رائعة وأداء ممثلين لا يمكن وصفه، اضافة إلى لهجة البادية التي لم تنصفها الكثير من الأعمال الدرامية»، مؤكدة «أعتقد أن الأردن لديه فرصة كبيرة بأن يثبت نفسه سينمائياً».

في المقابل، قالت زميلتها شيماء العلي: «الفيلم أعطاني بشكل شخصي تأكيداً على أن البادية هي أساس كل الحكايات»، وقالت: «شعرت أن الممثلين اقرباء لي، نظراتهم الحادة، وحنية قلبهم، خصوصاً العلاقة التي تجمع بين الأخوين ذيب وحسين، خلقت في قلبي حالة من الصعب وصفها».

العلاقة بين الأخوين ذيب وحسين كانت حديث غالبية المشاهدين، فذيب الذي فقد والده، يعتبر حسين شقيقه الأكبر محور حياته، يلحقه أينما ذهب، يقلده، ويريد تعلم إطلاق الرصاص أيضاً على يديه، فالصورة النمطية عن البدوي المعروف بقسوته، ذهبت مع الريح مقابل مشهد حماية حسين لأخيه في أكثر من حالة في الفيلم.

يؤكد علي المنهالي «أنا شخصياً معجب كثيراً بالثقافة الأردنية، ولكني لم أتوقع مشاهدة فيلم أردني بمقاييس عالمية، خصوصاً أنني سمعت أن الممثلين جدد»، وأضاف «الفيلم تحفة فنية، تستحق المشاهدة والتمتع بكل تفصيل فيها».

تستمر أحداث الفيلم في قلب الصحراء الشاسعة الذهبية، ضمن لقطات تصويرية غاية في الدقة، تحاول معها الدخول شيئاً فشيئاً في علاقة الطفل ذيب مع كل شخصية تظهر في الفيلم، بداية من شقيقه حسين، مروراً بالضابط البريطاني وليس انتهاء بتاجر كان يأخذ قوت يومه من قوافل الحج قبل بناء سكة الحديد.

أكد حمد الملا أن «صفات البدوي جميعها تجتمع في هذا الفيلم، بداية من حسن الضيافة، أياً كان الضيف، مروراً بالمساعدة دون سؤال، اضافة إلى النخوة والشهامة التي تظهر، خصوصاً بعد محاولة غدر الضابط البريطاني ومرافقه لذيب وشقيقه، وتركهما في الصحراء المليئة بقاطعي الطرق، ومع ذلك أصر حسين على أن يحميهما خوفاً على حياتهما لأنهما لا يعرفان الطريق»، وقال: «الأجمل في الفيلم، هو تجسيد الكرامة بأعلى مستوياتها من خلال طفل صغير، اختصرها عدوه الذي قتل شقيقه حين قال: الذيب لا ينجب إلا ذيباً».

اللعبة السياسية في الفيلم، غير مهمة في حضرة الطفل «ذيب» الذي لا يفقه كل هذه التوازنات التي كانت تحاول أن تجد لها مكاناً بين العرب، هو لا يريد أن يفهمها، لكنه وعى أن الغدر لا دين لهن والخيانة هي سبب كل الانكسارات، هو أدرك بفطرته البدوية، فيما تساؤلاته الطفولية كانت بسبب الفضول وليس لبناء موقف تجاه البريطانيين أو العثمانيين، وهما قطبا حكاية «ذيب».

عمر العمري عبر عن اعجابه بالفيلم قائلاً: «الفيلم ذكي جداً، وفيه الكثير من العبر، أما المشاهد التصويرية فهي مذهلة»، وأكد «علاقتي بالسينما العربية سيئة جداً، لكني ومن شدة ما سمعت عن صيت هذا الفيلم قررت مشاهدته واعجبت بما رأيت»، موضحاً «شاهدت فيلماً بمقاييس عالمية، انصف البادية وسكانها، وأبرز صفات العربي الأصيلة، ناهيك عن تمثيل من الصعب أن ينسى لكل شخص في الفيلم دون استثناء».

تفاصيل كثيرة شكلت أحداث الفيلم، الصندوق الذي يحمله الضابط البريطاني، والذي يشغل بال «ذيب» فضولاً بمعرفة ما في داخله، طريقة موت حسين ووصيته لشقيقه، وسم القبيلة الذي يوضع على قبر حسين، علاقة «ذيب» مع قاتل شقيقه، عندما تجمعهما الصحراء، ولا خيار أمامهما إلا قبول كل واحد الآخر إلى حين، محاور كثيرة جعلت من المشاهد متيقظاً لكل حل مع كل معضلة، سيعيش تفاصيلها المشاهد العربي الذي جلس أمام شاشة السينما في غالبية الأقطار العربية في التوقيت نفسه لموعد انطلاقه.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

23.03.2015

 
 

دينا: «سعيكم مشكور» تجربة مختلفة ولن أترك السبكي

كتب الخبرأحمد عارف

انتهت الفنانة الاستعراضية دينا أخيراً من تصوير أحدث أعمالها السينمائية {سعيكم مشكور} مع المخرج عادل أديب، وأشارت إلى أنه أحد أفضل الأعمال التي قدمتها خلال مشوارها الفني
عن جديدها كان هذا اللقاء.

·        أخبرينا عن تجربتك في فيلم {سعيكم مشكور}.

