كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

المخرج فرنشيسكو روزي أعلن الحرب على المافيا ووقع في غرام 'الموت المعلن'

العرب/  أمير العمري

 

المخرج الإيطالي الراحل فرنشيسكو روزي اهتمّ كثيرا بالتحذير من نشاط المافيا الإيطالية وكشف علاقتها بالسلطة السياسية اليمينية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

غيّب الموت أخيرا المخرج الإيطالي الكبير فرنشيسكو روزي الذي يعدّ أحد أهم السينمائيين في العالم (توفي في العاشر من يناير 2015 عن 92 عاما). ويتفق معظم النقاد على اعتبار روزي المؤسس الأول للتيار الحديث الذي عرف بـ”تيار الفيلم السياسي” في إيطاليا منذ فيلمه الأول “التحدّي” (1957). وقد عزز روزي بعد ذلك اتجاهه إلى تناول التناقضات السياسية الجادة في المجتمع الإيطالي برؤية نقدية، من خلال أفلامه الجريئة “الأيدي فوق المدينة” و”سلفاتوري جوليانو” و”قضية ماتيه” و”لاكي لوتشيانو” و”جثث لامعة” و”توقف المسيح في إيبولي”. وكان روزي قد بدأ عمله السينمائي عام 1948 مساعدا للمخرج الإيطالي الكبير فيسكونتي في فيلمه الأشهر “الأرض تهتز″.

وقد كرمه مهرجان فينيسيا بمنحه جائزة الأسد الذهبي عام 2012 عن مجمل انجازه السينمائي.

أخرج روزي عشرين فيلما روائيا طويلا في الفترة من 1958 إلى 1997. وفي تاريخ روزي فيلم واحد اعتبره هو بمثابة سقطة في مسيرته الفنية هو فيلم “كان ياما كان” الذي قام ببطولته عمر الشريف وصوفيا لورين، وهو فيلمه الوحيد الذي أخرجه في هوليوود وجاء ناطقا باللغة الأنكليزية، وكان بعيدا كل البعد عن أسلوبه الواقعي الصارم. وبعده لم يحط روزي قط رحاله في قلعة السينما الأميركية.

في فيلمه الشهير “قضية ماتيه” الذي تقاسم الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان عام 1972 مع فيلم “تحقيق مع مواطن فوق مستوى الشبهات”، كلاهما من بطولة الممثل العملاق جيان ماريا فولونتي، يفتح روزي ملف مقتل أنريكو ماتيه مؤسس ورئيس شركة النفط والغاز الوطنية الإيطالية (إيني) التي اكتشفت الغاز في وادي بو شمال إيطاليا، وكان رجلا وطنيا يسعى إلى تحقيق استقلال بلاده اقتصاديا عن الاحتكارات الأميركية.

كان ماتيه أيضا، مؤمنا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالتالي أيد وساند علانية حق الشعب الجزائري في الاستقلال عن فرنسا مما أثار غضب الجيش السري الفرنسي، تلك المنظمة الإرهابية التي شكلها ضباط من جيش فرنسا في الجزائر لمقاومة الخروج من الجزائر (وهي إحدى بلدان النفط والغاز أيضا) واتهمت تلك المنظمة أيضا، ضمن جهات أخرى، بالضلوع في اغتيال ماتيه.

في تاريخ روزي فيلم واحد اعتبره هو بمثابة سقطة في مسيرته الفنية هو فيلم “كان ياما كان” الذي قام ببطولته عمر الشريف وصوفيا لورين

وقد زار ماتيه عددا من الدول العربية للتفاوض حول استخراج النفط بشروط عادلة وأعلن أن شركته سوف تتقاسم العائدات مع البلدان المصدرة للنفط والغاز بنسبة متساوية، وقام بتوقيع صفقة لاستيراد النفط الخام من الاتحاد السوفيتي، كما بدأ مفاوضات مع الصين بغرض تزويدها بالنفط. وأصبحت شركة إيني في عهده إمبراطورية كبرى، واعتبرت دولة داخل الدولة، وكان ماتيه يتحرك ويسافر ويستقبل مثل رؤساء الدول، وكان شخصية كاريزمية تملك التأثير في السامعين، وكان يلقي الخطب التي تؤيد حقوق العمال، واعتبر لهذه الأسباب كلها خطرا شديدا يجب التخلص منه. وقد قتل ماتيه عام 1962 في حادث غامض عندما سقطت طائرته وتحطمت قرب ميلانو، ويشير روزي في فيلمه إلى أن الحادث كان مدبرا، للتخلص من رجل يهدد مصالح الدول التي تسعى إلى الهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة.

يقوم الفيلم على أسلوب التداعيات، وتحليل الحدث من زوايا عدة، على طريقة فيلم “زد” الشهير لكوستا غافراس، ويعتمد بالتالي على المونتاج التحليلي الدقيق، الذي لا يهتمّ كثيرا بتدفق المشاهد لتحقيق الإثارة، بل بوضع الحقائق جنبا إلى جنب من زوايا مختلفة، رغبة في تكوين صورة متكاملة عمّا يمكن أن يكون قد حدث في الواقع. والطريف أنه خلال العمل في الفيلم كان روزي قد كلف الصحفي ماورو دي ماورو بالبحث في احتمال ضلوع المافيا في الحادث، فما كان إلا أن اختفى دي ماورو ولم يظهر له أثر بعد ذلك حتى يومنا هذا.

المافيا والسياسة

اهتمّ روزي كثيرا بالتحذير من نشاط المافيا الإيطالية وكشف علاقتها بالسلطة السياسية اليمينية في إيطاليا منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

يروي فيلمه الأول” التحدّي” (1958) قصة باسكوالي نولا زعيم عصابة كامورا الإجرامية التابعة للمافيا الإيطالية، وكيف نجح في توثيق صلات المافيا بالحكومة الإيطالية اليمينية بعد الحرب، وصراعه مع زعيم لعصابة أخرى في صقلية، وعلاقته بزوجته ملكة جمال إيطاليا السابقة بوبيتا ماريسكا. وفي فيلم “الأيدي فوق المدينة” الفائز بالأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا 1963، يقوم رود شتايجر بدور إدواردو نوتولا، وهو رجل أعمال متخصص في بناء وبيع العقارات السكنية، ينتخب ليصبح عضوا في مجلس بلدية نابولي، ويستغل نفوذه السياسي من أجل توسيع نطاق إمبراطوريته العقارية، إلى أن تنهار مجموعة من العقارات التي يبنيها فيبدأ عضو آخر يساري في مجلس البلدية في التنقيب وراء أعمال نوتولا.

والفيلم بأسره يعدّ محاكمة للنظام الديمقراطي عندما يسمح بتسلل أشخاص منحرفين يسيطر عليهم الطمع، فيستغلون النظام نفسه ويجنون أرباحا طائلة على حساب أرواح الناس.

وفي فيلمه الشهير “لاكي لوتشيانو” (1973) يفتح روزي للمرة الأولى ملف “تشارلس لوتشيانو” الذي أصبح ملك الجريمة المنظمة في نيويورك في العشرينات والثلاثينات، وكان يعيش مثل ملك غير متوّج، يبدو في مظهره مثل رجل متقاعد أو محاسب محترم، يغشى المطاعم الفاخرة والمسارح والنوادي، وكلبه دائما بصحبته، وهو صامت لا يتكلم كثيرا ولا يبوح بما في داخله. بعد فترة حيرة طويلة بشأنه، تلقي الشرطة القبض عليه بتهمة ممارسة بيع الرقيق الأبيض، ولكن الحكومة الأميركية تلجأ إليه أثناء الحرب العالمية الثانية لكي يوقف تسلل عملاء هتلر عبر الشاطئ الشرقي الأميركي، كما يقدم خدمات جليلة للجيش الأميركي أثناء عملية الإنزال العسكري لاحتلال صقلية عن طريق مساعده زعيم المافيا المحلية هناك، مقابل الإفراج عنه وترحيله إلى إيطاليا حيث بقي هناك إلى حين وفاته عام 1962.

قام بدور لوتشيانو الممثل جيان ماريا فولونتي الذي سيصبح القاسم المشترك في أفلام روزي السياسية الشهيرة. وكان الفيلم يتخذ مسارا مختلفا عن أفلام المافيا الشهيرة التي راجت في تلك الفترة مثل “العراب” أو (الأب الروحي) التي أحاطت شخصيات زعماء المافيا بنوع من الجاذبية والوقار، فقد سعى روزي إلى جعل الفيلم السياسي ينتقل بين الأزمنة، يقفز إلى الأمام ويعود إلى الماضي في سياق أقرب إلى الريبورتاج التلفزيوني أو أسلوب فيلم التحقيق الخشن، الذي ميّز فيلمه السابق، ولكن من خلال صورة شديدة الجمال والجاذبية.

روزي يحرص في أفلامه السياسية على جذب انتباه المتفرج عن طريق إدخاله طرفا في “اللعبة”، وجعله يتابع بنفس الترقب والشغف، مجرى الأحداث

في عام 1976 أخرج روزي فيلم “جثث لامعة” الذي يستخدم فيه حوادث اغتيال عدد من القضاة في إيطاليا، مصوّرا فيلمه في صقلية ولكن دون أن يحدّد مكانا للأحداث، بل يترك الأمر يبدو وكأنه ينتقل بين مدن عدة أوروبية، فالمقصود توجيه تشريح لفساد النظام الرأسمالي بشكل عام. بعد تلاحق عمليات قتل عدد من كبار القضاة، يبدأ ضابط شرطة مخضرم في البحث وراء هذه الجرائم ويتركز شكه حول رجل حكم عليه في الماضي ربما ظلما وقضى فترة في السجن ثم خرج، وربما لأنه يمارس انتقامه الخاص من القضاء.

غير أن مسار الأحداث التي ينسجها روزي ببراعة من خلال ذلك النسيج الفسيفسائي الذي يضيف إلى كل مشهد عنصرا دراميا جديدا، يجعل الضابط، ومعه المتفرج بالطبع، يتجهان وجهة أخرى مخالفة للأولى، إلى أن يتوصل الشرطي إلى القناعة بأن رؤساءه في الشرطة يتعاونون مع منظمات يمينية متشدّدة، تريد أن تفرض قبضتها الحديدية على السلطة في البلاد، وتستغل بالتالي جريمة القتل الأولى من أجل إحداث نوع من الفوضى وتنفرد بالسلطة بعد أن تنسب الجرائم إلى الحزب الشيوعي المناوئ.

روزي يحرص في أفلامه السياسية على جذب انتباه المتفرج عن طريق إدخاله طرفا في “اللعبة”، وجعله يتابع بنفس الترقب والشغف، مجرى الأحداث، لكي يتوصل إلى استنتاجه الخاص، فلا يوجد شيء قاطع في أفلام روزي، فكلها افتراضات ولكن مبنية على أساس ما هو موجود في الواقع.

بعيدا عن السياسة

في عام 1983 بدأ روزي يسعى إلى الخروج من معطف الفيلم السياسي النقدي، لكي يقدّم رؤيته الخاصة لأوبرا بيزيه الشهيرة “كارمن”. وقتها قال روزي إنه كان دائما مشدودا إلى كارمن، المرأة لا الموسيقى. وقد نجح في تقديم أهم عمل سينمائي ظهر عن رواية ميرميه الخالدة بعد أن أكسبها أبعادا واقعية جديدة، تتفق مع موقفه الفكري المعروف والذي يتكرر في كل أفلامه. وكانت تلك أول “كارمن” تصوّر فعلا في الأماكن الطبيعية بالريف الإسباني، التي تدور فيها أحداث الرواية الأصلية.

بعد ذلك عاد روزي إلى الأدب الأميركي اللاتيني فاختار رواية متوسطة الطول ذائعة الصيت وهي “وقائع موت معلن” لغابرييل غارسيا ماركيز، لكي يقدّمها للمرة الأولى في السينما.

تدور فكرة فيلم “وقائع موت معلن” حول مسؤولية أهالي مدينة قرطاجنة في كولومبيا عن اغتيال الشاب الوسيم “سانتياغو نصار” في أوائل الخمسينات، واشتراكهم جميعا بالصمت في شأن تلك النهاية الدرامية العنيفة التي انتهت بها حياته، لا لشيء سوى بسبب براءته ومرحه وحبه للحياة.

