كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«عيب موروث» عن الحب وطوائف الدجالين وأحلام الهيبّيين الخائبة

إبراهيم العريس

 

منذ حقّق الكندي دافيد كروننبرغ قبل نحو ثلاثة عقود من الآن فيلمه الرائع – والغامض إلى حدّ ما – «الحفل العاري» عن رواية شهيرة لتشارلز بوروز، المعتبر أحد الأساسيين في أدب «البيت جنرايشن»، لم يعد من المستساغ كثيراً تصنيف الأدب الأميركي الحديث بأنه «عصيّ على الأفلمة»... لمجرد أنه يحمل في أسلوب كتابته من التركيبية وفي بناء شخصياته والعلاقات فيما بينها من الغموض، ما قد يجعل من أدب جيمس جويس في المقارنة النسبية، أدباً شديد الوضوح بل كلاسيكياً! فالكتابة السينمائية الجديدة التي اتبعها كروننبرغ أتت في ذلك الحين منتمية إلى أسلوب رايموند تشاندلر العابر كتابة ويليام فوكنر مطبّقاً إياها على الحبكة البوليسية، باتت منذ ذلك الحين تسمح بكل أنواع «التجاوزات» والاستعارات إنما برسم جمهور كان اعتاد ألا تكون السهولة والتبسيطية مراده الأول والأخير. وخلال العقود الثلاثة المنصرمة، وتحديداً الفترة التي انقضت بين ظهور «الحفل العاري»، وظهور فيلم أكثر جدة لكروننبرغ نفسه هو «كوزموبوليس» المأخوذ بدوره عن رواية للكاتب المعاصر جون دي ليللو تنتمي إلى الحداثة الأدبية الأميركية نفسها التي تدين إلى ويليام فوكنر أكثر مما تدين إلى إرنست همنغواي وواقعيته، مرت مياه كثيرة تحت الجسور وأُفلمت روايات كثيرة كانت معتبرة في أصولها الأدبية عصية بدورها على السينما. فمنذا الذي كان يمكنه أن يتصور في السبعينات مثلاً أن تصل رواية جاك كيرواك «على الطريق» إلى الشاشة الكبيرة؟ وبتوقيع البرازيلي المغرق في الواقعية والتر ساليس، على سبيل المثال لا الحصر؟... خلاصة هذا كله هي أن السينما لم تعد تعتبر أي شيء أو أي موضوع أو أسلوب محرماً عليها، ومخرج مثل الراحل روبرت آلتمان لم يعد مضطراً إلى تحويل نص لرايموند تشاندلر هو «وداعاً يا حبيبتي» إلى عمل سينمائي ساخر كي يمرره على شاشته الكبيرة. وفي هذا السياق سيبدو لنا بالتأكيد أقرب إلى أن يكون طبيعياً اقتباس بول توماس أندرسون رواية توماس بنشون الجديدة نسبياً – إذ إنها صدرت عام 2009 – «عيب موروث» في الفيلم السينمائي الذي حمل العنوان نفسه ويعرض حالياً في الصالات بنجاح لا بأس به. وكذلك بإقبال نقدي تهزه بعض الأصوات «الناشزة» بين الحين والآخرة، ولنقل الناشزة نسبياً طالما أن رفضها للفيلم ينبع من مبدأ الحق في الفهم والتتبع المنطقي للحوارات والأحداث، معتبرة أن هذا الحق غير متوفر هنا.

وهي على حق في ذلك بالطبع. ومع هذا فإن الرد عليها ليس شديد الصعوبة: من قال إن مبدأ حق الفهم في السينما مبدأ مطلق؟

نعم للفهم التركيبي!

وبول توماس أندرسون على أية حال هو من المخرجين الذين لا يأبهون كثيراً لمسألة الفهم التبسيطي. بالنسبة إليه يمكن أن يكون المتن السينمائي لمخرج ما، منظومة فكرية وجمالية متكاملة تنطلق أصلاً من «الاستيلاء» على عمل إبداعي آخر، لإدراجه في سياق يشكل لدى المخرج هاجساً قد لا يكون ورد في بال مبدع العمل الأصلي. ولعل مقاربة تحليلية للأفلام الثلاثة الأخيرة التي حققها أندرسون تباعاً، وصولاً إلى «عيب موروث»، توصلنا إلى هذه الفرضية، علماً بأن الأفلام الثلاثة مقتبسة من كتب روائية أو تدنو من الروائية: فقبل ثمانية أعوام حقق هذا المخرج الشاب (44 سنة اليوم، ما يعني أنه ولد في العام الذي تدور فيه أحداث «عيب موروث» وفي كاليفورنيا نفسها تحديداً ما من شأنه أن يضفي على الفيلم بعداً شديد الخصوصية) فيلم «ستكون هناك دماء» عن رواية الكاتب الاشتراكي الأميركي آبتون سنكلير «بترول»، وقبل ثلاثة أعوام حقق «المعلم» عن كتاب يروي جزءاً من سيرة مؤسس طائفة العلماويين في أميركا. والآن ها هو يقدم إلينا فيلمه الجديد المقتبس من رواية بنشون. فهل إن الأصول الأدبية للأعمال الثلاثة كانت هي ما أغرى مخرجاً كان في أفلامه الأربعة السابقة لهذه «الثلاثية الأدبية» - وهي «الرقم ثمانية» و «ليالي بوغي» و «ماغنوليا» ثم «بانش درنك لاف»- كتب أعماله بنفسه؟

أبداً على الأرجح... فنحن إذا سبرنا أغوار الأفلام الثلاثة الأخيرة قد نجدنا أمام تاريخ ما لأميركا نفسها: من بدايات القرن العشرين مع الفورة النفطية وفردنة الرأسمالية الضارية («ستكون هناك دماء»)، إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وبزوغ الخواء الأيديولوجي الذي أدى إلى تحول الفردية نوعاً من الطوائفية ذات الأفكار الغيبية معززة بكل أنواع الدجالين («المعلم»)، وصولاً الآن في «عيب موروث»، إلى تاريخ ما للوس آنجليس السبعينات إنما منظوراً إليه بحنين بدايات القرن الحادي والعشرين. وفي شكل أكثر تحديداً، زمن الهبيين وأحلامهم «الإنسانية» المستحيلة التي كانت قائمة على المخدرات والسلام والموسيقى.

طبعاً لا يمكن الزعم هنا أن هذا السياق التاريخي واضح كل الوضوح في مسيرة أفلام «الثلاثية»... لكننا نفترض أنه كمن في مكان ما في خلفية رغبة أندرسون في أفلمة الروايات الثلاث. فإذا زدنا إلى هذا كون كل من الروايات تتناول في جانب منها، يتضخم حيناً وينزوي حيناً، مسألة الطوائف الدينية أو شبه الدينية وما حولها من نصب وشعوذة في هذه القارة/ الأمة المترامية الأطراف، ثم مسألة العلاقة المتأرجحة بين «الأب» أو من يقوم مقامه و «الإبن» أو من يحاول تجسيده، قد يمكننا أن نرتاح إلى فكرتنا بعض الشيء منتقلين إلى «عيب موروث» نفسه الآن، ليس كجزء من «الثلاثية» بل كشريط جديد لهذا المخرج الذي أبداً لم تكن السهولة في الاختيار والتنفيذ واحدة من مزاياه الواضحة.

حكاية حب

وبالتالي لا بد من القول منذ البداية إن «عيب موروث» ليس فيلماً سهلاً، حتى ولو اعتبرناه في جانب أساسي منه فيلماً بسيطاً يدور أولاً وأخيراً وبعدما نعريه تماماً، من حول قصة حب بين شاب وفتاة في لوس آنجليس السبعينات. ولا يقلل من هذا أن الشاب والفتاة يطالعاننا منذ مفتتح الفيلم منفصلين عن بعضهما البعض، إذ تلجأ إليه هي (تشاستا وقامت بدورها الرائعة صورة وصوتاً وأداء كاترين واترستون)، كي يساعدها بوصفه تحرياً خاصاً في العثور على حبيبها الجديد مخبرة إياه أن زوجة هذا الحبيب تتآمر مع عشيقها على تدميره – أي تدمير الحبيب. على الفور سوف يستجيب هو للطلب. فالرجل ويدعى دوك (قام بالدور جواكيم فينيكس مبدعاً مرة ثانية تحت إدارة أندرسون بعدما أداره هذا في «المعلم» إلى جانب الراحل فيليب سايمور هوفمان)، يستجيب من فوره رغم مشاكسة شرطيي لوس آنجليس له ويبدأ تحقيقاته التي لن تعود مهمة بعد تتالي أحداث ستبدو غير مترابطة فيما بينها للوهلة الأولى... أحداث متشابكة يكون دوك محورها وربما هدفها وفيها تختفي تشاستا بدورها ثم يُضرب دوك ليجد نفسه حين يفيق إلى جوار جثة أحد رجال مايك، حبيب حبيبته... وإثر ذلك تتزايد العلاقات والجثث والدهاليز متقاطعة مع ذكريات دوك عن حبه لتشاستا من ناحية، ومع اكتشافه من ناحية ثانية لوجود طائفة نصف دينية تختلط لديها أعمال التهريب بالممارسات المافيوزية... وكل هذا وسط مناخ يتأرجح بين الكوميديا الخالصة والتشويق البوليسي والتفكك العائلي وتحوّل الأحلام الهيبية إلى واقع سياسي بائس.

أمام مثل هذه التبدلات والتطورات كان من حق عدد من النقاد، ولا سيما الفرنسيون منهم، أن يقولوا بأن ما من شيء بات مفهوماً منذ الربع الأول من الفيلم... بما في ذلك الحوارات التي بدت مفككة غير متجانسة تجانس الموسيقى التي أتت مستقاة من «بسيكاديلليك» السبعينات، عمادها الأساس أغنيتان لنيل يونغ بدتا مرتبطتين بما ظهر من معنى الفيلم بقدر ما ارتبطتا بأسلوبه... أغنيتان عن الحب لا شك أنهما تلعبان دوراً أساسياً في الإفصاح عن مقدار الحب الذي يكنه دوك لتشاستا... حب سينتهي الفيلم تاركاً إياه مفتوحاً على كل الاحتمالات بعد أن يتمكن دوك من كشف العديد من الألغاز والإجابة على العديد من الأسئلة التي لا شك أن المتفرجين كانوا طرحوها على أنفسهم خلال مشاهدتهم الفيلم وهم يحاولون عبثاً فهم ما يدور أمامهم على الشاشة. ومع هذا علينا أن نتنبه هنا إلى أمر أساسي يتعلق هذه المرة برواية بنشون، فهذه الرواية التي كتبها الرجل بعد ثلث قرن من تحفته الأساسية «قوس قزح الجاذبية» اشتهرت منذ صدورها بأنها أكثر روايات بنشون بساطة وقابلية لأن تُفهم. لكنها إذ صارت الآن جزءاً من فيلموغرافيا بول توماس أندرسون تعتبر الأكثر غموضاً في مساره... ولكن لئن قال بعض النقاد إن الفيلم لن يعتبر الأفضل بين أفلامه بل أسوأها، من المؤكد أن آخرين رأوا غير هذا بل إن أكثرهم يميلون منذ الآن، وريثما يتراجع الأول عن رأيهم، إلى اعتبار «عيب موروث» فيلماً قمة في النضوج لدى مخرج قد يكون شعاره اليوم «ومن قال لكم إن الفن وظيفته أن يُفهم؟».