فيلم شبابي، يدور معظم أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي. كنت سعيدة جداً بالعمل عندما اتصل بي صديقي المخرج عادل أديب ليبلغني فكرته، ووافقت من دون تردد، خصوصاً أن معظم أبطال الفيلم من النجوم الشباب الذين سيكتبون مستقبل السينما في الفترة المقبلة، وعلينا جميعاً مساندتهم لتستعيد السينما تألقها ومجدها. يشاركني البطولة كل من دانا حمدان ودارين حداد وأحمد خليل وطارق التلمساني وأكرم الشرقاوي ومحمود الليثي وبيومي فؤاد ومصطفى أبو سريع. ويتولى التأليف والإخراج عادل أديب، والإنتاج {فاين ارت} والتوزيع الشركة العربية للسينما.

·        يقال إن العمل يناقش فكرة الموت بطريقة ساخرة.

لم يطرح الفيلم الموت بشكل ساخر أو خلاف ذلك، ولكن ننتقد فلسفة الموت بهدف إقناعهم بضرورة أن نعيش الحياة، وأن نتقبلها بحلوها ومرها، إيماناً بما يسمى فلسفة الحياة، وذلك كله في إطار كوميدي أقرب إلى الشكل الكارتوني، لأن الهدف في الأساس إسعاد الجمهور وإضحاكه.

أصيب الجمهور في السنوات الماضية بالملل من الأعمال الحزينة، وأعتقد أن حديثي في البداية مع المخرج عادل أديب حفزني أكثر لفكرة السخرية من الواقع، وإعادة بث الأمل في نفوس المصريين.

·        هل فكرة الفيلم مقتبسة؟

قصة الفيلم مقتبسة من أفلام مشابهة نُفذت في إنكلترا وفرنسا والهند وأميركا، وهذا ليس عيباً، بل ثمة أفلام كثيرة تُقتبس من أعمال أخرى. المهم هو المعالجة المختلفة، وهو ما نحرص عليه.

·        ماذا عن تعاونك مع فريق عمل معظمه من الشباب؟

شعور جيد جداً ومختلف. {لازم أجيال تسلم أجيال أخرى} للنهوض بحال السينما التي بدأت الحمد لله تسترد عافيتها خلال الفترة القليلة الماضية، و{سعيكم مشكور} يملك عدداً كبيراً من مواهب جميلة أرى أنها ستكون مستقبل السينما، واختير عدد منها من المسارح ومركز خالد جلال للإبداع الفني.

·        ما هي تفاصيل الدور الذي تجسدينه في الفيلم؟

لا يمكن أن أحرق تفاصيل العمل، لكن باختصار أقدم شخصية سيدة تتحدَّث اللغة الإيطالية وفجأة يتوفى زوجها ليتغير سياق الفيلم كاملاً، بسبب واجب {العزاء} في منزلها والذي يُقدم بشكل كوميدي.

·        هل ارتباطك بشركة إنتاج أخرى يعني ابتعادك عن آل السبكي؟

لا يمكن الحديث في هذا الشأن راهناً، لكن الحاج أحمد السبكي هو بمثابة والدي وكل من عمل معه قبل ذلك يعي تماماً معنى حديثي.

·        لكن تردد أنك انفصلت عن المنتج أحمد السبكي بعد انتهاء آخر أعمالك معه. فما حقيقة هذا الأمر؟

مجرد إشاعة. سمعت هذا الكلام أكثر من مرة، لكنني لم ألتفت إليه أو أفكر بالرد عليه، لأنني اعتدت على الإشاعات لدرجة أنني بت أشعر بالملل من دونها. يعرف الجميع حجم علاقتي به، وأنني أعتبره {تميمة حظي} في السينما. وعلى المستوى الشخصي هو أكثر من صديق، والفنانون الذين يتعاونون معه لا يخسرونه على المستويين الشخصي والمهني لأنه رجل ناجح وفنان.

·        ما سبب هذه الإشاعة؟

لأنني تعاونت مرة مع المنتج حسين ماهر في فيلم {هاتولي راجل} كضيفة شرف، ثم فيلمي الأخير، ما جعل كثيرون يتصورون أنني تركت شركة {السبكي} وهذا الكلام سمعته بنفسي من أحد الصحافيين. لكنهم تجاهلوا أنني قدمت فيلم {هاتولي راجل} في الموسم نفسه الذي قدمت فيه {عش البلبل} مع السبكي.

وأضيف أنني لم أمض مع المنتج أحمد السبكي أو غيره عقد احتكار، فربما أتعاون معه في عشرة أعمال متصلة، وربما أتعاون مع شركة أخرى في الوقت نفسه.

·        هل ستكونين بطلة فيلمه المقبل؟

حتى الآن لم أستقر على شكل الفيلم المقبل، وما زلت في مرحلة القراءة، خصوصاً أنني تلقيت أكثر من عمل أحدها مع المنتج أحمد السبكي، ولكن لن أتحدث عن التفاصيل حتى أبدأ التصوير، فقد أعتذر عن العمل أو يتوقف لسبب ما.  

