كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

غربة الفيلم العربي

أمير العمري*

 

نتحدث كثيرا عن أزمة السينما العربية وعن الفيلم العربي دون أن نتوقف أصلا لكي نفهم عن أي أزمة نتحدث؟

ويشكو كثير من مخرجي الأفلام في العالم العربي من عدم وصول أفلامهم إلى الجمهور، ومن الهيمنة الطاغية للفيلم الأميركي على سوق السينما العربية، ومن غياب الدعم الذي تقدمه الحكومات العربية للسينما. ويلجأ الكثيرون منهم بالتالي إلى البحث عن الدعم المنشود في بعض دول الغرب، وعلى الأخص فرنسا التي تتبع سياسة ثقافية معينة بعد أن ابتكرت ذراعا خاصة لتمويل الأفلام (غير الفرنسية) تابعة لوزارة الثقافة ووزارة الخارجية، طبقا لشروط ومواصفات معينة بالطبع، أساسها أن يكون الفيلم متوافقا مع الرؤى الفرنسية في السياسة الخارجية، ولو من بعيد وبشكل غير مباشر، وربما يكون من ضمن هذه العوامل استخدام اللغة الفرنسية في الأفلام.

لقد أصبح التمويل الفرنسي العنصر المشترك الأول بين الغالبية العظمى من الأفلام التي تنتج في بلدان المغرب العربي الثلاثة (المغرب والجزائر وتونس)، وبدرجة أقل أفلام السينمائيين من لبنان وفلسطين.

المدرسة الفرنسية

وقد يعود سبب طغيان التمويل الفرنسي أيضا إلى كون معظم المخرجين من بلدان المغرب العربي تلقوا تعليمهم وتكوينهم السينمائي في فرنسا، وتشبعوا بالتالي بالفكر السينمائي الفرنسي الذي يعتبر نفسه نقيضا للفكر السينمائي الأميركي.

"الفيلم الأميركي عموما يعتمد على الميزانية الضخمة وعنصر الإبهار والنجوم، كما على البناء الروائي والحبكة والشخصيات التي تتصارع حول محاور مثل المال والسلطة والنساء"

الفيلم الأميركي عموما يعتمد على الميزانية الضخمة وعنصر الإبهار والنجوم، كما على البناء الروائي والحبكة والشخصيات التي تتصارع حول محاور مثل المال والسلطة والنساء.

أما الفيلم الفرنسي فيميل إلى الميزانية الأقل، ولا يتمتع نجومه في العالم بما يتمتع به النجوم الأميركيون من شهرة، ويعتمد أساسا على فكر المخرج صاحب الرؤية أو البصمة السينمائية -وهو ما يعرف بـ"المخرج المؤلف"- تلك النظرية التي ابتدعها أصلا مخرجو الموجة الجديدة الفرنسية في أواخر الستينيات، كما تمزج تلك الأفلام بين التسجيلي والروائي الخيالي، الفني والتجريبي، وعلى طرق معقدة في السرد تخاطب جمهورا نخبويا.

ولا شك أن النظرة الفرنسية قد ألقت بظلال كثيفة على ما ينتج في العالم العربي (باستثناء مصر) من أفلام يميل مخرجوها أيضا إلى اتباع نظرية "المخرج المؤلف".

فمعظمهم يكتبون سيناريوهات أفلامهم بأنفسهم، ويميلون إلى البناء المتداخل الصعب الذي لا يتبع خطا سرديا واضحا أو قصصيا، ولا يعتمد على الحبكة.

وكان طبيعيا أن تعجز هذه الأفلام عبر خمسين سنة عن خلق نظام للنجوم يمكنهم جذب الجمهور إلى دور العرض لمشاهدة أفلامهم، كما عجزت عن اكتشاف طاقات درامية ومواهب حقيقية لكتاب سيناريو محترفين يزودون السينما بخبراتهم، وخلقت قطيعة بين السينما والأدب، فكل المخرجين يرغبون في كتابة أفلامهم بأنفسهم، سواء كنوع من الاستسهال أم خضوعا لعقيدة "المخرج المؤلف".

في الوقت نفسه، انتشرت بين السينمائيين في العالم العربي فكرة أن الفيلم العربي -غير المصري- هو "الفيلم الفني"، أما الفيلم المصري -الذي يُطلق عليه الفيلم التجاري- فهو يتناقض بالضرورة مع الفيلم الفني، كما لو كان الفيلم -أي فيلم- لا ينبغي له أن يحقق أرباحا ولا أن يتوجه للجمهور العريض أصلا، وهي الفكرة الأساسية في فن الفيلم.

هذا التناقض يتضح أكثر عندما نرى في الوقت نفسه المخرجين العرب يشكون من طغيان الفيلم المصري ونجومه على السوق، في حين تقتصر عروض أفلامهم على المهرجانات، وتعجز عن الوصول إلى الجمهور داخل البلد المنتج نفسه.

أفلام نخبوية

وبدلا من الاستفادة من تعدد المستويات والأنواع في السينما الأميركية -وليست كل أفلامها "تجارية" بالمناسبة، بل هناك من يصل إلى أقصى حدود التطرف الفني مثل المخرج تيرانس ماليك- أصبح المخرجون العرب يكتفون بالاحتجاج ضد هيمنة الفيلم الأميركي، متجاهلين أن الموزع الذي يستورد هذه الأفلام يتعامل معها كسلعة يجب أن تكون قادرة على جذب الجمهور.

"عندما نتكلم عن "سينما" عربية نتكلم في الواقع عن حفنة من الأفلام، معظمها من التمويل الأجنبي، أو لا تحصل على دعم رسمي من الدولة إلا لو ضمنت أولا الحصول على تمويل من فرنسا، شأن معظم الأفلام المغاربية"

وتبدو المسألة أكثر تعقيدا عندما نرى كيف يرفض السينمائيون العرب تدخل الدولة في المنتج السينمائي، رفضا للوصاية الفكرية والرقابة السياسية التي تحول بينهم وبين إنتاج ما يرغبون من أفلام تعبر عما يرونه المشاكل الحقيقية في الواقع، في سياق من النقد السياسي الذي أصبح الهاجس الأول عند معظم مخرجي الأفلام العربية، ولكنهم في الوقت نفسه، يطالبون الدولة بضرورة تقديم الدعم المالي لأفلامهم دون شروط، وهو تصور مثالي لا يجدي بالطبع.

في خضم ذلك الاشتباك القائم بين "الفني" و"التجاري"، وبين السينمائي المستقل والسينمائي الذي ينتج في إطار المؤسسات الرسمية أو الشركات الكبيرة، بين الفيلم العربي عموما والفيلم المصري خصوصا، وبين الفيلم الذي ينتج للعرض في المهرجانات الأوروبية ثم يختفي، وقد لا يصل أصلا إلى سوق البلد الذي ينتمي إليه مخرجه وصانعه، والفيلم الذي يصنع لكي يعرض فيما بعد في التلفزيون، ضاعت السينما العربية وضاعت قضيتها.

فنحن عندما نتكلم عن "سينما" عربية نتكلم في الواقع عن حفنة من الأفلام، معظمها من التمويل الأجنبي، أو لا تحصل على دعم رسمي من الدولة إلا لو ضمنت أولا الحصول على تمويل من فرنسا، شأن معظم الأفلام المغاربية مثلا.

ولم يعد هناك مجال أصلا للحديث عن "سينما عربية" مع ذلك التراجع المخيف في أعداد دور السينما في العواصم والمدن العربية خلال السنوات العشر الأخيرة.

تبقى المشكلة الأساسية كامنة في عزوف السينمائيين العرب -عموما- عن إنتاج أفلام تتنوع في اتجاهاتها وأنواعها، وتنشد الوصول إلى الجمهور العريض.

وبعد التجربة المتميزة الناجحة التي خاضها في الثمانينيات والتسعينيات المنتج التونسي الراحل أحمد عطية في إنتاج أفلام تونسية نجحت في الوصول إلى الجمهور داخل تونس، توقفت مثل هذه المحاولات بعد وفاة عطية، ثم انسحاب الكثير من المنتجين العرب الذين كان يراودهم الطموح لعمل شيء مختلف نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وأصبح الفيلم المصري نفسه يواجه الكثير من المتاعب داخل سوق غير مستقرة لم تعد تقبل إلا بنوع واحد رئيسي هو فيلم الكوميديا الهزلية، وما عدا ذلك يعد مغامرة غير مأمونة العواقب!

* كاتب وناقد سينمائي 

الجزيرة نت في

17.03.2015

 
 

'عفارم' تشريح للتعصب الديني والعنصرية في رومانيا القديمة

العرب/ أمير العمري

الفيلم الروماني يكشف الاضطهاد الإقطاعي للغجر من خلال إستيحاء أجواء الويسترن.

من الأفلام الجديدة التي لفتت الأنظار في مسابقة مهرجان برلين هذا العام، الفيلم الروماني “عفارم”، وهي الكلمة التركية التي كانت مستخدمة في العصر العثماني ومعناها “أحسنت”.

حاز فيلم “عفارم” الروماني جائزة الدب الفضي لأحسن إخراج لمخرجه راضو جود في مهرجان برلين السينمائي الأخير، وهو فيلمه الروائي الطويل الثالث بعد “أسعد فتاة في العالم” (2009) و”كل واحد في عائلتنا” (2012).

وراضو من مواليد 1977، درس السينما في جامعة بوخارست، ثم أخرج عددا من الأفلام القصيرة، كما عمل مساعدا لكوستا غافراس في فيلم “أمين”، ومع المخرج الروماني كريستو بيو في فيلمه الشهير “موت السيد لازاريسكو”، أي أنه ينتمي للموجة الجديدة في السينما الرومانية، التي فرضت نفسها على خريطة السينما في العالم مع النجاح الكبير الذي حققه فيلم “4 أشهر و3 أسابيع ويومان” لمخرجه كريستيان مونغو (2007)، الذي حصل على “السعفة الذهبية” في مهرجان كان.

في المقابل وعلى عكس أفلام السينما الرومانية الجديدة التي تنتهج أسلوبا يعتمد على اللقطات والمشاهد الطويلة، وعلى الكاميرا الثابتة والميزانسين، والمزج بين التسجيلي والروائي، يعتمد فيلم “عفارم” على الحركة: حركة الكاميرا وحركة الأشخاص والأشياء داخل الصورة، كما يعتمد على البناء الكلاسيكي لفيلم الطريق، مع شكل خارجي يستوحي أجواء “الويسترن” أو فيلم “الغرب الأميركي”.

تدور الأحداث في ثلاثينات القرن التاسع عشر في مقاطعة “والاشيا” بشمال رومانيا، وهي منطقة كانت في ذلك الوقت، نظريا، تابعة للإمبراطورية العثمانية، لكنها عمليا كانت خاضعة للنفوذ الروسي مع وجود نمساوي ملموس.

والفيلم يمتلئ بالتالي، بالكثير من الشخصيات الثانوية التي تنتمي لكل هذه الفئات، إضافة بالطبع إلى الرومان، والغجر الذين هم في قلب موضوع الفيلم.