«رهان» سينما تبسيطية للزمن المتسارع

الدار البيضاء - مبارك حسني

بالشريط المغربي الجديد «رهان» من إخراج محمد الكغاط، نجدنا أمام حالة «سينمائية» مغربية، ليس هذه المرة بما تحمله هذه السينما من فن وإبداعية، بل بما يجاور ذلك من إنتاج وعرض وتصور للعمل السينمائي. فهذا الشريط تم اختياره للعرض في المهرجان الوطني للفيلم مؤخراً، لكنه خرج خالي الوفاض كما كان منتظراً. ومن قبل عُرض في مهرجان مراكش الدولي للفيلم في فقرة «خفقة قلب» المُخصصة للأفلام المغربية، على رغم عدم توافره على مقومات ليس للتنافس فهذا أمر مستبعد تماماً، بل من تلك التي قد تجعله يمنح الضيوف اﻷجانب من فناني السينما والمهنيين والصحافيين صورة غنية بالدﻻﻻت والفهم للمغرب الحالي. وهذا ما جعل مثلاً الناقدة السينمائية المتخصصة للصحيفة الكندية «لودوفوار» تستغرب كيف يمكن السماح بعرضه في المهرجان، وهو «العمل المسطح والمتكلف» في نظرها. طبعاً هي ليست على علم بواقع سينمائي مغربي متذبذب بين العمق والضحالة، بين قناصي الدعم والباحثين عن مجال تفجير اﻹبداع الحقيقي، ثم ما بينهما مثل فيلمنا هذا، أي تلك اﻷعمال التي تود أم تكون مجرد وصفة سينمائية خفيفة مُتصالحة مع جمهور تكونت ذائقته الفنية عبر مشاهدة «السيت كومات» الرمضانية ومسلسلات بدوية تقلد سطحية المسلسلات السورية المعروفة.

نموذج مطلوب حالياً

والحق أن «رهان» نموذج لعمل سينمائي مطلوب في هكذا أوضاع من طرف هذا الجمهور. علامة وواجهة لانشغاﻻت الجيل الجديد قلباً وقالباً. من حيث الموضوع المحكى عنه ومن حيث الشكل التقني البصري المتطور. ويتناول الموضوع رهاناً بين صديقين حميمين يشتركان في الكثير من الأشياء، الأهم هو مروان الشخص اللامبالي والعابث. والعبث هنا طفولي بما أنهما معاً مُغرمان بأمور عادية لتزجية الوقت لا غير، كباقي الشباب الذين في سنهما، وبخاصة قضاء الوقت الطويل أمام جهاز الحاسوب والسباحة في الويب. وفي إحدى لحظات هذا العبث البريء يتحدى مروان رفيقه بقدرته على دعوة ممثلة مشهورة إلى حفل عشاء. فقط من أجل الرهان وإظهار القدرة على تنفيذ رغبة لا أثر لها في مجرى الفيلم غير تأثيثه بتابل أنثوي يساعد على ربط علاقة الحب لاحقاً بينه وبينها، كما هو منتظر ومتوقع منذ البداية. قصة سبق أن شوهدت مراراً في ريبتوار سينمائي معروف، لم يتم اختراقها ولا توظيفها ولا تطويعها. وواضح أن المخرج ليست تلك غايته بتاتاً. بما أن تكوينه في مجال الصورة تقني أساساً، وتحديداً في ميدان المؤثرات الخاصة من خلال السلسلة المنتمية للخيال العلمي التي أخرجها للتلفزيون «البعد الآخر»، كما من خلال مشاركته في إخراج فيلم «حتى طفا الضو عاد زاد» برفقة الممثل المعروف رشيد الوالي. وهذا يبين أن الكغاط ليس من الذين يرغبون في تأسيس مشوارهم السينمائي على الفيلم الموضوعاتي وعلى سينما الرأي والحكي القوي المعمق، بل يتطلع فقط إلى سينما التسلية والإمتاع اللحظي المستند على التقنية العالية والضحك موظفين هكذا لذاتهما لحكي قصص من الزمن الحالي، باهتمامات فردية في مجتمع استهلاكي يتغير بسرعة تحت تأثير الحداثة غير المتحكم فيها. سينما عفوية وطيبة لجمهور واسع.

وبالتالي فالشريط هذا يمنحنا صورة عن مجتمع رجال ونساء العصر الحالي الذي همه الأقصى التوفر على المال الكافي، وما يرافق ذلك من وسائل عيش وترفيه، بهدف تحقيق رغبات الجسد والطموح إلى سعادة من فوق، لا يكدرها الفكر ولا السياسة ولا أحوال أهاليها ولا العالم. الحياة كما هي مفروضة في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين. فبالنسبة إلى مروان لا يتعدى الأمر مرافقة ممثلة مشهورة تظهر في التلفزيون بحسب تعبير أحدى شخصيات الفيلم. وهكذا يظهر عرضاً أن السينما غائبة في مرجعياته بما أن القاعة السينمائية لم تعد مجال ارتياد اجتماعي منذ سنوات، مما يؤكد ويعارض كل طموح سينمائي للشريط. حيث أن مروان كي يحصل على مراده من الممثلة يلجأ إلى الحيلة الأكثر توقعاً وهي مكاتبتها برغبته في اللقاء بها كرغبة أخيرة في الحياة، متذرعاً بإصابته بمرض عضال.

مجتمع حائر

وعلى غرار الشخصية الرئيسية هذه تبدو شخصية الممثلة هي أيضاً من شاكلة نساء الراهن، تلك اللائي يعشن في مجتمع حائر بين التقليد والعصرنة، مع ما يتطلب ذلك من مداراة وتصورات مبينة على الشائع والتقليد والسماع مما يتداوله أفراد مجتمع لم يع بعد ضرورة العقلنة في التصرف والسلوك ومجابهة الحياة. شخصيات في ظاهر حداثي وبسلوك مرتبط بما تنتجه التقنية عالمياً، لكنها تتعامل بحذر حين تتطرق هذه الأخيرة إلى المرتكزات الثقافية التي تشيد المجتمع ككل، مرتكزات تظهرها بوضوح اللغة الدارجة التي تنظم علاقة الشخصيات في ما بينها، لغة الشارع اليومية بما يميزها من مستوى أول يحقق التواصل والفهم دون مجهود للرقي بهما، ومنحهما جرعة شعر من العامية التي يمكن أن تبدع حين نركز عليها قليلاً. وفي مسألة اللغة يلاحظ أن في العنوان الفرنسي للفيلم تمت إضافة نعت «متبلة» كعلامة تشويقية تعني في الغالب الجمهور الذي له حساسية خاصة مع لغة موليير لكن خارج صرامة القاموس.

وهكذا نشاهد شريطاً ينقل حرفياً الخارج الذي يطغي بمعماره وبأناسه المنشغلين بتحصيل العيش اليومي في توافق مع تحديات الزمن ومشاكله بنسيانها ومواراتها، عبر عدم الوقوف عندها كثيراً. نشاهد حكاية حب وغزل وشد وجذب عاطفي وردي. حكاية مغامرات صغيرة ومدينية تزول حال تحققها من الذاكرة ومن التأثير، مفارقة لكل شيء مثل أي حكاية تروى بالكثير من ذلك التشويق الذي يزرع الانتظار العادي، وهو هنا مآل الرهان الذي ربط الممثلة بالشاب في المركز، وانتظار الشخصيات الأخرى وعلى رأسها الصديق الحميم، وهي تلعب دور المٌشاهد الذي خارج الفيلم والقابع في القاعة وقد أخذ حقه من الضحك والترقب والتملي بمتابعة ممثلين حرفيين حقاً ولهم جاذبية الممثل النجم الذي يؤدي الدور بجسده ونظراته ومقومات إغرائه.

«رهان» فيلم للوقت الثالث ولأناس زمن تمت تنقيته من كل مؤثرات الخارج الموضوعة في الرف خلف العدسة التي وجدت كي تكشف ما يعبّر، لا كي تنقل ما هو موجود أصلاً من دون حفر.

«سوء تفاهم»: الأبطال يضيعون مرتين وأكثر

بيروت - فجر يعقوب

«سوء تفاهم» هو عنوان «فيلم» جديد يعرض حالياً في الصالات اللبنانية بعد ان صُوّر بين لبنان ومصر. بين بيروت والغردقة. أراده المنتجان («شركة المتحدين للإنتاج الإعلامي» و»إيغل فيلم») أن يكون صورة عن أفكار سياحية ملهمة لأبطاله. مغامرات. علاقات عاطفية غير مفهومة ومتبلورة. لعبة مال مسروق بيد أولى وثانية. ألماس مهيّج للأبصار والمشاعر. وكل شيء، كل شيء يمكن أن يثري هذه الخلطة الدرامية «التلفزيونية» التي ألّفها للسينما محمد ناير، وأخرجها أحمد سمير فرج.

في الفيلم تبدو لينا (سيرين عبد النور) صاحبة محل الحلويات في بيروت، غير قادرة على فهم الشخصية التي أنيطت بها منذ البداية، يعاونها على عدم الفهم - بالطبع - صديقتها المقربة جداً سارة (ريهام حجاج). كأن الخط المتوازي الذي يجمعهما سيؤسس لتعليب مكلف يكفي أن يصل بأحداث الفيلم إلى نهايته من قبل أن تنتهي. كل ما في الأمر أننا سنقع منذ الكادرات الأولى على الفتاة الرومنسية الحالمة التي تخرج من بيتها كل صباح في طريقها لفتح محل الحلويات، ويلاقيها الجيران بالتحايا والابتسامات ووردة حمراء قانية يقدمها لها بائع الأزهار عند زاوية الدرج كل يوم، فيما هي تقدم - ان احتسبنا ذلك لغة سينمائية - اشارة لفارس الأحلام أحمد عبد العزيز، أو رؤوف (أحمد صلاح السعدني) ليحصي عليها حركاتها، كما تحصي هي عليه حركاته اذ تعد عليه قطع الحلوى التي يشتريها من عندها يومياً وتعرف كل واحدة منها وفي أي يوم يطلبها. الطريقة التي سيقعان فيها بغرام بعضهما بعضاً تبدو فقيرة ومثيرة للضحك ولا تنتمي في بذرتها الدرامية حتى الى أكثر المسلسلات التلفزيونية بدائية. لم يقرر المخرج اذا ما كان سيدفع بشيء من «الحمّى» في الشخصيتين لتسجل له في بناء فيلمه وتحيده عن هذه البداية المتسرعة. اكتفى خلال أقل من دقيقتين بالتأسيس لأسرع العلاقات العاطفية اندفاعاً وتهوراً هزلياً في تاريخ السينما العربية - ربما - تحت أنظار الصديقة المصرية الدارسة في لبنان التي تعيش حياتها الليلية على هواها، وتأتي للمساعدة الصباحية في المحل ليدور بعدها الفيلم في حلقة مطاردات مفتعلة على الشاطئ الآخر للأحداث في الغردقة المصرية: قبل الانتقال يتقدم أحمد عبد العزيز أو رؤوف للزواج من لينا، وقبل أن يتركها في حفل زفافها ويختفي، سيخبرنا المخرج أن فارس الأحلام نفذ ضربة مالية كبيرة في بيروت كانت هي السبب في مجيئه أصلاً اليها.