·        يقدمك السبكي في معظم أعماله كفنانة استعراضية، بينما الأمر يتغير مع منتجين آخرين، فأيهم تفضلين؟

يهتم السبكي بالأعمال الفنية التي تحمل {التيمة} الشعبية، لذا يحرص على تقديم فقرات استعراضية، لأنه لا ينسى أبداً أنني في الأصل فنانة استعراضية، وهذا الأمر أواجهه أيضاً مع منتجين آخرين يستغلون كوني راقصة فيقدموني على هذا النحو. لا يضايقني هذا الأمر غير أنني أرفض أداء فقرة رقص لا علاقة لها بالعمل والدراما وسياق الأحداث، لأنني دائماً أهتم بتفاصيل الشخصية جيداً.

فجر يوم جديد: {تمبكتو} والأقصر!

كتب الخبرمجدي الطيب

أثناء متابعتي مراسم حفل افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية (16 – 21 مارس 2015) لم أستطع أن أنحي عن تفكيري وذاكرتي صورة فاروق حسني وهو يفتتح مهرجاني القاهرة السينمائي الدولي والمهرجان القومي للسينما المصرية، طوال الفترة التي تولى فيها حقيبة وزارة الثقافة.

كان الرجل غاية في التكثيف وهو يكتفي بالقول: «بسم الله... نفتتح المهرجان»، على عكس ما جرى في حفل افتتاح الدورة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية؛ حيث انهالت الكلمات على ضيوف الحفل، ومتابعيه، كالرصاص، واعتلى كل من لديه مقعد في الصف الأول خشبة المسرح ليقول كلمة. فإضافة إلى عصام شرف رئيس الوزراء السابق، الذي تحدث بوصفه رئيس مجلس أمناء المهرجان، تحدث محافظ الأقصر، التي تستضيف المهرجان على أرضها، سيد فؤاد رئيس المهرجان، وعزة الحسيني مدير المهرجان، بالإضافة إلى ممثلي وزراء الثقافة والشباب والسياحة. كذلك تحدث رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي أهداه المهرجان درع طلعت حرب لدوره في دعم صناعة السينما المصرية، وسار على نهجه المكرمون: النجمة ليلى علوي والمخرج خالد يوسف... ولولا غياب المخرج البوركيني إدريسا وادراوجو، بسبب مرضه المفاجئ، لما انتهت «المكلمة» التي لا تجد لها مثيلاً في أي من مهرجانات العالم!

العجيب أن إدارة المهرجان كانت تستطيع، لو أرادت، إيقاف هذا الطوفان الخطابي «الممل»، عبر الاكتفاء بالفيلم التسجيلي الذي رصد تطور المهرجان، واختصار الفقرة الفنية التي قدمتها فرقة «ملكوت» الموسيقية، والاحتفاء بالمكرمين، ثم تقديم أعضاء لجان تحكيم مسابقات الأفلام الطويلة والقصيرة وأفلام الحريات والوصول، مباشرة، إلى فيلم الافتتاح «تمبكتو» (موريتانيا / فرنسا) خصوصاً أن الفيلم (97 دقيقة)، الذي أخرجه عبد الرحمن سيساكو، سبق وصوله إلى الأقصر سمعة طيبة مدوية، بعد حصوله على جائزة «سيزار» الفرنسية، ووصوله إلى قائمة الأفلام التسعة المرشحة للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية في الدورة الـ 87 للمسابقة الشهيرة، وانطباع إيجابي كبير حققه الفيلم عقب عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.

اللافت أن فيلم «تمبكتو» نجح، في مشهد غير مسبوق، في إجبار ضيوف حفل افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية على البقاء في مقاعدهم لمتابعته، بعد ما جرت العادة، في المهرجانات السينمائية المصرية، على انفضاض الحشد بمجرد انتهاء مراسم التكريم، والانصراف عن مشاهدة فيلم الافتتاح، وهو ما لم يحدث هذه المرة، لأهمية وجرأة مضمون الفيلم الذي يرصد ظاهرة تنامي التطرف الديني في دول الساحل الإفريقي، وبالتحديد مدينة «تمبكتو» التي عُرفت بهويتها الثقافية وخصوصيتها التاريخية، وتعرضت لاجتياح أعضاء تنظيم القاعدة، ونجاحهم في فرض كل أشكال العنف والقهر والقوة، تحت ستار الدين، وإصدار الفتاوى التي تُحرم الموسيقى والغناء، ولعب كرة القدم، وتدخين السجائر، ومشاهدة التلفزيون، وإباحة زواج القاصرات.

وفي لقطة من أجمل ما قدمت السينما العالمية، طوال تاريخها، يُبدع المخرج عبد الرحمن سيساكو مشهداً لمجموعة من الصبية أعلنوا تحديهم لجماعة العنف، بأن نظموا مباراة في كرة القدم من دون كرة، بعد أن افترضوا، للهروب من فتوى التحريم، والتحايل عليها، بأنهم يتقاذفون كرة وهمية، وهو ما يثير حيرة أتباع و»زبانية» التنظيم، بسبب عجزهم عن التعامل مع الأمر، ما يضطرهم إلى الانصراف تاركيهم من دون عقاب!

في هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن فيلم «تمبكتو» حفل بكثير من المشاهد التي غلبت عليها النزعة الإنسانية، وعذوبة الرؤية، ورهافة الحس، بعيداً عن الخطابة والمباشرة المعتادة عند تناول ظاهرة التطرف الديني، كما حدث في مشهد المرأة التي تم القبض عليها، والحكم عليها بالجلد لقيامها بالغناء. لكنها لم تستسلم، ولم تعلن التوبة، بل ظلت تغني أثناء تنفيذ عقوبة الجلد، وانتزع المشهد الإنساني المؤثر تعاطف كل من شاهده.

