كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«بيردمان» أزمة المبدع وهو يصارع ذاته في لحظات ما قبل الإمتحان المدمّرة

إبراهيم العريس

 

هو بالتأكيد الفيلم الذي يحلم بتحقيقه كل مخرج سينمائي، ودائماً مع بعض التنويعات أو الكثير منها. كثر حلموا به، لكن المكسيكي اليخاندرو اينياريتو حققه، وبتحقيقه حالفه أكثر من حظ: حقق إقبالاً جماهيرياً كبيراً حيثما عرض. نال ما يشبه الإجماع من جانب النقاد الكبار والجادين في العالم. تجاذبته المهرجانات. فاز بأوسكار أفضل فيلم للعام 2015. وحجز لنفسه مكاناً أساسياً في تاريخ التجديد في اللغة السينمائية ضامناً بهذا لنفسه أن يقلَّد في أفلام مقبلة لآخرين. للوهلة الأولى سنبدو جزئياً وكأننا نتحدث عن فيلم سابق للمخرج نفسه هو «بابل»... لكننا في الحقيقة، وكما يعرف الهواة المتابعون، نتحدث عن فيلمه الجديد «بيردمان»... فإينياريتو بات منذ زمن يحقق حدثاً سينمائياً كبيراً في كلّ مرة ينجز فيها فيلماً جديداً... لكنه هذه المرة زاد من الجرعة كما يبدو، ولو على صعيد التجديد الشكلي، الذي من بعض الوجوه لن يكون من السهل اعتباره تجديداً خالصاً. فمنذ ألفريد هيتشكوك وفيلمه البديع «الحبل» في سنوات الأربعين لم يتوقف السينمائيون عن التنطح لتحقيق فيلم من دون توليف لاحق. أو بالأحرى فيلم يتألف من لقطة واحدة. أو بالأحرى يبدو انه يتألف من هذه اللقطة. ويمكننا القول ان الروسي الكساندر سوكوروف أوصل هذا الأسلوب الى ذروته في تحفة سابقة له هي «السفينة الروسية» حيث صوّر في متحف الإيرميتاج وفي ما يبدو انه لقطة واحدة، تاريخاً ما للعالم وللفن ولروسيا وما الى ذلك.

المعركة الأصعب

في الحقيقة ان طموح اينياريتو الفني والفكري لم يكن على هذا الإتساع. كان أكثر تواضعاً: أراد ان يصور معاناة فنان خلال الأيام القليلة التي تسبق تقديمه الأول لعرض مسرحي مقتبس عن قصة قصيرة لرايموند كارفر بعنوان «عمّاذا ترانا نتكلم حين نتكلم عن الحب». إنه هو مقتبس العمل ومخرجه وممثله الأول. وهو ايضاً التوّاق لأن يكون هذا العمل نوعاً من الثأر عن إخفاقاته في الحياة هو الذي كان عرف بعض المجد الهوليوودي الكبير قبل عقدين حين مثل دور الرجل الطائر «بيردمان» في سلسلة أفلام ضخمة ضمنت له نجومية جماهيرية قبل ان يضع حداً لذلك برفضه العمل في جزء رابع. اليوم ها هو يخوض المسرح ضد السينما او بالأحرى نيويورك – برودواي – ضد هوليوود، المجد ضد المال، النخبوية ضد الجماهيرية في اختصار الطموح الفني ضد الإبتذال التجاري. لكنه في الوقت نفسه يخوض معركته ضد شياطينه الخاصة متأرجحاً بين زوجة تركها وابنة عادت تعمل معه مساعدة وهي تحاول الشفاء من إدمان المخدرات، وعشيقة تخبره أنها حامل... كل هذه المعارك يخوضها ريغان (يقوم بالدور مايكل كوتون الذي سبق له في الواقع ان لعب دور باتمان في غير فيلم هوليوودي ما يجعل الدور الجديد ملتصقاً به الى حد بعيد ويعطيه مجالاً للثأر الشخصي من هوليوود) خلال ايام قليلة ليست محددة في الفيلم بقدر ما يبدو المكان محدداً: إنه مسرح سانت جيمس العريق وبعض الأزقة المجاورة له والفضاء النيويوركي الي يظللهما والذي سيطير فيه ريغان بشكل رمزي يكشف له قدرات استثنائية كمبدع يمكنه في احيان اخرى ان يتحكم بالأشياء من حوله يرفعها عن الأرض بإشارة من يده، أو يدمرها بأخرى...

