كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أفلام عن أحداث اليوم وتوقعات الغد

المستقبل يبدأ الآن

لوس أنجليس: محمد رُضـا

 

انطلقت خلال الأيام الماضية العروض الأميركية لفيلم «رجلان في المدينة» للمخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب وهو دراما صوّرها المخرج في 3 مواقع من ولاية نيومكسيكو الأميركية مع فورست ويتيكر وهارفي كايتل وبرندا بليثون ولويس غوزمان ودولوريس هيريديا يتوزّعون الأدوار الرئيسية وشبه الرئيسية.

في الأسبوع ال ينطلق العرض الأول لفيلم آخر عنوانه «تشابي» لنيل بلومكامب، من بطولة شارلتو كوبلي ودف باتل، وهيو جاكمان مع سيغوري ويفر من بين آخرين.

لا علاقة بين الفيلمين سوى أنهما عملان سينمائيان يُعرضان في زمن واحد. لكن في حين أن «تشابي» يُعرض في كل مدينة أميركية فيها صالات سينما، يكتفي «رجلان في المدينة» بالحضور في المدن الكبيرة فقط، مثل سان فرانسيسكو ونيويورك ولوس أنجليس وعلى نحو محدود. لكن هناك رابطا أبعد قليلا من المنظور المباشر. «تشابي» هو عما سيؤول إليه العالم و«رجلان في المدينة» عما عليه العالم الآن. الأول خيال علمي حول مستقبل الإنسان واللاإنسان على الأرض، والثاني همّـه البحث في عالم اليوم ومشاكله.

* إسلاموفوبيا

* الموقع مهم في «رجلان في المدينة»: بلدة صحراوية يحط فيها وليام رحاله بعدما قضى سنوات في السجن، إثر قتله نائب شريف البلدة. لا نرى القتل، لكن شريف البلدة بِـل (هارفي كايتل) لا يزال يحمل الضغينة ضد وليام ويحب أن يراه وقد أخطأ في فعل أو تصرّف ليودعه السجن مرّة ثانية. ما سيزيد من حنق بل اكتشافه أن وليام كان دخل السجن مسيحيا، ليخرج منها مسلما، إذ اعتنق الإسلام فيه.

نرى بل يستشهد بالظرف الحاضر ويعزز المخاوف الإسلاموفوبية الراهنة لكي يتسبب في طرد وليام من العمل. في المقابل، هناك الضابط المشرف على تأهيل وليام والإشراف عليه خارج السجن. إنها امرأة قويّة العزم اسمها إميلي (برندا بليثون التي ظهرت في فيلم سابق لرشيد بوشارب هو «نهر لندن») هي الوحيدة التي تقف حائلا بين بل ومساعيه بإعادة وليام إلى السجن إذا أمكنه ذلك.

وليام ذاته عانى من جنوحه للعنف قبل دخوله السجن. لا نرى كيف ومتى ولماذا قتل نائب الشريف، لكن الفيلم يوحي بأن وليام فقد أعصابه واستحق غالبا العقوبة التي نالها، كونه كان يعمل مع عصابة يقودها المكسيكي تيرينس (لويس غوزمان). هذا يحاول إعادة وليام إلى الحظيرة، ووليام يمانع ويرفض، في النهاية سيفقد وليام رشده بعدما اعتدى بل على المرأة (المسيحية) التي وقع وليام في حبّـها (دولوريس هيريدا) ويقتله في مكان صحراوي.

ينهض وليام من فوق الجثّـة ويتجه لكي يتوضأ ويصلي، لكنه يتوقف عن الوضوء: لقد قتل جريمة ستعيده إلى السجن ثانية. وربما في طي المشهد الأخير كيف سيواصل وليام ممارسة إيمانه كمسلم في مجتمع كالذي يعيشه؟

«رجلان في البلدة» Two Men in Town فيلم عن العنصرية والقيود والانكفاء تحت ثقل الظروف غير المواتية. والمخرج لم يغيّر في واقع الحكاية كثيرا عما جاء به الفيلم الأصلي الذي تم له اقتباسه. في عام 1973 قام المخرج الراحل جوزيه جيوفاني بتحقيق فيلم أنتجه ألان ديلون وقام ببطولته لجانب جان غابان وميمسي فارمر تحت العنوان نفسه. الحكاية هناك بوليسية تماما: ألان ديلون يخرج من السجن بعد أن قام بسرقة. رئيس البوليس غابان لا يرضيه ذلك، وهو متأكد من أن ديلون سيعود إلى الجريمة، وها هو يقض هدوء حياة الضحية دافعا بها إلى الجريمة من جديد.

لكن في حين أن فيلم جيوفاني تم تصويره في باريس (مونبلييه وضواحي مدينة مييو، حوّل المخرج الجزائري بوشارب الأحداث إلى بلدة صحراوية قاحلة. نزع عن الفيلم التنوّع الاجتماعي والبيئي والديكوراتي وأعطانا فيلما بقدر ما هو واسع الأفق (نسبة لطبيعة المكان) فهو سجن بالنسبة لوليام. سجن بلا قضبان.

المشكلة هي أن بوشارب لا يستفيد من المكان على نحو متشبِّع. الطرح المذكور في الفقرة السابقة ما هو إلا إيحاء يوفره الفيلم، لكنه لا يوظفه جيدا جماليا أو دراميا. كذلك يبقى بطله غير حاضر بثقله الجوّاني. ما يعتمره في الداخل لا يظهر على نحو حاد، بل يتبلور في مشاهد قليلة إلى أفعال. هو يقوم بعمله في المزرعة بصبر. يقرأ كثيرا. يأمن جانبه ولا يتدخل. وفي المقابل لديه مشهدان يعكسان فقدانه أعصابه: قيامه بتحطيم راديو لجاره في تلك الشقة الحقيرة التي يعيش فيها، وقيامه بقتل رئيس العصابة الذي أراد إجباره على العودة للعمل لديه بالتعرض لمن أحب.

* أغراض شتى

* تجربة رشيد بوشارب في سينما المواضيع الجادة لا يستهان بها، آخذين بعين الاعتبار أفلامه المتوالية مثل «السنغال الصغيرة» و«أيام المجد» و«نهر لندن» (الذي يدعو كذلك إلى التوافق بين الأديان)، و«خارج القانون»). أما نيل بلومكامب، فهو عمد إلى مزج أعماله المنتمية إلى سينما الخيال العلمي بالمضامين التي تحاول أن تقول شيئا، لكنها تقول نصفه.

قبل سنوات قليلة، عندما حقق «القطاع 9» عام 2009، اعتبر بلوكامب اكتشافا مهمّا في إطار النوع الذي اختاره. مخرج موهوب يتحدث هناك عن مركبة فضائية تحط على الأرض في زمن مقبل، وفي عالم فقد كياناته الاجتماعية والنظامية. المخلوقات ذات الشكل البشري التي تزور الأرض يتم تطويعها لتعيش في قاع المدينة (لا عمران بل مخيمات وأكواخ وعشوائيات). فيلمه الثاني: «فردوس» (2013) هو أيضا من الخيال العلمي ذاته وفيه مات دامون لاعبا شخصية عميل حكومي في عام 2154. مهمّـته مطاردة المواطنين الذين يحيون خارج نظم المدن التي أغلقها الأثرياء على أنفسهم. هذا إلى أن يكتشف أنه يحارب في الصف الخطأ، وأن عليه أن يفعل شيئا لإنقاذ الناس العاديين.

«تشابي» الجديد ما زال يطرق باب المستقبل ليتناول، كما الفيلمان السابقان، ما سيؤول إليه مستقبل الأرض ومن عليها في المستقبل غير البعيد. النبوءة هنا مشابهة لما ورد في الفيلمين السابقين ومختلفة. مثلهما هي عن عالم سيخضع لمقدرات وهيمنة قوى طاغية، ومختلفة من حيث إن الأحداث لا تطير 215 سنة إلى الأمام، بل تبقى في إطار المستقبل المنظور.

هناك، في أعوام قليلة، سيبني المجتمع «الروبوت» النموذجي لمحاربة الجريمة. لكن المفاد هو أن الجريمة بنظر السلطة هي غير الجريمة كما يفهمها العوام من الناس. بالنسبة للأولى، كل حركة ينتج عنها مناوأة أو معارضة السائد والمفروض هي جريمة سيتدخل الروبوت لكي يكون القاضي والجلاد معا.

ألم نشاهد ذلك في «روبوكوب» و«القاضي درد»؟

بالتأكيد. لكن الأمل هنا هو تقديم روبوت قام المواطنون بالاستيلاء عليه وتغيير نظامه الآلي وشيفراته الكومبيوترية المستخدمة ثم تحويله إلى أول روبوت مفكّر.

الغاية هي أن يفكر قبل أن يبطش، أن يحلل الأوضاع الماثلة عوض أن يستجيب للبرنامج الذي يعمل بموجبه ويكتفي بأن يكون أداة فاشية. الأحداث سوف تضع الروبوت (واسمه تشابي ويقوم به الممثل الذي لعب بطولة «المقاطعة 9» شارلتو كوبلي) موزعا بين أغراض شتى. لقد تبناه آسيويان لم يرزقا بولد، ويديره ديون (الهندي داف باتل) ويعارضه أحد المشرفين على تشغيل الروبوت لحساب السلطة (هيو جاكمان). في مجمله، يستوحي «تشابي» من واقع اليوم ما يطرحه في الغد.

التقنيات التي حذّر من سطوتها ستانلي كوبريك في «2001: أوديسا الفضاء» قبل 47 سنة تمارس عملها اليوم في التصنت والرصد ومواجهة الإرهاب، ثم ما هو غير إرهاب أيضا.

لكن «تشابي» في حين أنه لا يضيف جديدا على حكايته، لا يضيف جديدا يذكر على تقنياته أيضا. في الواقع هناك صدى لما سيؤول عليه الزمن نجده على نحو أفضل في فيلم ستيفن سبيلبرغ «تقرير الأقلية» (The Minority Report).