تحت أبصار الحكومة

لا ينسى المخرج أحمد سمير فرج استخدام تيترات داخلية في فيلمه للدلالة على عبور الزمن. بعد ثلاث سنوات في السجن سيخرج عمر البغدادي (شريف سلامة) للبحث عن أحمد عبد العزيز فيما «سيلزم» المخرج مشاهدي فيلمه بذلك الشاب الأبله، عاطف، الذي سيظل برفقة عمر في رحلته المعلومة من السجن إلى سعيد كارثة مزوّر جوازات السفر الذي يكاد يفتتح مكتباً رسمياً تحت أبصار الحكومة ليستعلم منه عن أحمد عبد العزيز أو رؤوف. وفي المكتب يقع عاطف - مصادفة -، على صورة للمطلوب في الجريدة تعلن عن مزاد على الألماس على شواطئ الغردقة في أحد أضخم فنادقها - يملكه والد سارة مروان التي تظهر هنا بوصفها مشرفة عليه، وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فيه. مزاد ينظمه الفارس المحتال بالتعاون مع شفيق البغدادي عم عمر ومغتصب حقه من والده المتوفى. وإذ يُكتشف وجوده، يستدعي هذا الاكتشاف الاتصال بلينا في بيروت لإخبارها بحقيقة العريس المختفي. تتمنع الشابة المكلومة بمشاعرها في البداية، ولكنها سرعان ماتوافق على الحضور الى الغردقة بوصفها الأميرة سارة فواز التي ستحجز لها صاحبتها جناحاً كاملاً في الفندق الذي تملكه وهو ما ينسيها للحظات السبب الرئيس الذي قدمت من أجله، اذ يبدو هذا المكان الفخم أكبر وأوسع من حقيقة مشاعرها الفياضة التي لا تتفجع هنا، ولاتترك أثراً على وجهها، رغم أن أكبر أمنية سنقع عليها للينا في بدايات الفيلم هي الارتباط بفارس الأحلام، وعندما تقع عليه يختفي ويتبخر. تيمة التبخر للشخصيات مغرية في السينما لكنها هنا تأخذ منحنى ميلودراميا مؤذياً، اذ سيجتمع الجميع في فندق سارة مروان من أجل الألماس في شكل أوآخر. عمر البغدادي سيبحث عن أحمد عبد العزيز أو رؤوف لأنه السبب في الإيقاع به في السجن، ففي ليلة سرقة خزائن عمه يتركه رفيقه ويقرع جرس الإنذار بعد أن يحظى بالألماس. لينا ستجيء باحثة عن الفارس الغادر، وهذا سيؤمن لقاءها بعمر لتعيش علاقة جديدة تتكرر فيها سردية مشاعرها الساذجة. شفيق البغدادي عم عمر يريد أن يضمن بيعة موفقة للألماس الذي يملكه.

وسط هذه الأجواء السياحية الباذخة ستظهر جلّنار (مها أبو عوف). لسبب ما تلتقي بعاطف. تهيم به لأنه يشبه ابناً لها مرض ومات. تدعوه للإقامة في يختها الفخم. ثمة خيط ينسل من أصابع الكاتب ليزيد من تضخّم التيمة «البوليسية» التي تلتهم كل شيء بسذاجة على حساب اللغة السينمائية التي لم تعد تقبل مثل هذه التدخلات الفارطة في بناء الشخصيات والأحداث. هناك من يشيع أن ثمة من سيدخل في المزايدة بعشرة ملايين دولار، وتقوم سارة بالإيحاء أن الأميرة سارة فواز هي من يقوم بذلك، وهي تضمن بذلك تقرب أحمد عبد العزيز أو رؤوف من صديقتها لينا تمهيداً للانتقام. لا يمكن فهم ردود فعل الصديقة المغلوبة على أمرها. ليس هناك ادارة واضحة من المخرج. يبدو أن سوء تفاهم وقع بالفعل بينه وبينها. لا يمكن تفسير عنوان الفيلم أكثر من ذلك. نعم هناك مشكلة حقيقية في إدارة مشاعر وأحاسيس سيرين عبد النور فيه باعتبار أنها النقطة المركزية في الفيلم، فلا يمكن التكهن بتطور الأحداث كما سيفترض تطور الأحداث، ولو اكتفى المنتجان بساعتين تلفزيونيتين ربما كانت النتيجة أقل خسراناً ومضيعة للوقت، اذ لا يكفي الغرق طوال هذه المدة في العتمة حتى يقال إن ثمة فيلماً سينمائيّاً هنا. هذه لغة منقرضة وبائدة لو أدرناها على وجهة كوميدية، فسنحظى بساعتين من الهزل والافتعال، وبالتأكيد لن نحظى بساعتين من العلاقات العاطفية الرومنسية التي يثوّرها تناقض الصراع بين الأبطال لا انكفاء للدّفة فيها على قصة تتخبط في عناوين لا يمكن صنع فيلم منها.

ضمير مستتر

جلّنار ستظهر في النهاية لتكون بمثابة ضمير الفيلم المستتر. المصادفات وحدها تصنع المعجزات في هذه القصة. ستعترف على الملأ وقت مزايدة الألماس الشهيرة بأنها قامت مع شفيق البغدادي بحرمان عمر من حق أبيه، وبأنها نالت عقابها بوفاة ابنها، وتدعو العم البغدادي لإعادة الحق المسلوب لأصحابه. يكفي أن نعرف أن جلّنار هي من قامت بالمزايدة بالمبلغ المطلوب: عشرة ملايين من الدولارات وسط دهشة شفيق. البقية معروفة. يفر أحمد عبد العزيز أو رؤوف بنصف الألماس، ويبقى النصف الآخر بحوزة عمر، أما «عطّوفة» فسيصبح من حظ جلنار المقيمة الأبدية في اليخت في اتجاهين دراميين غير واضحين.

ثمة إشارة في تيترات الفيلم لأغنية «محدش بقى راضي» من كلمات أيمن بهجت قمر وألحان ياسر نور وغناء سيرين عبد النور لم نجد أثراً لها في الفيلم. لا نعرف سبب حذفها. من المؤكد ليس هناك مايستدعي ذلك، لكن كان مجدياً لو قام القائمون على الفيلم بحذفها من جينيريك البداية. ليس الأمر ملحاً، ولكن التيترات جزء مهم من هوية الفيلم نفسه. سلوك لامبالٍ من هذا النوع يكشف عن طريقة تفكير غير احترافية. الاتكال على أماكن التصوير الجميلة في بيروت والغردقة لا يكفي لصناعة فيلم. ما سنقع عليه على مدى ساعتين قد لا يزيد عن سوء تفاهم مريع بين المخرج وممثليه الذين لا يخضعون لإدارة حازمة ومقنعة.

«محمد» للبناني قصيباتي في مرآة النقد الإنكليزي

لندن - «الحياة»

على رغم ان السينمائي اللبناني الشاب مصطفى زهير قصيباتي حقق حتى الآن من الأفلام القصيرة في بريطانيا ما جعله يمتلك متناً سينمائياً وصل الى أربعة أفلام، لا يزال هذا المتن مجهولاً في لبنان، وطنه، ولم يقدم اي واحد من افلامه في اي من «المهرجانات» العديدة التي تقام في هذا البلد. ومع هذا بات قصيباتي يعتبر في لندن واحداً من السينمائيين الواعدين بل حتى الراسخين في مجال الفيلم القصير إن استندنا في فرضيتنا الى ما يقوله النقد الإنكليزي المتخصص عنه. ولا سيما عن فيلمه الرابع والأحدث «محمد». وهذا العمل الأخير لقصيباتي يقدم في عشرين دقيقة «مكثفة» بحسب النقد، صورة من الحياة العائلية «اللبنانية» على الأرجح، وذلك من خلال بورتريه لفتى في الثانية عشرة من عمره ينظر بإكبار ودهشة الى أخيه ذي الحادية والثلاثين والذي يعتبره بطله المميز. أما هذه النظرة التي من خلالها يراقب الفتى أخاه ويتابعه فإنها سوف تنتهي بالفتى الى ان يقرر ذات يوم ان امامه فرصة طيبة لاستغلال اخيه ومكانته... للحصول على اصدقاء.

على هذه الخلفية العائلية البسيطة التي، إذ تناول الموقع السينمائي الإنكليزي «شورت أوف ذا ويك» الفيلم في عدده الأخير، وجدها واقعية، بنى قصيباتي موضوع هذا الفيلم الذي ينقل الموقع عن مخرجه انه وضع روحه وفؤاده فيه وهو يحققه. وإذ كتب محرر الموقع يقول انه إذ كان منذ زمن يريد ان يتناول فيلماً لهذا المخرج تحت عنوان «فيلم الأسبوع» في مضمار الفيلم القصير، أكد ان الفرصة حانت اخيراً «امام فيلم مليء بالمرح والمشاعر» حيث «يحتار المتفرج بين كل لحظة وأخرى ما إذا كان عليه ان يبتسم او يبكي...».

ويتابع الناقد قائلاً حول فيلم «محمد»، صحيح ان الشريط يبدو مستوحى من سينما الثمانينات التي كانت تعبر ببساطة عن الحياة الطيبة، لكن الفيلم في حد ذاته «يبدو واقفاً خارج الزمن أو يعطي الشعور بذلك، فيما يأتي حضور الووكمان والملصقات والبرامج التلفزيونية في أجوائه إشارة ما الى زمنه» حتى وإن «كان في وسعنا ان نقول ان الفيلم، مثل الأفلام التي استلهمها مخرجه، تشعرنا ان الحكاية هي من الكونية بحيث يمكنها ان تقف أمام امتحان الزمن».

ويختتم الناقد بقوله: «أنا شخص اجد من الصعوبة بمكان التنبؤ بالطقس، وطبعاً لا يمكنني ان أدلي بتوقعات تتعلق بالمستقبل. ولكني انصحكم بأن تتنبهوا جيداً الى هذا الإسم: مصطفى قصيباتي خلال السنوات القليلة المقبلة... فليس ثمة الآن كثير من مخرجين شبان يحققون ما يحققه...».

عن الجالية اليونانية في أم الدنيا

القاهرة - عزة سلطان

تحتفظ السينما لنا بمشاهد يظهر فيها البقال اليوناني، أو صاحب البار، أو الجار اليوناني كتفصيلة من تفاصيل الحياة في مصر حتى بداية الستينات. وقتها شهدت مصر تغيراً اجتماعياً وسياسياً، فعبد الناصر الذي وعد أن يقدم لليونانيين قواعد مختلفة في التعامل مع الأجانب، خصوصاً أن عدداً من اليونانيين وقف جنباً إلى جنب مع المصريين في مواجهة العدوان الثلاثي العام 1956، تراجع في وعوده، فلم يجد اليونانيون أمامهم سوى المغادرة وترك مصر إلى جهات عدة قد تكون اليونان إحداها وليست وجهتها الوحيدة.

عن الجالية اليونانية في مصر يأتينا فيلم «مصر الوطن الآخر» وثائقي يُعيد بعضاً من اليونانيين إلى مصر في رحلة يتم توثيقها عبر حالة من النوستالجيا، ودموع تتفرق على الذكرى المفتتة في بقايا البنايات والتفاصيل العالقة في الذهن. والفيلم عبارة عن خمسين دقيقة يعود من خلالها نحو خمسة يونانيين غادروا مصر في بداية الستينات، لكنهم مازالوا يحتفظون بحنينهم إلى الوطن. الفيلم الذي يعتمد الحنين كخط درامي تصاحبه موسيقى تعتمد على الكمان والبيانو وحال من الشجن المتفرقة عبر اللقطات، لا يتوقف عند انتقال بين كل شخصية وذكرياتها، وإنما يحفل بتأصيل تاريخي عن الجالية اليونانية في مصر منذ استقدمها محمد علي باشا، في بدايات القرن التاسع عشر وحتى غادر أبناؤها مصر.

شطارة التجار

يكشف الفيلم عن نشاطات اليونانيين في مصر، والتي تركزت في التجارة في شكل أساسي، فكانت سببًا لثراء كثير من العائلات اليونانية، بينما اكتفت العائلات الفقيرة بالعمل في أمور أخرى كالبقالة والمخابز. ويقول لنا ان اليونانيين انخرطوا في نسيج الشعب المصري، فباتوا جزءًا من هذا النسيج.

يقدم الفيلم مادة وثائقية فيلمية عن تاريخ الجالية اليونانية، وهي مادة نادرة، حيث لم يعرضها فيلم سابق رغم احتفاء العديد من الفنانين والمبدعين المصريين بهذه الجالية من دون غيرها. ومن الواضح أنها تسجيلات سينمائية لعائلات يونانية، أتت من الأرشيف الخاص لهذه العائلات.

تمركزت الجالية اليونانية في شكل أساسي في مدينة الإسكندرية، ومن هنا يسعى الفيلم الى تأصيل علاقة وطيدة بين المدينة واليونان ضاربًا في عمق التاريخ، عن مدن ساحلية يونانية تم تشييدها في مصر، وعن الإسكندر الذي بنى الإسكندرية ودُفن فيها في قبر لم يتم اكتشافه حتى الآن.

