كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«رجال في مهمة»..السينما في مواجهة الشر

عمان - ناجح حسن

 

رعت سمو الاميرة ريم علي في المركز الثقافي الملكي أول من أمس عروض الفيلم الروائي الاردني الطويل المعنون (رجال في مهمة) للمخرج سامح شويطر.

حقق شويطر الفيلم الذي حضر عرضه مدير عام الجمارك ومدير مكافحة المخدرات، بدعم من الهيئة الملكية للأفلام والعديد من المؤسسات الوطنية.

يحكي الفيلم موضوعه الذي يدور عن جهود رجال مكافحة المخدرات والجمارك العامة في التصدي لإحدى العصابات الدولية التي تمكنت من استمالة شاب أردني يدرس في بلد اوروبي لترويج وتهريب المخدرات داخل المجتمع الاردني، لكن هذا الشاب له أخ يعمل ضابطا في دائرة مكافحة المخدرات، حيث تتعاقب الاحداث المليئة بأجواء المطاردات والمغامرات والتشويق والحركة في الكثير من المناطق والمعالم الاردنية بغية وضع حد لنشاطات العصابة والقبض على أفرادها.

وظف المخرج شويطر أسلوبية تنهج الانتاج البسيط غير المتكلف في تصوير أحداثه التي تدور في قالب من الدراما التشويقية والحركة والمغامرات على غرار تجاربه في افلامه الثلاثة الاولى: (الصقور، فرسان التغيير، الكنز والوصية).

قام بأداء الأدوار في الفيلم مجموعة من أصحاب الطاقات والمواهب من بينهم: أنس قرالة، سالم السردي، محمد نميرات، هيفاء الآغا، باسم خليل، أحمد النعيمي، محمد المصري، محمد الغزاوي، بسام حاطوم، وأضطلع بإدارة التصوير ظاهر الخزاعلة، وفي الانتاج بسام سالم، وفي المونتاج ابراهيم فرار، وتصميم غرافيك حمزة العورتاني، ومدير الموقع نضال الخوالدة.

وقالت مديرة الاتصال في الهيئة الملكية للأفلام ندى دوماني ل (الرأي) ان الهيئة عملت على تسهيل انتاج هذا العمل دعما لأصحاب المواهب والطاقات من الشباب الاردني الراغبين في التعبير عن قصصهم وحكاياتهم بالكاميرا.

وأشادت بإصرار وعزم صناع فيلم (رجال في مهمة) على خوض غمار صناعة الأفلام الاردنية رغم كل الظروف والصعوبات التي واجهتهم من ناحية شح الإمكانات التمويلية، لكنهم استطاعوا بهذا العمل الكشف عن مواهب تمثيلية وتقنية شابة وواعدة في المستقبل القريب.

من ناحيته اثنى مدير دائرة مكافحة المخدرات على الفيلم الذي قدم صورة عن واجبات منتسبي الدائرة في التصدي لمثل هذه العصابات الاجرامية ، آملا ان يكون هذا النوع من الافلام من بين الوسائل الحضارية التي تعمل على وقاية المجتمع من هذه الآفة الخطيرة المدمرة لطاقات الشباب.

وقال المخرج شويطر انه في هذا العمل يواصل طموحه في نشر ثقافة سينمائية تحمل رسالة توعية في قالب من الترفيه والتشويق، لافتا الى انه عروض هذا الفيلم ستجول في العديد من المدارس والجامعات والبلديات والمراكز الثقافية الموزعة في المحافظات الاردنية.

وأضاف انه يواصل في هذا الفيلم تصوير جهود اولئك الرجال الساهرين على امن الوطن والمواطن في مواجهة الجريمة وخصوصا آفة المخدرات التي تعمل على تدمير طاقات الشباب الاردني الواعدة.

يتطلع المخرج الذي اسندت له الهيئة الملكية للأفلام فرصة ادارة وتنشيط نواد سينمائية في المناطق النائية، بأن يكون عمله الجديد جسرا للعبور إلى عوالم صناعة الأفلام وتقنياتها ، كما عمل على اشهار الجمعية الاردنية للثقافة السينمائية في المفرق، حيث تعمل على نشر ثقافة الافلام في المحافظات والقرى النائية وتدريب الشباب المحلي على اسس ومبادئ صناعة السينما.

أعقب عرض الفيلم نقاش بين المخرج والحضور حول دراما وجماليات العمل ثم قامت سمو الأميرة ريم علي بتكريم أسرة الفيلم وممثلي الجهات الداعمة، حيث وزعت عليهم دروع التكريم وشهادات المشاركة.

لا يدّعي صنّاع فيلم (رجال في مهمة) إنهم يقدمون عملا مغايرا، بقدر ما يحاكون فيه تلك الأفلام التي كان يقبل عليها رواد صالات السينما التجارية ، وهي غالبا سينما تزخر بألوان التشويق والمغامرة والدعابة والبطولة، دأبت على تقديمها نماذج من أفلام هوليوود أو تلك القادمة من استوديوهات مصر وبومباي وشرق آسيا البعيدة.

لكن ميزة هذا النوع من الأفلام تكمن في قدرتها على استعادة شريحة من المشاهدين الراغبين في الإطلاع على منجز سينمائي محلي جرى تحقيقه من خارج العاصمة بمثابرة وتصميم وعزم شباب يجمعهم شغف صناعة الأفلام على غرار تلك البدايات التي انطلقت منذ خمسة عقود وأزيد، والتي كان من ثمراتها أفلام مثل: (صراع في جرش) ، (وطني حبيبي)، (الأفعى)، و(نسر الشرق).

أسست تلك المحاولات تجارب وقدرات سينمائية أردنية ناضجة، لكن يكفي صناع فيلم (رجال في مهمة) إنهم نجحوا بتجربتهم السينمائية (المتقشفة) من استعاد شرائح متنوعة من المجتمع إلى صالة العرض، ويتبدى ذلك بخطتهم في الوصول بعروض هذا الفيلم إلى مناطق نائية في كافة أرجاء المملكة، في سعي لان تضع أولى خطواتها على طريق الفيلم السينمائي المتكامل الشروط والإمكانيات.

تاريخ النشر: الاثنين 2015-03-02

الأميرة ريم علي ترعى حفل إطلاق العرض الأول للفيلم الأردني «رجال في مهمة»

عمان - الرأي - ترعى صاحبة السمو الملكي الأميرة ريم علي في المركز الثقافي الملكي الساعة السابعة مساء يوم الأثنين المقبل، العرض الأول للفيلم الروائي الأردني الطويل (رجال في مهمة) الذي أنجزه حديثا المخرج سامح شويطر بدعم من الهيئة الملكية للأفلام والعديد من المؤسسات الوطنية.

يقدم المخرج شويطر اسلوبية تتكيء على الانتاج البسيط غير المتكلف في تصوير احداثه التي تدور في قالب من الدراما التشويقية والحركة والمغامرات على غرار تجاربه في افلامه الثلاثة الاولى: (الصقور، فرسان التغيير، الكنز والوصية).

يحكي الفيلم قصته التي تتناول قيام احدى العصابات الدولية باستمالة شاب أردني يدرس في بلد اوروبي لترويج وادارة عصابة تهريب للمخدرات في الاردن، لكن هذا الشاب له أخ يعمل ضابطا في دائرة مكافحة المخدرات، حيث تتعاقب الاحداث المليئة بأجواء المطاردات والمغامرات والتشويق والحركة في الكثير من المناطق والمعالم الاردنية بغية وضع حد لنشاطات العصابة والقبض على أفرادها.

ويقول شويطر الى (الرأي ) انه يواصل في هذا الفيلم تصوير جهود رجال الامن العام في التصدي للجريمة، وخاصة تهريب الممنوعات والمخدرات التي تعمل على تدمير طاقات الشباب الاردني، مبينا انه يضطلع بهذا الفيلم العديد من الفنانين والتقنيين الاردنيين والى جوارهم الكثير من اصحاب الطاقات والمواهب في الاداء التمثيلي من بينهم: أنس قراله و سالم السردي ومحمد نميرات وهيفاء الاغا وباسم خليل و أحمد النعيمي ومحمد المصري ومحمد الغزاوي وبسام حاطوم، ومدير التصوير ظاهر الخزاعلة، ومدير الانتاج بسام سالم، ومونتاج ابراهيم فرار ، وتصميم غرافيك حمزة العورتاني، ومدير الموقع نضال الخوالدة.

ويضيف انه غالبا ما ينجز اعماله بميزانيات محدودة، كما انه يحرص على عرضها امام اهالي مدينته في المفرق وفي العديد من المدارس والساحات العامة والقاعات في الكثير من المدن والقرى ومناطق البادية الاردنية، بحكم عدم توفر صالات العرض خارج العاصمة، حيث يعرضها بالمجان من اجل تحقيق لحظات من المتعة والبهجة.

واوضح شويطر انه قرر تصوير فيلمه الجديد في العديد من مناطق المملكة مثل: المفرق والعقبة ووادي رم والاغوار واربد والرمثا والزرقاء وعجلون، تحضر في الفيلم مجاميع من الشخصيات في ادوار رئيسة وبسيطة، لافتا الى انه ما زال مصمما على اقتحام عالم صناعة الأفلام رغم كل الظروف الصعبة التي يواجهها من ناحية انعدام الإمكانات التمويلية.

ويأمل المخرج الذي اسندت له الهيئة الملكية للافلام فرصة ادارة وتنشيط نواد سينمائية في المناطق النائية، بأن يكون عمله الجديد جسرا للعبور إلى عوالم صناعة الأفلام وتقنياتها، داعيا إلى أن تتبنى مؤسسات الوطن حلمه في إنجاز أفلام تستمد موضوعاتها من البيئة المحلية الأردنية، مشيرا الى انه توجه الى هذا النمط من الافلام كونها شائعة يستمتع فيها المتلقي باشكال من المناظر السياحية الموزعة في ارجاء الوطن على خلفية من اجواء المطاردات والمغامرات والبطولة والتضحية من اجل الوطن.

'ديكور'.. نقطة انطلاق مهرجان الفيلم العربي ببرلين

برلين - استقر مهرجان الفيلم العربي ببرلين في دورته السادسة هذا العام، على اختيار الفيلم المصري "ديكور" للمخرج أحمد عبدالله، ليفتتح دورة هذا العام التي تبدأ في 8 إبريل/نيسان.

وسيعرض فيلم الافتتاح "ديكور" بقاعة بابليون الكبرى في برلين، وهو من إخراج أحمد عبدالله، وتأليف محمد دياب وشيرين دياب، وبطولة حورية فرغلي في دور "مها"، وخالد أبو النجا بدور "شريف".

ولاقى "ديكور" اقبالا كبيرا من جمهور مهرجان القاهرة السينمائي في عرضه الأول بالعالم العربي وأفريقيا.

والحياة ليست أبيض وأسود لكن بها خيارات كثيرة.. هذه الفكرة الرئيسية التي أراد ثنائي السيناريو شيرين ومحمد دياب تقديمها في فيلمهما "ديكور" الذي عرض في الدورة السادسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

وعلى مدى 116 دقيقة برع الثلاثي حورية فرغلي وخالد أبو النجا وماجد الكدواني في رسم مثلث محكم تدور داخله ثنائيات الماضي والحاضر والمتاح والمأمول والحقيقة والوهم قبل أن يصل الصراع إلى ذروته ويحين موعد الاختيار فتكون النهاية مفاجئة للمشاهد الى حد كبير.