ومشكلة الغجر في رومانيا مشكلة قديمة، كانت دائما من المشاكل المسكوت عنها، أي تلك التي لا يسمح النظام السياسي -في كل العصور- بفتحها ومناقشتها بشجاعة والتوصل إلى حل لها.

فالفيلم يصوّر كيف كان الغجر يخضعون للعبودية، ويعاملون معاملة الكائنات الأدنى بسبب لونهم الأسمر، وفي الفيلم يشير الجميع إليهم بكلمة “الغربان” بسبب لونهم، وكان يتم تسخيرهم في العمل الإجباري الشاق لدى ملاك الأراضي الإقطاعيين، سواء من الأتراك المسلمين أو الرومان الكاثوليك.

الفيلم يصور كيف كان الغجر يخضعون للعبودية في رومانيا، ويعاملون معاملة الكائنات الأدنى بسبب لونهم الأسمر

بطل الفيلم ضابط شرطة يكلف من قبل أحد كبار ملاك الأراضي، بالبحث عن العبد الغجري الهارب من العمل في مزارعه والقبض عليه والعودة به حيا. ويقوم الضابط باصطحاب ابنه معه، يعيّنه مساعدا له، ويقوم بتدريبه على “تنفيذ القانون” كما يقول له، مقابل الحصول عند نهاية المهمة، على هبة مالية جيدة من الإقطاعي.

وأثناء الرحلة عبر الريف الروماني في تلك المقاطعة التي تمتلئ بالغابات، يلتقي الرجل وابنه، بالكثير من الشخصيات، من رومان وغجر، سادة وعبيد، فقراء وقساوسة وفلاحين.

الشرطي يهدّد كل من يقابلهم من الفلاحين بالويل والثبور إن لم يعترفوا بمكان “العبد” الغجري الهارب، إلى أن يلتقي بقس كاثوليكي هو الذي يرشده إلى مكان الغجري، مقابل الحصول على مكافأة مالية رصدها الشرطي لمن يدله على الهارب.

في أفلام الطريق يكون المقصود من طريقة البناء عادة استخدام “الرحلة- الطريق- المسار” في الكشف عن جوانب كثيرة تدعم الفكرة الرئيسية للفيلم، وتمدّها بالكثير من التفاصيل الفرعية التي تصبّ فيها بشكل أو بآخر، ولكن دون أن تغيب الفكرة الرئيسية عن الفيلم، وقد ينتج عن هذا التركيز الدرامي أحيانا بعض التشتت والخروج عن المسار، أي مسار الحكي، أو بعض الاستطرادات التي يجد صانع الفيلم نفسه واقعا في غرامها فيطيل فيها ويستطرد.

وهو ما حدث مثلا في مشهد طويل، عندما يتوقف الرجل وابنه عند بيت للدعارة، حيث يشرب الرجل حتى الثمالة ثم يقضي وطره مع إحدى الغانيات، وبعد ذلك يشجع ابنه ويدفعه دفعا إلى ممارسة الجنس مع الغانية نفسها، بعد أن يكون قد ساومها كثيرا على “الثمن”، فهو يريد أن يتأكد من “ذكورة” ابنه الشاب صائحا عندما يجد الشاب وجلا، مترددا: أرجو ألا تكون من “السدوميين”!

أما المشهد الأكثر تأثيرا في الفيلم، وهو يلقي بظلال قوية على الفكر الذي كان سائدا في تلك الفترة المظلمة، فيأتي عندما يساعد الرجل وابنه، قسا كاثوليكيا على رفع عربته التي انغرست في الوحل، وبعد أن يعرف أنهما في مهمة لتعقب “غجري” هارب، يبدأ القس بصوت عال أجش، في صبّ اللعنات على الغجر واليهود والعرب والمسلمين والإيطاليين والروس والأنكليز وغيرهم، باستخدام أكثر الألفاظ قسوة، ويستخدم التشبيهات والألفاظ التي تكشف عن عنصرية بغيضة تبرر استعباد وقتل من يعتقد أنهم من الكائنات الأدنى.

الفيلم يوجه إدانة قوية إلى طبقة رجال الدين الذين يتواطأون مع الإقطاعيين، ويجدون لهم تبريرا لما يمارسونه من استغلال واستعباد للآخرين

والمشهد مصاغ في سياق أقرب إلى الكوميديا الهزلية، فشخصية القس تبدو كاريكاتورية، وما يرد على لسانه من كلمات أو حوار، هي أقرب ما تكون إلى “المونولوغ” الصارخ الذي يضحك كما يفزع.

يتمكن الضابط أخيرا من القبض على الغجري الهارب، ويربط قدميه ويضعه فوق الحصان مقلوبا، ظهره وساقاه في مواجهة الكاميرا، بينما يقود الرجل الحصان يرافقه ابنه على حصان آخر، على نحو ما كنا نشاهده في أفلام الويسترن الأميركية القديمة (الشريف يعود بالمجرم، أو المتطوّع يعود به لكي يتلقى مكافأة من الشريف).

وخلال الطريق يحاول الغجري استمالة الرجل وابنه بشتى الطرق، يروي لهما عن ظروف حياته وعمله الشاق في كنف الرجل الإقطاعي، وتعرضه للتنكيل والاضطهاد، ولكنه يبوح لهما بعد ذلك بالحقيقة وهي أن زوجة الإقطاعي “سلطانة” أغوته فمارس معها الجنس، ثم هرب بعد أن عرف أن الرجل سينكل به، ويبدي خوفه الشديد من المصير الذي ينتظره، ويأخذ في استعطافهما أن يطلقا سراحه لدرجة أن الابن يطلب من والده إطلاق سراحه، متسائلا في لحظة ما: كيف يمكنهما أن يسوقا رجلا هكذا يعرفان أنه سيلقى مصيره قتلا؟

ومع ذلك يذكره والده بأنهما يؤديان واجبهما، وأنهما إذا أطلقا سراحه سيفقدان المكافأة المالية المنتظرة بعد كل ما أنفقاه من وقت وجهد، لكنه يطمئن الغجري أن سيده سيكتفي بجلده فقط، وأنه سيتحدّث إليه ويشرح له الأمر.

ينتهي الأمر بتسليم العبد الهارب إلى الإقطاعي، ويحصل الضابط على المكافأة، ثم يحاول التدخل وينصح السيد بالاكتفاء بجلده، متعللا بأن الخطأ ليس خطأه وحده، خصوصا بعد أن تشهد “سلطانة” بأنها هي التي أغوت الغجري، لكن الأمر ينتهي نهاية تراجيدية عندما يقوم الإقطاعي أمام زوجته والجميع، بإخصاء الرجل في مشهد شديد القسوة.

يوجه الفيلم إدانة قوية لنظام كامل (سياسي واقتصادي) يقوم على الطبقية: الإقطاع أو كبار ملاك الأراضي من طبقة النبلاء التي كانت التالية بعد الملوك والأمراء مباشرة، وطبقة العاملين في خدمة النبلاء مثل الضابط (البورجوازية الناشئة)، ثم طبقة العبيد أو الأقنان الذين تسند إليهم كل الأعمال الأساسية: الزراعة والحصاد ورعاية الحيوانات وغيرها.

وفي الوقت نفسه، يوجه الفيلم إدانة قوية إلى طبقة رجال الدين الذين يتواطأون مع الإقطاعيين، ويجدون لهم تبريرا لما يمارسونه من استغلال واستعباد للآخرين، من الكتاب المقدس نفسه، وهو ما يكشفه الفيلم في مشهد المواجهة بين الضابط والقس الكاثوليكي.

يستخدم المخرج الأبيض والأسود، لكي يوحي بأجواء الفترة القديمة التي تدور فيها الأحداث، كما يستخدم الشاشة العريضة، لكي يستفيد من أجواء المشاهد الخارجية التي تدور في الريف والجبال والغابات، إضافة إلى ما تضفيه من أجواء شبيهة بأجواء “الويسترن”.

في المقابل الفيلم يعاني قليلا، من ثقل الحوار وكثرته عل العكس من أفلام السينما الرومانية الجديدة، ولعل ما يغفر له أنه يفتح ملفا مسكوتا عنه بجرأة كبيرة، ويواجه للمرة الأولى مجتمعا يميل إلى طيّ صفحة مليونين ونصف مليون من الغجر، مازالوا يعيشون في رومانيا حتى هذه اللحظة.

مهرجان سينما وفنون الطفل رسالة مصر ضد الإرهاب

العرب/ سارة محمد

المهرجان في دورته الحالية يبعث برسالة قوية تؤكد أن أطفال مصر يقفون لحماية بلدهم ضد التطرف والإرهاب.

القاهرة - يبدو أن الدورة 22 لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل، ستكون حصانا رابحا، لأنها تتحاشى الانتقادات التي وجهت للمهرجان في دورات سابقة، وجعلت الطفل صاحب الصدارة في المشهد.

الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل تعود بعد غياب ثلاث سنوات، وتنطلق فعالياتها خلال الفترة من 20 إلى 27 مارس الجاري، وتشهد تغيرا كبيرا على مستويات مختلفة في الفنون المقدمة للأطفال أو التطور التكنولوجي الذي أصبح سمة العصر الحالي، وأيضا في اختيار قضايا جادة يبدو تناولها بعيدا عن عموم الأطفال.

ولأول مرة يخاطب المهرجان الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يشاركون في عروض حفل الافتتاح، وفي عدد من الفعاليات، وهي خطوة غير مسبوقة في عمر المهرجان.

سهير عبدالقادر أمين عام المهرجان، قالت لـ”العرب”، إن الحدث الأعظم والأهم هو التوجه لجموع الأطفال المهمشين من أبناء الصعيد وسيناء في مصر، الذين يتجاهلهم الإعلام دائما، مع أنهم جزء لا يتجزأ من تكوين الهوية المصرية، ويشارك هؤلاء أيضا في فعاليات المهرجان بنفس ملابسهم المتعارف عليها في بيئتهم المحلية “الجلباب”، تعبيرا عن تقدير ثقافة المحافظات والأقاليم التي ينتمون إليها.

وأوضحت سهير عبدالقادر في تصريح خاص لـ”العرب” أن هذا الأمر تجربة جديدة وفعالة في عمر المهرجان، الذي ظل يخاطب أبناء الطبقات الرفيعة ويتوجه لأطفال نخب معينة في المجتمع.

التحدّي الأكبر الذي سيشهده المهرجان هذا العام، يبعث برسالة قوية توضح أن أطفال مصر يقفون ضد الإرهاب، وأن إقامة هذه الدورة خير دليل على ذلك، كما أن دور المهرجان لن يقتصر فقط على السينما وعروض الأفلام، بل ستكون هناك ورش خاصة لكثير من الفنون التي تشارك في تنظيمها كليات التربية الفنية، والمركز القومي لثقافة الطفل، من بينها ورش للطباعة، والمجسمات الإسفنجية، وتدوير مخلفات البيئة، والرسم على الزجاج، والصلصال، والمجسمات الورقية، والرسم على السيراميك، والإكسسوارات، والتشكيل بشرائح النحاس.