كانت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية قد أهدت، في لفتة طيبة للغاية، أعمال الدورة الرابعة للفنان خالد صالح (20 يناير 1964 – 25 سبتمبر 2014)، وكرمته في حفل الافتتاح بأن منحت نجله الأكبر درع التكريم، كذلك أصدرت كتاباً سجل مسيرته الفنية والحياتية، ونظمت ندوة بعنوان «اتجاهات التمثيل في السينما المصرية... خالد صالح نموذجاً»، حضرها الممثل التونسي المرموق هشام رستم، وفي إطار تأكيد الوجه الثقافي للمهرجان، والتوجه الإفريقي أيضاً، صدر كتاب مرجعي بعنوان «الفيسباكو... حالة إفريقية» عن المهرجان البانافريقي للسينما والتلفزيون من تأليف كولان دوبري وترجمة عبلة عبد الحفيظ سالم وتقديم وتحرير الناقد علي أبو شادي.

نجح المهرجان، عبر دوراته الأربع، في تلطيف أجواء «الحرب الباردة» بين مصر ودول القارة السمراء، وبعدما حقق الهدف راح يصبو إلى تبني رسالة على درجة كبيرة من الأهمية تمثلت في توظيف فن السينما من أجل حشد صفوف أبناء القارة لمجابهة الإرهاب، والتطرف، وهي الرسالة التي أكدها، بجلاء، فيلم الافتتاح

الجريدة الكويتية في

23.03.2015

 
 

ثالث تجربة سينمائية لهشام العسري حول قيم الفن والانفتاح والحرية

'البحر من ورائكم' ينال الجائزة الفضية لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية

خالد لمنوري

فاز الفيلم المغربي الطويل "البحر من ورائكم"، للمخرج هشام العسري، بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الذي اختتمت فعاليات دورته الرابعة أول أمس السبت في جنوب مصر، بمشاركة 41 دولة.

توج الفيلم بـ"الجائزة الفضية"، وقدرها 2000 دولار أمريكي، باعتباره تجربة سينمائية تنتصر لقيم الفن والانفتاح والحرية، وتروم تقديم وجهة نظر فنية بحثة، أكثر من الحرص على ربح رهان شباك التذاكر.

وبخصوص باقي جوائز المهرجان، فاز الفيلم المصري "الفيل الأزرق" بجائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم روائي طويل، وعادت الجائزة البرونزية للفيلم الإثيوبي "بيتي وعمار". وحظي فيلما "عين الإعصار" من بوركينا فاسو، و"أوموتوما" من رواندا بشهادتي تقدير من لجنة التحكيم.

وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، نال الفيلم السوداني "إيقاعات الأنتيتوف" جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم وثائقي طويل، وعادت جائزة لجنة التحكيم الخاصة "الجائزة الفضية" لفيلم "المعاناة" من بنين، أما الجائزة البرونزية فحصل عليها فيلم "ممرات الحرية" من ناميبيا.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة، ذهبت الجائزة الكبرى لأحسن فيلم وثائقي قصير وقدرها 2000 دولار لفيلم "وردة" من تونس، ونال الجائزة الكبرى لأحسن فيلم روائي قصير وقدرها 2000 دولار، فيلم "الأرض الأم" من السنغال.

أما جائزة مسابقة أفلام الحريات، التي تبلغ 2000 دولار، وتحمل اسم "شهيد الصحافة المصرية الحسيني أبو ضيف"، ففاز بها فيلم "حلم شهرزاد"، من جنوب إفريقيا.

ومنحت مؤسسة شباب الفنانين المستقلين جائزتها، التي تحمل اسم المخرج المصري الراحل رضوان الكاشف، للفيلم المصري "جاي الزمان".

يذكر أن الشريط المغربي"البحر من ورائكم" هو ثالث تجربة طويلة لهشام العسري بعد فيلمي "النهاية" و"هم الكلاب"، الذي يعد من أكثر الأفلام المغربية تتويجا في المهرجانات الدولية.

ويعد هذا العمل، الذي عرض لأول مرة على الصعيد العالمي، ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي، كما عرض ضمن فقرة "بانوراما" الدورة 65 من مهرجان برلين السينمائي.

وينتمي "البحر من ورائكم" إلى صنف "سينما المؤلف"، ويندرج في خانة "الوثائق البصرية"، التي تمتحن روح التحدي لدى جيل جديد من المخرجين، يبحث عن مكان يعبر فيه عن حضوره وتفاعله مع أسئلة المستقبل.

ويؤكد العسري، من خلال "البحر من ورائكم"، الذي شارك في بطولته مالك أخميس وحسن باديدة ومحمد أوراغ وياسين السكال وآخرون، على توسيع دائرة التجريب في أفلامه، التي انطلقت بشريطه الطويل الأول "النهاية"، إذ ينشغل بالعمل على لغة سينمائية وآليات سردية على حساب الحكاية.

الصحراء المغربية في

23.03.2015

 
 

تلمس معالم رحلة نازاريت الملحمية

«الجرح» لفاتح أكين عن مجزرة الأرمن!

