كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ربيع السينما العربية يُزهر في "أيام" بيروت!

هوفيك حبشيان

 

طبعة ثامنة من مهرجان "أيام بيروت السينمائية" تنطلق هذا المساء في أسواق بيروت بفيلم "تومبوكتو" لعبد الرحمن سيساكو الفائز بسبع جوائز "سيزار" والمرشّح لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. لن يحضر سيساكو حفل الافتتاح، فالمخرج الموريتاني فضّل الذهاب الى الدوحة للمشاركة في درس سينما تنظمه مؤسسة الدوحة للأفلام. لكن "ينوب" عنه الممثل ابرهيم أحمد. يستمر المهرجان الذي ترعاه "بيروت دي سي" الى الحادي والعشرين من الجاري ويقدم بعضاً من أفضل انتاجات السنتين الماضيتين في السينما العربية، وإن كان البرنامج الخالي من أي حسّ مغامراتي وصدامي ينطوي على الكثير من الأعمال ذات الضمانات الفنية. اذا كان الافتتاح في الأسواق، فإن باقي العروض تجري في مكانها "الطبيعي"، أي سينما "متروبوليس" (صوفيل). أما فندق "سمولفيل" (بدارو)، فيحتضن الأعمال الكلاسيكية المعروضة الى جانب "ملتقى بيروت السينمائي" (13 - 15). نحو من 50 عنواناً بين روائي ووثائقي، بين طويل وقصير، يقترحها "الأيام" في هذه الدورة التي من المتوقع ان تجذب عدداً هائلاً من المشاهدين في موعد اصبح منتظراً، مرة كل سنتين، خصوصاً ان المهرجان يستضيف أيضاً صنّاع هذه الأفلام الذين سيلتقون الجمهور اللبناني.

يقول المنظمون في بيانهم الصحافي انهم اختاروا موضوع "السينما والدين". في هذا الاطار يُعرض فيلم المخرج الروسي اندره زفياغينتسف (راجع مقابلة "النهار" معه في عدد 24 شباط) "ليفياثان"، وهو عمل لفّ العالم السنة الماضية، حاصداً بعضاً من أهم الجوائز في كانّ ولندن وأبو ظبي، وانتهى سباقه في الـ"أوسكار"، فئة افضل فيلم أجنبي، ولكن الأكاديميين فضلوا عليه "ايدا".

من العراق، يأتينا المخرج سمير جمال الدين بفيلمه "الأوديسا العراقية" المصوَّر بتقنية الأبعاد الثلاثة، وسبق عرضه في برلين ضمن برنامج "بانوراما". أما المخرجون السوريون فلهم الحصة الكبرى: هناك أولاً تحفة محمد ملص "سلّم الى دمشق" الذي يختتم به المهرجان، على ان يُعرض في "متروبوليس" تجارياً فور انتهاء "الأيام". جسد غالية، مسكون بروح زينة، الفتاة التي قضت غرقًا يوم ولادتها. تُلاحق غالية حياة زينة السّابقة وذكرياتها، فتسافر إلى دمشق لدراسة التمثيل ولمحاولة فهم الحالة التي تعيشها. هناك تلتقي فؤاد؛ مخرج سينمائيّ طموح تسحره ازدواجيّة شخصيّة غالية، فيضمّها تحت جناحه ويساعدها لتجد مكانًا تسكن فيه في منزل دمشقيّ جُعِل بيتاً للطلبة يسكنه شباب سوريّون من مختلف المناطق. داخل جدران هذا المنزل، يتبلور حبّ فؤاد لغالية وزينة معاً. في الوقت عينه، تبدأ الاضطرابات في سوريا وتتصاعد منتهكةً تدريجيًا عزلة الشخصيات.

من سوريا ايضاً، يأتينا المخرج الشاب زياد كلثوم بفيلم "الرقيب الخالد" (عُرض في لوكارنو). بعد إنهائه فترة خدمته العسكرية، يتم استبقاء المخرج مع بداية الثورة في بلده في الخدمة العسكرية كاحتياط. رتبته العسكرية هي رقيب. خلال هذه الفترة، كان يعود كل مساء إلى منزله في وسط دمشق، يخلع زيّه العسكري ويعود إلى حياته العادية، كمساعد مخرج في فيلم لصديقه محمد ملص. نتيجة هذه الحالة الفصامية، يقرر المخرج أن يحمل كاميرته الخاصة ليصور "فترة تصوير" فيلم ملص. لكن النتيجة ستكون أبعد من ذلك.

ثانية الجواهر السينمائية السورية من توقيع المخرج القدير أسامة محمد: "ماء الفضة" (كانّ 2014). لكن أسامة لم ينجز الفيلم بمفرده فهو تعاون مع وئام سيماف بدرخان التي منحت العمل صوتها واحساسها وصورها المشتتة التي التقطتها في حمص. مع "ماء الفضّة"، يعود أسامة محمد الى السينما بعد سنوات من "الاستبعاد" البصري. التراجيديا السورية، كانت المسوّغ لإعادته الى خلف الكاميرا وإنزاله في أحشاء الصرخة التي يطلقها. يعود يحمل كاميرا لم يحملها طوال مساره، الا عندما كان يشعر بضرورة حملها. أسامة محمد لم يصنع الأفلام الا عندما كانت لتلك الأفلام القدرة على مناداته أو مناجاته، وعندما كانت للصورة التي يريد التقاطها صدى في ضميره السينمائي. كأن الأفلام القليلة التي قدّمها، هي التي بحثت عنه لدعوته إلى الكلام والتوثيق والبحث المتجدد في مقترحات اللغة المتبدلة بين مرحلة وأخرى. وئام سيماف بدرخان فتاة كردية كتبت له تسأله: "ماذا كنتَ صوّرتَ لو كنتَ أنتَ وكاميراتك في حمص في هذه اللحظة؟". عندما طُرح عليه هذا السؤال، لم يكن يعلم بعد أن اللقاء الالكتروني بينهما سيخلص الى تحفة سينمائية تُعتبر أول وثيقة مهمة عن النزف السوري المتعدد، الذي يجري ضمن نزاع أكبر ينتظر العالم أجمع فصله الأخير.

التراجيديا السورية عينها ولكن من بابها النضالي والحربي المباشر، ألهمت ايضاً السوري الآخر طلال ديركي، فكان "العودة الى حمص"، وثائقي شوهد كثيراً العام الماضي ونال جائزة لجنة التحكيم الكبرى في ساندانس. يستند الفيلم الى مواد فيلمية كثيرة، أبرزها ما التُقط اثناء الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري في حمص منتصف شهر آذار 2011. احتجاجات سلمية تطورت الى نزاع مسلح ودموي ذهب ضحيته الآلاف ودُمِّر بسببه الجزء الأكبر من المدينة. النجم الثاني للفيلم هو الشخصية التي يقتفي ديركي اثرها، ويرافقها خطوة خطوة: عبد الباسط الساروت الذي كان حارس المرمى للمنتخب السوري للشباب لكرة القدم. عندما اندلعت الثورة السورية تحوّل الساروت الى أبرز العناصر التي تقود الحراك السلمي في البلاد. حراك ارتكز في شكل اساسي على الأناشيد. مع بلوغ السلمية حدود اليأس، حمل الساروت السلاح فصار مقاتلاً شرساً في صفوف الثوار.

عن فلسطين خمسة أفلام طويلة، اثنان منها عن اليرموك، مخيم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، احدهما بتوقيع الفرنسي أكسيل سالفاتوري سينز والثاني انجزه الفلسطيني رشيد المشهراوي. أما الثالث، فهو "روشميا" (جائزة لجنة التحكيم في دبي)، وثائقي رقيق اكتشفناه في الدورة الأخيرة من مهرجان دبي السينمائي، من اخراج سليم ابو الجبل. لاجئ ثمانيني يعيش مع زوجته في كوخ في وادي روشميّا. عندما تقرّر بلدية حيفا بناء شارع عبر الوادي يربط أحياء البحر بأحياء جبل الكرمل، يصدر قرار بهدم كوخ الزوجين وإجبارهما على العثور على منزل جديد. يصوّر أبو جبل يوميات الشخصين ومن ضمنها الأسئلة المتعلقة بهذا المكان الذي حضنهما منذ أكثر من نصف قرن. فيما الزوجة تخطط لمستقبل يبدو ممكناً في نظرها وفي مثل عمرها، كلّ ما يريده الزوج هو المضي الى الآخرة. في البداية، كلّ شيء يبدو على ما يرام، لكن مع غوصنا في العمق الزوجي، نلمس الاختلاف بين الاثنين، والصراعات الدفينة، المسكوت عنها. عندما تأتي الجرافة في نهاية الفيلم لتنقض على البيت التنك، نشعر ان الأهم قد تهدم قبل تلك اللحظة بأيام. من فلسطين، يأتينا ايضاً "عيون الحرامية"، جديد المخرجة نجوى النجار (تمثيل خالد ابو النجا) و"المطلوبون الـ18" الذي فاز باهتمام كبير لدى عرضه في كلٍّ من تورونتو وابو ظبي.

من الأردن، كان لا بدّ من الاتيان بـ"ذيب" لناجي ابو نوّار، بعد النصر الذي حققه اينما حلّ، بدءاً من انطلاقته في البندقية حيث نال جائزة. أمّا من مصر، فهناك "ام غايب" للمخرجة الشابة نادين صليب التي انجزت وثائقياً باهراً بكلّ المقاييس عن العقم عند المرأة. يقول انتشال التميمي، مدير البرمجة العربية في مهرجان أبو ظبي الذي احتضن العرض الأول للفيلم: "صليب التي قدّمت تجارب قصيرة قليلة، ستجد نفسها في وضع مختلف مع هذا العمل الدافئ والعميق. فكثير من العاملين في هذا المجال في مصر يجهلون ما أنجزت، حتى المختصون منهم، ولكن ذلك لن يعود قائماً، فعمل مثل "أم غايب" كفيل أن يضعها في الصفوف الأولى للمخرجين المصريين الشباب. وجود "حصّالة" وهي مجموعة تسعى لدعم الكوادر السينمائية العربية وراء هذا العمل، أعطاه بُعداً إضافياً، ورفده بالتوجه الذي يسعى إليه المنتمون اليها، في الاستعداد للمغامرة بمضمون لا يتملق الذوق السائد بالرغبة في تغييره".