ويقول مخرج الفيلم أحمد عبدالله السيد "تدور القصة حول (مها) التي تتصارع بين عالمين أحدهما حقيقي والآخر وهمي وتطرح من خلال قصتها سؤالا حول.. هل العالم الحقيقي بعيد عن العالم الوهمي؟ وهل الاختيارات التي نختارها في حياتنا تكون سهلة أم تحكمنا بعض العوامل الأخرى؟".

وولد أحمد عبدالله السيد بالقاهرة في 1979 ودرس الموسيقى الكلاسيكية وعزف آلة الفيولا وبدأ عمله بالمجال السينمائي في 2003 كمونتير للأفلام الروائية. كتب وأخرج أول أفلامه الروائية "هليوبوليس" في 2009 ثم "ميكروفون" في 2010 وبعدهما "فرش وغطا" في 2013 .

وعرض الفيلم من قبل في مهرجان لندن السينمائي في وقت سابق من هذا العام.

واذا كان "ديكور" يمثل امتدادا لنوعية "الأفلام النفسية" التي برع فيها المؤلف محمد دياب الذي صنع من قبل "أحلام حقيقية" في 2006 و"ألف مبروك" في 2009 فهو يمثل نقطة انطلاق جديدة لبطلة العمل حورية فرغلي.

وقدمت حورية فرغلي دورا مركبا تطلب مجهودا ذهنيا ونفسيا كبيرا اذ تتمازج المشاهد بين عالمين متوازيين يقتربا من تخوم التناقض لكنها رغم ذلك أجادت الدخول والخروج من كليهما بمنتهى السلاسة.

ويوظف المخرج في الفيلم مقاطع متعددة من كلاسيكيات السينما المصرية لتضفي أفلام الأبيض والأسود بعدا ساحرا على العمل حتى يشعر المشاهد انها تكاد تتداخل مع الشخصيات في الحوار والحركة.

وعن مغزى تقديم الفيلم بالأبيض والأسود قال مخرج العمل "استخدمتهما لأنهما من صميم الفيلم.. وأتاح لي الأبيض والأسود استخدام أشكال فنية جديدة ساعدتني على أن أوفي القصة حقها.. لكن رغم ذلك أترك الحكم للجمهور".

ويعرض المهرجان العربي ببرلين نحو 40 فيلماً روائياً طويلاً وقصيراً ووثائقياً، كما وقع اختيار إدارة المهرجان هذا العام على الممثلة المصرية يسرا كي تكون ضيفة الشرف.

الرأي الأردنية في

07.03.2015

 
 

نجوم هوليوود يعشقون الطيران

واشنطن – ليس الممثل هاريسون فورد الذي عاش لحظات من الخوف الشديد اثر حادث تحطم طائرته الصغيرة قرب لوس انجليس ما ادى الى اصابته بجروح طفيفة، النجم الوحيد في هوليوود المولع بالطيران.

فثمة الكثير من نجوم الشاشة الكبيرة الحائزين رخصة طيران من بينهم توم كروز وكلينت ايستوود ومورغان فريمان وانجيلينا جولي وبراد بيت وجون ترافولتا.

وتضم القائمة الطويلة نجوما آخرين امثال مايكل دورن وإدوارد نورتن وكورت راسل وهيلاري سوانك التي تعلمت قيادة الطائرات خلال تصوير فيلم يروي سيرة الطيارة اميليا ايرهارت التي كانت أول امرأة تجتاز المحيط الاطلسي بالطائرة.

وقال توماس هاينس من جمعية الطيارين ومالكي الطائرات: "كثيرون في هوليوود يقودون طائرات من اجل العمل أو لمتعتهم الشخصية".

وكان هاريسون فورد (72 عاما) قد اضطر الى الهبوط بطائرته على مضمار غولف بسبب عطل في المحرك بعيد اقلاعه من مطار سانتا مونيكا القريب من لوس انجليس ما ادى الى اصابته بجروح طفيفة في الرأس.

وكان يحاول العودة الى مطار سانتا مونيكا بعدما ابلغ المراقبين الجويين بأن محرك طائرته توقف عن العمل.

وكتب ابنه بن في تغريدة على خدمة تويتر "والدي في حال جيدة. هو مصاب بجروح الا ان الامر على ما يرام".

كذلك أكد وكيل اعمال هاريسون فورد أن بطل افلام "انديانا جونز" سيتعافى تماما.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تذكر محبو الممثل الاميركي مشهدا شهيرا في فيلم "انديانا جونز اند ذي لاست كروزيد" يظهر فيه فورد بدور عالم الآثار المحب للمغامرات مع والده هنري جونز (وأدى دوره الممثل شن كونري) يدخلان الى طائرة بسطحين وقمرة قيادة مفتوحة.

ويقول الوالد لابنه في المشهد "لم اكن اعلم انك تجيد قيادة الطائرة"، ليجيب انديانا جونز "اجيد القيادة لكن ليس الهبوط".

كذلك فإن هاريسون فورد معروف في الوسط السينمائي بشغفه في قيادة الطائرات وهو يملك كمية كبيرة منها.

وتضم مجموعته الشخصية طائرات مخصصة للهبوط في مناطق وعرة التضاريس من نوعي افيات هاسكي ودي هافيلاند بيفر، وطائرة مخصصة لرحلات الاعمال من نوع "سيسنا سوفرين" ومروحية من نوع "بل 407" اضافة الى طائرات بسطحين من نوع راين وطائرة "واكو تابروينغ".

وقال فورد، أحد اغلى ممثلي هوليوود اجرا، في تصريحات سابقة: "إنني اعمل كممثل لتمويل ادماني على الطائرات".

ويعود الرابط الوثيق بين هوليوود والطيران الى العصر الذهبي للسينما في المرحلة التي كان فيها ممثلون كبار مثل سيسل ب. دوميل وتشارلي تشابلن يملكون مطارا خاصا.

ومن بين النجوم الحاليين، يملك جون ترافولتا طائرات عدة إحداها من طراز "بوينغ 707" محفوظة قرب منزله في فلوريدا داخل مطار خاص.

وأكد ترافولتا المولود في نيوجيرزي في تصريحات سابقة "انني وقعت في حب الطيران عندما كنت في سن الخامسة"، مضيفا: "هذا الامر يجري في دمي، لا استطيع التخلص منه".

وبدأت انجيلينا جولي تلقي دروس طيران سنة 2004، من ثم اشترت طائرة سياحية من طراز "سيروس اس ار – 22"، وقد اخرجت اخيرا فيلما عن طيار شهير خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي العام الماضي، سرت معلومات عن انفاق زوجها النجم الاميركي براد بيت، ربما بوحي من فيلمه الاخير "فيوري" الذي تدور قصته خلال الحرب العالمية الثانية، مبلغ 3,3 مليون دولار لشراء الطائرة القتالية "سبيت فاير".

وإذا ما ثبتت صحة هذه المعلومات، فبإمكان بيت دعوة زميله توم كروز الى جولة مبارزة جوية: إذ ان نجم افلام "توب عن" و"ميشن إمباسيبل" يملك طائرات عدة بينها واحدة قتالية من نوع "بي-51 ماستنغ" مكتوب عليها "كيس مي كايت" (قبليني كيت) بأحرف حمراء.

الرأي الأردنية في

08.03.2015

 
 

سينما 2015

يحرره: تقدمها: خيرية البشلاوى

يوم ملوش لازمة..!! كوميديا سلوكية.. محدودة القيمة الفنية.. تلقائية هنيدي سبب نجاحها

"يوم ملوش لازمة".. فيلم خفيف ضاحك. أعجب الجمهور بدليل أنه يحقق أعلي الإيرادات. لكنه ليس أفضل أعمال مخرجه الشاب أحمد الجندي مواليد 1980 من حيث القدرة علي تحقيق الترفيه الكوميدي علي الطريقة المصرية.

تذكروا أن هذا المخرج قدم أفلام "طير إنت" و"اتش دبور" و"الحرب العالمية الثالثة" والموضوعية تدعونا إلي اعتبار عمله الأخير تراجعاً في مستواه وإن كان لا ينفي حاسته الكوميدية. وحسه الاجتماعي في إدارته للشخصيات ومعالجته للحبكة تحقق علي نحو ما.

"يوم ملوش لازمة" تسمية ساخرة وتهكمية ليوم "زفاف" إثنين من الشباب وهما "مها" و"يحيي" "ريهام حجاج ومحمد هنيدي" الاثنان علي خلاف واضح في الذوق. وفي السلوك. وفي الانتماء الطبقي. والأسرتان علي غير وفاق ايضا. فمصدر الضحك هو المفارقات والتناقضات.

يجمع المؤلف عمر طاهر جميع هذه المتناقضات الخاصة في هذا اليوم غير السعيد ويفجر المواقف داخل صالة الاحتفال في الفندق. ويسلط الأضواء علي أنماط الشخصيات المدعوة للفرح من الأقارب والأصدقاء والمعارف ويقدم لنا في آخر المطاف عملاً يمكن أن نعتبره من نوعية كوميديا السلوك حيث تبدو المعايير الاجتماعية ضحلة أخلاقياً. والمادة الموضوعية محملة بالفضائح والتعليقات لا تخلو من التفاهة وتعكس مستويات من العنف الإنساني. فضلاً عن الإدعاءات المظهرية وأشكال النفاق والرياء الاجتماعي إلي آخر السمات التي ترتبط عادة بمثل هذه النوعية من الكوميديا.

"يوم ملوش لازمة" يقدم أسرتين تديرهما إمرأتان مسنتان "هالة فاخر. وليلي عز العرب" أم العريس وأم العروسة. الأولي سيدة شعبية سليطة اللسان والثانية متبرجزة "من بورجوازية".. الأثاث في الشقتين يكشف عن فارق الذوق. ومستواه. وكذلك ملابس السهرة التي ارتدتها كل منهما. بالإضافة إلي أسلوب التعبير اللفظي ونوع الكلمات المستخدمة في الحوار. الأمر الذي يشهد علي الوعي بإيحاءات الصورة والملاحظة الذكية للمخرج ومهندس الديكور وبالطبع مدير التصوير.
والعروس من بنات اليومين دول المهووسات بالشكل علي حساب المضمون. وشكلها في يوم الزفاف علي وجه الخصوص والإجراءات الحديثة التي صرنا نسمع عنها. مثل اللجوء إلي طبيب التجميل لتعديل بعض ملامح الوجه. وإصرارها علي رفض "بدلة" العريس التي جاء بها من "دبي" حيث يعمل ودفع فيها مبلغاً كبيراً. والعريس نفسه يمثل النموذج الفكاهي الطريف. إنه أقرب إلي شخصية كرتونية. كثير الحركة. سريع الكلام. حيوي. ليس وسيماً بالمرة ومع ذلك تطارده فتاة وتصر أن تخطفه من عروسه يوم زفافه "روبي" ومن حسن حظ محمد هنيدي أن ملامحه وتكوينه لا تشي بحقيقة عمره. وحيويته التلقائية تجعله كوميدياناً مقبولاً حتي في إطار حبكة لا تحمل شحنة كافية من الفكاهة "الماكيير هنا يستحق الإشادة".