استخدام الرموز

هذا الموضوع الذي يمتلئ بشتى الإشارات الفلسفية والاجتماعية والسياسية، والدلالات الخاصة بالواقع في أميركا اللاتينية، يتحوّل على يدي روزي إلى عمل مختلف، فروزي يبدو وقد ذاب في قلب الموضوع، بحيث لم تعد هناك مسافة تفصل بينه وبين ما نشاهده على الشاشة.

لقد تعامل مع موضوعه بمشاعره فوقع في غرامه، فهو يبتعد عن الواقعية النقدية، ويفضل استخدام نوع من الرموز.

وفي هذا السياق نفهم أن سانتياغو نصار قُتل لأنه كان أكثر الجميع براءة، وليس نتيجة ظروف اجتماعية سياسية تتعلق بالوضع الاجتمـــاعي في كولــومبيا خلال تلك الفترة.

يستخدم روزي الفلاش باك ولكن دون توفيق، وكان من الأفضل أن يروي الفيلم في اتجاه واحد دون تعرجات وانتقالات في الزمن. ويذكرنا المشهد الأخير من الفيلم الذي نرى فيه الأهالي وهم يتجمعون حول جثة الفتى، بمشهد آخر طبق الأصل في فيلم روزي “سلفاتوري جوليانو” بينما يختلف المعنى تماما بين المشهدين. ففي “سلفاتوري جوليانو” يساهم المشهد في تفجير الوعي بما حدث، أما هنا، فهو يكرّس السلبية والغموض، وهذا الفارق وحده كفيل بأن يجسّد لنا الفرق بين واقعية روزي في أفلامه السابقة، ورومانسيته في هذا الفيلم. ولكن لكل جواد كبوة.

العرب اللندنية في

15.03.2015

 
 

«بتوقيت القاهرة» .. مفاجأة سارة فى موسم سينمائى قوى

محمود عبدالشكور

كان فيلم «بتوقيت القاهرة» من تأليف وإخراج أمير رمسيس أحد الأفلام التى رشحتها للمشاهدة فى عام 2015 رغم أننى لم أكن قد شاهدته بعد، اعتمدت فى الترشيح على عودة عدة نجوم للمشاركة بحماس فى عمل سينمائى، أتحدث تحديدا عن نور الشريف وميرفت أمين وسمير صبرى، كما اعتمدت على موهبة مخرجه الذى عاد إلى السينما، بعد تجارب روائية مضطربة، من نافذة السينما الوثائقية، فقدم لنا جزءين من فيلم بعنوان «عن يهود مصر». بعد مشاهدة «بتوقيت القاهرة» أصبحت أكثر حماسا لكى أدعوكم حتى تتفاعلون مع أحد أفضل أفلام الموسم الجديد القوى، يرسم الفيلم ملامح شخصيات مكتملة تحاول أن تكتشف نفسها وأن تكتشف الآخر، ويدين الفيلم التعصب والخوف وانعدام المشاعر الإنسانية، ويقدم تحية عذبة لفن السينما والغناء، الفيلم بأكمله أهداه أمير رمسيس للغائبة الحاضرة دائما شادية.
لدينا ثلاثة خطوط درامية، وثلاثة قصص نكتشف فى النهاية أنها يمكن أن تتقاطع، تمثل القصص رحلات بحث بين الإسكندرية والقاهرة، وزمن الأحداث يوم واحد فقط، فى القصة الأولى يهرب مريض الزهايمر (نور الشريف) من البيت تحت وطأة إساءة معاملة ابنه له، وجريا وراء حلم بأن يعرف صاحبة صورة لا يتذكر عنها سوى أنها لعبت دورا مهمًا فى حياته، تقوده المصادفة لكى يلتقى بشاب يقوم بترويج المخدرات (شريف رمزى)، هارب هو أيضا من مطاردة العصابة التى يعمل معها، بعد أن ترك حقيبة المخدرات خوفا من كمين الشرطة، القصة الثانية عن ممثلة معتزلة (ميرفت أمين) تلجأ إلى صديقها الممثل المعتزل (سمير صبرى) لسبب عجيب، إنها تريد منه أن يطلقها لأنها ظهرت معه كزوجة فى بعض الأفلام، الممثلة تعتقد بناء على رأى خطيبها الجديد المتزمت دينيا أن زواج التمثيل حقيقة، عبثا يقنعها الممثل بخطأ رأيها، خاصة أنه أصلا مسيحى، ولكن بلا جدوى، أما القصة الثالثة فهى عن شاب (كريم قاسم) يحاول أن ينفرد بحبيبته (آيتن عامر) فى شقة صديقه، ولكنها تعانى من قلق ومخاوف بلا حدود نتيجة تحذيرات أسرتها، وصراعها بين ما تربّت عليه، وبين ما تريده، كل نموذج يبحث ثم يكتشف نفسه، والحكايات تتقاطع فى النهاية، فالفتاة التى تلعب دورها آيتن عامر سنكتشف أنها ابنة الممثلة المعتزلة ، ومريض الزهايمر سيتعرف على حبيبة العمر ، وهى أيضا الممثلة المعتزلة. هناك أداء رفيع المستوى من معظم الممثلين بالذات نور الشريف وسمير صبرى فى اثنين من أفضل أدوراهما، كما تميز شريف رمزى وكذلك آيتن عامر فى دورهما الصعب، وقدمت كندة علوش دورا مختلفا رغم مشاهدها القليلة. «بتوقيت القاهرة» فيلم سيعيش طويلا فى ذاكرة السينما المصرية، ذلك أنه يشهد على سخافات عصره، ويدينها، ويسخر بذكاء من التزمت وانعدام المشاعر والأحاسيس.

«مصر قريبة»..هل يعيد فن الأوبريت الغنائى؟!

مروة علاء الدين

أثار الأوبريت الغنائى «مصر قريبة» إعجاب الكثيرين، فيما هاجمه آخرون..فهل يعيد هذا العمل فن الأوبريت من جديد، أم أنه يرتبط فقط بالمناسبة التى صنع من أجلها؟

وتعتمد فكرة الاوبريت على وصول مواطن خليجى لمصر والترحيب الذى يلقاه، حيث يقوم فنان مصرى بدور كل النوعيات التى من المحتمل أن يقابلها المواطن الخليجى .

«مصر قريبة» من كلمات نصر الدين ناجى لحن وتوزيع أحمد فرحات، إخراج تامر مهدى، وقد شارك بالغناء فيه كل من (محمد منير - أنغام - بندر سعد - فايز السعيد - بلقيس - نوال) ومن المشاركين فيه كضيوف شرف (محمد هنيدى، ويوسف الشريف، ولطفى لبيب، وشريف منير عمرو يوسف وحسن الرداد، وسوسن بدر، وماجد المصرى، وكندة علوش، وصلاح عبد الله، وصبرى عبد المنعم).

والأوبريت، حقق حين تم طرحه على الانترنت أكثر من ربع مليون مشاهدة فى 12 ساعة فقط.

فى البداية يجيب هيثم الحضرمى، وهو موسيقى يمنى مقيم فى مصر عن السؤال فيقول: «الاوبريت جميل ورائع وخاصة عندما يغنى الفنانون الخليجون لونا خليجيا بحتًا، واللحن رائع والتحول من الجو المصرى للخليجى كان رائعا ومدروسا».

ويضيف الحضرمى:«العمل كان عظيما من الناحية السياسية، لأنه يحاول استعادة التلاحم العربى من جديد، بعد التمزق الذى حدث بسبب ثورات الربيع العربى، ويذكرنا بالأوبريت الخالد «الحلم العربى» والذى تم تقديمه منذ سنوات، من ألحان الموسيقار حلمى بكر وتوزيع حميد الشاعرى، وكلمات الدكتور مدحت العدل، وغناء عدد من نجوم ونجمات الغناء العرب».

وأكد الموسيقى اليمنى أن الأوبريت الجديد يوطد العلاقة بين الشعوب العربية، ويبرز جمال شوارع مصر، متمنيا ان يكون اهتمام الفن بتكريس الحب بين الشعوب, وأن يقدم رسالة سلام ويسهم فى عودة الانتماء والحب بين العرب.

من جانبها، أشادت الفنانة وفاء سالم بالاوبريت.. ووصفته بأنه عمل فنى رائع على كل المستويات، مؤكدة أن جميع من شاركوا فى ذلك الأوبريت يستحقون التحية والثناء فهو انتاج مشرف لايهدف للرخص بل للارتقاء بالذوق العام .

اما عن الانتقادات التى وجهت للعمل فأوضحت أن الرد على تلك الانتقادات الفارغة يكون بأعمال قوية تؤكد على دور مصر الحضارى والسياحى .

أما بهاء طلبة، وهو موسيقى وعضو فرقة الورشة المسرحية، فيعترض على الأماكن التى تم اختيارها لتصوير الأوبريت، قائلاً: عندى سؤال مهم .. هو احنا مبقاش عندنا آثار ؟!.. وهل السياحة فى مصر مجرد قهاوى ومراكب على النيل وموتوسيكلات وبنات تبيع الورود؟».

وقال طلبة إن مصر بها العديد من الأماكن الجميلة بخلاف العاصمة والنيل فهناك ( النوبة وأسوان والأقصر وأماكن أخرى كثير رائعة، وآثارنا متنوعة ومختلفة وهذا هو سر تميزنا عن الآخرين . 

أما عن كلمات الأوبريت، فيرى أن كلماته تتكرر واوبريت بهذا الحجم كان يلزم أن تتم كتابته بطريقة محترفة اكتر من ذلك، لافتاً إلى أن موسيقى الأوبريت ليس لها علاقة بمصر والموسيقى الخليجى واضحة أكثر بكثير من الموسيقى المصرية.

مجانين الفن..أطباء وأساتذة جامعة ومديرة بنك

محمد رفعت

مغناطيس الفن يجذب الموهوبين من كل مجال، فيتركون مراكزهم المرموقة من أجل سحر الوقوف أمام الكاميرا، وبعضهم كانوا مسئولين وأطباء كبار والكثير منهم يحمل درجة الدكتوراة، ومن أحدث أصحاب المناصب اللاحقين بقطار الفن السريع، الممثلة ومديرة البنك السابقة ليلى عز العرب، والتى تألقت واشتهرت مؤخرا وبرزت فى العديد من الأدوار فى رمضان الماضى، وخاصة دورها فى مسلسل «سجن النساء» والجزء الرابع من مسلسل «الكبير أوى»، بعد أن كانت قد قدمت فى رمضان قبل الماضى دوراً مميزاً فى مسلسل «رقم مجهول»، ودور صغير فى مسلسل حكايات بنات، ودور السيدة المسنة المزعجة فى سيت كوم «لسه بدرى» مع دلال عبد العزيز، وانعام سالوسة.

وليلى حاصلة على درجة الدكتوراة فى الاقتصاد، وكانت قد حصلت على الثانوية العامة وهى فى الــ12 من عمرها، وحصلت على بكالوريوس التجارة عندما اتمت الــ16 عامًا، وطلبت من والدها أن تقدم فى التليفزيون أو الإذاعة حتى تصبح مذيعة فى الراديو أو التليفزيون ولكنه رفض بحجة أنها لا تليق، وقدم لها فى بنك القاهرة فعملت به ثم عملت فى سيتى بنك، وبنك الدلتا ووصلت إلى منصب مساعد مدير البنك، وانتقلت إلى تمثيل مجموعة من البنوك اللبنانية، وعندما شعرت أنها لا تقوى على فراق التمثيل أكثر من ذلك سوت معاشا مبكرا، وذهبت إلى قصر السينما لتتلقى دورات تدريبية فى التمثيل.

مثلت عدة أدوار صغيرة فى فيلم «اسكندرية نيويورك»، «معالى الوزير»، وحصلت على أول دور كبير لها فى «1000 مبروك» مع أحمد حلمى فلاحظها الجمهور وأعجب بدورها حيث قدمت دور أم البطل، الأم المحبة لأبنائها التى تخفى مرضها عنهم، كما اشاد النقاد بطريقة تقديمها للدور، وقدمت أيضا دور أم أحمد مكى فى مسلسل الكبير و توالت عليها الأعمال الدرامية، حتى إنها الآن تقدم اعلانات تجارية لأحدى منتجات العصائر.

