كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (1/5):

كان لاعب كرة بالزمالك.. قبل أن يبدأ مشاوره في السينما

{الولد الشقي} يخص «الشرق الأوسط» بأجزاء من مذكراته الشخصية

القاهرة: عبير فؤاد

 

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.

إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.

النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي».

ولد حسن يوسف حسن في 14 أبريل (نيسان) عام 1934، بحي السيدة زينب بالقاهرة، في كنف عائلة متوسطة وملتزمة، تحرص على الصلاة. تعلم من والده تحمل المسؤولية والاعتزاز بالنفس، أما والدته فتعلم منها الحنان والطيبة ورقة القلب. التحق بمدرسة «محمد علي الإعدادية» بجوار قسم السيدة زينب، وبعدها مدرسة «الخديو إسماعيل الثانوية». وقد حصل حسن يوسف على بكالوريوس التجارة عام 1955، كما حصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل عام 1962.

عشق حسن يوسف التمثيل منذ طفولته، حيث كان يشارك في فريق التمثيل في المدرسة، وكان الفنان القدير عبد البديع العربي، جاره في السيدة زينب، هو المشرف عليه، وكان يشجعه ويتوقع له مستقبلا كبيرا. كما مثل وهو في الصف الثاني الثانوي، وأدى مقطوعة شعرية بمفرده على خشبة المسرح في مسابقة المدارس الثانوية، وفي مواجهة لجنة تحكيم كانت برئاسة الفنان الكبير الراحل عبد الرحيم الزرقاني، الذي قابله بعد الحفلة وقال له ضاحكا: «أنت أصغر طالب في الفريق، وربما أيضا أقصرهم قامة». ثم سأله: «هل تنوي استكمال الدراسة في معهد التمثيل بعد الثانوية العامة؟». فأجاب حسن: «لا، أنا أحب الكرة وأتمنى احترافها». فقال له الزرقاني: «أنصحك بأن تقدم أوراقك في معهد التمثيل بعد الثانوية، لأنني أرى وأتنبأ لك بمستقبل فني رائع». وكان قد سبقه في هذه النصيحة الفنان عبد البديع العربي، مما جعله يأخذ المسألة مأخذ الجد بعد تأكيد الفنان عبد الرحيم الزرقاني نفس النصيحة.

وبالفعل، بعد أن أنهى يوسف دراسة الثانوية العامة التحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية لإرضاء والده الذي كان يرى أن الفن ليس له أمان ولا مستقبل ولا دخل ثابت، ولذا كان ينصحه دائما بالتخرج في الجامعة والعمل في وظيفة حكومية لها راتب ثابت، وفي الوقت نفسه التحق سرا بالمعهد العالي للفنون المسرحية لإرضاء نفسه وإشباع هوايته والسعي لتحقيق طموحه. وكانت مواعيد المحاضرات مختلفة في المعهدين، فكان يذهب صباحا إلى معهد التربية الرياضية، وعند الساعة الرابعة والنصف مساء يقوم بـ«الزوغان» من المعهد كي يلتحق بأول محاضرة في معهد الفنون المسرحية. وكان يدرس له في المعهد الأستاذ أحمد بدوي فن الأداء، وأساتذة التمثيل وإخراج المشاهد الفنانون الراحلون حمدي غيث ونبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقاني، وكان من الأساتذة الزائرين جورج أبيض وفتوح نشاطي، كما كان من زملائه في المعهد الفنان حسن مصطفى والفنان صلاح قابيل والمخرج التلفزيوني فايق إسماعيل. ولم تكن الدفعة في تلك الفترة تزيد على اثني عشر طالبا وطالبة، وفي أحد الأيام شاهده أحد الأساتذة وهو «يزوغ» من معهد التربية الرياضية، فأحاله للتحقيق وصدر قرار بفصله، لكنه أعفاه من دفع الغرامة، لأن يوسف كان قد أعد الحفل السنوي الترفيهي للمعهد، وقدم إحدى مسرحيات نجيب الريحاني المشهورة، وقام ببطولتها وإخراجها.

* اعتراف

هذه القضية اضطرته إلى مصارحة والده بالحقيقة، فغضب غضبا شديدا وألحقه بكلية الحقوق، ثم انتقل إلى كلية الآداب، لعلمه أنها تضم فريق تمثيل على مستوى عال جدا، ثم اتجه أخيرا إلى كلية التجارة بعد مقابلة مع الفنان الراحل فؤاد المهندس المشرف على فريق التمثيل في الكلية. ومنذ السنة الثانية بدأ أساتذة حسن يوسف في المعهد العالي للفنون المسرحية يرشحونه ليمثل معهم بعض الأدوار في فرقة المسرح القومي، حيث لم يكن في المسرح القومي في تلك الفترة ممثلون شباب، فقدمه عبد الرحيم الزرقاني في مسرحية «بداية ونهاية» في دور صبي قهوجي. وقدمه حمدي غيث في مسرحية «توت عنخ آمون» في دور توت وهو شاب صغير. كما قدمه نبيل الألفي في مسرحيتين هما «دموع إبليس» التي جسد فيها دور إبليس الصغير، و«ثورة الموتى» الذي قدم فيها دور شاب صغير يتحدث عن مأساة الحرب، وكيف خطفت آماله وطموحه.

وفي السنة النهائية أصبح حسن يوسف صاحب أحد أدوار البطولة، عندما قدمه أستاذه في المعهد فتوح نشاطي في مسرحية «زواج الحلاق»، بعد أن وقعت عيناه على «حسن» أثناء الحصة، وطلب منه أن يقف، ثم طلب منه أن يأتيه في المسرح القومي، وكان من المقرر أن تقوم النجمة الراحلة روحية خالد بالدور خاصة أنها كانت تستطيع أن تقلد صوت الشباب وتقص شعرها، فتظهر وكأنها شاب فعلا، لكن روحية اعترضت وقالت إنها كبرت على مثل هذه الأدوار، فجاءت فرصة حسن، الذي يعترف بأنه لا يمكن أن ينسى المشهد الذي عاصره في المسرح القومي مهما مرت السنين، حيث رأى أمامه مائدة طويلة يجلس عليها عمالقة التمثيل حسين رياض وسناء جميل وعمر الحريري وآمال حسين وصلاح سرحان. ونادى عليه نشاطي قائلا: «أقبل يا حسن»، فالتفت كل النجوم الجالسين على المائدة ليروا من هذا الشاب الذي يدعوه فتوح نشاطي، وفي تلك اللحظة اهتزت ساقا حسن يوسف، لأنه كان يعرف قيمة هؤلاء النجوم الذين يراهم والذين سوف يقف بجوارهم على خشبة المسرح، لكنه تمالك نفسه وتقدم، وكان نشاطي يجلس على رأس المائدة وبجواره الملقن، فجلس حسن بجوار الملقن وطلب نشاطي من الملقن أن يعطي للممثل الشاب نسخة المسرحية ويحدد له المشهد الذي سيقوله، وطلب منه أن يقرأ، في الوقت الذي يجلس فيه الكل صامتا. فقرأ حسن يوسف المشهد فحدثت همهمات فهم منها أنه الذي سيقوم بالدور في المسرحية.

وكان ذلك بعد أن قدمه نشاطي لهم على أنه من تلامذته في المعهد، وسألهم عن رأيهم فيه، فجاء في صالح حسن يوسف. وفي أول يوم من عرض المسرحية أسدل الستار على خمسة ممثلين فقط في نهاية العرض لتحية الجمهور، وفجأة تراجع حسن يوسف من مكانه قائلا في نفسه: «كيف أقف بين هؤلاء النجوم الكبار وأتساوى معهم؟»، ولاحظ حسين رياض أن هناك مكانا خاليا بين الممثلين، فالتفت ليرى يوسف متأخرا عنهم، فمد يده وجذبه ليقف بينهم، وكان الستار قد أغلق وفُتح مرة أخرى والمتفرجون شاهدوا هذه الحركة.

* بداية المشوار

وشاء القدر أن النجم الراحل حسين رياض في هذه الفترة كان يصور فيلمه «أنا حرة» مع لبنى عبد العزيز وشكري سرحان وزوزو نبيل وكمال ياسين، وإخراج صلاح أبو سيف، وإنتاج رمسيس نجيب، وكانوا يعانون من المشكلة نفسها، وهي العثور على ممثل في مقتبل العمر، وكانوا قد صوروا معظم مشاهد الفيلم، وبقيت مشاهد محيي الشاب المراهق الصغير، شقيق لبنى عبد العزيز، الذي يعانى من ديكتاتورية وتسلط والده وحرمانه من موهبته في عزف الموسيقى. فطلب رياض من صلاح أبو سيف أن يأتي للمسرح وكانت مسرحية «زواج الحلاق» ما زالت معروضة وقال له: «تعالى اتفرج.. فيه شاب يمكن يكون هوه اللي بتدور عليه».

وقال لحسن يوسف قبل بداية العرض إن المخرج صلاح أبو سيف سوف يكون موجودا الليلة ليراك، وحكى له الموقف كله. وبالفعل شاهده صلاح أبو سيف في الفصل الأول من المسرحية، وفي الاستراحة جاء مدير المسرح ليخبره بأن الفنان حسين رياض يطلبه، فذهب إليه في غرفته بالأوبرا، ووجد المخرج صلاح أبو سيف عنده. فسأله صلاح: «انت مثلت قبل كده في السينما يا حسن؟». فقال له: «لا». فقال صلاح: «طب ما تجرب». فقال حسن: «الحقيقة أن ذلك لم يخطر علي بالي أبدا ولم أفكر فيه، لأن أمل حياتي أن ألتحق بالمسرح القومي وأعمل به بعد تخرجي في معهد التمثيل». فأعاد عليه صلاح السؤال مرة أخرى: «لكن ليس لديك مانع في أن تجرب؟». فضحك حسن ثم قال: «لا مانع.. أجرب». فطلب منه المخرج صلاح أبو سيف أن يحضر في اليوم التالي إلى استوديو النحاس في الهرم ومعه قميصان وبنطلونان وبدلة احتياطي لكي يجري له اختبار كاميرا.

وكان حسن يوسف وقتها ترك حي السيدة زينب ونقل إقامته إلى ميدان «تريومف» بمصر الجديدة، بما لها من ملامح خاصة في تلك الفترة، حيث كان يغلب عليها الطابع الأوروبي أكثر. وفعلا ركب المترو حتى محطة الإسعاف بوسط القاهرة، ومن الإسعاف حتى شارع الهرم، ونزل في محطة «الأوبرج» ومشى حتى الاستوديو وهو يحمل الملابس التي طلبها منه مخرج الروائع صلاح أبو سيف، وعندما دخل لم يكن خائفا أو مهزوزا بعكس المسرح القومي، وعدم خوفه أنه لم يكن يريد السينما فلم تكن المسألة بالنسبة له سوى تجربة تصيب أو تخيب لا يهم. وفتح له العمال غرفة وضع فيها ملابسه، وبعد قليل استدعي إلى البلاتوه، حيث يوجد صلاح أبو سيف ولبنى عبد العزيز وشكري سرحان وعمر الحريري وحسين رياض، الذي داعبه قائلا والابتسامة تكسو ملامحه: «أنت إيه حكايتك يا أبو علي، أنت ورايا ورايا في المسرح وفي السينما كمان؟!». فضحك حسن، ثم شرح له أبو سيف المشهد، ولم يكن حسن قد قرأ السيناريو ولا يعرف ماذا سوف يفعل، وطلب منه صلاح أبو سيف أن يجرب المشهد، فقال له حسن يوسف: «نجرب»، وكان إحساس حسن يوسف وقتها أن تمثيل السينما لعب عيال بجوار تمثيل المسرح. وبعد دقائق معدودة قال له أبو سيف: «حفظت؟». فأجابه حسن يوسف: «نعم». فاندهش أبو سيف من سرعة حفظ حسن للمشهد، فقال له حسن: «ماذا سوف أقول في المشهد الذي يغطي صفحة كاملة؟.. سوف أقول عشر جمل.. هذا بجانب المسرح هزار ولعب عيال». فضحك الجميع، ودارت الكاميرا، ومثل حسن يوسف المشهد، وبعد انتهائه صفق له كل الحاضرين في الاستوديو قائلين: «هوه ده، جبته منين يا أستاذ صلاح؟». فطلب منه صلاح أبو سيف أن يعمل الماكياج. وعرض الفيلم عام 1959، وحقق نجاحا كبيرا، واستطاع حسن يوسف أن يثبت وجوده فيه إلى جانب النجوم الآخرين، مما جعل المنتج رمسيس نجيب يعرض عليه عقد احتكار لمدة عامين، لكن حسن كان في خاطره شيء آخر وقال للنجم حسين رياض إن نتيجة المعهد قد ظهرت وقد حصل على الترتيب الأول على الدفعة وجاءته بعثة إلى موسكو سوف يذهب إليها. فقال له رياض: «يا خيبتك.. اسمع بقى أنت هتبقى أنور وجدي الجديد في السينما المصرية، تريد أن تصدقني صدقني لا تريد اتفضل يا سيدي روح موسكو ولما ترجع مخرج خائب في المسرح القومي وكل سنة تعمل لك رواية، وتدور تدور لك على مسلسلين في الإذاعة، ابقى قول عم حسين قال وأنا اللي ما سمعتش كلامه».