أكثر من ثلثي الفيلم يدور عن الإسكندرية وعلاقاتها باليونانيين قديمًا وحديثًا، عبر شهادات شهود عيان، ومؤرخين. ويأتي الروائي ابراهيم عبد المجيد ضيفًا في الفيلم وهو المعروف بأنه كتب أكثر من عمل روائي عن الإسكندرية التي كانت تزخر باليونانيين. ولولا أن الفيلم يعرض موقف اليونانيين من حرب العدوان الثلاثي وكيف تطوعوا في الجيش المصري إلى جانب المصريين، لكان من شأنه أن يقف عند حدود الإسكندرية، وبالتالي بدا اسمه كبيرًا عن المكان الذي يتناوله.

يسير الفيلم في ثلاثة مسارات درامية متوازية، في المقابلات التلفزيونية مع المؤرخين والتي تؤصل لعلاقة اليونانيين بمصر سواء تلك قبل الميلاد أو حتى بعد استقدامهم من قِبل محمد علي باشا، ومقابلات أخرى مع عدد من الشخصيات اليونانية التي أُضطرت للــمغادرة، لكن الفيلم يصحبها في رحلة إلى الإســـكندرية لنسمع ذكرياتها، ثم يأتي الخط الثالث في زيارات تقوم بها هذه الشخصيات إلى الأماكن التي كانوا يعيشون بها، ومقابلة بعض من أصحابهم الذين مازالوا يذكرونهم.

الموسيقى لا تنقطع عن السرد أو الصورة، فهي حاضرة طوال الفيلم سواء كانت في الخلفية بصوت متوار، أو في وضوح كما في لقطات عديدة، تعتمد نغمات حنينية في شكل واضح، يغزوها الناي في النصف الثاني لإضفاء حال من الحزن على المشهد، ورغم تميز الموسيقى إلا أنها تبدو زائدة عن الحد وكان يمكن تخفيفها.

الفيلم صناعة يونانية كاملة، حيث إن طاقم العمل كله يوناني باستثناء الاستعانة بمدبلجي صوت عرب.

التواجد المصري في الفيلم جاء عبر شخصين فقط هما المؤرخ ضياء الدين القاضي، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والذي يُنهي الفيلم بصوته عبر قصيدة المدينة للشاعر اليوناني كافافيس.

معلومات جديدة

الفيلم أيضًا يحوي معلومات ربما سيعرفها المشاهد للمرة الأولى، كون السيجارة اختراعاً مصرياً أصيلاً اخــترعها جنود جيش ابراهيم بك عندما كانوا يحاربون في الشام، وأن أول منتج تم تصديره من المصانع المصرية كانت السجائر، لتغزو أوروبا وأميركا.

كما يزيــل الفــيلم الستار عن زراعة القــطن المــصري، وكيف استفاد اليونانيون من الحريق الذي أصاب المزراع الأميركية، والتي كانت تورد القطن لأوروبا ما جعل الأوروبيين يساعدون المصريين في زراعة القطن وأصـــبحت بورصة القطن المصرية هي المحددة للأسعار في العالم كله.

العديد من المعلومات التي يمكن للمشاهد التعرف إليها واكتشافها، عبر فيلم صُنع بأعين يونانية شغوفة بـ «وطنها الآخر» مصر. حتى الضيوف اليونانيون كانوا يبررون مواقف عبد الناصر معهم، معلنين المحبة غير المشروطة، وباكين على شبابهم الذي غادروه في مصر.

الفيلم يمثل اضافة للمعنين بشأن الجالية اليونانية في مصر وبخاصة الإســـكندرية. وهو من ســيناريو وإخراج يورتمــوس فيروبولوس وشارك في السيناريو نيكولاوس ربرغالوس.

غارسيا ماركيز والفن السابع

القاهرة - هيام الدهبي

ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة، صدر للناقد السينمائي عصام زكريا كتاب «غارسيا ماركيز والسينما». ومنذ البداية يعترف المؤلف قائلاً: «لم أكن أتصور عندما فكرت في إمكانية تأليف كتاب عن علاقة الأديب الكولومبي الراحل غابريل جارسيا ماركيز بالسينما أنني في سبيلي إلى دخول متاهة لا أستطيع ولا أريد الخروج منها».

ويقول زكريا: «لقد ظل غابريل غارسيا ماركيز (1927 - 2014) على مدار عقود من عمرنا أهم وأشهر وأقرب أديب عالمي إلى قلوبنا في مكانة توازي لأسباب كثيرة المكانة التي يتمتع بها نجيب محفوظ على المستوى العربي. ومثل نجيب محفوظ لم يكن غارسيا ماركيز أديباً ميتاً، كان يبدع وينشر أعماله وكنا نتلهف لصدور ترجمتها العربية ونتلقفها بمجرد نزولها إلى الأسواق ونقضي الساعات في الحديث عنها وتقييمها ومقارنتها بأعماله السابقة».

ويضيف زكريا: «لم يكن غارسيا ماركيز كاتبا شبحاً لا نعرفه سوى من خلال كتبه بل كان حاضراً في المشهد الثقافي والسياسي العالمي وكنا نستمتع بقراءة حواراته وأخباره مثلما نستمتع بأعماله الأدبية». ويرى زكريا أنه كان طبيعياً أن تهتم السينما العالمية بغارسيا ماركيز، ولكن المدهش هو اهتمامه بالسينما الذي لم يقتصر على كتابة عدد كبير من سيناريوات الأفلام، ولكنه امتد إلى نشاطات أخرى مثل مساهمته في تأسيس مركز لتعليم السينما في كوبا - وفق رأيه -.

ويفسر زكريا قائلاً: «ولسبب آخر مختلف ارتبط اسم غارسيا ماركيز بالسينما وهو أن ابنه الأكبر رودريغو أصبح مخرجاً لامعاً في أميركا اللاتينية وهوليوود، ورغم أنه لا يعمل كثيراً إلا أن الأفلام القليلة التي قام بصنعها كانت لافتة في طريق سردها وموضوعاتها والحساسية المختلفة التي تحملها».

ويكشف لنا أن غارسيا الذي كتب ما لا يزيد على عشر روايات وأربع مجموعات قصصية له أكثر من خمسين فيلماً تحمل اسمه كمؤلف للقصة الأصلية أو كاتب سيناريو غير الأفلام التي تحمل اسمه كمشرف على السيناريو أو الأفلام الوثائقية التي صنعت عنه أو التي ظهر ليتحدث فيها. ومن بين هذه الأفلام المتنوعة وجدت فيلماً قديماً يعود إلى الستينات قام غارسيا ماركيز بكتابة السيناريو وساعد في مونتاجه وقام بالتمثيل فيه مع عدد من المشاهير منهم المخرج والمؤلف السينمائي الإسباني الكبير لويس بونويل.

كما أن له العديد من السيناريوات التي حملت اسمه مقتبسة من أصول أدبية لكتاب آخرين بعضهم معاصرون له مثل خوان رولفو، وبعضهم قديم جداً مثل سوفوكليس.

ويعرفنا زكريا أكثر بماركيز، ويقول: «كتب غارسيا ماركيز في بداية حياته المهنية كصحافي، عشرات المقالات النقدية لأفلام عصره هو الذي حضر العديد من المهرجانات الدولية مثل فينيسيا وكتب تغطيات عنها. كما أنه درس السينما وفكر في اتخاذها مهنة أساسية وقضى بالفعل سنوات في محرابها ككاتب سيناريو محترف.

كما أن الباحث في أدب غارسيا ماركيز يمكنه أن يدرك تأثير السينما فيه خصوصاً في أعماله الأولى قبل «مئة عام من العزلة» وأن يرى كيف لعبت السينما دوراً ملموساً في تطويره أسلوبه المميز الفريد. إن أدب وسينما غارسيا ماركيز يحملان دروساً قيمة عن العلاقة العميقة بين فنون الدراما والفنون بعامة وعن الفروق بين الوسائط الفنية وعن الأساليب والتقنيات المختلفة وهي دروس مقيدة لكل من يرغب في العمل بالأدب أو السينما أو الكتابة عنهما».

وينقل الناقد السينمائي عصام زكريا عن ماركيز، قوله «هناك أوقات فكرت فيها أن أصبح مخرجاً سينمائياً ودرست السينما في روما، ولكني أدركت أن هناك حدوداً في القالب السينمائي لا توجد في الأدب، وأصبحت مقتنعاً أن عمل الروائي هو أكثر عمل حر على ظهر وجه الأرض فأنت هنا سيد نفسك تماماً. مهما يكن شعرت أيضاً بأن السينما وسيط بلا حدود وكل شيء ممكن فيها، ثم ذهبت إلى المكسيك لأنني أردت أن أعمل في صناعة الأفلام ليس كمخرج ولكن ككاتب سيناريو. لكنني وجدت أن هناك عائقاً كبيراً في السينما وهو أنها فن صناعي صناعة كاملة وبالتالي فمن الصعب أن تعبر في السينما عما تريد التعبير عنه فعلاً، مع ذلك فلا زلت أفكر فيها، ولكن كرفاهية يمكن أن أقوم بها مع الأصدقاء من دون أن أطمع في التعبير عن نفسي فعلياً، لهذا فقد أخذت أتباعد وأتباعد عن السينما والآن علاقتي بها مثل زوجين غير متوافقين ولا يستطيعان الانفصال، ولكنهما أيضاً لا يستطيعان العيش معاً».

الحياة اللندنية في

13.03.2015

 
 

النافذة السابعة

لماذا نشاهد الفيلم أكثر من مرة

عبدالله آل عياف

ذكرت دراسة أن أكثر الأفلام التي يعيد الرجال مشاهدتها -تصل أحياناً للعشرين إعادة- هي سلسلة حرب النجوم ثم سلسلة الغرباء (الينز) ثم سلسلة المدمر (ترمينيتور) وبعدها فيلم "بليد رنر". في المقابل، أكثر فيلم يعدن النساء مشاهدته بواقع يصل لخمس عشرة إعادة هو فيلم "ديرتي دانسنق" ثم سلسلة "حرب النجوم" ثم "غريس" ثم "صوت الموسيقى".

منذ العقد الماضي، ينتج العالم ما يقارب العشرين ألف فيلم كل عام. وبدلاً من محاولة مشاهدة أكبر عدد ممكن منها، يعيد بعضنا مشاهدة أفلام قديمة مرة تلو الأخرى. ما الذي يجعل الناس يعيدون مشاهدة فيلم شاهدوه سابقاً؟ لماذا نميل لمشاهدة فيلم نعلم نهايته مسبقاً؟ بدلاً من أن نقرأ كتاباً جديداً أو نسمع أغنية حديثة أو حتى نزور مكاناً لم يسبق لنا المرور به نجد أننا نعود أحياناً لأشياء نعرفها ونألفها، نكرر مشاهدتها أو قراءتها أو سماعها.

هذه الأسئلة شغلت الفلاسفة والباحثين وخبراء التسويق، وخرج كل منهم بتفسيره الخاص لظاهرة تكرار البشر لتصرفات معينة بشكل دائم. إحدى هذه النظريات تقول إن هنالك أربعة أسباب رئيسية هي: التعود، الإدمان، الطقوس، والانحياز للوضع الراهن. تأتي العادة كسبب رئيسي فالإنسان أسير عاداته يكررها دون أي تفكير مع شعور بالراحة والاستئناس. أما الإدمان -وهو موضوع تناولته في مقال سابق- فسلطته أكبر حيث لا يستطيع المرء السيطرة فيه على نفسه ويجده ينقاد مجبرا للتكرار. الطقوس أقل تأثيراً من الإدمان فهي مرتبطة لدينا بظرف معين أو زمن معين أو حتى مناسبة معينة ونستطيع تركه في أي وقت أردنا، ولا يملك تلك السيطرة التي يملكها الإدمان أو حتى العادة. وأخيراً الانحياز للوضع الراهن أو لنقل ببساطة (الميل لعدم التغيير)، وهو ميلنا لعدم تجربة شيء جديد بسبب كراهتنا لبذل جهد في محاولة البحث نفسها أو محاولة فهم العمل الجديد، ولا مثال أفضل على ذلك من ميلنا لمشاهدة فيلم شاهدناه عندما نكون مرهقين أو مصابين بالنعاس.