ومن البداية يضعنا صناع الفيلم "المؤلف والمخرج والبطلان الرئيسيان" أمام مواقف طريفة فعلا تنم عن ذكاء ومهارة في رسم التعبير الكاريكاتوري عن موقف جاد. أشير هنا إلي مشهد زيارة مدفن الأب "والد العروس" في نفس يوم العرس. والاشتباكات الحوارية بين العروسين وتحويل "الهيافة" إلي سمة لصيقة بالعروس. والاستبهال ضمن صفات العريس وايضا سلاح لتمرير المآزق التي سوف تعترضه لاحقاً. وخصوصاً في علاقته مع الفتاة "بوسي" "روبي" التي كانت تربطه بها علاقة قديمة سقطت من ذاكرته ولكنها تعود في هذا اليوم الذي لا لزوم له. يوم عرسه لكي تسبب له مطبات تفسد العلاقة مع أسرة العروس. ومع شقيقها "هشام إسماعيل" الذي يرفضه ويستخف به كعريس لشقيقته.

كثير من المواقف المصطنعة المرتبطة ايضا بمثل هذه النوعية من الكوميديا تجدها ايضا ومنها موقف المأذون "طارق عبدالعزيز" وموقف بائع أعلام نادي الزمالك الذي يقتحم الحفل ومعه فريق المشجعين للنادي ثم اشتباك هذا الفريق مع الآخر الافريقي الذي تصادف وجوده في نفس الفندق وفي ذات اليوم.

ايضا موقف بائع المخدرات "أحمد فتحي" واشتباكه مع فرقة الموسيقيين ومشهد تدخين الحشيش.. ألخ ومشهد حراس الفندق "فؤاد بيومي وزميله".

يوم مشحون بالشخصيات وبالمواقف الكاشفة عن سلوكيات نمطية بشرية معروفة تعبر عن طبيعة شرائح من الناس مثل الشخصية التي جسدتها هياتم زوجة خال العريس. وابنتها العانس البدينة المستعدة لعمل أي مسلك يسهل ارتباطها بابن خالة العريس. ومثل شخصية سامح "محمد ممدوح" الشاب الذي لا يميز تلقائياً بين الطيب والخبيث في سلوكه. ولا بين الصالح والطالح من معارفه "لأن كله زي كله" مثل كثير من الشباب.. ايضا المواقف في عيادة التجميل مع الطبيب. وفي حمام السباحة وما أصاب العريس من تسلخات جلدية بسبب المياه السخنة التي قفز فيها دون تمييز ثم مشاهد الاشتباك التي جرت علي أكثر من مستوي وجميعها تدخل في بند المسخرة "Farce) وتصب في صلب الهدف الذي من أجله يتم إنتاج هذه النوعية من الأفلام التي لا تهدف إلا للتسلية والترويح عن دافع ثمن التذكرة الذي يعرف مقدماً كنه العمل المقبل علي مشاهدته.

ويميز الفيلم أن جميع من شاركوا فيه تعاملوا مع هدف الإضحاك بجدية وبذلوا جهداً في عدم الانزلاق إلي رذيلة الابتذال وأعتقد أن المخرج والكاتب واعيان بذلك والنتيجة عمل محدود القيمة فنيا. وإن موفور الذكاء في اختياره لبضاعة فكاهية مصرية الروح والشخصيات وترفيهية خالصة من دون اللجوء إلي الطرب الرخيص الصاخب والرقص الهابط والإفيهات السخيفة. والاستخفاف بالقيم الأخلاقية وكانت لدي المخرج فرصة كبيرة للزج بكل هذه البنود المكررة في معظم الأفلام التجارية لكنه اكتفي بأغنية تكرس عنصر السخرية وتفتح المجال لتعليقات طريفة.

وقدم الفيلم "الفرح" المصري ليس كصورة طبق الأصل وإنما كمضمون قريب جداً من الصورة الأصلية وحرك المخرج ايضا طاقم الممثلين بكفاءة الفاهم لقدرات كل منهم في تقديم الشخصية التي أسندت إليه.. حيلة "الفرح" كمناسبة كاشفة تضم كل الأحداث.

محمد هنيدي ليس في أفضل أدواره بالتأكيد ولكنه منح الشخصية من موهبته العفوية. ونجح في إضحاك المتفرج أو نسبة كبيرة من الذين شاهدوا الفيلم ومن ثم حقق أعلي الإيرادات حسب ما هو مكتوب.. النهاية غير المتوقعة تجعله فعلاً يوم مالوش لازمة. وتجعل "الجنون" سيد الموقف.. وربما كانت هذه رؤية صناع الفيلم"!!".

فؤاد بيومي من الممثلين القادرين علي تقمص الشخصيات التي تسند إليهم. ومؤهلاته الشكلية تساعده كثيراً في تقديم شخصيات تثير الضحك حتي وإن بدت جادة ولديه حساسية المؤدي الماهر الذي يلتقط خصال الشخصية وتكوينها الداخلي ويعيد إنتاجها في كثير من الأعمال التليفزيونية. خصوصاً التي شاهدتها له.

وحتي الممثلين الثانويين بدورهم دعموا الجانب الترفيهي من دون اللجوء إلي الابتذال في الأداء الحركي ويلاحظ القارئ أنني كررت كلمة "ابتذال" أكثر من مرة. لأنني بصراحة أمقت هذه الصفة التي تمتهن أي عمل فني وتقلل من قدره. وأجدها مهينة حتي للمتفرج المستقبل للعمل. وداء ينتشر ليس فقط علي الشاشة وإنما خارجها ايضا.

صناع هذا الفيلم من جيل الشباب. وهم علي قدر كبير من الوعي - المخرج والمؤلف - ومن حقنا أن نتوقع أعمالاً تعبر عن جوهر ما نرنو إليه من أعمال تجنبنا شرور الفن الهابط وعدواه.

سينما 2015

يحرره: تقدمها: خيرية البشلاوى

يعرض الآن في القاهرة.. يد الشيطان.. لعنة التطرف والاستبداد باسم الدين

يعرض في القاهرة الآن الفيلم الأمريكي "يد الشيطان" للمخرج كريستيان كريستنسون الفيلم يقوم علي نبوءة شيطانية قديمة تقول إنه في اليوم السادس من الشهر السادس سوف تولد ست إناث. إحداهن يسكنها الشيطان وستكون يده الطولي المدمرة لأفراد الطائفة التي تسكن إحدي المدن الصغيرة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية تسمي "بيت لحم الجديدة" "يفترض انها مدينة توأمة لبيت لحم الفلسطينية".

الطائفة يسيطر عليها كبار السن من رجال الكنيسة يتزعمهم "بيكون" "كولم ميني" الذي يصاب بالقلق الشديد عندما يلد ست نساء من أفرادها في نفس اليوم ست إناث..

ويصيب الخوف واحدة من هؤلاء النسوة فتقوم بقتل المولودة فور خروجها إلي النور ثم تنتحر وذلك حتي تتجنب اغتيالها حين تصل إلي سن الثامنة عشرة وتتحول إلي "يد الشيطان" حسب ما تقول النبوءة.

أفراد الطائفة يتبعون تقاليد مسيحية قديمة ونظاما خاصا يجعلهم يعيشون حياة بسيطة جداً ويرفضون استخدام التكنولوجيا الحديثة أو أي مظهر من مظاهر الحداثة رغم قرب موقعهم من المدينة كما يرفضون الاختلاط بالآخرين رفضا تاماً.

يبدأ الفيلم بولادة النساء الست للاناث الست في اليوم السادس من شهر يونيه والتي لا يتبقي منهن سوي خمس بعد قتل إحداهن ثم تنتقل الاحداث مباشرة إلي نفس هؤلاء الفتيات قبل أن يبلغن سن الثامنة عشرة بقليل أي قبل أن يحل عليهن القتل وقبل أن يصبن الطائفة بالكوارث كما يعتقد شيوخ القبيلة وحسب ما تقول النبوءة القديمة.

البنات الخمس يجهلن سر النبوءة لا يدركن أيضا سر الموت الذي يلاحق الثلاثة منهن. وهن جميعاً يتعرضن لقسوة مفرطة. وتحرش جنسي وأذي نفسي من قبل أكبر رجال المتحكم في مصائر الجميع. ويمتلك حق طرد من يراه مخالفا لتعاليم الطائفة الدينية وقد سبق أن طرد أما واحدة من هؤلاء البنات دون علم إلابنة مع معرفة الأب وزواجه من أخري تعاني من التعصب ومؤمنة مثل معظم الأفراد بالنبوءة القديمة وقد نصبت نفسها ولية ومراقبة لحركات ابنة زوجها التي بات يشك العجوز "بيكون" في أنها يد الشيطان. ويدعم شكوكه الرؤي المخيفة التي تهاجم الفتاة "ماري" من آن لآخر.

الفيلم من أفلام الرعب الضعيفة التي لا ترقي إلي المستويات المدهشة لهذه النوعية التي برعت فيها أمريكا ولكنه يتميز بأداء تمثيلي جيد لمجموعة الممثلات الصغيرات اللاتي لعبن أدوار الفتيات الخمس وبخاصة "ماري" التي لعبت دورها الممثلة اليسا دبنام كاري ويتميز كذلك بصورة رائعة واختيار جميل لأماكن التصوير الطبيعية. ولكن أهمية الفيلم بالنسبة لي شخصياً وبسبب الظروف الخاصة بمصر وبما يجري في المنطقة عموما من جراء الدور المرعب الذي تمارسه الجماعات الدينية المتطرفة بالغة الوحشية.. اقول أهميته تعود إلي الصورة القاسية جدا والمضللة لرجل الدين وتوظيفه للخرافة وإخضاع عقول الطائفة التي تحمل اسم "أميشي "Amish" وهي طائفة موجودة بالفعل وتعيش كما فهمنا منعزلة جدا.وبعيدة عن أي تواصل مع الناس العاديين.. فالأحداث تدور في العصر الحالي رغم تواجد الطائفة منذ العصور الوسطي والفيلم لم يحظ بأي تقدير نقدي وبعض الكتابات في مجلات قليلة وصفته بأنه من الأفلام "الانتهازية" وهو نوعية من أفلام الدرجة الثانية محدودة الميزانية. التي تستغل عناصر الجنس والعنف والدين في تحقيق الرواج التجاري..

لقد انتجت السينما الأمريكية عشرات الأفلام التي تستخدم "الشيطان" والناس التي تتلبسها الأرواح الشريرة التي يتم طردها وفق طقوس دينية يشارك فيها رجال الدين.

وعشاق السينما يتذكرون بالضرورة أحد اشهر هذه الأفلام وهو فيلم "اكسسورست" "TheExorcist" الذي حقق نجاحا تجاريا كبيرا علي طوال امتداد العالم إبان السبعينات واعيد انتاجه في أجزاء لاحقة عام 1990 وفي عامي 2004. 2005 ومن هذه الأفلام المرعبة أيضا "أمير الظلام" الامريكي عام 1987. و"ليلة الشياطين" "1988" .. والقائمة طويلة وقد احتل الشيطان والشياطين مساحة من خلال أفلام الرعب ولعل أجمل الأفلام التي شاهدناها هنا في القاهرة فيلم "أومن" 1976 ومعناها "الطالع" أو "النبوة" بطولة جريجوري بيك واخراج ريتشارد دونر وأعيد إنتاجه عام 2006 من اخراج جون مور نظراَ للجاذبية الكبيرة للموضوع الذي يعالج قصة سفير أمريكي لدي المملكة المتحدة "انجلترا" يعيش في وئام مع زوجته ولكنهما رزقا بطفل ولد ميتاً وبناء علي نصيحة القسيس يتبنيان طفلا ماتت أمه فورولادته وبعد فترة بدأت أعراض غريبة تحيط بالطفل فسرها القسيس بأن الطفل ليس سوي تجسيد للشيطان.