ومن مجانين الفن أيضاً الفنان الكوميدى الراحل فؤاد راتب الشهير بلقب «الخواجة بيجو» ، والذى بدأ مشوار الشهرة عن طريق التحاقه بالإذاعة على يد الإذاعى حسين فياض الذى فتح له باب النجومية من خلال بابا شارو عام 1943م وهو لا يتجاوز السابعة من عمره، كما قدم على مسرح الريحانى العديد من الأعمال منها مسرحية ذات البيجامة الحمراء وآه من الستات وما كان من الأول.

جاءت الانطلاقة الحقيقية لـ «فؤاد راتب» عام 1952م من خلال المسلسل الإذاعى «ساعة لقلبك» الذى كون به ثنائياً كوميدياً ناجحاً مع الفنان محمد أحمد المصرى المعروف بـ «أبو لمعة»، واستطاع أن يحجز مكانه وسط عمالقة المسلسل من خلال تقديمه لشخصية «الخواجة بيجو» التى ظل يقدمها حوالى 20 عاماً بعد ذلك فى الكثير من الأعمال.

أما الجراح الشهير الراحل الدكتور سمير الملا، فقد كان يعمل أستاذا لجراحة المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة عين شمس، وفاقت شهرته فى مجال الطب بكثير شهرته فى مجال التمثيل ومع ذلك كان حريصاً على أداء الأدوار المساعدة التى بدأها فى مجال التمثيل على مستوى الاحتراف بدور «تادرس أفندى» فى مسرحية «الدنيا على كف عفريت» على مسرح الريحانى عام 1952.

ثم توالت الأدوار الصغيرة التى أداها فى الأعمال التليفزيونية «مبروك جالك ولد» و«مخلوق اسمه المرأة» و«رأفت الهجان» وفيلمى «لا تبكى يا حبيب العمر» و«الإرهاب». وكان معظم الفنانين يلجأون إليه عندما يقومون بشخصية الأطباء أو المرضى على حد سواء. 

د.رضا عبد الجواد-أيضاً-يجمع بين عمله فى التمثيل وعمله كأستاذ تخدير بكلية الطب جامعة عين شمس وهو يؤكد أن الفن هواية لم يستطع التخلص منها منذ أن بدأ يمارسها أثناء دراسته الجامعية، وفى معظم الأعمال التى شارك فيها أدى دور الطبيب كما حدث فى الفيلم التليفزيونى «مبروك جالك ولد» وفيلم «أيوب» أمام عمر الشريف وآثار الحكيم ولكنه يعتز أكثر بدور الخادم الذى أداه أمام الراحل رشدى أباظة فى فيلم «الحب قبل الخبز أحياناً».

وقد اشتهر الفنان الراحل د.سيد عبد الكريم، وكان أستاذاً بكلية الزراعة بجامعة بنها، بأداء شخصية ابن البلد فى العديد من الأعمال الفنية، وأشهرها دوره فى مسلسل ليالى الحلمية، والذى جسد فيه شخصية «زينهم السماحي» أجمل وأشهر أدواره على الإطلاق، وبعد حصوله على الدكتوراة من ألمانيا عام 1967 عاد الفنان الراحل ليلتحق بمعهد السينما ويمارس التمثيل فى مسلسلات التليفزيون :«النصيب» و«الوجه الآخر» و«أحلام الفتى الطائر» و«أبواب المدينة» و«الشهد والدموع» و«حارة الشرفاء» و«ليالى الحلمية» و«السبنسة».

برامـــج «التوك شو» ترجع إلى الخلف

يبدو أن حالة الإفلاس التى تعانى منها برامج «التوك شو» السياسية فى القنوات الفضائية قد دفعها إلى البحث عن أحداث تافهة وتضخيمها وتحويلها إلى قضايا ساخنة، لعلها تعيد لها مكانتها وتعيد إليها المشاهدين الذين هجروها بسبب التكرار والمبالغة والتهويل فى عرض الأحداث، وعدم الموضوعية فى النقد والتحليل.

ومنذ أن تحول بعض مقدمى هذه النوعية من البرامج من محاورين تليفزيونيين إلى محللين سياسيين ومحرضين جماهيرين ومعلقين على كل الأحداث المحلية والدولية بدون دراية أو علم، خسرت برامجهم قاعدتها الجماهيرية، بسبب أنحياز مقدميها لوجهات نظر تخصهم، أو تخص أصحاب تلك القنوات وتخدم مصالحهم وتوجهاتهم، وهو ما دفع البعض منهم إلى الابتعاد عن السياسة مثل منى الشاذلى، وأجبر آخرين على استضافة فنانين وراقصات ولاعبى كرة قدم، على أمل جذب المشاهدين من جديد والعودة إلى بؤرة اهتمام الناس.

وكما كان معظم مقدمى برامج «التوك شو» يبالغون فى عرض القضايا السياسية، فقد لجأوا إلى نفس نزعة - التسخين - فى معالجتهم للقضايا الأخرى، ومنها على سبيل المثال موضوع ترشح الفنانة الاستعراضية سما المصرى لمجلس النواب، الذى تأجلت انتخاباته، بحكم قضائى.

ورأى البعض فى استضافة الإعلامى وائل الأبراشى لها نوعًا من الدعاية للفنانة المثيرة للجدل بسبب «كليباتها» وملابسها الجريئة، وحلقته مع الراقصة الأجنبية صوفينار بمناسبة قرار ترحيلها من مصر.

والحقيقة أن الانتقادات التى توجه للإبراشى لا تقارن على الإطلاق بحمله السخرية التى يطلقها نشطاء الفيس بوك مع كل تقليعة جديدة يظهر بها جابر القرموطى فى برنامجه «مانشيت» وأطرفها التحذير من ظهوره داخل الاستوديو وهو يقود طائرة «فانتوم»، تعليقًا على الضربة الجوية المصرية لعصابة «داعش».

ورغم أن مقدمى برامج «التوك شو» قد فعلوا كل شىء، بداية من الصراخ، واللعب على وتر الوطنية أحيانًا، واستدرار عطف الناس كثيرًا من خلال استضافة الضحايا وأهالى الشهداء، وحتى الوصول إلى مرحلة «مهرج» السيرك أو «المونولوجيست»، إلا أن نسب مشاهدة برامجهم فى تراجع مستمر، ولا سبيل أمامهم لوقف ذلك التراجع المستمر فى الاهتمام الجماهيرى بهم وببرامجهم سوى العودة إلى المصداقية والموضوعية والتوقف عن لعب دور المحرض وقائد الرأى!

أكتوبر المصرية في

15.03.2015

 
 

'شيفرة المصدر' فيلم يعيد إنتاج الزمن لتغيير المصير

العرب/ طاهر علوان

مخرج فيلم 'شيفرة المصدر' دوكان جونز ينجح في تقديم عمل يتسم بغزارة البناء والموضوع ودقة المعالجة وتميّز المونتاج والموسيقى فضلا عن أداء الممثلين.

بروكسل- سيبقى تحدّي “الزمن” شغلا شاغلا وموضوعا أثيرا في العديد من المعالجات السينمائية الحديثة، تجارب عديدة صارت تحفر عميقا في ظاهرة الزمن وانعكاسها من خلال السرد الفيلمي، رسم شخصيات تطارد الزمان الذي يحيط بها أو تحاول فهمه على طريقتها أو الغوص فيه، من خلال إعادة تشكيل الإحساس به، وكيف يغير مصائر الشخصيات ويغيّر الوقائع ويترك بصمته على كل شيء.

فيلم “شيفرة المصدر” للمخرج دوكان جونز، يقدّم للمشاهد انتقالا وتنويعا ملفتا في السرد الفيلمي، قوامه شخصيات يجري الانتقال بها عبر محطات زمنية متعددة لغرض تغيير المقادير والأحداث.

كولتر ستيفنس (الممثل جيك غيلينهال) الطيار السابق في الجيش الأميركي الذي سبق وخدم في مهامّ قتالية في أفغانستان، ها هو يجد نفسه على متن قطار في رحلة داخلية إلى ولاية شيكاغو الأميركية، وتجلس قبالته فتاة تحادثه وهي كرستينا (الممثلة ميشيل موناغهان).

تمرّ أمامه سلسلة أحداث غريبة، ويدور نقاش مرتبك مع كرستينا التي كأنه يعرفها ولا يعرفها، فهي مجرّد فتاة صادفها في القطار، وتبادلا الأفكار، وما هي إلاّ دقائق حتى يعصف بذلك القطار انفجار هائل، ليجد كولتر نفسه في مكان مغلق، وأمامه شاشات وثمة امرأة من الاستخبارات الجوية تتحدث إليه عبر تلك الشاشات وتخبره أن مهمته لم تنته، وأن عليه القيام بمهمة إيجاد الشخص الذي قام بوضع المتفجرات في القطار والحيلولة دون وقوع مزيد من الضحايا.

تحوّل ملفت للنظر، لا يلبث أن يتكرر في إعادة نقل الأحداث وإعادة رواياتها بأشكال مختلفة كلما تمّ نقل كولتر إلى الزمن الأسبق أو الآتي. وقائع بسيطة تثبت أنه يعيد صياغة الزمن بشكل آخر، مثلا: المرأة التي تمرّ وتسكب القهوة على حذائه، مفتش التذاكر وهو يطلب تذكرته، ذهابه إلى دورة المياه بحثا عن مكان إخفاء القنبلة، الطريقة الساذجة في محاولة قراءة الوجوه بحثا عن مجرم محتمل ومشتبه به بأنه هو الذي زرع القنبلة.

والفكرة تقوم على تجارب يجريها عالم أميركي هو الدكتور روتليدج (الممثل جيفري رايت)، من خلال استثمار الثماني دقائق الأخيرة قبل موت الدماغ بسبب موت الإنسان، وخلال تلك الدقائق الثماني يتمّ إدخال شخص آخر على النظام والخط الزمني للإنسان الذي هو على وشك الموت.

لفكرة تقوم على تجارب يجريها عالم أميركي هو الدكتور روتليدج (الممثل جيفري رايت)، من خلال استثمار الثماني دقائق الأخيرة قبل موت الدماغ

وبموجب هذه الطريقة يتمّ زج كولتر في تلك الدائرة الزمنية الافتراضية، والتي من خلالها سيقوم بعدة محاولات لغرض الحيلولـــة دون وقوع العمل الإرهابي المجهول.

في الرحلة الأولى سيعثر على المواد المتفجرة، ولكنه سيتلقى أمرا بتركها، وفي الرحلة الثانية عبر الزمن سينجو هو وكرستينا، لأنه يصرّ على أن ينزلا في محطة تقع قبل المحطة المقصودة لغرض التفجير.

وفي الرحلة الثالثة يقوم بملاحقة الشخص الخطإ وضربه وتفتيشه، ليسقط كولتر على سكة القطار فيتعرض للدهس، ثم ليعاد في رحلة رابعة يستطيع من خلالها العثور على المتفجرات، ومعرفة الإرهابي الذي يخبئ مواد أكثر فتكا وتدميرا على متن شاحنة صغيرة، وليقوم الإرهابي بتصفية كولتر وكرستينا.

هنا سنكون أمام منعرج ينجح من خلاله كولتر في الحيلولة دون وقوع العمل الإرهابي، ويكون برنامج الدكتور روتليدج قد نجح، وأن بالإمكان الغوص في الزمن وقلبه وتحويله والولوج إلى حياة شخصية أخرى، والدخول على خطها أو في مدارها الزمني، وهي مواصفات توفّرت في شخصية كولتر دون غيره.

بعد النجاح في الإمساك بالإرهابي يكون البرنامج قد انتهى، ولهذا يأمر الدكتور روتليدج مساعدته بمسح وإلغاء البرنامج بالكامل، لأن المهمة قد تمّت بنجاح رغم سقوط عشرات الضحايا.

ممّا لا شك فيه أن بنية الفيلم وسرده الروائي يقدّمان لنا حصيلة غزيرة من ناحية الإحساس بعنصر الزمن في التجارب الحديثة

ومع ذلك يبقى الأهم هو النجاح في الإمساك بالإرهابي، لكن كولتر يتوسّل المساعدة أن تعيده للمرة الأخيرة من أجل إنقاذ ركاب القطار من جهة، وليتمكن من العودة إلى كرستينا من جهة ثانية، وبالفعل تستجيب له ويختتم رحلته الزمنية في مشهد مليء بالبهجة، حيث ركاب القطار يشاهدون ممثلا كوميديا يؤدّي مشهدا ممتعا، فيما كولتر وكرستينا يكونان معا مجدّدا.