* حيرة وتردد

وانتاب حسن يوسف شعور بالحيرة والتردد بين أن يقبل عقد الاحتكار الذي عرضه عليه رمسيس نجيب خصوصا أن أباه الروحي حسين رياض شجعه على قبوله وبين البعثة. وفي النهاية خضع لإغراء عقد الاحتكار، ووقع مع رمسيس نظير مائة جنيه كراتب شهري، ومائتين وخمسين جنيها عند تمثيل أي فيلم، بينما تقاضى ستين جنيها عن دوره في فيلم «أنا حرة». إلا أن نجيب دخل في دوامة سوء حظ في حياته الشخصية أدت إلى عدم تفرغه للإنتاج الذي اقتصر أيامها على أفلام للفنانة لبنى عبد العزيز.

ثم جاءت مرحلة التعيين في المسرح القومي، وكان يُعين اثنان فقط من خريجي معهد التمثيل، ولأن يوسف قد تخرج كأول الدفعة فكان المفروض أن يكون حقه مضمونا في التعيين، إلا أنه وجد العكس. وهنا يرجع بالذاكرة إلى الوراء ويقول: «لا أستطيع أن أنسى هذا اليوم، حيث كنت يومها أقف في الساحة الخارجية للمسرح القومي، ووجدت الفنان الراحل حسين رياض يدخل بسيارته الشيفروليه، وعندما نزل من سيارته اتجهت إليه قائلا: (أهلا يا عمي). فسألني: (هل تم تعيينك؟). فقلت له: (لا، ولم يخبرني أحد بذلك). فاندهش وسألني: (كم مسرحية لك يا حسن مع القومي؟). فأجبته: (خمس مسرحيات يا عمي). فقال: (يبقى انت أحق بالتعيين من أي أحد آخر). فقلت له: (لقد عُينت مشرفا في المسرح المدرسي في بنها منذ ثلاثة عشر يوما، لكني لم أذهب إلا مرة واحدة، وسوف أقدم استقالتي لأنني غير مقتنع بالوظيفة). فقال لي: (قلت لك يا حسن أنت الأولى بالتعيين في المسرح القومي). ثم سألني: (هل قدمت طلبا للتعيين أم لا؟). فأجبته: (لا). فطلب مني أن أكتب طلبا، فكتبته، وأخذت الطلب ودخلت المسرح، وفجأة رأيته خارجا من المسرح مسرعا وخلفه مدير المسرح القومي في تلك الفترة الأستاذ أحمد حمروش، وهو يقول له: (يا أستاذ حسين ما يصحش كده). فرد رياض: (وكمان ما يصحش اللي بيحصل، وباقولك إيه، أنا كمان هاقدم استقالتي، فأنا لا يمكن أن أكون عضوا في مجلس بهذا الشكل».

ويستكمل حسن يوسف: «وكانت الحكاية أنهم يريدون تعيين ابن شقيق نبيل الألفي وابن شقيق حمدي غيث بدلا مني، مما جعل حسين رياض يثور ويقول له إنه لم يرهما من قبل. وفجأة جاء الساعي يستدعيني للقاء أحمد حمروش، وعندما دخلت الغرفة وجدت مجلس المسرح منعقدا وفيه فتوح نشاطي وحسين رياض وحمدي غيث ونبيل الألفي. فقال لي أحمد حمروش: (كويس كده، الأستاذ حسين عاوز يستقيل لأننا هنعين شخص آخر مكانك؟). فقلت له: (يجب ألا يستقيل الأستاذ حسين، وفي الوقت نفسه من حقي أن يتم تعييني، فنحن سوف نسافر غدا إلى الشام، ثم نعود لنسافر إلى المغرب، ولي ثلاث مسرحيات من الخمس التي سوف تعرضها الفرقة). فقال لي حمروش: (خلاص خدنا قرار تعيينك، ألف مبروك يا حسن). وتم تعييني أنا ومحمود الألفي، وقدمت استقالتي من وزارة التربية والتعليم».

ومع المسرح بدأت لعبة السينما كما يعترف حسن يوسف لنفسه وقتها: «عندما كنت في المسرح قرأت كثيرا عن المسرح، والآن من الضروري القراءة عن السينما، ما دامت لعبتها قد بدأت». وبدأ بالفعل يقرأ في السينما في كل فروعها، وبدأ يفهم دور الكاميرا، وكيف يلعب مع الممثل دورا غير المسرح. وبدأ نجمه يسطع في السينما وأصبح خلال ثلاث سنوات بطلا يقدم أكثر من عشرة أفلام في السنة، وبدأ يهمل المسرح إلى الحد الذي خصم منه نصف راتبه في أحد الشهور بسبب عدم انتظامه فيه، وكان لا بد أن يختار بينهما، فقدم استقالته من المسرح القومي وتفرغ للسينما، وأصبح أحد أبطال شاشة السينما في فترة وجيزة، حيث وجد فيه المخرجون نمطا مختلفا عن النجوم الموجودين على الساحة وقتها، والذين كانوا يقدمون أدوار الشباب بنوع من الكلاسيكية والوقار، أما حسن يوسف فكان نموذجا للشاب الذي يتمتع بخفة الدم والانطلاق والمرح بشكل مختلف وسط عمالقة الشاشة أحمد مظهر وأحمد رمزي وكمال الشناوي ويحيى شاهين ورشدي أباظة ومحسن سرحان وفريد شوقي.

الشرق الأوسط في

16.03.2015

 
 

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (2/5) :

أثبت وجوده أمام عبد الحليم حافظ في «الخطايا».. وشادية صنعت نجوميته

الولد الشقي يخص «الشرق الأوسط» بمذكراته الشخصية

القاهرة: عبير فؤاد

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.

إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.

النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

في فترة زمنية قياسية أصبح فنانا خارج المنافسة.. موهوب، وموهبته لا يختلف عليها اثنان، اسمه على أي عمل فني بطاقة ضمان لجودته ونجاحه جماهيريا. العيون تتسابق على رؤيته، والمشاعر تهتز مع انفعالاته، والنجاح يصاحب خطواته، والتميز يرافق اختياراته، فهو حالة فنية قائمة بذاتها. نجم يعمل بالفطرة والتلقائية، يكسر الخط الإيهامي بين الواقع والتمثيل، معه لا تشعر إن كان فعلا يمثل مشهدا في عمل فني أو يحكى لك موقفا حدث له في حياته. فنان لا يعرف الحقد أو الغيرة أو الحسد، نقي مثل قطرات الندي، خجول رغم ابتسامته، خفيف الظل، ويتمتع بموهبة القبول الإلهي، حالة إنسانية فريدة مليئة بالأحاسيس والمشاعر الجميلة لكل من حوله، نجم لا يختلف عليه كثير ممن تعاملوا معه سواء في الوسط الفني أو بعيدا عنه.. إنه الولد الشقي حسن يوسف. الذي انهالت الأدوار عليه بعد النجاح الكبير التي حققه في فيلم «أنا حرة» عام 1959م، مع لبنى عبد العزيز وشكري سرحان وحسين رياض وزوزو نبيل. في هذه الحلقة يتحدث نجمنا عن فترة الانطلاق والتألق الكبرى، وبدايات حياته الأسرية مع الفنانة الشابة الجميلة لبلبة.

* علامات لا تنسي

شهدت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تقديمه عشرات الأفلام الناجحة التي أصبحت علامات لا تنسي في تاريخ السينما المصرية، لعل أبرزها، فيلم «سوق السلاح» عام 1960م، قصة جليل البنداري، وسيناريو وحوار عبد الحي أديب، وإخراج كمال عطية، وبطولة فريد شوقي ومحمود المليجي وهدى سلطان، الذي جسد فيه حسن يوسف دور صلاح الذي يقتل على يد عصابة مخدرات فتقرر شقيقته بهية الانتقام له، وتستغل حب سيد أحد أعضاء العصابة لتحقيق انتقامها، ولكن رئيس العصابة «شكورة» يقف لهما بالمرصاد. وفيلم «في بيتنا رجل» عام 1961م، عن قصة إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات، الذي جسد فيه دور الطالب الجامعي «محيي زاهر» الذي ينتمي إلى أسرة متوسطة بعيدة عن الاشتغال بالسياسة. وهو الفيلم الذي وقف فيه حسن يوسف ندا بين الكبار، بطلي الفيلم عمر الشريف الذي قام بدور «إبراهيم حمدي» الشاب الثائر، ورشدي أباظة الذي جسد شخصية عبد الحميد. ولهذا الفيلم موقف طريف مع يوسف، حيث اتفق ذات مرة مع الفنان رشدي أباظة، لتنفيذ مقلب بالنجم عمر الشريف أثناء التصوير، وأثناء حفظ عمر بعض مشاهد الفيلم خلف الديكورات في «البلاتوه»، وقف حسن ورشدي يمازحانه ويقومان بمعاكسته وتعطيله عن الحفظ، وأنقلب «البلاتوه» إلى قنبلة موقوتة، حريقة وضحك ومقالب. وأيضا فيلم «مافيش تفاهم» الذي قدمه في العام نفسه، أمام السندريلا الراحلة سعاد حسني ونبيلة عبيد وزينات صدقي، ولهذا الفيلم موقف مع حسن يوسف لا يستطيع نسيانه، حيث لم يحدث وقتها بينه وبين سعاد أي تفاهم، وخيل له أنها إنسانة مغرورة، وتصورت هي أيضا أنه مغرور، فظلا يعامل كلاهما الآخر دون احتكاك، ولكن أثناء التصوير وجدها إنسانة بسيطة جدا وتلقائية ومرحة خلف الكواليس ولا تخاصم أحدا، وهي وجدته كذلك، فاعتبرته أخا لها، وهو اعتبرها أختا له.

كما لا ينسي حسن أنها عندما كانت تحضر إلى الاستوديو، كانت تغلق غرفتها لتراجع المشهد، وكان الحزن دائما يغلب عليها، لكنها كانت تنفصل عن شخصيتها تماما أثناء التمثيل. ومن الأفلام التي أصبحت أيضا علامة بارزه في مشواره الفني فيلم «التلميذة» أول بطولة مطلقة له، الذي قدمه في العام نفسه، أمام دلوعة الشاشة الفنانة شادية، والقديرة أمينة رزق، والفنانة علوية جميل، والنجم فؤاد المهندس، وتحت قيادة المخرج الرائع حسن الإمام، والذي جسد فيه دور «حسن» الابن الذي يريد التمرد على تقاليد العائلة من أجل حبه. ويذكر حسن يوسف أنه قد انتابته حالة من الخوف والرعب بسبب وقوفه أمام العملاقة شادية في أولى بطولاته السينمائية، التي عندما شعرت بهذه الحالة التي انتابته بدأت تتعامل معه كأنهما صديقان منذ سنوات عدة، وساعدته ليخطو هذه الخطوة المهمة في مشواره الفني، بجانب أغنية «سونه يا سونسن» التي غنتها له ضمن أحداث الفيلم، والتي كان عاملا كبيرا في شهرته، وتغنى بها كثير من الشباب والبنات في هذا الجيل.