القوي الظلامية احتلت مساحة كبيرة. والمؤسسات الدينية ورجالها رافقت بالضرورة الأفلام المسكونة بالشياطين. وعبدة الشياطين وقد تلازمت معها حكايات خرافية تكرس التفكير البعيد عن الدين وعن العلم والمسكون بالتطرف والايمان بالخرافة والتحريف المتعمد للدين الذي يتخذ في كثير من الاحيان أبعاداً سياسية واغراضا بعيدة عن الايمان والتقوي قريبة أكثر من الاستبداد والقمع الوحشي للإنسان.

المساء المصرية في

08.03.2015

 
 

الوحدة والجنس.. قراءة جديدة لفيلم "حياة أديل"

أريج جمال*

الحُب السحري المُتجرد بالكاد يمكن الوثوق في وجوده الآن، مع تطور الأفكار الفلسفية التي لم تعد تؤمن بوجود إله، وتسيُّد المادية على كل التفاصيل، ثمة اعتراف برغبة الجسد، وحاجاته النفسيّة، لكن الحُب... الحُب ربما يكون كما يقول آلان باديو الفيسلوف الفرنسي، فكرة يحتاجها الفرد، كي يستكمل المُضي في حياته التي ستسير مع الحُب إلى معنى ما، بينما يمكن أن تسير في غيابه إلى عدم كُلي.

فيلم "حياة أديل" La vie d'Adele أو "الأزرق أكثر الألوان دفئًا" للمخرج التونسي الفرنسي عبد اللطيف كشيش- حصل على السعفة الذهبية في الدورة 66 من مهرجان كان السينمائي ، يتأمل كثيرًا هذا المعنى. صحيح أن دعاية الفيلم ربما تضمنت عبارات لنُقاد يرون في الفيلم "أعظم قصة حب سينمائية في القرن الحادي والعشرين"، إلا أن الحُب الذي يتم الإخبار عنه هُنا، يُشير إلى التناغم الجسدي أصلًا بين البطلتين أديل وإيما، التُناغم الذي يُسرَد من جانب أديل، كبديل عن الوحدة التي انغمرت فيها منذ البداية وهي في المدرسة، وتخففت مع حضور إيما في حياتها، ثم تعود أشباح الوحدة هذه مجددًا مع الضجر الذي سيُصيب إيما في العلاقة، لتعود الوحدة كاملة مرّة أخرى مع انسحاب إيما التامّ بعد خيانة أديل العابرة والمُرتبِكة.

إن الوحدة التي تعيشها أديل منذ بداية الفيلم (الأداء الحارّ للممثلتين أديل شوبولوس في دور أديل، وليا سيدو في دور إيما سيجعلنا نصدقهما تمامًا)، هي وحدة ليس لها علاقة بغياب أسرة تحبها. إننا يمكن أن نشاهد أديل مع أمها وأبيها يأكلان ويشاهدان التلفاز، في مشاهد طويلة نسبيًا- كما هو حال الفيلم كله. أديل أيضًا لديها صديقات عديدات وصديق مُقرّب كانت حتى النصف الأول من الفيلم، تحكي له عن أزماتها مع الشُبان الذين تُجرِّب الجنس معهم ولا يُرضيها، كانت تُخبر هذا الصديق كُل شيء، وهو يُنصت لها، ويواسيها.

وحدة وجودية

إنها الوحدة الوجودية التي ليست لها أسباب مُباشرة، وحدة لا يداويها إلا الجنس، الجنس كأعمق وسيلة للتواصل بالجسد مع شريك آخر، دون السقوط في تسطيح الكلام ولا فخاخ سوء التعبير، هُنا لا يُصبح كلام الحب حاضرًا- كلمة أحبك لم تُذكر في الفيلم سوى مرة أو مرتين- إيما لم تكن وحيدة على هذا النحو الذي عاشته أديل، على الأقل كما يُخبرنا السرد الذي يُركز على جانب أديل، هي لها حبيبة من قبل أديل، ثم أخرى من بعد هجران أديل ولو أنها تُخبر أديل أن تناغمها الجنسي مع الحبيبة الجديدة ليس كما كان مع بطلتنا.

وإيما فنانة تشكيلية تجد معنى ما في الرسم، وفي اختياراتها الجماليّة المُغايرة عن الآخرين كلون شعّرها الأزرق الذي سيكون عابرًا أيضًا، كما ينبغي لفنانة تشعرُ بالضجر من كُل شيء ومن أي شيء.

أديل فنانة بمعنى ما، كانت تُحب الأدب وقد درسته، لكنها حين كان ينبغي أن تختار وظيفة حياتها، اختارت أن تُصبح مُعلمة أطفال، وظيفة مُستقرة بدوامات ثابتة، كما لفتاة تقليدية، رغم أن أديل تكتب، تمارس تدوين يوميّاتها، لكنها لا تُفكر أبدًا، كما ستُخبر حين ستُسأل، أن تُظهِر هذه الكتابات للعلن.

ربما تصبح الفنانة إيما هي الانحياز الجماليّ للمخرج عبد اللطيف كشيش، هي فنانة أولًا وهو يُريد أن يُحيّي الفن الذي ينتمي إليه شخصيًا بالسينما، ويشعر إنه معنى مستقل، وإنه وسيلة مُعتبَرة للاستمرار في الحياة، كما أن إيما أيضًا تُمثل لا الفن فحسب، إنما الفن المُغاير/ المُختلف أو الشاذ أحيانًا، هذا الذي لن يحصل على إقبال جماهيري يُشبه نجاح الفنانين الآخرين، وسيُثير التساؤلات حول حياة الفنان نفسه، لكنه يمتلك عُمق، يمتلك الشغف والحُرقة الذي سيجعله مميزًا جدًا (لوحات إيما ترسم حبيباتها عاريات في أوضاع مُتعددة بينما أعينهن تتحدث بكلام يحتاج إلى كثير من التفسير).

مدلول مختلف للأزرق

كشيش من خلال اختياراته اللونية على شريط الفيلم؛ لونه الأزرق الذي يُسيطر على الشاشة ومن خلال ألوان أظافر الفتيات في المدرسة وثيابهن، يسعى لتحويل الأزرق من مدلوله البارد، إلى مدلول شهواني ملتهب لا يُبقي على شيء "إما الكُل أو لا شيء" كما تقول إيما، المدلول الذي سيصل عبر الإغراق الكامل وغير المُتردد ولا المُستحي في المشاهد الطويلة والمُفصلّة للعلاقة المثليّة بين الفتاتين، بحيث يُصبح الجنس هُنا هو امتداد لخيار كشيش الجماليّ المُختلف والمُعبِر بقوة عن ذلك.

الشمس ستخرج من بين شفتيّ أديل وإيما في قُبلاتهما النهمِة في بداية العلاقة من خلال كادر ساطع، وفي مشاهد الجنس بينهما، ستُعيد اكشتاف أديل، لن أقول ميولها الجنسيّة – أديل اشتهتْ إيما منذ اللحظة الأولى– لكن أيضًا الأشياء التي كانت دائمًا ناقصة في علاقتها الجسدية مع الرجل مثلما حدث مع علي، ربما يكون لجوء أديل للفتيات ابنًا للوحدة في كادر ما، لم تجد لُغة مُشتركة مع علي، لم تكن تفهم جده من هزله، ولم تُحقق من بعد إيما علاقة كاملة مع رجل... أليست هذه هي الوحدة أيضًا؟

كشيش الذي يُدخِل بعض أسماء ونغمات عربيّة إلى شريطه السينمائي، لا يبدو لي مدفوعًا للدفاع عن قضية المثليين، ولا لحشد مشاهد بورنو في فيلمه، إنه يُعبِر عن الوحدة وترادفاتها العديدة في حياة إيما، وهي وحدة مُقبِضة تجعل الانطباع العام بعد مشاهدة الفيلم إنه مُثير للكآبة أكثر من كونه يُعبِر عن قصة حُب لن تستمر بين الحبيبتين، في النهاية ستجد أديل نفسها تسير طريقها عائدةً إلى بيتها القريب من معرض إيما، والأخيرة صارت الآن مع حبيبتها ليز، لا أحد يسألْ عن إيما، والوحيد الذي يتفقدْ غيابها لن يهرول خلفها، إن أديل وحيدة تمامًا.

* كاتبة وأديبة من مصر

عين على السينما في

08.03.2015

 
 

الحب ينتصر على الموت

باولو وفيتوريو تافاياني ورؤية جديدة لـ "ديكاميرون"

24 - محمد هاشم عبدالسلام

في جديدهما الذي يقدماه حديثاً للسينما العالمية بصفة عامة والإيطالية بصفة خاصة، وهو بعنوان "بوكاتشيو الرائع"، الذي بدأت عروضه الجماهيرية في دور العرض الإيطالية الأسبوع الماضي، اختار الأخوان باولو وفيتوريو تافاياني، في منتصف الثمانيات من عمريهما، العودة إلى أحد النصوص الأدبية الخالدة في التاريخ الأدبي والإنساني، وهو العمل الذي يحمل عنوان "ديكاميرون" للإيطالي جيوفاني بوكاتشيو.

بعد فوز فيلمهما الأخير "قيصر يجب أن يموت" بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2012، يعود أستاذين من أساتذة الإخراج السينمائي المعاصرين، المخضرمين باولو وفيتوريوتافاياني، إلى نص أدبي أيضاً ليستمدا منه بتصرف السيناريو الذي كتباه لفيلمهما "بوكاتشيو الرائع"، والذي يتناول تيمة الحب على وجه التحديد. والحب هنا في نسخة تافاياني يتجلى في أبرز صوره، لأن الموت والخراب يحيطان به من كل جانب.

أحداث الفيلم

تدور أحداث الفيلم على وجه التحديد في عام 1348، حيث الموت الأسود أو وباء الطاعون يضرب فلورنسا، حاصداً آلاف الأرواح، ومُخلفاً مئات الجثث في الشوارع والطرقات أو فوق عربات حمل الموتي حيث تنقلها إلى المقابر الجماعية، وتاركاً المدينة غارقة في رائحة الموت الحتمي. وفراراً من ذلك المصير المُحدق، يقرر مجموعة من الشباب، عشرة شبان، الانعزال بعيداً عن هذا الكابوس في إحدى الفيلات الريفية.

وبالفعل تلتقي الفتيات السبع، في نفس المرحلة العمرية ويرتدين نفس الأزياء مع اختلاف الألوان، في إحدى الكنائس للتخطيط للهرب، وتستأذن ثلاثة منهن في اصطحاب أصدقائهن الذكور معهن في رحلتهم تلك. ومن ثم، يشرع الشبان العشرة في رحلتهم، حتى يصلون في النهاية إلى وجهتهم. وهناك، لتمضية الوقت، يقررون فيما بينهم أن يحكي كل واحد منهم قصصاً للآخرين، وذلك على امتداد عشرة أيام، تدور كلها حول تيمة الحب.