بالتأكيد ستخطر على بالنا أسباب أخرى غير الأربعة تلك، النستولجيا مثلاً. نستولجيا كلمة يونانية قديمة تتركب من جزأين (نستوس) وتعني العودة للوطن و(الجوس) وتعني الألم. تستخدم الكلمة ككل لوصف شعور الحنين للماضي. نشاهد فيلماً ما لاستعادة شعور معين عشناه مع الفيلم سابقاً أو مع من شاهدنا معه الفيلم أو حتى الظروف والفترة التي شاهدناه فيها. هذا التفسير هو ما يجعلنا نهتز من الداخل عندما نعود لزيارة مدارسنا التي درسنا فيها ونحن صغار. النستولجيا هي ما يجعلنا نعيد الآن مشاهدة أفلام الكارتون المفضلة لدينا عندما كنا أطفالاً، ورغم تبرير بعضنا بأن أفلام الكارتون تلك كانت جيدة فعلاً عكس أفلام اليوم فإن ما يجعلنا معلقين بها هو الشعور الذي يجعلنا نعود صغاراً معها.

علم النفس يرجع بدوره بعض تلك الإعادات لتركيبة عقولنا كبشر. عقولنا مبرمجة لأن تجعلنا نشعر بالأمان، حدوث الأشياء بتكرار معين يشعرنا بأن هنالك نظاما في العالم ويجنبنا المخاوف من المفاجآت غير المحببة. معرفتنا للنهاية يشعرنا بشيء نألفه يجعلنا أكثر ثقة بما نتلقى وهو بالتأكيد شعود مخدر جميل. هذا على الأقل ما تعتقده الدكتورة النفسية باميلا راتلج مديرة مركز الأبحاث النفسية للإعلام.

في المرة القادمة التي يتوقف فيها الريموت بين يديك على قناة تعرض فيلماً سبق وشاهدته فلتسأل نفسك: لماذا أعيد مشاهدة هذا الفيلم؟ ألسبب مما ذكر بالأعلى؟ ألسبب لم يذكر؟ أم لأنه ببساطة يعجبنا جداً؟ على كل حال، لماذا نهتم بما يظنه العالم عنا؟ في النهاية ومهما كان سبب إعادة المشاهدة فهي ليست مجرد تكرار ممل بلا أي إضافة؟ قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس: أنت لا تستطيع أن تقطع النهر مرتين، ففي المرة الثانية يكون النهر قد تغير أو أنك أنت نفسك قد تغيرت.

الرياض السعودية في

13.03.2015

 
 

«الأصوات» فيلم مارجان سترابي.. الفانتازيا بين الرعب والكوميديا

ايمان حميدان (باريس)

اختارت المخرجة الإيرانية الفرنسية مارجان سترابي لفيلمها الأخير «الأصوات» (2014) The Voices أن يكون أميركياً رغم أن فريق العمل لم تطأ أقدامه أعضائه أميركا، وصُورت مشاهد الفيلم وسط ديكورات ضخمة في برلين ليأتي المكان نسخة عن بلدة ميلتون في الغرب الأوسط من أميركا.

لا بد أنه تحدٍّ كبير أن تقوم مخرجة إيرانية وقفت بين المخرجين الكبار في فيلمها الأول بيرسيبوليس بإخراج فيلم بعيد عن (بل قاطع مع) تجربتها السينمائية المبكرة، بخاصة أن مارجان سترابي لم تكن مخرجة أفلامها الاولى فحسب بل كاتبة لسيناريو الفيلم او مشاركة في كتابته أو حتى ممثلة فيه. قام بكتابة سيناريو فيلمها الأخير الكاتب التلفزيوني الأميركي مايكل بيري، وهذه هي تجربته الثانية في الكتابة السينمائية بعد سيناريو فيلم رعب بعنوان «نشاط فوق الطبيعي 2» (2010).

رجل يُعاني من اختلال نفسي، ويستطيع أن يجد مكاناً له في العمل، ويخاطب حيواناته، وحيواناته تردّ عليه وتحادثه، ويقتل زميلات له ويقطع جثثهن، ويضع رؤوسهن في البراد، ويتذكّر أمه التي تعاني من مرض نفسي يجعلها تعتقد أنها تتحدّث مع الملائكة، وحين تحاول الانتحار ولا تنجح يساعدها في وضع حد لحياتها بذبحها، ليتحوّل القتل في حياته الى ما يشبه رسالة مساعدة للآخرين أو هكذا يحاول إقناع نفسه وسط صراع يومي تغذيه أصوات الحيوانات التي تعيش معه في شقته. نعم هذا كله في فيلم واحد. انه مزيج مركب نجحت مارجان سترابي في جعله فيلماً جذّاباً يخرج منه المشاهد وهو يتأرجح بين بهجة حاولت مشاهد الفيلم الأخيرة الملونة والراقصة إثارتها، وبين قلق طفيف وحاجة لمقاربة أكثر طزاجة في رؤية ذلك الخيط الرفيع بين الواقع، كما يراه السواد من الناس، وبين واقع خاص ومختلف يقترب من الفانتازيا ويدفع صاحبه، المستسلم لهشاشة على حافة الجنون، إلى ممارسات مرعبة.

ميلتون النموذجية للفصام

يبدأ الفيلم بمشهد عام للبلدة ميلتون في ولاية ويسكنسن الأميركية. مشاهد داخل مصنع كبير لمغاطس الحمامات. الشاب الخجول المهذب جيري هيكفانغ (لعب الدور الكندي ريان رينولدز ببراعة فائقة) يعمل في المصنع بعد خروجه من إصلاحية التأهيل ويقوم بأعمال بسيطة لا تتطلب تركيزاً أو ذكاء مميزاً. تتابعه طبيبة نفسية بأمر من المحكمة وأهم عمل عليها القيام به هو التأكد أن جيري يواظب على تناول أدويته بشكل يومي.

جيري هو نموذج الأميركي دون المتوسط: بيت متواضع يشبه ببنائه الجاهز المعمل الذي يقضي نهاره فيه، وظيفة لا بأس بها لمن هم في وضع جيري، هر، كلب، سيارة، وطبيبة نفسية. كل شيء يبدو تحت السيطرة طالما أن الشاب الذي يعاني من الفصام يتناول أدويته بانتظام.

لكن جيري توقّف عن تناول الأدوية ولم يقل ذلك صراحة لطبيبته. الأدوية تجعله يرى الحقيقة كما هي. يرى واقعاً قاسياً معزولاً لا أفق له. يستعيد ذكرياته مع أم تنهي حياتها وزوج أم عنيف. عدم تناول الأدوية يساعده في اختراع عالمٍ موازٍ للواقع، أجمل وأكثر ألواناً وبهجة كذلك يجعل منه هذا العالم الموازي أكثر تصالحاً مع نفسه، خاصة أن جيري وحيد في حياته ولا أصدقاء له، وها هو يغدو وسط صحبة تشغله وتملأ ليله.

يتحدّث معهما بشكل يومي. إنها الأصوات التي يسمعها والتي يدخل معها في نقاشات حادة، حول سلوكه اليومي في العمل، علاقته مع النساء وخاصة مع الجميلة الانكليزية فيونا التي تعمل محاسبة في الشركة أو مع ليزا الزميلة الأخرى. الأصوات هي عالم جيري الداخلي، ولأن سترابي أخرجت هذا الفيلم لا بد من كمية لا بأس بها من الفانتازيا، لذا تتمثل تلك الأصوات بحيوانات تعيش مع البطل في بيته، مع الهر النزق مستر ويسكرز والكلب الوديع بوسكو.

أصوات متناقضة هي مرآة للعذاب الداخلي الذي يعاني منه جيري.

فكرة وجود كلب وهر يتحدثان مع البطل أخرجت الفيلم من نمطية كلاسيكية حول الصراع بين الخير والشر ووضعته في مكان جديد خارج التنميط الأخلاقي المملّ.

لكن رغم طزاجة الفكرة أظهر الفيلم في تقسيم دوري الهر والكلب نمطية اعتدنا عليها حتى في قصص الأطفال. دائماً الكلب يمثل الخير، وهنا نرى بوسكو الكلب الوديع يصرّ على أن جيري شخص جيد وينصحه بالابتعاد عن العنف أو القتل. أما الهر مستر ويسكرز فهو النقيض لبوسكو وهو الشرير ويحثّ الشاب على أن يكون شريراً وقاسياً وضد رئيسه وزملائه. الهر يقول له: «اقتل، أنت تحب القتل. في لحظة القتل تشعر أنك أكثر سعادة وأنك نفسك الحقيقية». لا تقتل! يعلّق الكلب بوسكو. صوتان متعارضان يرمزان إلى اختلالات جيري النفسية، فهو المصاب بالفصام الذي عاش تروما لم يستطع الخروج منها منذ كان صبيّاً صغيراً وهو محاولة انتحار أمه وطلبها منه المساعدة لوضع حد لحياتها.

الثقل النفسي الذي تعكسه أجواء الفيلم، لم يمنع الجمهور المدعوّ الى العرض الأول في باريس من الضحك حتى في أكثر اللحظات توتّراً حين يبدأ جيري حاملاً سكّيناً ضخماً، بتقطيع جثة زميلته فيونا التي قتلها خطأ. يضع أجزاء الجثة المقطعة بعلب بلاستيكية موضبة على رفوف المطبخ بعناية فائقة. اعتمدت المخرجة في تلك المشاهد التصوير من الخلف بحيث لم نر سوى خيوط الدماء تسيل على الأرض. هنا أيضاً يضحك الناس. يضحكون حين يحمل جيري رأس ضحاياه ويضعها في البراد ويحادثها ويشاركها فطور الصباح. ضحك الجمهور بدا لي كفيلم آخر يُعرض في الصالة، ولم أستطع الضحك!

براعة التصوير في الجمع بين لحظات رعب وكوميديا، والتي جعلت المشاهد يغرق في ضحك متقطع، تعود الى مدير التصوير البلجيكي مكسيم الكسندر المتخصص في تصوير افلام الرعب الا ان عمله مع سترابي التي تعشق صناعة عوالم فانتازيا ومرح في افلامها خلق من تعاونهما مزيجاً متخفّفاً من ثقل الرعب ونتائجه على المشاهد.

عبر تعاونها مع كاتب السيناريو مايكل بيري والممثل البارع رينولدز، نجحت سترابي في دوزنة أجواء الفيلم المتناقضة وتحركّت بمهارة بين الكوميديا والرعب وخلقت توازناً مذهلاً بين الواقع والفانتازيا مع خيط أساسي ألا وهو جرائم القتل التي قام بها جيري والتي كانت تُصوّر من وجهة نظر جيري المريض نفسياً. تحوّلت المقاربة في نهاية الفيلم إلى الاصطدام بالواقع، حينها تحوّلت عين الكاميرا المدهشة وسمحت لنا أن نرى الواقع المرعب لعالم جيري ومحيط بيته وحيواناته الصامتة التي لا تتكلّم أبداً! واللافت أن الأصوات التي كنا نسمعها كأنها تصدر من الهر والكلب قام الممثل ريان رينولدز بتسجيلها مما يظهر براعة أخرى في التقليد.

بعيداً عن البلد الأم

العرض الأول في باريس لفيلم «أصوات» كان بحضور المخرجة التي قالت إنّ فيلمها الأول بيرسيبوليس والذي رُشّح للأوسكار غيّر حياتها بحيث انهالت عليها عروض أفلام عدة من عميلها الأميركي ولم تشعر براحة إزاء مواضيع قدمت لها. أضافت أن الصحافة تحب أن تضعها في صندوق او أن يلصق بها «إتيكيت» مخرجة المرأة، أو مخرجة إيران، أو مخرجة الحيوانات. هذه المرة قالت إنها اختارت سيناريو فيلمها الأخير لغرابته ولأنه مختلف عما قامت به سابقاً وكان تحديّاً مسلياً وصعباً أن تصوّر هرّاً وكلباً كما لو أنهما يتكلمان. بدا كلام سترابي دفاعياً إزاء أسئلة كثيرة نشرت في الصحافة من نوع أين هي حالياً كاتبة ومخرجة برسيبوليس بعد أن ابتعدت في أفلامها الأخيرة عن مواضيع قريبة من عالمها الأول.