* حل وسط

* إن لم يكن الواقع الحالي حافزا لمعاينته في «رجلان في البلدة» والصورة المتوقعة للغد مثيرة للاهتمام في «تشابي»، فإن هناك بديلا كوميديا خفيف الوطأة. أحيانا أكثر مما يجب. إنه متمثل في «ثاني أفضل فندق إكزوتيك ماريغولد» أو Second Best Exotic Marigold Hotel الذي يأتي بعد عامين على ظهور الفيلم البريطاني المصوّر في الهند The Best Exotic Marigold Hotel ، موقّعا باسم المخرج ذاته، جون مادن.

في الأول، حمل عدد من السياح البريطانيين الذين تجاوزوا سن الشباب توقعاتهم وأحوالهم الشخصية وحطّوا الرحال في فندق اختارته لهم وكالة سفريات. فوجئوا وبعضهم تذمر والآخر قبل. مدير الفندق سوني (دايف باتل مرة أخرى) هرع للترحيب بالجميع وتسهيل أحوالهم، لكن هناك قوى «هندية» أقوى منه مثل الفوضى واختلاف الأمزجة، وما يأتي أولا وما يأتي آخرا في سلم التفضيل. الفيلم الجديد يعيد الكرّة، لأن (مبدئيا) مرة واحدة لا تكفي.

هذه المرة أكثر السائحات البريطانيات تعصبا وعنصرية أصبحت أكثر قبولا من سواها، لدرجة أنها باتت الآن تشارك سوني إدارة الفندق.

كل الشخصيات السابقة وممثلوها (مثل جودي دنش وبل ديغي) تعود باستثناء توم ولكنسون، الذي كان القرار اتخذ في نهاية الفيلم السابق بموته. ثم هناك الإضافة: رتشارد غير له دور هنا ككاتب يصل لاستكشاف الهند، وطرف حكاية غرامية تنشأ عندما تقع في عذوبته عاملة البار مادج (سيليا إمري العائدة بدورها للعب الشخصية التي مثّلتها في الفيلم السابق). لا شيء جديدا في كل ذلك. الأحداث تضحك لمشاهديها، وهو سيضحك لها، لأن هذا هو السبب في صنع الفيلم، كما هو السبب وراء قيام البعض بمشاهدته. لكن هذا اللاجديد يصنع فيلما بلا أنياب أيضا. في حين أن الفيلم السابق كان لديه فضل تصوير المجابهة بين ثقافتين، فإن على الفيلم الجديد أن يتجاوز ذلك الصدام الثقافي والحضاري ويأتي ببديل. هذا البديل يتموضع فاترا طوال الفيلم.

لا يخلو الفيلم من تحية كبيرة.

ربما هي تحية وداع، إذ ليس من المتوقع أن نشاهد جزءا ثالثا. فالفصل النهائي هو رقص فولكلوري هندي يشع بهجة وألوانا وابتسامات جاهزة.

الشرق الأوسط في

11.03.2015

 
 

الموريتانيّ عبد الرحمن سيساكو في «تمبوكتو»:

لا أنوي مباركة العنف الجهاديّ

نديم جرجوره

لم يفز بأي جائزة من جوائز المسابقة الرسمية الخاصّة بالدورة الـ 67 (14 ـ 25 أيار 2014) لمهرجان «كانّ» السينمائيّ الدوليّ، لكنه انتزع 7 جوائز «سيزار» الفرنسية، منها جائزتي أفضل فيلم وأفضل إخراج («السفير»، 23 شباط 2015). استقبال إيجابي كبير له في الدورة نفسها لمهرجان «كانّ»، لكن أعضاء لجنة التحكيم الدولية، برئاسة المخرجة النيوزيلاندية جاين كامبيون، لم يختاروه في اللائحة النهائية للجوائز. مع هذا، يبقى الفيلم امتداداً لجمالية الاشتغال السينمائيّ لمخرجه، ولمشروعه الثقافي ـ الفني ـ الإنساني.

لا للصمت

«تمبوكتو» جديد الموريتانيّ عبدالرحمن سيساكو، يفتتح ـ 7،30 مساء بعد غد الخميس ـ الدورة الـ 8 (12 ـ 21 آذار 2015) لـ «أيام بيروت السينمائية» في صالة «سينما سيتي أسواق بيروت». فيلم يمزج الواقع بشاعرية الصورة واللغة، ويفتح نقاشاً حول ثنائية الإنساني ـ الوحشيّ في شخصية الجهاديّ الإرهابيّ، ويطرح أسئلة حول معالم الراهن في زمن الانقلابات المختلفة. يُصرّ عبدالرحمن سيساكو على إظهار «الجَمال البصريّ»، مستعيناً بجملة من كتاب «الأبله» لدوستيوفسكي: «الجمال يُنقذ العالم». يقول: «يُعتبر الجمال، غالباً، أمراً سطحياً، شيئاً يُشبه الديكور الخارجي. الجمال هو المسافة الضرورية عندما نستدعي العنف. لكن، ليست لديّ نيّة مباركة هذا العنف» (الصحيفة الفرنسية اليومية «لو فيغارو»، 9 كانون الأول 2014). يُضيف أنه يجب منح جانب إنساني لمن يمارس أعمالاً مرعبة: «هذا لا يعني أني لستُ واقعياً. عندما يختطف الجهاديون رهينة، يعطونها نظّارتها ويعيدون لها أدويتها. يجعلونها تشعر براحة، يُقدّمون لها الشاي. لكنهم، وربما بعد 10 دقائق، يجزّون عنقها».

لكن، هل يريد التذكير بأن إرهاب الجهاديين يُمارس أولاً ضد مسلمين؟ يؤكّد هذا تماماً، معترفاً أنه يُصوّر الرهينة في «تمبوكتو» لأنه «هو أيضاً أخي، ولأن معاناته وألمه يجب ألاّ يمرّا بصمت». يريد أن يقول أيضاً إن الإسلام نفسه مأخوذٌ كرهينة بعد «اعتداءات 11 أيلول 2001». في الفيلم، يُعلن إمام المسجد أن ما يحدث من إرهاب باسم الإسلام «ليس إيماني». يقول سيساكو: «يجب على هذا القول أن يتردّد في الشوارع، وفي البلاد كلّها. أولئك الذين يُضربون بالإرهاب، يجب أن يواجهوه بصوت عالٍ. عندما يتمّ تفجير كنيسة بلاغوس في عيد الفصح، أُصاب أنا أيضاً كمسلم، وعليّ أن أقول هذا. عندما نسكت، نبدو كأننا نمنح ضمانة لما يحصل، في حين أن هذا غير صحيح. أعرف هذا. أعيش يومياً جرح مسلمين كثيرين أُصيبوا به إثر مقتل إيرفي غورديل (دليلٌ فرنسيّ للجبال، يُعتبر الغربيّ الرابع الذي يُقتل بقطع رأسه، بعد اختطافه من قِبل «جنود الخليفة»، وهي جماعة جهادية جزائرية تابعة لـ «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، في 23 أيلول 2014). يتحدّثون عنه كعاشق للجبال، لكني أرى أنه عاشقٌ للناس».

أفريقيا والذات

في تعريف نقديّ بعبدالرحمن سيساكو، يتردّد قولٌ مفاده أن الـ «ثيمة» الأساسية في أفلامه كامنةٌ في المنفى والتهجير. توصف أفلامه هذه بأنها «ترسم أفريقيا، مع سمات مستلّة من سيرته الشخصية». شيءٌ من الذاتي والعام، لرواية فصول من الحياة الأفريقية التي تعتمل في أعماق روحه ووعيه وتفاصيل عيشه. صحيحٌ أن فيلمه الروائي الأول، وهو قصير بعنوان «تشرين الأول» (1993)، تدور أحداثه في موسكو، لكنه مُشبعٌ برائحة أفريقيا، وبثقافتها وأحاسيسها الإنسانية الصرفة: تنتظر «إيرا» مولوداً. هي قلقة وشكّاكة، تسير على قدميها في شوارع موسكو. حبيبها إدريس، طالبٌ أفريقيّ، سيُغادر روسيا. يلتقيها في منزلها من أجل موعد أخير. لكنه موعد مفتوح على احتمالات عديدة، إلى درجة يبدو كأنه لن ينتهي.

قبل «تشرين الأول» هذا، يدرس سيساكو السينما في معهد «فجيك» السوفياتي بين العامين 1983 و1989، هو المولود في «كيفا» في موريتانيا، في 13 تشرين الأول 1961. بعد ولادته بقليل، تنتقل عائلته إلى «مالي»، حيث يتابع دروسه الابتدائية والثانوية. في العام 1980، يُقيم فترة في موريتانيا، قبل انتقاله إلى الاتحاد السوفياتي السابق. مطلع التسعينيات المنصرمة، تبدأ إقامته في فرنسا. أول فيلم طويل له بعنوان «الحياة على الأرض» (60 د.، 1998): في مدينة «سوكولو» في قلب صحراء «مالي»، يسهر سكّانها لحظة بداية الألفية الجديدة. بهذه المناسبة، يعود درامان (الاسم الأصلي لسيساكو) إلى قريته هذه للقاء والده. أثناء رحلته، يلتقي فتاة صغيرة على دراجة هوائية مرات عديدة. تصوير لحياة قرية في لحظة تاريخية. محاولة سينمائية لتبيان معالم أناس وبيئات. يأتي فيلمه هذا بعد اختبارات بصرية في مجالي الفيلم القصير والفيديو. «بانتظار السعادة» (90 د.، 2002) نشيدٌ للحياة والفرح، وسط بيئة جغرافية موريتانية يُقيم فيها أناس يعيشون يومياتهم «في الانتظار». نشيدٌ سينمائي شفّاف ومليء بكَمّ من الأحاسيس الرائعة، واللقطات البصرية البديعة. «باماكو» (115 د.، 2006): شهادة صادمة عن سطوة أخطر مؤسّستين ماليتين دوليتين، «البنك الدولي» و «بنك النقد الدولي»، من خلال قصة زوجين يعيشان حالة من الصمت والانهيار والخراب، على الرغم من وجود ابنة لهما.

السفير اللبنانية في

11.03.2015

 
 

المخرج الروسي آندريه زفياجنتسيف ..

فيلم "ليفياثان" يضع الإنسان مقابل السلطة

ترجمة: نجاح الجبيلي

آندريه زفياجنتسيف: مخرج روسي ولد عام 1964 معروف بفيلمه "العودة" الذي فاز بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي عام 2003. ترشح فيلمه "ليفياثان" لجائزة الأوسكار هذه السنة كما فاز بالعديد من الجوائز منها احسن سيناريو في   مهرجان كان السينمائي والغولدن غلوب وأحسن سرد وممثل في مهرجان دبي السينمائي. 