من الجزائر، لدينا آخر اعمال رباح عامر زعيمش، "قصة يهوذا"، المعروض في آخر دورة من مهرجان برلين السينمائي، وهو من الأفلام التي تتطرق الى الدين. يبقى الفيلم الكارثة الذي فاز بالجائزة الاولى في مهرجان دبي السينمائي: "أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة" للديبلوماسية اليمنية خديجة السلامي التي تتناول هنا مسألة تزويج القاصرات في المجتمع اليمني انطلاقاً من تجربتها الخاصة. بيد ان الفيلم يثير الضحك والشفقة بدلاً من اثارة الشعور بالتعاطف. من المخرجات العربيات الحاضرات في المهرجان، تالا حديد، العراقية المغربية التي ستأتينا بـ"اطار الليل" الذي نالت عنه الجائزة الكبرى في مهرجان طنجة للفيلم الوطني، الشهر الماضي.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

"تومبوكتو" في الافتتاح: مرافعة ضد مجانين الله

مع "تومبوكتو"، يأتينا سيساكو بمرافعة سينمائية تدين التطرف الديني من دون اللجوء الى خطاب ايديولوجي بديل. بأطروحته الانسانية العاقلة، يحملنا الى مدينة في مالي وقعت حديثاً في يد الأصولية الاسلامية مع قدوم الجهاديين اليها. الشخصيات التي يصورها الفيلم بأسلوبه المنمق تعيش بتناغم وسط طبيعة تقطع جمالها الأنفاس، في رقعة منسية من العالم. هؤلاء الناس لا يبحثون الا عن حياة بسيطة بعيدة من تعقيدات الحداثة وما بعدها. بيد ان للجهاديين مخططاً آخر لهذه الجنة: فهم يريدون فرض الشريعة الاسلامية ومنع التدخين والموسيقى وكرة القدم. على النساء ان يتحجبن وعلى المراهقين ان يمتنعوا عن لعب كرة القدم. وتروح وتيرة الخوف تتصاعد مع احكام الرجم والقتل التي تصدرها محكمة الجهاديين، التي لا تتوانى عن محاكمة النيات. يأتي الجهاديون بقوانين طارئة على الحياة المتناغمة ولا تتماشى مع المفهوم الافريقي للايمان. هذا جزء مما يقوله سيساكو في فيلمه هذا الذي عُرض في مسابقة الدورة الأخيرة من كانّ، المهرجان الذي عاد اليه بعد ثماني سنوات غياب. يبتعد مخرج "باماكو" من النحو الفضائحي، متمسكاً بسينمائيته حتى عندما يقارب قضية آنية كالتكفير. الحياة اليومية تتابع ايقاعها المتمهل في موازاة اكتشافنا خطورة ما آلت اليه الأحوال، خطورة تزداد مع اقتحام الجهاديين نسيج المجتمع. يستعين سيساكو بحسّه المشهدي الرفيع، تشكيلاً وألواناً. الضوء الافريقي حاضر والدعوة واضحة: العودة إلى ينابيع إفريقيا، الى قيم القارة التي تعرضت
لكل أنواع المهانات. سيساكو، شاعر السينما الافريقية، هذا اللامنتمي، يحمل وجع قارة بكاملها في سينماه التي ادركت جيداً وظيفة الصورة.

هشام العسري: ردّ اعتبار إلى مخرج مسكونٌ بالسينما

هـ. ح.

يقدم المخرج المغربي هشام العسري، 37 عاماً، في "أيام بيروت السينمائية" أفلامه الثلاثة ("النهاية" 2011؛ "هُم الكلاب" 2013؛ "البحر من ورائكم" 2014)، ويلتقي السينيفيليين اللبنانيين في ندوة. انها تحية بيروت الى سينمائي يبلور عالمه خارج الأطر التقليدية.

منذ فيلمه الأول، "النهاية"، الذي اكتشفناه في مهرجان الفيلم الوطني في طنجة 2011، نتابع عبر الصفحة السينمائية في "النهار" عمل هشام العسري الذي أنجز منذ انطلاقته المدوية فيلمين، "هُم الكلاب" و"البحر من ورائكم"، وبدأ بإنجاز فيلمين آخرين لم ينته منهما بعد. للعسري دائماً مشاريع كثيرة، فهو مسكون بالسينما، يتجول بين كتابة السيناريوات والمقالات واخراج المسلسلات وانجاز الأفلام. يعمل بسرعة لم نعهدها في السينما العربية، حيث المشاريع تركد في الجوارير لسنوات. ادرك العسري ان الطريقة المثلى لانجاز أكبر عدد من الأفلام الجيدة تكمن في تصوير أكبر عدد منها. ولكن، مهلاً: الرجل لا يصوّر "أيّ كلام"، ولا يصوّر كيفما اتفق. السرعة عنده لا تعني الاشتغال بعجل. صحيح انه يعمل بموازنة شحيحة وامكانات محدودة وزمن قياسي، لكنه لا يمزح مع المكوّنات التي تصنع عالمه السينمائي: كاميرا ذاتية (في بعض الأحيان)، حركة تصعيدية، لقطات خاطفة، تكرار، ابطاء لايقاع الصورة، كادرات عوجاء، كلّ هذا لا يصنع فقط فرادته في المشهد السينمائي العربي، بل بات على امتداد ثلاثة أفلام الشرط الأساسي لدخول كوكبه السينمائي (مشهد ثدي المرأة في "البحر من ورائكم" الذي يُقّدَم باعتباره زرّاً لتغيير محطات الراديو، تحفة فنية!).

شرط آخر للتواصل مع أعمال هذا المخرج: الامتناع عن المقارنة بين المغرب الذي في رأسه والمغرب السياحة الخضراء. فالعسري ينطلق في سينماه حيث تتوقف كاميرا الآخرين عن الدوران: أماكن رطبة، قذرة، يتصاعد منها دخان ملوث. لا يخاف هذا المخرج من الاحتكاك بالخطر والقذر، لأنهما طريقه الى قاع المدينة، حيث شخصيات مفصلة على قياس رؤيته، وبدأنا نتآلف معها منذ "النهاية"، وهي متشابهة في الورطة التي تسببها للفيلم، حتى لو تغيرت أسماؤها وأشكالها وأهدافها. في بيئة أبوكاليبتية بديعة، التقطها باللونين الأسود والأبيض، يموضع العسري حوادث الفيلم. "في مكان آخر، في بلد بلا ألوان، حيث تُقطع أيادي اللصوص، عالمٌ يُعتبر فيه الانسان حيوانا، والحيوان عدما، وقعت ظاهرة غريب. Bug: تلوث الماء وأصابت العدوى كل شيء". منذ البداية، مقاربة الفيلم من نوع "الآتي أعظم". نتعرف الى طارق (مالك أخميس)، رجلٌ يرتدي زيّ امرأة، يتبرج مثلها، على الرغم من شاربيه. يرقص فوق عربة يجرّها حصان يحتضر. طارق هذا تخلّى عنه والده. حصانه الذي سمّاه "العربي"، يرفض المضي خطوة واحدة، واضعاً طارق في استحقاق حياتي جديد. مع ذلك، لا يهمه من الحياة الا سؤال واحد: لماذا تشم الكلاب مؤخرات بعضها البعض عند أول لقاء بينها؟

سينما العسري يمكن ترتيبها في منتصف الطريق بين جنون كوستوريتسا وغنائية فيلليني. أهميتها انها لا تتشبه بأيٍّ منهما، بل تمضي في طريقها الى المزيد من الانفلات من ابجديات السينما العربية. فأبطال العسري، يشبهون الأرض التي يمشون عليها، معستهم قسوة الزمن، حدّ انها جعلتهم كائنات تستهلك ولا تصنع، تصمد ولا تعيش، تضحك ولا تفرح. شخوص نراها تقلي البيض في رفش وتتمنى لو كان لديها شيء ما لتضحي به. حتى الشرطي يضع الطلاء على أظفاره ويقول عن نفسه "انني قطعة خراء". لا شيء يشبه ما عرفناه سابقاً من خلال الواقع: لا الشرطي شرطيٌ، ولا رجل الدين رجل دين. كل شيء مُحَرّف، ملعوب به، مقحم في الهامش الضيق. بشريط صوتي يخربط الاحساس بالمكان والزمان، يضعنا في قلب الانفعالات والحوارات الشيقة ("كانت زوجتي تمصّ شيئاً واحداً فيّ: دمي")، ينبعث من الفيلم يأس عظيم. الرحيل هو الحلّ.

النهار اللبنانية في

12.03.2015

 
 

"أيام بيروت السينمائية" 2015: حيث يبكي العرب مآسيهم!

هوفيك حبشيان

مرّة كلّ سنتين، تحتضن بيروت مهرجاناً صغيراً يُعرف بـ"أيام بيروت السينمائية" (12 ــ 21 الجاري) يرد الاعتبار الى السينما العربية بأشكالها المتعددة: الروائي والوثائقي، الطويل والقصير، الطليعي والتقليدي. مهرجانٌ شبابي نابض بالحياة والثقافة والفنّ، ذو روح نضالية تعكس حال الشارع العربي، تنظمه جمعية "بيروت دي سي" ويرعاه عددٌ لا يُحصى من المؤسسات والشركات (وهي الطريقة الوحيدة لتنظيم مهرجان سينمائي في ظلّ غياب الدولة عن أي همٍّ ثقافي). الطبعة الثامنة الحالية التي تنطلق هذا المساء أرادها منظموها مدرجة تحت شعار "السينما والدين"، انسجاماً مع صعود الأصوليات في العالم العربي منذ ربيعه المسروق. وتماشياً مع هذا كله، اختير للافتتاح فيلم "تومبوكتو" لعبد الرحمن سيساكو. الفيلم الذي فاز بعدد غير قليل من الجوائز في تظاهرات سينمائية عدة يسجل حالياً في فرنسا ايرادات عالية وصلت الى مليون مشاهد، وهذا رقم هائل بالنسبة الى فيلم موريتاني (جنسيته فرنسية) موازنته متواضعة، وأبطاله ليسوا من نجوم الشبابيك. يا للأسف، لن يحضر سيساكو المهرجان وسينوب عنه ممثله ابراهيم أحمد.

في مقابلة نشرها "المدن" مع سيساكو، غداة فوزه بجوائز الـ"سيزار" السبع، كان يقول: "تومبوكتو تعتبر رمزاً. يجب ألا تقتصر أهميتها في كونها مدينة في مالي. انها مدينة مفتوحة من القرن الثاني عشر. ولا تنسى انها مدينة الإسلام، عاصمة العيش المشترك والتسامح. هذا تاريخها عبر العصور. وها هي تسقط في أيدي أناس لا يتكلمون حتى لغة البقعة التي يريدون احتلالها. وهؤلاء يأتون ليقولوا للناس كيف عليهم أن يعيشوا، ووفق أي أصول عليهم أن يتصرفوا. هذا شيء غير مقبول البتة".