وفي فيلم «كلهم أولادي» الذي قدمه عام 1962م، سيناريو وحوار كمال إسماعيل، وإخراج أحمد ضياء الدين، وقف حسن منافسا في الأداء لكل من شكري سرحان وصلاح ذو الفقار، حيث جسد فيه دور الابن الفاسد «مدحت»، الذي يأمل أن يكون مهندسا، لكنه لم ينجح في الدراسة، على عكس شقيقه الكبير أمين الذي يستعد لفتح مكتب، وشقيقه سالم ضابط الشرطة. كما قدم حسن يوسف في العام نفسه فيلم «الخطايا»، مع نخبة من ألمع نجوم مصر؛ في مقدمتهم عبد الحليم حافظ، ونادية لطفي، وعماد حمدي، ومديحة يسري، وفاخر فاخر، وإخراج حسن الإمام، والذي استطاع يوسف فيه أن يثبت وجوده ويلفت الأنظار إليه في دور أحمد محمود شقيق العندليب عبد الحليم حافظ، بخفة ظله وحضوره القوي، وأن «يعلِّم مع الناس»، حيث جاء أداؤه سلسا بسيطا تلقائيا خفيفا على القلوب من فرط جمال تعليقاته ودعاباته ومداعباته لشخوص الفيلم، وهو الدور الذي يعتز به حسن يوسف نفسه إلى أقصى الحدود، مؤكدا أنه علامة بارزة في حياته الفنية وسبب تعرف الجمهور عليه بشكل أفضل.

* ذكريات مع العندليب

وللنجم حسن يوسف ذكريات مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في هذا الفيلم لا يستطيع نسيانها، لعل أبرزها عندما دعاه حليم قبل بدء تصوير الفيلم لزيارته في منزله في العجوزة على نيل القاهرة، وطلب منه أن يلتقيا يوميا ولمدة أسبوع في منزله حتى يدرسا معا دوريهما في الفيلم. وخلال هذه الفترة اقترب حسن من العندليب أكثر، وحضر الصالونات الثقافية التي كان يقيمها بمنزله ويحضرها أهم الكتاب والصحافيين والملحنين والشعراء والمخرجين. عاش يوسف مع حليم، وشاهد عن قرب كيف يفرح وكيف يتألم ومتى يبكي وكيف يجري «بروفات» أغانيه. كما لا ينسى حسن الأمسيات التي كان يدعوه فيها إلى مأكولات دسمة، بينما يجلس هو إلى المائدة وأمامه طبق الجبنة القريش والزبادي (بسبب وضعه الصحي)، فكان حسن أحيانا يحرج ويقول له إنه ليس جائعا، فيرفض العندليب هذا العذر ويصر على أن يأكل معه.

ومر الأسبوع، وحان وقت تصوير الفيلم، ودارت الكاميرا، واشتد المرض على العندليب، وكان يرقد بالأسبوع على فراش المرض وكان فريق العمل بالفيلم يلازمه خلال هذه الفترة، ولكنه خاف أن يقال عنه إنه يتسبب في تعطيل الفيلم، فتحامل على نفسه، إلا أن يوسف بدأ في الغياب لأنه كان مشغولا بتصوير أكثر من 5 أفلام دفعة واحدة، مما جعل المخرج حسن الإمام يستغني عن الجزء الذي التقطت فيه صور يوسف، وكان هذا الجزء في نهاية الفيلم، وتكلف تصويره نحو 3500 جنيه، بينما تشدد العندليب الأسمر تلك المرة في الانتهاء من مواعيد العمل وتحمس لقرار الإمام، وتم الانتهاء من الفيلم بعد اكتمال باقي المشاهد، وعرض الفيلم وحقق نجاحا ساحقا بدور العرض السينمائي.

* نقلة نوعية

بعد ذلك حدثت نقلة نوعية في مسيرة حسن يوسف؛ حيث أثبت أنه نجم غير عادي، وفنان قادر على التجدد، وذلك من خلال دوره المغاير والمختلف في فيلم «شفيقة القبطية» الذي قدمه في العام نفسه، أمام هند رستم، وحسين رياض، وأمينة رزق، وزوزو ماضي، وزيزي البدراوي، وفؤاد المهندس، وقصة وسيناريو وحوار جليل البنداري ومحمد مصطفي سامي، وإخراج حسن الإمام، والذي جسد فيه دور «عزيز إبراهيم» ابن شفيقة القبطية أشهر راقصات مصر التي تضطرها الظروف القاسية إلى ترك ابنها الوحيد في حضانة والدتها بعد أن طردها والدها من المنزل، وعندما يكبر يقع في حب ابنة أسعد باشا رئيس الوزراء الذي كان في الوقت نفسه العشيق الأكبر لوالدته، والذي يهينه أمام ابنته عندما يتقدم لطلب يدها، فتنتقم شفيقة لشرف ابنها بأن تهين الوزير أمام زوجته.

وقدم فيلم «زقاق المدق» الذي قدمه عام 1963م، أمام شادية، وصلاح قابيل، ويوسف شعبان، وسامية جمال، وهو سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج حسن الإمام، الذي جسد فيه دور «حسين» الشاب الفهلوي الأفاق الذي يعمل في الكامب الإنجليزي مع جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ثم يلعب في العام نفسه دور «عصام» الشاب المستهتر الذي يقع في حب ليلى ابنة خالته، لكنها سرعان ما تكتشف خيانته لها وأنه لا يختلف عن أبيها كثيرا فتتركه وتفقد ثقتها في الرجال، وذلك من خلال فيلم «الباب المفتوح» الذي قدمه أمام سيدة الشاشة العربية الفنانة الراحلة فاتن حمامة، وصالح سليم، ومحمود مرسي، وشويكار، وسيناريو وحوار يوسف عيسي، وإخراج هنري بركات.

ويؤكد حسن يوسف عند تذكره تلك المرحلة أنه لا يستطيع أن ينسى مهما مرت السنين مدى التزام فاتن حمامة في الفيلم، وحرصها على أن تكون في أفضل صورة وقيمة في العمل الفني، حيث كانت تأتي إلى الاستوديو في موعدها، وكانت جادة جدا في عملها، وحريصة على عمل أكثر من بروفة حتى تضع يدها على مواضع الضعف والعمل على تفاديها، كما أنها كانت فنانة مثقفة وشديدة الذكاء ولديها وعى كبير بما تقوم به، وتحمل قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير لكل العاملين معها، ولا تبخل على أحد بالنصيحة والتوجيه مهما كلفها ذلك من جهد ووقت، وأي فنان كان يقف أمامها يحسب لها ألف حساب.

ثم لعب دور رفيق السوء في فيلم «الشيطان الصغير» الذي قدمه أيضا في عام 1963م، مع كمال الشناوي، وصلاح منصور، ومحمد يحيي، وسيناريو وحوار صبري عزت، وإخراج كمال الشيخ. ثم دور «سمير» الابن المستهتر الذي ينصلح حاله في فيلم «امرأة على الهامش»، أمام هند رستم، وزيزي البدراوي، وزوزو نبيل، ومحمد عوض، وسيناريو وحوار محمد مصطفى سامي، وقصة وإخراج حسن الإمام. وفي العام نفسه أيضا يقدم لنا شكلا يعود من خلاله إلى الكوميديا، وذلك في دور «شفيق» في فيلم «أم العروسة» مع عماد حمدي وتحية كاريوكا ويوسف شعبان وسميرة أحمد، والذي أخرجه عاطف سالم.

* حب من أول نظرة

الحقيقة أن عام 1963م، لم يشهد نقلة نوعية في مسيرة حسن يوسف الفنية فقط، بل شهد أيضا إنهاءه حياة العزوبية، حيث تزوج من الممثلة والفنانة الاستعراضية الشابة لبلبة، بعد قصة حب بدأت عام 1961م، عندما شاهدها لأول مرة في مكتب العقود بالتلفزيون، ولم يكن يعرف أنها الفنانة لبلبة، فكانت نظراته إليها على أنها فتاة حلوة وشيك، موجودة في المكتب لفتت نظره، وبعد لحظات عرف أنها لبلبة، فخجل من نفسه وسلم عليها بصفتها زميلة، وكان وقتها يعرض له فيلم «نساء وذئاب»، وكانت لبلبة لبقة؛ إذ بادرته بقولها: «برافو، دورك هايل في فيلم (نساء وذئاب)». فتشجع وسألها: «أنت شفتي الفيلم؟». فأجابت: «لا، لكن سمعت عنه». فقال لها: «طيب أبقي شوفيه وهانتظر رأيك». وانتهى الحوار بينهما، وكانت معها والدتها التي كانت تلازمها في كل خطوة تخطوها. وبعد هذا اللقاء السريع شاء القدر أن يتقابلا مرة أخرى في نادي التجارة، حيث ذهب حسن لحضور إحدى حفلات «أضواء المدينة»، التي كان متفقا على تقديم فقراتها، وكانت هي تشترك في إحيائها، وأراد أن يكلمها فسألها: «أنت شفتي الفيلم ولا لسه برضه ما شوفتهوش؟». فقالت له: «آه شفته». وتفاجأ أنها جارته في مصر الجديدة، وأخذ رقم تليفونها، ثم اختفت عن عينيه بعد لحظات، ولم يرها ثانية تلك الليلة.

وبعد ذلك كان يراها بالصدفة، فشاهدها مرة في مسرح محمد فريد، ومرة في مسرح الأزبكية بقلب القاهرة، وفي كل مرة كان يحاول أن يشعرها بأنه معجب بها، حتى فهمت ذلك، ولكن والدتها المرافقة لها في كل تحركاتها كانت تفسد كل مقابلاتهما، وبدأ حسن يكلمها تليفونيا وينجذب إليها أكثر وأكثر بعد أن أعجبته طريقة تفكيرها.