·        حدثنا عن أصل القصة في الفيلم كيف ارتبطت مع "سفر أيوب" وتطور الفيلم المبكر.

حكوا لي القصة في الولايات المتحدة حول شخص يدعى "مارفن جون هيماير" وهو هو رجل عادي لديه عمل صغير وفقده، فأصبح ساخطاً واقتحم بعض البنايات الرسمية وأظهر بعض التمرد. كان اسمه "كلدوزر" تستطيع أن تعثر عليه في النت إذا رغبت. 

تلك كانت بداية فيلمي وتلك هي الطريقة التي بدأنا فيها العمل على السيناريو. حكوا لي القصة في عام 2008، لذا عملت عليها لمدة 6 سنوات، وأخيراً حصلت على النتيجة.

كانت لديّ رغبة لإظهار القصة التي حدثت في الولايات المتحدة على الشاشة الكبيرة بكلماتي الخاصة، إذا صحّ التعبير، وبطريقة فنية. 

لم أرغب بعمل فيلم وثائقي حول ما حدث، لهذا تكلمت عن هذا الأمر، لكني كنت بحاجة إلى العثور على متوازيات لموضوعي. تلك هي الطريقة التي عثرت بها على قصة أيوب. رغبتُ أن أسرد قصة رجل يفقد كل شيء لديه؛ واحداً بعد الآخر، تدريجياً، إلى الحد الذي يفقد فيه صحته وحياته.

بالنسبة للمجال كي أبني هذا الموضع احتجتُ إلى نوع من الأساس كي أخلق نوعاً من الصدام وأجعل القصة خالدة. وهذا السبب في تسميتها "ليفياثان". 

بعض أصدقائي الذين يدرّسون الفلسفة (هم متزوجون حقاً) أخبروني حول كتاب "ليفياثان" لتوماس هوبز. جاءت هذه الفكرة أصلاً من القصة القديمة لكن حين أخبروني عن "هوبز" فكرت:" حسن كل شيء مناسب. حقاً عليّ التكلم حول هذه القصة؛ هذه القصة ذات الموقف القوي".

وهناك شيء آخر، تفصيل صغير. ما إن جرى تثبيت الموقع حتى وجدنا البيت والمكان، وثمة رجل من المنطقة جاءنا وقال "تعلمون أنّ هناك مكانا يبعد 8 كم من هنا تستطيع حقاً أن ترى فيه الحيتان"، وكان ذلك مثل لحظة تنوير، أعرف أنها علامة جاءت من فوق وكان علينا أن نعمل هنا.

·        لماذا اخترت هذا المشروع الخاص بعد فيلمك السابق الأصغر الحميم "إلينا"؟

كان لديّ بين يديّ، أو قل على مائدة المنتج، خمسة سيناريوهات. أحداها "ليفياثان" الذي وصل متأخراً قليلاً. كان لدينا مختلف أنواع المشاريع. إحداها ذا ميزانية كبيرة وهو فيلم حرب تحدث في "كييف" و هناك ملك بولندي و أمامي الكثير من الخيارات. 

هناك مشروع حول اليونان القديمة. كان مشروعاً ضخماً تطلب الأمر منا أن نعيد بناء ميناء أثينا. 

لذا فإنّ سؤالك يجب أن يوجه إلى المنتج لأنه هو الشخص الذي اختار مشروع "ليفياثان". كنت جاهزاً في العمل على أي شيء. 

تمثيل روسيا وبالأخص وجود صورة بوتين كان واضحاً جداً في الفيلم.

في الواقع إنّ هذا هو المكتب الحقيقي للمحافظ "أوليني غورسك" لذا كانت الصورة الشخصية حقاً في الغرفة. تلك هي صورة بوتين حين كان أكثر شباباً في عام 2003. يجب أن تكون هناك لأنه في أي مكتب للمحافظ عليك أن تضع صورة للرئيس. إنها الحقيقة. في كل مكتب ولأي ممثل كبير للسلطة عليك أن تمتلك تمثيلاً لتلك السلطة. إزالة هذه الصورة سيكون أمراَ أخرق. إنها تنتمي إلى هناك. لم أحاول أن أفعل شيئاً له علاقة مع هذه الصورة الشخصية، إنها مجرد في الغرفة وتركتها هناك. 

إنها تمثل السلطة، ظلوا يقولون ذلك في الفيلم. كان لديهم هذه العلامة الصغيرة على الغلاف"روسيا الاتحادية" التي جعلتهم يظهرون الولاء للسلطة. كان عليهم أن يمثلوها. أستطيع أن أؤكد لك بأن بوتين لو رأى الفيلم فلن يكون الأمر محرجاً له.

·        لماذا عملت مع المؤلف فييلب للمرة الثانية؟ 

عملت مع فيليب في فيلم "إلينا" إذ وظفت السمفونية الثالثة له. وكنا نتحدث عن حقوق موسيقاه وأدركتُ أني أحبّ العمل معه أيضاً في العمل القادم. أنا فعلاً سعيد في معرفته لأني اعتقد بأنه موهبة وعصري جداً. 

أردتُ أن أعمل معه لكني لم أقل:" حسن. مشروعي القادم سأعمل معه بالتأكيد". إذا ما كان لديّ فيلم يتناسب مع موسيقاه وما إن ينتهي مشروع هذا الفيلم عرفت أني أريد أن أعمل معه. اتصلت بوكيله لكن لم يكن لديه الوقت كي يصنع الموسيقى حتى لو كان يرغب بخلق موسيقى لفيلم "إلينا". 

لذا قررتُ أن استمر على الشبكة وأصغي لكل موسيقى أستطيع أن أجدها وأخيراً حصلت على موسيقى "أكتشن" وقررت توظيفها.

·        هل كان يسمح بوجود الفودكا في موقع التصوير؟ 

(يضحك) سؤال جيد. 

أدرك أن تلك المشاهد التي فيها الممثلون ثملون ستكون الأصعب. أقول لنفسي:"كيف أفعل ذلك وأبقى قريباً من الواقع؟" لذا اقترحت على الممثلين: إذا ما شعرت بالسيطرة على الموقف وأديت عملك، تستطيع أن تشرب الفودكا بشكل حقيقي. وإذا ما حدث أمرٌ ما ولم تسير الأمور على ما يرام سوف نعيد التصوير. 

لذا كانوا أساساً ثملين قليلاً في تلك المشاهد عدا شخص واحد هو المحافظ (الذي أدى دوره رومان ماديانوف) كان نظيفاً بشكل مطلق. فقط موهبة.

·        ما العلاقة بالموقف السياسي الحالي في روسيا وفيما إذا كان الفيلم قصد به أن يكون سياسياً في طبيعته؟

أود القول أني عملت على الفيلم لمدة 6 سنوات. الفيلم بالنسبة لي حول "الإنسان مقابل الدولة". إنه يدور حول أي نظام سياسي. قد يكون في أي بلد بما أن القصة التي أحكيها حدثت في عام 2008. إنه الإنسان بمواجهة الدولة. لا أريد أن يجري تذوق أفلامي كونها "مع" أو "ضد" أي نظام. أحب الاعتقاد بأن هذا الفيلم هو مقاربة فنية للواقع التي يمكن أن تحدث في أي مكان. 

آمل حقاً بأن فيلمي يجري فهمه كفيلم فني أكثر مما هو سياسي. 

اليوم، الوضع قلق لكن الكل يعرف عنه، الكل يشاهد التلفزيون والأخبار. كان هناك فاصل ما بين أوربا وروسيا وهذا هو السبب بوجود أفلام مثل "ميدان" و"الجيش الأحمر" إنها الحقيقة التي تظهر في الأفلام. ليس من السهل لروسيا الانفصال لأنها لحظة حين يتوجب عليك أن تبني مستقبلاً. 

إذا ما استمرت أوربا في فرض العقوبات فإن روسيا سوف تغلق على نفسها وتصبح بلداً منغلقاً وكل تلك المشاعر ضمن روسيا ضد أوربا سوف تنمو. سيكون من المحزن جداً أن تعود إلى تلك السنوات من الحرب الباردة حين كنا حقاً منفصلين عن بقية العالم.

·        ماذا عن مشروعك القادم؟

في الواقع لا أعرف. لدى المنتج 3-4 سيناريوهات على المنضدة وهو يفكر فيها. إنه هو الذي يقرر.

ذاكرة السينما: فيلم المجد والعاطفة - مدفع الحرية

عرض: كمال لطيف سالم

تمثيل: كاري كرانت، صوفيا لورين، فرانك سيناترا

يبدأ الفيلم بلقطة عامة لانسحاب جحافل الجيش الاسباني في معركة قادها نابليون ووقعت عام 1810 وكانت اهلك مصير للامة الاسبانية وتستعرض مشاهد الجنود الجرحى والمدافع المدمرة بينما تحدد لقطة مدفع كبير تسحبه الخيول ويظهر احد الضباط على حصانه باتجاه القائد الاسباني الذي يطرح عليه مصير المدفع هل يتركه للفرنسيين وهنا يأمر القائد بتدمير المدفع والقائه في الوادي.

وتظهر مشاهد اخرى تؤكد اهمية المدفع الذي يزن 17 طن وطوله 24 قدماً. حيث يأمر الجنرال جوفيه باستعادة المدفع كما يرسل الانكليز مبعوث لهم –كاري كرانت- لجلب المدفع الى انكلترا وبعد ان يلتقي المبعوث البريطاني بزعيم المقاومة الاسباني –فرانك سناترا- يجري الحوار حول مصير المدفع بين رغبة بريطانيا بامتلاكه وارادت المقاومة استخدامه في معركتهم ضد الفرنسيين ويجري الامر لصالح المقاومة رغم الصعوبات التي تعترض وصول المدفع الى معقل المقاومة ويجري سحب المدفع بجهود المقاومين حيث تعترضهم المصدات الطبيعية كالصخور والجداول الضحلة غير انهم يجرونه بشكل جنوني وترافق حشد المقاومة فتاة تفقد اباها خلال المعارك –صوفيا لورين- وتقع هذه الفتاة بميل نحو المبعوث البريطاني –كاري- وبين منقذها الحقيقي –فرانك- وهنا يجري الصراع بين الواجب والمعارضة اي زعيم المقاومة وخبير المدفع وتجري احداث الفيلم في سحب المدفع عبر ممرات تسيطر عليها المدافع الفرنسية وتقع بعض المعوقات التي يسقط خلالها بعض المقاومين قتلى جراء القصف وتنتصر المقاومة وتنتصر الرغبات المصرة الى اخراج المحتل.