من بين التطور التكنولوجي الذي أدخله المهرجان في دورته الجديدة، نزول برنامج “أبليكشن” خاص بالموبايلات محمّلا عليه جميع البرامج والنداوات بأكثر من لغة، في خطوة تؤكد مواكبة الحدث لتطوّر الأجيال الحالية من الأطفال، وتزيد من فرص التسويق والترويج للمهرجان ونسب المشاركة، وتعريف الشعوب الأخرى به. المكرمون في دورة مهرجان هذا العام وصل عددهم إلى 13 شخصية، بينهم المطرب هاني شاكر، والفنانة صفاء أبوالسعود، والكاتب والمخرج شوقي حجاب، والفنانة ياسمين عبدالعزيز، والكاتب عبدالتواب يوسف، والفنان محمد صبحي، والفنانة شيري عادل، والموسيقار هاني شنودة، والكاتبة عفاف طبالة، والكاتب محمد المنسي قنديل، واسم الراحلة ماجدة موسى رئيس مجلس أمناء مدارس مصر للغات، ونوال الدجوي رئيس مجلس إدارة جامعة أكتوبر للآداب والعلوم الحديثة، والمخرج والمنتج النيجيري فيث إيزياكبر، ومن المنتظر أن يحضر متحدّو الإعاقة بقوة في حفل الافتتاح، من خلال الفيلم الفرنسي “بكل قوتنا” الذي يحكي عن واحدة من القصص المؤثرة لهؤلاء، حيث الطفل “جوليان” الذي يعيش على كرسي متحرك ويدخل في سباق الرجل الحديدي مع والده الذي ينبذه، ليبدأ هذا الأخير في تغيير وجهة نظره نحو ابنه.

والدورة 22 لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل لهذا العام تنقسم إلى مسابقتين، الأفلام الروائية والطويلة والقصيرة والوثائقية وتضمّ كلها 31 فيلما، ومسابقة أفلام التحريك والتلفزيون وتضمّ 48 فيلما.

الطاهر الحداد في شريط وثائقي تونسي

الشريط الوثائقي يحاول سرد تفاصيل نضال هذا المفكر والسياسي والمصلح العربي، وحياته التي كانت غنية بالكتابات الشعرية والخطابات السياسية والنقابية.

العرب/ تونس - “الطاهر الحداد رائد الإصلاح” هو الشريط الوثائقي الجديد للمخرجة والمنتجة التونسية هاجر بن ناصر عن سيناريو لمحمد المي، وبطولة وجدي كروة، فيصل العبدلي وعبداللطيف بن جدو.

وعنه تقول هاجر بن نصر “يحاول هذا الشريط الوثائقي خلال 36 دقيقة سرد تفاصيل حياة ونضال هذا المفكر والسياسي والمصلح العربي، لقد كانت حياة الطاهر الحداد غنية بالكتابات الشعرية والخطابات السياسية والنقابية. كان الحداد صوتا لا يخشى الدعوة لمكافحة الاستبداد والظلم الذي مارستـه المؤسسات الاستعمارية ضدّ العمال”.

ونما فكر الطاهر الحداد السياسي والنقابي والمصلح الاجتماعي التونسي المولود سنة 1889، في عصر عانى فيه المجتمع التونسي من تكلس الأفكار وتعصبها، ووسط قيود الاستعمار الفرنسي المضطهد لحقوق العمال.

وأسس الطاهر الحداد أول حركة عمالية مع محمد علي الحامي، فكان ميلاد جامعة عموم العملة التونسيين سنة 1924. وأصرّ على تأريخها وإرساء جذورها في العالم العربي من خلال كتاب “العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية” عام 1927 الذي صادرته سلطات الاستعمار الفرنسية ومنعت تداوله آنذاك.

واصل الحداد عمله من أجل إصلاح البلاد التونسية من خلال إصلاح المجتمع عبر نواته الأولى: الأسرة، فدعا عبر كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” إلى إصلاح أوضاع المرأة من خلال تعليمها، وتثقيفها وتمكينها من ممارسة الرياضة، وكذلك نادى بإرساء مجتمع المعلومات منذ قرن مضى.

العرب اللندنية في

17.03.2015

 
 

عروض «أيّام بيروت»: الذاكرة الكاوية... بلغة ذاتية وحميمة

بانة بيضون

تتوالى عروض المهرجان السينمائي الذي يقام في أماكن مختلفة في بيروت أبرزها «متروبوليس أمبير صوفيل». أفلام يتجسد عبرها الواقع العربي المتنازع بين السوريالية والمأساة. الأيام المقبلة يتخللها العديد من الوثائقيات اللبنانية

من موريتانيا إلى فلسطين، يأخذنا «مهرجان أيام بيروت السينمائية» إلى مناطق جغرافية وسينمائية مختلفة، يتجسد عبرها الواقع العربي المتنازع بين السوريالية والمأساة. المحطة الاستثنائية الأولى كانت مع الفيلم الافتتاحي «تيمبكتو» لعبد الرحمن سيساكو الذي يتناول احتلال الإسلاميين المتطرفين من جماعة أنصار الدين لمالي عام 2012.

يبدأ الشريط بعملية إعدام جماعية للتماثيل الأفريقية المصفوفة جنباً إلى جنب. تنهال طلقات الرصاص من الإسلاميين حتى يتأكدوا من سقوطها أو موتها بالكامل. المشهد يعيد إلى الذهن فيلم كريس ماركر وآلان رينيه «التماثيل تموت أيضاً» (1953) حيث يبدأ الفيلم بعبارة: «حين يموت البشر، يدخلون التاريخ، لكن حين تموت التماثيل، تدخل في الفن». المفارقة هنا: كيف تقتل جماداً وما هو ميت أصلاً؟ لكن هذه التماثيل هي أخطر من البشر، ولا بد من أنهم يدركون ذلك جيداً، من هنا المحاولة العبثية لاغتيالها. ما يعيش داخل هذه التماثيل هو الخيال، الوهم الذي يستحيل قتله لأنه يعيش خارج المادة والزمن، ما يجعلها تقترب من فكرة الخلود أو الله الذي هو من يريدون قتله وأخذ مكانه. بحس من السخرية والطرافة، يصور لنا المخرج آلية عمل هذا التنظيم السوريالي، إلى درجة يبدو كأنّه محض خيال. مجموعة من الأشخاص جاؤوا من مختلف البلدان، كل يتكلم بلغة مختلفة، لا يفهمون على بعضهم، ولا لغة الشعب الذي يريدون حكمه. الشيء الوحيد الذي يعرفونه أنهم أتوا «للجهاد» من دون أن يتفقوا حتى حول أسبابه. مثلاً، في أحد المشاهد، نرى أحد الجهاديين وهو مغني راب سابق، يحاول أن يفسر في مقطع فيديو مصوّر سبب اعتزاله الغناء لأن الراب من الشيطان، فيبدو كتلميذ يردد ما حفظه فيما يحثه رئيسه على أن يبدو مقنعاً. حين يفشل، يسأله رئيسه ما إذا كان مقتنعاً بما يقوله، فيجيبه بالنفي. المزج بين الطرافة والمأساة هي لعبة المخرج الأساسية. يسخر بذكاء من آلية عمل هؤلاء الجهاديين المزعومين إلى درجة يبدون شخصيات كرتونية. نراهم مثلاً يتنصتون على جدران البيوت، باحثين عن مصدر الموسيقى أو يراقبون بخشية الحمار الذي يتنزه وحده بحرية بعد فرض حظر التجول. أما سكان تيمبكتو، فيسخرون من حماقة هذا التنظيم، ويحاولون الاحتيال عليه أو يتصدون له عبر استخدام الخيال. نراهم يلعبون كرة القدم متخيلين كرة وهمية بعد قبض الإسلاميين على كرة القدم الشاردة، «الشيطان المدور» الذي وجدوه في أحد الأزقة في واحد من المشاهد الرائعة في الفيلم. من جهة أخرى، يتجادل الإسلاميون في ما بينهم حول نجوم كرة القدم. يصور المخرج حالات التناقض التي يعيشونها، كما في حالة الجهادي الذي يرقص الباليه خفيةً في بيت الساحرة التي تتجول وحدها بحرية مكشوفة الرأس، وتجر ذيل ثوبها الطويل، وتشتم المسلحين الذين يخافونها، فهي وحدها الأكثر جنوناً منهم.

يحاول باسم فياض شرح أسباب قلقه المزمن المرتبط بطفولته، وبذاكرة الحرب

في الإجمال، تبدو المقاومة الأساسية التي يمارسها سكان تيمبكتو ضد الجهاديين عدم أخذهم على محمل الجدل، فيرفضون الجدال أو النقاش معهم حتى تحت تهديد الموت والتعذيب.
وإلى حد ما، يبدو السكان كالمشاهد غير مصدقين للفظاعة التي قد تتولد من فكرة تبدو بهذه الهشاشة، كأنما لعبة فيديو استحالت واقعاً. وهذا ما يجعل مشاهد القتل والتعذيب أكثر قسوة، فنرى أشخاصاً يقتلون وهم مذهولون غير مصدقين فكرة موتهم. بخلاف ذلك، تتمتع اللغة السينمائية للشريط بجمالية شاعرية مذهلة، بخاصة في تصويرها للصحراء، ولعبة الضوء والظل. تتجسد هذه الشاعرية حتى في المشاهد العنيفة والقاسية كما مشهد مقتل الثور الذي ينجح المخرج في أنسنته أو لدى رجم الزانيين بحسب الجهاديين بالحجارة بعد ردمهما في الرمل، بحيث لا يبرز منها إلا رأساهما اللذان ينظران إلينا في جمالية مبكية. أما «عيون الحرامية» لنجوى نجار، فيستند إلى قصة الفلسطيني ثائر حماد الذي نفذ «عملية عيون الحرامية» عام 2002 وقتل فيها 11 جندياً صهيونياً عند حاجز إسرائيلي في وادي عيون الحرامية شمال رام الله.

لكن المخرجة الفلسطينية تختار أن تبدأ قصتها بعد عشر سنوات من الحادثة اثر خروج البطل طارق (الممثل المصري خالد أبو النجا) من السجن، مصورة رحلة بحثه عن ابنته نور التي أودعت دار الأيتام بعد موت زوجته. يعود طارق إلى نابلس ليبحث عن نور ويحصل على عمل في تصليح أنابيب الماء عند رجل يدعى عادل في انتظار العثور على ابنته التي تبنتها امرأة مجهولة كما قيل له. أثناء ذلك، يتعرف إلى الطفلة المتمردة والشرسة «ملك» ابنة «ليلا» (المغنية الجزائرية سعاد ماسي) المتبناة، فيكتشف لاحقاً أنها ابنته. انطلاقاً من حميمية القصة المتناولة عن أب يبحث عن ابنته، تستعرض المخرجة أوجهاً عدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ليس فقط القمع اليومي الذي يمارسه الاحتلال، بل أيضاً تبعاته كتشتت العائلة وضياع الهوية، فحتى الابنة لا تتعرف إلى أبيها.