خوف وتساؤل

ظل الأمر كذلك إلى أن تقابلا على انفراد في الباخرة «الدلتا» على شاطئ النيل، وكانت لبلبة ترتدي فستانا أبيض كأنها سندريلا مقبلة على أميرها، ووقف حسن يستقبلها بابتسامة كبيرة تملأ كل وجهه، وقال لها: «يا سلام أنت لابسة فستان جديد». فضحكت لبلبة وقالت له: «كسفتني يا حسن»، فضحك ومرت لحظات قليلة ثم قال لها: «حتفضلي تحبيني لحد إمتي؟»، فمالت لبلبة برأسها وشعرها يتطاير في الهواء، ثم التفتت إليه قائلة: «طول ما تبقى زي ما عرفتك وماتتغيرش حافضل أحبك يا حسن، ولما تتغير طبعا محبكش». واشتد بريق عيني لبلبة وملأت وجهها ابتسامة صافية، وقالت له: «على فكرة، لو ما كنتش سألتني السؤال ده كنت أنا سألته». ثم صمتت للحظة، وفجأة قالت: «ممكن تخلى بيّا يا حسن؟»، فاندهش حسن من سؤالها، وقال لها: «أخلى بك إزاي يا لبلبة؟». فقالت له: «في يوم من الأيام، حتمثل قدام بنت حلوة تانية، وتحبها وتسيبني وتنساني، وساعتها هتصدمني صدمة عمري». فأجاب حسن مسرعا: «مستحيل يا حبيبتي، هو أنا حالاقي طول عمري واحدة أحلى منك». فقالت له: «صحيح يا حسن». فقال لها: «بكل تأكيد يا لبلبة». فقالت: «يعني حنعيش مع بعض طول العمر». فقال لها: «إلى الأبد يا حبيبتي». فقالت له: «بس أنا باسمع أن الحب بعد الزواج بيروح؟». فضحك حسن وهو يتابع حركاتها بنظرة حب وأخذ يقول لها: «طبعا بعد الجواز مش حتبقى حرارة الحب، النظرات واللمسات والتليفونات، اتنين بيبقوا محرومين من بعض ويحل محله روابط أقوى من الحب، العشرة.. البيت والأولاد». فقالت له: «وهل صحيح أن زواج الحب لا يدوم؟». فقال لها: «بالعكس يا حبيبتي، الزواج الذي لا يدوم هو الزواج غير القائم على الحب». فقالت له: «ليه يا حسن الأزواج بيخونوا بعض؟». فقال لها: «دول ناس غدارين يا حبيبتي». فترد عليه قائلة: «من حقهم يسيبوا بعض، قبل ما يقعوا في الخطيئة». ويصمت حسن قليلا ثم يقول وكأنه يهمس بكلمات غزل: «طيب يا لبلبة لو اتجوزنا بعض وفي يوم كرهتيني هاتعملي إيه؟». وترد عليه لبلبة في انطلاق ودون خجل: «أقول لك واسيبك». ويصمت حسن قليلا وترتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة ويقول لها: «خلاص، إيه رأيك نتجوز؟». وترد لبلبة بخجل: «أتمني ذلك، ولكن أمي لن توافق، لأنها ترى أني ما زلت صغيرة، ولا أستطيع تحمل مسؤولية الزواج، كما أنني المسؤولة عن عائلتي ومكلفة بها».

وتمر أيام قليلة ويذهب حسن يوسف إلى منزل لبلبة ويطلب يدها من والدتها، ولكنها بالفعل تعارض وترفض هذه الزيجة، ونتيجة لهذا الرفض افترق الحبيبان لمدة 20 يوما، ولكن حسن لم يقطع الأمل وقام بمحاولة جديدة، ولكنها قوبلت بالرفض أيضا.

* إصرار وتهديد بالانتحار

فخرجت لبلبة هذه المرة عن طاعة أسرتها، وهددت بالانتحار وجمعت ملابسها في حقيبة، وهربت من البيت ليعقد قرانهما، ويضعا الأسرة أمام الأمر الواقع، وهنا أدركت أمها أنه لا بد من إتمام هذا الزواج، ورفعت الراية البيضاء واستسلمت بأمر الحب، وقالت للبلبة: «أنت حرة تختاري اللي أنت عايزاه». وبارك والد حسن هذه الزيجة وقال له: «الحب لا بد أن ينتصر في النهاية، وأرجو أن تدوم سعادتكما». وتم عقد القران، وكان حسن في السادسة والعشرين من عمره، بينما كانت لبلبة في سن السابعة عشرة من عمرها، حيث ذهبا نهارا إلى الشهر العقاري لتسجيل عقد زواجهما، وفي المساء أقاما حفل الزفاف في قاعة «ألف ليلة وليلة» بفندق «هيلتون»، وزفتهما الفنانة الاستعراضية المعتزلة سهير زكي، وامتلأت القاعة يومها بعشرات النجوم وشخصيات الإعلام، واتفقا على عدم إنجاب أطفال لمدة 5 سنوات على الأقل. وقد مضت بهما الحياة الزوجية في سعادة دائمة دون أن يحدث بينهما أي خلافات زوجية، فكل منهما كان يحافظ على شعور الآخر، ويحرص على سعادته.

وقد جمعتهما هواية ركوب الدراجات، فكانا يقومان كل أسبوع برحلة بالدراجات على كورنيش النيل أو في مصر الجديدة بعيدا عن العيون. ويذكر أن المرة الوحيدة التي لعن فيها حسن يوسف هذه الهواية، عندما فرقع «إطار» العجلة التي كان يركبها ولم يكن هناك مفر من إمساك العجلة والسير بجوارها، فطلب من لبلبة أن تسبقه إلى البيت، وسحب هو العجلة من مدخل شارع الهرم حتى أوصلها إلى العجلاتي في الدقي.

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (3/5):

دخل مجال الإخراج للابتعاد عن التكرار.. و«رحلة حب» أشعل الحب مع شمس البارودي

الولد الشقي يخص («الشرق الأوسط») بمذكراته الشخصية

القاهرة: عبير فؤاد

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.

إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.

النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

نواصل المسيرة والسيرة الذاتية لنجم من طراز خاص؛ دبلوماسي في التعامل مع من حوله، ولكن هناك شروط لمن يريد الاقتراب من عالمه؛ أهمها أن يبتعد عن أساليب المناورة واللف والدوران والغمز واللمز، لأنه إنسان بسيط وصريح ومباشر. تربع على عرش النجومية في السينما المصرية منذ الستينات، واستمر بطلها المتميز في السبعينات، وأستاذها و«حكيمها» في الثمانينات، دون أن يتخلى عن حيوية الفتى الشقي ليواصل عمله الذي جند نفسه له في معترك التمثيل بالقدر نفسه من الإبداع والتلقائية والجدية على امتداد أكثر من 50 عاما.

نجم المراهقات وحلم البنات، الفنان المتألق دائما «حسن يوسف» عاش مع زوجته الأولي الفنانة لبلبة 9 سنوات من السعادة، كانا متفاهمين خلالها على كل الأمور ما عدا موضوع واحد هو عملها في السينما. حيث كان حسن يريد أن يقتصر نشاطها الفني على الحفلات الموسمية والتلفزيون فقط، مفضلا أن تستقر في المنزل لتنجب وتربي الأولاد سعيا لحياة أكثر استقرارا، بينما كانت لبلبة ترى أن الوقت قد حان لتفجير طاقاتها الفنية، لا سيما أن الشاشة السينمائية باتت تدعوها للعودة والتمثيل من جديد، ووفق عروض قد تحملها إلى مكانة هي تطمح لها، بالإضافة إلى أنها لم تكن لديها رغبة في الإنجاب في هذه السن المبكرة. كان يحز في نفسها أن تحرم من تحقيق تلك الأحلام، ومع هذا استسلمت للأمر الواقع مرددة: ما دمت سعيدة بحياتي الزوجية فسأكتفي بالنجاح الذي يحققه زوجي وأسعد به مكتفية بالعمل التلفزيوني والحفلات بين وقت وآخر. والحقيقة أن لبلبة كانت وش السعد على حسن يوسف خلال فترة زواجهما، حيث انهالت العروض الفنية عليه، وقدم مجموعة من أروع أفلامه، لعل أبرزها: «للرجال فقط»، و«حكاية جواز»، و«العزاب الثلاثة»، و«آخر شقاوة»، و«الشياطين الثلاثة»، التي قدمها في عام 1964م. وللفيلم الأخير ذكرى طريفة مع يوسف لا يستطيع نسيانها.

سرقة على الطريق الزراعي

اكتشف هو والفنان الراحل محمد عوض بعد تمثيلهما بعض لقطات الفيلم في الطريق الزراعي عند مدينة قليوب شمال القاهرة، اختفاء حقيبة كل منهما التي تضم أوراقا شخصية ونصوص روايات وسيناريوهات من سيارة عوض، فقاما بتحرير محضر في قسم الشرطة، ووعدا من يعيد إليهما الأوراق بمكافأة مالية كبيرة، ولكن يبدو أنهما من فاز بالمكافأة! ليستمر حسن بعد عرض الفيلم في التنوع والعودة إلى الإضحاك والحكايات الشبابية؛ إن جاز التعبير، ويتجسد كل هذا في أفلام: «مطلوب أرملة»، و«الثلاثة يحبونها»، و«المغامرون الثلاثة»، و«الشقيقان»، التي قدمها في عام 1965م. وللفيلم الأخير أيضا موقف طريف لا يستطيع حسن نسيانه، فأثناء تصوير المشاهد الخارجية للفيلم بمطار القاهرة الدولي ضبط رجال جمارك المطار عملية حقيقية لتهريب 2.5 كيلوغرام من الهيروين مع راكب فرنسي، وكان الفيلم يدور حول تجارة المخدرات، وكان حسن يجسد فيه دور ضابط في مكافحة المخدرات مما يضطره إلى التنكر في عدة شخصيات تطابقت واحدة منها مع الفيلم المذكور فكانت مصادفة غريبة.

كما قدم حسن أيضا في عام 1966م، مجموعة متميزة من الأفلام لعل أبرزها، «تفاحة آدم»، و«الحياة حلوة»، و«إجازة صيف»، و«خان الخليلي» الذي قال عنه حسن يوسف لنا: «الحقيقة أني اعتبر دور (رشدي عاكف) الذي جسدته في الفيلم نقطة تحول في حياتي الفنية، حيث استطعت عن طريقه أن أضع خطا أحمر تحت طاقتي الفنية، ولا أستطيع أن أنسى إشادة بطلة الفيلم النجمة سميرة أحمد بأدائي، خصوصا في أداء مشاهد مرضي، حيث كانت تصفق لي إلى جانب بكائها».

وقدم حسن يوسف كذلك فيلم «شاطئ المرح» مع النجمة المطربة نجاة الصغيرة، إضافة إلى أفلام «شقة الطلبة»، و«اللقاء الثاني» في عام 1967م، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«7 أيام في الجنة»، و«السيرك»، و«شهر عسل بدون إزعاج»، و«نساء بلا غد» في عام 1968م.

تمرد وتغيير

ومنذ ذلك العام، وعلى مدى 3 سنوات تقريبا، بدأ المخرجون في إعطاء حسن يوسف أدوارا مكررة، فإذا بهم يطلبونه للدور نفسه في كل مرة، لدرجة أغاظته، لأنهم يتناولونه فنيا من الزاوية نفسها دون أي تحرك لاكتشاف أي زوايا أو طاقات فنية أخرى فيه، فقرر في عام 1970م، أن يخرج لنفسه فيلما ذا لون جديد كليا بالنسبة له، وكان حسن قد ربط بينه وبين الإخراج علاقة قوية نشأت منذ اليوم الأول لدراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، فقد وقع في حب الإخراج، كما يقولون، من أول نظرة، والعلاقة كما يقول حسن بين الممثل والمخرج كالعلاقة بين العازف والمايسترو، دائما ما يتمني كل عازف أن يكون مايسترو، وذلك لا يتحقق إلا بالدراسة النظرية والعملية.

ولذا فقد عمل على أن يتوفر له ذلك، كما عمل على أن يجعل المتفرج يرى نفسه على الشاشة، وألا يجد في أفلامه أثرا للتكلف أو الافتعال، وحاول أن يكون أسلوبه في الإخراج امتدادا لأسلوبه الطبيعي في التمثيل الذي تميز به طوال مشواره الفني. فعرض الفيلم على كثير من المنتجين، ولكنه قوبل بالرفض لسببين: أولهما، أنهم وجدوا تغييرا فيما يقوم به حسن يوسف في الدور الجديد بالفيلم. والثاني، أن الفيلم كان سيجري تصويره في 5 دول أوروبية هي ألمانيا وفرنسا والنمسا واليونان وإيطاليا، فخاف المنتجون من تكاليفه. فقرر حسن أن ينتج بنفسه الفيلم ويخرجه ويمثل دور البطولة أيضا، وقد كان فيلم «ولد وبنت والشيطان»، الذي شاركه بطولته نور الشريف وصلاح قابيل ونجلاء فتحي وفنانة ألمانية تدعى بريجيت هاربز. وكان الفيلم بداية تغيير في حياة حسن يوسف الفنية، لأنه حقق نجاحا كبيرا سواء على المستوى الفني أو المستوى التجاري، وهذا ما دعاه لاتخاذ قرار بأن يعيد التجربة مرة أخري.