الممثل كاري كرانت بريطاني المولد وكان يطلق عليه ايقونة ومثال الوسامة لرجل في السينما ولد سنة 1904 في انجلترا بربستول ادخل ابوه امه الى المصح العقلي وهو في العاشرة من عمره مما جعله ينضم الى فرقة بوب اندر للصغار وفي عامه العشرين ابحر الى امريكا حيث قدمت الفرقة مجموعة عروضها الفنية التي لاقت نجاحاً باهراً وعند عودة الفرقة قرر هو البقاء في امريكا فاتيحت له المشاركة في عدد من العروض المسرحية في سانت لويس –ميزوري- في عام 1932 دخل الى عالم هوليود وغير اسمه الى كاري كرانت فمثل افلاماً عديدة مثل –ان تمسك العصا- اخراج هتيشكوك عام 1955 اما صوفيا لورين فهي تعود الى اصول فلسطينية في طفولتها عملت مع عمتها نادلة ثم اشتركت في مسابقة للجمال في نابولي، اشتركت في ادوار ثانوية حتى تعرفت على المنتج الايطالي كارلو بونتي وتزوجها فمثلت افلاماً كثيرة بعضها فشل في شباك التذاكر وافلام اخرى لاقت الشهرة اشهرها زهور عباد الشمس، امرأتان، النزهة، امرأة من روما، مدفع الحرية. حصلت على عدد من الجوائز منها الاوسكار وجائزة افضل ممثلة عن دورها بفيلم امرأتان اما فرانك سيناترا فقد عرف كمغن عالمي قبل دخول السينما في ادوار محددة.

يوم المومياء فـي فيلم "day of the mummy"

ضحى عبدالرؤوف المل / بيروت

تبدأ رحلة البحث عن حجر الكوديك بمهابة استكشافية حيث مدخل للقبر ما يسميه العبريون القدماء الملك الملعون ، ذكر اسمه مخيف للمصريين القدماء حتى رمز اسمه القط لا يمكن كتابته او لفظه من قبل احد.

نيفيرو ابن هاركوبتس كان الوريث للملك حين امسك به اخوه الاصغر سيتاه وقام بتحنيطه وهو لا يزال حيا وفي هذه الانفاق حيث دفن ، وهنا نعتقد اننا سنجده" لحظات من الترقب والتعمق والتصوير ضمن عتمة مخيفة تلازمها اصوات تبدو غامضة . لينتهي المشهد على غموض يثير الاستكشاف عند المشاهد، لمعرفة ماذا جرى مع المستكشف او الدكتور بهار الذي اختفى دون معرفة ما الذي حدث له في هذا الكهف المثير للخوف

جوهرة ثمينة محفوفة بالاخطار، لانها لغز من حيث فقدانها ومعرفتها، لانها ملك فرعوني يدعى نيفيرو. مهمة الاستاذ والباحث بعلم الاثار قد اختلطت مع اهداف الامن القومي المهتم بالبحث عن الرجل المفقود او دكتور الاثار بهار مع توثيق الفترة المصاحبة للاطاحة بحسني مبارك. لتبدو زمنية الفيلم متناقضة مع اسطورة يهتم لها الامن القومي مع فريقه المرسل الى صحراء مصر مع رؤية البدو العرب والدليل السياحي العربي الذي يقودهم الى المغارة حيث اختفى الدكتور بهار في الارض الملعونة التي مشى عليها الفريق الباحث عن حجر الكوديك، لنرى العربي بشكل اعرابي قديم ينتعل ما هو بدائي رغم انه عربي معاصر لم يتم تحديثه في الفيلم ، برغم انه يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة بل وحتى الخوف من نسيم ابو بكر وهو الاسم الذي ترك لقطاع الصحراء منحهم حق العبور الى القبر الملعون

يباغتك الفيلم في بدايته لتدرك بعدها انك تابعت فيلما سهلا ممتنعا لموضوع تمت معالجته في كثير من الافلام. الا انه هنا تم اظهار الاساليب البحثية الحديثة من اقمار اصطناعية ونظارات تجعل من يتابعك يرى كل شيء كما ترى انت وسماعة اذن لا يمكن اكتشافها تسمع بواسطتها كل صوت حسي يمكن التقاطه بتقنية معاصرة مع تصوير في غالبه ضمن الكهف، اي تصوير داخلي مع خدع بسيطة هي لعبة العتمة والظل، والسرعه في التنقل. فتكتيك التصوير لم يحمل معجزة برغم جمالية التصوير. في بداية الفيلم حيث الكاميرا المفتوحة على لقطات ذات جمال ساحر وفاتن للبصر، ولكن للمعاني جمالية ترابط تقني يتعلق بالمعنى والمبنى والاسلوب الاخراجي المترابط مع النص والرؤية المعقدة في بدايتها والبسيطة في النهاية الساذجة التي يشعر المشاهد فيها انه تابع فيلما لنهاية لم تحمل ما هو متوقع من فيلم بدأ باثارة الغموض والرعب وانتهى ببساطه تراجيدية يبدو فيها الاصل الفرعوني يحتاج للانتقال الرجولي بازالة حجرة الكوديك من داخله حيث يمد البطل يده بكل سهولة الى داخل المومياء لينتشل الحجر قبل تفجيره وانهاء المهمة

لم يحتج المخرج "جوني تايلور" الى الكثير من اظهار التصوير الخارجي بل الهروب منه بجعل اللقطات المعقدة تحت تاثير العتمة في الداخل ، وفي هذا سهولة في خداع المشاهد بصريا. اذا يكتفي بمشاهد تعيد نفسها وبمنطقية الخيانة العربية واظهار البدو الرحل كمجرمي حرب دون الغوص في معنى سرقة اثار لبلاد عربية هي مصر او الحجاز كما كانت تسمى قديما. اذا لم تنطبق الرموز الاسطورية لا على شكل المومياء ولا على شكل المرشد السياحي او مرشد الاثار الذي رافقهم الى قبر الملك الملعون اضافة الى صورة التحرش بالفتاة المرافقة لهم، والتي ضربته بقوة وبتناقض مع ضربة اخرى لمرافقها من مواطنها في اميركا حيث تتم المهمة ببقاء الاثنين معا ونصر انهزامي بسيط مع حجر الكوديك الثمين

حبكة معقدة بدأها المؤلف "غاري شارليز" باسلوب روائي لادب الرعب والاثارة، ولكن باستخفاف درامي اذا لم تبلغ الاحداث التراجيدية ذروتها في فيلم كان من المعتقد انه وصل الى حبكة تراخت عند النهاية بل فقدت منطقيتها التراجيدية برغم فقدان بعض عناصر المرافقة الذين قتلوا دون غموض يثير قوة الدهشة عند المتلقي. بل بحلول اخراجية لم تكن منطقية، فهي تركت ثغراتها عند المشاهد وكأن المؤلف والمخرج استدرجا المشاهد حتى النهاية، وكأن الاسطورة الفرعونية تعيد نفسها ولكن باسلوب زمني يصور الحداثة التكنولوجية التي وصل اليها الغرب لاستكشاف الاثار العربية والحصول عليها ببساطة تثير الاستخفاف. كما انها تحاول استعراض البطولات القادرة على تحقيق الهدف مهما كانت الاساليب الهادفة الى سرقة اثار الاوطان، فهل صحراء مصر هي فقط كحجر الكوديك بالنسبة للغرب ام انها ارض الكنوز والخيرات والرسالات السماوية وهي مطمع سياحي مازال يجذب اليه الاف السياح . اذ تحمل معجزات الاهرامات رؤية عمرانية يصعب فك الغازها المتعلقة بالمومياء والكنوز الاثرية التي ما زالت مدفونة
الفيلم من بطولة داني كلوفر Danny Glover) وليام ماكنامارا William McNamara) اندريا مونييه Andrea Monier ( نيمي) Nimi انطوني فانيللي ( Anthony Fanelli) تاليف: غاري شارليز(Garry Charles) اخراج : جوني تابور Johnny Tabor).

المدى العراقية في

11.03.2015

 
 

«بيردمان» للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس:

عزلة الانتقال من هوليوود إلى برودواي

سليم البيك - باريس ـ «القدس العربي»:

للفيلم عنوان فرعي قد يعبّر عنه أفضل من عنوانه الأساسي والمتداول، وهو «فضيلة التجاهل غير المتوقَّعة»، يُضاف إلى العنوان الذي بات يدلّ على إنجاز سينمائي هو «بيردمان»، بخلاف ما يمكن أن يوحي به، أي أفلام «السوبر هيرو» (باتمان وسبايدرمان ورفاقهما) المأخوذة عن كتب «الكومكس» التي تسعى للترفيه بقدر ما تعتمد على الإبهار البصري بالمعنى التقني للكلمة.
هنا، في «بيردمان»، نرى إبهاراً بصرياً إنّما بالمعنى الجمالي، وبالمعنى الفنّي في ما يتعلّق بالتصوير «السينماتوغراف»، الذي جعل الفيلم يبدو كمشهد واحد وطويل.

نال الفيلم الذي أخرجه وشارك في كتابة السيناريو له وفي إنتاجه المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، جوائز حفل الأوسكار عن أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل نص كُتب للسينما وأفضل تصوير، وقد نال مدير التصوير، «السينماتوغرافر»، الجائزة ذاتها عن فيلم «جاذبيّة» العام الماضي. وهذه الجوائز الأربع تُعد من بين الأفضل التي تمنحها الأكاديمية. أمّا ما يمكن أن يكون جديداً في منح الأكاديمية للفيلم جوائزَها الأهم، فهو الاستقلالية النسبيّة للفيلم والتجريبيّة النسبيّة والحذرة فيه، وكذلك «أجنبيّة» مخرجه، وإن كان الفيلم أمريكياً تماماً في ما عداه.