وتجمع تلك الحكايات التي يرويها الشباب، والتي يبدو عليهم أنهم يرتجلونها عفوياً، بين الأسى والحزن وعدم الفوز بالمحبوب وتكليل الأمر بالزواج في النهاية أو حول الموت أو المرض الذي قد يختطف أحد الحبيبن ويترك محبوبه عرضة لشتى المصاعب أو الفروق الطبقية والفقر والغنى فيما يتعلق بأحد الحبيبين، كما لا تخلو بعض القصص من الفرح والنكات والسخرية. وليس ثمة جدال في أن قصص الحب تلك تلامس الكثير من الفضائل أو الخصال الأخرى مثل الصدق والإخلاص والتضحية والتفاني وغيرها.

وغني عن القول، بالطبع، أن تلك القصص أبطالها هم نفس الشباب العشرة الذين يقومون بسرد تلك الحكايات أو قصها والمجتمعين معاً بهذه الفيلا، والذين يقضون أوقات فراغهم التي تتخلل حكيهم لقصهم لتلك في إعداد الطعام وتجهيز الخبز، والسباحة في البحيرة واللهو تحت المطر، في تأكيد قوي على حبهم للحياة واحتفالهم بها.

التصوير
وقد استعان الأخوان تافاياني في تصوير فيلمهما بالمصور الرائع "سيموني زمباني"، الذي صور لهما من قبل فيلمهما "قيصر يجب أن يموت"، وقد اختار سيموني التصوير وسط الكثير من أنقاض وأطلال مناطق تاريخية بتوسكانا ولاتسيو لإكساب مشاهد الفيلم الكثير من المصداقية، بحيث تبدو أجواء القرن الثالث عشر جلية بارزة. كما كان للإضاءة والملابس مفعول السحر في أن تظهر الكادرات بتلك الصور الرائعة التي ظهرت عليها، والتي بدت بالضبط كما لو كانت لوحات تشكيلية مرسومة بريشة كبار المبدعين.

جدير بالذكر أن الفيلم يقف على النقيض تماماً من النسخ السابقة التي استلهمت الديكاميرون من قبل في السينما الإيطالية والعالمية، وتحديداً تلك النسخة التي أخرجها المخرج الإيطالي الكبير بييرو باولو بازوليني عام 1971، والتي حملت عنوان "الديكاميرون".

موقع (24) الإماراتي في

08.03.2015

 
 

بوشهري: «عدسة» لإنتاج الأفلام القصيرة يدعم الشباب سينمائياً

حدد الأول من مايو آخر موعد لاستقبال المشاريع

حدد المخرج عبدالله بوشهري الأول من مايو المقبل آخر موعد لاستقبال المشاريع السينمائية المشاركة في برنامج «عدسة» لإنتاج الأفلام القصيرة.

أعلن مدير إدارة الإنتاج الإبداعي "عدسة" في وزارة الدولة لشؤون الشباب، المخرج عبدالله بوشهري، انطلاق برنامج "عدسة" لإنتاج الأفلام القصيرة، مشيرا إلى أنها المرة الأولى في الكويت التي يتم بها تقديم دعم مادي رسمي للإنتاج السينمائي الشبابي في الكويت تحت مظلة وزارة الدولة لشؤون الشباب.

وأشار بوشهري الى أن البرنامج هو أولوية أطلقتها الوزارة بهدف تحفيز وتمكين الشباب على صناعة الأفلام السينمائية الروائية والتسجيلية القصيرة واكتشاف مواهبهم الفنية من خلال تقديم الدعم المادي لصناع الأفلام. وبعد اختيار مجموعة من المشاريع السينمائية ودعمها من خلال المبادرات، سيقدم برنامج "عدسة" الدعم والترويج لها ويوفر فرص العرض محليا ودوليا.

وقال إنه تم فتح باب تقديم المشاريع يوم 25 فبراير تزامنا مع الاحتفالات بالأعياد الوطنية، وسيكون آخر موعد للتقديم هو 1 مايو المقبل.

وبيّن سعي الوزارة من خلال "عدسة" للمساهمة في إنشاء منصة أفضل للمجتمع الإبداعي، وخلق دورة ثقافية معنية بالإبداع والإنتاج والنشر والعرض والاستهلاك الثقافي الشبابي، من خلال تعزيز ثقافة الإبداع والحس الفني الجمالي بين الشباب الكويتي.

كما سيتم الإعلان خلال الفترة القصيرة المقبلة عن عدد من الأولويات والبرامج الجديدة التي تأتي بدعم وتوجيهات وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود، ومتابعة ودعم وكيلة الوزارة الشيخة الزين الصباح، التي تولي اهتماما بالغا بدعم ورعاية الإبداع الفني الشبابي في كافة القطاعات والتخصصات.

وختم بوشهري قائلا إن رسالتنا هي تنسيق وتعاون الجهود الوطنية، وذلك بتشجيع وإطلاق الاستراتيجيات والسياسات والمبادرات والبرامج التكاملية والشمولية لضمان تنمية ومشاركة الشباب المجتمعية، وتمكينهم من القيادة والريادة الإبداعية في الكويت.

الجريدة الكويتية في

08.03.2015

 
 

“Starred Up”.. لم الشمل وراء القضبان

محمد صبحي – التقرير

في العرض الأول للفيلم في الصالات الأمريكية تم توزيع قاموس شامل للمصطلحات العامية المستخدمة في السجون الأيرلندية على النقّاد قبل العرض. الفيلم الذي يحتوي الكثير من الكلمات والتعابير المبهمة، والتي تستخدم كمجازات لا يفهمها سوى العالمين بدلالاتها، لن تمنع مشاهده من الدخول في أجوائه رغم تلك “الخصوصية” الأيرلندية؛ لأن المخرج الأسكتلندي ديفيد ماكينزي David Mackenzie يصوّر ثقافة السجن العنيفة بوضوح جارح لن تجعل شيئًا يضيع في الترجمة.

العنوان ربما هو المصطلح الوحيد الذي تودّ معرفته: “Starred up” يشير إلى مجرم مراهق ولكنه جامح وصعب المراس؛ لدرجة ترحيله من سجن “حديثي السن” إلى سجن الكبار. إريك (النجم الواعد جاك أوكونيل Jack O’Connell) هو واحد من هؤلاء المراهقين الذين تحدس بكونهم مثيرين للمشاكل منذ طفولتهم، ملاكم شاب في الـ 19، عصبي وواسع الحيلة، وعلى الفور يبدو للمشاهد أن تصرفاته ليست نتيجة كونه سجينًا أو معتاد إجرام، ولكن بسبب من تنشئته المضطربة في نظام متصدع. يسير إريك بداخل مجمع سجون يخضع لنظام معقد من اجراءات الحراسة المشددة كما لو كان قد أعدّ نفسه للسجن طيلة حياته، لكن من الدقة أن نقول حياته كلها هي ما أعدته للسجن. ولو أن للأسرة عملًا تبرع فيه فهو السجن؛ فوالده نيفيل (بين مندلسون Ben Mendelsohn) “يعيش” في زنزانته التي تقع في الطابق الأسفل من السجن. الأب وابنه لم يلتقيا منذ كان الأخير في الـ 15 من عمره.

هذا ليس لم شمل الأسرة السعيدة. لا يتشارك إريك ونيفيل روابط أسرية قوية بقدر حذرهما المتبادل: الوالد الذي يبدو كضابط حاسم في مجتمع السجن، يرفض القيام بأي شيء يحول دون وقوع ابنه في أيدي عصابات السجن المتناثرة، إلى أن ينضم إريك لمجموعة العلاج النفسي للسجناء. هنا يبدأ الأب في التعريف بحقيقة علاقتهما. فكرة أنه قد تتم قولبة ابنه من قبل سجناء آخرين (من أجناس أخرى) ليست سوى اعتداء مباشر على ما تبقى من كبرياء نيفيل كأبّ.

اجتذبت السجون والإصلاحيات السينما نظرًا للفوضى والخطوط الواضحة في علاقات يمكن بناء الحبكة عليها؛ لذلك ليس سهلًا صنع دراما سجون في فيلم يبدو جديدًا كلية. ولكن “Starred Up” مفعم بالحيوية جزئيًا؛ لأن مخرجه انحاز للواقعية أكثر من الحداثة باختياره استعارة بعض التمهيدات من كلاسيكيات الجينر genre إلى أن تكتسب قصته ثقلها بنفسها: أصداء روبير بريسون Robert Bresson وفيلمه A Man Escaped يترددان في عزلة إريك وهياجه المستمر والمدى الذي يحتاجه للبقاء من خلال اعتماده على سلسلة من الايماءات الحذرة. ستيف ماكوين Steve McQueen، وفيلمه الأول Hunger، يوفران ارتكازًا مناسبًا أكثر حداثة وأقرب جغرافيًا، ويظهر تأثيره في الصرامة القاسية لتراكيب ماكينزي وتركيزه على وضع عنق الزجاجة الذي يحقق به فورة شعورية لدى المشاهد. كما يمكن النظر للفيلم كاعادة سينمائية -أقل ورعًا ووعظًا- للفيلم الأيرلندي الشهير In the Name of the Father؛ حيث الأب والابن يصفيّان الأجواء بينهما بالدخول في عراك بالأيدي ثم يقتاد كل منهما إلى زنزانته بوجه تغطيه الدماء ويسخران من المقدرة الجنسية لبعضهما.

ولكن حتى وإن كان الفيلم يدخل لمنطقة معلومة سلفًا، فإنك أبدًا لا تشعر أنه مستنسخ مع تجنُّبه للرسالة المعتادة والمتكبرة عن فوضى أبناء الأباء السيئين الذين يتلّقفهم مستشارو الطبقة الوسطى و”خبراء” آخرون لتهذيب فوضاهم. مشاهد المجموعة في جلسات العلاج تبدو حقيقية. الفيلم كله يبدو مُسيطرًا عليه من لحظات البداية الأولى التي تستحضر شعور الوصول للسجن (المسيرة الطويلة حتى وصول الزنزانة، غلق الأبواب وفتحها، سجين جديد يرتب سريره، التحقق من إعدادت المكان الجديد، ثم ببساطة انتظار السنوات التي ستعبر في ذلك المكان). بالطبع يشابه الفيلم إخوته من أفلام السجون في تفاصيل معتادة من هجمات أثناء الاستحمام، لضرب الوافد الجديد للسجن في يومه الأول، مرورًا بمأمور السجن الشرس (وهو ما تتحقق صدقيته هنا؛ حيث عمل مؤلف الفيلم جوناثان آسر Jonathan Asser كمعالج نفسي في أحد سجون لندن). وحتى هنا لا يبدو اللجوء للكليشيه على قدر كبير من السوء، لأن الجو العام الخانق يجعل من تنازل الفيلم لصالح كليشيه سينمائي فرصة رحيمة لدخول بعض الهواء النقي.

إنه من الصعب تجهيز نفسك لمشاهدة تجربة كتلك، ولكن الفيلم يبدو أكثر إثارة بالنظر للرجل الذي صنعه: ديفيد ماكينزي، الذي تناول الأيروتيكية العاطلة في فيلمه (Young Adam, 2003) ورومانسية مغلّفة بأجواء الهيبيز في (Tonight You’re Mine, 2011) من دون أن ننسى رومانسية نهاية العالم في (Perfect Sense, 2011)؛ يبدو كآخر مخرج قادر على إنجاز فيلم كهذا، أو حتى يهتم بالعمل على مثل هذه قصة. بشكل ما، فإن قصة ذلك الولد الذي يُدفع به إلى الحد الأقصى لسقف إمكانياته؛ هي بورتريه ذاتي لذلك المخرج الذي تتفجر طاقاته من خلال سقفه الخاص. والآن، في النهاية، ماكينزي مخرج ناضج يمكن الاطمئنان إلى القول بأنه لن يضطر للعمل على كارثة أخرى لأشتون كارتر Ashton Kutcher.