تتوزع عروض المهرجان على أماكن عدة: "أسواق بيروت" للافتتاح، "متروبوليس" (صوفيل) لمعظم الأفلام، فندق "سمولفيل" (بدارو) للأعمال الكلاسيكية و"ملتقى بيروت السينمائي"، والأخير مبادرة جديدة لجمع الصنّاع بأطراف أخرى. نحوٌ من 50 عنواناً، تشق طريقها الى "الأيام" في دورة من المفترض أن تستأثر بعدد كبير من المهتمين بالسينما، لا سيما أنّ المهرجان يستضيف أيضاً مخرجي هذه الأفلام الذين سيلتقون الجمهور اللبناني.

من الأفلام المهمة التي تُعرض في هذه الدورة الغنية: "الأوديسا العراقية" للمخرج العراقي المقيم في سويسرا سمير جمال الدين. عُرض الفيلم في برلين ضمن برنامج "بانوراما"، بعد انطلاقه الاول في "أبو ظبي السينمائي" أواخر العام الماضي. يقول مدير البرمجة العربية في أبو ظبي انتشال التميمي عن هذا الفيلم الذي صوّره سمير جمال الدين بالأبعاد الثلاثة: "كحال فيلمه ذائع الصيت "إنسَ بغداد"، قضى سمير أكثر من خمس سنوات في لملمة ذاكرة عائلته الموزّعة في أرجاء المعمورة والتي تشكّل أساس فيلمه. سافر المخرج مئات الساعات كي يلتقي بعمته وأعمامه وأبناء عمومته بين موسكو ونيويورك، ونيوزيلاندا وموسكو وبغداد وباريس، وليُبحر في أوديسته التي اختار لها تقنية ثلاثية الأبعاد رغم حاجته الماسة للبعد الرابع. كما في مشهده السينمائي متعدد الطبقات تقنياً حيث تمتزج الشخوص بالصور واللقطات مع الخطوط الكاليغرافية، فإن المواضيع المتناولة مركبة أيضاً، تتفاعل فيها الغربة وأوجاعها وذكريات الوطن ومآسيه، نلتقي الماضي ونقابل الحاضر".

هذه الدورة هي أيضاً دورة السوريين والتراجيديا التي حلت بهم. أسامة محمد سيقدّم فيلمه "ماء الفضة" للمرة الأولى في بيروت. فيلمٌ أنجزه مع سيماف وئام بدرخان وعُرض في مهرجان كانّ للمرة الأولى. "أنا اسامة محمد، غادرتُ سوريا صباح 9 أيار 2011، يوم النصر على الفاشية. ذاهب الآن إلى "كانّ"، بلا فيلم. أنا الفيلم. سينمائي سوري بألف صورة وصورة. ذاهب بها لأقولها، لأتكلم". هكذا يبدأ الفيلم بصوت مخرجه المخنوق والجارح. يقدّم أسامة محمد جوهرته الثورية على أنها "تتكون من ألف صورة وصورة التقطها ألف سوري وسوري... وأنا"، قبل أن ننزلق في "باتشوورك" بصري يخاطب مأساة السوريين، لكنه يملك أيضاً ما يقوله حول أهمية الصورة في هذا الصراع الدموي.

سورياً، هناك أيضاً جوهرة محمد ملص "سلّم الى دمشق" التي يُختتم بها المهرجان، وسيُعرض في "متروبوليس" تجارياً بعد المهرجان. إنها حكاية غالية التي تُلاحق حياة زينة، الفتاة التي قضت غرقاً، فتسافر إلى دمشق لدراسة التمثيل ومحاولة فهم الحال التي تعيشها. شريط ثالث يكمل الموزاييك السوري: "العودة الى حمص" لطلال ديركي. الفيلم عن عبد الباسط الساروت، حارس مرمى المنتخب السوري للشباب، الذي صار أحد أبرز عناصر الحراك السلمي في حمص أيام كان لا يزال سلمياً. نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان ساندانس الأميركي.

السينما الفلسطينية حاضرة بقوة، سواء بفيلم رشيد المشهراوي "رسائل الى اليرموك" أو في جديد نجوى النجار "عيون الحرامية" التي قدمت دور البطولة في فيلمها الى الممثل المصري خالد أبو النجا. بيد أنّ أفضل الأفلام "عن فلسطين" ــ إذا صحّ التعبير ــ هو من إخراج السوري سليم أبو الجبل. انه "روشميّا" الذي نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي الأخير. عندما تقرّر بلدية حيفا بناء شارع عبر الوادي يربط أحياء البحر بأحياء جبل الكرمل، يصدر قرار بهدم كوخ زوجين فلسطينين في العقد التاسع من عمرهما، وإجبارهما على العثور على منزل جديد. في الشقّ الفلسطيني أيضاً: "المطلوبون الـ18" لباول كوان وعامر شوملي. يستند الفيلم الى حوادث حقيقية جرت إبان الإنتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)، حيث قامت مجموعة من الفلسطينيين بتأسيس تعاونية لإنتاج ما أطلقوا عليه اسم "حليب الإنتفاضة" من خلال شراء 18 بقرة من كيبوتس إسرائيلي تتيح لسكان بيت ساحور الاكتفاء الذاتي والمضي في قرارهم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. رداً على ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بإغلاق المزرعة واعتقال تلك البقرات التي أصبحت بمفهومه تشكل "تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي".

"ذيب" للأردني ناجي أبو نوّار، أحد أكثر الأفلام العربية "نجومية" في السنوات الأخيرة، هو الآخر يشق طريقه الى الجمهور اللبناني. فيلم هذا المخرج البالغ من العمر 34 عاماً انطلق من مهرجان البندقية ولفّ العالم أواخر السنة الماضية. تدور حوادثه في شبه الجزيرة العربية أوائل القرن الماضي حيث يعيش ذيب مع قبيلته في زاوية منسيّة من الإمبراطورية العثمانية. بعد وفاة والدهما شيخ القبيلة، تقع مسؤلية تعليم ذيب عن البداوة على عاتق أخيه حسين. لكن ذيب مهتم بالمشاكسات الصبيانه أكثر من محاولات شقيقه تربيته وإرشاده. من مصر ذات الحضور القليل هذه المرة، لدينا "أم غايب" للمخرجة الشابة نادين صليب التي انجزت وثائقياً باهراً بكلّ المقاييس عن امرأة قروية تصارع العقم. أما زميلتها تالا حديد، العراقية المغربية فستقدّم "اطار الليل"، عن فتاة يتيمة سنكتشف مع بداية الفيلم أنّ لها ماضياً وتاريخاً شخصياً حافلاً بالجرأة والنزوع نحو الحرية.

لبنانياً، يقدم المهرجان "الوادي" لغسان سلهب (يبدأ عرضه في 19 الجاري في الصالات اللبنانية)، الفيلم الذي اختاره اثنان من أهم مهرجانات العالم، برلين وتورونتو، ما منح صاحبه الاعتراف العالمي الذي كان يحتاجه. في قائمة الأفلام اللبنانية المعروضة: "ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر" لأكرم زعتري، و"يوميات كلب طائر" لباسم فياض، و"لي قبور في هذه الأرض" لرين متري، و"مونومنتوم" لفادي يانيتورك، و"هوم سويت هوم" لنادين نعوس و"المرحلة الرابعة" لأحمد غصين.

بيد أنّ الحدث الأكبر لهذا المهرجان، تبقى التحية الموجهة الى المخرج المغربي هشام العسري (37 عاماً) الذي انطلق العام 2011 مع "النهاية"، وانجز مذّاك "هُم الكلاب" و"البحر من ورائكم". العسري سيكون حاضراً في بيروت لتقديم أفلامه الثلاثة وعقد ندوة. موهبة كبيرة تأتي من أقصى العالم العربي ومعها نموذج فني وانتاجي نادر يُحتذى به.

المدن الإلكترونية في

12.03.2015

 
 

عرض 'إطار الليل' لطالا حديد وتكريم هشام العسري

أيام بيروت السينمائية تحتفي بالسينما المغربية

خالد لمنوري

تنطلق، اليوم الخميس، فعاليات مهرجان أيام بيروت السينمائية في دورته الثامنة، بعرض فيلم "تمبوكتو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، باعتباره يعكس التيمة الأساسية للمهرجان "السينما والدين".

تتميز فعاليات المهرجان، الذي تنظمه الجمعية الثقافية "بيروت دي سي"، إلى غاية 21 مارس الجاري، حسب بلاغ للمنظمين، بعرض حوالي 50 فيلما من مختلف دول العالم.

وذكرت جمعية "بيروت دي سي"، في بلاغ لها، أن المغرب يحل ضيفا مميزا على دورة 2015، من خلال عرض أربعة أشرطة روائية طويلة، تعد من أقوى ما أنتجته السينما المغربية في السنوات الأخيرة.

وسيعرض، الأحد المقبل، الشريط المغربي الطويل "إطار الليل" للمخرجة المغربية العراقية طالا حديد، الذي فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، إضافة إلى تتويجه بجائزة النقد، التي تمنحها الجمعية المغربية لنقاد السينما. كما شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم في فقرة "نبضة قلب"، ومثل المغرب في مسابقة "المهر العربي" لمهرجان دبي السينمائي.

ويعد "إطار الليل"، الذي وصفه عدد من النقاد بالفيلم الشاعري الحابل بالصور الجمالية الجديرة بالدراسة والتحليل، أول تجربة سينمائية طويلة لمخرجته، من أم مغربية وأب عراقي.

كما يعرض المهرجان كل أفلام هشام العسري الطويلة، "النهاية"، و"البحر من ورائكم" الاثنين المقبل، و"هم الكلاب"، في آخر يوم للمهرجان. كما سيحاضر العسري، حسب المنظمين، في ندوة "اختصاصية" يديرها المنتج أنطوان خليفة.

ويسعى العسري من خلال أعماله السينمائية إلى توسيع دائرة التجريب، التي انطلقت مع شريطه الطويل الأول "النهاية"، وينشغل بالعمل على لغة سينمائية وآليات سردية على حساب الحكاية.

وأبرز المنظمون أن المهرجان سيكرم لعسري لما قدمه من أعمال متميزة خلال مسيرته السينمائية الحديثة، خصوصا فيلم "هم الكلاب" الذي يعد من أكثر الأفلام تتويجا في تاريخ السينما المغربية، بحصوله على أزيد من 20 جائزة، من بينها جائزة النقد من المهرجان الدولي للفيلم بولاية كيرلا الهندية، وجائزة "التانيت" الفضي لأيام قرطاج السينمائية، كما سبق للشريط الفوز بجائزة أفضل ممثل وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان دبي السينمائي، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان السينما الإفريقية بقرطبة، وجائزة لجنة تحكيم مهرجان الجزائر للسينما المغاربية.