أما طارق الذي نكتشف لاحقاً أنه البطل المجهول الذي نفذ العملية ضد الحاجز الإسرائيلي قبل عشر سنوات، فمتنازع بين ضرورة المقاومة التي يؤمن بها وحبه لابنته، إلا أن انخراطه في المقاومة يتأتى من إيمانه بأن لا مستقبل ينتظر طفلته إن لم يسع لتغيير الحاضر. بالإضافة إلى مفهوم العمالة، يسلّط الفيلم الضوء على العدو الداخلي كما الخارجي على غرار «عمر» لهاني أبو أسعد، ما يعكس الإجماع على وجهة نظر مشتركة تسعى لتقديم رؤية نقدية أكثر تفصيلية عن الواقع الفلسطيني. في سردها، تعتمد المخرجة أسلوباً قد يقترن بالوثاقي يتجسد في عفوية الحوارات المتناولة، ولو أنها متفاوتة من حيث المستوى، فتبدو أحياناً باهتة أو مكررة بينما تتسم بالحنكة والطرافة في أماكن أخرى. ويستمر مهرجان «أيام بيروت» في الأيام المقبلة، ليعرض مجموعة من الأفلام اللبنانية أولها وثائقي «يوميات كلب طائر» (19/3).

هنا، يحاول باسم فياض أن يشرح أسباب قلقه المزمن، المرتبط بطفولته، وبذاكرة الحرب وبعلاقته المتأزمة مع مدينة بيروت التي يهرب منها وإليها. يسرد المخرج مقاطع من مذكراته التي يقسم عبرها الفيلم إلى فصول. بالتزامن معها، يصوّر تفاصيل الحياة اليومية لأفراد عائلته، وأحاديثه معهم، فيبحث عبرها عن مصدر هذا القلق المزمن الذي لا يفارقه. ويتشابه الفيلم في حبكته مع عدد من الأفلام اللبنانية الوثائقية التي صدرت أخيراً بحيث ينطلق عبرها المخرج من سيرته العائلية ليسرد تاريخ الحرب اللبنانية أو يغوص في رحلة الاكتشاف الذاتي. لكن اللافت في الشريط هو العلاقة الطريفة التي تجمع المخرج بالكلب «زين» الخجول والجبان الذي يخاف العالم الخارجي ويرفض الخروج من المنزل. بطبعه القلق، يشبه «زين» شخصية المخرج كما يفسر.

لعلّ إحدى أجمل لقطات الفيلم حين يصور المخرج الكلب وخطواته البطيئة الحذرة خارج المنزل ثم تراجعه وعودته إلى الداخل مجدداً. حبذا لو كانت هذه العلاقة الطريفة من التماهي التي يخلقها المخرج بينه وبين الكلب هي نقطة ارتكاز الشريط، فهي ببساطتها المعبرة تنقل إلينا حالة القلق عبر أسلوب مبتكر في حين أنّ الحوارات المطولة التي تدور بين المخرج وأفراد العائلة، بطابعها غير الانتقائي تضعف الشريط أكثر منها تغنيه. أما في وثائقي «هوم سويت هوم» لنادين نعوس (18/3)، فتنطلق المخرجة أيضاً من سيرتها العائلية لتستعرض الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان. تسرد رحلة عودتها إلى الوطن إثر اكتشاف الأزمة الاقتصادية التي يمر بها أبوها المهدد بخسارة مدرسة الرابية التي أسسها في الضاحية عام 1967 بعد قرار البنك بالحجز عليها وبقية ممتلكاته إن لم يسدد قروضه. تمزج نعوس بين الفيديو والتحريك والفوتوغرافيا ضمن إيقاع حيوي. من خلال قصة مدرسة الرابية، تروي التحولات التي شهدتها الضاحية حين باتت تحت سيطرة «حزب الله» وما تبعها من تغيير في المناهج الدراسية كما دروس الدين التي باتت إجبارية.

مع ذلك، يبقى الأب متمسكاً بالمدرسة التي يحاول إنقاذها بأي ثمن ولو لم تعد له حرية التصرف فيها كما يشاء، متمسكاً بالأمل الذي لا يفهم كل من حوله مصدره. أما وثائقي «المرحلة الرابعة» للمخرج أحمد غصين فهو أكثر تجريبية في منحاه مما سبق. يعتمد على الرمزية في سرده السينمائي ويبحث في تشريح الصور المرتبطة بمفهوم المقاومة و«حزب الله» عارضاً هيمنة الأخير الجغرافية أو الفكرية، مستخدماً شاشة الحاسوب كواسطة في بعض اللقطات، كما في مشهد إعداد قالب الحلوى المزين للشهيد أو شخصية الساحر الذي يسرد كيفية دخول المرحلة الرابعة من التنويم المغناطيسي، ومن هنا عنوان الفيلم. ورغم الجمالية البصرية المبتكرة في تجريبيتها في عدد من اللقطات، إلا أن الإيقاع البطي الثابت الذي يعتمده غصين يخرج عن السرد السينمائي ليصبح أشبه بعرض للمفاهيم أو الأفكار المتناولة بخاصة المشاهد الطويلة التي تستعرض شاشات الحاسوب. يعرض أيضاً في مهرجان «ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر» لأكرم الزعتري (18/3)، و»لي قبور في هذه الأرض» لرين متري (20/3)، و»مونومنتوم» لفادي يني تورك (21/3).

سيمون صفية... حياتنا «علبة سردين»

علي وجيه

المخرج الشاب (1988) واحد من جيل طازج، تفطّن مبكّراً إلى هوسٍ سينمائي. باكورته الروائية الطويلة «السردين يحاول الطيران» تسير في صلب المأساة السورية، متوغلة في بيئة الساحل بواقعية جديدة، لا تشبه ما تمّ تقديمه سابقاً

من العلوم السياسية والنادي السينمائي في مدينة طرطوس، جاء سيمون صفية. السينمائي السوري (1988) واحد من جيل طازج، تفطّن مبكّراً إلى هوسٍ سينمائي. لم يكترث لغياب معهد عال للسينما في البلاد، فاعتمد على الجهد الذاتي والاجتهاد الشخصي.

بعد عدد من ورشات العمل، عمل مع جود سعيد كمساعد مخرج متمرّن في «صديقي الأخير» (2012)، ثم كمخرج مساعد في «بانتظار الخريف» (لم يُعرض بعد).

عرفته مواقع التصوير أيضاً في «29 شباط» (2012) للمهند كلثوم، و«حرائق البنفسج» (اسم مبدئي، لم يُعرَض بعد) لمحمد عبد العزيز، و«الحافلة» (لم يٌعرَض بعد) ليوسف اليوسف. سريعاً، افتتح الفيلموغرافيا الخاصة به بالتجريبي «ليست مجرّد تفاحة» (2012 ـ 1 د.)، ليتجّه إلى الروائي في «ليش؟» (2013 ـ 8 د ــ المؤسسة العامة للسينما – مشروع دعم سينما الشباب). في هذا الشريط، يمكن تلمّس بعض الإشارات القادمة في عمل المخرج الشاب. سيناريو أكثم ديب يلاحق قصة حب ضمن مناخ ساحلي. يقترح قضية الزواج المدني، ضمن مسحة سريالية وتقطيع كلاسيكي في الإخراج.

يمكن اعتبار «ليش؟» مرحلة انتقالية ضرورية بكل ما لها وما عليها في أسلوب تفكير صفية، وطريقة نظرته إلى الأمور والأشياء. بعد عام، عاد في «جوليا» (2014 ـ 16 د.، المؤسسة العامة للسينما ـ مشروع دعم سينما الشباب). هنا، نضج أكثر على مختلف المستويات، بدءاً من الكتابة وصولاً إلى الإخراج والأسلوبية وبناء المشهدية. بخفة وبنية هادئة وكلمات قليلة، يرصد تبعات الاغتصاب الوحشي الذي تعرّضت له «جوليا» على خلفية الحرب السورية... هذا المسكوت عنه في عدد من البيوت المغلقة ووسط العائلات المحطّمة. فاز عنه بجائزة أفضل إخراج في «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الأول» في دمشق العام الماضي، ويستعد للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الأولى من «مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير» (7 ـ 12 أبريل 2015) في مصر. في التسجيلي، حقق صفية «النفق» (2013 ـ 25 د. «بوور فيلم»)، متتبعاً يوميات لاجئين سوريين يقطنون نفقاً للمشاة في طرطوس. «بوور فيلم» واصلت سعيها لإنجاز أفلام سوريّة مستقلة. أخيراً، ضربت مجدداً في الروائي الطويل «السردين يحاول الطيران»، ليكون باكورة سيمون صفية إخراجاً وكتابةً.

يشارك فيلمه «جوليا» في مهرجان الإسكندرية الشهر المقبل

بشكل شبه سريّ، دارت الكاميرا في طرطوس مرّة أخرى. نحن بصدد خطّين رئيسيين في صلب المأساة السورية: خط روائي يلاحق المدرس فراس الذي يسعى لاستعادة حياته بعد إعلان وفاته رسمياً، وتسجيلي من خلال صديقه المخرج ورد الباحث بكاميراه عن هوية سينمائية مختلفة. بين الروائي والتسجيلي، يبحث كل منهما عن كينونة جديدة، ليأتي السؤال: «ماذا لو عادَ كلّ الذين ماتوا إلى الحياة؟». يتصدّى للتصوير صفية نفسه، إضافةً إلى ورد حيدر ومهران يوسف. يلعب الأدوار كل من: محمد عبد الله علي، ومحسن عباس، ونانسي خوري، وورد حيدر، ونور غانم، ورامي الخطيب وعلي منصور. في حديثه لـ «الأخبار»، يعود صفية إلى البداية.

«أمضيتُ عامين في العمل على مشروع آخر بين سيناريو واختيار ممثل الدور الرئيسي، ووضع ميزانية تقديرية. فجأةً، خطر لي سؤال: ماذا لو عاد الموتى إلى الحياة؟ سألتُ محام عن الإجراءات القانونية، وبقيتُ أكتب لثلاثة أيام متواصلة». ويضيف صفية: «ثلاثة أشهر من الاستعداد لإنتاج Poor Film الجديد، تلاها شهر تصوير في مدينتي». في محاولة لافتة، حاول سيمون مع عدد من الأصدقاء تأمين ميزانية الشريط من خلال التمويل الجماعي.

المسعى المهم الذي قد يكون حلاً سحرياً لإطلاق السينما السورية المستقلة/ الجديدة، لاقى فشلاً ذريعاً. ما الحل إذاً؟ يجيب صفية: «مهران يوسف قدّم المعدّات مجاناً. الممثلون عملوا بلا مقابل. عائلتي تحمّلت جزءاً كبيراً من تكاليف التصوير. الأرقام لا تهم أمام كل هذا الحب». نسأل عن عنوان الفيلم. من أين جاء؟ يوضح صفية: «كائن يحاول منذُ ولادتهِ التنفس فوق سطح الماء.