إذن بخلاف الشخصيّات الخارقة وأفلامها، يحكي «بيردمان» عن رجل يحوّطه البؤس من كافة الجهات، ريغان (مايكل كيتن)، الممثل الذي تعإلى على أفلام «السوبر هيرو» الهوليوودية التي اشتهر بفضل أحدها، «بيردمان» (الفيلم ضمن الفيلم موضوع المقالة)، وقرّر التوقّف عن تمثيل جزء جديد منه، فمرّ في مرحلة تصل لعشرين عاماً من تجاهل صنّاع الأفلام له، ثم أراد أن يستعيد بعض ما فقده من شهرة إنّما ليثبت لنفسه قبل الآخرين أنّه ممثل وأنّه دائماً فنان، وليس في أفلام «السوبر هيروز» التجارية، فكتب نصّ مسرحيّة وأخرجها واتّخذ دور البطولة فيها وهو الآن يحضّر لليلة الافتتاح على مسارح برودواي الشهيرة في نيويورك. لكن بؤسه الطاغي في الفيلم، الكوميدي بالقدر الذي هو فيه تراجيدي، ترافقه في مشروعه المسرحي المتواضع، ابنته (إيما ستون) التي هجرها وهي طفلة لانشغاله بأدوار «بيردمان» اتّخذها مساعدة شخصيّة له، ومحاميه منتجاً وحبيبته ممثلة. ممثلة غيرها في المسرحية (ناومي ووتس) تستدعي حبيبها السابق (إيدوارد نورتن) كممثل طارئ وبديل عن البطل الذي مات بحادثة. وخلال سير الفيلم تجتمع خيبات ريغان كحبيب مع شريكته وكأب مع ابنته وكمُخرج مع العاملين في مسرحيّته وكفنّان مع سيرته (تقول في وجهه ناقدة من «نيويورك تايمز» بأّنه، وحسب، أحد المشاهير وليس الممثلين، ثم بأنّها ستقتل مسرحيّته من دون أن تشاهدها)، تجتمع مع حوادث متفرّقة استدعاها النحس والبؤس المرافقين له.

في شيء منه، يذكّر «بيردمان»، بفيلم «ليلة الافتتاح» (1977) الذي أخرجه وكتبه ومثّل فيه أحد أبرز روّاد السينما المستقلّة الأمريكية جون كاسافيت، ففيلم الأخير يحكي كذلك عن ممثلة (جينا رولاندز) في أحد مسارح برودواي تهجس بفكرة ابتعادها عن الشهرة التي كانت لها واقترابها من العمر المتقدّم المرجّح لأن يكون عائقاً في عملها كممثلة مسرحيّة، وهي الأزمة الداخليّة ذاتها التي يعاني منها ريغان في «بيردمان» بعدما كهل وفقد مكانته الفنّية، محدّثاً نفسه بأنّه لم يعد لائقاً لدور رجل خارق، وأنّه صار أشبه بديك حبش مصاب باللوكيميا.

الفيلم مليء بالتقاطعات التي تزيد من تفرّده، منها أنّ ممثل دور ريغان، مايكل كيتن، قد مثّل دور «باتمان» في فيلميْن من إخراج معلّم الفانتازيا تيم بيرتن في 1989 و1992، وأنّه مرّ بعدهما في مرحلة من التجاهل، لم يشارك في فيلم لاقى نجاحاً لافتاً حتى «بيردمان»، فاختيار كيتن هنا (أي الكاستينغ) بدا كأنّه من صلب عمليّة التحضير للفيلم، أو كتابته في مرحلة باكرة. وفي لقطة أقرب لخلط بين كيتن الممثل في واقعه وبين ريغان الذي يمثّل دوره، يشير الأخير في الفيلم إلى شهرة جورج كلوني الواسعة مقابل تجاهل متفشٍّ له هو، وكلوني مثله (مثل كيتن في الواقع كما مثل ريغان في الفيلم) مثّل دور «باتمان» (أو «بيردمان»، بالحديث عن ريغان) في مرحلة سابقة. وهذه من مخاوف ريغان التي يهجس بها، كفاقد للشهرة التي كانت، وكذلك للقدرة على أن يكون ممثلاً يُرغب به، أو على الأقل لا يتم تجاهله.

وبالحديث عن «الكاستينغ»، فإضافة لكيتن الذي أدى دوره ببراعة، نذكر إيما ستون التي ألقت في وجه أبيها ريغان خطاباً تأنيبياً كان يثقل صدرها كما يبدو، في أحد مشاهد الفيلم الأكثر تأثيراً، ستون التي أجادت كذلك في فيلم وودي ألن الأخير «سحر في ضوء القمر». وكذلك إيدوارد نورتون الذي نراه اليوم في أحد أفضل أدواره، كممثل مسرحي معتد بنفسه ومحترف ومستفز، يتسبّب بتوقف أحد العروض بسبب خلل في عنصر الواقعيّة فيها، كأن يكون في كأسه ماء بدل الكحول في وقت يفترض أنه يشرب فيه الكحول على خشبة المسرح.

والتداخل بين العمل الفنّي والواقع لا يقتصر على السيناريو والكاستينغ في الفيلم، بل كذلك على المسرحيّة ذاتها التي يتم تمثيلها ضمن الفيلم، ففي مشهد يدخل ريغان إلى المسرح من باب الجمهور حيث المقاعد، بعدما علق في الخارج وكانت الطريقة الوحيدة للدخول، واضطرّ لذلك مرتدياً سرواله الداخلي فحسب، ثمّ في لقطة من النهايات يستخدم ريغان مسدّساً حقيقياً محاولاً الانتحار على الخشبة، ليفلت من الأزمة متعدّدة الجوانب التي يعيشها، أما ما ينتهي إليه الأمر، فهو ما أظنّه نقل سينمائي ممتاز للعنوان الفرعي للفيلم، «فضيلة التجاهل غير المتوقّعة»، فما لم يكن يتوقّعه ريغان، وهو المخالف تماماً لما خطّط له، (لبؤس حظّه أم لحسنه!) جعل من التجاهل فضيلة وصنعت منه مسرحياً استثنائياً مقحِماً الواقع في المسرح، بأقصى صوره، حسب إحدى المقالات النقديّة التي تناولت ليلة الافتتاح.

أما طريقة إيصال كل ذلك للمُشاهد، فكان بتصوير أقرب للواقعي، بدا الفيلم كأنّه لقطة واحدة وطويلة، من دون قطع بين المَشاهد، الكاميرا تجول أمام ريغان وخلفه، إلى جانبه، تطير معه، ترى ما يراه، في جميعها، في ممرات كواليس المسرح وغرفه، وعلى رصيف برودواي المزدحم بأضواء النيون والمارّة، تدخل من باب وتخرج من آخر، بدا التصوير كوصلة واحدة، التُقطت بنفَس واحد، منزاحاً عن المفهوم التقليدي للتصوير السينمائي المعتمد على القطع بين المَشاهد.

أفلام سابقة للمخرج إيناريتو كـ «جميل» (2010) و «بابل» (2006) و «21 غرام» (2003) لم تكن بعيدة عن التمهيد إلى نجاح يمكن القول بأنه شامل تحقّق في «بيردمان». بالحديث عن الإمتاع والجماليات، يمكن القول بأنه من أفضل أفلام العام، عدا عن كونه اخترق «البروتوكول الضمني» لشيوخ الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار.

هارفي واينستين: كان لابد من عرض فيلم من منظور الفلسطينيين

أغضب أوباما بفيلم عن سنودن... وقام بعمل لا يجرؤ أحد في هوليوود على فعله

حسام عاصي - لوس انجلس – «القدس العربي»:

يعتبر هارفي واينستين أحد اهم منتجي الافلام في هوليوود والعالم ويلقب احيانا بصانع المعجزات. فبينما تركز استوديوهات هوليوود على صنع الافلام الاستهلاكية الضخمة التي تدر الارباح الهائلة في شباك التذاكر، يدأب واينستين على انتاج وتوزيع افلام فنية ذات ميزانيات متواضعة، واحتمالات نجاح تجاري ضئيلة. ورغم هذه المخاطرات التي يخوضها، الا ان شركتي الافلام اللتين اسسهما مع اخيه بوب وهما ميراماكس (1979) والإخوة واينستين (2005)، حققتا نجاحا نقديا وتجاريا. وفي لقاء تلفزيوني اجريته معه مؤخرا في مكتبه في نيويورك، قال لي ضاحكا: «إما أني محظوظ جدا وهذا ما تزداد قناعتي به مع تقدمي في السن أو أن ذلك يعود لإيماننا بعدم الاستخفاف برواد صالات السينما لأنهم قادرون على دعمك ومفاجأتك طوال الوقت. لهذا إذا كنت واثقا من مبادئك، فستنجح أيضا. لكن يجب أن يكون لديك إيمان بنفسك، وأن تحارب أكثر في هذا السبيل.»

منذ ان أسس واينستين شركة التوزيع، ميراماكس جازف في انتقاء افلام من صنع مخرجين مستقلين جدد مثل فيلم ستيفين سوديربرغ «جنس، اكاذيب وشريط فيديو»، وفيلم كوانتين تارانتينو «بالب فيكشين» وفيلم كيفين سميث «كلاركس». الأرباح التي حققتها هذه الافلام في شباك التذاكر والجوائز السينمائية المهمة التي حازت عليها في المهرجانات العالمية والأوسكار حولت مخرجيها الى نجوم سينمائيين وعززت من مكانة واينستين في هوليوود كمنتج ذي رؤية مميزة ومكتشف المواهب ورائد السينما المستقلة.

واستمر في إنتاج افلام فنية ذات مضامين مهمة في التسعينيات مثل «المريض الانكليزي» و»شكسبير عاشقاً» و»غود ويل هانتينغ»، التي قادها الى نيل جوائز الاوسكار، مما جعل البعض يناديه ملك الجوائز وذلك لأنه كان يخوض حملات جوائز شرسة، ملاحقا مصوّتي الاوسكار الى بيوتهم ليقنعهم بالتصويت لأفلامه، مما حث اكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة على تغيير قوانين الترويج من اجل كبح تصرفاته. ولكنه يصر انه دون الجوائز لا يمكن لأفلامه ان تتنافس مع افلام هوليوود الضخمة في شباك التذاكر.