وحسب العديد من النقاد، فإن أعمال العسري تندرج في "خانة الوثائق البصرية، التي تمتحن روح التحدي لدى جيل جديد من المخرجين، يبحث عن مكان يعبر فيه عن حضوره وتفاعله مع أسئلة المستقبل، وتنتصر أعماله لقيم الفن والانفتاح والحرية، وتروم تقديم وجهة نظر فنية بحتة، أكثر من الحرص على ربح رهان شباك التذاكر". 

الصحراء المغربية في

12.03.2015

 
 

«أيام بيروت السينمائية» الثامنة.. أسئلة الطوفان العربي

نديم جرجوره

تبدأ، مساء اليوم، الدورة الـ 8 (12 ـ 21 آذار 2015) لـ «أيام بيروت السينمائية». الافتتاح: «تمبوكتو» للموريتانيّ عبدالرحمن سيساكو (دعوات فقط. «سينما سيتي أسواق بيروت». «السفير» 11 آذار 2015). العروض المفتوحة أمام الجميع تنطلق بعد ظهر غدٍ الجمعة في صالتي سينما «متروبوليس» (مركز صوفيل، الأشرفية)، باستثناء برنامج «أيام كلاسيكية»، المُقدَّم في «فندق سمولفيل» (بدارو).

لغات

البرمجة حافلة بمواضيع حسّاسة ومهمّة، وبلغات سينمائية متنوّعة تؤكّد غنى التجارب الشبابية تحديداً في العالم العربي، ورغبة المتخيّل في الذهاب بعيداً، أحياناً، في استخدام الكاميرا، وتفكيك البنى الحياتية، وإعادة طرح الأسئلة نفسها بروح تجديدية، وفضاءات إبداعية مختلفة. البرمجة معقودة على عناوين تبدأ بالراهن (الأصولية، الإرهاب، مواجهة المحتلّ، إلخ.)، وتعود إلى الذاكرة والتاريخ بحيوية الآنيّ في مقاربة «ما حَدَثَ»: «حكاية يهوذا» للجزائري الفرنسي رابح عامر زعميش (الزميل زياد الخزاعي، «السفير»، 26 شباط 2015)، و «الأوديسا العراقية» للعراقي السويسري سمير جمال الدين، المعروف باسم سمير («السفير»، 26 شباط 2015)، و»لي قبور في هذه الأرض» للّبنانية رين متري.

«الحدث العربي» طاغٍ، في سوريا وفلسطين تحديداً. لكن الأسئلة متنوّعة. الذاكرة اللبنانية لا تزال منغلقة على ذاتها، مع أن سينمائيين لبنانيين شبابا يخترقون الجدران المحيطة بها، ويغوصون في متاهاتها، ويسألون ويقولون ويبوحون، ويلتقون أناساً معنيين بها. يحاولون أن يُحرّضوا على المراجعة والسجال. يريدون هذا عبر أرشفة الحكاية الشفهية غير الرسمية. رين متري منتمية إلى هؤلاء. تمزج الذاتيّ البحت (علاقتها بوالدها الراحل، وبالمنزل العائلي الجبليّ، وبالقرية والمدينة والناس المحيطين بها) بالعام (الحرب الأهلية اللبنانية، التهجير، الطوائف، «سوليدير» ومشروع رفيق الحريري، التداخل الجغرافي للصراعات المذهبية، إلخ.). فيلمها الوثائقي الجديد «لي قبور في هذه الأرض» (7،30 مساء الجمعة 20 آذار 2015) شهادة بصرية عن أحوال بيئات ومجتمعات، وعن حالات أناس لا يتردّدون عن قول التفاصيل بأسمائها وانفعالاتها وحكاياتها الحقيقية. شهادة بصرية قابلة لنقاش نقدي يتناول حساسية المادة المختارة، وآلية الاشتغال البصري أيضاً. نقاش يقول إن الأسئلة المطروحة ضرورية في المراجعة الذاتية للماضي والذاكرة والتاريخ عبر وقائع آنية هي بعض نتاج هذا الأمس، ويقول أيضاً إن تفكيك هذه الذاكرة نفسها محتاجٌ إلى مزيد من الحوار والتواصل والانفتاح والمواجهة: مواجهة أشباح الماضي، وخلل الراهن، وغموض المقبل من الأيام. مواجهة لا بُدّ أن تؤدّي إلى شيء من التحرّر والاغتسال. هذه الذاكرة المنغلقة على نفسها والمنفضّ عنها كثيرون حاضرة في «ليالٍ بلا نوم» لإليان الراهب أيضاً: أحد «أبطال» الحرب الأهلية اللبنانية مسؤول الأمن في القوات اللبنانية أسعد شفتري في مواجهة والدة أحد الشبان الشيوعيين المفقودين منذ العام 1983. أسئلة المخطوفين لا تختلف عن أسئلة الحرب ووقودها وأبطالها وضحاياها ومآزقها.

ذاكرة وتقاليد

الذاكرة أيضاً. التاريخ العائليّ المنفتح على أسئلة الهوية والانتماء والهجرة والسياسة والاغتراب والعلاقات وأنماط العيش. تاريخ مديد من التحوّلات العائلية يتابعها سمير في «الأوديسا العراقية» (7،30 مساء الاثنين 16 آذار 2015)، ملقياً أضواء على نقاط أساسية في الجغرافيا السياسية والاجتماعية والثقافية لأفراد العائلة، وللخصوصية العراقية، وللحياة العامة. في المقابل، هناك فصلٌ من الفصول الأساسية للتاريخ الإنساني والبشري يُعالجه رابح عامر زعميش في «حكاية يهوذا»: الشخصية المعروفة ببيعها يسوع الناصريّ بـ 30 فضّة، وبخيانة معلّمها بقبلة، تتحوّل هنا إلى شخصية إشكالية مثيرة للاهتمام والمتابعة والتحليل. قراءة مختلفة عن النصّ الأصلي، إن لم تكن متحرّرة منه إلى حدّ بعيد.

من الأفلام المثيرة للنقاش بفضل قدرتها على كشف بعض المخبّأ، ومواجهة صرامة تقاليد متحكّمة بسلوك الحياة اليومية، هناك «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» (9،30 مساء غد الجمعة) لليمنية خديجة السلامي (الزميل زياد الخزاعي، «السفير»، 27 كانون الأول 2014). لا تتردّد السلامي عن حمل كاميراها التوثيقية والذهاب بها إلى تفاصيل هامشية تصنع حكاية بلد ومجتمع. معتادة هي على اختراق بعض الممنوع، وتناول بعض المحرّم. الزواج القسري للفتيات الصغــيرات موضوع طاغٍ في اليمن. فيلمها الجديد هذا جزءٌ من تفكــيك البُنى المتسلّطة اجتماعياً ودينياً وثــقافياً وسياسياً. قصّة حقيــقية عن ابنة الأعوام الـ 10 الــتي تتجاوز، هي أيضاً، المألوف والمعــتاد، بدخولها إلى مكتب القاضــي للمطالبة بحقّها في الطلاق ممن تعتبره «سفّاحاً». حكاية مؤثّرة، ومتابعة بصرية لمسارات البطلة الصغيرة المدافعة عن حقّها بقوة المؤمن بحقّه.

مع غسان سلهب وجديده «الوادي» (8 مساء غد الجمعة)، يُمكن للمُشاهد أن يتمتّع بمعنى الصورة السينمائية في مقاربتها حكايات متنوّعة. الصورة ومشتقّاتها الفنية والسردية والأدائية والتقنية هي اللعبة المفضّلة في اكتشاف سحر التجريب واختباره. القصّة؟ فاقد ذاكرة إثر تعرّضه لحادث سير، يُقيم في مزرعة لتصنــيع المخدّرات وبيعها.

لكن فقدان الذاكرة مرتبط بالعلاقــة بها، والمزرعة أفق مفتوح على خــراب بلد وتاريخ وراهن، وعلى علاقات وأسئلة معلّقة والتباسات لا تنضب. جديد سلهب يثير متــعة المُشاهدة، تماماً كإثارته متعة النــقاش المفتوح على السينما واشتغالاتها، وعلى البلد وذاكرته، وعلى الناس وحكاياتهم.

برنامج الأيام الـ 3 الأولى

الجمعة 13 آذار 2015: أفلام اليونيسيف «رؤية الذات» (90 د.، 4 بعد الظهر)، «الرقيب الخالد» (وثائقي، 72 د.) للسوري زياد كلثوم (6 مساء)، «المجلس» (وثائقي، 80 د.) للأردنيّ يحيى العبدالله (7،30 مساء)، «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» (وثائقي، 99 د.) لليمنية خديجة السلامي (9،30 ليلاً).

السبت 14 آذار 2015: «عيون الحرامية» (روائي، 98 د.) للفلسطينية نجوى نجّار (5 بعد الظهر)، «المرحلة الرابعة» (تجريب، 37 د.) للّبناني أحمد غصين (7 مساء)، «الوادي» (روائي، 134 د.) للّبناني غسان سلهب (8 مساء)، و»القلب له واحد» (روائي، 120 د.) لهنري بركات (9،30 مساء)، ضمن «أيام كلاسيكية» تكريماً للممثلة الراحلة صباح في أول ظهور سينمائي لها («فندق سمولفيل»، بدارو).

إطلاق نسخ «دي. في. دي.» للفيلم الوثائقيّ «ليالٍ بلا نوم» لإليان الراهب وتوقيعها (6،30 مساء).

الأحد 15 آذار 2015: «المطلوبون الـ 18» (وثائقي تحريك، 75 د.) للفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كوان (4،30 بعد الظهر)، «أم غايب» (وثائقي، 85 د.) للمصرية نادين صليب (6 مساء)، «حكاية يهوذا» (روائي، 99 د.) للجزائريّ الفرنسيّ رابح عامر زعميش (7،30 مساء)، «إطار الليل» (روائي، 93 د.) للعراقية المغربية الإنكليزية تالا حديد (9،30 ليلاً).

«600 ميل» للمكسيكي غابرييل ربيستاين.. رحلة الطهارة

زياد الخزاعي

لم يخن المكسيكي غابرييل ربيستاين، إبن المخرج أرتورو ربيستاين ـ المعروف عربياً بأفلمته الخلاّقة لرواية الكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ «بداية ونهاية» (1993) ـ عقيدة والده السينمائية وتصديها لسوداوية مجتمعية احتلت فيها المآثم والفظاظات حيزاً تدميرياً، كما في نصّيه «سجن مدى الحياة» (1979) ـ عن صاحب سوابق قرر «تهذيب» تاريخه، لكن شرطياً يبتزه من دون هوادة ـ و»هذه هي الحياة» (2000) ـ عن أم تنتقم من زوجــها الخائــن بجزّ رقبتي ولديهما ـ ومقاربتها قساوات بــشرية شائنة، كما في «قلعة الطهارة» (1972) ـ عن أب يسبي عائلته ـ و «القرمزي الغامــق» (1996) ـ عن زوجــين سفّاحين.