يتحرّك ضمن أسراب، ويتم اصطياده ضمن أسراب. يخرج للمرة الأولى خارج الماء ليصطدمَ بالموت، ثم يُعلّب ويُركن على الرفوف مع تاريخ صلاحية. كم يشبه هذا مسيرة حياتنا». في المضمون، كيف يقارن «السردين يحاول الطيران» مع أفلامه السابقة؟ ماذا يقترح من جديد؟

يقول صفية: «كما في «جوليا»، ألاحق فرداً محدداً، وأحاول الإحاطة بجوانب قصته. عدا ذلك، نحن في صدد حالة مغايرة تماماً. موت يقتحمُ الحياة. «فراس» مدرّس وعاشق يعود إلى الحياة بعد ثلاث سنوات. يعاين مآل الأمور في دائرته الصغيرة (العائلة، الحبيبة، الأصدقاء)، والمحيط الأكبر (المدينة، الوطن)».

ويضيف: «قد يكون الجديد أيضاً هو طرح البيئة (الساحل السوري) بواقعية جديدة، لا تشبه ما تمّ تقديمه سابقاً». يتابع صفية حول الأفلمة: «حاولتُ الخروج على قواعد التقطيع وكسر المحور وما إلى ذلك.

هذا القرار جاء من الفكرة نفسها، والتداخل بين الروائي والتسجيلي. الواقع حاضر كما هو، من أماكن التصوير إلى لغة الشخوص». يختتم صفية كلامه معنا: «نحن حالياً في «معسكر المونتاج» (توليف وغرافيك إبراهيم ملحم) حسب ساعات الكهرباء. نستميت حتى آخر أمبير في البطارية. ثمّة بعض الارتباك، والكثير من المتعة».

رولا الأمين: التهمة أمّ!

زينب حاوي

اعتقلت "دائرة التنفيذ القضائي" في مديرية الأمن العام الأردني بعد ظهر اليوم مراسلة قناة "الجزيرة" الإنكليزية رولا الأمين على خلفية قرار غيابي لقاضي الشرع في منطقة "وادي السير" (غربي الأردن) يقضي بتخليها عن ابنتها دينا البالغة من العمر 5 سنوات. والمعلوم أن الأمين هي اليوم طليقة رجل الأعمال والعامل في الميدان الإعلامي أيضاً الأردني محمد العجلوني الذي يطالب بحضانة ابنته. خبر التوقيف الذي ضجّ منذ الدقائق الأولى على مواقع التواصل الإجتماعي كانت قد أعلنته الصحافية الفلسطينية على حسابها على تويتر، فدّونت بأنّ إعتقالها تم "بسبب مطالبتها بتسليم طفلتها البالغة من العمر 5 أعوام". ونزل الخبر كالصاعقة على الجسم الصحافي وبدأت حملات التضامن تتفاعل أكثر فأكثر، خصوصاً أنّ الأمين عوملت مع هذا التوقيف على أنها مجرمة ومدانة.

مسرح هذا التفاعل كان تويتر حيث غرّد ناشطون وصحافيون ومقرّبون من مراسلة "الجزيرة" منددين بهذا القرار غير"الدستوري والقانوني" الذي اتخذته السلطات الأردنية، متسائلين: "كيف لمجتمع أن يقبل بأن تسجن أم وتهمتها أنها تطالب بحضانة طفلتها؟". أبرز المعلقين والداعمين لرولا كانت مديرة مكتب "bbc عربي" في بيروت ندى عبد الصمد التي كانت من الأوائل الذين أعلنوا خبر التوقيف. عبد الصمد وصفت الحادثة بـ "السابقة التي تثير الإستغراب" وانتقدت الجمعيات النسائية التي "تنام" وكان من المفترض أن تتحرك دعماً للأمين.

التغريدات المنددة بالقرار الجائر والمطالبة بالإفراج عن الأمين توجه أغلبها الى عقيلة ملك الأردن الملكة رانيا للتحرك في قضية الصحافية الفلسطينية. كما اتهم المغردون زوج الأمين السابق بإستخدام نفوذه لتوقيفها. بطبيعة الحال الجانب الوجداني الإنساني طغى على هذه القضية بما أنها تتعلق بحضانة أم لإبنتها. هكذا انتشرت صور لرولا تجمعها مع ابنتها مبتسمتين والى جانب هذه الصور دعوات لأن تعودا من جديد معاً.

اليوم، ترزح الصحافية الفلسطينية في اقبية السجون الأردنية في سابقة خطيرة ومثيرة للريبة، وبقرار جائر وغير عادل، هي التي عرفت في عملها الصحافي لأكثر من 20 عاماً متنقلة بين "سي. أن. أن" الأميركية و"الجزيرة" الإنكليزية. غطت الأمين الأحداث المفصلية والصراعات في لبنان، وفي البلاد العربية ومن ضمنها الأردن واليمن ومصر والسعودية والغزو الأميركي للعراق(2003). كما خصصت حصة وافية لبلدها فلسطين، لا سيما لدى تغطيتها الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، وأيضاً حصار مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات في "رام الله".

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترHawiZeinab@

الأخبار اللبنانية في

17.03.2015

 
 

ألفريد هيتشكوك بين دعم تروفو وتردد بازان

إسلام السقّا

في آخِر ظهور تلفزيوني للمخرج الفرنسي فرانسوا تروفو، قبل وفاته بستة أشهر، في برنامج من تقديم برنارد بيفوت، أعلن عن إصدار النسخة النهائية من كتابه عن المخرج الفريد هيتشكوك. ففي عام 1962، توجه تروفو إلى نيويورك بهدف الترويج لفيلمه "جول وجيم"، وعندما جلس مع عدد من أهم نقّاد الولايات المتحدة، قام بذكر اسم هيتشكوك. وعندها، لاحظ أن أعمال المُخرج الإنجليزي، رغم شهرته الواسعة، لا يتم أخذها على محمل الجد هناك. فالبريطانيون يقللون من شأنه لأنه نجح في أمريكا، والأمريكيون يقللون من الفن الذي يقدمه. فقرر تروفو أن يُعالج هذا الأمر بنفسه، وقام بكتابة رسالة إلى هتشكوك يعرض عليه إصدار كتاب يشمل عددا كبيرا من المقابلات يتناقشان من خلالها حول أفلام "سيّد التشويق"، في محاولة لتغطية مسيرته المهنية كاملة

وقد أنهى تروفو رسالته بكلمات عاطفية قوية، قائلاً: لو حدث فجأة وتخلّت السينما عن الموسيقى التصويرية، وعاد العمل في الأفلام الصامتة مجدداً، سنجد حينها عددا كبيرا من المخرجين وقد أصبحوا عاطلين عن العمل. لكن، ومن بين الناجين، سنجد بكل تأكيد الفريد هيتشكوك، وحينها فقط سيدرك الجميع أخيراً انه أعظم مُخرج في العالم

تلقى تروفو ردا من هيتشكوك جاء فيه: عزيزي ترويفو، رسالتك جعلت الدموع تطفر من عيني. كم أنا ممتتن لاستلام هكذا تكريم منك. كانت هذه مقدمة للكتابات الكثيفة لتروفو عن أعمال هيتشكوك في مجلة "كراسات السينما" التي أنشأها الناقد الفرنسي السينمائي الشهير أندريه بازان.

وقام تروفو بتقديم كتاب "سينما القسوة" لبازان وهو كتاب يتناول عددا من المقالات النقدية التحليلية المتعلقة بستة سينمائيين تجمعهم نقاط مشتركة هي أن كلاً منهم يمتلك أسلوباً متميزاً ووجهة نظر انقلابية، مارسوا من خلالها تأثيرهم على السينما العالمية. وبينما لا يُعتبر بازان من المتشددين في انحيازهم لهيتشكوك، إلا أن تروفو تعمّد عرض المقالات التي تناولت أفلامه مُرتبة حسب وقت صدورها، مُظهراً "نوعاً من المقاومة التي تنهار بصورة تدريجية، لكن دون أن يفقد شيئاً من تشدده". بينما يجزم تروفو بأن الوفاة المبكرة لبازان حرمته من مشاهدة أفلام مثل فيرتيجو وسايكو ومارني، والتي كان من شأنها أن تحوّل موقفه من هيتشكوك بصورة أكثر إيجابية

يطرح بازان سؤالاً كبيراً في بداية تناوله لهذا الأمر: هل يجب الاعتقاد بأهميّة هيتشكوك؟ والذي يصل فيه إلى نتيجة واحدة حول أداء هيتشكوك الإخراجي، فهو يعتبره نجح ببراعة بتقديم أعمال كثيفة، متميزة، وحافلة بغموض حقيقي وبشاعرية مؤثرة، لكن الجانب التقني لم يكن على نفس هذه السوية. ثم يسرد كيف تكاثرت الانتقالات المعقدة في أفلامه، وكيف ازدادت بهلوانيةً من فيلم إلى آخر. فيردّ عليه المعجبون بهيتشكوك بأنه يريد أن ينفي الفكاهة، النابعة، بقصد، وتحديداً، من الفظاظة في الأسلوب المستخدم من قبل رجل على درجة عالية من المهارة. وهو الأمر الذي يعترف به. رغم أنه يرى في حبّ هيتشكوك للظهور لبرهة قصيرة في أفلامه صرخة للمتعة الحقيقية ليس فيها أي خداع، وأنها أكثر من تعويذة لمخرج، بل انها لمسة سخرية تؤثر في كامل العمل

يجب القول أن بازان اعتبر هيتشكوك رائداً لنهضة السينما الإنجليزيّة في عصره واعتبر انتقاله لهوليوود، بلا شك، الخسارة الأكثر فداحة للسينما في بلاده، والتي شهدت نهضتها تراجعاً بعد رحيله. إلا أنه وجد ان اعماله في هوليوود في الفترة الممتدة بين عامي 1941 - 1950 لم تقدّم شيئاً أساسياً إلى الإخراج السينمائي، رغم تحوّله للإحتفاء بالبراعة التقنية الكبيرة وراء أعماله. وهذا ما كان يختلف عليه طيلة الوقت مع أصدقائه الذين يعتبرون هيتشكوك واحداً من أعمدة الطليعة السينمائية المعاصرة، وهو يجد أنّ هذا لقب لا خلاف عليه، إلا أن هيتشكوك قد خدعهم على حد قوله، واستطاع اخراج أعمال سطحية دون مبرر. بل إنه يصف ما كسبته هوليوود بقدوم "السمين ذو المظهر الفظ" قد خسره هيتشكوك نفسه، من خلال وضعه ضمن إطار معين من قبل المنتجين، مع سيناريوهات تتفق وأسلوبه. أما عند ظهور فيلم "النافذة الخلفية"، فقد أشاد به بازان كثيراً واصفاً إياه بالعمل الأكثر أستاذيّة لهيتشكوك: "لقد تحوّل إلى إمبراطور الأعمال البوليسية النفسية والإثارة الذهنية والترقب" وهو اللقب الذي لم ينازعه عليه أحد.