ويقول حسن يوسف في مذكراته عن تلك المرحلة إنه بعد انتهاء الفيلم وجهت له بريجيت هاربز الدعوة هي وزوجها للعمل معهما في ألمانيا، ولكنه رفض، لأن موقع السينما الألمانية على الخريطة لا ينافس مستوى السينما العالمية الأميركية أو الإيطالية.

وتمر الأيام بحسن يوسف ويشعر برغبة قوية في تحقيق استقرار أكبر فيلح على لبلبة في اعتزال العمل الفني تماما وبشكل نهائي، هذا الإلحاح جعلها تتساءل عن سبب التغيير، خاصة أن الموضوع قد انتهى النقاش فيه سابقا وتم التفاهم، كما أبدت دهشتها من طلبه، فهو يعلم بأنها تساعد بعض ذويها وأهلها من المال الذي تكسبه، وحين صعب التفاهم بينهما كان الطلاق هو الحل الأخير. وانفصلا بعد 9 سنوات من الزواج. والحقيقة أن طلاقهما كان أهدأ طلاق، فلم ينشر أحدهما للناس أسباب الطلاق، أو يلجأ كما يحدث دائما إلى المحاكم، حيث انفصلا صديقين.

محاولات فاشلة

وحاول بعض الفنانين أن يعيدهما معا، إلا أن كل المحاولات كانت تفشل بسبب والدة لبلبة التي كانت ضد العودة إلا حسب شروطها هي التي كانت صعبة على الاثنين. كما حاول أيضا المنتج سمير خفاجي أن يعيد لم شملهما مرة أخرى، فطلب من حسن يوسف المشاركة في مسرحية «الحي الغربي»، دون أن يخبره بوجود لبلبة في المسرحية، ولم يخبر لبلبة أيضا بأن حسن يوسف وافق على العمل في المسرحية، وكان هناك كثير من مشاهد المسرحية تجمع حسن ولبلبة في مواقف حب، بل كان هناك مشهد زفاف تمثيلي، وكان الجمهور كلما جاء المشهد يصيحون مطالبين أن يكون المشهد حقيقيا ويتزوج الاثنان مرة أخرى. وكان بالإمكان أن يعود الاثنان لبعضهما بسهولة لولا وقوف والدة لبلبة خلف الكواليس لتضمن حماية ابنتها من سحر حسن يوسف بعد انتهاء المشهد. فحاول الجميع جمع شملهما في جلسة بعيدة عن والدة لبلبة التي كانت ترافقها مثل ظلها، فقرر الفنان الراحل فريد شوقي أن يقيم حفلا في منزله ويدعو فيه الجميع محققا بذلك فرصة لقاء حسن بلبلة، وتبرع البعض للقيام بمهمة إقناع والدة لبلبة بعدم ضرورة حضورها للحفل وأنه من الأفضل لصحتها أن تستريح في بيتها تلك الليلة، وأن سمير خفاجي سيقوم بنفسه بتوصيل ابنتها لبلبة إلى البيت بعد انتهاء الحفل آمنة وسليمة، إلا أنها رفضت رفضا باتا، خاصة بعد أن علمت من مصادرها الخاصة سبب الحفلة وغضبت من سمير خفاجي وتشاجرت معه لاعتقادها أنه يدبر من وراء ظهرها خطة إعادة بنتها لزوجها السابق، وهو أمر ترفضه رفضا قاطعا. فقامت مجموعة من الأصدقاء المشتركين بإقناعها بعدم رفض الدعوة لأن فريد شوقي هو صاحبها، ولكنه لا يقصد معاندتها، وأن المسؤول عن الخطة هو سمير خفاجي، وأقنعوها أيضا إن لم تكن تريد حضور الحفلة لا هي ولا لبلبة فلتذهب وتعتذر لفريد شوقي وينتهي الأمر بسلام، وفعلا ذهبت والدة لبلبة إلى منزل الفنان الراحل فريد شوقي، بينما ظلت لبلبة في السيارة، واعتذرت الأم عن الحفل ولم يلتق الحبيبان.

يذكر أن حسن كان قد اشترك مع لبلبة في فيلم «رحلة شهر العسل»، ومثلا فيه دوريهما في الحياة وقتئذ كزوجين في رحلة شهر العسل في دوري «رشدي» و«ألفت».

إعجاب وغضب

ومرت أيام وسافر حسن يوسف في رحلة قصيرة إلى بيروت ثم عاد ليتفرغ لعمله الفني، حتى وقع في حب شمس البارودي التي تزوجها عام 1972م، وهنا يقول حسن يوسف: «كنت أعرف شمس كزميلة وكفنانة متميزة، ورغم أن لقاءاتنا كانت مقصورة على المناسبات الفنية فقط، إلا أنني كنت معجبا جدا بها وبمواقفها الإنسانية مع الكثيرين من زملائنا الفنانين، والتي تدل على أصالة معدنها وطيبة قلبها، حتى شاء القدر وجمعت بيننا بعض الأعمال الفنية، كان أولها فيلم (آخر العنقود) وكانت شمس وقتها في المرحلة الثانوية‏، وأتذكر أنه حدثت بيني وبينها مشادة حادة، حيث تأخرتْ جدا في أحد أيام التصوير مما أغضبني وجعلني أطلبها في البيت بصفتي بطل العمل لأعرف سبب تعطيل التصوير، وعندما سألتها قالت لي: (انت مالك، انت مش المخرج ولا المنتج وليس من حقك تسألني، ولعلمك أنا لن أستكمل هذا الفيلم، وأنا حرة).‏ وأغلقت السماعة في وجهي. ورفضت فعلا استكمال التصوير واضطر المخرج للاستعانة ببطلة أخرى. وبعد ذلك التقينا في فيلم (حكاية 3 بنات) وكانت شمس وقتها في المعهد‏، وكنا نصور في أحد فنادق الإسكندرية وكان والدها معها‏، وأثناء الغداء طلبت مكرونة، فقلت لها ساخرا: (انت ناقصة معكرونة)، لأنها كانت ممتلئة وقتها، فنظرت إلى بغضب شديد، وأخذت مني موقفا إلى أن انتهينا من تصوير الفيلم».

حب وزواج

«..ومرت الأيام حتى علمت بأنها ستكون البطلة أمامي في فيلم (رحلة حب)، فقلت في نفسي: (ربنا يعديها على خير)، وسافرنا إلى سوريا لتصوير الفيلم، وهناك وأثناء التصوير تعرفت على شقيقها وأولاد أعمامها وبعض أقاربها الذين كانوا يلازمونها في التصوير، وبدأت أقترب منهم‏، وبدأ قلبي ينبض حبا لشمس، وأصبحت أجلس أراقبها في كل تحركاتها وسكناتها، وكانت هي تشعر بذلك‏، إلى أن انتهزت فرصة يوما وأثناء تحضير مشهد للتصوير‏، صرحت لها بحبي، فارتبكت ولم ترد علي، وتوالت محاولاتي برقة وأدب وصدق طوال أيام تصوير الفيلم ولمدة شهرين‏‏، وانتهى التصوير وعدنا للقاهرة‏.

وبعد عودتي، قمت بالاتصال بها في التليفون في بيت أسرتها، وتحدثنا طويلا وطلبت مقابلتها‏، فالتقت بي، ولكن برفقة صديقتيها منذ الطفولة د‏.‏ هناء كريم، وسوزان أنور، وعندما جاءت قلت لها: (انت جايباهم يعملوا لي كشف هيئة؟)، فردت علي هناء: (أصل يا حسن شمس غالية علينا، وانت شقي جدا).‏ فقلت: (والله شمس دي حلم حياتي)‏.‏ فابتسمت شمس ولمعت عيناها ونظرت إلى بخجل وكأنها تريد أن تقول لي: (وأنا أيضا). وبعد أن شعرت بصدق مشاعري تجاهها وافقت أن أتقدم لوالدها‏.، فذهبت إليه في البيت، وكان ذلك في شهر رمضان، وقلت له: أنا ذاهب إلى الحج وسأدعو لكما وعندما أعود ربنا يوفق لما فيه الخير‏.‏ ووقتها أصر أهلها على أن أتناول الإفطار معهم، وبالفعل أفطرت معهم صينية بطاطس كانت شمس قد صنعتها بيديها، (يضحك)، أعتقد أنني قد تزوجتها من شدة حلاوة طعمها. وبعد عودتي من الحج نزلت أنا وشمس واشترينا الشبكة‏، وقمت بتجهيز البيت في ثلاثة أشهر‏، وعقدنا القران بمهر قدره 25 قرشا، لنبدأ حياة زوجية سعيدة لم ينقطع عنها الحب والاحترام والإخلاص حتى الآن، وأنجبنا أولادنا محمود وناريمان وعمر وعبد الله. وكنت قد اشترطت على شمس ألا تمثل أمام أحد آخر غيري بعد الزواج، وكان شرطي هذا نابعا من الغيرة الشديدة عليها، فلم أكن أقبل أن تمثل زوجتي مشاهد الحب مع رجل آخر حتى لو كان تمثيلا».

دويتو

«..وقد قدمنا بعد الزواج عدة أفلام ناجحة، وشكلنا ثنائيا محبوبا ومختلفا على الشاشة، ومن هذه الأفلام على سبيل المثال: (الجبان والحب)، و(كفاني يا قلب)، و(دموع بلا خطايا)، و(مراهقة من الأرياف)، و(القطط السمان)، و(الطيور المهاجرة)، و(واحدة بعد واحدة ونصف)، و(حب على شاطئ ميامي)، و(الشياطين والكرة)، و(المجرم)، و(الزواج السعيد). حتى آخر فيلم قدمته قبل اعتزالها الفن وارتدائها الحجاب وهو (اثنان على الطريق)، الذي استثنيته من شرطي ورشحت عادل إمام للبطولة أمامه، ولم أشعر بالغيرة لأنني كنت المخرج وكنت أتحكم في المشاهد كلها، فلم أسمح بأي مشهد يؤذي مشاعري».

شائعة هددت حياته مع شمس

«..وأتذكر أني فوجئت ذات يوم بزوجتي شمس تنظر لي وهي غاضبة وتسألني عن اسم الممثلة الجديدة التي شاهدها الناس معي عدة مرات، وأن هواة الإشاعات والصيد في الماء العكر يؤكدون أن زواجي من هذه الممثلة سيتم قريبا بعد أن أطلق شمس البارودي لأتفرغ لحياتي الزوجية الجديدة، ولكنني أقسمت لها أن هذه الإشاعة غير صحيحة بالمرة، وأنني لم ألتق بهذه الفتاة ولا أعرفها، وتأكدت شمس من هذا التكذيب بعد أن سألت بعض صديقاتها في الوسط الفني اللاتي يصارحنها بالحقيقة دائما. ولا أنكر أن أكبر مكسب أدبي وفني حققته هو زواجي من شمس البارودي، التي كانت وش السعد علي، حيث أصبحت حياتي الفنية مليئة بالأعمال الفنية الناجحة، ولا أكاد أنتهي من فيلم، إلا وأجد نفسي مشغولا بالاستعداد لفيلم آخر، ولا أنتهي من مسرحية، إلا وأستعد لمسرحية أخرى».

* ينشر بترتيب مع «وكالة الأهرام للصحافة»

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (4/5):

ورث نجله عمر منه حب الفن.. ورجل جزائري كان السبب في هدايته داخل الحرم

«الولد الشقي» يخص «الشرق الأوسط» بأجزاء من مذكراته الشخصية

القاهرة: عبير فؤاد

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.

إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.

النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

حسن يوسف ليس مجرد ممثل فحسب، لكنه أيضا مخرج متمكن من أدواته، فقد قام بإخراج معظم أفلامه، فهو يعرف جيدا كيف يوظف كل مكونات العمل الفني لخدمة العمل ونجاحه، كما حقق نفس النجاح بالتلفزيون حيث قدم العديد من المسلسلات التلفزيونية، وحقق نجاحا بها لا يضاهيه نجاح، فهو يحمل دائما من خلالها مضمونا ورسالة سامية، فهو بحق فنان قدير يحمل رسالته الفنية ويقدمها على أكمل وجه وفي أحسن صورة فنية.