أبقى ربيستاين الإبن في باكورته «600 ميل»، الفائز بـ «جائزة العمل الأول» في الدورة الـ 65 (5 ـ 15 شباط 2015) لـ «مهرجان برلين السينمائي»، همّه الإبداعي على مآثم حياة وسفاهات بشر، عبر حكاية يافع يُجنِّد مهرِّب أسلحة من أريزونا الأميركية إلى عصابات مخدّرات مكسيكية. غاية أرنولفو (كريستيان فيرير) بسيطة، كما يعلنها لزميله الأميركي الأرعن كارسن: وفرة مال تضمن حياة رغيدة. لذا، فمن السهل عليه أن يضحي باعتبارات صَلاَحه الشخصي واستقامته. إنه كائن طموح أكثر منه مجرماً متمرّساً، يُقدّمه مفتتح الفيلم روحاً مفعمة بالشبابية وهَوَجها. تصبح سذاجة الشابين إشارة نادرة للاستهتار. فمَشَاهد جولات تبضّعهما أسلحة فتاكة، وعمليات إخفائها في سيارات فارهة، صادمة التفاصيل ومرعبة الدوافع، خصوصا منافحات المراهق الأبيض مع تاجر أسلحة بشأن طُرُزها وشدّتها، قبل أن يُكذب ردّاً على سؤال الأخير إن كان يريدها للمتعة الشخصية أم للصيد، فيجيب بدم بارد: «إنها لصيد طرائد».

تحامل ربيستاين الإبن، ضمن هذا الفصل، على إزدواجية قانون أميركي يبيح شراء أدوات قتل مهلكة، لكنه غير معني بوجهة رصاصاتها. هذه قضية شائكة بين قطبين متلازمين: سلعة مخدرات تدرّ ملايين الأموال، وأسلحة تتكفّل حمايتها من أجل اختراق أسواق «أمة جبّارة». الأولى تُهرَّب إلى الشمال، فيما تُسرَّب دموية الثانية نحو القلب اللاتيني. يضع هذان القطبان حكومتي بلدين جارين رهينة ابتزاز لا حدّ لجنونه، تتجلّى بتحامل سينمائيّ مجيد في عملين أساسيين: الأول لأمات إسكلانته «هيلي» (2013)، عن شاب تطارده فرقة شرطة فاسدة ووحشية إثر سرقته كيس مخدّرات، والثاني لجيراردو نراخو «الآنسة بالا» (2011)، حول شابة تستخدمها فرقة أخرى لتصفية قائد عسكري نافذ ومنافس في سوق الموت.

لن تستهوي المغالاة السينمائية ربيستاين الإبن ليصوغ فيلم مطاردات وتزلّف درامي، مثلما حاد بحصافة عن التنميط المعهود للمواطن الـ «هسبانك» وعثراته، عبر تعظيم بلاداته وتفخيم وحشياته، وهي جناية ارتكبها زميله غيرغوري نافا في «بلدة حدودية» (2006) عندما جيّر وقائع اختطاف نساء مكسيكيات ودفنهنّ أحياء إلى بطولة فاقعة للممثلة والمطربة جينيفر لوبيز.

دار «600 ميل» حول الولاءات وقيمها. يصبح المراهق اللاتيني ضحية ظنّه أن الثقة بمجرم مثل عمه مارتن (نوه هرناندز) ستكفل صعوده في سلم «كارتل» الجريمة. الثمن؟ نجاحه في القبض على الرقيب الأميركي هانك هاريس (الممثل البريطاني تيم روث ممثلاً ومنتجاً) بضربة حظ. اختزل عنوان الشريط طول المسافة التي يقطعها الثنائي أرنولفو ـ هاريس نحو بلدة «كوليكان»، حيث يرتكب الأول حماقته الكبرى. فـ «العهد العسكري» الأميركي وخيوط شبكته الأمنية لن يتخلّيا عن عنكبوتهما، فيما تكون الريبة وقصاصها في انتظار القاصر، الذي يتبيّن لاحقاً أن طويّته أغلى من حلمه. يكتشف الإثنان، خلال رحلتهما الطويلة، أن كليهما مستوحد. هاريس ضحية عزمه على إقرار قانون وسطوته، ما يجعله شخصاً منكفئاً ومنفياً. فيما يقف الصبي أمام خيار جارح بين تصفية «الغرنغو»، أو تلقّي رصاصة بدلاً منه. يبكي أرنولفو مُطهِّراً طيشه، قبل أن يوجّه فوهة مسدسه نحو رأس عمّه المجرم، معلناً تخطّيه مَلامَة ستنال من مهجته إلى الأبد، تماماً مثل شخصية تريفس بيكُل، بطل «سائق التاكسي» (1976) لمارتن سكورسيزي، الذي يُقلّد بزهو مبالغ فيه كلماته الشهيرة أمام مرآة، لكنه يرتاع عندما يواجه موتاً لا عبث فيه.

كتب ربيستاين الإبن نصّه بمشاركة إيسا لوبيز، كـ «فيلم طريق» بامتياز. لكنه وعى أن حكايته ليست عن الجريمة بل عن حقّ وقتل باطله، وغفران وتكريس مجازاته، واستعباد وإعلان العصيان عليه، ورجس والسعي إلى التطهّر منه. عليه، فإن العواطف التي تجمع الصبي «الهسباني» بالرجل الأبيض تُكلّل عهداً غير معلن بينهما: الأول يُنقذ رهينته من تصفية محتّمة، بينما «يعتق» الأخير فتاه وسط بريّة حيادية. إن مستقبل أرنولفو رهينة وعيه لا نيّاته. يهتمّ الفيلم بتعاظم الحنوّ المستتر بين بطليه، حيث يُقرّر هاريس مواجهة نهايته بإنقاذ كيان «ورط بالخطيئة»، بينما يجد الغلام المذهول أن «بشارة» إفلاته من الموت «حرّية جديدة».

السفير اللبنانية في

12.03.2015

 
 

بوتين .. الأوجه المتعددة

قيس قاسم

بوتين المخادع

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شاغل السينما الوثائقية دون منازع، فخلال السنوات الأربع الأخيرة أُنجزت ثلاثة أفلام مهمة عنه: "قبلة بوتين" 2012، للمخرجة ليزا بريك بيدرسن، "ألعاب بوتين" 2013، إخراج ألكسندر جنتيليف والآن وفي بداية هذا العام يضيف نيل دوتشرتي إلى القائمة "طريق بوتين". كل عناوينها كما نلاحظ مقرونة باسمه وفي هذا دلالة على درجة ارتباطها بشخصيته التي كثيراً ما توصف بالطموحة والغامضة والقاسية في آن، لهذا تراها انشغلت موضوعاتها في التحري عن هذه الجوانب من شخصيته وارتباطها مع حدث معين كما في منجز بيدرسن الذي تابعت فيه مسار حياة شابة روسية ربطت مصيرها الشخصي والسياسي بمصير بوتين وسلطته، في حين ركز الروسي جنتيليف على دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي والفساد المالي الذي رافقها وحجم المداخيل غير الشرعية التي دخلت جيوب الطغمة المالة الروسية المقربة من الرئيس وحاشيته خلالها، لكن ما يميز "طريق بوتين" عن ما سبقه من أفلام أنه حاول تتبع مسيرة الرجل والطريق التي سار عليها منذ شبابه حتى وصوله إلى الكرملين.

بوتين العميل السرّي

استثمر دوتشرتي صدور عدد من الكتب الجديدة عن الرئيس الروسي بوتين ليؤسس عليها مادته السردية وبشكل خاص اعتماده على كتاب "بوتين الاختلاس.. من يربح روسيا؟" للمختصة بالشؤون الروسية والأستاذة في جامعة ميامي كارين داويشا، وغيرها من المصادر التي راح يربطها بشخصيات وردت في متنها وهي على صلة شديدة ببوتين ومسيرة حياته وذلك عبر مقابلات أجرتها الصحافية جيلين فيندي معهم، ومن بينهم محقق الشرطة السابق أندريه زيكوف الذي مهّد الدخول إلى شخصية بوتين من خلال تحليل دوره كسياسي وكعميل سابق للمخابرات الروسية (كي جي بي) وبوصفة الرجل الذي هيكَل فساد الدولة بشكل منهجي وبخطة جهنمية نابعة من تكوينه كشخص يعبد "السلطة" ويُغلبُها على الإنسان مهما كان وأينما وجد، مع تمتعه بخصلة نادرة تجمع الحنكة والتآمر والتسلل إلى القمة  بحذر شديد، فهو يعرف بخبرته كعميل وجاسوس سابق أن الطموح إلى السلطة كثيراً ما ترافقه تبعات خطيرة.
 
زيكوف تولى التحقيق في قضايا فساد تورط بها بوتين إلا أن أجهزة الشرطة منعته من الاستمرار بها فما كان منه إلا نشرها على الـ"يوتيوب" وبدورها وقبل مسحها تماماً تمكنت كارين داويشا من تحميلها وحفظها لتكون أساساً موثقاً لبحثها القادم عن بوتين!

بوتين الطالب الغامض

تُقرّ في المقابلات التي أجرتها معها الصحافية جيلين فيندي بأن الفساد كان علامة مميزة لكل السلطات والحكومات في روسيا والاتحاد السوفيتي وأن الطريق إلى دفة الحكم وعرة ومتابعة مسيرة بوتين تُظهر ذلك بوضوح، فالرجل وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي كان عاطلاً عن العمل بعد سحبه من مهمته كعميل في ألمانيا الشرقية، وتطلبت عودته إلى الوظيفة ثم الصعود إلى القمة مهارات وتكتيكات غير عادية مكنّته في المضي في مسيرته التي انطلقت قبل عشرين عاماً من مدينة سان بطرسبورج نحو الكرملين في موسكو.

سنة 1990 كانت نقطة الانعطاف المهمة في مسيرته، وقتها كان الاتحاد السوفيتي يمضي إلى نهايته وكان القلق من المستقبل والحيرة تخيمان على رؤوس الشعب الروسي الذي بدا مشككاً بكل ما سيأتي؛ حتى بوتين نفسه لم يعرف ما الذي عليه عمله؛ إلا حين حلّت اللحظة المناسبة التي اُنتخب فيها صديق دراسته أنتالوي سوبتياك محافظاً للمدينة فاستثمرها بالكامل. أراد المحافظ الجديد نسج علاقات مع الغرب لإدراكه نهاية الاشتراكية في بلاده ولهذا فكر في كسب مقربين له من الأكفاء يقومون بمهمة نسج علاقات اقتصادية جديدة مع الشركات الرأسمالية وكان بوتين واحداً من الذين استقبلهم واستمع إلى رأيهم.