لقد كان بازان ناقداً قاسياً، وكانت كتاباته تسبب له العداوة الشخصيّة مع صانعي أفلام الذين لم يحتملوا النقد. فكان يأخذ النقد كجانب لابد منه لقراءة الأعمال التي خرجت من طوع مُخرجها، متجاهلاً "نوايا" صانع الفيلم لإنها لا معنى لها إلا في بعض الإيضاحات البسيطة التي يمكن فهمها من خلال لقاءاته، لكنها لا تُغني عن النقد، وقد تكون في أحيان مكملة له

أمّا في نهاية ما وصل إليه الجدال الدائم حول هيتشكوك، بدا أن بازان قد بدأ بأخذ صورة أكثر إشراقاً عن الرجل، ظهر ذلك في تعليقه على كتاب "هيتشكوك ضد هيتشكوك" النقدي، حيث أوضح أنه لا يحب الرسالة التي يروّج لها المتحمسون لهيتشكوك بأن أعماله تمتد إلى أبعد من أفلام بوليسية وأن لها رسائل عميقة أُخرى كون هيتشكوك نفسه ينفي هذه السمة عن أعماله، لكنه يعتبره بارعاً في إظهاره إنسجاماً بين الدراما والكوميديا، وأن هذه هي "طريقته" في صنع الأفلام. كما أن اضطراره للتخلي عن الدعابة الناضجة، واتجاهه للدعابة التجارية، من أجل إرضاء الانتاج الأمريكي، لم يمثل بالنسبة إليه مشكلة كبيرة

لدى وصوله من انجلترا، شاهد هيتشكوك مجموعة من التقنيين ينتظمون في صف عند مدخل ستوديوهات شركة وارنر أمام جهاز إدخال البطاقات، فتساءل بقلق عما إذا كانت السينما لا تزال فرعاً من الفنون الجميلة. وهذا عزز إيمان بازان بأن أعماله الإنجليزية اكثر "هيتشكوكيّة" من أعماله في امريكا. كان ذلك حتى قرأ كتاب "هيتشكوك" بقلم إيريك رومر وكلود شاربول، الذي كان نقطة تحول كبيرة وأخيرة في نقد بازان لهيتشكوك، فقد جعلاه يرى "ما علي أن أُعجب به، وكانا على حق". 

عين على السينما في

17.03.2015

 
 

باسم سمرة: "الدنيا مقلوبة" بين مصر وأمريكا

القاهرة- بوابة الوفد- دينا دياب:

لأن «الدنيا مقلوبة» قرر باسم سمرة انتظار «جمهورية إمبابة» وما بين الفكرتين يعيش حالة نشاط فني بتصوير 3 أعمال دفعة واحدة.

ولأن قمة الواقعية هي الإغراق في الفانتازيا، لذلك فلا عجب أن يكون حلم المواطن الأمريكي القدوم إلي مصر والعيش فيها، الفكرة بمقدار غرابتها فإنها مغرقة في التفاصيل عن حقيقة الحياة في مصر وأمريكا، وأيهما تفضل إذا تبادلت الدولتان الموقعين السياسي والمادي.

·        كيف تري ردود الفعل حول فيلم «الدنيا مقلوبة»؟

- ردود الفعل جيدة، ولفتت الانتباه إليه، خاصة أنه مناسب للأحداث الحالية، الذي يعيش فيه الشباب مرحلة حزن وخوف من المستقبل ولديهم حلم واحد فقط وهو الهجرة خارج مصر، خاصة مع الظروف العصيبة نتيجة الأحداث الإرهابية المتتالية التي تعيشها، فموضوعه يعرض الحياة وهي مقلوبة، ويستعرض ما يمكن أن يحدث في مصر إذا تحولت إلي أمريكا.

·        ماذا تفسر تقديم نموذج للشخصية الأمريكية بعيداً عن المتعارف عليه؟

- الفيلم من نوعية أعمال الفانتازيا وكل الشخصيات فيه بعيدة عن خط الواقع والأفلام الأمريكية تقدم شخصية الأمريكي دائماً علي أنه الأفضل، لكن هناك نماذج سيئة كثيرة، وبالمناسبة شخصية الأمريكي الذي يستيقظ ويتمني الهجرة ليست خيالية، لكن المصري لديه صورة نمطية غير حقيقية دائماً عن الأمريكان، فالشباب متخيل أن الدعوة إلي الحياة هناك هي الحل لكن العمل يكشف أنهم يعيشون في مرحلة أسوأ بكثير من مصر، فالفيلم يكشف مساوئ أمريكا ويوضح أن هناك نعمة اسمها الحياة في مصر حتي لو كانت الظروف صعبة وأن الحياة مملة ولا يوجد فيها أموال كثيرة كما ينتظر الشباب، لكن الحياة هنا أفضل بكثير من الهجر والفيلم يتناول أحداثاً سياسية واجتماعية واقتصادية ويستعرض الوهم الأمريكي.

·        لماذا تأجل عرض فيلم «جمهورية إمبابة» رغم طرح البرومو الخاص به؟

- المخرج أحمد البدري وضع خطة زمنية لتصوير العمل لكن الظروف الأمنية، بالإضافة لانشغال معظم فريق العمل بأعمال أخري أجل التصوير، واختلاف مواعيد العرض ما جعله يطرح «البرومو» قبل الانتهاء من التصوير ليخرج من الموسم ولكن هذا أفضل لأنه بطرحه في موسم شم النسيم سيستمر عرضه حتي نهاية موسم الصيف.

·        كيف تري منافسة الأفلام في موسم نصف العام؟

- الموسم السينمائي الحالي هو الأهم منذ قيام ثورة يناير لأنه عرض فيه نوعيات مختلفة من الأعمال وكثيرة ورغم انشغالي بالتصوير لكنت ذهبت وشاهدتها جميعاً، والأفضل أنه كلما استوعب الموسم عدداً كبيراً من الأفلام حقق نجاحاً لكل المشاركين فيه بل وأهل المنتجين والفنانين لتقديم أعمال مختلفة تتناول موضوعات جديدة ومبتكرة.

·        وماذا عن دورك في فيلم «جمهورية إمبابة»؟

- أجسد شخصية سائق يأخذ حقه بذراعه ولا ينتظر القانون الذي لا يسعف أحداً في المجتمع المصري، وهذه رسالة تفسر سوء الخلق التي يعاني منها السائقون في مصر، خاصة أنهم يتعاملون بالرشاوي ويستخدمون ألفاظاً خارجة، ومعروفون في كل المناطق الشعبية، خاصة إمبابة.

·        ولكن شخصية السائق البلطجي متقاربة للعديد من الأعمال التي قدمتها؟

- ليس كل من يحصل علي حقه بلطجي، فهناك مظلومون كثيرون في المجتمع ولا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، أنا شخصياً ابن بلد أعتبر نفسي من بيئة تشعر بمن هم تحت خط الفقر ولذلك أري أن هذه النوعية من الشخصيات الأكثر انتشاراً في المجتمع التي تحتاج لتسليط الضوء عليها لأنها مهمشة مجتمعياً وهذا دور الفنان أن يسلط الضوء علي شخصيات مظلومة وفي كل شخصية أقدمها أعتقد أنها تواجه نماذج كبيرة موجودة في المجتمع فعندما قدمت شخصية أمين الشرطة أو الموظف الغلبان أو حتي الزوج الخائن لزوجته وغيرها من الشخصيات الاجتماعية المختلفة نجد شخصيات مظلومة ومقهورة في المجتمع.

·        وماذا عن دورك في مسلسل «بين السرايات»؟

- أجسد فيه شخصية شعبية لشاب يعمل بتجارة المخدرات، ضاقت الدنيا حوله وحرمته من الإنفاق علي أبنائه، فيقرر التجارة في الممنوعات، والعمل يرصد بشكل عام أزمة الفقر وما يمكن أن يفعله الإنسان من أجل العيش فيه.

·        كيف تري العمل مع الفنانة سيمون؟

- سعيد جداً للتعامل للمرة الأولي معها، خاصة هو أنها عن الفن في الفترة الأخيرة، وأنا من عشاق فنها، وأراها للمرة الأولي في دور شعبي حيث تجسد شخصية «صباح» وتربطني به علاقات كثيرة داخل الأحداث وأتمني أن يعجب الجمهور لأنه يتناول شخصيات كلها من واقع المجتمع.

·        لماذا تتعمد في أغلب أعمالك أن يظهر المجتمع المصري فقير وبلطجي؟

- العمل الفني نقل لما يحدث في الواقع ويجبر الفنانين علي تجسيد الأحداث الطافية علي السطح، وأنا كفنان أحب تقديم الأدوار المختلفة لم أتعمد هذه الصورة بقدر اهتمامي بالشخصية التي تعجبني، وأنا لم أحصر نفسي بل قدمت شخصية عبدالحكيم عامر وقدمت شخصيات سياسية وأخري اجتماعية ورومانسية، هناك مجتمع ونحن نمثل ما يحدث فيه أياً كان بأي شكل.

الوفد المصرية في

17.03.2015

 
 

الأفلام العراقية ومستوى أداء الممثل السينمائي

كاظم مرشد السلوم

من خلال مشاهدتي لمعظم الأفلام السينمائية التي أنتجت ضمن فعالية بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013، لاحظت ظهور مجموعة من الممثلين الواعدين، الذين أدوا أدوارهم جيداً، بغض النظر عن المستوى العام للفيلم، هؤلاء الممثلون بعضهم ربما يقف أمام الكاميرا كممثل لأول مرة، لكنه بدا كأنه مثّل أكثر من مرة قبل ذلك، ويمكن أن نطلق عليهم بالممثلين الذين يمتلكون موهبة بالفطرة، من هؤلاء الممثلة همسة، في فيلم “بحيرة الوجع” للمخرج جلال كامل، والممثل الشاب أمير البصري في فيلم علي حنون، “سر القوارير”، وانعام عبد المجيد في “صمت الراعي” للمخرج رعد مشتت، وكذلك بعض الممثلين المحترفين كالفنانة القديرة سناء عبد الرحمن في “بحيرة الوجع”، والأداء الرائع لسنان العزاوي في مشهد قصير جداً في “صمت الراعي”.

في الجانب الآخر لاحظت ان ممثلين في المشهد الفني المسرحي والتلفزيوني منذ سنوات عديدة لم يستطيعوا أن يرتقوا بالدور المناط بهم، بل بدوا كأنهم يؤدون من أجل اسقاط فرض كما يقال، مستعجلين انتهاء العمل، وبدا أداؤهم في وادٍ والخط الدرامي العام للفيلم في واد آخر.

وهنا أود أن أشير الى موضوع مهم في التمثيل أو في الاشتغال الفني المطلوب من الممثل سواء كان ممثلاً مسرحياً أم تلفزيونياً أم سينمائياً، والأخير تحديداً ربما المعني بنحو أكبر في ما أريد أن أقول.