لكن هل حقاً ودّعت سترابي العمل في أفلام عن بلدها الأم؟ إذ أعلنت منذ خروج فيلمها الجديد أنّها لا تنوي العمل على سيناريو يتعلّق بإيران. هل هي طموحات المواضيع العالمية، أم بسبب أنّ لا أشياء جديدة تقولها عن مسقط الرأس كما ذكرت في إحدى المقابلات؟ لكنها وصلت للعالميّة مع فيلمها الأوّل «المحلي» برسيبوليس. ثم أن العالمية فضلاً عن جوائزها لا تحتاج فيلماً بسيناريو أميركي النكهة والمكان.

ما زالت أوروبا حتى اليوم بشقيها الغربي والشرقي تقوم بإخراج أفلام عن الهولوكوست أي عن جزء من تاريخها. والفيلم الذي حاز على جائزة الأوسكار لهذا العام لأفضل فيلم أجنبي (إيدا) هو فيلم أوروبي شرقي عن يهودية نجت من الهولوكوست. ودخل مخرجون إيرانيون العالمية من بابها الواسع حين قدموا أفلاماً تحاكي الواقع الإيراني. فيلم «انفصال» للإيراني اصغر فرهدي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2012 بعد جائزة الدب الذهبي في برلين، وللمخرج نفسه فيلم «الماضي»، الذي حصد بعد عامين جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان.

قد تكون المخرجة الإيرانية ابتعدت عن بداية مشوارها السينمائي القصير الا انها حافظت على نكهة عميقة من روح المرح والفانتازيا التي قدّمتها في أفلامها السابقة. هنا اجتازت امتحاناً صعباً لتخرج بمزاج كوميدي في فيلم معقّد كفيلم أصوات.

صحيح أنّ الملصق الدعائي يدعو إلى مشاهدة فيلم كوميدي أسود ممزوج بالتشويق. لكن الدراما تقبع خلف كل مشهد من مشاهده وسيشعر بها المشاهد. هناك مصير أسود ينتظر جيري الذي تحاصره الشرطة ويعيد المشاهد الى أرض الواقع إذ سيُقتل بسبب انفجار أنابيب الغاز تحت بيته. لكن سترابي التي لا تريد لفيلمها أن يأخذ منحى درامياً تختمه بمشهدٍ ساخرٍ على الطــريقة الأميركية. مرح في عالم كاذب يشبه فانتازيا جيري حين لا يتناول الدواء. يصعد جيري إلى الســماء وهناك يلتقي بأمه وزوج أمه وضحاياه الثلاث، يغنّون ويرقصون ويمجــّدون الموسيقى. مشهد ملوّن بلاستيكي كالبوظة الأميركية جمع كل من مات قتلاً بمن فيهم يسوع المسيح!

 

إيفا داود.. أحبّ الساحرات والحوريّات على رفوفي

لينا هويان الحسن*

السينما دائماً بانتظار مخرجين مؤثرين وصناع أفلام يمكن لهم أن يصنعوا الفارق.
فالسينما هي فكر وصنعة، رسالة وإبداع، واستشعار عميق الغور لقيمة الفن والحساسية الفنية التي يطوّرها الزمن ويصنعها التراكم. ايفا داود مخرجة سورية متخرجة من أكاديمية نيويورك للسينما، تتلمذت على يد البروفيسور نورمان بي شوارتز، عضو شرف دائم في لجنة اختيار أفلام الأوسكار وأستاذ ستيفن سبيلبيرغ وكلينت استوود.. ايفا داود لا تنسى قسوة أستاذها نورمان، وهو الذي يبدأ محاضراته بكل قسوة وشدة بعبارته المشهورة: «أنا لست أبوكم أنا لست أمكم، أنا هنا أستاذ لأعلمكم، لا لأدللّكم، ستلاقون مني كل القسوة، لأصقلكم، وتكتشفون إذاً حقيقة أنكم ستكونون مخرجين حقيقيين أم أنكم تهدرون أموال أهلكم».
في السنة الأخيرة لدراستها انتقل أستاذها نورمان لتدريس السينما في أبو ظبي فلحقت به متمسكة بحلمها بالتتلمذ على يديه. عندما تخرّجت وأنجزت فيلمها القصير الأول اتصلت به، حيث كان وقتها يقضي إجازته في ايطاليا وأخبرته بحماس كبير أنها فازت بالجائزة الأولى في أحد المهرجانات العربية، «قلت لنورمان: لقد فزتُ، ردّ عليّ ببرود: طبيعي أن تفوزي بالوطن العربي، عندما تبدأ أفلامك بالفوز في مهرجانات عالمية حينها فعلاً تكونين سجلت اسمك كمخرجة معترف بها عالمياً».

ايفا تصنع أفلامها وفق منطق «القدرة على توليد الجمال» وتعتبر أن فن السينما «أنقى نماذج التجربة الجمالية».

أتذكرونهم أبطال أفلام الكرتون: غرندايزر، جونكر، ريمي، سندريلا، دايسكي، سيلفر، بياض الثلج وأقزامها السبعة، الأميرة النائمة، حورية البحر؟! معظمهم، سنعثر عليهم مصطفين على رفوف منزل ايفا داود، التي تسكن وتعيش في مدينة المنامة. أسألها عن سر ازدحام تلك الدمى على رفوف منزلها. بعضها مصنوع من الخزف والبعض الآخر مصنوع من الخشب. فاترينات مملوءة بأميرات وجنيّات الغابة المسحورة.

للفور هزّت برأسها نفياً: «لا أجمعها لألعب بها». تؤكد لي أنها لم تكن يوماً بطفولتها ممن يجلسون ويلعبون بالدمى، كانت مغرمة بمتابعة أفلام الكرتون، وتقرأ كثيراً. نتذكر كلانا وبحنين كبير المجلات التي كانت تصدر في سوريا في فترة الثمانينيات يوم كنا أطفالاً. كانت هناك مجلة أسامة وسلسلة روايات المكتبة الخضراء المصوّرة. نعود للحديث عن ولعها بتجميع الدمى وأنا أستعرض مجموعة هائلة لدمى الساحرات الشريرات، رغم أنها لم تجمع الدمى وهي صغيرة، لكنها حالما كبرت أصبحت مدمنة دمى بامتياز جلبتها معها من بقاع مختلفة من العالم.

تقول ايفا: «بمرأى هذه الدمى تنتعش الحكايات في رأسي ويُعاد بعث الجمال الذي كنا نتلقاه ونحن نتابع تلك الحكايا. انظر لهم وكأنه العالم الذي أستطيع أن أركض بين طياته وأبني عليه قصصاً جديدة وحكايا». تضحك وهي تعرض لي آخر دمية اشترتها والتي كانت لأليكسا ملكة الثلج.
السينما رفيقة كل أحلامها منذ ذلك اليوم الذي كانت تستمع فيه لجدتها وهي تقص عليها الحكايا، تقول ايفا: «لم أكن أعرف أن ما أرسمه بعين خيالي، يسمّى عند الكبار سينما، كانت حكايا جدتي تتجسّد في مخيلتي ثلاثية الأبعاد، تمشي شخوصها، وتتحرك..». كبرت ايفا وعرفت أن هنالك فنّاً يمكنه تحويل تلك القصص والحكايا أمراً واقعاً، هنا كان حلمها بالسينما.
استوقفني مرأى العدد الكبير لدمى الساحرات الشريرات، حيث المكنسة الجاهزة للطيران والتحلّق في غياهب ليل الشر، ايفا تبرر لي: «أحبّ جميع الشخصيات التي عرفناها في حكايا الطفولة، لكني أحبّ الساحرات الشريرات بشكل خاص، أراها شخصية مشوقة غير مملّة، مليئة بالمفاجآت، أنا لا أجدهن شريرات. شخصيات ذكية جداً وبشكل غير تقليدي، للساحرة الشريرة حساسية عالية اتجاه الأشياء، لكن وبطريقة ما، تعرضن لـ شرخ وانكسار ما، ناتجين عن غدر أو خيانة الشخصية، مما حولها من طيبة مطلقة لشر مطلق». أخذنا الحديث إلى فيلم انجلينا جولي الأخير «مالفيسنت»، والذي يعالج الفكرة ذاتها.

ستة أفلام قصيرة في رصيد ايفا داود، خمسة منها تأليفها وإخراجها وفيلم واحد من تأليف عدنان أبو الشامات وإخراجها.

الخيال السحري

عناوين أفلام ايفا: «السندريللا الجديدة، في غيابات من أحب، لو كنت معي، عفريت النبع، ربيع مرّ من هُنا، والفيلم الأخير سارق النور». غالبها عناوين تحيلنا إلى عالم الخيال السحري الذي لا تخبئ ايفا إعجابها الشديد به، لا غرابة أنها معجبة جداً بـ «فيلم ملك الخواتم»، ومتأثرة بأفلام كريستوفر نولان، بيتر جاكسون.

إيفا السورية الانتماء والبحرينية الجنسية، والتي تقيم في منزل يشبه نسخة مصغّرة عن عالم والت ديزني في مدينة المنامة، صورت أفلامها السالفة الذكر في بلدان مختلفة ابوظبي، دمشق، البحرين واسبانيا.

وكان لأفلامها الحظ الجيد بأن تشارك في مهرجانات عالمية مختلفة مثل مهرجان بالم بيتش، وأثينت، ومونتريال، الباهاماس، بالم سبرينغ، ليفربول، كمبوديا، جيبور، مسقط، الاسماعيلية، كانّ، فيرونا سان جيو. نالت جوائز عدة تشي بموهبتها وتفرّدها بصنع اسلوبها الخاص. نالت جائزة أفضل فيلم قصير/ كالفورنيا، جائزة اللؤلؤة السوداء، لمهرجان أبوظبي السينمائي/ الإمارات العربية المتحدة، جائزة الشرف للإخراج من مهرجان محبي السينما/ لوس انجليس، جائزة الملكية الحقيقية من مهرجان كندا للسينما العالمية/ كندا، جائزة الفيلم السينمائي القصير من مهرجان أربن للسينما العالمية أتلانتا/ اميركا، جائزة أحسن فيلم قصير في مهرجان عين المرأة في السينما/ كندا.

جديداها هو فيلم: سارق النور، من تمثيل ممثلين اسبان: أنخييل دي ماغويل
ألوما إيسودير، ماريا بيدروفيجو. الفيلم سيعرض هذا الموسم ضمن مهرجانات السينما العالمية.

عن الفيلم تقول ايفا:

«في هذا الفيلم اعتمدت على أداء الممثل بكل أدواته وتعابير وجهه وجسده وحتى أنفاسه، لكنني غيّبت الكلام عن الفيلم، فجمله الحوارية قصيرة لم تتجاوز الخمس جمل، لكن الموسيقى في فيلمي كانت حاضرة عوضاً عن الحوار، أثق بقدرة الموسيقى على أن تنوب عن أعمق الحوارات». على الرغم من أنه فيلم قصير، لكن ايفا داود استعانت بأوركسترا حقيقية، لتعزف موسيقى الفيلم التصويرية.

مما لا شك فيه أن ايفا داود صاحبة أفكار مبتكرة وجديدة، وبشغف تنتظر السينما العربية المخرج البارع الذي يجعل فيلمه فاعلاً ومؤثراً.