بوتين القيصر الجديد

سيُسحَر الرجل بالطاقة والقدرة التي يتمتع بها بوتين الذي يعرف ألمانيا والغرب جيداً ويعرف طرق الوصول إلى قلوب قادته، ليس هذا فحسب بل يعرف أسرار البلاد التي بدأت العصابات المنظمة تتوغل فيها فكانت أولى مهامه فتح خط معهم في سان بطرسبورغ وليس هناك أفضل منه من يستطيع القيام بهذه المهمة. جمع بوتين في وظيفته الجديدة، كمستشار للمحافظ لشؤون العلاقات الاقتصادية، بين الخارج والداخل، وقام باتصالات مهمة مع كبريات الشركات العالمية ومنحها امتيازات الإقامة والسكن وفتح المكاتب. لقد استثمر الأزمة الأقتصادية التي تمر بها البلاد وشحّ المواد الغذائية فوعَد بحلها من خلال إبرام عقود وتأسيس شركات تجارية برؤوس أموال ضخمة سُجّلت باسم المحافظ والمقربين منه. لم يصل الزيت ولا بقية المواد الغذائية للناس كما وعَد وذهبت كل الأموال في جيوب "عصابة" سوبتياك ورغم الاحتجاجات الكبيرة ضده تشبث المحافظ به وأوكل له بالمطلق مهمة الاتصال بالخارج وبناء مشاريع عامة كي تنتهي خاصة.

بوتين تحالف الفساد

سيكشف أحد المحققين في قضايا الفساد أن بوتين قد أدخَل بطرق غير شرعية وبعمليات غسل أموال منظمة أكثر من مليارين دولار إلى جيب المحافظ وبني قصراً له بتكلفة خرافية في إسبانيا. لكن ومع حلول عام 1996 تغيرت أشياء كثيرة خسر خلالها المحافظ الانتخابات وتعرّض لحملة مساءلة أنقذه منها بوتين بدهاء. لقد رسم له خطة للهروب من البلاد عبر إعداده مسرحية محكمة العناصر يظهر فيها المحافظ السابق مريضاً وبحاجة لعلاج سريع في الخارج. رتب له كل شيء وأركبه طائرة خاصة أقلّته إلى باريس التي سيظهر بعد أيام فيها معافى ويدلي بتصريحات صحفية. إخلاصه لمرؤوسه تابعه بوريس يلتسين الرئيس الفاسد، والذي نهب مع عائلته ثروة البلاد، وكان يبحث عن أحدٍ يثق به ويظلّ واقفاً إلى جانبه حتى بعد خروجه من السلطة؛ شخص يعيد تجربة الإخلاص مع محافظ سان بطرسبورغ السابق. يراجع الوثائقي هذه الفترة بكم هائل من المعلومات والمقابلات والتحرّي الدقيق في كل تهمة ضد بوتين فيتحول هذا الفصل فيه إلى مرافعة قانونية متينة ضد بوتين المتجّه لمقابلة يلتسين.

أكبر مشكلة واجهت يلتسين لإبراز بوتين كانت بوتين نفسه. فالرجل لم يكن معروفاً في الأوساط الحزبية الروسية ولا يملك تاريخاً نضالياً في صفوف الحزب الشيوعي باستثناء كونه عميلاً للـ (كي جي بي). سيرسم المقربون والإعلاميون الرسميون مهمة إبرازه من خلال رسم صورة براقة له فكلفوا من أجل هذا الكاتبة ناتاليا غيغوركيان بتأليف كتاب سيرة عنه يشمل كل شيء عن حياته وتعظيم دوره كعميل مخلص لبلاده منذ صباه، حين تقدم بطلب انتساب إلى المؤسسة الأمنية وهو مازال طالباً في الثانوية، ثم أكمل دراسة الحقوق وتزوج وعمل كجاسوس في ألمانيا الديمقراطية. لم يشر الكتاب إلى أصوله وفقره وإلى بقية أفراد عائلته، كان التركيز منصباً على دوره كعميل ورجل مخلص للدولة. كما سيقوم أحد السينمائيين بإنجاز وثائقي عنه بعنوان "السلطة" يكشف بوتين فيه وبشكل واضح دوره كجاسوس. هكذا عَرّف يلتسين العالم به وبدأ بتقريبه إلى دائرته الضيقة، وسيطمئن، بعد فترة وجيزة حين يُؤمِّن له بسلاسة عملية ترشيحه للرئاسة، إلا أن انسحابه سيكون مضموناً وخالياً  تماماً من احتمال اثارة أي شبهات فساد ضده بعد نهاية حكمه.

معارضون وضحايا

يتوقف الوثائقي الأمريكي "طريق بوتين" طويلاً عند الأساليب التي اتبعها بوتين بنفسه لتقوية موقعه كقائد روسي جديد، يُعيد مجد القياصرة ويُرجع ما خسرته البلاد من أمصار وحقوق قومية، وأشدّها دموية وخطورة تخطيطه لعمليات تفجير مباني سكنية في روسيا عام 1999، والتي أطلق عليها الصحافيون اسم "11 سبتمبر الروسية" وإحالة العملية للمتمردين الشيشان. سيفتح بهذه الخطوة  الخطيرة الباب لاحتلال الشيشان أولاً وللظهور كقائد قوي قومي النزعة ثانياً وليقطع بها تردد القيادات في ترشيحه لرئاسة البلاد بعد نيله منصب رئيس الوزراء، ثالثاً. يعود الوثائقي ليتحرّى في مصداقية القصة الرسمية وليُظهر بعد عثوره على أدلة جديدة وحصوله على معلومات مهمة من ممثل عوائل الضحايا ميشيل تريباسكين، الذي لُفقت له تهمة حيازة سلاح غير مرخص وأودع السجن لعامين على إثرها. شهادة هذا الرجل والوثائق المصورة لمواد متفجرة، وجدت في أقبية العمارات وأشرفت المخابرات الروسية على نقلها إلى هناك؛ تتطابق مع تلك المستخدمة في التفجيرات إلى جانب محاولات الشرطة إزالة أي أثر في الموقع يساعد على التحقيق. إجراءات عزّزت قناعة عند الكثير من الروس بأن العملية كانت مرتبة وأن ثمنها كان الشعب الشيشاني الذي نُكِّب بالحرب والضحايا الأبرياء من سكان تلك البنايات الملغمة. ستكشف العملية عن وجه مخيف لبوتين ورغبة للفوز بالسلطة على حساب الناس والشعوب، واستهتار بوعي الروس وتقوية لمواقع المفسدين الذين تعمدوا وبشكل ممنهج إفساد النظام الاقتصادي للبلاد والتعاون مع المؤسسات الاقتصادية الغربية لجعل روسيا محمية رأسمالية جديدة يقودها زعيم قُدِّرت ثروته حتى الآن بأربعين مليار دولار أمريكي، وتحيطه طغمة مالية محلية (الأوليغارشية) تتحكم بكل مفاصل الاقتصاد وتغتني على حساب الشعب الذي يقدم الوثائقي تحليلاً رائعاً عن مستوى الفقر الذي يعيشه وحجم مداخيله السنوية التي تقلّ عن مداخيل المواطن الهندي العادي.

لايتوقف "طريق بوتين" عند الداخل بل يمتد إلى خارج الحدود فيرسم صورة دقيقة، مصدقة بشهادات ووثائق، عن آليات عمل بوتين في إفساده قادة غربيين من بينهم: صديقه المقرب المستشار الألماني غيرهارد شرويدر والإنكليزي توني بلير والمتعاطف الدائم معه بوش الإبن. كان هذا قبل حدوث متغير جديد يتوقف عنده الوثائقي ليستشرف مستقبل علاقة الغرب معه، والمقصود هنا؛ أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. فمنذ تموز 2014 وبعد إسقاط الطائرة المدنية الماليزية بصواريخ روسية وقتل كل من كان على متنها وبسبب الموقف القومي المتزمت لبوتين في صراعه مع الأوكرانيين بدأت العلاقة تسوء وتنحدر نحو الأسفل ولكن ما يهم الوثائقي ليس الدوافع الحقيقة للغرب، بل كان هاجسه إكمال رسم صورة الزعيم الروسي والسؤال عما إذا كان سيتراجع عن موقفه ويخضع لقوة الضغوط. الجواب سيأتي من الشخصيات التي شاركت في كتابة المتن السردي للوثائقي:

لا لن يتراجع فشخصيته وعمله الطويل في حقل المخابرات والتجسس وطموحه الشديد ستجعله أكثر تزمتاً وشراسه وللدلالة على ذلك يعود الشريط "فلاش باك" إلى طفولة بوتين وتجربته حين كان صبياً مولعاً بصيد الفئران المنزلية ونصيحته لأخيه: لا تحاصر الفأر في الزاوية فقد يهاجمك ويعضك!. خاتمة متوعدة لكنها مرتكنة على بناء وثائقي شديد التماسك إلى درجة تغدو فيه أقرب إلى مفتتح لقراءة القادم من علاقة بوتين بالعالم، وربما تفتح صفحة جديدة من سيرته الشخصية التي قطع نيل دوتشرتي شوطاً سينمائياً طويلاً في كتابتها بتمعن ورشاقة.

"قفزة صغيرة إلى أسفل"

أمير العمري

"قفزة صغيرة إلى أسفل" هو الفيلم الإيراني الثاني الذي عُرض في مهرجان برلين السينمائي. وبينما عرض فيلم "تاكسي" لجعفر بناهي داخل المسابقة الرسمية، وحصل على جائزة المهرحان الكبرى- الدب الذهبي- عرض "قفزة صغيرة إلى أسفل" في قسم بانوراما الموازي للمسابقة، وفاز بجائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) كأحسن فيلم عُرض في بانوراما.

هذا هو الفيلم الأول للمخرج حميد رجابي، الذي كتب سيناريو الفيلم البديع الذي شاهدناه قبل عامين، وهو فيلم "بارفيز". ويصور الفيلم كيف يعيش بطله "بارفيز"، وهو رجل في الخمسين من عمره، مع أبيه، في شقة فاخرة، فهو أعزب، مفرط في البدانة، لا يغير ملابسه الداكنة، يتحرك كثيرا، يتنفس بصعوبة، يدخن ويخفي الأمر عن والده. إنه "طفل كبير"، لا يؤدي عملا حقيقيا، يعاني من العزلة الاجتماعية والشعور بالاغتراب عن محيطه الاجتماعي. تنهار حياته عندما  يخبره والده الصارم ذات يوم، أنه يعتزم الزواج، وأنه يتعين عليه بالتالي الانتقال إلى شقة أخرى استأجرها له خصيصا. هنا تنهار منظومة حياته بالكامل ويتحول تدريجيا إلى حالة من الاضطراب النفسي والعقلي، والتحول في السلوك، فيرتكب أولا عددا من المخالفات، تتصاعد لتصل إلى حد الجريمة الكاملة.