والحقيقة أنه كلما تعمقنا أكثر في حياته وجدنا أن طريقه لم يكن أبدا سهلا، فقد مهد هو طريقه بعرقه وجهده، وتحمل الكثير من أجل أن يصل إلى ما وصل له، حيث أصبح أحد النجوم الكبار في السينما المصرية، وتعددت في أفلامه نجمات السينما الشهيرات، فاتن حمامة وهند رستم وشادية وسعاد حسني ونادية لطفي وسميرة أحمد ونجاة الصغيرة، وكأن نبوءة الفنان الراحل حسين رياض له بأنه سوف يكون أنور وجدي السينما الجديد قد تحققت.

وقد يرى كثير من الفنانين أن أهم أسباب شهرة يوسف سعادته الزوجية التي أصبحت مضرب المثل، لا في الوسط الفني فحسب بل في جميع الأوساط التي تتابع أخبار النجوم، بل يعتقد البعض أن يوسف وزوجته شمس البارودي اتفقا منذ البداية على أن تبدأ حياتهما الزوجية بالتفاهم الممزوج بالحب والاحترام، وهكذا عاشا حياتهما الزوجية لأكثر من 42 عاما وكأنهما متزوجان حديثا، ومضت بهما حياتهما الزوجية إلى بر الأمان رغم كل ما اعتراها من مشاكل ومنغصات في أوقات معينة خاصة بعد اعتزال زوجته التمثيل والتزامه هو دينيا، حيث تعرضا لحملات كثيرة من الانتقادات جراء تلك الخطوة.

وربما يعتبر حسن يوسف من الأزواج القلائل الذين يفضلون البيت على أي مكان آخر، وقلما يُرى حسن وشمس في مكان عام، فالبيت - كما يقول مثل إنجليزي - هو قلعتهما الوحيدة التي يلوذان بها من أعداء الحياة الخارجية. ويعتقد يوسف أن البيت الجميل البسيط يعطي الزوج قابلية شديدة لأن يمكث فيه أكبر وقت ممكن، مؤكدا أنه يحب الحياة العائلية ويقدسها، ولعل شمس أحد أسباب هذا الحب، لأنها هي أيضا تقدس الحياة العائلية وتفضل البيت على أي مكان آخر، ومرض أحد أولادهما يمثل حادثا جللا في البيت. ومع تلك الأيام والذكريات تواصل «الشرق الأوسط» في هذه الحلقة عرض أجزاء منها سمح لنا النجم الشهير وزوجته الجميلة بالاطلاع عليها تمهيدا لطرحها كاملة بالأسواق تحت عنوان «50 سنة سينما».

* فن بالوراثة

كان لا بد من أن تترك أضواء الشهرة والنجومية، والمعجبون المترددون طوال الوقت، وكاميرات التصوير، أثرا واضحا في أحد الأبناء إن لم يكن فيهم جميعا، خاصة إن كان الأبوان يعملان في الفن وحققا شهرة كبيرة، وما زال اسمهما يصنع خبرا تتداوله مختلف وسائل الإعلام، وهو ما حدث مع أسرة الفنان حسن يوسف وزوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي، حيث اتجه أحد أفراد العائلة بخطوات ثابتة نحو النجومية وهو الفنان عمر حسن يوسف، الذي احترف الفن بعدما شاهده المنتج محمد العدل أكثر من مرة، لأن ابنته كانت زميلة عمر في المدرسة. وبعدما كبر توسم العدل فيه ملامح النجومية فعرض عليه التمثيل في مسلسل «محمود المصري» مع الفنان محمود عبد العزيز. إلا أن يوسف رفض وقال له: «أكمل دراستك أولا ثم اختر». وفعلا تخرج عمر في كلية السياحة والفنادق وعمل في شركة أجنبية، وبعد ذلك جاءه فيلم «شارع 18»، وأخذ رأي والده فبارك له الخطوة هو ووالدته، وقال له: «جرب واحكم على التجربة». وعرض الفيلم وحقق عمر من خلاله نجاحا كبيرا، وانهالت عليه العروض السينمائية فقدم «قاطع شحن»، و«بنتين من مصر»، و«تلك الأيام». كما قدم مسلسلي «فرق توقيت» و«المرافعة». وقدم مع والده النجم حسن يوسف مسلسلي «مسألة كرامة» و«العارف بالله الإمام عبد الحليم محمود». وقد صرح لنا «يوسف» بأنه يتمني أن يكون نجله عمر مثل النجم العالمي «عمر الشريف»، فهو مثله الأعلى، خصوصا أنه يجيد الإنجليزية ولغات أخرى، ولديه علاقات جيدة في الخارج، ولذلك يتوقع أن يكون له مستقبل باهر. كما أنه يتمنى أن يكون فتى الشاشة الأول، خصوصا أنه يملك مواصفات النجم الوسيم، وأن عمر لديه ميزة جيدة، وهي أنه يبحث عن الدور الجيد والإتقان، وليس مجرد الوجود، فهو اختار الطريق الصعب في التمثيل، وذلك على عكس أشقائه ناريمان ومحمود وعبد الله، الذين لم يفضل أحد منهم العمل بالتمثيل، حيث بدأت «ناريمان» تعليمها في المدرسة الألمانية (راهبات) ومن ثم أكملتها في الجامعة الأميركية وتخصصت في علوم الكومبيوتر، وهي الآن تعمل مهندسة، كما حازت من جامعات إنجلترا شهادتي ماجستير، الأولى في العلوم الإنسانية والثانية في الترجمة، وهي تحضر حاليا للدكتوراه في «تاريخ المرأة العربية». أما محمود فهو خريج كومبيوتر وحاسبات في جامعة لندن، ويعمل مدير شركة إعلانات، أما عبد الله فهو طالب في الأكاديمية البحرية، ويرفض العمل في الفن رغم أن لديه الموهبة.

* موقف صعب

من أكثر المواقف الصعبة التي هزت كيان عائلة حسن يوسف عندما اختفى نجله عبد الله في ظروف غامضة لمدة أسبوعين، مما جعله يتقدم ببلاغ رسمي إلى قسم الدقي عن اختفائه، مؤكدا لهم أنه يعاني اكتئابا ولا يشتبه في غيابه جنائيا، فتشكل فريق بحث عنه وتم استدعاء حسن إلى نيابة شمال الجيزة للتحقيق في البلاغ، إلا أن عبد الله اتصل به وأخبره بأنه يقيم بشقة الأسرة في الإسكندرية مع بعض أصدقائه. كما تلقى حسن خطاب تهديد بقتل ابنته ناريمان إذا لم يدفع 20 ألف جنيه، مما جعله يتقدم ببلاغ إلى الشرطة لحمايتها.

ومن الموقف الصعبة أيضا التي تعرض لها حسن يوسف، عندما وجد أن كل المخرجين أخذوا ضده موقفا بسبب اتجاهه للإخراج، حيث وجد أن كل السيناريوهات التي كان سيمثلها أسندت إلى ممثلين آخرين. ويعلق حسن على ذلك قائلا «الحقيقة أن الشيء الوحيد الذي حز في نفسي وقتها هو أنني لم أتوقع من زملائي مثل هذا الموقف، لكني قلت لنفسي إن مقاطعة المخرجين لا تهمني لأنني فنان أثبتّ وجودي كممثل، وهم في حاجة إليّ، ولا بد أن يأتي يوم ويعدلون فيه عن مقاطعتهم لي، حتى لو تقدم العمر فإن مواهبي ترشحني لأدوار تتناسب مع عمري في كل مرحلة، لكن للأسف عندما يتحول المخرج إلى ممثل فإن المخرجين يتوهمون أنه سيفرض وجهة نظره على العمل فينصرفون عن التعاقد معه.

* أسباب الهداية

وتمر أيام قليلة ويقرر حسن يوسف التوجه إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة برفقة والد زوجته في عام 1981. وهنا يقول: «عندما دخلت المسجد الحرام لأصلي تذكرت وصية والدي لي بالجلوس في الصفا، فسألت عنه، فدلوني عليه، فصليت بجانب رجل ملتح، حيث تباركت بالجلوس بجانبه، ولكن بمجرد أن انتهيت من صلاة السنة رأيت هذا الرجل يتحرك ويقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وقام من مكانه، فاندهشت وأمسكته وسألته: أين تذهب؟. فقال لي: (لن أجلس بجانبك). فقلت له: لماذا؟. فقال لي: (أنت تعمل في مجال الشياطين)، وبدأ يتحدث إلي، وبدأت أستمع إليه، فارتجفت من نصائحه وإرشاداته. ورجعت من تلك الرحلة وأنا لا أنام، وكانت البداية في التحول من هذه النقطة، وببركة هذا الرجل الجزائري الفاضل الذي استعاذ بالله مني، لكنها كانت خيرا لي، ولو أن هذا الرجل خجل من أن يواجهني بهذه المواجهة لكنت رجعت إلى بلدي طبيعيا كالعادة من دون قلق وتساؤلات، لكن هذه الشرارة جعلتني أصعد المسألة، وذهبت إلى شيخ الحرم المكي وسألته، وعندما عدت إلى مصر سألت شيوخا كثيرين، فنصحني البعض منهم بلزوم الابتعاد تماما عن التمثيل والفن، ونصحني البعض الآخر بأن أصحح المسار».

* أنا والشيخ الشعراوي

يواصل يوسف: «كما أنني كنت قد تقابلت في الطائرة مع أبناء الحاج عبد الله سلام، صاحب إحدى الشركات، وأثناء الحوار قالوا لي إن والدهم يعد إفطارا في اليوم الثاني من رمضان من كل عام على شرف فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)، وعرضوا عليّ مشاركتهم هذا الإفطار، ولأنني اعتدت ألا أتناول طعام إفطار رمضان بعيدا عن زوجتي وأبنائي، فقد كسرت صيامي كما يقال معهم بطبق شوربة وأسرعت إلى المقطم لألحق إفطار الشيخ الشعراوي. وبالفعل وجدتهم يتناولون طعامهم، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها الشيخ، ورأيته يجلس على المائدة يتناول طعامه، فصافحته ورد عليّ قائلا: (ازيك يا بني). وكان يعرفني على المستوى الفني، وحدث لي انبهار برؤيته شخصيا. وأثناء جلوسي بجانبه جاء رجل مسن للجلوس لكنه لم يجد كرسيا، فقمت من على الكرسي وأعطيته له وجلست على الأرض بجوار الشيخ الشعراوي، أنظر له منبهرا، وكنت أتمنى حفظ أي كلمة يقولها، وشعرت بأنني أمام عالم وشيخ وإمام ينطق بكلمات يجب أن أحفظها وأتعلمها، ومن هنا تعلقت به وصرت أتابعه باستمرار إلى أي مكان يذهب إليه، وبدأت أتجرأ وأتحدث معه في التليفون. وكم كانت سعادتي عندما أسمع صوته عبر الهاتف وهو يرد علي قائلا: (إزيك يا بني.. انت فين؟.. إحنا هنسجل في مسجد كذا).. وكنت أحرص على متابعة لقاءاته أينما ذهب ما دمت غير مرتبط بأعمال معينة، وصرت من الوجوه الملتصقة به والقريبة منه التي اعتاد رؤيتها».