*كاتبة سورية

السفير اللبنانية في

13.03.2015

 
 

مونوكروم الألفية الجديدة (1):

خمسة أفلام أمريكية حديثة بالأبيض والأسود

محمد صبحي – التقرير

رغم كل ما شهدته صناعة السينما من تكنولوجيا متطورة، لا تزال سينما الأبيض والأسود قادرة على الحضور. في العام 2012، ذهبت جائزة أوسكار أفضل فيلم إلى “The Artist” المصوّر بالأبيض والأسود، في نفس العام ظهرت خمسة أفلام فنية arthouse بالأبيض والأسود: “The Day He Arrives” للكوري الجنوبي هونج سانج سو، “Keyhole” للكندي جاي مادين، “The Turin Horse” للمجري بيلا تار، “Tabu” للبرتغالي ميجيل جوميز، “The Color Wheel” للأمريكي أليكس روس بيري.  الأفلام الثلاثة الأخيرة، هي فقط التي صوّرت في الأصل على فيلم خام أبيض وأسود.

في العام 2013، ظهرت خمسة أفلام أخرى مصوّرة بالأبيض والأسود: “Frances Ha” لنواه بامباخ، “Nebraska” لألكسندر باين، “Computer Chess” لأندريه بوجلاسكي، “Much Ado About Nothing” لجوس ويدون، “Jealousy” لفيليب جاريل. الأفلام الأربعة الأولى لمخرجين أمريكيين وأيضًا لم يتم تصويرها على فيلم خام أبيض وأسود. في العام الماضي، دخل مخرجون جدد على خط التجربة فظهر “Ida” للبولندي بافل بافليكوفسكي، و”ديكور” للمصري أحمد عبد الله.

في أغلب تلك التجارب، لا يكون التصوير بالأساس بالأبيض والأسود؛ بل يتم التصوير بالألوان عادة ثم تجري عملية المعالجة للتحويل إلى الأبيض والأسود؛ فما الذي يغري صانعي الأفلام بالعودة إلى اللونين الكلاسيكيين؟ بالتأكيد لكل أسبابه الخاصة: الحنين ربما، أو لمناسبة السياق التاريخي لموضوع الفيلم كما هو الحال في  Tabu أو The Artist، أو رؤية فنية خاصة كما يبرز في ذلك الاتجاه بيلا تار وجاي مادين اللذان اختارا تصوير كلّ أفلامهما بالأبيض والأسود.

ولكن، هناك من تجذبه إمكانيات الوسيط للتمويه بين “الأبيض والأسود” كمرجعية فنية، واستخدامه من أجل خصائصه البنوية: قدرته على خلق صورة شبه واقعية أقرب لأحلام اليقظة تتصاعد فيها الظلال، التركيبات، التخططيات كما في “Computer Chess”  و”The Color Wheel”. المُشاهِد من جانبه ربما يؤخذ بطريقة الحكي بالأبيض والأسود عن عالم حديث، أو يرى أن الأبيض والأسود يعلي من التأثير الدرامي لفيلم ما. وربما يمتعض البعض من ذلك الاختيار، مؤكدين على أنها دليل قِدَم لا إبداع، وتصدّر إحساسًا بالفقر الفني!

على كلٍّ، (التقرير) ستصحبكم في إطلالة، تحاول أن تكون وافية، على إنتاج السينما العالمية من “أفلام الأبيض والأسود” في الألفية الجديدة، من خلال عدة مقالات سيكون أولها خاصًا بالسينما الأمريكية، وبالأخص السينما الأمريكية المستقلة، واستعراض خمسة أفلام اختارت الأبيض والأسود كي تظهر على مشاهديها.

Computer Chess (2013)

قبل أي شيء، مخرج هذا الفيلم هو واحد من المخرجين الكبار الذين لم ينالوا التقدير والاهتمام اللازم من النقاد والمتابعين. أندريه بوجلاسكي Andrew Bujalski، هو في طليعة مجددي فن السينما في عصرنا الحالي، ولا يسعني سوى حث كل من يريد تجربة سينمائية مغايرة ومحترمة على مشاهدة أفلامه.

الفيلم يبدو مفارقًا لكل الإنجاز السينمائي الأمريكي المستقل في السنوات العشرين الأخيرة. في فيلمه الرابع، حقق أندريه بوجلاسكي Andrew Bujalski الشيء الكبير؛ فالفيلم يشكل الخروج الزمني الأول له، وبعد العمل مع فيلم 16 مللي في Mutual Appreciation، تحوّل هنا إلى “أبيض وأسود” عفا عليه الزمن باستخدامه لكاميرا من إنتاج السبعينيات لا تصوّر سوى بالأبيض والأسود. من على السطح، يبدو الفيلم كتوثيق فضفاض لأحد المؤتمرات التكنولوجية المنعقدة في الإجازة الأسبوعية بحضور عدد من المبرمجين وأوائل المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، خصوصًا أولئك الذين يعملون على تطوير برامج شطرنج مستقلة. تدور أحداث الفيلم في بداية الثمانينيات، حين كان دور الكمبيوتر في الحياة اليومية مجرد فكرة تبدو واقعية، ولكن غير محددة.

الثقافة المرتبطة بالاختراع الجديد لم تكن بذلك الشيوع الذي نشهده في أيامنا هذا؛ بل انحصرت نقاشاتها في دوائر مهووسي التكنولوجيا وأساتذة جامعيين محتملين ورجال أعمال المشاريع المستقبلية، ونماذج أخرى غريبة لا يزدهر إنتاجها سوى في بيئات مسيطر عليها بعناية. تجتمع تلك التشكيلة من الشخصيات في أحد الفنادق الغريبة صحبة لوحات التحكم الخاصة بهم، بينما يقوم سيد الشطرنج البشري بات هندرسون (قام بدوره الناقد الفني جيرالد بيري Gerald Peary) بمراسم استقبال تشريفية.

لا يذهب بوجلاسكي لتلك الفترة الزمنية لعرض سذاجتها أو التمرمغ في الحنين. عوضًا عن ذلك، ينظر الفيلم إلى المشهد التقني قبل أن يصبح جاذبًا لأصحاب المليارات. لن نجد استقصاء للماضي بأسباب الحاضر ووسائله backshadowing، ولكن إعادة النظر في احتمالات مجهولة، وفي هذا الصدد يبدو واضحًا شعور بوجلاسكي بالقرابة من هؤلاء المبرمجين. استخدامه لصورة الفيديو التناظرية القديمة analog، يمنحه الفرصة لعرض إمكانياتها الجمالية.

وبالمثل، فبنية الفيلم مع اهتمام المخرج المشتت بين الشخصيات المتناثرة، والإحساس الدائري بالزمن تتلاقى مع الإحساس بشبكية الحبكة بدلًا من خطّيتها، وهي التقنية التي يعارض بها بوجلاسكي أسلوب السينمائيين الواقعيين. في جوهر بنيته الدائرية تلك، فان الفيلم يرفض الأحكام اليقينية بشأن الماضي أو استشراف المستقبل، وبوجلاسكي في ذلك يبدو كصانع سينمائي بعقلية فارس قديم يتحسس طريقه في الظلام.

صفحة الفيلم على IMDB

شاهد تريلر الفيلم

The Color Wheel (2011)

JR، (الشخصية التي تقوم بدورها كارلين ألتمان Carlen Altman)، مذيعة طموحة في العشرينيات من عمرها ولكن بدون موهبة. يومًا ما تطلب من شقيقها العصبي كولين (يقوم بدوره مخرج الفيلم أليكس روس بيري Alex Ross Perry) المساعدة في نقل أغراضها من شقة صديقها السابق، والذي نعرف أنه أستاذها السابق. يعتقد كولين أن JR بائسة ولا تبعث على المتعة، ولكنه لا يعترف بأنه على نفس القدر من السوء، وهو العالق في علاقة امتدت لثلاث سنوات مع امرأة تعلن عن كراهيتها له وترفض النوم معه.

على مضض، يصعد كولين إلى سيارة شقيقته ويبدءان رحلة من ضواحي بنسلفانيا إلى بوسطن. وكعادة تلك الأفلام، محطة الوصول ليست مهمة بقدر الأحداث التي ستقع خلال الرحلة نفسها؛ وهذا هو الشيء التقليدي الوحيد في هذا الفيلم.

ينهل الفيلم من عدمية فيليب روث وسخرية جيري لويس المتأخرة، في حكايته عن زوجين شنيعين، أخ وأخت لا يقدمان أي اعتذار عن سلوكهما ويبدوان كما لو كانا على استعداد للإساءة لكل من يقابلهما، ولكن يظلا مثيرين للفضول بطريقة غريبة. مزاحهما المعتمد على سرعة البديهة والإخلاص لعملية إذلال مشترك، يعطي الانطباع بارتجال تمثيلي ولكن في الحقيقة كل ذلك مكتوب بإتقان محكم من مؤلفي الفيلم (وهما أيضًا من قاما بالدورين الرئيسين). فقط عندما يبدو وكأن هاتين الشخصيتين قد أسقطا كل ما يثقل كاهليهما وسمحا لنفسيهما بتصرف يبرز حقيقتيهما، فإنهما يفعلا شيئًا سيجده أغلب المشاهدين مؤسفًا وربما مقززًا.

عوضاً عن حرق الفيلم وحكي تفاصيله، يمكن الإشارة إلى درّة الفيلم: لقطة طويلة تستمر فتنتها طيلة عشر دقائق، يجلس فيها كولين وJR على أريكة ويتحدثان عن لا شيء تقريبًا. ولكن بينما تشاهد ذلك، وبينما الكاميرا تتحرك بثبات هادئ، تدرك قيمة تلك الدقائق: إنها أول محادثة صافية نشاهدها في الفيلم وربما في حياتهما أيضًا.

كاميرا شون بريس ويليام  Sean Price William، تتنوع حركتها بين الصورة المهتزة والزوم المُركّب واللقطات المتحركة dolly-shot، ولكن لا شيء متسرع في هذا الفيلم المكاني بامتياز. أسلوبه الجامح وانعطافاته النغمية ترمينا في قلب رؤيته القاتمة -والمتعاطفة في جوهرها- للحياة والتوق البشري. بجمعه بين الكوميديا والدراما وفكاهة تتراوح بين الهزلية والساخرة والبغيضة، ولعبة حوارية تبدو فيها الكلمات ككرات مطاطية ترتد بين جدران متقابلة؛ The Color Wheel بالتأكيد لا يصلح للجميع، ولكن جرأته لا يمكن إنكارها.

فيلم أليكس روس بيري ذو الميزانية المتقشفة، والذي تم تصويره على فيلم 16 مللي، هو واحد من أقوى وأجرأ الأفلام الأمريكية المستقلة في العقد الأخير؛ بتحديه لما تم تكريسه من أسلوب وذوق عن الفيلم المستقل، وتقديمه إجابة جديدة لسؤال ما الذي يمكن لفيلم مستقل أن يقدمه؟

صفحة الفيلم على IMDB

شاهد تريلر الفيلم

Frances Ha (2012)

نواه بامباخ Noah Baumbach، الفتى المدلل للمشهد الأمريكي السينمائي المستقل (أخرج أيضًا The Squid and the Whale وMargot at the Wedding، وكتب للمدلل الآخر ويس أندرسون Wes Anderson فيلمي The Life Aquatic with Steve Zissou وThe Fantastic Mr Fox) يتعاون مع ديفا السينما الأمريكية المستقلة جريتا جيرفيج Greta Gerwig (حبيبة المخرج، والتي عملت منذ 2006 في مجموعة كبيرة من الأفلام الصغيرة التي لن تراها أبدًا) ليقدما فيلمًا من تلك الأفلام التى تترك شعورًا جيدًا لدى مشاهدها.

تلعب جرفيج دور فرانسيس، راقصة أو كوريوجرافر محتملة، امرأة شابة تحاول إيجاد المشتبه بهم المعتادين (الحب، الاستقرار المهني، الرضا الإبداعي) في نيويورك، المدينة نفسها التي تسكنها فتيات لينا دنهام Lena Dunham. فرانسيس طرف في واحدة من تلك الصداقات الطويلة مع صوفي (ميكي سامنر Mickey Sumner)، والتي تعمل في دار النشر راندوم هاوس Random House. “نحن مثل ثنائي مثلي، ولكن لم يعودا يمارسا الجنس”. مثل كثير من شخصيات الفيلم، تتحدث الصديقتان بأريحية عن حياتهما الجنسية، والتي تبدو عارضة وغير مقنعة لكلتيهما. يتخيلان مستقبلهما: سيكون هناك “عشاق بدون أطفال”، وشهادات فخرية، وبالطبع لا مزيد من المآزق الحياتية.