ومن ناحية أخرى، يتمنى الواحد أن يعاود تعاونه مع الممثل الصاعد جاك أوكونيل في المستقبل. أداء أوكونيل مذهل في تجسيده للشباب المهدر بين جنبات سجن يتنقل عبر طرقاته مثل كوكتيل مولوتوف محترق في معركة ليس فيها فواصل للراحة. مشاهدة إنسانيته المعذبة في صعودها البطيء إلى السطح، واحدة من الرحلات الملحمية التي ستراها تدور بين أربعة جدران. ومندلسون كذلك يترابط بشكل جيد مع غريمه الأليف، في تجسيده لنيفيل، المسجون مدى الحياة، الأب الذي يجد شيئًا يعيش لأجله ويرفض أن تضيع الفرصة من بين يديه، ككلب يزبد أمام عظْمته الأخيرة في العالم. يكوّن أوكونيل ومندلسون شراكة ديناميكية يتجاوزها الفيلم بدون داع في فصله الأخير لصالح تعزيز حضور شرير أساسي villain بشكل مفتعل، لتقديم المزيد من الغرماء في حكاية ولد يعادي بطبيعته كل من يلتقيهم. ومع ذلك، ينتهي الفيلم بلكمة قوية أخيرة مع لحظة تلخّص كلّ حنان سيئ الحظ لتجعل ذلك الفيلم جديرًا بالمشاهدة.

في الفكرة وتصويرها

في أفلام ماكينزي تأصيل لفكرة الحرية: شخصياته تتصرّف على نحو غير متوقع، وغالبًا ما يغيّرون مسار حياتهم لمجرد نزوة، إضافة إلى حرية كاميرته في حركتها والأداء البدني لممثليه يحيلنا إلى عالم يفيض بالاحتمالات. يمكن للمرء بسهولة تصوّر فيلم سجون يخرجه ماكينزي: منمّق، مجهد، غير مقنع. ولكن “Starred Up” مميز جدًا كدراسة شخصية عن معنى الحياة وراء القضبان. واحد من مواضيع ماكينزي الدائمة هو كيف تحدد طريقة عيش الإنسان استخدامه لجسده. في فيلمنا تطبق تلك الرؤية على السجناء طويلي المدة بشكل ما، وتصوّرهم كمسوخ حديثة: نصف إنسان، نصف آلة.

ومع ذلك، رؤية ماكينزي لا تطغى كلية على العمل، لأن مؤلفه جوناثان آسر يستند على وقائع شخصية اختبرها أثناء عمله السابق. آسر  الذي كتب سيناريو الفيلم ليصبح بورتريهًا رسميًا وموثقًا للحياة داخل سجن بريطاني، كان متوجدًا أثناء تصوير الفيلم لمتابعة كل تفصيلة للتأكد من دقة النقل والتنفيذ. بالنظر للفيلم كوثيقة درامية docudrama عن تحديات التنشئة الاجتماعية للمدانين بالعنف، فإنه ينجح في ذلك بأقل قدر من السنتمنتالية والابتذال الرخيص للمشاعر. في الواقع فإن إريك، البطل أو البطل الضد، يقاوم ذلك التعاطف المحتمل طيلة النصف الأول من الفيلم إلى أن يتعرّف إلى أوليفر (أداء جيد من روبرت فريند Rupert Friend)، معالج السجن الذي يتطوّع بوقته وجهده لمساعدة مجموعة من نزلاء السجن ذوي النزعة التدميرية. ولكن حتى ذلك التغيّر لا يحدث فورًا كالحب من أول نظرة، ولكن بعد العروج على بعض الأسئلة الشائكة التي يلقيها الفيلم في وجوههنا، فإريك الذي قضى أغلب حياته في السجن لا يعتقد بإمكانية إعادة تأهيله للاندماج في المجتمع. كما أن أوليفر لن يعدم تساؤلًا استنكاريًا عن جدوى ما يفعله والفائدة التي يتحصّل عليها هو شخصيًا؟

آسر كذلك لا يكشف عن علاقة إريك ونيفيل إلا بعد مرور نصف الساعة، وحتى الدقيقة 20 نحن لا نعرف شيئًا عن خلفية إريك. حتى تلك اللحظة، يحاول توريط المشاهد في تجربة الحياة داخل سجن يخضع لحراسة مشددة؛ حيث التهديد الدائم بالعنف والخزي يسحق أي إحساس بالماضي أو المستقبل. بعد ثواني فقط من بداية الفيلم، يتم تسليم إريك، تعريته من قبل الحرّاس، يخضع لتفتيش جوفي cavity في مشهد يستدعي المزارعين الذين يتفحصّون ماشيتهم. المخرج من ناحيته، يعرض تلك الأحداث في زمنها الحقيقي مؤكدًا على اللاإنسانية التي يقدم إريك على اختبارها بشكل دوري. الكشف عن نسبه وأعوامه التي قضاها في دار الرعاية (هناك حيث تم اغتصابه على يد أحد الحرّاس)، قد لا يغيّر من انطباعنا المبدئي عنه ولكنه يظلّ مدهشًا؛ لأن المشاهد الأولى تجعل من الصعب تصديق أن إريك قد اختبر شيئًا مما يمكن وصفه بـ “طفولة”.

بعد لقطات مختصرة ومحددة تنقل للمشاهد ذكاء وتخطيط إريك بعقلية تراهن على النجاة من أجل البقاء في محيط يسوده العنف، يطلعنا ماكينزي على شجاره الدموي الأول والذي جاء بطريق الخطأ مع أحد السجناء، ما يستدعي في النهاية الاستعانة بفرقة لمكافحة الشغب لمحاصرته، ويرفض إريك الاستسلام لينقض على أحد الحرّاس قابضًا على خصيتيه بين أسنانه. كعادته يخلق ماكينزي إحساسًا بالزخم النشط: يقطع بخفة من تفصيل صادم إلى آخر، كاميرا رشيقة تتحرك لمتابعة الشخصيات من غرفة إلى غرفة. حتى استخدامه للّون يضيف إلى التأثير البصري للفيلم: تستخدم أفلام السجون عادة اللونين الرمادي والأزرق للزنازين، ولكن ماكينزي يستخدم اللونين الأصفر والبرتقالي. وفي بعض المشاهد المتوترة يستعين بالإضاءة الحمراء الداكنة، أما الغرفة التي يجتمع فيها أوليفر مع المجموعة فقد طليت بظلال خضراء باهتة. ونتيجة لذلك؛ فإن الحالات الشعورية الحادة للسجناء تبدو ملموسة تقريبًا.

العنف هو جزء من الواقع اليومي للسجن ولا يختلف في ذلك عن الكلام. حياة السجناء وسط العنف لفترة طويلة تجعلهم مستعدين للقتال في أية لحظة. إريك يبدو كأنه لا يعلم متى يجب عليه ألا يقاتل، وماكينزي يلتقط ذلك الخيط ويصله باللغة الجسدية لممثله، دافعًا الأداء البدني لصدارة الصورة. وبمثل تلك التفصيل؛ فإن الفيلم -تقريبًا- يقترح في مشاهده القتالية باليهًا متوحشًا. ورغم أن البعض قد يميل لبناء أكثر قسوة للبطل مثل (Bronson, 2008) للمخرج المبالغ في تقديره نيكولاس فيندنج ريفن Nicolas Winding Refn، فإن ماكينزي لا يكره بطله بل يضيف لشخصيته أبعادًا تبعد عنه النمطية، فهو يعرف كيف يكون محترمًا ولبقًا حين يستدعي الأمر ذلك.

في النهاية، لحظات الفيلم الرائعة ربما تكون هي تلك الهشاشة الجسدية التي تبرز مثل ومضات من اللون في فيلم مصوّر بالأبيض والأسود: متوالية قصيرة ومفاجئة لإريك وحيدًا في زنزانته، يقفز ليلمس السقف أو يصنع وجوهًا مضحكة لتسلية نفسه. تلك اللحظات النادرة تمهّد لتحوّل الفيلم العاطفي في المشهد قبل الأخير وفيه يتصالح إريك ونيفيل أخيرًا (ولكن ذلك يحدث وهم على وشك الانفصال من جديد) يمسدّان رأسي بعضهما بلطف بدلًا من الاحتضان بالأيدي المكبلّة خلف ظهريهما. للمفارقة، الصورة تستحضر أم إحدى الحيوانات تداعب صغيرها، وتظهر عودة الأب والابن لاستصلاح علاقتهما حاجتهما للحب love، والذي للمفارقة أيضًا هو الاسم الثاني لكل منهما.

بينما يعطي نص آسر بنية درامية محكمة للعنف المتفشي في السجن، فإن إخراج ماكينزي ينبهنا إلى الوثوق بتلقائية الحياة؛ حيث كل البشر قادرون على تغيير حياتهم أينما كانوا.

الفيلم: Starred Up. المخرج: David Mackenzie. إنتاج: 2013.

التقرير الإلكترونية في

08.03.2015

 
 

أفلام فوق الأربعين

محمد موسى

بدأت في بريطانيا في السادس والعشرين من شهر فبراير الماضي عروض فيلم " ماريجولد ثاني أفضل فندق مثير" للمخرج البريطاني جون مادن. يتابع الفيلم الجديد القصة والأحداث ذاتها التي قدمها لأول مرة فيلم "ماريجولد أفضل فندق مثير" قبل ثلاثة أعوام، كما يُحافظ على الشخصيات نفسها تقريباً مع بعض الإضافات، منها واحدة جديدة يلعبها النجم الأمريكي المعروف ريتشارد جير، الذي يبدو أنه اختير لأجل السوق الأمريكية، رغم أن تلك السوق استقبلت الفيلم الأول بحماس، بأبطاله البريطانيين، وبعضهم غير معروف كثيراً خارج بريطانيا. تتطلع الجهة الإنتاجية أن يواصل الفيلم الجديد النجاح التجاري الكبير والغير مُتوقع الذي حصل عليه الفيلم السابق عندما عُرض عام 2012، إذ جمع وقتها ما يُقارب 136 مليون دولار من عروضه حول العالم، فيما لم تتعدَّ ميزانية إنتاجه العشرة ملايين دولار فقط.

أطلق نجاح الفيلم الأول نقاشات سينمائية طويلة لم تتوقف لليوم، ركزت على الفئات العمرية لمرتادي صالات السينما في الوقت الحاضر وقصور الصناعة السينمائية عن إرضاء فئات معينة، وعن توق جمهور كبير لمشاهدة أفلام مُختلفة، لا يتصدر بطولتها بالضرورة نجوم شباب شعبيين، فالفيلم من بطولة مجموعة من الممثلين والممثلات البريطانيين من الذين تعدّوا سن الشباب، لكن بمواهب فذة لم تذبل أو تفقد أياً من بريقها، بل هي ربما اليوم في أفضل حالاتها، يتقدمهم: جودي دينش و ماغي سميث وآخرون. حتى أن البعض اعتبر الفيلم عنواناً لظاهرة سينمائية جديدة من القرن الجديد، وجدت سريعاً اسماً إعلامياً شعبياً هو :" الأموال المُسِنَّة"، في إشارة  إلى النقود التي يدفعها جمهور تعدّى منتصف عمره لشراء تذاكر الصالات، والأهمية المُتزايدة لهذه الأموال في مداخيل سينما اليوم. كما تم اعتبار الفيلم بأنه أحد الأعمال المفصلية التي عبدّت الطريق لأفلام سينمائية أخرى عرضت في العامين الأخيرين، أفسحت بدورها المجال لقصص شخصيات في منتصف العمر أو أكبر لتهيمن على الشاشة، من التي كان من الصعب أن تُنتج أو تصل للجمهور بدون النجاح التجاري الهام لفيلم "ماريجولد أفضل فندق مثير"، والنقاش الذي أثاره.