* ما ذنب الكوب؟

ما زال حسن يوسف يسرد ذكرياته مع الشيخ الشعراوي، حيث يقول: «أتذكر أنني مرة دخلت عليه ووجدته يشاهد التلفزيون فقلت له: (يا مولانا أتتفرج على التلفزيون؟). فرد على قائلا: (يا بني التلفزيون ذنبه إيه؟.. التلفزيون مثل كوب الشاي الذي أمامك، ماذا في هذا الكوب؟).. فأجبته: شاي. فقال: (طيب يمكن واحد تاني يضع في نفس الكوب خمرا، فما ذنب الكوب؟.. وما ذنب التلفزيون الذي اخترعه العالم حتى يستفيد منه من خلال عرض أعمال تدعو إلى الخير وتنشر الفضيلة؟.. فسألته: هل العمل بالفن حلال أم حرام؟.. فقال لي إن الفنان صاحب رسالة مثله مثل أستاذ الجامعة، وإنه كداعية يمكن أن يضلل الناس ويمكن أن يرشدهم إلى طريق الحق وكذلك الفنان. ثم قال وهو يمزح معي: (مثلما علمت الشباب معاكسة البنات قدم لهم أعمالا اجتماعية أو دينية تكون قدوة لهم). وأدركت في هذه الجلسة أن الفن في حد ذاته ليس حراما وإنما الذي يقدم داخله من الممكن أن يكون حلالا أو يكون حراما. ووقفت أمام الآية الكريمة التي تقول: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). وعاهدت الله بعدها ألا أقدم من خلال فني إلا ما ينفع الناس».

* هداية ربانية

يضيف يوسف «ثم أتم الله علي نعمته، حيث سافرت شمس بعدي بعام واحد إلى المملكة العربية السعودية لتأدية مناسك العمرة مع والدها بصحبة صديق له وزوجته، لأنني كنت مشغولا وقتها في تصوير مسلسل (سلمان الفارسي)، وكانت هذه السيدة تحرص دوما على اصطحاب شمس معها أثناء الصلاة لتدخلا معا من باب النساء، وعقب صلاة الفجر تزوران قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكانت شمس تصطحب معها دوما في هذه الزيارة المباركة كتيبا صغيرا مليئا بالأدعية الدينية التي ترددها في حضرة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وتدعو الله أن يغفر ذنوبها. وكثيرا ما كانت تجلس وحدها بعيدا عن صديقتها في اتجاه القبلة وهي تقرأ القرآن الكريم، وفي إحدى مرات قراءتها للقرآن فوجئت بعينيها وقد دمعتا للمرة الأولى خشوعا لكلام الله الذي وضحت لها كل آياته ومعانيه سهلة متيسرة وهي من كانت من قبل لا تقوى على فهمها، وهمت من مجلسها لترحل وهي تنظر إلى باب قبر الرسول وشفتاها ما زالتا ترددان بعض الأدعية التي اختزنتها ذاكرتها وإذا بها ترى ما لا يدركه عقل أو يصدقه بشر، فأمامها كانت هيئة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، رأته رأي العين وهو ينظر إليها، ولم تتمالك نفسها واهتزت بشدة وارتعش جسدها وقالت في خشوع لم تشعر به من قبل: (حبيبي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وإذا بالسيدة التي تصاحبها دائما لا تفهم شيئا مما يجري وتحاول مساعدتها على مغادرة المكان بهستيرية، وظل جسدها يرتعش بقوة وهي تردد (حبيبي يا رسول الله) حتى خارت قواها وسط ذهول الجميع وعادت إلى والدها واجمة لا أحد يعلم ما الذي أصابها، ولم تفصح لأحد عما رأت. وخلال تسعة أيام فقط في الأراضي المقدسة ختمت القرآن الكريم، وكان دعاؤها الدائم في الطواف حول الكعبة بدموعها المنهمرة (اللهم قوِّ إيماني وإيمان زوجي وأولادي وأبي وأمي)، ووقفت في جوف الليل ببيت الله الحرام رافعة كلتا يديها تتضرع لله أن يثبتها على ما هي فيه من إيمان وجلاء للبصيرة. وعادت من العمرة وقد أضاء الله قلبها بنور الإيمان، وإذا بها تفاجئني بقرار اعتزالها الفن وارتداء الحجاب، وكنت وقتها أجهز لفيلم (غرام صاحبة السمو) عن رواية للكاتب الصحافي موسى صبري، وسيناريو وحوار أحمد صالح، فأحسست بأنني وقعت في ورطة، فإذا كانت شمس سوف تعتزل وتتحجب، فمن التي ستقوم بالبطولة أمامي؟ ومع ذلك عرضت عليها الموقف، ولم يكن رد شمس سوى: (اعمل الفيلم بواحدة غيري).. فقلت في نفسي قد يكون ذلك بسبب تأثير العمرة، فتركتها عدة أيام ثم فتحت معها الموضوع ثانية، ولكن الله سبحانه وتعالى كان ثبتها على ذلك، فقلت لها: ولا بواحدة غيرك، لقد قررت ألا أمثل الفيلم ولا أخرجه ولا أنتجه أيضا. ورفعت سماعة التليفون وتحدثت إلى موسى صبري وأخبرته بذلك».

حسن يوسف.. يفتح خزائن أسراره (5/5):

تخلى عن لحيته ليعلن رسميًا وبشكل قاطع أنه لا ينتمي لأي تيارات سياسية

«الولد الشقي» يخص «الشرق الأوسط» بأجزاء من مذكراته الشخصية

القاهرة: عبير فؤاد

نجم يمتلك صكوك النجاح والبقاء. ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف. دخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته. يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده. يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته. مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها. فنان من جيل أثرى السينما المصرية. كان في شبابه «الدنجوان» الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته، لقب بـ«الولد الشقي» في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل «أحمد رمزي» ولقب أيضا بـ«جاك ليمون العرب» لاعتماده على كوميديا الموقف.

إنه نجم السينما المصرية والدراما التلفزيونية الفنان الكبير حسن يوسف، الذي بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث كان يسكن في حي السيدة زينب، وربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن حنفي بسطان أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم حسن يوسف كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن، حيث كان ملتزما بالتمثيل على المسرح حتى الثانية صباحا، فلم يستطع المواصلة في تدريبات الكرة في التاسعة صباحا من كل يوم.

النجم حسن يوسف انتهى مؤخرا من كتابة مذكراته الشخصية التي يرصد فيها أهم محطات حياته الفنية والشخصية والعائلية وأيضا السياسية. ورغم تكتمه الشديد على خزينة أسراره فإنه سمح لـ«الشرق الأوسط» بتفقد بعض أوراقها ليختصها دون غيرها من وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمرئية بأجزاء من هذه المذكرات ننشرها في خمس حلقات مع أبرز محطات حياة «الولد الشقي». ويتم النشر بالتعاون مع «وكالة الأهرام للصحافة».

أصدقاؤه في الوسط الفني يلقبونه بـ«الحقاني»، أي أنه يعطي كل ذي حق حقه، سواء من خلال عمله كممثل أو كمنتج أو كمخرج. وعلى الرغم من أنه كان في منتهى المرونة فإنه كان يقاتل من أجل الحق، لدرجة أنه في أحد الأيام عرض عليه أحد المنتجين سيناريو فيلم لكي يقوم ببطولته، ولكن النجم حسن يوسف بعد أن قرأ السيناريو أعجبه دور قصير جدًا في الفيلم، لأنه دور جديد بالنسبة له، ووافق المنتج على طلب حسن وأسند إليه الدور القصير الذي يريده، وعقب انتهاء تصوير الفيلم فوجئ يوسف بالأفيشات وقد كتب عليها «بطولة حسن يوسف»، فاستشاط غضبًا واتصل بمنتج الفيلم وقال له: حرام أن يكتب في الأفيشات «بطولة حسن يوسف» وأنا قمت بعدة مشاهد محدودة فقط.

فقال له المنتج: إذن، كيف أضع اسمك في الأفيش وأنت نجم لامع؟ فقال له: اكتب اسم فلان بطلاً للفيلم، ثم اكتب اسمي مسبوقًا بكلمة ضيف شرف. كما قدم الكثير من الأفلام التي تقاسم فيها أدوار البطولة مع كبار نجوم الشاشة حينها، ورغم اعتراض البعض في ذلك التوقيت لمشاركته للفنان الراحل أحمد رمزي في الكثير من الأعمال الفنية بسبب تشابههما في نفس الأداء والكاريزما، فإنه شكل معه ثنائيًا رائعًا ومحبوبًا على الشاشة وقدما معًا عددًا من الأفلام الناجحة من بينها «التلامذة»، و«شقة الطلبة»، و«آخر شقاوة»، و«الأصدقاء الثلاثة»، و«الشقيقان»..

هذا إلى جانب وجود كيميا خاصة كانت تجمعه بالفنانين رشدي أباظة ومحمد عوض ويوسف فخر الدين. وكانوا إذا اجتمعوا في فيلم واحد يقلبون «البلاتوه» إلى قنبلة موقوتة من الضحك والمقالب، ولم تكن بينهم منافسة على الإطلاق، بل كانوا أسرة واحدة في الاستوديو، كل منهم يريد نجاح الآخر في دوره ونجاح العمل ككل وتحقيقه أعلى الإيرادات. ويتذكر حسن هذه الفترة قائلاً: كانت تأتي فكرة الأفلام التي قدمناها بشكل تلقائي، فمثلاً يتصل بي رشدي أباظة ويقول لي: «يا ولد يا حسن تعالَ عندي البيت أنت وعباس حلمي، عندي فكرة لفيلم». وكنا نجتمع في منزله، ونستعرض الفكرة التي تكون عادة موجهة لمعالجة مشكلات وقضايا الشباب، وكان معظمها من إخراج حسام الدين مصطفى. ويتذكر النجم حسن يوسف، أن الفنان رشدي أباظة كان يحب «الهزار» و«المقالب» الثقيلة حتى أثناء التصوير.

* دوامة من الإشاعات

ورغم تلك الصداقة القوية التي ربطت بينهم، فإنه أشيع بعد التزام حسن يوسف دينيًا أنه قد تبرأ من أصدقائه ومن فنه أيضًا، ما جعل يوسف يؤكد في مذكراته المقبلة عدم صحة ذلك قائلاً: أعوذ بالله، كيف أتبرأ من نفسي ومن جزء من كياني، كيف أتبرأ من محمد عوض وأحمد رمزي ورشدي أباظة وشكري سرحان وعمر الشريف ويوسف فخر الدين، كيف أتبرأ من توأم روحي؟! من يتبرأ من أصدقائه يكون إنسانا ملتزمًا التزاما غير صحيح، نحن كنا أسرة واحدة في الاستوديو نحب بعضنا، نخاف على بعض، كنا نشعر أننا في رحلة جميلة لا تنتهي، وأتذكر أن رشدي أباظة كان يقوم بإلغاء التصوير إذا عرف أن منتج الفيلم زعّل عاملا من عمال الاستوديو. كما أتذكر أني قلت لعمر الشريف أثناء تصويرنا لفيلم «في بيتنا رجل»، إنه سيكون نجمًا عالميًا في يوم من الأيام، حيث توسمت في طريقة أدائه وذكائه في أداء الدور بأنه سيكون نجمًا عالميًا وفعلاً خلال أسابيع قليلة عرض النجم والمخرج ديفيد لين على عمر المشاركة في فيلم «لورانس العرب» وتحققت نبوءتي. وهو الفيلم الذي فتح باب هوليوود أمام عمر الشريف.

* لم أتبرأ من فني

كما أنني لا يمكن أن أتبرأ من تاريخي الفني، هكذا يؤكد النجم حسن يوسف، لأن الفن يدخل في نسيجي، أكثر من خمسين عامًا في هذه المهنة أحبها وأعشقها، كما أني أعتز جدًا بأفلامي وأولادي يشاهدونها معي، فكل عمل من أعمالي طوبة في بناء حياتي وصفحة من صفحات كتابها، إذا نزعت منه صفحة، الكتاب لن يكتمل ويصبح ناقصًا لأنها جزء لا يتجزأ منه، بالإضافة إلى أن أفلامي لا يوجد بها ما أخجل منه، فهذه إشاعة سخيفة وليس لها أي أساس من الصحة، كالإشاعات التي كانت قد انطلقت قبلها والتي أذكر منها: شائعة اعتزالي الفن، والتي بح صوتي من نفيها من كثرة ما قلت إني لم أعتزل الفن ولم أتركه حتى أعود إليه.