بعد فيلمه قبل الأخير حافة الجنة 2007، الذي عرض مدة طويلة في الصالات الأوروبية، عاد المخرج الألماني من أصل تركي فاتح أكين مع فيلمه الجديد الجرح بانتاج ضخم تبلغ تكلفته 21 مليون دولار متجاوزا أي كلفة سابقة لأي من أفلامه، ليقدم في روح أوذيسية ملحمية مأساة الشعب الأرمني والمجازر التي تعرضوا لها في تركيا على يد الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى. وقد تعاون المخرج في كتابة السيناريو ولأول مرة مع مارديك مارتن الذي عمل مع سكورسيزي في فيلمين أساسيين هما ثور هائج وشوارع قذرة

بروح شاعرية وجو مليء برموز تاريخية ودينية يستعرض أكين ملحمة هجرات الأرمن القسرية خلال الحرب العالمية الأولى من تركيا الى الدول المحيطة، ليتوزعوا لاحقاً ويتشتتوا في بقاع العالم، وذلك عبر قصة عائلة مؤلفة من رجل وزوجته الجميلة ذات الصوت الرخيم وابنتيه التوأم. تعيش العائلة بسلام من جهد الأب الذي يعمل حداداً، الى ان يأتي يوم يغيّر مصيرها ويجعلها ضحية مأساة رهيبة من موت وتشتت وضياع وهجرة. رموز تحرك وجدان المشاهد عرف المخرج استعمالها بطريقة ذكية. الأغنية الأرمنية أدَّت دوراً مهماً في تلمس معالم رحلة نازاريت الملحمية. أغنية زوجته التي رافقته كتعويذة، كذلك الشال الذي ركضت ابنتاه قبل رحيله بدقائق لتعطياه اياه. رموز رافقت الأب للتفتيش عن ابنتيه خلال أكثر من ساعتين هي مدة الفيلم.

يؤخذ الأب واسمه نازاريت مانوغيان (أدى الدور الممثل الفرنسي طاهر رحيم) عنوة من الجيش العثماني عام 1915 بعيداً عن زوجته الشابة وابنتيه التوأم الى الخدمة العسكرية، التي يظهر في ما بعد أنها عمل سخرة في شق الطرقات ثم التصفية الجسدية، لسبب عرقي وديني، أي لأنهم أرمن، بعدما خُيّروا بين اشهار اسلامهم أو القتل. تجري عملية تصفية وحشية للرجال الأرمن كلهم، لكن نازاريت وبفضل الصدفة يبقى على قيد الحياة، فيما تركته محاولة تصفيته عبر نحره أخرساً لا يقوى على الكلام. ينقذه سجين سابق، اسمه محمد تلقى أوامر بذبح الرجال الأرمن، بحيلة أبقت نازاريت على قيد الحياة. يسير الاثنان في الصحراء ويقاسمه السجين طعامه وماءه، ثم يلتحقان بجنود هربوا من الخدمة وتحولوا الى قطاع طرق للبقاء على قيد الحياة. في لحظة ما، يترك نازاريت الجميع ويبدأ جلجلته الخاصة وحيداً في الصحارى والجبال الجرداء، بحثاً عن عائلته بعدما علم ان الجيش العثماني دخل الى ماردين وطرد النساء والأطفال ودفعهم الى السير في الصحارى باتجاه عين العرب وحلب، وساد رحلتهم الموت من العطش والبرد والجوع.

كذلك تعرضت النساء للاغتصاب والقتل والبيع في سوق البغاء. يبدأ نازاريت مسيرة بحث شاقة في جلجلته الصحراوية، يلتقي نازاريت برجل حلبي اسمه عمر سليمان (أدى الدور الفلسطيني مكرم خوري) يبيع صابوناً يصنعه في حلب. يعرف سليمان فوراً ان نازاريت الذي ما عاد يقوى على الكلام أرمني، فيخبئه في عربته التي يجرها البغل خوفاً من الجيش العثماني، ويدخله الى معمل الصابون الذي يملكه. هناك يقيم نازاريت، وتبدأ بعد ذلك مرحلة انهيار الامبراطورية العثمانية وخسارتها في الحرب، وهزيمة الأتراك ورحيل جيشهم وتجارهم ومناصريهم عن حلب، ويقفل مصنع الصابون لأنه أصبح ملجأ لآلاف العائلات الأرمنية الهاربة من مجازر العثمانيين في القرى والبلدات التركية. هناك يلتقي بأحد أبناء قريته الذي يخبره بأن زوجته قتلت وأن ابنتيه أخذتا الى أحد الأديرة في سورية أو في لبنان. يبدأ الأب مشوار زيارة الأديرة كلها، وفي أحد الأديرة في لبنان تعلمه المديرة ان ابنتيه سافرتا الى هافانا في كوبا للزواج من أرمنيين يعيشان هناك، وأن احداهما وبسبب السير الطويل تعرضت لحادث جعل منها عرجاء. رحلة أخرى يقوم بها الى كوبا وتنتقل معه كاميرا أكين الضيقة في تصوير الأماكن الجديدة. أما الأماكن المفترض ان تكون في حلب فقد صُوَرت في المغرب. أكين أظهر العرب في فيلمه كما يليق بتاريخ سورية ولبنان، خصوصاً بيروت وحلب كملجأ للأقليات الهاربة من الجور في آسيا وأوروبا.