تقدم سلسلة "ماريجولد أفضل فندق مثير"، مجموعة من المتقاعدين البريطانيين الذين يقررون التوجه  للهند من أجل قضاء عطلة عادية، قبل أن تتطور الأحداث باتجاه سيبقيهم في النهاية هناك. تتقاسم الشخصيات العديدة البطولة، كما يتقاسمون الـتأثير في ما حولهم. لا تبدو الشخصيات تلك وكأنها في محطة حياتها الأخيرة، فهي مازالت تبحث عن الحب والغفران، وتصحيح مسارات حيوات سابقة، وتماماً مثلما اعتدنا أن نشاهد في قصص الشباب في غالب الإنتاج السينمائي التجاري. تبادل الأدوار بين "الشيوخ" و"الشباب" في الفيلم، هو الذي جعل هذا الأخير يشكل انعطافة مُهمة في مفاهيم تقسيم الجمهور العمرية التقليدية الشائعة، فالنجاح التجاري أكدّ خطأ حسابات الشركات السينمائية الكبيرة، التي استبعدت من خططها الإنتاجية جمهوراً كبيراً، ومارست ما يقترب من التمييز العمري بحق أعمار مُعينة، التي تم دمغها طوال عقود الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بأنها غير مهمة اقتصادياً، ومن حصة التلفزيون، وعلى السينما أن لا تبذل أي جهود في محاولة جذبها إليها مُجدداً.

سبق النجاح التجاري الكبير لـ "ماريجولد أفضل فندق مثير"، نجاحات أخرى لأفلام من الأعوام الخمس الأخيرة، التي لا تقدم بالضرورة أبطالاً من فئات عمرية  قريبة من الجمهور الذي تتقصده، بل لتضمنها قصصاً وشخصيات مُعمقة، بعضها مستلّ من التاريخ،  والكثير منها يقدم قصصاً اجتماعية أو كوميدية معاصرة. ففيلم "خطاب الملك" للمخرج البريطاني توم هوبر من عام 2010، جمع ما يقارب 414 مليون دولار من عروضه العالمية، رغم معالجته الدرامية الكلاسيكية، وتركيزه على الأداءات المُحكمة لأبطاله. وفيلم "السمكري، الخياط، الجندي، الجاسوس" عن قصة من عوالم الجاسوسية البريطانية والذي أخرجه السويدي الأصل توماس ألفريدسون والذي حصل على 80 مليون دولار من عروضه العالمية. والفيلم الأمريكي "ذي ايديز اوف مارس"، من عام 2011، الذي أخرجه النجم جورج كلوني، وجمع ما يقارب 76 مليون دولار من عروضه حول العالم. جورج كلوني، كان بطل فيلم آخر يمكن درجه في القائمة ذاتها، ففيلمه "الأحفاد" للمخرج ألكسندر باين، والذي عرض في عام 2011 جنى 177 مليون دولار في صالات السينما حول العالم، رغم موضوعه الخاص بعائلة تُعاني من فقد الأُمّ.

ليست هناك علاقات إنتاجية مُخطط لها بين الأفلام المذكورة، كما لا تجمعها شركة إنتاج واحدة، فكل واحد منها صُنع تحت ظروف مُختلفة عن الآخر وله قصته الخاصة. لكن نجاحها التجاري الذي تم ربطه بمعالجاتها الفنيّة الغير شعبية، صنفها تحت فئة أفلام البالغين، التي خرجت من أسر توزيع الصالات الفنيّة الصغيرة، ووصلت إلى صالات كبيرة، وجمهور أوسع، من الذي يبحث عن إثارة مُختلفة عن السائد الهوليوودي مثلاً، ويتطلع إلى سينما  تتحدى توقعاته وتجادل فهمه للعالم. في السياق نفسه، وعندما عرض فيلم "ماريجولد أفضل فندق مثير"، والذي لا يندرج تحت السينما الجدليّة، وحقق النجاح التجاري الكبير، جعل كثيرون ينتبهون إلى أن هناك جمهوراً واسعاً لن يتردد في ترك بيته، وما يوفر هذا البيت اليوم من وسائل ترفيه عديدة، من أجل التوجه إلى صالات السينما، كما أن هذا الجمهور أسعده، أن يشاهد أبطالاً بعمره أو أكبر منه، وهم يواصلون حياتهم، بتحدياتها وأفراحها وبالتأكيد خيباتها، ففي الزمن الذي يعيش فيه الإنسان لمدة أطول، مُحتفظاً بصحته وقوامه، مالذي يمنع إّذن أن تواصل شخصيات من فئات عمرية تجاوزت سن الشباب، والتي كانت خارج الحسابات الشعبية، من حضورها الرئيسي على الشاشة؟

كما يُمكن قراءة عودة جمهور كبير من فئات 40 عاما وأكبر، كجزء من ظاهرة أوسع بدأت ملامحها بالظهور في السنوات الأخيرة، فالإحصائيات عن التنوع العمري لرواد السينما في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، تؤكد تراجع في عدد الجمهور من فئة (39-25)، وهي الفئة التقليدية الأكبر في جمهور السينما منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي.

لاشك أن للقرصنة الإلكترونية للأفلام والمُتواصلة منذ عقد تقريباً، دورها في تراجع نسبة الشباب الذين يداومون على الذهاب إلى السينما، كما أن للأزمة الإقتصادية التي تضرب العالم الغربي منذ عقد تقريباً أثرها في في هذا الانخفاض. في المُقابل، يمكن تفسير عودة الجيل الأكبر عمراً إلى الصالات السينمائية، لأنه الجيل الذي لازال بعيداً وبشكل عام عن القرصنة الإلكترونية، كما أن هذا الجيل قادر بسبب وضعه الإقتصادي الجيد و المستقر على دفع أثمان تذاكر السينما بصورة دورية، بخاصة عندما يجد في تلك الصالات ما يخاطب عقله وقلبه. في كل ذلك، مازالت الصالة السينمائية مهمة في الوعي الغربي، فعلى الرغم من أن البعض يخاصمها لسنوات أوعقود، إلا إن تشبث هذه الصالة بموقعها كركن ثابت من أركان الفن والترفيه رغم العواصف الشديدة التي تمر عليها كل عقد تقريباً، يُثير الكثير من الإعجاب، ويمنح الأمل بمستقبل طويل لها.

سينما المغرب .. واليوم العالمي للمرأة

المصطفى الصوفي

تستعيد السينما المغربية بريقها، خلال اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من شهر مارس من كل عام، وذلك من خلال توازي عرض العديد من الأفلام السينمائية الجديدة، في القاعات السينمائية، فضلا عن تنظيم سلسلة أنشطة فنية وثقافية، واستضافة وتكريم وجوه نسائية سينمائية، تروم في الأساس، إبراز جماليات السينما وسحر صورتها، والدور الذي لعبته المرأة المغربية، في دينامية وتطور الخطاب السينمائي منذ سنوات، سواء على مستوى التمثيل والتشخيص أو الإخراج، أو على مستوى الكتابة السيناريستية، والتصوير، ومختلف تقنيات العمل السينمائي، وذلك من أجل إزهار حدائق السينما المغربية بورود الفرجة والمتعة البصرية، في بعدها الوطني والمغاربي والعربي والدولي، وإخصاب الحقل الثقافي والفني برمته، في أفق جعل المرأة، أحد بوادر التنمية والتطور في البلاد، والانفتاح على باقي التجارب الإبداعية والفنية والسينمائية العالمية.

سلة إبداعات وفواكه سينمائية

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة يستحضر العديد من المتتبعين والمهتمين بالحقل السينمائي، كيف استطاعت المرأة المغربية، بجرأتها النادرة، وتضحياتها، وإبداعها، أن تشكل خط تماس مع التيار السينمائي، وإحدى الصور الرائعة، والمشاهد الفنية المؤثثة لسحر السينما منذ عملية التأسيس، وحتى اليوم، وهو ما أفرز قطوفا يانعا ومختلفة، وذلك من خلال سلة إبداعات وفواكه سينمائية، رافقت الكاميرا برؤية أنثوية غاية في اللطف والأناقة واقتحام مجال كان ذكوريا بامتياز.
وعبر تاريخ السينما المغربية، تبرز في هذا الصدد السينمائية والمخرجة فريدة بلزيد التي تعتبر من الأسماء النسائية اللامعة التي ولجت هذا المجال منذ بداية الثمانيات من القرن الماضي، وذلك من خلال فيلمها الشهير(الجمرة)، الذي شكل آنذاك تجربة جريئة وهامة

وعلى مستوى التشخيص، يستحضر المتتبعون، تكريما للمرأة السينمائية المغربية في اليوم العالمي للمرأة، الأدوار الطلائعية التي قامت بها ليلى الشنا، وهي أول ممثلة مغربية، في فيلمها الناجح آنذاك، وهو بعنوان (الحياة كفاح) لمخرجيه أحمد المسناوي، ومحمد التازي بن عبد الواحد، سنة 1968، هذا فضلا عن أول مصورة سينمائية وهي نادية سعيد في فيلم المخرج محمد التازي بعنوان (أمينة) وأول كاتبة سيناريو لفيلم روائي طويل وهي حفيظة العسري، التي أبدعت في فيلم المخرج عبد الله المصباحي (أين تخبؤون الشمس)، إلى غير ذلك من التجارب السينمائية النسائية، في مجالات عدة، والتي قادت ثورة سينمائية هادئة، من أجل تأنيث الحقل السينمائي.

فيلم (يما) يكرم الأم المغربية

من جهة أخرى يستحضر المتتبعون أيضا بهذه المناسبة العديد من المخرجين، الذين كرموا المرأة، والدفاع عنها، وعن حقوقها، في أعمالهم السينمائية، مع طرح الكثير من الإشكاليات التي تعاني منها المرأة في المجتمع، ومن أبرز تلك الأفلام، نذكر على سبيل المثال الفيلم الجديد (يما) لمخرجه رشيد الوالي، وهو الفيلم، الذي يعرض حاليا في قاعة الفن السابع بالعاصمة الرباط، في أجواء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ويدافع عن كرامة المرأة المغربية. حيث يهدي الفيلم المخرج والممثل رشيد الوالي إلى جميع النساء المقهورات، اللاتي لا يستطعن الدفاع عن أنفسهم، وغير القادرات على مجاراة عنف المجتمع، ورفع أصواتهن ضد كل تمييز أو إهانة... إنه فيلم، أنتج خصيصا لتكريم أم المخرج، ومن خلال هذا التكريم، تكريم كل الأمهات وكل نساء المغرب والعالم.