هناك مستويان لأداء الممثل، الأول هو الأداء السطحي أو الاعتيادي الذي يتماشى مع ما نراه يومياً وما تعودنا سماعه من حركة أو حوار، وهو الذي يظهر مباشرة في الصورة التي نرى.

المستوى الثاني هو المستوى النفسي أو المستوى السفلي كما يسميه بعضهم، وهو الأكثر أهمية في التأثير في المشاهد، وأعني به ايصال الاحساس المطلوب بالذي تعانيه أو تتأثر به الشخصية، أو ايصال الانطباع السابق لدينا ضمن وعينا الجمعي عن هذه الشخصية أو تلك، ولو حاولنا استذكار بعض الأفلام المهمة التي أدى ممثلون كبار أدوارها، نجد إن الجزء الأكبر من سبب إعجابنا بهذه الأفلام هو الأثر النفسي الذي تركه الأداء المتقن لهؤلاء الممثلين، ولعل الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة لهذا العام جوليان مور بطلة فيلم “ستايل أليس” للمخرج ريشارد كلاتزر، خير من جسدت ذلك بعد وصول حالتها المرضية الى أقصى درجاتها، إذ استطاعت أن تجعلنا نشعر ببشاعة المرض وبشاعة ما تعانيه من دون أن تقول ذلك، لكنها من تقاطيع وجهها وقسماتها أوصلت ذلك إلينا بنحوٍ مؤثر.

المستوى الثاني ربما يفتقده الكثير من الممثلين العراقيين الذين شاهدتهم في الأفلام الأخيرة التي عرضت ضمن فعالية أيام السينما العراقية، هو ما يجعل أداءهم سطحياً، لكن بعضهم وهم من أشرت إليهم في البداية كانوا بارعين في الاشتغال بهذا المستوى.

وربما يكون قلة النتاج السينمائي العراقي وتواضع المستوى الاخراجي لمعظم هذه الأفلام سبباً في تواضع أداء الكثير من الممثلين؛ لأن المخرج هو المحرك الفعلي للممثل ويلعب دوراً مؤثراً في وضع تفصيلات أدائه.

واعتقد اننا بنا حاجة ماسة الى ورش فنية تعنى بأداء الممثل يشرف عليها خبراء عراقيون وعالميون في تدريس فن التمثيل السينمائي علنا نشاهد في القابل من الأفلام السينمائية العراقية ممثلين لديهم امكانيات فنية عالية، يستطيعون فيها الارتقاء بالأدوار التي يؤدونها وجعلها مؤثرة وفاعلة تنهض بالفيلم الذي يمثلونه.

الصباح الجديد العراقية في

17.03.2015

 
 

طعم الكلام

"مصر قريبة" ولكننا لا نعرفها

محمود عبد الشكور

أدهشتنى تلك المعركة الفيسبوكية والصحفية حول الإعلان الترويجى الذى حمل عنوان "مصر قريبة". اختلط كالمعتاد الحابل بالنابل، والسياسى بالفنى، وقرأت تطرفا غريبا سواء فى مهاجمة الإعلان أو فى تأييده، انتظرت حتى انفض المولد، ثم كتبت رأيى على صفحتى على فيسبوك فى عبارات موجزة، وبلهجة عامية بسيطة حتى تصل الفكرة الى كل الأصدقاء:

" طيب أقول كلمتين وبس بعد المولد ما انفض : 

(1) أعجبنتنى أغنية " مصر قريبة" ، ولو حد ما عجبتوش أو عمل إيفيهات عليها برضه ما فيش مشكلة خالص ، كل واحد يعبر عن رايه .

(2) لا أرى فى الأغنية أى شىء مسىء أو حالة تسول ، الفنانون المساهمون مش بيخدموا السايح الخليجى، دول بيرحبوا بيه ، دول بيخدموا بلدهم . شكرا لهم جميعا ألف شكر .

(3) هناك مطربون من الخليج وممثلة سورية اسمها كندة علوش فى الأغنية ، دول كمان جايين يشحتوا ؟!!! وإيه اللى غاصبهم يعنى يعملوا دعاية لبلد بيشتمها بعض أهلها ؟ مجرد سؤال .

(4) لا يوجد إعلان ترويحى فى الدنيا يظهر المساوىء، واللى عنده دعاية سياحية لنيويورك فيها نسبة الجريمة أو بيظهر فيها "شبيحة" حى هارلم "الضرّيبة"، أو اللى عنده إعلان ترويجى سياحى عن جنوب أفريقيا فيها مرضى الإيدز المنتشرين فى كل مكان، ياريت يتفضل برفعه حتى نستفيد ونعمل ترويج واقعى ، بالمناسبة : أعظم دعاية ترويجية قام بيها مانديلا العظيم لبلده تدعيما لملفها فى كأس العالم ، وكان يعرف والله نسب الفقر وضحايا الإيدز عندهم ، ومحدش قال له ما يصحش ، يمكن مانديلا كمان كان بيشحت ! 

(5) الممثلون يلعبون أدوارا فى سيناريو الأغنية ، يعنى ما فيش إهانة ولا حاجة .

(6) مصر مش كاملة الأوصاف ولا شعبها كامل الأوصاف، بس الإعلان بيقول ببساطة إنها تستحق الزيارة لأنها فعلا فيها ناس جميلة زى اللى شفناها فى الإعلان ، وإذا كان البعض مش شايفهم فهوّة برضه حر .

وبس خلاص" . 

لم أكن أحب التعليق حول هذه الهوجة لولا أن استفزنى أن تكون فكرة مطربين خلايجة وممثلة سورية عن المصريين أفضل عن فكرتنا عن أنفسنا، تجاوزتْ "بعض" التعليقات النقد والسخرية الظريفة لتصل الى نوع من جلد الذات بقسوة، وكأن كل المصريين الذين يستقبلون السياح مجموعة من اللصوص والقوادين، بل لقد تحولت نظرة عين غادة عادل الى محاولة تحرش وإغواء علنية(!!) أسقط البعض موقفه السياسى وربما الأخلاقى من السياح الخلايجة على إعلان عادى، وأصبح الفنانون متهمين بالتسول وربما إشاعة الفاحشة، مع أن أعظم ما يفعله ممثل هو أن يتحول الى مندوب دعاية لوطنه ولأهله ولناسه، ومع أن الفنانين كانوا متهمين من قبل بعدم الإهتمام بالشأن العام.

ضجة "مصر قريبة" حالة كاشفة تماما على أن التحيزات السياسية، أو الأفكار المسبقة ، قد تؤدى الى إساءة فهم واضحة وغريبة، الكثيرون لديهم حساسية أفهمها تماما من السياحة الخليجية، ولكن الإعلان بالقطع لا يروج للرذيلة، ولا هو بالتأكيد يفترض أن الضيف أوالمضيف من الملائكة، إنه ببساطة يتحدث عمن يحب أن يزور مصر لأنه يعرف قيمتها، وعن أولئك الذين يستقلبونه بحفاوة واحترام، والصنفان موجودان بالتأكيد.

كشفت هوجة "مصر قريبة" أن كثيرين لا يرون إلا اللون الأسود فقط، ولايعرفون مصر الأخرى التى تمثلها نماذج محترمة وواعية سواء فى مجال السياحة أو فى كل المجالات،البعض افترض مسبقا أن بائعة الورد تبيع أشياء أخرى بخلاف الورد، مع أنه توجد نماذج رائعة لهؤلاء البائعات، مصراويات بألف رجل تكسبن رزقهن بشرف واحترام، مثل بائعة الورد المدهشة التى استضافتها إسعاد يونس فى برنامجها البديع "صاحبة السعادة".

إذا كنتم ترون أن المشاهد الخليجى قد يأخذ فكرة سيئة عن مصر من خلال إعلان جميل، فهل لى أن أسألكم : " ماذا تعرفون أنتم عن وطنكم وأهله وناسه؟ ماذا تعرفون عن فقراء نراهم ونقابلهم ونحسبهم أغنياء من التعفف؟ كيف يكتسح اللون الأسود كل الألوان بمثل هذه الدرجة من الإستسهال؟ وألا يوجد فى هذا البلد ما يستحق أن يراه أى سائح؟ وبأى منطق نهاجم إعلانا بناء عن أفكارنا نحن لا على أساس ما يقوله الإعلان فعلا؟ هل نتوقف عن الترويج للسياحة القادمة إلينا بينما حال السياحة الداخلية لا يسر عدوا أو حبيبا؟ ومن قال إن الترويج للسياحة يعنى الموافقة على ما يفعله سائح يسىء الذوق أو الأدب أو يتجاوز الأخلاق؟

هى فقط محاولة بائسة تخلط الأوراق، هكذا نفعل فى كل قضية، وهكذا نتحاور بمنطق "الحرب الأهلية"، وهكذا يتحول النقد الذاتى، الذى أراه دوما دليل صحة ويقظة ووعى وثقة، الى جلد للذات بالكرابيج، وهو كما معروف دليل مرض نفسى والعياذ بالله، لا كل الخلايجة ولا كل المصريين بمشون على الصراط، ولكن فى هذا الوطن ما يستحق الترويج والدعاية له، وفيه آلاف المصريين البسطاء الذين يعملون فى مجال السياحة، ويكسبون رزقهم بكل احترام سواء من السائح العربى أو الأجنبى، من أجل هؤلاء كان إعلان "مصر قريبة"، وليس من أجل أى شىء آخر.

فى كل مجال من يستحق التقدير والإحترام، بالصدفة أخبرنى من أثق فيه عن ذهوله من مستوى الخدمة والرعاية الصحي فى مستشفى الصدر بالعمرانية، أقام هناك لمدة اربعين يوما بالمجان، أدهشنى حديثه عن الطعام وسلوك الأطباء وتفانيهم فى أداء واجبهم، رغم أنه لا يعرف أحدا منهم ، وليست لديه واسطة، استهلك علاجه عددا كبيرا من الأدوية والحقن، حكى لى عن د عزة التى لايتذكر اسمها بالكامل، وعن دورها فى رعاية الغلابة دون أن تنتظر شكرا أو تحية لأنها فقط تؤدى واجبها، أحببت فقط أن اقدم نموذجا لمصر أخرى رائعة لايعرفها الكثيرون.

لايعنى ذلك ابدا أن نتهاون فى كشف الخطأ، أو فى إدانة المخطىء، وطننا يستحق أن نفعل ذلك من أجله، ولكنه يستحق أيضا أن نكتشف فيه النماذج الرائعة، وأن نشكر من يساند المصراوية ولو بإعلان أو بكلمة، بلدنا قريبة وعظيمة فعلا، ولكننا لا نعرف عنها ،ولا عن ناسنا وأهلنا، سوى أقل القليل، مع عظيم الأسف والأسى.

التحرير المصرية في

17.03.2015

 
 

الكعكة الصفراء.. لعبة الفن وصراع الارادات!