النهار الكويتية في

23.03.2015

 
 

هوليوود .. العجز عن تقديم محتوى عميق والاكتفاء بالتفاهة

خاص ـ «سينماتوغراف»

تميل الأفلام الأميركية في السنوات السبع الأخيرة إلى التبسيط والاستسهال والتعامل السطحي مع أفكار عميقة كان لها أن تنتج أفلاماً رائعة لو أنها ظهرت في أزمنة أقدم قليلاً. أفلام مثل «لازالت أليس-Still Alice» و«القديس فينسنت-St. Vincent» و«القاضي-The Judge» تعتبر من أهم أفلام العام 2014 ووجدت احتفاء كبيراً على المستويين النقدي والجماهيري بدعوى أنها أفلام عميقة، لكن القليل من التأمل في جوهرها سيكشف لك أنها سطحية ولا تملك العمق الكافي الذي يبرر الاحتفاء الهوليوودي بها والذي لا يمكن تفسيره إلا بأن هوليوود باتت فقيرة فنياً إلى درجة احتفالها بالتفاهة.

في فيلم مثل Still Alice عناصر تكفي لإنتاج عمل نفسي رائع، يصور معاناة امرأة في بداية رحلتها مع مرض الزهايمر، لكن الفيلم اكتفى بقشور الحالة النفسية ولم يغص إلى الأعماق التي يتيحها أصل الموضوع، وذات الأمر مع فيلم St. Vincent الذي أراد أن يصنع شخصية ملهمة لكنه فشل في ذلك فشلاً كبيراً، أما فيلم The Judge فلقد تاه بين الابن المحامي والأب القاضي ولم يظهر العلاقة بينهما إلا بشكل سطحي لم يخل من «الكليشيهات» الهوليودية المعتادة. الملاحظ في هذه الأفلام الثلاثة، وفي أفلام غيرها أنتجت في السنوات القليلة الماضية، أنها باتت تصنع بطريقة مُعلّبة وفي قوالب سردية جاهزة كما لو أنها مواد بلاستيكية تصنع بشكل آلي بلا طعم ولا رائحة.

لماذا لم تعد استوديوهات هوليوود قادرة على إنتاج أفلام جيدة فنياً بذات الوفرة التي كنا نراها قبل عشر سنوات؟. حالياً بالكاد تجد في السنة الواحدة أربعة أو خمسة أفلام يمكن وصفها بالأفلام الرائعة شكلاً ومضموناً وهذا فقر طارئ على السينما الأميركية وانهيار يمكن تحديد بدايته من عام 2007 الذي شهد آخر الأفلام العظيمة حقاً في تاريخ هوليوود وهو فيلم «ستكون هناك دماء-There Will Be Blood» للمخرج بول توماس أندرسون، حيث لم تظهر بعده إلا حفنة من الأفلام الرائعة الخالية من آداءات وشخصيات ملفتة.

فما الذي تغير في هوليوود منذ العام 2007 حتى أصبحت عاجزة عن احتمال العمق؟. هناك متغيرات عامة طالت«حياة» جمهور السينما في أميركا وفي العالم، وهناك متغيرات خاصة بهوليوود نفسها وبطبيعة المناخ الذي تعمل داخله. فيما يتعلق بهوليوود فإنه لا يمكن إغفال أزمة كتاب السيناريو التي هزت هوليوود نهاية العام 2007 والتي أدت إلى تسرب الكثير من الكتاب إلى القنوات التلفزيونية، ويمكن قياس الأثر مباشرة في مستوى أفلام العام 2008 ومقارنتها بمستوى المسلسلات التلفزيونية الأميركية مثلا في ذلك العام. لقد أدت هذه الأزمة إلى تسرّب «العمق»من السينما باتجاه التلفزيون ومنذ ذلك الحين أصبحت الشخصيات المهمة والسيناريوهات المميزة من اختصاص التلفزيون لا السينما في سابقة لم تحدث منذ ميلاد التلفزيون الأميركي قبل أكثر من ستة عقود.

لسنوات كان التلفزيون الأميركي يقدم مسلسلات خفيفة على غرار Cheers وساينفلد وفريندز، مسلسلات «سيت كوم» للتسلية لا تجرؤ على الخروج عن القالب الترفيهي المرسوم لها، إلا أن الحال تغيرت بعد مغامرة شبكة HBO الأميركية منتصف التسعينيات حين أنتجت مجموعة من الأفلام التلفزيونية المختلفة والمتميزة مثل «غوتي-Gotti»والتي منحتها الجرأة لإنتاج مسلسل المافيا «آل سوبرانو-The Sopranos» ابتداء من العام 1999 مدشنة بذلك بداية التطور النوعي للتلفزيون الأمريكي، لتتبعه بمسلسل رائع آخر عام 2001 بعنوان Six Feet Under إلى أن جاء عام 2008 حاملاً معه أهم المسلسلات التلفزيونية على الإطلاق؛ مسلسل Breaking Bad الذي أنتجته سوني وAMC لتؤكدان من خلاله أن التلفزيون بات مصدر الجودة والقيمة والعمق الفني في أمريكا وليس السينما، حيث بدأت من ذلك العام تحديداً الشبكات التلفزيونية بإنتاج جملة من المسلسلات الممتازة التي بلغت مستويات عليا من العمق لم يكن متخيلاً أن يبلغها التلفزيون في يوم من الأيام.