في ذلك المكان إذاً حرك اينياريتو موضوعه الفني هذا – الى حد ما على شاكلة تحريك زميله دارن اروفنسكي قبل سنوات لموضوع مشابه في فيلمه البديع «البجعة السوداء». أو من ناحية أخرى كما حرك جون كازافيتس قبل عقود موضوع فيلمه الأخير «ليلة الإفتتاح» – ونحن لئن كنا نذكر هذين الفيلمين هنا فإنما لكي نشير بوضوح الى قاسمين مشتركين بينهما وبين «بيردمان»: الأول حكاية القلق الذي يعتري الفنان عشية افتتاح عمل جديد له وما يؤدي اليه هذا القلق من مآسٍ احياناً، والثاني وجود القرين في الأفلام الثلاثة معاً. حيث ان كل فيلم اختار ان تحاسب الشخصية الرئيسة فيه نفسها من طريق -وبصوت وصورة- أنا/آخر يكون هو الطريق الى الشروع في ذلك الدمار الذلتي الذي إن كانت جينا رولاندز قد نجت منه في فيلم كازافيتس كما سيفعل ريغان في «بيردمان»، فإن ناتالي بورتمان كانت أقل حظاً منهما في «البجعة السوداء». ريغان الذي يهمنا هنا سينجو في نهاية الأمر وينجح ويتصالح مع عالمه القريب حتى وإن كانت اللقطة الأخيرة من الفيلم وعلى رغم ابتسامة ابنته في غرفته في المستشفى، تبدو ملتبسة ومفتوحة على كل الإحتمالات بما في ذلك الاحتمال الأسوأ... والحقيقة ان «قرين» ريغان هو الأقسى والأشد فتكاً بين أعدائه. ومن هنا فإن صراعه معه – أي مع ذاته – هو الصراع الأشرس الذي يخوضه. أمامه تبدو هينة عتابات زوجته السابقة واتهامات ابنته وأكاذيب عشيقته ومحاولات صديقه ومحاميه لتدبير فلوس الإنتاج. بل سيبدو هيّناً الى حدود العادية، حتى، شعوره بمنافسة مايك صاحب الدور الثاني في المسرحية له (ويقوم بالدور بشكل رائع وشديد الذاتية ايضاً ادوارد نورتون الذي يبدو الدور يشبهه اكثر من اي دور آخر لعبه في أيّ من أفلامه السابقة).

توليف ما قبل التصوير

على رغم أن هذا الموضوع يبدو في حد ذاته قوياً من الناحية الفكرية والسينمائية ومغرياً لأي مبدع، من اللافت هنا ان اينياريتو لم يختر السهولة لتحقيقه بموازنة كانت شديدة الضآلة في المقاييس الأميركية (16 مليون دولار). ونقول هذا في عودة منا الى الشكل الفني الذي اختاره للفيلم منذ البداية: ان يحققه في لقطة «واحدة» تتبع خلالها الكاميرا الشخصيات، ولا سيما ريغان، داخل المسرح ودهاليزه واروقته بشكل متواصل لا يهدأ ما يجعل الفيلم منذ البداية فيلم سيناريو أكثر مما هو فيلم توليف... ويجعل اينياريتو محقاً حين يقول ان التدريبات المسبقة على اداء المواقف كانت ضرورية لأن أي خلل – كان يمكن ان يترك للتوليف في حالات اقل تركيبية – كان غير مسموح هنا لأنه يوجب اعادة تصوير مشاهد بأكملها.