كان "بارفيز" تعليقا دراميا متشائما عن الواقع، إلى جانب كونه أيضا دراسة نفسية لحالة فردية، تمزج بين الرعب والدراما الاجتماعية، يتخلى بطله تدريجيا عن أي رادع سائد، ويتجّه إلى الانتقام من المجتمع عن طريق إيذاء الجميع: الأب وزوجة الأب والجيران.. إنها حالة رجل ليس أمامه أي بارقة أمل.

هذا التكوين المحدد للشخصية هو أيضا الإطار الذي تتحرك فيه شخصية "نهال" بطلة فيلم "قفزة صغيرة إلى أسفل". إنه عمل يجمع بين دراسة الشخصية والتعليق الاجتماعي غير المباشر، مصورا حالة الحصار والاختناق والعزلة التي تعيشها بطلته الشابة المتزوجة التي تعرف في أول مشاهد الفيلم أن الجنين الذي تحمله في بطنها ميت، وأن عليها العودة لإجراء عملية للتخلص منه.

"نهال" تغادر وتذهب إلى بيتها لكنها تبقي الأمر سرا تطويه في داخلها، لا تبوح به حتى لأمها التي تبدو غير مبالية بل وغير مستعدة لسماع أنباء سيئة، أو لشقيقتها التي تجد ذريعة تتهرب بها من لقاء نهال والاستماع لها، كما تخفي الأمر عن زوجها الذي ربما تمثل الحقيقة له صدمة العمر. والجميع، في الحقيقة، يبدون وقد رتبوا أمرهم على أن الحمل مستمر كحالة مفروغ منها، وهم جميعا مستبشرون بقدوم المولود الجديد.

ومثل "بارفيز" تبدأ سلوكيات نهال في التغير تدريجيا، تتحول إلى العدوانية ولا تستطيع إخفاء شعورها بالرفض والغضب، ومع تصاعد البناء وتراكم المواقف، يتصاعد إحساسها بالاختناق، بالاغتراب عن محيطها الاجتماعي الطبيعي الذي يبدو لامباليا بما يوجد في داخلها، زوجها ينصحها أولا بالذهاب إلى طبيب نفسي، ثم يطلب منها أن تذهب للتسوق ويمنحها بطاقته المصرفية، بينما يبدو منشغلا بالترقية التي حصل عليها في العمل، ويستعد للانتقال إلى شقة جديدة تليق بالمنصب الجديد.

نهال تشتري فستانا بمبلغ خيالي باستخدام بطاقة الصرف الخاصة بزوجها وكأنها تنتقم منه، ثم تتعمد تحطيم مقدمة السيارة، وتتركها في جراج لتصليح السيارات، ثم يتفتق ذهنها عن أغرب حيلة يمكن أن تصفع بها الجميع: أن تقيم حفلا في الشقة الجديدة - التي لا تزال خالية - تدعو إليه جميع أفراد عائلتها وصديقاتها. وعندما يأتي الجميع لا يجدون مكانا للجلوس، فيكتفون بالوقوف حائرين، فما هي المناسبة، وما هذا المشروب الوحيد الذي تقدمه نهال لهم جميعا، عصير البرتقال؟ ولماذا هي صامتة هكذا، ولماذا لم يحضر زوجها؟ ويبدأ الجميع في توجيه الأسئلة والاتهامات، ثم يتشككون في أن يكون العصير مسموما، خصوصا بعد أن تتقيء إحدى النساء وتشعر بتعب في معدتها، وتكون النتيجة أنهم يأخذون جميعهم، في إرغام أنفسهم على التقيؤ، بينما تتطلع إليهم نهال في برود مصرة على أنها لم تضع شيئا في العصير الذي تشرب منه هي أيضا !

"قفزة صغيرة إلى أسفل" تعليق اجتماعي حاد عن الاغتراب، عن الوحدة، عن تلك العزلة الاجتماعية المخيفة التي يعاني منها أفراد الطبقة الوسطى الإيرانية اليوم، عن القيد الاجتماعي الحاد المفروض على البشر. وما الجنين الميت في بطن بطلته الشابة سوى تعبير مجازي عن موت الأمل، فقدان الضوء والمستقبل. إنها رؤية سوداوية قاتمة للواقع الإيراني المعاصر

لا يقوم بناء الفيلم على حبكة معينة، لكنه يراكم تصعيد المواقف التي تشي بتدهور الحالة النفسية لبطلته: هي مثلا تصل إلى حد إغلاق باب الشقة من الخارج والداخل على نفسها، وتضع أكواما من الصناديق التي وضع فيها زوجها معظم الأشياء تمهيدا لنقلها إلى الشقة الجديدة، ترفض أن تفتح لأحد، ترفض البوح بما يسبب لها الإحساس بالاكتئاب، فالموضوع ليس متعلقا بـأمر محدد بل بإحساس عام بالاختناق يولده موت الجنين. هنا ينجح المخرج حميد رجابي في خلق الجو العام وتجسيد المشاهد المختلفة، التي تصل إلى ذروة الاحساس بالرعب في مشهد الحفل الكئيب، وهو يجيد التمهيد له، كما يجيد الانتقال بين الداخل والخارج في الفيلم، واستخدام الأصوات الطبيعية في الشارع بشكل مميز، ومزج الأصوات الطبيعية بالموسيقى القلقة القريبة إلى النواح.

ولعل من أفضل الجوانب الفنية في الفيلم، ذلك الأداء الرفيع من جانب الممثلة "نيجار جفاهيريان" التي تقوم بالدور الرئيسي، بقدرتها الكبيرة على الصمود وحدها أمام الكاميرا في معظم لقطات الفيلم، متحكمة في تعبيراتها، معبرة عن ذلك الخوف والقلق والشعور بالغثيان من كل شيء، رغم محاولات الزوج، الذي يقوم بدوره رامبود جافان، أن يكون لطيفا، رقيقا، متفهما وإن يكن منصرفا إلى أحلامه الخاصة !

في أول مشاهد الفيلم بعد أن تعلم نهال أن الجنين قد مات في داخلها، تخرج وتجلس على مقعد خشبي في العيادة الطبية، في انتظار أن تأتيها الممرضة ببعض الأدوية. تقترب منها سيدة، تسألها: كيف يسير حملها؟ تقول لها إن الجنين مات. المرأة تتطلع إليها في دهشة، ثم تقول لها وهي تبتعد عنها في فزع: إذهبي إلى بيتك واتركي نفسك للبكاء، فالبكاء سيريحك. وطول الفيلم، لا تبكي نهال قط سوى في النهاية، بعد أن تفشل كل جهودها في الانتقام من ذلك المجتمع الذي لا يبالي !

الجزيرة الوثائقية في

12.03.2015

 
 

اكد لـ «النهار» أنه يتحدث في أفلامه عما يعنيه ويعيشه

عبدالرحمن سيساكو: «تمبكتو» يشارك الناس في القيم الإنسانية

الدوحة - مشاري حامد

أكد المخرج العالمي عبدالرحمن سيساكو خلا حديثه لـ النهار بان فيلمه تمبكتو يتحدث عن القيم والمبادئ التي ندافع عنها ونتبناها وانه يسلط الضوء كنموذج على بلدة تمبكتو التي تعتبر بلدة 333 قديسا والتي وقعت رهينة بيد من يدعون الاسلام وانهم مسلمون وهم عكس ذلك بتاتا لان الاسلام هو دين المحبة والتعايش والسلام ولا يعني الاستبداد والظلم والعنف ويسعى الفيلم الى مشاركة الناس عددا من القيم الانسانية.

وبسؤاله عما يعني له عرض فيلمه في عدد من العواصم العالمية واخيرا في الدوحة قال : عندما يلقى هذا الرواج في قطر فان ذلك يعنى لي الكثير وان يتم عرضه في قمرة في ضوء اهتمام الدوحة للافلام بتلك النوعية من الافلام ونشرها وانا أشكرهم على ذلك وان الفيلم لا يتغير ولكن يشاهد ويكون لديه رسالة وقد يتأثر به البعض من دورانه حول العالم

وأضاف ايضا قائلا : الفيلم صور خلال الاحداث وهي مستمرة ويحكي واقعا نعيشه اليوم ويتعلق بجزء كبير من العالم والاكثر ذلك يهين الاسلام الذي تعلمته وترعرعت عليه في العديد من الأسس والمبادئ ومنها التسامح والتفاعل مع الغير وهذا الاسلام خطفه مجموعة من الاشخاص في تمبكتو خاصة ان القصة حقيقية. وبسؤاله عن سبب ابتعاده عن العنف فاجاب قائلا: من خلال السرد والتصوير حاولت الا أظهر العنف او الصدمة حتى لا تضيع القصة تحت تأثيرها وتبعدنا عن الرسالة التي أريد ان أصل اليها.

واما عن سبب تركيز أعماله في محيط افريقيا فقال مجيبا : أفريقيا هي العالم وهي البشرية وانا أتحدث من خلال أفلامي عما يعنيني وأعيشه وما دام انني أعيش في تلك القارة ويومياتي هي هناك فأفضل ان تكون محور افلامي وهذا هو الواقع الذي أتحدث عنه لانها من أولوياتي المهمة وايضا منفتح على كافة المواضيع ويمكنني ان أتحدث عن الكويت او عن قطر او في فرنسا لو كنت أعرف وبالنسبة لي فرصة سانحة ان أتحدث عن بلد أعرفه خاصة انه أتيح لي هذه الفرصة ان أقدم فيلما فانني افضل ان أقدم عن بلد يعني لي كثيرا السينما هو فن والفن ينبغي ان يدافع عن قيم عالمية .