عبدالامير المجر

اختتمت يوم الاثنين الماضي 16-3-2015 عروض الافلام السينمائية التي جاءت ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 والتي خصصت لها ميزانية حكومية كبيرة، وقد كان مسك الختام فيلم (الكعكة الصفراء) لطارق الجبوري، الذي عرفناه مخرجا نابها منذ ثمانينيات القرن الماضي، قدم العديد من الاعمال الدرامية المهمة.

الفيلم طرح مقولة مهمة يتداخل فيها السياسي بالانساني، وبطريقة احتملت الكثير من التاويل، لحساسيتها ولكونها تناولت قضية شغلت الراي العام العراقي والعالمي على حد سواء، وكانت سببا في احتلال العراق، ولو من خلال استخدامها ذريعة، ونقصد مسالة السلاح النووي، وتاتي هنا في اطار قضية افتراضية تتصل بالموضوعة الاساسية التي دفع العراق بسببها ثمنا باهظا ومازال، وتتمثل في الفيلم من خلال، عالم نووي من احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق (اوزبكستان) الذي ياتي الى العراق ومعه مخطط لقنبلة نووية، لغرض بيعها على الحكومة العراقية، لكن النظام يسقط ويجد هذا العالم (علييف) نفسه مطاردا من قبل جهات دولية عديدة تنشط في العراق بعد الاحتلال، وتريد كل جهة الحصول على المخطط لندخل او يدخلنا المخرج الجبوري في رحلة مطاردات طويلة ومشوقة على طريقة افلام (الاكشن) لم تشهدها بغداد من قبل، حيث تتجاذب الصراع كل من (الموساد) و(السي أي أي) و(اطلاعات الايرانية) و (القاعدة)، فيما يغيب العراق المنشغل باشلائه المبعثرة ،وقتذاك، عن هذا الصراع او يبدو حضوره هلاميا وسط هذه الغابة المخابراتية الشائكة والنافذة، لكن المخرج نجح في املاء هذا الفراغ الوطني من خلال شخصية عالم نووي عراقي (مناف) يحتفظ هو بالمخطط ومن ثم يتلفه، لكنه يتعرض الى تصفية بطيئة بواسطة حقنه بمادة قاتلة، وتكون نهايته مع نهاية الفيلم بعد ان يقول كلمته بكل ماجرى، بطريقة انسانية مؤثرة ومعبرة، وهو يختزل محنة وطن مبتلى وشعب يبحث عن خلاص من مازقه الطويل.

لاشك ان البعد السياسي كان حاضرا في الفيلم الذي انتهى الى مقولة مهمة، وهي الصراع على العراق، الذي بات (كعكة) يتصارع عليها الاقوياء فوق اشلائه، وان هذا الصراع المحتدم والعنيف ينتهي الى تصفية بعضهم البعض خلال المطاردات او مطاردة البطل الذي جسد شخصيته ببراعة لافتة الممثل العراقي المغترب (جمال امين) وشاركه كل من ساندرا النعيمي و احمد صباح وذو الفقار خضر ومحسن العلوي ودينا النعيمي وكن بهار وغيرهم الكثيرين معظمهم من الوجوه الجديدة، وانتصر الفيلم للانسان العراقي المحب للحياة والسلام، حيث ينتهي الفيلم بلقطة معبرة لصبي يمارس هواية اطلاق الحمام وصبية، حبيبين، يلتقيان عند سطحي بيتيهما، في منطقتهما التي يقتحمها هذا الصراع بحمولته العنفية المخيفة، ويكون دور الصبي وطنيا بامتياز حين يمارسه بعفوية بعد ان يلتجئ الى اخبار المسؤولين عن الذي يحصل من صدامات ومن ثم يشترك فيها من دون استخدام السلاح، ليدخل لعبة لم يعرف تفاصيلها او يقررها مسبقا، لكنه ينجح في انتزاع دوره الوطني بقدر ما اتاحه له وضعه وامكانياته.

(الكعكة الصفراء) يمثل نقلة نوعية في تاريخ السينما العراقية، وقد وصفه البعض بانه (اكشن سياسي) وهو كذلك، أي انه مرر مقولته النهائية بطريقة مشوقة ومن دون انحياز ايديولوجي او جهوي، وانما انتصر لوطن مستلب بفعل الاعيب السياسة ودهاليزها التي اتخذت من شوارع بغداد وازقتها الخلفية، هذه المرة، ميدانا للصراع الذي ظل طويلا يدور حولها من بعيد !!

الـ FaceBook في

17.03.2015

 
 

رف السينما

''انترستيللر''.. رحلة شاقة بين النجوم

بقلم - ممدوح صلاح :

مافتكرش هيكون في خلاف إن فيلم (انترستيللر) من أضخم الأحداث السينمائية السنة دى، وقادر يثير موجة ضخمة من النقاشات والتحزب ما بين محبيه وكارهيه برغم مرور كام شهر على نزوله فى السينمات.. وتجدد النقاشات دى مؤخرًا مع طرح نسخة الـ (بلوراى) على الإنترنت.

الصخب الداير والمستمر مش دليل على جودة الفيلم، لكن دليل على شعبيته الشديدة.. والتوقعات الكبيرة اللى كل الناس كانت مستنياها منه وقدر يرضى بعضهم ويحبط الباقى، وعقدت مقارنات عديدة – شئنا أم أبينا – ما بينه وبين الفيلم الكلاسيكي (أوديسا الفضاء) حتى لو المقارنات دى بتكون على صيغة إنه (ماينفعش نقارنهم ببعض)!

الفيلم طموح أكتر من اللازم بكتير، وبيحاول يجمع ما بين كل حاجة ويقول كل حاجة فى نفس الوقت خلال زمن عرضه المقارب لـ 3 ساعات.. وده بيخلى الإيقاع مش منتظم وفي لحظات بيشد جدًا وفي لحظات تانية بيكون بطيء ومتأمل بشكل مش متناسق. ده غير إن الـ 3 ساعات دول، فيه منهم ساعة على الأقل درس فيزيا، بيضطر فيه المخرج / المؤلف بسبب تمسكه بدقة الجانب العلمي إنه يشرح كل حاجة بتحصل وكل حاجة هتحصل ويبسط كل نظرية علمية على لسان أبطاله، بطريقة مش مرهقة عقليًا صحيح، لكنها مُشتِتة ومش ممتعة كسينما، وبتفتقر لأي بلاغة.. وبتقلل مساحات الحوار الطبيعى بين الشخصيات اللى بيسمح بتطورها دراميًا، لدرجة إن البطلة (آن هاثاوى) بنعرف عنها في أحد المشاهد إنها بتحب شخص ما وده ممكن يأثر على قراراتها العلمية، فتروح هى على طول داخلة فى مونولوج طويل - يفترض إنه مؤثر - عن أهمية الحب وإن مش كل حاجة بالعقل والعلم.. وبسبب غياب تطور الشخصيات وعدم معرفتنا الكافية بالبطلة وحياتها وأفكارها، المونولوج بيتحول ببساطة من مؤثر إلى ممل وخارج السياق كأنه من سيناريو تانى خالص.

وأنا باتفرج ع الفيلم، أكتر سؤال كان بيجي على دماغى هو: ايه اللى حصل لنولان؟!

تحول تدريجي من المخرج اللى صور أول أفلامه بخام سينمائى أبيض وأسود وبدون ميزانية؛ لأنه مش مهتم غير بحكاية قصة ممتعة وجذابة فى (Following) لمخرج بيقدم أشكال سردية مبتكرة وغير خطية فى (Memento) لصاحب مشروع هوليوودى كبير فى ثلاثية باتمان، لمرحلة حكى قصص أضخم من الأول بالجمع بين الإثارة والسرد الغير خطى والفكرة الأدبية المحملة بطابع فلسفى فى (Inception).. لحد ما وصل أخيرًا لإنه عايز يتفوق على نفسه، وكل أفلامه اللى فاتت فبيحكى برضه قصة مثيرة بأسلوب غير خطى بفكرة بتتحدى المتفرج ذهنياً وطابع فلسفى، وبيضيف على كل ده جانب علمى فيزيائى بمناقشة نظرية من أصعب نظريات الفيزيا وهى النظرية النسبية والسفر عبر الفضاء!!.. نظرة واحدة على التطور السريع ده هتقول كتير عن الفيلم .. 

تخيل لما يخليك تترحم على أيام البساطة بتاعة (ميمنتو)!.

ومفيش داعى كمان إن أنا أقول إن سيناريو بالتعقيد ده وبالطول الزمنى ده من البديهى إنه يحتوى على عدد كبير من فجوات القصة أو (Plot holes) اللى هتخليك لما تيجي تفكر فى الفيلم مرة كمان بعد زوال الإنبهار المبدئى، تدرك إن في حاجات كتير مش مبررة، وتفاصيل ممكن تهدم القصة.. وده نوع من العيوب موجود فى كل سيناريوهات (نولان) وبنتغاضى عنه عشان نستمتع بالفيلم.

وبالوضع فى الإعتبار الجانب الرمزى للفيلم، اللى له علاقة بحرب الإنسان ضد الطبيعية وضد نفسه ومراحل التطور البشرى.. هنلاقى إن المنهج الفلسفى والإلتزام العلمى، بيأهلوا الفيلم للمقارنة مع (أوديسا الفضاء) من باب انهم فعلاً بيدوروا فى نفس المنطقة ولو بإختلاف رأى الجمهور فى المستوى.. وهو ما انكرش النقطة دى وتعامل معاها ببساطة؛ فمثلاً تصميم الإنسان الآلى فى الفيلم قد يكون عبارة عن (عرفان بالجميل) أو (Tribute) لفيلم (أوديسا الفضاء)، ومحاولة لتفسير متوازى المستطيلات المستقبلى الأسود المشهور، وكان تصميم موفق ومن أكتر الحاجات المبتكرة فى الفيلم والمخالفة عن التصورات المسبقة للإنسان الآلى فى المستقبل، ده غير إنه ممكن برضه ربط طريقة كلام الآلى مع الناس وشخصيته المستقلة بـ (هال) كومبيوتر المركبة الفضائية فى نفس الفيلم.

فى النهاية الفيلم أطول وأكثر إزدحاماً من إن الواحد يكون رأى بسيط فيه .. فى حاجات كتير مبهرة وصورة حلوة وموسيقى رائعة، ومشاهد درامية وعاطفية هتخيلك تعيط، ومشاهد هتخليك تخاف وتتأمل، وحاجات هتخليك تقفل، ومناطق مثيرة، ومناطق مملة.. وفى رأيى لو كان الفيلم أقل طموح شوية كان طلع أحلى وأكتر بساطة وبلاغة. يمكن قلة الطموح ده كانت هتحبط أصحاب التوقعات العالية، لكن فى المقابل انسياق (كريس نولان) ورا توقعات الجمهور ومحاولات الإبهار المستمر ماعرفش هتوديه فين بالظبط فى فيلمه الجاى؟!

موقع (مصراوي) في

17.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)