وفي هذا يبدو «بيردمان» على تناقض تام مع فيلمين كبيرين على الأقل من أفلام اينياريتو السابقة «21 غراماً» و «بابل» حيث كان امام المخرج عوالم متشعبة وبلدان وقارات متعددة يحرك فيلمه وتوليفه بينها. هنا حدّد إطار تحركه في هذا العالم الصغير منذ البداية ما افترض التزاماً بالحيز المكاني فرضه كذلك اسلوب «اللقطة الواحدة» القائمة على فكرة «المشاهد الرئيسية» حيث وزعت الأحداث والمواقف، تبعاً لمكان حدوثها، وأحياناً لزمانه تبعاً لتحرك ريغان أو بعض الآخرين. أما الإيقاع الذي كان لا بد منه لتتبع تطورات الحالة النفسية لريغان على وجه الخصوص فقد تأمن من طريق الموسيقى التي استخدمت ضمن اطار بعدين: بعد الموسيقى الكلاسيكية من ناحية حيث استعان المخرج بآدادجيو من تشايكوفسكي احياناً وبآخر من مواطن هذا الأخير رخمامينوف في أحيان أخرى. غير ان استخدام هذه الموسيقى الكلاسيكية يبدو بسيطاً بل عادياً مقارنة بالإيقاع النفسي والحدثي الذي امنه عزف مرتجل على الطبول قام به أنطونيو سانشيز وهو واحد من اشهر عازفي الدرامز في المكسيك وصديق لإينياريتو حضر بنفسه وطبوله في بعض المشاهد الأساسية في الفيلم، وعرف كيف يوصل الإحساس بأزمة ريغان الى ذروة يصعب القول انها وجدت من طريق الموسيقى الإيقاعية في السينما من قبل، إذا استثنينا مثلاً العزف الموقّع على الآلة الكاتبة كعنصر درامي في فيلم «التكفير» لجو رايت قبل سنوات.

هنا في فيلم «بيردمان» حلّ ايقاع الطبول الحاشد محل المونتاج الذي لم يتمكن اينياريتو من ضبط الإيقاع الفيلمي عبره لأسباب اشرنا اليها اعلاه. فأتت الموسيقى تجديدية بشكل مبهر لا شك انه سوف يشكل بدوره مدرسة في الشكل والتشكيل السينمائيين. والحال ان هذا كله قد أُخذ في الحسبان في ردود الفعل النقدية التي حظي بها هذا الفيلم، وكذلك من قبل كل اولئك الذين صوتوا له في الأوسكارات التي بدا مستحقاً لها كأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو كتب خصيصاً للسينما وأخيراً أفضل تصوير، الجائزة التي نالها مصوّره إيمانويل لوبتسكي الذي من الواضح ان جزءاً كبيراً من نجاح الفيلم يعود الى قدرة كاميراه وإضاءته على متابعة شخصيات الفيلم في ذلك الحيز الضيق والذي راح يزداد ضيقاً تبعاً لتوتر ريغان حيث راح المخرج يبني ديكورات ضيقة للتعبير عن حركة متابة للشخصيات بدلاً من تحرك سابق للكاميرا في ارجاء كواليس المسرح، ثم الإنفتاح على ريغان وهو يحلق وحيداً كطائر منفرد في السماء النيويوركية في هذا العمل الذي يمكن اخيراً ان نقول عنه، كما نقول عن كل عمل فني مجدد، ان السينما لن تكون من بعده كما كانت من قبله. وفي يقيننا ان هذه أكبر تحية يمكن ان تُقدّم الى عمل فني.

سيغورني ويفر: هوليوود متخلّفة ... نسائياً

باريس - نبيل مسعد

تعــــود شهرة سيغــــورني ويفر إلى بداية ثمانينــــات القرن العشرين عنــدما اكتشفها السينمائي ريدلي سكوت ومنحها أجمل دور تحلم به أي ممثلة في فيلـــمه الناجح «آليان»، حيث ظهرت للمرة الأولى على الشاشة في شخصية امــــرأة تتصـــرف مثـــل أكبر أبطال الشاشة من الرجال أرباب العضلات البارزة، وتكافح كائــنات الفضاء الشرسة بذكائها وأيضاً بقوتها الجسمانية وأسلحتها الحديثــة الفعالة. وساهم الفيلم في تسلق ويفر سلم الشهرة وإثبات موهبتها القوية فوق الشاشة الكبيرة ثم في المسرح، وبإدارة أفضل المخرجين، ومنهم مايك نيكولز وإيفان ريتمان وودي آلن وبيتر وير وويليام فريدكين ورومان بولانسكي.