وتدور أحداث الفيلم الذي صور في المغرب وفي مناطق عدة، بجزيرة كورسيكا، حول قصة عائلية، تيمتها الرئيسية المرأة، إنها في الفيلم غامضة ومسالمة، لكنها صنعت من تسلسل الأحداث، لفيفا من الرقة السينمائية التي تسللت إلى كل مشاهد الفيلم لتجعله أحد الأفلام القادرة على الاحتفاء بروح المرأة، ورقتها، وعلى أن تكون بداية موفقة لأعمال قادمة للممثل رشيد الوالي، والذي يعتبره الكثير من المتتبعين النجم السينمائي الأول.

(ماما آسية)..دفاع مستميت عن الحقوق

ومن ضمن قائمة الأفلام الوثائقية التي احتفت بالمرأة، في هذا الإطار، والتي يذكرها الجمهور جيدا، نجد فيلم" مناضلة المغرب آسية الوديع"، وهو من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج هلا مراد من سوريا، هلا مراد هذه المبدعة السينمائية تفننت في صنع الفرجة للجمهور من خلال تقديم معالجة خلاقة للواقع، لشخصية مغربية مناضلة بصمت تاريخها بالنضال، من أجل الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وبخاصة في المؤسسات السجنية.

فيلم(مناضلة المغرب آسية الوديع)، الذي تم الاحتفاء به في مناسبات عدة من أبرزها، الدورة السادسة من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة خلال شهر ديسمبر الأخير، بحضور جمهور عريض وشقيق الراحلة آسية المناضل والشاعر والسياسي صلاح الوديع، هو في المحتوى إبراز  لقدرات امرأة مغربية، راكمت تجربة كبيرة كناشطة حقوقية للدفاع عن الحق المدني والحق في الحياة، واستنطاق لتاريخ المرأة التي تنحدر من أسرة مناضلة ووطنية، منذ أيام ما أطلق عليه بـ (سنوات الرصاص) أو( سنوات الجمر)، والاعتقال السياسي، حيث كان الفيلم الوثائقي بالفعل موسوعة فنية موقعة بوثائق وشهادات وأشعار وفيديوهات، صورة سينمائية حية، لإبراز وجه المرأة المغربية، في الدفاع عن حقوق الفرد والمجتمع، وبخاصة في المؤسسات السجنية لدى الصغار والشباب.

(ماما آسية) كما يقول الناقد السينمائي الدكتور الحبيب الناصري، في قراءة للفيلم: "امرأة مغربية عربية عالمية نموذجية بكل المقاييس، جعلت من المؤسسة السجنية مجال اشتغالها ومجال الدفاع عن حقوق مسجونيها، لا سيما الصغار والشباب، واستطاعت أن تربح القضية وأن تعمل إلى جانب القصر الملكي في شخص ملك البلاد محمد السادس، حيث ساهم في تحويل السجن المغربي، من بُعده السلبي إلى بعد حقوقي وتعليمي وثقافي، أي توظيف العديد من الأسماء والتجارب الفنية والرياضية الاجتماعية وإدماجها في المؤسسة السجنية المغربية".

 (عايشة) تتحدى الاستغلال بشجاعة نادرة

ومن الأفلام المغربية الجديدة التي كرمت المرأة ودافعت عنها أيضا، نجد فيلم (إطار الليل) لمخرجته تالا حديد، والتي نالت السبت الأخير عنه الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم في دورته الـ 16، وهذا الفيلم، بالرغم من تعدد القضايا المتشعبة التي تطرحها استنادا إلى اختلاف الممثلين، وانتماءاتهم، وأعرافهم، وجذورهم، وجنسياتهم، إلا أن ما وقعت عليه المخرجة، كتيمة أساسية هو البطلة (عايشة)، الفتاة الصغيرة، الشجاعة، والمحرومة، التي عُثر عليها في إحدى غابات الأطلس بالوسط المغربي، ومحاولة بيعها في سوق النخاسة، من أجل توظيفها واستغلالها جنسيا لصالح ثري أجنبي بملغ كبير يسيل له اللعاب. لكن رغم ذلك لم يحصل شيء من هذا القبيل، الأمر الذي يفتح الفيلم على عدد من التأويلات المعرفية والاجتماعية دفاعا عن حق المرأة كأنثى في الحياة، دون المساس بكرامتها أو شرفها.

وفي هذا الإطار يمكن التأكيد، على أن فيلم (إطار الليل) الذي شكل لدى النقاد نافورة خالصة من المياه السينمائية النقية التي جرت تحت جسر رزمة من أفلام مغربية صادرة أخيرا، ولم يكن لها تأثير لدى الجمهور، شكل الحدث في أجواء الاحتفال بذكرى اليوم العالمي للمرأة، ما يجعل المخرجة ذات الجذور المغربية، تنتصر للقيم النسائية الحالمة، ولقيم الحياة والدفاع عن الأنوثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

(الشعيبية) تكريم لفنانة عبقرية

ونذكر بالمناسبة أيضا فيلم (الشعيبية) الجديد لمخرجه يوسف بريطل، الذي خرج إلى القاعات السينمائية المغربية، وشارك هو الآخر ضمن فعاليات المهرجان الوطني الـ 16 للفيلم، وفاز هو الآخر، بإحدى الجوائز، وهو فيلم أعطى للمرأة المغربية قيمتها الحقيقية ورد لها الاعتبار، وذلك من خلال الاشتغال على موضوع امرأة مغربية محافظة وبسيطة للغاية، دخلت التاريخ من  بوابة الفنون التشكيلية.

إنها الفنانة التشكيلية المغربية (الشعيبية) العصامية ابنة منطقة أشتوكة ضواحي محافظة الجديدة، والتي تعتبر من الشخصيات الفنية الشهيرة في تاريخ الفن التشكيلي المغربي، لما تميزت به الفنانة من ذكاء فني وفطرة يانعة أنتجت لوحات استثنائية أدخلتها أكبر المتاحف العالمية،  ومن أشهرها متحف اللوفر، فكانت بحق فنانة المغرب خلال القرن العشرين. وقد برع المخرج يوسف بريطل في هذا الفيلم الذي أسند بطولته إلى الممثلة السعدية ازكون، في نقل تجربة تشكيلية إلى مجال السينما، وهي مبادرة فريدة، فتحت القوس لمزيد من التشويق، وذلك من خلال المزج بين فنين قائمين تجمعهما حكمة الصورة وسحر الرؤيا وفلسفة الألوان، فكان الفيلم تجربة سينمائية وتشكيلية حافلة بالدروس والعبر لعالم تشكيلي طبع الراحلة الشعيبية بالفطرة والتميز والرقة، والتي سافرت بالمغرب، ألوانا وطبيعة وشخوصا ومخزونا فكريا وتراثيا وعادات وتقاليد نسائية، إلى أكبر المحافل الدولية.

(جوهرة بنت الحبس) و(نساء ونساء)

كما لا ننسى أفلام مغربية أخرى، وقفت وقفة احترام وتقدير للمرأة، وذلك من خلال تناول قضاياها التي تؤرقها، وبسط الزوايا الحادة التي تؤلم مقلها، ومنها فيلمين للمخرج سعد الشرايبي، ويتعلق الأمر بفيلم (جوهرة بنت الحبس) بطولة منى فتو، حيث جوهرة الابنة التي تولد في السجن، من أمها المعتقلة هي الأخرى، تحمل هموما منذ نعومة أظافرها، كاشفة في مختلف مشاهد الفيلم عن مشاهد صادمة وعوالم قاسية من واقع غياهب السجون.

أما الفيلم الثاني للشرايبي فهو(نساء ونساء)، من بطولة نسوية محضة قدمتها بشكل بارع، الممثلة المقتدرة منى فتو، ورافقتها في أحلام النساء، فاطمة خير وثريا العلوي وسليمة بنمومن. هذا الفيلم قدم فيه المخرج إسقاطات فنية وسينمائية جادة لصورة امرأة مغربية متحررة ومنفتحة على عصرها، لكن أحلام تلك الفتيات في الفيلم تجابه بالكثير من العنف والعنصرية والاستخفاف، قضايا عرف المخرج كيف يوظفها هدية للمتلقي، فنال الفيلم عنها جوائز قيمة في مهرجانات عدة، تقديرا لكشفه النقاب عما تعانيه المرأة، فضلا عن الاهتمام بها وبأحلامها وبرغبتها في الحياة بكل حرية.

خلف الأبواب والتحرش

ونستحضر أفلاما أخرى من أبرزها فيلم" خلف الأبواب الموصدة" لمخرجه محمد بنسودة، وهو الفيلم الذي يعالج قضية التحرش الجنسي للمرأة، الذي يظل من المواضيع التي يصعب الغوص فيها، في مجتمع مغربي وعربي محافظ، وذلك من خلال البطلة ذات الشخصية الكاريزمية، التي وجدت نفسها ضحية تحرش جنسي واضح ومباشر من قبل مدير شركة تعمل بها.

فيلم "زينب .. زهرة الأغمات"

وقد صنف هذا الفيلم من بين أكثر الأفلام جرأة، لصراحته وطرحه لقضايا اجتماعية راهنة تستأثر باهتمام الرأي العام ، والتي تعاني منه الكثير من الإناث. فاز هذا الفيلم خلال شهر ديسمبر الماضي بجائزة أفضل فيلم ضمن مسابقة الأفلام الدولية للمهرجان الدولي الثالث للفيلم بنيودلهي - الهند، فضلا عن فوزه بجائزة ( ريمي آوارد) الأمريكية كأول عمل سينمائي مغربي وعربي من بين 35 فيلما مشاركا.

لطفا بالنساء في الأرياف أيها السينمائيون.

عموما يمكن التأكيد على المرأة المغربية في السينما المغربية، تستحق كل تكريم والتفاتة، حيث بالمناسبة ، سينظم النادي السينمائي لسيدي عثمان بالدار البيضاء في الـ 13 من الشهر الجاري، لقاء خاصا لتكريم المخرجة فريدة بورقية، مع عرض فيلمها(زينب زهرة اغمات)، والذي يقدم لحظة استذكار سينمائية رائعة لزوجة المعتمد بن عباد دفين مدينة مراكش، وهو شاعر من ملوك الطوائف، خلال الحقبة الأندلسية الزاهرة.

كما نستحضر الدور الذي لعبته العديد من المهرجانات، التي تعطي قيمة خاصة للمرأة، لكن أبرزها يبقى المهرجان الدولي لفيلم المرأة، والذي تقيمه جمعية أبي رقراق بسلا ضواحي العاصمة الرباط، والذي أطفأ شمعته الثامنة خلال شهر ديسمبر الماضي، بتكريم نجمات سينمائيات.
ومهما قيل في هذا الإطار، تبقى السينما المغربية وثائقية أو روائية، وغيرهما، مقصرة في توظيف المرأة، وطرح قضاياها، وبخاصة على مستوى قرى وأرياف، مختلف مناطق البلاد، الأمر، الذي يستدعي من المخرجين وكتاب السيناريو والقيمين على الشأن السينمائي الالتفات إلى هذا الكائن الجميل، في تلك المناطق النائية، وطرح ما يؤرقها سينمائيا، وبخاصة أن الاشتغال على ذلك سيشكل مادة خصبة للتألق، وكشف النقاب عن معاناة مريرة لتلك الفئة المحرومة، مع الطبيعة ومع الرجل، ومع المحيط.

الجزيرة الوثائقية في

08.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)