ممّا لا شك فيه أن بنية الفيلم وسرده الروائي يقدّمان لنا حصيلة غزيرة من ناحية الإحساس بعنصر الزمن في التجارب الحديثة، فبالرغم من كثرة التجارب التي حاولت إعادة قراءة الزمن الفيلمي-السردي في مقابل التاريخ والزمن الحقيقي، إلاّ أن التجارب مستمرّة، وأكثر تشويقا.

ومن هذه التجارب هذا الفيلم الذي نجح فيه مخرجه في تقديم عمل يتسم بغزارة البناء والموضوع ودقة المعالجة وتميّز المونتاج والموسيقى، فضلا عن أداء الممثلين البارع وخاصة الممثل المتجدد جيك غيلينهال، حيث قدّم تنويعا أدائيا ملفتا ومؤثرا، لم تغب فيه خيالات وذكريات الأيام العصيبة التي قضاها في حرب أفغانستان، وصدمته بفقد أحد أعز أصدقائه هناك.

العرب اللندنية في

16.03.2015

 
 

سيرة "عراب العصر الالكتروني" في فيلمين سينمائيين

احمد ثامر جهاد

أسوة بالكتاب والفنانين تحظى سيّر المشاهير بجاذبية خاصة لمخرجي السينما. اذ شهد تاريخ السينما العالمية محاولات عدة، متفاوتة الجودة، لإنتاج ما يسمى بأفلام السيرة(بايوغرافي)، والتي لم يكن نجاحها متوقفا على شهرة الشخصية المتناولة أو المكانة التي شغلتها وحسب.

ذلك ان الشيء الأهم في السيرة التي يجري تحويلها إلى عمل سينمائي هو توفرها على قدر درامي وبعد انساني، يسوغان اختيار هذه الشخصية دون غيرها، ويسمحان باستثمار ثرائها في عمل فني. ويبدو ان السيرة الأيسر للنقل الى الشاشة هي تلك التي دونت بقلم صاحبها، على شكل مذكرات او سيرة فكرية أو فنية، تعرض لأهم محطات حياته وأعماله، سواء كان كاتبا روائيا او فنانا تشكيليا او شخصية سياسية وسواها. وهناك من يرى ان معظم المشاهير حول العالم يمتلكون الى حد ما، حيوات زاخرة بالتفاصيل والإثارة والمعاني الإنسانية. لكن هذا لن يعني بالضرورة ان عملية تحويل سير المشاهير الى اعمال سينمائية أمر مضمون النتائج، او ان النجاح حليفه دوما، لمجرد شهرة الشخصية وشعبيتها، فثمة مسألة فنية مهمة تتعلق برؤية المخرج لسيرة هذه الشخصية والكيفية التي من خلالها سوف يتم تقديمها سينمائيا

ما الذي سيتم التركيز عليه وما الذي يتوجب حذفه من دون التأثير في مجرى سرد الأحداث أو في رسم أبعاد الشخصية المتناولة؟ أية زاوية يُفضل اختيارها للبدء بسرد الحكاية السيّرية، أية فترة زمنية من حياة تلك الشخصية مناسبة أو كافية لإضاءة جل حياتها ومنجزها؟ ما الدور الذي لعبته الشخصيات الثانوية في صياغة مكانة الشخصية الرئيسة التي يجري تناولها، والى أي حد يجب ان يكون العمل السينمائي وفيا للتفاصيل التاريخية في سير المشاهير؟ وربما الاهم من ذلك كله، هل ان اختيار سيرة شخصية ما لتحويلها الى فيلم سينمائي هو فقط استجابة لدوافع تجارية، ام لنوازع فنية وثقافية أبعد من ذلك؟ اسئلة كثيرة تواجه صناع الافلام، وتلقي بظلالها على اعمالهم، وتحدد تاليا مستوى نجاح العمل السينمائي جماهيريا ونقديا

خلال التسعينيات أقدم مخرج بريطاني على معالجة جانب من حياة الشاعر الاكثر شهرة في بلده ت.اس.اليوت في فيلم سينمائي يتناول حقبة من حياته، لكنه مني بالفشل. ليس فقط لان ليس ثمة من يهتم لمشاهدة رجل انكليزي محافظ يمضي جل وقته في احتساء القهوة والثرثرة مع ثلة من العجائز المحبين للشعر، بل لان الفيلم ذاته افتقد الى الرؤية الحاذقة وكرس صورة نمطية عن الشخصية، ابعدته عما يمكن ان يكون مؤثرا في مسار حياتها ومواقفها وخيباتها ايضا. في الغضون لاقى فيلم المخرج الاسباني ماركوس زورنغا(اختفاء غارسيا لوركا-1996) اداء اندي غارسيا، نجاحا مأمولا بالنسبة لسيرة شاعر شكلت حياته دراما حقيقة اختتمت بمصرعه على ايدي الفاشيين الاسبان. ويمكن التذكير بعدد غير قليل من افلام السير التي نالت استحسان جمهور المشاهدين:فان كوخ، بيكاسو، مودلياني، تشي،كابوتي،فريدا كالوا، تاتشر-امراة حديدية،نيرودا-ساعي البريد،نيكسون...الخ

اجمالا ليست سير الشخصيات التي يتم تناولها هي وحدها من يحدد سبل نجاح نسخها السينمائية، وانما الجهد الذي يبذله السيناريست والمخرج وبقية طاقم العمل لتخليق هذه السيرة سينمائيا، واظهارها بمستوى ادائي وفني متميز.

اسانج: سيرة، إثارة، شهرة

ليس في الفيلمين السينمائيين الذين تصديا لسيرة مؤسس موقع ويكليكس، الاسترالي جوليان اسانج، الرجل الاكثر شهرة حول العالم حاليا، ما يفيد باننا ازاء شخصية درامية تصلح لان تكون مادة مميزة لفيلم سينمائي يسعى الى ان يجتذب الجمهور ويحقق نجاحا يذكر، لكن في المقابل نجد في حياة هذه الشخصية قدرا كبيرا من الاثارة والغموض والمغامرة واللعب الخطر مع الكبار، عبر كشفها المزيد من الوثائق والاسرار التي تدين دول وتفضح مؤسسات وشخصيات دولية متورطة في اعمال نهب وحروب وجرائم ضد الانسانية.

الفيلم الاسترالي الموسوم(Underground The Julian Assange Story-2012) للمخرج روبرت كونولي اكتفى-كما يشير عنوانه- بالوقوف عند حياة اسانج (الممثل اليكس ويليامز)،تحديدا في بدايات ظهور اهتمامه بالتقنيات واكتسابه مهارات التعاطي مع الحاسوب خلال فترة مراهقته. هذا الفيلم الحاصل على خمسة ترشيحات لدى عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، تناول الميول التي تولدت لدى عراب العصر الالكتروني "اسانج" في ظل ظروف من المعاناة النفسية، تعرض لها هو وعائلته واضطرته تاليا للرحيل خارج المدينة، بعيدا عن السلوك العنيف لزوج امه

في هذا الناحية يلمح الفيلم الى ان هناك لحظات زمنية فاصلة تشكل هوية الفرد وتترك اثرها على عقليته لترسم فيما بعد خريطة مستقبله. وشخصية اسانج مثلما بدت في الفيلم تشكلت في سياق هوسه بعالم الكومبيوتر وخباياه، وبراعته في التحكم به وتسخيره لاشباع فضوله وحماسه الذي يتخطى حدود هذه الآلة، وإن على نحو جعل مصادر معرفة الرجل وثقافته التي يستمد منها عزمه على تحدي السلطات، غير مقنعة للمشاهد، فهو بنظر البعض ليس اكثر من قرصان في زمن العولمة(هكرز) يسدد ضرباته بمهارة نحو خصومه، الى درجة ان مغامراته ستقوده لاحقا بمعية اثنين من اصدقائه الى افعال غير قانونية تنذر بعواقب جسيمة، كلما جرى العمل على اختراق موقع حساس او نشر وثائق رسمية. مع ان الحوادث التي يعرضها الفيلم تبدو بالنسبة لـ"اسانج" وكأنها رهان لعرض القدرات العقلية لمستخدمي الحاسوب قبل ظهور الانترنت، عبر ربطه بمودم يؤمن اجراء شبكة اتصالات تخرق انظمة امنية عالية المستوى في استراليا وامريكا ودول اخرى، وستؤدي في النهاية الى القبض على اسانج وايداعه السجن بعد نشره وثائق تعود للبنتاغون وتكشف عن اهداف وتحركات عسكرية امريكية ومواقع حساسة من المتوقع استهدافها في العراق عشية حرب الخليج الثانية

حفل الفيلم بالكثير من المبالغات، وتضمنت بعض مشاهده حيلا تقنية تحاول اقناع المتفرج بالقدرات فوق العادية لاسانج والتي تجعله قادرا على قطع التيار الكهربائي عن احد احياء مدينته بضغطة زر من كومبيوتره الشخصي لمجرد ابهار عشيقته بقوة مهاراته. تتوقف سيرة اسانج في هذا الفيلم عند القاء القبض عليه من قبل السلطات الاسترالية وايداعه السجن. لكن دعواه المتمردة ستظل مستمرة، ملهمة للاخرين ومقلقة في الوقت ذاته اصحاب النفوذ والسلطة

اما فيلم المخرج بيل كوندون الموسومThe Fifth Estate-2013)) الذي انتج بالتعاون بين شركتي "دريم ووركس" و"بارتيسيبان ميديا"  بكلفة بلغت نحو 30 مليون دولار، فلم يحصل خلال عرضه سوى على 4 مليون دولار، واعتبر فشلا ذريعا في تاريخ الشركة المنتجة، حتى ان صاحب ويكليكس صرح للصحافة، بان اخفاق الفيلم يعود لضعف فكرة السيناريو واعتماده على الكثر من التلفيقات المغرضة. لكن اسانج في المقابل ليس متعاونا مع صناع الافلام ولا يثق بحماسهم، وربما يكون محقا في رأيه هذا بالنظر لدوافع الشركات المنتجة التي لا تفكر ابعد من جني الارباح، وقد تكون النتيجة مماثلة لما حصل قبل سنوات مع فيلم(الشبكة الاجتماعية) للمخرج ديفيد فينشر والذي تناول حياة الشخصية الاكثر شهرة في العالم حينذاك، ونقصد مؤسس فيسبوك"مارك زاكربرغ". ربما كانت حياة اسانج مادة مثيرة لفيلم وثائقي، كان قد صنعه المخرج مارك ديفيز عام 2010 واسماه (Inside WikiLeaks).

يبدو اسانج في فيلم المخرج بيل كوندون بمثابة روبن هود عصره، يغامر بنفسه وبما يملك من عزم من اجل اظهار الحقيقة، التي تظل نسبيتها محل جدل هنا، فيحشد حول شخصه المؤثر المئات من المتطوعيين المجهوليين والموزعين في شتى بقاع العالم الذين يرسلون تقارير ووثائق خطيرة تكشف عن حقائق مختلفة لم يتعرفها الجمهور سابقا. يحزن اسانج لمقتل اثنين من اتباعه في كينيا ويتصرف بأبوية ثورية تجاه الآخرين، لاسيما مع اقرب معاونه(الالماني دانيال شميدت) لكنه في وقت اخر يبدو قادرا على التخلي ببساطة عن صديقه الالماني من اجل مبادئه الصارمة، ذلك بعد نشوب خلاف بينهما حول النقطة الحساسة في عمل ويكليكس، ونعني بها الحدود الاخلاقية لما تقوم به المنظمة، فقد يتسبب نشر بعض الوثائق بالحاق ضرر مباشر بحيوات العديد من الاشخاص. وهو ما حصل فعلا عام 2010 عقب نشر ويكليكس وثائق على مستوى من السرية عن المتعاونين مع اجهزة الاستخبارات الامريكية في بلدان عربية واجنبية عدة، مما جعل ذويهم عرضه للتصفية على يد جماعات مختلفة. حينها تبنى دانيال طرح السؤال الاهم في الفيلم، اذا كنا نعلم ان الامر سيؤول الى هذه النتيجة، هل علينا فعل ذلك حينها؟ ربما في هذه النقطة تحديدا يبدو انحياز الفيلم واضحا لموقف دانيال المعتدل، لاسيما ان الفيلم استند اساسا الى جزء من سيرته التي اصدرها بعد خروجه من ويكليكس عام 2010، السنة التي اثارت اكبر ردود فعل بعد نشر نحو 10 آلاف وثيقة عسكرية ودبلوماسية، تسببت بأكبر احراج دولي للولايات المتحدة ولطريقة تعاملها مع زعماء وسياسيين يعدون من بين اهم حلفائها. وكان من بين الحوداث التي فجرت غضبا امريكيا واسعا تجاه ويكيلكيس هو تسريبها فيديو يظهر استهداف عدد من المدنيين العراقيين العزل في احد ضواحي بغداد من قبل مروحيات عسكرية تابعة لشركة الحماية الامنية سيئة الذكر(بلاك ووتر)، فضلا عن حوادث اخرى مماثلة في افغانستان واليمن.