وعرفت ويفر كيف تنوع أدوارها خلال مسيرتها السينمائية وتتفادى فخ التخصص في لون المغامرات الذي فتح لها ذراعيه من خلال «آليان». وهكذا مثلت الأميركية الفارعة الطول (180 سنتيمتراً) في أفلام كوميدية، مثل «فتاة عاملة» مع هاريسون فورد، و«ديف» مع كيفن كلاين، و«مطاردو الأشباح» مع بيل موراى، ودرامية مثل «غوريلا في الضباب»، و«شارع هاف مون» مع مايكل كين، وبوليسية مثل «الموت والفتاة» مع بين كينغسلي، و«كوبيكات» مع هولي هانتر، وعنيفة مثل «عام الأخطار» مع ميل غيبسون، هذا غير الأجزاء الأربعة من سلسلة «آليان» المذكورة.

حضرت ويفر إلى باريس للترويج لآخر أفلامها «تشابي» الذي تتقاسم بطولته مع النجم هيو جاكمان (وولفرين في سسلسة أفلام «إكس مين») والممثل الهندي الجذور ديف باتيل (بطل فيلم «سلامدوغ مليونير» وخطيب النجمة الهندية أيضاً فريدا بينتو) ومن إخراج الجنوب أفريقي نيل بلومكامب. وفي هذه المناسبة التقتها «الحياة» وحاورتها:

·        حدثينا عن فيلمك الجديد «تشابي».

- تدور أحداث «تشابي» في مستقبل قريب، فقد وجدت الحكومات في الغرب وسيلة لتصنيع كائنات اصطناعية (روبوت) ذكية تحل مكان السلطات الأمنية للقبض على المجرمين أو قتلهم بحسب الحالة. وبما أنها آلات فهي مهما بدت ذكية لا تسأل نفسها عن مدى صحة أو خطأ ما تفعله، بل تنفذ الأوامر النابعة من عقلها المبرمج من قبل الإنسان أساساً. ويرتكب بعض هذه الآلات مجموعة من الأخطاء الجسيمة، ما يدفع الحكومة الأميركية الى اللجوء إلى عالم ابتكر آلة أضخم وأذكى من الآلات الأخرى، إلا أنه لم يستطع في الماضي إقناع المسؤولين باستخدامها لأنها بدت خطيرة إلى حد ما. ويبدأ هنا الصراع بين الخير والشر، أي الروبوت التقليدي بعيوبه لكن أيضاً مزاياه، والجديد الذي لا يرحم ويقضي وقته في سفك الدماء.

·        وماذا عن شخصيتك في الفيلم؟

- أؤدي دور رئيسة جهاز الاستخبارات الممزق بين الأوامر التي تتلقاها من رئاسة الدولة وضميرها الذي يفرض عليها العكس تماماً.

·        لا يتضمن الفيلم سوى امرأتين، أنا والثانية التي هي من أفراد المقاومة ضد الروبوت الضخم، بينما الشخصيات الرجالية كثيرة. فما سبب هذه النقطة في السيناريو وفق معرفتك؟

-السبب هو أن أصحاب القرار في شركات الإنتاج، كالعادة، يفضلون منح الرجال الأدوار الرئيسة والكبيرة في أفلام المغامرت، لا أكثر ولا أقل، فالرجل لا يزال يحتكر بطولة هذا اللون السينمائي.