كل الحكاية أني التزمت دينيًا، وهناك فرق كبير بين الالتزام والاعتزال، في حين أن التي اعتزلت وبشكل نهائي ولا رجعة فيه هي زوجتي شمس البارودي. وكذلك الإشاعة التي قيلت حول أني حاولت شراء شرائط أفلام شمس من نوادي الفيديو للتخلص منها، وهذا غير صحيح، لأن من الممكن بعد أن أشتري هذه الأفلام من نوادي الفيديو أن يقوم أصحاب هذه النوادي بعمل نسخ أخرى منها، وبالتالي نتعرض لعملية ابتزاز منهم ومن شركات التوزيع، وأنا وزوجتي لا ننكر هذه الأعمال لأنها قدمتها بالفعل، ولكنها تبرأت منها أمام الله وليس أمام المجتمع والجمهور، وسأحكي حادثة غريبة، فقد كان هناك شخص من أصحاب دور السينما عاند في هذا الموضوع، وقال سأنزل أفلام شمس، وأصرّ على ذلك، وكانت السينما في شبرا، فعلمنا ليلاً أن السينما تحترق نتيجة ماس كهربائي، وكان هذا الخبر منشورًا في جرائد الصباح، فقال الرجل: أنا مش هاجيب سيرة شمس البارودي خالص. وعندما سألوا الشيخ الشعراوي، رحمه الله، في هذا قال: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا».

* متاجرة بالسيرة الذاتية

وأيضا إشاعة أني وزوجتي نتاجر بشريط فيديو مسجل عليه حياتها من التمثيل للحجاب، رغم أن هذا الشريط غير موجود أبدًا ولم تظهر زوجتي بعد اعتزالها الفن وحجابها على الشاشة، سواء كان تلفزيونيًا أو فيديو كاسيت، وثانيًا: لأنه لا أحد يتاجر بالدين. وكذلك إشاعة أننا قبضنا ثمن الحجاب ودُفعت لنا مبالغ، وأن بعض الجماعات السلفية كانت تمولنا. وأيضا الإشاعة التي قالوا فيها إني لا أصافح مسيحيين، رغم أن هذه افتراءات لتشويه صورتي من بعض المغرضين، لأن المسيحيين إخوة لنا ودليلي على ذلك أن سكرتير شركتي مسيحي ومن أقرب الناس إلى قلبي. وأيضا الإشاعة التي فوجئت بها ولا أعلم مصدرها، والتي تؤكد أني عُدت للفن بعد غياب عشر سنوات لأنني مثقل بالديون وهي تهمة أرفضها تمامًا، فأنا والحمد لله مستور وغير مثقل بالديون كما أشيع عني. ولكني خلال هذه السنوات كنت أعيد ترتيب أفكاري وتعديل مساري وأفكر كيف أقدم أعمالاً فنية تتفق مع توجهاتي الجديدة. فحولت نشاطي في الشركة التي أمتلكها من شركة لإنتاج الأفلام السينمائية إلى شركة لإنتاج أعمال إسلامية تقدم للمشاهدين سلوكيات ومبادئ تكون لهم قدوة حسنة.

وكانت البداية مسلسلاً دينيًا اجتماعيًا اسمه «ضد الخير»، إخراج محمود رحمي، وكان المسلسل عبارة عن 30 حلقة للأطفال نشرح لهم من خلاله أركان الإسلام والسلوكيات، وعرض في معظم الدول العربية باستثناء مصر. كما أنتجت برنامج «موسوعة السلوكيات الإنسانية في الإسلام»، وهي موسوعة تربط الأخلاق بالإسلام وتؤكد أن الإسلام منبع الأخلاق الحميدة والجميلة التي يجب أن يتحلى بها المسلم في جميع جوانب حياته، سواء في العبادات أو السلوكيات أو المعاملات، وقام بإعداده عدد من علماء الإسلام في الأمة العربية، وعرض في معظم الدول العربية ولم يعرض في مصر أيضًا. كما قدمت مسلسلات «قطار المستغفرين»، و«الأسرة عقيدة وخلق»، و«غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم»، و«الفتوحات الإسلامية»، و«الحكم بعد المشاهدة».

* أسوأ أيام حياته

والحقيقة أن الزمن لم يقسُ على حسن يوسف بقدر ما قسا عليه في الفترة الأخيرة، فقد دفع ثمن هجومه على «الإخوان المسلمين» في وسائل الإعلام، حيث عاش في حالة من الرعب هو وأسرته بعد أن تلقى رسائل تهديد بالإيذاء والقتل على الهاتف، وجاء نص الرسالة كالتالي: «حسن يوسف، احذر نفسك وبيتك وكفياك أذية في الناس، هذه المرة تحذير، عندك أولاد وبنت، عارفين خط سيرك أنت وهم، أسهل من الأذى مفيش، اقفل عليك بيتك وملكش دعوة بحد وبطل.. ودي آخر فرصة، عارفين كل حاجة بتعملها». ما جعله يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه التهديدات. كما أطلقت أيضا جماعة الإخوان المسلمين فتوى بإهدار دمه.

ويعقب يوسف على ذلك قائلاً: هذه الفتوى تدل على عدم فهمهم للدين، لأنه لا يحق لأي شخص أن يهدر دم شخص آخر، بل يتم إصدار الأمر من ولي الأمر، كما يجب أن يصدق عليه مفتي أمير المؤمنين، ولذا أقول للإخوان الذين أهدروا دمي: أنتم أهل دين، وقبل ما تتسرعوا ارجعوا للدين والعلماء لأن هذه الفتاوى ستضحك الناس عليكم.

كما تعرّض أيضا لحملة هجوم شرسة شنها عليه عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات العامة وبعض شباب ثورة «25 يناير» عقب زيارته للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بمستشفى المعادي العسكري، وأطلقوا عليه لقب «فلول»، إلا أن يوسف يؤكد أن زيارته للرئيس الأسبق حسني مبارك موقف إنساني لا دخل لأي شخص به، فهو زار رجلا مريضا حكم مصر ثلاثين عامًا ونعم في عصره بالكثير من الخيرات التي عمت على مصر، كما أنه لا يستطيع أي شخص أن ينكر أن مبارك بطل من أبطال حرب أكتوبر (تشرين الأول) المجيدة، فهو لم يطالب بعودة مبارك للحكم مرة أخرى حتى يشن عليه كل هذا الهجوم، كما أكد لنا أيضا أنه لم يقابل الرئيس مبارك من قبل إلا يوم الزيارة فقط حتى لا يعتقد البعض أنه كان على علاقة طيبة به وقت توليه رئاسة مصر.

* تطور مفاجئ

حسن يوسف وفي تطور مفاجئ أعلن أنه قرر التخلي عن لحيته بعد أكثر من 20 عامًا عقب إطلاقها في بداية التسعينات بعد أدائه لفريضة الحج واتجاهه لتقديم الأعمال الدينية وتوقفه عن ممارسة نشاطه السينمائي كمنتج وممثل ومخرج بعد مشوار طويل من النجاح على الشاشة الفضية الذي كان أحد فرسانها ومن أصحاب القامات العالية، معللاً ذلك بأنه اتخذ قرار التخلي عن لحيته لعدة أسباب كان من أهمها الإعلان رسميًا وبشكل قاطع أنه لا ينتمي لأي تيارات سياسية ولا يعبر عن فكر أو فصيل معين من الأحزاب، فهو فنان ملتزم فقط يعبر عن ضمير أمته ويدين العنف وسفك الدماء والتطرف والإقصاء وخلط الأوراق بين أمور الدين والسياسة لتحقيق منافع خاصة هددت السلام الاجتماعي لمصر في ظاهرة نادرة لم تحدث عبر تاريخها من قبل! مؤكدًا أنه ينتمي فقط للشيخ محمد متولي الشعراوي الذي تعلم منه صحيح الدين منذ التقى به في عام 1981م، وأصبح من مريديه ومحبيه وعاشقًا لأفكاره التي تدعو إلى الاعتدال والتسامح والمحبة والهدوء والعقلانية والتفقه في الفقه الإسلامي على أسس علمية ليس فيها تطرف أو غلو أو اجتهادات تخرج بالدين عن مساره أو إطاره السليم باستخدام مفردات وتفسيرات مغلوطة تسيء لهذا الدين العظيم الذي جاء هدى للبشرية وللإنسانية كلها.

كما أن إطلاق اللحية من عدمه من وجهة نظره لا يعبر عن حجم تدين الإنسان،فمن يرد الله به خيرًا يفقهه في أمور الدين بصرف النظر عن كونه بلحية أم لا.. فالإيمان محله القلب، وانطلاقًا من هذا المفهوم يعمل كفنان على ممارسة حقه في الإبداع، وقد نجح في الانتقال إلى مرحلة الالتزام، فقدم الأعمال الدينية والاجتماعية التي تحمل قيمًا ومعاني أخلاقية مثل حلقات «الإمام بن ماجة»، و«الإمام النسائي»، مرورًا بمسلسل «إمام الدعاة» عن حياة الداعية الإسلامي محمد متولي الشعراوي، والذي قدمه يوسف كنوع من الاعتراف بجميل الشعراوي عليه، ولأنه كان غير راضٍ عن الأعمال التسجيلية التي قدمت عنه. وأيضا مسلسلات الأئمة الكبار «مصطفى المراغي»، و«عبد الحليم محمود»، إلى جانب الأعمال الاجتماعية «زهرة وأزواجها الخمسة»، و«مسألة كرامة»، و«مسائل عائلية»، وكلها أعمال شديدة الاحترام ولها رسالة وتشخص الداء وتصف الدواء، وتلك هي وظيفة الدراما، على حد قول يوسف.

* جوائز وتكريمات

الفنان حسن يوسف حصل خلال مشواره الفني على الكثير من الجوائز والتكريمات، والتي جاءت جميعها تتويجًا لعطاءاته الفنية المستمرة، والتي كان أخيرها تكريمه في «عيد الفن» بدار الأوبرا المصرية من قبل الرئيس السابق عدلي منصور، والذي منحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

حسن يوسف.. فنان متميز، وضع بصمات واضحة في السينما المصرية بخفة ظله وما يتمتع به من حضور، ثم انتقل إلى الشاشة الصغيرة بعد مشواره السينمائي فوضع بصمات جديدة بعد سنوات النضج الفني، فهو يعتبر واحدا من الكبار في منظومة الفن المصري، خاصة في أداء الأدوار الدينية والتاريخية التي يجيدها بإتقان وتفرد جعلته يحوز على رضا المشاهدين في معظم أعماله، وقد استطاع أن يدخل قلوب الناس ببساطته في الأداء، بحيث أصبح الناس لا يشعرون أنه يمثل، ثم تحول في فترة إلى الإخراج والإنتاج السينمائي، وأخيرًا عاد إلى فن التمثيل. وقد اشتهر يوسف بشخصية الولد الطائش الشقي ونال قبولاً كبيرًا لدى جمهور السينما، وتمتد أعماله على مدى سنوات تجاوزت النصف قرن، وقد كان هو نفسه فنانا وإنسانا مثيرا لكثير من القضايا الجدلية الفنية والإنسانية والدينية، وحتى السياسية، ولا شك في أن مذكراته الشخصية التي ستطرح في الأسواق قريبا ستثير الكثير من الجدل حولها لما تحتويه من حقائق ومواقف وأسرار، وما نشرناه على هذه الصفحات من خلال خمس صفحات، هو ما سمح لنا الفنان الكبير بتفقده من خزائن أسراره كنوع من التقدير لـ«الشرق الأوسط» التي فتح أمامها أبواب بيته هو وزوجته الجميلة شمس البارودي وأفراد عائلته. وخصنا أيضا بمجموعة من الصور الخاصة وسمح لنا بالتقاط صور حديثة لأسرته السعيدة.

* ينشر بترتيب مع وكالة «الأهرام» للصحافة

الشرق الأوسط في

20.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)