ولهذا الانتقال من التلفزيون إلى السينما أسباب كثيرة، ابتدأت بأزمة كتاب السيناريو في هوليوود، وتزامنت مع رغبة الشبكات التلفزيونية العملاقة بضخ المال لإنتاج متميز، لكن السبب الذي قد لا يبدو واضحاً بشكل جلي هو أن طبيعة المشاهدة التلفزيونية في المنزل قد تحسنت كثيراً مع تطور شاشات التلفزيون بشكل أتاح الفرصة للمشاهدين بأن يحضوا بمشاهدة أفضل داخل منازلهم تغنيهم عن الذهاب إلى صالة السينما، الأمر الذي منح شبكات التلفزيون العملاقة سوقاً أكبر تضمن لها تحقيق عوائد من المسلسلات عالية الإنتاج، ومنحها أيضاً القوة لتقديم محتوى إبداعي يتفوق على ما تقدمه استوديوهات هوليوود التي لم تجد أمامها سوى تقديم أفلام ذات مؤثرات بصرية باهرة لا يمكن مشاهدتها سوى في صالة السينما علّها تمسك بما تبقى من ولاء زبائنها.

وقد تزامنت معاناة هوليوود مع تحسن واقع التلفزيون إنتاجاً ومشاهدة، معاناتها أيضا مع القرصنة الإلكترونية التي أخذت طوراً خطيراً ابتداءً من العام 2007 مع تطور سرعات شبكة الإنترنت إلى مستويات تسمح بنقل الأفلام عبر برامج المشاركة وبشكل خاص «التورنت» الذي كان قد ابتكره الشاب الأميركي برام كوهين عام 2001. لقد أدى شيوع «التورنت» إلى تعزيز مبدأ المشاهدة المنزلية على حساب صالة السينما، ولم تجد هوليوود أمام ذلك سوى الاستمرار في البذخ البصري في أفلامها بشكل لا يمنح فرصة الاستمتاع بها حق الاستمتاع سوى في صالة سينما ضخمة، وهذا الحل وإن بدا ناجحاً حتى الآن على مستوى الأرباح إلا أنه أدى إلى ضمور الأفلام الفنية وانحسارها عن ميدان السينما.

أما بشكل عام فإن حياة البشر قد تغيرت بعد مجيء الإنترنت، واتجهت نحو السرعة والتبسيط بعد غزو أجهزة الاتصال الذكية -خاصة الآيفون الذي انطلق عام 2007- وما جاء معها من تطبيقات –مثل تويتر وفيسبوك- أضعفت من قدرة احتمال الجمهور للموضوعات الجادة وجعلتهم يميلون للكبسولات المعرفية الخفيفة، وهنا لابد أن نذكر كتاب «انحطاط الحضارة الأمريكية» مثالاً مهماً يؤكد التأثير المدمر لتطور التقنية على وعي البشر، إذ يروي فيه الكاتب موريس بيرمان فصولاً من معاناة المثقف أمام الطوفان الاستهلاكي الذي اجتاح الحياة الأميركية وترك آثاره السلبية على الثقافة والفنون وكافة مجالات الإبداع، ومن ذلك القراءة الإلكترونية عن طريقة شاشة الكمبيوتر –الكتاب منشور عام 2000- والذي قال الكاتب إنها تؤثر بشكل خطر على جهاز الاستقبال في الدماغ البشري ولا تسمح له بالتفاعل الحي والعميق مع الكلمات والأفكار بالشكل الذي يملكه الكتاب المطبوع، وهذا جعل البشر بعد سنوات من الضجيج التقني ينقادون للقراءة السطحية ويكرهون العمق في كل شيء، وقد تأثر صناع هوليوود بهذا الأمر كما تأثر الجمهور فكانت النتيجة العجز عن تقديم محتوى عميق، والاكتفاء بالتفاهة. وإن كان التلفزيون قادراً على الصمود حتى الآن لاعتماده على كتاب سيناريو مهووسون بما يقومون به ومنعزلون عن كل ما يشغلهم عنه، إلا أنه في الطريق حتماً نحو حفلة التفاهة.

الفائزون في «السرد الإبداعي» يتحدثون عن تجاربهم ومكتسباتهم من المهرجان

دبي ـ خاص«سينماتوغراف»

اختتمت قبل أيام فعاليات الدورة الثانية لمهرجان «السرد الإبداعي» لأفلام الطلبة، والذي تنظمه كلية محمد بن راشد للإعلام بالجامعة الأمريكية في دبي. المهرجان شهد تطورا ملحوظا في دورته الثانية، اتسعت قاعدة الاختيار، ارتفع عدد المشاركين، وأقيمت أنشطة موازية كمسابقة السيناريو وورش العمل وجلسة التعارف السريع.

وضمن الشراكة التي جمعت المهرجان بـ «سينماتوغراف»، الشريك الإعلامي للمهرجان، خصت إدارة المهرجان الموقع بحوارات مع المخرجين الأربعة المتوّجين بجوائز المهرجان، عن خبرتهم في المهرجان وفي دبي، وما تعنيه الجائزة لهم، وما هي خططهم لمستقبلهم المهني كصنّاع أفلام.

تعرفوا معنا على الفائزين الأربعة، فسيكون لهم شأن في المستقبل السينمائي القريب.

أوجوستو بيكالو روكي (البرازيل)..