«الأمر يتطلب الكثير من الجهد الشاق. عليك استخدام الجوائز والفوز في المهرجانات. لا يمكن أن تنجح الافلام دون حصولها على استحسان وهذا يزيد من اهمية موسم الجوائز. اقصد ان الفيلم لا يصل إلى صالات السينما إلا بعد أن يكون الكل اقتنع به» يقول واينستين.

ولكن قـبل الـخوض في التـرويج لفـيلم عليـه ان يقنع إدارة شركته في انتاجـه او امـتلاكه. فعندما قرر انتاج فيلم فرنسي صـامت مصور بالأسود والابيض، وهو «الفنان» من بطولة ممثل فرنسي غير معروف في امريكا، أصيب العاملون في شركته بالصدمة واتهموه بالجنون. فكان عليه ان يقنع مجلس الإدارة بالموافقة على المشـروع. «لكنـي في النهاية كنت مؤمنا بهذا العمل وبأنه فيلم رائـع، عالي المستوى الفني ومصنوع بشكل جميل جدا. فكان لا مفر من الوثوق به. فأخذنا الفيلم إلى مهرجان كان أولا، ثم إلى مهرجان تيلورايد، ثم إلى مهرجان تورنتو وكل مهرجان في البلاد، ثم «الغولدن غلوب» والاوسكار. كان خلف هذا العمل جهد جبار» يقول واينستين. وبالفعل، لم يذهب هذا الجهد هدرا، اذ نجح «الفنان» في حصد اهم الجوائز السينمائية ومن ضمنها جوائز الاوسكار في عدة فئات.

مجازفات واينستين لا تقتصر على انتاج افلام فنية وانما ايضا القيام بمشاريع ذات مضامين سياسية واجتماعية مثيرة للجدل، تعكس مبادئه وقناعاته السياسية والاجتماعية، مثل افلام المخرج مايكل مور وهي «فهرنهايت 9/11» (2004)، الذي انتقد سياسة جورج بوش وحرب العراق، وفيلم «سيكو» (2007) الذي فضح فشل الخدمات الطبية في امريكا. وكما انه فعل ما لا يجرؤ أحد في امريكا ان يفعله وهو انتاج فيلم عن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من منظور فلسطيني. الفيلم هو «ميرال» (2011) المقتبس عن كتاب إعلامية فلسطينية، رولا امين، ويجسد الكارثة الفلسطينية والصراع الذي نتج عنها من خلال قصة فاعلة خير فلسطينية تؤوي الايتام في مدرسة خاصة بعد نكسة 1948. ورغم ان «ميرال» كان من اخراج مخرج يهودي وهو جوليان شنابل، إلا ان اسرائيل انتقدته بشدة وحاولت منع عرضه في حرم الامم المتحدة. كما نظمت جمعيات يهودية امريكية مظاهرات امام مقر الأمم المتحدة متهمة الفيلم باللامصداقية والعداء للسامية.

«في رأيي أنه من الضروري أن نروي قصة الصراع من وجهة نظر الفلسطينيين» يقول واينستين. «عندما التقيت المؤلفة وكاتبة النص رولا جبريل، هذه المرأة فائقة الجمال والذكاء والتي تعمل مذيعة للأخبار. شعرت أنه يجب ان نروي قصتها وقصة تأسيس تلك المدرسة وأن نتحدث كذلك عما حققته تلك المدرسة للأطفال. لدي العديد من الأصدقاء الإسرائيليين، فأنا يهودي وهم يرفضون فكرة الفيلم تماما. وفي هذه الحال أريد أن أقول بشكل لا لبس فيه إن عدم الحديث عن وجهة النظر الفلسطينية خطأ وهم مخطئون لأنهم حاولوا كتم ذلك، ولن ينجحوا أبدا في جعلي أكتم ذلك. أنا فخور بهذا الفيلم.»

وعام 2012، عندما كانت حملة انتخابات الرئاسة الامريكية في أوجها، أطلق واينستين، وهو زميل الرئيس باراك أوباما الذي كان يخوض معركة انتخابات ضد المرشح المحافظ ميت رامني، فيلم «الغارة على أسامة بن لادن» الذي يسرد ملاحقة واغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن، مثيرا غضب المحافظين الذين اتهموه بالترويج لرئاسة ولحِكْمة الرئيس اوباما الذي نجح بما فشل به الرئيس المحافظ جورج بوش وهو الانتقام من عدو امريكا الاكبر.

ولكنه أثار حفيظة ادارة الرئيس أوباما هذا العام بسبب انتاج فيلم «مواطن اربعة»، الذي يحكي قصة عميل المخابرات، إدوارد سنودن، الذي فضح تنصت المخابرات الأمريكية على الأمريكيين وتجسسها على زعماء العالم. وفاز «مواطن اربعة» بكل جوائز أفضل وثائقي هذا العام ومن ضمنها أوسكار لأفضل فيلم وثائقي.

«كما تعلم، أنا مقرب من رئيس الولايات المتحدة وكان صعب علي أن أشارك في إنتاج هذا الفيلم وقلت للآخرين إني لا أريد مشاهدته إلا في اليوم السابق لعرضه الأول كي لا أكون قادرا على تغيير أي شيء فيه، فلا أريد التدخل. ثم شاهدته، وتأثرت كثيرا بالفيلم ويجب أن أقول إن انطباعي عن إدوارد سنودن، الذي كنت اعتبرته عديم المسؤولية في البداية عندما قرأت عما فعل وشاهدته على التلفزيون، لكني عندما رأيت في الفيلم تلك الصورة القريبة لشخصيته، تغير انطباعي عنه وغيرت رأيي وأصبح موقفي معارضا لموقف اصدقائي، وللأسباب السليمة برأيي. أريد أن امسك مرآة أمامنا. أنا لا أدعي أني أعرف التصرف السليم وما يجب أن نقوم به، فأنا لا أعرف شيئا من هذا القبيل، لكني أعرف أننا عندما نعد فيلما عن مضايقة الناس أو اضطهادهم وما إلى ذلك فإنه سيعلق في بال المشاهدين وسيتحدثون عنه ويصبح جزءا من الوعي الجمعي.»

رغم الانجازات الهائلة التي قدمها واينستين للسينما المستقلة الا انه ايضا معروف بفظاظة تصرفه مع مخرجي الافلام والتدخل في اختياراتهم الابداعية، مجبرا اياهم على توليف أفلامهم حسب رؤيته ورغبته وهذا ما أكسبه لقب «هارفي المقص.» ففي العام الماضي، تخاصم مع مخرج فيلم «غريس موناكو» وهو الفرنسي اوليفيير دهان حول شكل الفيلم، مصرا على توليفه حسب رؤيته. وعندما رفض اوليفيير تلبية أوامره، قاطع واينستين العرض الاول للفيلم في مهرجان كانّ السينمائي وبدلا من التألق على البساط الاحمر، رافق زوجته، مصممة الازياء جورجينا شابمان، في رحلة اعمال خيرية في مخيمات اللاجئين السوريين في الاردن.

واينستين لا ينكر تدخله في تحديد شكل افلامه ويصر على ان هذا أمر لا بد منه لأن المخرجين يعمون عندما ينغمسون في اعمالهم الفنية وبالتالي يعجزون عن العثور على سبيل الخروج ولهذا يحتاجون الى رأي خارجي وليس بالضروري منه نفسه وانما من اي مشاهد. «اعتقد ان تدخلي أصبح أقل بكثير، فما أطلب من المخرجين فعله الآن هو عرض أعمالهم أمام مجموعة من المشاهدين ولا حاجة لي عندها لقول أي شـيء. المشـاهدون سيقولون ويتحـدثون فعلا بصراحة» يعـلق. وهذا ما يسمى «فحص الجمهور» الذي تستند اليه استوديوهات هوليوود من اجل تقييم مستوى الفيلم الاستهلاكي وثم تحديد شكل ومضمون الفيلم حسب نتائج الفحص. ولكن هذا المنهج يتنافى مع منهج واينستين الذي يتعامل مع مخرجين مؤلفين وليسوا كتاباً صغاراً يكتبون حسب الطلب والذين تستخدمهم هوليوود لصنع افلامها وتملي عليهم ارادتها.

«صحيح ولكن كونهم مخرجين مؤلفين لا يعفيهم من الأخذ بنظر الاعتبار بآراء المشاهدين والنقاد من فيلم يجب أن يكون طوله ساعتان وثلاثين دقيقة فيمكننا أحيانا أن نساعد في جعل الأمور أوضح،» يضيف واينستين. بالفعل فإن عددا من المخرجين الذي رضخوا لأوامره، اعترفوا لاحقا انه كان على حق وانه أنقذ أفلامهم من الفشل. أما دهان الذي عانده، فقد قوبل فيلمه «غريس موناكو» بانتقادات لاذعة من قبل النقاد وبفتور من قبل المشاهدين ولاحقا غرق في بحر النسيان.

أبرزها «سلم إلى دمشق» و«ماء الفضة»:

مهرجان أيام بيروت السينمائية يركز على الأزمة السورية

بيروت – من حمزة تكين:

ينطلق في العاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الخميس، «مهرجان أيام بيروت السينمائية»، في دورته الثامنة، مستضيفا عددا من الأفلام العربية التي تحاكي «واقع المنطقة» من ناحية فنية بعيدا عن الاصطفاف السياسي.

ويستمر المهرجان الذي تنظمه الجمعية الثقافية للسينما «بيروت دي سي» حتى 21 آذار/مارس الجاري في عدد من دور السينما في بيروت، تحت عنوان «السينما والدين»، مركزا على الأحداث السورية من خلال 6 أفلام تحاكي واقع سوريا المأساوي، أبرزها «سلّم الى دمشق» للمخرج محمد ملص، و»ماء الفضّة» لأسامة محمد ووييم سيماف باديركسن.

إليان الراهب من مؤسّسي «بيروت دي سي»، تشغل منصب المدير الفنّي لمهرجان الفيلم العربيّ «أيام بيروت السينمائيّة» منذ العام 2002، أوضحت أن هذا المهرجان ينعقد كل سنتين، مشيرة الى أن هذا العام يستقبل المهرجان بنسخته الثامنة.