اسانج الذي ادى دوره ببراعة الممثل البريطاني (بنيديكت كامبرباتش) يعي اهمية وسائل المعلوماتية في صياغة عالم اليوم، يؤمن ان تقنية المعلومات هي امضى سلاح يمكن استخدامه بوجه جبروت القوى الكبرى التي باتت متحكمة بعقول ملايين الناس حول العالم. وكان المخرج الاسترالي روبرت كونولي قد المح الى عدم قناعة اسانج بجدوى المظاهرات والحراك الاجتماعي التقليدي لارغام السلطات على تبديل سياستها. لكن لغز الرجل الذي يتحرك بعزيمة لا تلين يبقى احجية لا يوافق الجميع على توصيفها الشائع واعتبارها محض بطولة فردية. وليس خافيا ان سلوك اسانج يجعله احيانا شخصية فريدة "ميتاواقعية" ترسم المستقبل في خضم الحاضر مهما كان الثمن باهضا. في المقابل فان شخصية اسانج كما ظهرت في عدد من مشاهد فيلم"السلطة الخامسة" تبدو اقرب الى شخصية رجل مافيا متغطرس، وغد من عصر العولمة يعرف ألاعيب خصومه ويعد الشجاعة معدية. خاصة وان المزيد من الاتباع اذا ما كنا ملهمين بدرجة لهم، سيقدمون على تخطي الخطوط الحمر، سيغامرون ويدلون بشهادتهم حول الحقيقة التي جرى تلفيقها من قبل السلطات في حوادث وازمات عدة،مثلما يرى صاحب ويكيليكس.        لا مجال للعواطف لدى اسانج، العمل على مشروع ويكليكس هو كل حياته التي بدت مكرسة لتحقيق العدالة ونشر المعلومات في فضاء تدوالي حر. لكن الرجل اللغز الذي ما زال حتى الان لاجئا في سفارة الاكوادور في احدى ضواحي لندن، رجل غموض دولي كما يوصف في الفيلم، لا يعترض على الجهات التي يمكن ان تكون حليفة له او ممولة لمشروعه، لكنه يختار افعاله ومجال تحركاته بذكاء محسوب. تعمد الفيلم ان يلمح الى ان اسانج رجل مهووس بالشهرة وبالصخب الذي يحققه عمله اكثر منه صاحب مشروع سياسي او ثوري

ربما تبدو بعض الجوانب في حياة اسانج اشد سرية وغموضا من الحوادث ذاتها التي يكشف للجمهور النقاب عن اسرارها عبر موقع ويكليكس، وربما يكون هذا الغموض هو نقطة الجذب التي جعلت مخرجين يتناولان حياة جوليان اسانج في فيلمين سينمائيين، كان نصيبهما من النجاح متفاوتا.

تاتو العراقية في

16.03.2015

 
 

«سبارتاكوس» لستانلي كوبريك: الفن السابع يتحدى الماكارثية

ابراهيم العريس

للوهلة الأولى قد يبدو فيلم «سبارتاكوس» وكأنه مجرد واحد آخر من تلك الأفلام التي كثر انتاجها في الخمسينات والستينات من القرن الفائت راوية حكايات أبطال رومانيين خارقين وسط ديكورات ضخمة ومشاهد مثيرة فيها جولات صراع وسط الحلبة، وسباقات عربات تجرها الأحصنة ومواقف غدر في كواليس القصور. وهو على أية حال، شوهد على هذا النحو حين عرض في عام 1960، حيث بالكاد اهتم أحد يومها بمعرفة اسم مخرجه، في مقابل ارتباط العمل باسم النجم كيرك دوغلاس الذي قام بالدور الرئيس في الفيلم. ولاحقاً في شكل تدريجي، ومنذ عمت شهرة ستانلي كوبريك بفضل فيلمه التالي «لوليتا» ثم «دكتور سترانجلاف» ومن بعده «2001 أوديسا الفضاء»، راح اسم كيرك دوغلاس يتقلص حين الحديث عن «سبارتاكوس» لتعلو أسهم اسم كوبريك كمخرج لهذا الفيلم. ومع هذا، حين ظهر دوغلاس على شاشة التلفزة البريطانية قبل سنوات من الآن ليتحدث عن «سبارتاكوس» بالكاد ذكر اسم كوبريك، ناسباً الى نفسه، كمنتج على الأقل، فضل وجود هذا الفيلم. وطبعاً لا يمكن لوم دوغلاس كثيراً في هذا الصدد فهو، على أي حال، ينتمي الى مدرسة هوليوودية ترى في المنتج وحده دون سواه من العاملين خلف الكاميرا، سيداً للفيلم، وفي المخرج مجرد تقني ينفذه. ثم ان فضل دوغلاس ونجوميته في ذلك الحين كان كبيراً ولسبب من الممكن القول ان لا علاقة له بالفيلم نفسه. فالحكاية ان اسم ستانلي كوبريك كان في ذلك الحين يثير فزع اليمين الأميركي الخارج لتوه من مرحلة الماكارثية، اضافة الى ان كاتب السيناريو دالتون ترامبو، كان من اليساريين الذين حظرت الماكارثية التعاون معهم، ما كان يمنعه من وضع اسمه على عناوين الفيلم. لكن دوغلاس ساهم في خرق ذلك المحظور، حتى وان لم يكن على الأرجح، دارياً بالمحمول السياسي الحقيقي لفيلم «سبارتاكوس». والغريب ان هذا الاستنتاج ينطبق كذلك على فيلم آخر، كان دوغلاس أنتجه وكوبريك حققه قبل «سبارتاكوس» مباشرة، وهو «دروب المجد». في هذا الأخير لعب دوغلاس دور ضابط فرنسي نزيه يقف ضد جبروت القيادة العسكرية، وضد قسوة الحرب في شكل عام خلال الحرب العالمية الأولى (ما أدى الى منع عرض الفيلم في فرنسا سنوات طويلة)، أما في «سبارتاكوس» فإنه لعب دور ذلك العبد الذي يقود واحدة من أولى الثورات الطبقية في التاريخ، أيام الامبراطورية الرومانية. ونحن نعرف، منذ بدايات القرن العشرين، أن «سبارتاكوس» استخدم دائماً من قبل الشيوعيين رمزاً لنضالهم، بدءاً من روزا لوكسمبورغ الألمانية التي حمل تنظيمها اسم «سبارتاكوس» - من دون ان ننسى ان الشيوعيين الأرمن في لبنان أعطوا لتنظيمهم الشيوعي اسم «سبارتاكوس» ايضاً، وكان ذلك قبل ان يكتشفوا في حكاية طريفة ان ثمة حزباً شيوعياً في لبنان ويندمجوا فيه متخلين عن اسمهم! -. وفي عودة هنا الى حكاية فيلم «سبارتاكوس» لا بد من الإشارة الى ان من الواضح أن كيرك دوغلاس لم يأبه بهذا كله حتى وان لم يكن هو نفسه شيوعياً أو يسارياً.

> في الحديث التلفزيوني آنف الذكر، حين جيء أخيراً على ذكر اسم كوبريك، قال دوغلاس على أي حال أن رأيه في سبارتاكوس يمكن تلخيصه في أنه «كان انساناً عظيماً من دون أن يعرف هو ذلك». أما كاتب السيناريو فكان يريد تصويره كإنسان تاريخي عظيم، أراد تغيير الأمور جذرياً، في مقابل النتيجة التي صورها كوبريك وهي ان سبارتاكوس كان انساناً سيّره قدره وهزمه لأن الناس لا يستطيعون تبديل أي شيء. سبارتاكوس في نظر كوبريك كان مجرد جزء من آلة تشتغل بفعل الأقدار. فمن كان سبارتاكوس هذا؟

> انه، بحسب الفيلم، عبد جاء به التاجر الروماني باسياتوس من ليبيا، على رغم انه تراقي الأصل. وألحقه بمدرسة كابوفا للمصارعين حيث التقى فارينيا، العبدة الحسناء الآتية من بريتاني الفرنسية فوقع في غرامها. في تلك الأثناء يكون في زيارة المدرسة، بعد انتهاء سبارتاكوس من تدريباته، الجنرال ماركوس كرازوس الذي يعلن في المدرسة رغبته في أن يقوم قتال حتى الموت بين واحد من مصارعي المدرسة، والمصارع الحبشي الضخم درابا. ويتم اختيار سبارتاكوس لخوض ذلك الصراع. خلال المصارعة ينتصر درابا على سبارتاكوس بالفعل، لكنه يرفض أن يجهز عليه، بل انه يرتد على كرازوس محاولاً قتله، فيتمكن منه هذا الأخير ويقتله. وبعد حين يتمكن سبارتاكوس من الهرب مع رفاق له، ليتزعم ثورة عبيد تسعى الى الحرية. وعند بداية الثورة يتمكن العبيد من الانتصار على الجيش الروماني الذي يقوده الجنرال غلابروس، مساعد كرازوس وصديقه، واثر ذلك يقود قواته الى مواقع جبلية حصينة، سبقته اليها حبيبته فارينيا، وكذلك انطونينوس الذي كان خادماً شخصياً لكرازوس. واذ تضيق الكماشة من حول سبارتاكوس ورفاقه المحاصرين في الجبال، يقرر هذا الزعيم أن يخرج من ايطاليا ويتفق مع زعيم قراصنة يدعى تيغرانيس على أن يزوده بما يلزم من سفن. في تلك الأثناء يكون كرازوس في روما منتظراً فرصته للانقلاب والاستيلاء على السلطة، غير ان النبلاء بزعامة يوليوس قيصر يتصدون له. أما بالنسبة الى سبارتاكوس فإنه حين يصل مع قواته الى الشاطئ، يكتشف ان الرومان قد اشتروا زعيم القراصنة وحرضوه على عدم تزويد سبارتاكوس وصحبه بالسفن. وهكذا، يجد هؤلاء أنفسهم محاصرين بثلاثة جيوش رومانية يقودها كرازوس. وتكون النتيجة مذبحة للعبيد تسفر عن مقتل الألوف منهم. أما الناجون، ومن بينهم سبارتاكوس وانطونينوس، فإنهم يساقون أسرى الى روما كي يصلبوا عقاباً لهم. وعند الشاطئ نفسه يعثر كرازوس على فارينيا ورضيعها، ابن سبارتاكوس، فيأخذهما معه الى قصره. وهو حين يعجز عن اغوائها والسيطرة عليها، يحاول أن ينتقم من فشله هذا، بدفع سبارتاكوس وانطونينوس الى التصارع حتى يموت أحدهما، علماً أن الذي سينتصر سيكون الصلب مصيره في النهاية. وبالفعل سرعان ما تحل هذه النهاية: سبارتاكوس ينتصر على انطونينوس، ويُرفع على الصليب حيث يبدأ احتضاره الأليم والبطيء... أما فارينيا، فإنها - اذ يتمكن غراشوس من عتقها - تأتي الى المكان الذي صلب فيه حبيبها، حاملة ابنهما، فتريه له مؤكدة انه أصبح مواطناً رومانياً حراً... محققاً بذلك حلم الأب في نيل الحرية.