أغلبها مستمدة من البيئة القطرية

المخرجون القطريون: نقدم أعمالنا وفق مواصفات العمل السينمائي

الدوحة - مشاري حامد

عبر المخرجون القطريون عن سعادتهم بقبول مشاريعهم ملتقى قمرة السينمائي وفتح الباب أمامهم من أجل مناقشتها مع عدد من الخبراء للاستفادة من تجاربهم، مشيرين الى ان هذه النقاشات تعد عاملا مساعدا لهم من أجل تقديم أعمالهم وفقا لمواصفات العمل السينمائي، خاصة وأنهم يسعون لأن يكونوا ضمن الأصوات الجديدة التي تؤسس لسينما قطرية حقيقية، وهو ما تعكسه قصص المشاريع التي قدموها والتي تم استقاؤها من البيئة القطرية بالدرجة الأولى.
في هذا السياق قال خليفة المريخي صاحب فيلم سحاب أنه اختار تقديم مشروعته من خلال العودة الى الموروث الثقافي القطري، واعادة تقديم العلاقة التي تجمع الانسان القطري بطير الشاهين، مشيرا الى ان هناك الكثير من الاهتمام اليوم بهذا الموضوع. وعبر المريخي عن سعادته بالعمل في هذا الفيلم مع مؤسسة الدوحة للأفلام التي أكد أنها عرفت نوعا من التحول في التعامل مع السينمائيين القطريين الذين اجتهدوا لفرض أعمالهم خاصة وأن المؤسسة وضعت من أجل تنمية قدرات السينمائيين القطريين مشيرا الى ان الخطوة التي قامت بها المؤسسة مهمة جدا وسيكون لها دون شك الأثر الايجابي على السينما بدولة قطر على وجه العموم، مضيفا بخصوص لقاءاته مع خبراء قمرة أنه استفاد منها جيدا وسيقوم فقط بادخال بعض التعديلات الطفيفة على مشروع عمله السينمائي.

بدوره، قال محمد المحيمد أنه أراد ان يوجه من خلال فيلمه قوة خارقة رسالة الى المتلقي من أجل الحفاظ على الترابط التي يجمع جماعة بشرية ما، مشيرا الى أنه ومن خلال حضوره لمختلف فعاليات قمرة نجح في تكوين فكرة جيدة عن ما سيقدمه للجمهور خاصة وأنه استفاد من الملاحظات والآراء التي تقدم بها الخبراء بخصوص مشروعه.

وترى نورة السبيعي ان مشروعها سراب يحمل عدة رسائل وهو أول تجاربها الطويلة، وتتمنى ان تحصد من خلاله النجاح، فيما تشاركها المخرجة هند فخرو نفس الرأي وان كانت تقدم قصة معاصرة من خلال فيلمها باريجات الذي يعد تجربتها الروائية الطويلة الأولى، حيث تقول أنها أصبحت من خلال قمرة ملمة بكل تفاصيل العمل السينمائي كما ان الملتقى أتاح لها لقاء كبار العاملين في هذا المجال والذين جمعتهم مؤسسة الدوحة للأفلام تحت سقف واحد.

أما شيخة آل ثاني فترى ان مشروع فيلمها النهر الأخير يبعث رسالة حول الترابط الأسري والعادات والتقاليد، مشيرة الى ان أكبر عقبة تعتقد أنها ستواجهها خلال مرحلة تنفيذ الفيلم هي غياب الممثل القطري الذي بامكانه أن يعكس أفكار هذا العمل، مطالبة بضرورة تكوين أجيال جديدة من الممثلين القطريين تتماشى طموحاتهم مع الطفرة التي تعرفها السينما القطرية اليوم من خلال هذه المشاريع الكثيرة. ويرى محمد الحمادي ان قمرة فتحت الباب أمام السينمائيين القطريين للتواصل مع الخبراء، مشيرا الى ان مشروعه بيتزا وبس يحمل بين طياته مختلف العناصر المكونة للمجتمع القطري.

فيما يقول أحمد الباكر أنه كصانع أفلام قطري يحاول دائما معرفة مكانه وأين سيكون وماهية القضية التي يتناولها عمله السينمائي. ويرى الباكر ان قمرة كان ممتازا في بساطته وفي قبوله لصانعي أفلام في بداية الطريق وهو ما كان له الأثر الكبير خاصة وأن اللقاءات التي تم عقدها مكنتهم من التعرف على مختلف عناصر انجاز الأفلام وخصوصا اذا كان من أفلام الخيال العلمي كما هو حال مشروعه البحث عن آدم.

ومن بين مشاريع الأفلام التي قدمها صانعو الأفلام القطريون، هناك مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة في مرحلة التطوير ومنها فيلم باريجات وهو فيلم طويل لهند فخرو ويتناول قصة سيدة قطرية من أسرة متفرقة تنتقل للعيش في لندن، وعندما تُسند اليها مهام ادارة شركة العطور الخاصة بعائلتها التي تشهد تراجعاً كبيراً، تقرر ان تخوض التحدي لتنقذ الشركة وتضمد جرح الماضي. أما أحمد الباكر فيخوض التحدي بفيلم : البحث عن آدم و هو من أفلام الخيال العلمي حيث يتناول قصة احضار كوكب الأرض ويتقرر ارسال رجل واحد الى مكان ما في الفضاء على أمل العثور على خلاص للبشرية ولكنه يكتشف خلال مهمّته شيئاً يزعزع وجوده. وفي ظل العزلة المفروضة عليه، يجد نفسه المسؤول الوحيد عن تقرير مصير كوكبنا.

أما المخرج خليفة المريخي فقدم مشروع فيلم سحاب الذي يتناول قصة ثلاثة أصدقاء يتوهون في الصحراء خلال رحلة بحثهم عن الصقر شاهين حيث تتحول رحلة البحث الى جحيم مميت. أما محمد المحيمد فيقدم مشروع فيلم قوة خارقة والذي يتناول قصة أفراد عائلة مفككة يشككون بمعتقداتهم ويبحثون عن السعادة ويحقّقون أحلامهم عندما يوَاجهون بمرض أحد أبنائها.

وتشارك المخرجة الشابة نورة السبيعي بمشروع فيلم سراب الذي يتناول قصة ابنة زعيم احدى القبائل المحافظة التي تتحرّق فضولاً وتتعطّش للحرّيّة. وعندما تبدأ رحلتها في البحث عن عالم جديد وراء الأفق، تضطرّ للتساؤل عن مدى استعدادها للتضحية. ويربط مشروع فيلم النهر الأخير لشيخة آل ثاني بين أحداث متفرقة من خلال آذان الصلاة في مكة، وصفقة سرية، وتطور المدينة على خلفية كذبة، وأمنية من طلب اختين تسعيان الى تبرئة والدهما من تهمة أدت الى نفيهم جميعاً. ويقدم محمد الحمادي مشروع الفيلم القصير بيتزا وبس والذي يتناول قصة عامل توصيل بيتزا وطلبياته الثلاث في ليلة رأس السنة في قطر حيث يعيش مجموعة من المفارقات.

ريما مسمار: وجود الصناديق الداعمة للمواهب السينمائية .. فرصة

مشاري حامد

أكدت ريما مسمار مديرة البرامج السينمائية في الصندوق العربي للثقافة والفنون افاق لـ النهار على ان وجود الصناديق المختلفة الداعمة للمواهب السينمائية ما هو الا فرصة لاعطاء الدعم للمستحقين واذا كانت هناك جهة واحد فلن تسنح الفرصة للآخرين بحيث تكون هناك مشاريع كثيرة ومشاركة عدد اكبر من المخرجين وأصحاب المشاريع مما يتيح للعربي ان يقف موازيا للشريك الاجنبي

وتحدثت قائلة : افاق تقوم بالدعم من خلال ثلاث مراحل والتي تصل ايضا الى مرحلة الانتاج ويقدم المشورة والمساعدة المهنية ولذلك تراها من تبني المشاريع انها مغامرة عندما يكون المخرجون مغامرين ولا نعتمد ان يكون الفيلم جماهيريا فما يهمنا ان يكون به ابداع وجودة والتجديد في اللغة السينمائية كما اننا ندعم المخرجين الصاعدين والدعم الاكبر يكون للمخرجين الجدد.

النهار الكويتية في

12.03.2015

 
 

بعنوان "البطل الأخير"

كوستوريكا ينهي تصوير وثائقي عن أفقر رئيس بالعالم

24. إعداد: محمد هاشم عبد السلام

انتهى المخرج الصربي الشهير أمير كوستوريكا، أو المعروف بكوستا، من تصوير آخر أعماله، والذي يحمل عنوان "البطل الأخير"، وهو فيلم تسجيلي طويل عن رئيس الأوروغواي السابق، والذي كان أعلن عن البدء في تصويره في نهاية عام 2013.

يسابق المخرج الصربي الزمن، من أجل الانتهاء من أعمال المونتاج، التي قد تستغرق شهوراً، لما يزيد عن 845 ساعة تصوير، رصد من خلالها "كوستا" حياة وأعمال الرئيس الأوروغواني، "خوزيه ألبيرتو موخيكا"، الشهير بأفقر رئيس في العالم أو بلقب التدليل "بيبي"، والذي انتهت في الأول من مارس (آذار) الفائت فترة رئاسته للأوروغواي، وترك الحكم وانصرف إلى حياته الخاصة، وصار يحمل لقب سيناتور، وفيلم "البطل الأخير" من إنتاج الأوروغواي والأرجنتين والبرازيل.

ولشدة صدق ومصداقية كوستوريكا سمح له الرئيس السابق خوزيه موخيكا، أن يصوّره في فيلمه التسجيلي هذا، وقام بتقريبه منه خلال فترة التصوير تلك، وكان يسمح له بمرافقته في الكثير من الأماكن، وذلك على امتداد ما يقترب من عام ونصف العام، وحتى اللحظات الأخيرة في حياة موخيكا في الرئاسة، كما قام كوستوريكا بتصوير آخر المشروعات التي افتتحها الرئيس، وهي المدرسة الزراعية ببلدة "رينكون ديل سيرو".

وعن الرئيس موخيكا قال كوستوريكا بإعجاب عميق: "هذه هي المرة الأولى التي يترك فيها رئيس سلطة أو حكماً مصحوباً بالكثير من المجد والشهرة، وهذا لا نراه في أي مكان، الأمر يبدو وكأننا أمام أحد نجوم الروك"، وقد اعترف كوستوريتسا بأن العلاقة بينه وبين موخيكا صارت بالفعل علاقة صداقة حميمة، لدرجة أن موخيكا، قبل تركه للرئاسة، كان يتصل به عندما يعود إلى بيته قائلاً: "تعال، يا صديقي، دعنا نحتسي شراباً!"

جدير بالذكر أن آخر أفلام المخرج الصربي الجنسية والبوسني المولد أمير كوستوريكا، الذي فاز بدب برلين الفضي عام 1993 وسعفة كان عامي 1985 و1995 وأحسن مخرج بكان 1989، كان فيلماً تسجيلياً متميزاً أحدث ضجة عالمية عندما عرض في عام 2008، وذلك لتناوله حياة لاعب كرة القدم الأسطوري دييغو أرماندو مارادونا، وكان بعنوان "مارادونا من إخراج كوستوريكا".

موقع (24) الإماراتي في

12.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)