وأشارت إلى أن المهرجان «يستقبل عادة أفلاما عربية تحكي أوضاع المنطقة، من وجهة نظر المخرجين، وبطريقة إبداعية»، لافتة الى أن «الثيمة الأساسية للمهرجان هذا العام : السينما والدين». وأوضحت أن «بيروت دي سي» تسعى هذا العام إلى «تسليط الضوء على الجهود المبذولة من أجل محاربة التطرف والاضطهاد المنتشر في الشرق الأوسط من خلال السينما والثقافة». وأضافت أن المهرجان هذا العام سيفتتح غدا الخميس بالفيلم الموريتاني «تمبكتو»  للمخرج عبد الرحمن سيساكو المرشّح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية، مشيرة الى أن «هذا العام سيجمع مخرجين ومنتجين من العالم العربي باختصاصيين عالميين بهدف إفساح المجال لعملية تبادل ثقافي وتشجيع الانتاح المشترك».

وأوضحت أنه سيتم عرض 6 أفلام سورية «غالبيتها تتناول أحداث سوريا من وجهة نظر المعارضة»، معتبرة أن السينما السورية «أصبحت اليوم أكثر ديمقراطية، حيث أنه لم يعد هناك جهة واحدة محتكرة للسينما».

ولفتت الى أن ما ساهم في تحقق هذه الديمقراطية «وجود أغلب المخرجين السوريين، خارج بلادهم، حيث لديهم حرية أكبر في إخراج أفلامهم». وأضافت أن العديد من هؤلاء المخرجين «يعتمدون اليوم على أناس مازالوا داخل سوريا، ينقلون واقعهم من خلال التصوير بهواتفهم النقالة».
وأكدت الراهب أن الجمعية «لا تواجه أي مشكلة في عرض هذه الأفلام في لبنان»، مشيرة الى أنه «لا يتم اعتماد الأفلام لوجهات نظرها السياسية، بل تُعتمد لقيمتها الفنية». وأشارت الى أنه في السابق عرضت «بيروت دي سي» أفلاما فنية أنتجتها المؤسسة العامة للسينما في سوريا، مشددة أن الرسالة من هذا المهرجان «فنية».

القدس العربي اللندنية في

11.03.2015

 
 

"بعيداً عن الرجال": اقتباس كامو بروح كيبلينغ

حميد عبد القادر

يعود المخرج الفرنسي دافيد أولهوفن إلى قصة الكاتب الفرنسي ألبير كامو، "الضيف"، في فيلمه "بعيداً عن الرجال" الذي يعرض حالياً في قاعات السينما. وقد كتب كامو القصة سنة 1954، ونشرها ضمن المجموعة القصصية "المنفى والملكوت" (1957).

تقع أحداث قصة "الضيف" في فصل الشتاء، قبيل اندلاع حرب التحرير الجزائرية (1954). وبقي الفيلم محتفظاً بهذا الارتباط، فيظهر منذ البدء مدرّس إسباني يدعى دارو (فيغو مورتنسن)، وهو يترقب صعود رجلين إلى قمة الجبل، أحدهما على صهوة جواد، بينما يسير الثاني على قدميه، مكبّل اليدين.

يدرك من قرأ القصة أن أحداث الفيلم لا تدور في بلاد القبائل، كما كتبها كامو، بل في جبال الأطلس في المملكة المغربية، علماً أن علاقة كامو بالقبائل كانت متينة. يقترب الرجلان من مشارف المدرسة الواقعة على سفح الجبل، فيتعرف دارو إلى الدركي بالدوتشي. وبمجرد وصولهما إلى المدرسة، يقوم بالدوشي بتسليم العربي لدارو، ويأمره بنقله إلى مركز الشرطة في قرية تيغيت.

"يتجلّى تفوّق الإسباني عبر تكفله بالعربي وحمايته"

يدرك دارو أن العربي، ويدعى محمد (رضا كاتب) متهم بقتل أحد أبناء عمومته، فيبدي في البداية رفضاً قاطعاً لفكرة نقل محمد إلى مركز الشرطة لأن ذلك يعني الذهاب به إلى موتٍ أكيد. لكن بمجرد وصول أقارب الضحية إلى مشارف المدرسة، تحذوهم رغبة الثأر، فيوافق على المهمة وينطلق برفقة السجين نحو تيغيت.

ينتاب المشاهد خلال اللقطات الأولى شعورٌ بالنفور من محمد، بعد أن قدّمته كاميرا ألهوفن في صورة شخص خاضع للمستعمر، لا يفكر حتى في إيجاد طريقة للتحرر، مثل مَن يسير نحو الموت برجليه. وتأتي تسمية العربي (محمد) واضحة في الفيلم، على النقيض من القصة، إذ لم يعطه كامو أي اسم، ونعته بـ"العربي"، كما في روايته "الغريب"، حيث لا نعرف اسماً للعربي الذي قتله ميرسو.

بيد أن الفيلم يحتفظ بروح القصة، خصوصاً في ما يتعلق بتبعية العربي للمدرس الإسباني خلال طريقهما إلى مركز الشرطة، حيث يظهر دارو في صورة الرجل المُدبّر والمفكر والمقدام، ويجسد روحاً خلاقة، بينما ينكمش محمد على نفسه ويكتفي بإعطاء رأيه في مسائل تتعلق بالأكل. وكأن الفيلم يسير وفق روح قصيدة روديارد كيبلينغ الشهيرة "عبء الرجل الأبيض" (1899) التي كتبها للتغني بالروح الكولونيالية. وتتجلى هذه الروح المتفوقة من خلال إدراك دارو أن من واجبه الأخلاقي التكفل بالعربي، وحمايته من ثأر بني جلدته.

ومع توغل الرجلين في جبال الأطلس، يحدث تقارب بينهما. لكن التماهي لا يتحقق بشكل كامل، لأن محمد يظل خانعاً وتابعاً وعاجزاً عن الرغبة في إبراز أي نية للتحرر. وحتى حين يقرر دارو مساعدته على الفرار، يرفض الاقتراح ويصرّ على التوجه إلى العدالة الفرنسية من أجل محاكمته.

ولا يحدث تحوّل في شخصية محمد العربي، إلا بعد أن تفطّن دارو إلى أنه يريد تسليم نفسه للفرنسيين، حتى يتخلى أبناء عمومته عن فكرة الثأر، ويموت كي يُحيي الآخرين. هذا الخيار يجعل دارو ينظر إلى محمد ببعض العطف والاحترام، فيتخلى عن نظرة اللامبالاة التي كانت تميزه خلال بداية الفيلم.

"الفرنسيون يعتبرونني عربياً، والعرب يعتقدونني فرنسياً"

وتجدر الإشارة هنا إلى أن "العربي" في قصة كامو ظلّ يراوح مكانه كشخصية عادية لا قيمة لها حتى النهاية، بينما فضّل أولهوفن، الذي كتب سيناريو الفيلم، الخروج عن هذا السياق. فبعد إعطاء اسم للعربي، أضاف إليه ميزات إنسانية، نقلته من وضعية الخاضع والتابع إلى شخص مؤثر، ولو ضمن علاقته بالإسباني، أي أنه يفكر في مصيره، رغم إصراره على تسليم نفسه للغزاة والخضوع لقانونهم.

يدرك المشاهد أن دارو بدوره كان يعاني من قسوة الوضعية الكولونيالية، فالفرنسيون رفضوا تقديره واحترامه بسبب انتمائه إلى الأقلية الإسبانية، فيردد قائلاً: "الفرنسيون يعتبرونني عربياً، والعرب يعتقدون أنني فرنسي"، علماً أن دارو في قصة ألبير كامو ليس إسبانياً، بل فرنسي، وهذا خروج آخر عن روح القصة.

ولا يحدث التماهي النهائي في الفيلم بين الرجلين إلا بعد ارتكاب دارو جريمة مماثلة، بعد أن قتل أحد الرجال الذين كانوا يتبعون محمد ويريدون قتله. من هنا يكتشف أن ماضيه العنيف كان يتعقبه، ولم يتركه يعيش تلك الحياة الهادئة التي كان يتمناها حينما قرر الاستقرار في قرية نائية "بعيداً عن الرجال".

وهذا العنف الذي تركه وراءه واستعاده رغماً عنه، يصبح بمثابة وسيلة للثوار الجزائريين للتخلص من الوضعية الاستعمارية والتحرر منها، وهو العنف نفسه الذي يلجأ إليه أحد الضباط الفرنسيين حين يقتل ببرودة ثوريين جزائريين بعد أن يقعوا في الأسر.

يفقد دارو الحياة الهادئة التي كان يعيشها "بعيداً عن الرجال"، لأنه لم يشعر بقدوم الاضطراب في حياته، تماماً مثلما لم تشعر فرنسا بقدوم الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954. وفي هذا السياق، يقول أحد الثوار الجزائريين له: "فات أوان تدريس اللغة الفرنسية، فالزمن الآن هو زمن الثورة".

وبالفعل كان الثوار الجزائريون قد صعدوا إلى الجبال واختاروا طريق الثورة المسلحة بعد أن رفضت فرنسا الاستجابة لمطالبهم وإدخال إصلاحات على المنظومة الاستعمارية.

إطار الليل: سردية البحث عن الأخ الضائع

سليمان الحقيوي

في فيلمها الطويل الأول "إطار الليل"، الفائز بالجائزة الكبرى في الدورة الأخيرة من "مهرجان الفيلم الوطني المغربي"، تشكّل المخرجة العراقية - المغربية تالا حديد عالماً مصدّعاً نتعرّف فيه إلى ثلاث شخصيات يقودها القدر إلى مكان واحد.

تبدأ الحكاية بعودة زكريا (خالد عبد الله) إلى المغرب، حيث تستدعيه زوجة شقيقه بعدما غادرها زوجها بشكل مفاجئ، دون الإفصاح عن وجهته. وتنطلق رحلة بحث زكريا عن شقيقه بعثوره في مدينة الدار البيضاء على من رحّل شقيقه إلى العراق.