> كتب دالتون ترامبو - وكان كاتباً من الموضوعين على قائمة الماكارثيين السوداء والممنوعين من العمل في هوليوود - سيناريو هذا الفيلم انطلاقاً من رواية كان نشرها الكاتب هوارد فاست، الذي كان بدوره معروفاً بمواقفه التقدمية، ما جرّ عليه حملات الماكارثيين. غير أن ستانلي كوبريك عاد وتدخل كثيراً في مجريات الأحداث، ورسم سيكولوجية الشخصيات، وهو الأمر الذي وضعه على تجابه دائم، من ناحية مع ترامبو، ومن ناحية أخرى مع كيرك دوغلاس الذي كان يصر على أن يتسم الفيلم بسمات بطولية خارقة على النحو الذي يعطي شخصيته تميزاً في فيلم كان من اللافت فيه وجود عدد كبير جداً من الممثلين الكبار، الى جانبه، بدءاً من بيتر يوستينوف الذي كان الوحيد الذي حصل على جائزة أوسكار عن أدائه في الفيلم، وصولاً الى لورانس أوليفييه الذي كان يريد، أولاً، لعب دور سبارتاكوس ثم اكتفى بدور كرازوس، مروراً بطوني كورتس (انطونينوس) وتشارلز لوتون (غراشوس)، وجين سايمونز (فارينيا).

> اذا كان ستانلي كوبريك، ولفترة طويلة من مساره المهني قد آثر تناسي هذا الفيلم، أو اختصار أي حديث عنه، فإنه لاحقاً عاد اليه بكثرة معتبراً اياه واحداً من الأفلام التي يعتز بها. ولقد كان «سبارتاكوس» أول عمل تاريخي وبالألوان يحققه كوبريك، الذي سيعود الى تاريخ أحدث (القرن الثامن عشر في انكلترا) في فيلم لاحق هو «باري لندن»، هو الذي خاض في الكثير من الأنواع السينمائية: سينما الخيال العلمي، سينما الحرب، سينما استشراف المستقبل، سينما الرعب، وسينما العلاقات الجنسية والعاطفية، في فيلمه الأخير الذي عرض بعد رحيله «عيون مغمضة على اتساعها» واشتهر بكونه، على رغم قلة عدد أفلامه (13 فيلماً في نصف قرن)، واحداً من أعظم مبدعي الفن السابع على الإطلاق.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

16.03.2015

 
 

Wild :مشوار الـ 1100 ميل يبدأ بخطوة

ياسمين عادل – التقرير

لم تكن Cheryl Strayed تُدرك أن رحلتها التي قامت بها منذ عشرين عامًا ووثقتها مؤخرًا في سيرة ذاتية عام 2012 بعنوان “Wild: From Lost to Found on the Pacific Crest Trail”، ستُحدِث كل هذه الجلبة وتتحول إلى فيلم يُشيد به الجميع، تترشح عنه بطلته للأوسكار!

شيريل سترايد التي وصلت إلى الحضيض نفسيًا وجُسمانيًا عام 1995، هي الآن وبسبب كل ما حدث لها سابقًا واحدة من أشهر الكاتبات، حتى إن كتابيها القادمين بِيعت حقوق نشرهما مُقدمًا. والغريب أن “Wild ” ليس أول كتابات شيريل، حيث اعتادت كتابة عمود للنُصح بإحدى المجلات، كما قامت -من قبل- بنشر قصة شِبه سيرة ذاتية لها لاقت استحسانًا بالفعل، لكنها لم تلق مثل نجاح كتابها الحالي.

خَدَم الحظ شيريل حين تم كتابة نقد أدبي أشاد بكتابها بنيويورك تايمز، ثم اختارته أوبرا وينفري في نادي الكتب لقراءته ليصبح بعدها الأكثر مبيعًا، فتُباع منه 1.75 مليون نُسخة ويُترجم لـ32 لغة. ثم حين قرأته الممثلة (ريزويزرسبون) تأثرت به بشدة، وقررت تحويله لعمل سينمائي من إنتاجها وبطولتها رغم معرفتها أنها أبعد ما يكون عن خيال المُخرج في تصوره عن بطلة هذا الدور.

Wild فيلم إنتاج 2014، إخراج (Jean-Marc Vallée  جاين مارك فالي) حصد حتى الآن 8 جوائز، كما ترشحت عنه بطلتاه لجائزتي أوسكار، أحسن ممثلة وأحسن ممثلة مساعدة.

تدور أحداث الفيلم حول شيريل (ريز ويذرسبون Reese Witherspoon) ذات الـ26 عامًا حين تُقرر القيام برحلة بالبرية تقطع خلالها 1100 ميل سائرة على قدميها في صحراء موهافي إلى مكان على حدود ولاية أوريغون وواشنطن، يُعرف باسم”جسر الآلهة”، ليأخذنا الفيلم على مدار ساعتين هما عمر الرحلة على الشاشة لمُعايشة المَخاض الذي عادت منه شيريل للحياة.

يبدأ الفيلم بصوت أنفاس امرأة تتصاعد أثناء السَير، ومشهد من أقسى اللحظات التي مرَّت على البطلة حين تضطر لخلع حذائها بسبب انكسار أحد أظافرها وتُحاول التخلص منه بنفسها، قبل أن تُطلق صرخة يسقط على إثرها حذاؤها أسفل التَل.

تأخذنا البطلة معها برحلتها التي يتخللها الكثير من الفلاش باك، فنعرف مع الوقت قصتها والتي تحكي عن شيريل التي خرجت إلى الدنيا، وجدت أباها مُدمن كحوليات يُمارس العنف على والدتها التي لا تلبث أن تأخذ ولديها وترحل لتبدأ من جديد.

تنشأ شيريل مع أخيها وأمها في حياة فقيرة إلى حد ما، حيث تضطر للعمل هي ووالدتها لتوفير المال؛ إلا أن ذلك لا يمنعها من الاستمرار في دراستها حتى إن الأم نفسها تستكمل دراستها مع ابنتها ليلتحقا معًا بالجامعة، فجأة تكتشف الأم إصابتها بسرطان الرئة لتموت خلال شهرين وتترك ابنتها مُحطمة تمامًا شاعرة أن كل ما كانت تعيش لأجله قد ذهب دون رَجعَة.

تنهار شيريل نفسيًا على الرغم من كَونها مُتزوجة في ذاك الوقت من الرجل الذي تُحبه وتتبدَّل شخصيتها، فتنجرف نحو علاقات جنسية مُتعددة يُصاحبها إدمان الهيروين ما يتسبب في طلاقها لتستمر في طريقها نحو الهاوية. وبعد 4 سنوات من وفاة والدتها، تُقرر القيام بتلك الرحلة مُنفردةً عسى أن تعود لتصبح الفتاة التي أرادت أمها أن تراها عليها، تلك الرحلة التي غيرت حياة البطلة -للأبد- فيما بعد.

قد يبدو الفيلم مُشابهًا لأفلام كثيرة طرحت نفس فكرة الشخص الذي يبحث خلال رحلته وسط البرية عن إجابات لأسئلة تتوقف عليها اختياراته أو للتصالح مع أفعاله الماضية؛ إلا أن فيلم “Wild” انفَرَد بعدة عناصر أدت إلى نجاح الفيلم على رأسها القصة نفسها والتي تم كتابتها وعَرضها بشكل فريد بَيَّن -دون خجل- مُعاناة المرأة وتجاربها الحياتية المُختلفة حتى الجنسي منها، مُوضحًا أن كل اختياراتنا وأخطائنا بمثابة أحجار أساس تُبنَى عليها حياتنا لنصبح في النهاية ما نحن عليه.

وتُعد الرحلة البطل الرئيس بالفيلم والتي بالرغم من عدم احتوائها على مواقف مأساوية لجذب الجمهور أو تركيزها على مناظر طبيعية مُبهرة؛ إلا أنها استطاعت ابتلاع المُشاهد داخلها منذ اللحظة الأولى وحتى مشهد النهاية، وإن ظلت حافلة باللحظات المؤثرة التي نجح صُناع الفيلم بتوزيعها بحرفية داخل العَمل دون منح المُتفرج الشعور بتزاحمها أو إقحامها على الحكاية.

ولعل سِحر الرحلة يَكمُن بأنها لم تكن من مُنطلق الشفقة على الذات أو الشعور بالدونية ، كما لم تَكُن بقَصد استكشاف الروح الداخلية وإعادة زخرفتهاعن عمد، فعملية إعادة البناء حدثت بالصُدفة أثناء السَير، لتكتشف البطلة بالنهاية أن الأسئلة غير المُجابة قد تظل بلا إجابة، وأن النجاح يَنبُع من التصالح مع فكرة عدم معرفة الإجابة نفسها، وتَفَهُّم مواقف الذات للتمكُّن من تجاوز زَلَّاتها والمضي قدمًا من خلال رؤية كل ما هو جيد بداخلنا دون تركيز أنظارنا -فقط- على السلبيات.

العنصر الثاني لتميُّزالفيلم: الفلاش باك الذي يتخلل الحاضر من وقت لآخر ما كان مثاليًا للغاية؛ أولًا لتعريف الجمهور بأصل الحكاية، وثانيًا لتفسير تطور الشخصية الداخلي والمُتصاعد طوال الرحلة دون الحاجة لكثير من السَرد. كذلك جاءت الأحلام المُمتزجة بعالم الواقع مُثيرة ومؤثرة.

وهنا يأتي ذِكر السيناريو والحوار؛ إذ جرى العُرف بالسير الذاتية أن يكتبه الكاتب الأصلي؛ إلا أن في فيلمنا هذا قام بكتابته (Nick Hornby  نيك هورنبي) الذي وُفق كثيرًا على الرغم من أن أغلب الجُمل الحوارية نسائية داخلية تقوم بين البطلة ونفسها. جاء الحوار مُعبرًا ومُلهمًا دون أن يمنح المُتفرج الشعور بأن تلك المرأة التي تتحدث مع نفسها -على مدار 94 يومًا عُمر رحلتها- مجنونة.

كما تميز المُخرج سواء من خلال جودة التصوير وبراعة زوايا التقاط الصورة، فتتنوع المشاهد بين المساحات الرَحبَة في البرية -ما جاء تدريجيًا على مدار الفيلم وفقًا لاستكشاف البطلة لذاتها- والمساحات الضيقة خاصة في مشاهد الفلاش باك، أو من خلال الاهتمام بالتفاصيل ومنحها دور البطولة في بعض المشاهد كشنطة البطلة التي تُمثل حِملها المادي الواضح من أول الرحلة وعدم قُدرتها على التَكَيُف معها في البداية.

 وقد استطاع المُخرج دون أدنى شك أن يبرز أروع ما في ريزويذرسبون، مثلما نجح العام الماضي مع ماثيو ماكونهي بفيلم Dallas Buyers Club. ويُشيد المُخرج نفسه بأداء ريز قائلًا إنها اجتهدت كثيرًا ليخرج العمل بهذه الصورة حتى إنها كانت صاحبة فكرة التخلي عن مساحيق التجميل والظهور عارية بمشاهد التعاطي.

وعلينا ألا ننسى ذِكر الموسيقى التصويرية التي لعبت دورًا مؤثرًا في أكثر من مَشهد، وجاءت الأغنيات المُختارة شديدة الدِقة.

أما عن الأدوار الثانوية، فلا يُمكن إغفال الدور الرائع الذي قدمته (Laura Dern لورا ديرن) والأم التي كانت علاقتها بابنتها هي الوقود للرحلة وكافة الأحداث لتستحق الترَشُّح عنه للأوسكار بجدارة. أما باقي الأدوار فعلى قِصرها وعَدم تَمَيُز بعضها؛ إلا أنها كانت بمثابة فواصل بالفيلم لكسر حالته حتى لا يدور في إطار واحد.

وأخيرًا، دور البطولة والذي أراه هو الأنضج على طول رحلة ريز ويذرسبون الفنية، ما سيفتح لها أبوابًا جديدة نحو الأدوار الصعبة والمُركبة، حيث استطاعت من خلاله -بمنتهى المهارة- تجسيد مُختلَف المراحل العاطفية والداخلية التي مرت بها البطلة سواء في الماضي أو أثناء الرحلة.

 وتقول إنها كانت مُرشحة للعب دور البطولة بفيلم Gone Girl والذي هي أحد مُنتجيه أيضًا؛ إلا أن فيلم Wild  أسَرها منذ البداية فمنحته كل طاقتها ووقتها؛ إذ تراه يعرض الكثير من المواضيع المُهمة للجمهور عمومًا والنساء خصوصًا. على الرغم من المُخاطرة بتقديم مثل هذه النوعية من الأفلام غير المُعتادة من بطولة النساء.