بشكل ما الفيلم عن مفترقات الطرق التي تضعها الحياة أمامها، وسؤال “ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟”. عن تجربة الخروج من العشرينيات الخالية من المسؤولية والدخول في ثلاثينيات العمر المنذرة بالكثير. بطريقة دائرية، ورغم اهتمام السيدتين الصغيرتين بالرجال حول المدينة، هناك اهتمام بكيف تصبح الصديقة صديقة girlfriend. فرانسيس وصوفي يلتقطان تلك المشاعر من الحب والإثارة والتقارب الخانق والشائك الذي يأتي من الوجود في تلك المنطقة من العلاقات الإنسانية.

في حوار مع بيتر بوجدانوفيتش Peter Bogdanovich، تحدث المخرج عن فوتوغرافيا الفيلم وصعوبة تصوير فيلم بالأبيض والأسود بكاميرا ديجيتال، حيث ذكر شيئًا عن أضواء النيون في باريس والتي كانت مبتذلة في النسخة الملونة، ولكن حين حوّل الفيلم إلى الأبيض والأسود ظهرت بصورة مدهشة. بامباخ الذي صوّر فيلمه في نيويورك وسان فرانسيسكو وباريس، بدا واضحًا حضور الموجة الفرنسية الجديدة Nouvelle Vague في ذهنه (في أحد المشاهد نلمح على جدران أحد مساكن فرانسيس المؤقتة بوستر L’argent de poche) (1976) لفرانسوا تروفو.

ولكن، ذلك التأثر مقصود وموضوعي وله أسبابه الوجيهة التي تتقاطع مع أعمال مخرجي الموجة الفرنسية: الإيقاع (الحركات اللاهثة والوعي الذاتي للشخصيات)، والسرد (اندفاع الشباب في البيئات الحضرية)، والخشونة التقنية (الكاميرا المستخدمة في تصوير الفيلم تعادل في زمنها الكاميرات التي استخدمها “جودار” و”تروفو” في بدايتهما)، حتى إننا نجد أصداءً لإريك رومير Eric Rohmer  (بالتحديد في اهتمام الفيلم بفكرة الواقع المستقر لشخصيته الرئيسة، والذي يتم اختباره بواقع آخر مختلف، وفي النهاية تتم العودة للواقع الأول).

مثل تلك الاستيحاءات موجودة على الدوام في أعمال بامباخ، ولكنها هنا تتصدّر الواجهة في تحية منعشة للرواد، حملت جرفيج عبئها الأساسي بخفتها وأدائها المتقن، لا ارتجال زائد ولا إفراط في التمثيل. هي التي ربما لا تتحصّل على المواصفات الشكلية لنجمات هوليوود المكرّسين، ولكن هناك شيء مميز بخصوصها: تبدو وكأنها ممثلة أنيقة خارجة من الأربعينيات، الأمر الذي يجعل ذلك الفيلم في بعض الأحيان ساحرًا.

صفحة الفيلم على IMDB

لمن يجرؤ فقط

ياسمين عادل – التقرير

الحياة ليست بالبساطة التي قد نتصورها، ليس لأنها معقدة بالضرورة؛ ولكن لأن الكثير من البشر لم يتعلموا فن الاختيار إن كان هناك شيء يمكن أن يطلق عليه ذلك! ناهيكم عن أن الخبرة الحياتية والتجارب التي نمر بها؛ بل وحتى تكرار الوقوع من وقت لآخر بين فخ الخطأ وراحة الصواب، ليس كافيًا لضمان حُسن الاختيار في المرات القادمة.

فالحياة تُشبه عملًا مسرحيًا يُذاع على الهواء مباشرًة قائمًا في الأساس على براعتك في الارتجال، وسرعة بديهتك لتصَوُّر ما ستؤول إليه الأحداث إذا ما قمت بخطوة معينة، ما يترتب عليه تحديد قرارك بأخذ تلك الخطوة فعلًا أم لا.

كانت تلك هي بعض الأفكار التي حاصرتني بعد مشاهدتي لفيلم Take This Waltz.

الفيلم إنتاج 2011، تدور أحداثه حول “مارغو” المتزوجة من “لو” إلا أنها بعد 5 سنوات زواج تقابل جارها “دانيال” بالصدفة، فتشعر تجاهه بمشاعر ما تضعها على حافة الخيانة أو الرحيل، لكنها تختار الاستمرار في الحياة، قد تكون لا تُحب الخيانة لكن الأهم أنها شخصية حائرة، تجهل كيف تتصرف في محك الاختيار وتنزعج بشدة من الوقوف بين تجربتين، فلا تعرف ماذا عليها أن تفعل.

المميز في الفيلم أنه لم يتناول الحدوتة ثلاثية الأطراف من المنظور المُتعارف عليه، حيث طرف مُخطئ وطرف مُصيب؛ بل إنه يعرض الحكاية بشكل هادئ وإنساني يصعب معه أن تحدد موقفك من الشخصيات الثلاث! فالزوج شخص حنون وظريف، يحب زوجته كثيرًا. والجار/الحبيب هو الآخر يبدو شخصية منسجمة تمامًا مع الزوجة ومناسبة لها، كما أن الأمر لا يخلو من كيمياء جسدية واضحة بينهما.

أما مارغو، فهي عالقة بين حافتين، تُحب زوجها ولا تذكره إلا بكل ما هو جيد ومثالي، في الوقت نفسه مشاعرها تجاه ذلك الشخص الذي ظهر فجأة من العدم تبدأ باهتمام ثم إعجاب يليه رغبة إلى أن تصل إلى الحب، لتسقط فريسة بين رغبتها في أن تستسلم لتلك القصة وبين إيمانها بأن زوجها لا يستحق منها ذلك، فتتحول إلى شبح في عِز الانسجام مع زوجها تشعر بداخلها أنها غير مكتملة، شيء ما ينقصها، بينما مع الرجل الآخر تشعر بالارتياح وأنها على طبيعتها أكثر، وحين تفكر فعليًا في المجازفة تتحول لتمثال جامد، حيث ضميرها لا يسمح لها بالتجاوز رغم رغبتها في حدوث ذلك.

في كل الأحوال هناك شيء ينقصها، تنظر لعينيها فتشعر فيهما بالوحدة والملل أو الشغف لعودة وهج البدايات الأولى، الحديث الذي لا ينقطع، وممارسة الحب دون أي أفكار سلبية بداخلك تجاه الطرف الآخر.

تتوالى الأحداث إلى أن يكتشف الزوج عاطفة زوجته تجاه جارهم، فيمنحها الإذن بالرحيل لتذهب فعلًا وترتبط بالرجل الآخر وتعيش معه. ثم قبل النهاية تقابل مارغو زوجها الأول فنجدها تنظر له نظرات افتقاد ووَحشَة كما كانت تنظر لجارها حين كانت علاقتهم غير متاحة، لتعود إلى منزل حبيبها الحالي وفي عينيها نفس لمعة الشعور بالنقص والوحدة والخواء.

لذا؛ وكما قلت في السابق، الحياة ليست بسيطة لدرجة أن يكون الاختيار وحده كافيًا أو ضمانًا للنجاح وتحقيق السعادة.

في بدايات الفيلم، تظهر مارجو على كرسي متحرك بينما تُدخلها المُضيفة الطائرة وحين يسألها دانيال/الشخص المجاور لها لماذا تفعل ذلك وهي قادرة على المشي؟ تُجيبه بأنها تخاف المطارات والتواصل، تخاف من الاستعجال والركض والمعرفة والبحث عن الوصول، وتتساءل دومًا: تُرى هل ستصل في الوقت المناسب؟!

وحين يسألها ما الذي تعتقد أنه قد يحدث إذا وصلت متأخرة بالفعل؟ تكون إجابتها أنها تعتقد أنها قد تتوه، تتعفن، وتموت في مكان لا يعلم عنه أحد، والأمر لا يتعلق بالخوف من الوصول متأخرة قدر ما تخشى أن تعلق بين الأشياء، حتى إنها تخاف من كونها خائفة في الأساس.

تلك هي المسألة.. الخوف البشري الطبيعي من حالة البين بين، حتى إن البعض قد يتمنى حدوث الأسوأ بدلًا من الانتظار. وحقيقة لقد برعت المخرجة في توضيح كل تلك الإشكاليات والمشاعر من خلال الصورة والصوت والتمثيل، كما برعت البطلة بشكل هائل في تجسيد الشخصية؛ إلا أن أكثر ما استوقفني واهتممت بمتابعته طوال الفيلم كان ألوان ملابس البطلة نفسها؛ إذ إنها طوال الوقت لم ترتد سوى ملابس باللون الأحمر أو الأزرق أو اللونين معًا، إلا في مشهد واحد حين قابلت زوجها في النهاية ارتدت اللون الأصفر -ما يعكس الثقة بالنفس- لكنها وبعد العودة لحبيبها الذي تركت كل شيء من أجله، نجدها تعود من جديد لارتداء لونيها القديمين وبالطبع هذا الأمر لا يمكن أن يكون اعتباطيًا.

في علم النفس تدل الألوان على الكثير من شخصيتنا، سواء فعلنا ذلك بقصد أو بدون، فإذا أخذنا البطلة هنا كمثال سنجد أن:

اللون الأحمر: هو لون ساخن قوي، مثير وأساسي، والأهم مرتفع الطاقة، ويُعتبر أكثر الألوان وضوحًا وتميزًا ولفتًا للنظر، وبالرغم من أنه قد يعني القوة والحسم والطاقة والمغامرة؛ إلا أنه يعني كذلك الغضب والانفعالات القوية.

يقول عنه علماء النفس إنه لون الحب؛ إلا أن علماء الطاقة يرونه رمزًا للانتماء، فالشخص الذي يشعر بالوحدة يكون بحاجة إلى اللون الأحمر؛ لذا فإنه يرتديه دون وعي منه ليعالج هذا الشعور.

ويُوصف من يُفَضِّلُه بأنه نشيط وعاطفي وحساس، لديه القدرة على لفت انتباه الآخرين لشخصه، فيكون محور الاهتمام وإن كان غائبًا. والبعض يرى أن الزمن مع اللون الأحمر يبدو أسرع!

اللون الأزرق: سنجد أن الفاتح منه يمنح الشخص الرغبة في الانطلاق بالكلام والتعبير عن الذات، كما أنه يُنعش حالة التأمل والتفكير والإبداع لديه، فيساعد على التواصل الداخلي بين المرء ونفسه. أما الأزرق الغامق، فهو لون السكون والهدوء ويمكن أن يشير كذلك إلى التَحَفُّظ والبرود، ولكن الأهم أنه لون من يبحثون عن الحقائق.

ومن يحب الأزرق غالبًا ما يكون عاطفيًا لأقصى درجة، لا يخجل من التعبير عن مشاعره سواء بالبكاء أو الضحك من القلب. وعلى الرغم من كونه شخصًا منفتحًا على الآخر؛ إلا أنه كذلك لا يثق كثيرًا بمن حوله ويحتاج وقتًا طويلًا لمنح تلك الثقة.

وهكذا، لا من محض صدف أو أشياء ليس لها أساس مبنية عليه، مهما بدت بسيطة أو عفوية، فتتبعوا كل العلامات والإشارات، كونوا أصدقاءً لأنفسكم، لعلكم يومًا ما حين تسقطون فريسة لعبة/لعنة الاختيارات يكون الأمر يسيرًا عليكم، فتعرفون كيف تقرؤون ما لم يحدث قبل فوات الآوان.

التقرير الإلكترونية في

13.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)