الفائز بمسابقة الرسوم المتحركة عن «Cartoon Away»

«لم أعتقد أني سأفوز، كان سقف طموحي أنا أنال تنويها خاصل، وبعد التنويه بفيلم آخر قلت: حسنا.. ربما ليست هذه المرة، فقد كان هناك الكثير من الأفلام الجيدة، لذلك كانت فرحتي كبيرة جدا بالجائزة. فيلمي يدور حول شخصية تحاول الهروب من تحكم صانعها والتحرر من ورقة الرسم.

إنه شيء عظيم أن أكون هنا في دبي المثيرة للإعجاب في حد ذاتها، وكذلك مقابلة العديد من الأشخاص الموهوبين ومشاهدة الأفلام الممتازة المشاركة. لقد كان وقتا مميزا للغاية بالنسبة لي ربحت منه معرفة وأصدقاء وشبكة إتصال.

أتمنى حضور المهرجان في العام القادم. أعلم أنه لأفلام الطلبة فقط وأنا قد أنهيت دراستي، لكني سأبدا الدراسة من جديد لنيل درجة الماجستير في الإخراج، لذلك قد أستطيع تقديم فيلم آخر في الدورة القادمة».

بوريس نيكولوف (بلغاريا)..

الفائز بمسابقة الأفلام الروائية عن «Yana»

«يحاول الفيلم لفت الإنتباه إلى العنف العائلي، عن طريق إمرأة من أوروبا الشرقية تعيش حبيسة مثل الطائر في القفص، وتتوقع حدوث أمور رهيبة لها في كل مرة يعود فيها زوجها من العمل.

لم أتوقع الفوز على الإطلاق، كانت مفاجأة عظيمة، لدرجة أني لم أنتبه لذكر اسمي حتى لفت الجالسون جانبي نظري للصعود إلى خشبة المسرح.

أنا معجب جدا بهذا الحدث، وقد تم إختيار الأفلام بمقياس رفيع، ففي بعض الأوقات يتم عرض أفلام سيئة في المهرجانات، لكن بهذه المرة لم أشاهد إلا أفلام جيدة، وأعتقد بصراحة أن المشاركين هنا إذا إستمروا في صناعة الأفلام فسوف يقدمون أعمالا ضخمة.

بعد إنتهائي من دراسة الإخراج السينمائي لخمسة أعوام في الأكاديمية الوطنية ببلغاريا، إنتقلت إلى براغ لدراسة صناعة الأفلام لعام واحد، وصنعت فيلم «Yana» هناك. تواصلت مع المهرجان عن طريق مدرستي السينمائية الأولى، الذين أرسلوا عدد كبير من الأفلام أختير منها فيلمي كي يشارك في مهرجان السرد الإبداعي.

استمتعت جدا بجلسات التعارف السريع، وإن كنت أتمنى أن تصبح مدة الجلوس مع كل شخص خمس دقائق بدلا من ثلاث، أنه تمرين مهم جدا لصانع الأفلام».

طارق رفول (لبنان)..

الفائز بمسابقة الفيلم الوثائقي وجائزة اختيار الجمهور عن «أحمر أبيض أخضر»

«يدور الفيلم حول إمرأة مسنة في السبعينات من عمرها ولديها إبن في الثلاثينات من عمره، يعاني من متلازمة داون وتحاول المرأة إيجاد مكان له.

مشاركتي في المهرجان كانت مدهشة، فأنا لم أكن أعرف أنهم محترفون وودودون لهذه الدرجة. ربحت العديد من الأصدقاء في دبي وخارجها، كما استمتعت بمشاهدة أفلام أخرى من بلاد وثقافات مختلفة.

عمري 25 عاما، حصلت على البكالوريوس في لبنان ودرست ماجستير صناعة الأفلام الوثائقية في أوروبا، وصنعت الفيلم الذي شاركت به في المهرجان في بودابست كجزء من مشروعي الجامعي. وقد تعرفت على المهرجان من خلال الموقع الإلكتروني».

بيتر موسى (لبنان)..

الفائز بمسابقة السيناريو عن «هيليوم»

«يدور السيناريو في جزيرة معزولة لا يعرف سكانها أي شيء خارج جزيرتهم، وعندما يعثرون على قنينة هيليوم، يحاول أحدهم إستنشاق الغاز ويتغير صوته، فيعتقدوا أنها روح شريرة، ويحاول رئيس القبيلة إستغلال الروح الشريرة بأية طريقة ممكنة.

لم أكن أتوقع الفوز بالمسابقة فالسيناريوهات الأخرى كانت جيدة جدا. كان المهرجان كذلك جيد جدا وخاصة أنني عملت متطوعا طوال الوقت، بذلت مجهودا كبيرا لكنه كان جهدا ممتعا.

حصلت على العديد من ردود الأفعال للسيناريو، وأصبح لدي أفكار للكتابة بشكل أفضل وتطوير السيناريو للأحسن، واكتسبت خبرات مغايرة لدراستي، فهنا في كلية محمد بن راشد للإعلام بالجامعة الأمريكية نتعلم التقنيات فقط، بينما في ورش العمل بالمهرجان قابلت سينمائيين بمنظور تعليمي وتقنيات مختلفة.

لدي طموح بالوصول للعالمية عندما أبدأ في صناعة الأفلام، وقد بدأت في كتابة هذا السيناريو في صف بالسنة الثانية، تحت إشراف نادية عليوات التي أرشدتني إلى الطريق الصحيح وجميع الصيغ اللغوية».

سيينماتوغراف في

23.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)