ففي حقيقة الأمر، حتى في الدول الأجنبية المُتحررة، ليس من الشائع أن تخرج امرأة في رحلة كهذه وحدها دون أن تحتاج لمنح المُجتمع التفسيرات اللازمة على عكس الرجال. بالإضافة لأنها تعرض نموذجًا لامرأة تخلت عن حماية الرجل بإرادتها، للبحث عن ذاتها؛ بل والأكثر من هذا أن الفيلم ينتهي بتلك المرأة دون رجل، عائلة، نقود، أو فُرصة واضحة للحياة؛ إلا أن هذا لا يمنعها من أن تكون سعيدة وفخورة بنفسها شاعرةً بالنجاح.

 رُبما لهذا حرصت ريز على بعض التفاصيل التي ذكرناها سابقًا، ثم مُتابعة الفيلم أثناء تصنيعه دون الاكتفاء بالتمثيل أو الإنتاج لضمان خروجه على الصورة التي عاشتها الشخصية الحقيقية بالكتاب دون فَلترة أو تجميل.

وعلى الرغم من أن الفيلم يعرض كل أحداث الكتاب تقريبًا؛ إلا أنه يجعل المُشاهد راغبًا في مُطالعةالكتاب الأصلي، لمعرفة كافة التفاصيل والاستمتاع بالتوثيق الأدبي -الذي ظهر بعض منه بالفيلم-. كما أنه يُقحم المُتفرج في حالة نقاش مع الذات حول حياته الشخصية ومدى تحقيقه لأهدافه؛ بل ومدى إمكانية الخروج في رحلة كهذه للبحث والوصول قبل أن يتذكر-في حالتنا- أنه مواطنٌ عربي، فتنهار مثل تلك النوعية من الأحلام قبل حتى أن تبدأ.

التقرير الإلكترونية في

16.03.2015

 
 

«الليل» لمحمد ملص..

سينما الذاكرة

أن يُعرض «الليل» (1992، 125 د.) للمخرج السوري محمد ملص (مواليد القنيطرة، 30 تشرين الثاني 1945) بالتزامن مع «أيام بيروت السينمائية» التي تختتم دورتها الـ8 في 21 آذار 2015 بعرض الفيلم الأخير للمخرج نفسه «سلّم إلى دمشق»، يعني أن بيروت تحتفل، مجدّداً، بمخرج مختلف. الاختلاف نابعٌ من حساسية الصورة السينمائية في «الليل»، المنطوي على حكاية تجمع المخفيّ في قصص الذاكرة براهن مُشبع بتساؤلات معلّقة. يتأتى الاختلاف أيضاً من جمالية اللعبة الفنيّة، التي يُطوّرها ملص في «الليل»، بعد 8 أعوام على إنجازه أول فيلم روائي طويل له بعنوان «أحلام المدينة» (1986). تطوير يقول بجمالية لغة تبني حيويتها على ثنائية الذاكرة والرؤية، أو على مقاربة العام عبر عينيّ شاب يريد استعادة أبيه، ويبحث في المخفيّ عن ذاكرة لا يعرفها. يريد «لقاء» أبيه المحارب في فلسطين (1948)، كي يحطّم جدراناً تحول دون معرفته ماضيه، أو بعضه على الأقلّ. يعود محمد ملص إلى القنيطرة، كي يرسم ملامح هذا «الليل» الطالع من هزيمة العام 1967، لا ليبقى معلّقاً في نكسة الخراب، بل كي يُثبّت حكاية أب وعائلة وجماعة في جمالية صورة سينمائية، تلعب مع الأزمنة (يأتي الوالد المدفون في القنيطرة إليها في العام 1936)، وتتصادم مع التاريخ والواقع، وتساجل المعاني البهيّة للاشتغال السينمائي. والعودة في الزمن إلى أعوام ماضية يُشبه رحلة تنقيب في الخفايا، وحفرٍ في التواريخ والجغرافيا والروح أيضاً، كأن الشاب (ألا يُمكن اعتباره صوت المخرج وحضوره على شاشة السينما، كمرآة لانعكاس التداخل الجميل بين الذاتيّ والعام؟) ـ الساعي إلى المعرفة ـ يتوغّل في حكايا والدته بحثاً عن أب وصورته، وعن زمن وتفاصيله، وعن ذاكرة وأهوائها ومتاهاتها. فهذه رحلة بحث عن أب «مفقود» عبر ذاكرة أم حيّة، تجلس إلى ابنها الشغوف بالمعرفة ككاهن يعترف هو بماضيه وبما يعرفه، أو حتّى ككاهن يستمع لمن يأتيه فيساعده على التحرّر والتطهّر، عبر الاعتراف والبوح والمواجهة. كأن الأم تروي كي تستمع هي أيضاً. وكأن الابن يستمع كمن يعيد صوغ الرواية بحسّه وانفعاله وشغفه وارتباكه.

في رحلته هذه، يغوص الشاب في مرويات والدته، لكنه يتقدّم عليها في نبش هذا الماضي كي يُرمّم كل شيء، إذ يبدو الترميم أشبه باغتسالٍ من قسوة الجهل والعزلة. في حين أن محمد ملص يظهر، في فيلمه الروائي الطويل الثاني هذا، كمن يضع اللعبة السينمائية في المسافة الحقيقية للإبداع، منتشياً بجمالية الصورة في ملامسة غير المنظور، وببهاء الحبكة في مقاربتها المخفيّ.

(]) يُعرض «الليل» 6،30 مساء اليوم في «مترو المدينة» (الحمرا)، بدعوة من «نادي لكلّ الناس».

3 أفلام للمغربيّ هشام لعسري في «أيام بيروت السينمائية» الـ8..

عندما تكون الصورة في أجمل تجلّياتها الممكنة

نديم جرجوره

هشام لعسري في بيروت. المخرج المغربي في ضيافة «أيام بيروت السينمائية»، في دورتها الـ8 (12 ـ 21 آذار 2015)، حاملاً معه أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة: «النهاية» (2011)، و»هُمُ الكلاب» (2013)، و «البحر من ورائكم» (2014). يلتقي طلاباً ومهتمّين. يروي لهم شيئاً من عالمه السينمائي. يحاورهم. يستمع إليهم. لعلّه سيسألهم عمّا يرغبون في صنعه. يُقدّم أفلامه الثلاثة التي تُعتبر تفعيلاً للاختلاف الجذري، صورةً ومعالجة واشتغالات، عن مألوف العمل السينمائي. لديه قدرة على إثارة سجال، بعد إثارته صدمة المُشاهدة. لديه قوة الابتكار في رسم شخصية، وفي تصوير حالة، وفي سرد حكاية. الهامش لديه أهمّ من المتن. أو بالأحرى منبعٌ له. يقول عبر الصورة السينمائية ما يجول في خاطره ويشعر به. ينظر بعينيه إلى مدينة وأناس وواقع وتحوّلات، فيلجأ إلى الكاميرا كي يلتقط ما هو مخبّأ في المنظور إليه. يُفكّك سينمائياً ما هو مبطّن، ويدفع الواضح إلى تخوم عميقة تمزج غموض اللحظة البصرية بالتباس ارتباطها الفجّ بالواقع والتاريخ والذات. الفجاجة هنا صنوّ جمال صادم. والصدمة متأتية من تركيب سينمائي متماسك في صنعته، إذ يُمكن الذهاب إلى شيء من التطرّف البديع في القول إن أفلام هشام لعسري عصية على الخطأ البصري أو الدرامي، لشدّة ما فيها من تماسك يفي مقوّمات الصناعة السينمائية السوية حقوقها الفنية والتقنية والجمالية والدرامية والإنسانية.

نظرة إلى الأعماق

استضافة «أيام بيروت السينمائية» مخرجاً عربياً كهشام لعسري (مواليد الدار البيضاء، 13 نيسان 1977) دعوة إلى اكتشاف بهاء الصورة في غوصها عميقاً داخل التفاصيل والروح والانقلابات المدوّية التي يصطدم المرء بها. دعوة إلى «فُرجة» سينمائية جميلة ومُتعِبة، لأن أفلامه الثلاثة تأخذ مشاهديها في رحلات داخل أنفاق ومتاهات والتباسات وغموض، كي تضعه أمام نفسه من دون مرآة، دافعة إياه إلى تحليل ذاته عبر صنيعه السينمائي الجميل. يقول لعسري: «يعنيني من يبحث عن الفهم الصعب الذي يحتاج إلى الاستعداد الفكري». بالنسبة إليه، «كلّما كانت القصّة صعبة، بالنسبة إلى هذا الجمهور، زاد رضاه عن نفسه أكثر عند فهمه لها. هذا يُخالف الاتجاه السائد الآن تجاه السطحية والاستسهال». يقول: «أنا كمتفرّج أو كمخرج أفضّل دائماً الأفلام التي تعيش بشكل أفقي، وليس الأفلام التي تثير الضجّة والنجاح، ولكن تموت بسرعة» (سليمان الحقيوي، «العربي الجديد»، 8 شباط 2015). يُضيف، في حوار آخر، أن «الخيال والهرج» بالنسبة إليه «مهمّان جداً». يقول إن السينما «أداة تفكير، لكنها وسيلة عرض أيضاً. أحبّ كثيراً أن يضحك المُشاهدون أمام بعض اللقطات. حتى أن هناك أناساً يستنكرون أن يضحك آخرون أمام مشاهد معينة». لا ينسى أن «الفيلم هو، قبل كل شيء، عرض وليس بالضرورة أطروحة ثقيلة ومملة. قد يكون الفيلم أطروحة حين تتحقّق الكثافة السردية والنظرية. لكن، يمكن أن يكون الفيلم أيضاً عرضاً كامل الأوصاف، يحمل الناس معه، أو بالأحرى من يقدرون على الصعود، لأن الأفلام دائماً دعوة إلى الصعود، وفي بعض الأحيان، هناك من لا يلبّي الدعوة». (سعيد المزواري، «النهار»، 17 نيسان 2014).

3 أفلام تُطلق عروضها في 3 أعوام. «النهاية» أوّلها. لإنجازه، تطلّب عملاً دؤوباً وميدانياً لـ4 أعوام. بالأسود والأبيض. فيلمٌ صادم وقاس. شخصيات متوترة ومرتبكة. الشارع سيّد اللعبة. الأيام القليلة السابقة على رحيل الملك المغربي الحسن الثاني (23 تموز 1999) زمن السياق العام لأحداث وحالات. شخصيات تتصادم وتتجَاور. تبحث في أسفل المجتمع عن أبشع المخبّأ. عالم سفليّ؟ ربما. لكنه بالتأكيد عالمٌ مشحونٌ بكَمّ هائل من الغضب والعنف والقسوة. شخصيات غير متصالحة مع ذواتها، تريد خلاصاً غير موجود، وتبحث عن أفق ينغلق عليها. قوّة البطش في آلية التصوير تُحتَمل، إن تمكّن المُشاهد من استيعاب الفضاء المكتنز بضباب والتباس وهذيان وخراب.

مُتعة

بعض هذه المعالم حاضرٌ في «هُمُ الكلاب». العودة إلى أحداث ما يُعرف بـ «ثورة الخبز» في الدار البيضاء (20 حزيران 1981) حافزٌ لاستكشاف واقع الحال في المدينة نفسها، في زمن «الثورات العربية». مجهول (أداء رائع ومؤثّر للممثل المغربي حسن بديدا) يجد نفسه فجأة في مدينة لا يعرفها. 30 عاماً في السجن، وها هو الآن يبحث عن عائلته التي يظنّ أفرادها أنه هو من يريد الاختفاء، في حين أن حقيقة الأمر متمثّلةٌ بأن الشرطة تُلقي القبض عليه في تلك اللحظة أثناء ممارسته رياضة الهرولة. الصدفة تجمعه بفريق عمل تلفزيوني. المصوّر والإعلامي يرافقانه في رحلة الخراب الجديد هذه. كاميرا محمولة، وصُوَر مرتبكة، ولقطات تخطف الأنفاس: «منذ البداية، يجب التلاعب قليلاً بـ «كودات» السينما. يجب الاعتداء. لدينا ميل دائماً لإنجاز أفلام «رائعة» ولطيفة. لكن، هذه المرّة، الموضوع لا يحثّ على اللُطف. لرواية غضب شعب وأمم، يجب أن يكون سارد الراوية أكثر عدائيةً وانتهاكاً للمألوف والعادي من الموضوع نفسه» (سيغفريد فروستر، «Rfi ـ أصوات العالم»، 5 شباط 2014).