ستشتبك قصة البطل بقصة جانبية أخرى، نتعرف فيها إلى عبّاس الفرنسي - الجزائري (حسين شتري) وصديقته نادية (ماجدولين الإدريسي) اللذين يسعيان إلى بيع الطفلة عائشة (فدوى بوجواني) لأحد الفرنسيين مقابل مئة ألف يورو؛ اشتباك يحصل عندما تتعطل سيارتهما ويضطران إلى إكمال رحلتهما إلى الدار البيضاء بسيارة زكريا.

أثناء الرحلة، يكتشف الأخير نية الخاطفين ويقرر مساعدة عائشة فيهرب بها ويتركها في بيت صديقته الفرنسية جوديث (ماري جوزي كروز). ثم يواصل رحلته إلى العراق عبر تركيا التي يتعرف فيها إلى لاجئَين عراقيين يحصل منهما على القليل من المعلومات، ثم يدخل العراق الغارقة في الفوضى والدمار.

"استفادت المخرجة في فيلمها من تجربتها كمصورة فوتوغرافية"

من الواضح أن المخرجة استفادت كثيراً من تجربتها كمصورة محترفة وكذلك من اشتغالها مع مدير التصوير ألكسندر بروف. يظهر ذلك في براعة اللقطات وكيفية العمل على زوايا التصوير واختيار الإطارات وإعطاء أبعاد جمالية وبصرية للأمكنة. أسلوب ظهر في فيلمها القصير "شعرك الداكن الطويل يا إحسان".

ثمة إذاً اختيار واضح في سرد الأحداث، وتضمين المشاهد لأبعاد سردية غنية وشاعرية. فالمعنى يتشكل بطرق غير اعتيادية، خصوصاً وأن حديد لم تهتم كثيراً بترابط الأحداث وتعاقبها ومنطقيتها، بل راهنت على استنطاق الذاكرة وعبور المعنى عبر الأحلام.

لكن هذا الاختيار بدا متعمداً منذ البداية، ما جعل المخرجة تسقط أحياناً في التكلف قصد بلوغ غايتها، بينما جاءت مواصلة العمل بالنّفس الفني ذاته على حساب عناصر بناء القصة. وبالتالي، يصيب الفيلم بضعف درامي، إذ تسير الأحداث بتعثر، ما يجعل المعنى منزلقاً في مراحل كثيرة، كما أن الأحداث لا تكشف عن دواخل الشخصيات وإراداتها.

من جهة ثانية، لم يستفد الفيلم كثيراً من الطاقم العالمي الذي عمل فيه، فظهر وكأنه بغرض التنويع فقط، بحيث يمكن القول إن تصوّر المخرجة لم يكن مبنياً على الأداء، بل على خلق بناء بصري جمالي، إذ لم تفتح حديد مجالاً أرحب للممثلة الكندية ماري جوزي كروز ولا لغيرها من الممثلين.

وبالتالي، رغم فوز فيلم "إطار الليل" بأرفع جائزة سينمائية محلية في المغرب، إلا أنه لا يمكن النظر إلى هذا التتويج إلا في ظل تواضع أغلب الأفلام التي نافسته.

"سبات شتوي": الجبل الذي غطّته الثلوج

علي جازو

لطالما فضّل نوري جيلان الصورة على الكلمة، والبطء على التسرّع. وكما لو كان قادماً من عالم القصة والمسرح، يبتكر سينما هي مزيج من كل ذلك. ولعله من السهل وصفُ فيلمه بالحيز الجماليّ الذي تتنافس فيه فكرة مُسبَقة مع صورة جديدة. غير أن الصورة والفكرة هنا غير منفصلتين، لا سيما حين يؤجّل المخرج الحوارات كي تزيد غنىً وصعوبة، ويبطئ الزمن عبر تثبيت الصورة على مشهد واحد طويل.

يمكن القول إنّ فيلم جيلان الأخير، "سُبات شتويّ"، يتناول فشل الحلّ العقلانيّ المتعالي والمجرد من عاطفة حقيقية، إزاء حكمة واهنة صابرة وخاسرة. فيلم عن معنى المُلْكية والثراء أمام مصاعب الفقر، عن العزلة والشرخ الاجتماعي، عن صعوبة التفاهم وغياب الانسجام، وعن الكذب والكآبة الجليدية التي تعزل الأفراد بعضهم عن بعض.

الكلّ يفكر بمعنى حياته. زوجٌ ترك له والده ثروة كبيرة، وهو مسرحيّ وكاتب تقدّم به العمر، وزوجة شابة، إضافة إلى أخت تعاني من الوحدة إثر انفصالها عن زوجها، يقضون أياماً باردة في فندق سياحي تحيط به قرى منسيّة وطرق موحلة. لكن وصفاً كهذا يبقى بعيداً عن الإحاطة بفيلم مدته ثلاث ساعات ونصف، ويتضمن حوارات شاقّة ذات طابع مسرحي يذكّر بمسرح الحجرة، وخاتمة تنتهي بقصيدة صامتة هي رجاءٌ أخير وأقرب إلى أغنية منها إلى نهاية.

"يتضمن "سبات شتوي" حوارات شاقّة ذات طابع مسرحي"

وفيما ينصرف الزوج لكتابة مقالات لصحيفة محلية مغمورة، ويعدّ لكتاب مرجعي عن تاريخ المسرح التركي، تجمع الزوجة تبرعات لجمعية خيرية لمساعدة مدارس وتلاميذ فقراء، وترى الأخت نفسها نادمة على ترك إسطنبول.

يبدو الفيلم بمثابة مراجعة متأنية وبطيئة لخيارات فردية فات أوان تغييرها، لكنها تكتسب طابعاً فكرياً وتجريدياً سرعان ما يجد سنداً ندّياً من الواقع الذي يحرق مبدأ الفردانية من أساسه ويعيد صياغته على جمر الأسئلة: كيف نواجه الشر، كيف نوقف الأذى، ما هو دور الحقيقة، وهل الحل في داخل كل واحد منا وحسب؟ بعد حادثة التلميذ الذي يرمي حجراً على زجاج سيارة الزوج أثناء عودته إلى الفندق مع سائقه ومعاونه في إدارة الفندق، تخرج الكاميرا من الداخل الدافئ والرتيب إلى الخارج البارد والصعب.

الطفل ابن إحدى العائلات التي تعود منازلها إلى ملكية صاحب الفندق. يعجز والده عن دفع الأجرة، وما كان رميُهُ للحجر سوى انتقام ضعيف عن أذى لحق بعائلته بسبب مطالبات المالك ورفعه دعوى على العائلة. سنعرف لاحقاً أن هذه العائلة الفقيرة، مهددة بالطرد، حالها كحال غيرها من عائلات المستأجرين الذين لا يعرف المالك أي شيء عنهم. كما أن المحكمة قد بدأت بمصادرة بعض محتويات المنزل، منها التلفزيون الذي تذكّر به الجدّة أثناء زيارة الزوجة الشابة لهم في وقت متأخر من الليل إثر مغادرة زوجها المنزل بعد مشادة بينهما.

والد التلميذ يغرق في تناول الكحول، بعد عمله في منجم فحم، وهو بلا عمل الآن، بعدما خرج من السجن على خلفية طعنه شخصاً بالسكين سخر منه بعدما شاع في القرية أن شباناً أقدموا على سرقة الثياب الداخلية لزوجته عن حبل غسيل! قد نظنها حادثة تافهة تودي برجل إلى السجن. يقف شقيق الأب هنا، وهو إمام جامع في القرية، محاولاً الإصلاح ورتق الجرح الذي سرعان ما يتسع وينزف.

فجأة تطفو على السطح خلافات كبيرة بين الأخ وأخته، وبين الزوج وزوجته: لا أحد يحتمل الآخر. ترى الزوجة أن عملها الخيري قد أضاف قيمة إلى حياتها الخاوية، ويجدها الزوج ساذجة ومخدوعة، فيما تبدأ مشاحنات الأخ وأخته، بعدما تصارحه الأخيرة متسائلة إن كانت حقاً هناك قيمة لما يكتب. سندخل دوّامة تتأرجح بين جدوى الفكرة وقيمة العمل، بين جذر الأزمة وفروع الحل، ولا نخرج منها إلا بعدما يأخذ الزوج قرار قضاء الشتاء في إسطنبول، وانعزال الأخت في غرفتها نادمة ومتحسرة، وانصراف الزوجة إلى عملها الخيري، مع تقديمه مبلغاً كبيراً مساعدة لها في تبرعاتها.

يرضي الزوج زوجته، لكن الأخيرة تفشل في تضميد جراح العائلة وبؤسها، بعدما تأخذ كل المال الذي منحه زوجها لها إلى العائلة الفقيرة. يبدو المال فقيراً وذابلاً إزاء عمق الإهانة، وتبدو الزوجة ملطخة بالعار وهي عائدة إلى منزلها – الفندق.

الأغنياء المتعاطفون عاجزون عن حل مشاكل الفقراء مسلوبي القوة. مشهد واحد فقط يختصر بؤس العائلة، إذا ما قورن بين سكنها الضيق والبائس وبين رفاهية الفندق، لكن الأب السكّير والعاجز عن إنقاذ عائلته يلقي بالمال في النار، وينهي بذلك حديثاً تأخر، وزيارة كان يمكن أن تكون أبكر بكثير. بين زجاج السيارة المسكور في بداية الفيلم وزجاج نافذة الفندق الوثير التي تطل منه الزوجة خافضة نظراتها، يعود الزوج الكهل إلى زوجته الشابة.

الحاجة إلى دفء إنساني تلقي بنورها على الجميع، فيما ترتفع الكاميرا عن الجبل الذي غطته الثلوج، مثلما كان افتتاح الفيلم بمشهد رحب مماثل. يغلق نوري جيلان جبل الجرح بالثلج. لا يمكن النظر إلى فيلم كهذا على أنه يوجز مقارنة بين إسطنبول الغنية والنائية التي لا نرى منها شيئاً، وبين الريف التركي المترامي الذي يمكن لحادثة تافهة أن تودي برجل من رجاله إلى ردّ عنيف (جريمة الطعن بالسكين). فيلم نوري جيلان أبعد عن أن يكون تركياً وحسب. إنه ردٌّ محزنٌ وقوي على أزمة ثقافية – اجتماعية عالمية، حيث لا تجيب أعمال خيرية مثالية على أسئلة تختصر المرض في سؤال واحد: كيف نوقف الأذى؟

العربي الجديد اللندنية في

11.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)