«البحر من ورائكم» يغوص، هو أيضاً، في عوالم هامشية. التنقيب في الهامشيّ أو المهمّش جزءٌ من لعبة السينما في اختراق المحجوب. يُسلّط ضوءاً على تعقيدات شخصياته عبر إيقاع تقليد موسيقي غنائي مغربي (H’dya)، القريب من فضاءات «العيد السوقيّ». يبحث في مِحَن طارق (الممثل المغربي الجميل في دوره هذا مالك أخميس)، «الذي يعكس الحدّ الفاصل بين الفحولة والمثليّة الجنسية، وبين الفحولة والخنوثة». يُضيف لعسري: «إنها مأساة رجل لم يكن يوماً كما يُفكّر به الآخرون. ليس لأنه يرتدي زيّاً نسائياً يُصبح مثليّ الجنس. هذه مهنته. لكن، من أجل هذا، يتألّم بسبب الفصل العنيف الذي يصنعه الآخرون عليه، خصوصاً من قِبَل إحدى الشخصيات التي تعتدي على امرأته وأولاده وبيته» (أناييس لوفِبور، «آل هافينغتون بوست» المغربية، 28 كانون الثاني 2015). يعمل طارق ضمن فرقة «سيرك» متجوّل. يرقص من أجل المال في أعياد وحفلات زواج، لكنه يبحث عن أجوبة تبدو معلّقة في المجهول. الفرقة نفسها مؤلّفة من هامشيين، كأنهم مثله يبحثون عن مغزى أو تفسير أو جواب.

هذا اختصار تفاصيل عديدة يُتقن هشام لعســــري التقاطها وبثّها في أفلام مثيرة لمتعة المُشاهدة وجمالية النـــــقاش. حكايات مستلّة من وقائع العيش على الحوافي الخطــــرة للخراب والموت والتمزّق، أو في داخلها. سرد سينمائي يضع الصورة في أجمل تجليّاتها الممكنة، ويُقدّم الحبكة في أبهى لقطاتها السينمائية.

برنامج العروض

ـ «النهاية» (105 د.): يُعرض 9،30 صباح اليوم الاثنين 16/ 3، في «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (سن الفيل)، يلي العرض ندوة مع المخرج بإدارة أنطوان خليفة.

ـ «البحر من ورائكم» (88 د.): 9،30 مساء اليوم الاثنين 16/ 3، في «متروبوليس» (مركز صوفيل، الأشرفية).

ـ «هُمُ الكلاب» (85 د.): 4 بعد ظهر السبت 21/ 3، في «متروبوليس» (مركز صوفيل، الأشرفية).

محمد وفيق..  في معنى الأداء التمثيلي وحماسته

نديم جرجوره

مسلسلان اثنان كفيلان بجعله صورة تلفزيونية معروفة لدى كثيرين. لكن السينما اتّخذته وجهاً من وجوهها في أفلام يذهب صانعوها إلى «نجوم» الصفّ الأول، مع أن غالبية ممثلي الأدوار الثانية والثالثة في السينما المصريَّة تحديداً «تفوّقوا» مراراً على أولئك المتربّعين على «عرش النجومية». الأدوار المُساعِدة، كما تُسمَّى، تتقدّم أحياناً على الأدوار الأساسية، إذ يُبدع مؤدّوها في تلبية متطلّبات شخصياتها بما يتجاوز براعة اللاعبين الأساسيين في التمثيل. الأدوار الـ «تابعة» لـ «نجوم» الصفّ الأول لم تكن مجرّد وظيفة، لأنها ـ بالنسبة إلى البعض ـ حيّزاً لإشهار براعة الأداء كـ «سنِّيد» لا يُتَخَلّى عنه أبداً.

محمد وفيق (24 أيلول 1947 ـ 14 آذار 2015) أحد هؤلاء البارعين في ممارسة أفضل طقوس التمثيل في الأدوار اللاحقة لـ «نجومية» الصف الأول. برحيله قبل يومين عن 68 عاماً، يُعاد طرح سؤال «تأدية الأدوار الثانية» في السينما والتلفزيون. بهذا، يُمكن استعادة دورين تلفزيونيين بارزين في مسيرته التمثيلية: ضابط المخابرات المصرية عزيز الجبالي في «رأفت الهجّان» (تأليف: صالح مرسي، إخراج: يحيى العلمي، 3 أجزاء بدءاً من العام 1987)، ومصطفى رفعت في «ليالي الحلمية» (تأليف: أسامة أنور عكاشة، إخراج: إسماعيل عبد الحافظ، 5 أجزاء بين العامين 1987 و1995). في الشخصيّة الأولى، يتحوّل الضابط بفضله إلى إنسان يثير حماسة التعاطف والتواصل مع من يقود عملية تجنيد أحد أهمّ الجواسيس المصريين في إسرائيل، الذي يلعب دوراً بارزاً في «حرب أكتوبر» (المندلعة في 6 تشرين الأول 1973). في الشخصية الثانية، يواكب المُشاهد تحوّلات بيئة وعائلات وعلاقات ومراحل عبر أناس عديدين، بينما يقف محمد وفيق في الحدّ الفاصل بين ذاكرة حرب وراهن سلم، وبين صداقة حيّة وزواج يُراد له أن يكون امتداداً لصداقة يُفترض بها ألاّ تنتهي أمام انهيار كلّ شيء.

لا يُمكن لأي نصّ مكتوب في رحيل محمد وفيق ألاّ يسترسل في التعليق على هذين الدورين، وبالتالي على هذين المسلسلين. «ليالي الحلمية» يبقى الأعمق والأقدر على امتلاك براعة الكتابة الدراميّة، المازجة سرداً تاريخيّاً لمصر منذ الملَكيّة إلى عصر الانفتاح، بينما «رأفت الهجّان» يحاول تحصين نفسه من السقوط في حماسة الفعل الوطني الانفعالي، أثناء سرده فصلاً من «أجمل» فصول الصراع العربي ـ الإسرائيلي. مصطفى رفعت أحد الشهود الأساسيين على تحوّل وارتباكات وتحطيم أحلام وصناعة خيبات، وعزيز الجبالي أحد الشهود الأساسيين أيضاً، لكن على كيفيّة صناعة لحظة انتصار فعليّ على عدوّ، قبل أن يتحوّل العدو ـ للأسف ـ إلى سلطة أقوى من أن يحجبها عملٌ بطولي لجاسوس يخترق الكيان الإسرائيلي كي يُفكّكه بالاستيلاء على أشياء عديدة من «أسراره». في الشخصيتين، يبدو محمد وفيق أنيقاً في استدراج تعاطف ممزوج بإثارة متعة المُشاهدة، وجميلاً في إزالة كلّ فارق ممكن بين تمثيل وحقيقة.

يرتبط الحضور السينمائي لمحمد وفيق بشخصية عمرو بن العاص في «الرسالة» (1977) للسوري الأميركي مصطفى العقّاد. فعلى الرغم من مشاركته الفعّالة في أفلام مثيرة للسجال الفني والاجتماعي والثقافي، كـ «الهروب» (1991) لعاطف الطيّب، و»امرأة آيلة للسقوط» (1992) لمدحت السباعي، المتعاون معه لاحقاً في «مجرم مع مرتبة الشرف» (1998) مثلاً، إلاّ أن تأديته عمرو بن العاص تبقى الأرقى في معاينة لحظة تاريخية تصنع أحد الفصول الأساسية في التاريخ البشريّ. في حين أن تقنية تمثيله دوراً كهذا تظلّ مرجعاً لتأمّل هادئ في كيفية محو الحدّ الفاصل بين الشخصية وممثّلها، مع أن الشخصية موغلة في التاريخ القديم، ومع أن الممثل متيقّن من أن التمثيل لا يُمكنه أن يكون تقليداً، تماماً كتأديته شخصية حاكم مصر الخديوي إسماعيل (1863 ـ 1879) في «بوابة الحلواني» (تأليف محفوظ عبد الرحمن، إخراج إبراهيم الصحن، 3 أجزاء معروضة في تسعينيات القرن المنصرم). فتقديم شخصية تاريخية محتاجة إلى وعي معرفي يُفترض به ألا يكون أسير شكل الشخصية المُراد تقديمها تمثيلاً على إحدى الشاشتين، بقدر ما يُتوقّع من مؤدّيها أن يذهب بها إلى ما هو أبعد من ذلك: أن يتماهى بها قدر المستطاع، بالسعي إلى بلوغ مرتبة متقدّمة جداً من آلية سلوكها، وفضاء زمنها، وحيّز جغرافيّتها.

محمد وفيق، بتنويعه الأدوار والعناوين وأزمنة الأحداث المناط به تأدية جزء منها تلفزيونياً وسينمائياً، لا يتردّد عن اختبار أداء شخصيات متناقضة، تستدعي تناقضاً في كيفية التمثيل وآلياته المختلفة. وهو، بهذا، قادرٌ على تحويل حماسة الأداء إلى تمثيل يرتقي معه إلى انمحاء الذات في أعماق الشخصية المختارة، من دون أن يتنازل عن كونه ممثلاً يمتلك مفردات الأداء وطقوسه، ويتحكّم بها لإنجاح حضور الشخصية في مُشاهديها.

السفير اللبنانية في

16.03.2015

 
 

محمد وفيق خذله القلب

لم يكن الفنان المصري محمد وفيق (1947 ـــــ 2015) نجم شباك أو بطلاً أولاً، لكن وجوده في أي عمل كان يمنح الأخير علامة «الأهمية والتميز» سواء كان فيلماً أو مسرحية، إلى جانب عشرات المسلسلات التي شارك وفيق في بطولتها. أصاب الممثل الكبير مرض القلب منذ سنوات، لكنه رحل قبل يومين أثناء خضوعه لعملية جديدة لم يتحملها قلبه. هكذا، غادر تاركاً وراءه 68 سنة قضى معظمها مخلصاً للفن ولزوجته الفنانة الراحلة كوثر العسال التي غادرت الدنيا قبل عام واحد.

غياب وفيق تزامن مع انشغال المصريين بمتابعة المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، لكن ذلك لم يمنع من وداع مهيب للراحل عبر مواقع التواصل. اللافت أنه على غير العادة، لم يهتم المحزونون فقط بأبرز أدواره بل تذكروا معظمها، أولها طبعاً شخصية «عزيز الجبالي» في مسلسل الجواسيس الأشهر «رأفت الهجان». جسد وفيق هنا شخصية ضابط المخابرات الذي يروي قصة الجاسوس الهجان لزوجته الألمانية (جسدتها يسرا) طوال الحلقات، بالإضافة إلى أنّه كان الشخصية التي لعبت الدور الأكبر في تجنيد العميل المصري الذي أدى دوره محمود عبد العزيز. كذلك، يعدّ وفيق أبرز ممثل مصري قدم شخصية «الخديوي إسماعيل» في أجزاء «بوابة الحلواني»، ما دفع بعضهم إلى المقارنة بينه وبين أداء قصي خولي في المسلسل المثير للجدل «سرايا عابدين». كذلك، برز في شخصية أحد الضباط الأحرار في مسلسل «ليالي الحلمية»، بينما حصل على دور رئيس ومؤثر في مسلسل «الأصدقاء» مع صلاح السعدني وفاروق الفيشاوي بتوقيع إسماعيل عبد الحافظ الذي هو أيضاً مخرج «ليالي الحلمية». وتحولت شخصية القاضي في هذا المسلسل إلى نموذج يذكره دوماً الجمهور الذي تابع رحلة «الأصدقاء». كذلك، شارك وفيق في بطولة مسلسل «السيرة الهلالية» مجسداً شخصية الزناتي خليفة. ويظل دوره في فيلم «الهروب» الأبرز على مستوى السينما. هنا، جسد شخصية ضابط الشرطة «البراغماتي» المستعد لكسر كل القواعد من أجل الترقي في مواجهة بطلي الفيلم أحمد زكي وعبد العزيز مخيون. الأخير تزامل مع وفيق في معهد الفنون المسرحية، وتخرّجا سوياً عام 1967 في دفعة الفنان نور الشريف أيضاً. ورغم انحسار الأضواء عنه في العقد الأخير، إلا أنّه حرص على التواجد من خلال أدوار تليق به ولو كانت الأعمال نفسها محل جدل، إذ جسد شخصية ضابط المخابرات في الفيلم الكوميدي «كتكوت» مع محمد سعد، كما شارك في فيلم «بابا» مع أحمد السقا، وظهر كضيف شرف في مسلسل «دهشة» أمام يحيى الفخراني في رمضان 2014.

الأخبار اللبنانية في

16.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)