·        هل تنظرين إلى السينما الأميركية على أساس أنها متطورة أكثر، أو على عكس ذلك أن التطور ينقصها من ناحية الأدوار النسائية، بالمقارنة مع سينما البلدان الأخرى؟

-أنا متأكدة من أن هوليوود متأخرة جداً من هذه الناحية، وألاحظ ذلك كلما ترددت إلى صالات السينما لمشاهدة الأفلام الأوروبية، من فرنسية وبريطانية ودنماركية وألمانية مثلاً، أو الأفلام الآسيوية من صينية ويابانية وتايوانية، أو العربية من مغربية ومصرية ولبنانية. أنا أسافر كثيراً، وأحضر المهرجانات السينمائية في كل مكان، الأمر الذي يسمح لي بمتابعة أحدث ما يتم إنجازه هنا وهناك، وصدقني إذا قلت لك إن المرأة موجودة في الأعمال السينمائية مثلما هي موجودة في المجتمعات، أي شابة وناضجة وعجوز ومراهقة، وإن الممثلات الناضجات يعثرن على أدوار في قمة الجمال، على عكس ما هو جار في الولايات المتحدة، أو على الأقل في هوليوود. بينما نجد هناك ما يسمى بالسينما الأميركية المستقلة، والمقصود بهذه التسمية الأفلام التي تنتج خارج نطاق الشركات الضخمة، ونعثر فيها على عقلية تختلف كلياً عن تلك السائدة في هوليوود، بمعنى أن العنصر الفني يطغى على الناحية التجارية البحتة، والشخصيات النسائية موجودة في الأفلام بشكل أكثر جدية وأقل كاريكاتيرية عما هو متوافر في أفلام عاصمة السينما. وللعودة إلى السينما الدولية غير الأميركية، أنا أتذكر ممثلة تركية متقدمة في العمر، رأيتها في أحد أفلام مهرجان «كان» قبل بضع سنوات وبقيت في ذاكرتي، ووجدتها في قمة الجمال والصدق أمام الكاميرا، إلى درجة تتجاوز مستوى جاذبية النجمات الشابات، بدليل أن الجمال لا يتحدد طبقاً للعمر وحسب. وأكرر أن السينما الهوليوودية متأخرة بالنسبة الى غيرها في شأن أدوارها النسائية. وقد دلت نتائج جوائز الأوسكار الأخيرة على مدى ثراء غير السينما الشمال- أميركية بالأدوار النسائية الرائعة.

جاذبيتي كامرأة

·        كيف تعيشين نجاحك المبني على سلسلة أفلام «آليان» المنتمية إلى لون المغامرات والمخصصة عادة للرجال؟

- إنني سعيدة بالشعبية التي نالتها والتي لا تزال تنالها أفلام «آليان» ولو أن الشخصية التي أمثلــها فيها تجردني بعض الشيء من أنوثتي وتضطرني إلى التخلص مـن شعري واتخاذ مظهر الراحل يول برينر. أعتبر نفسي محظوظة لأنني انتهزت فرصة رواج «آليان» كي أكوّن لنفسي سمعة كممثلة تصلح لأدوار المغامرات، وفرضت اسمي وطولي على مخرجين اقتنعوا في النهاية بصلاحيتي لأداء هذا اللون أيضاً. وأحاول دائماً في أدواري الخارجة عن إطار «آليان»، أن أبرز جاذبيتي كامرأة، حتى لا يعتقدني المتفرج عبارة عن «شوارزينيغر» نسائية وحسب.

·        أنت فارعة الطول ورياضية في تكوينك الجسماني، فهل لعب مظهرك دوره في حصولك على بطولة سلسلة أفلام «آليان»؟

- نعم ولا، لأنني خارج الدور لا أشبه هذه المرأة، والذي حدث هو تقمصي شخصيتها في أدق التفاصيل وقيامي بدرس حركاتها وطريقتها في الكلام وتعبيراتها كلما واجهت الوحش، وكل ذلك أثناء الاختبار الذي سبق حصولي على الدور الخاص بالفيلم الأول من السلسلة. واستخدمت مظهري الرياضي نوعاً ما لإضافة بعض الصدق إلى المشاهد العنيفة، لكنني أظل ممثلة تؤدي دور امرأة خارقة للعادة، وعلى أي حال فأنا لست بطلة رياضية عثرت على فرصة للعمل في السينما، ولكن ممثلة متكاملة.

الدهشة ثم الجائزة

·        يقال عموماً إن اللون السينمائي الكوميدي نادراً ما يفوز بجوائز لأن أهل المهنة لا يمنحونه الجدية اللازمة ويفضلون عليه الدراما، وها أنت قد حصلت على جائزة «غولدن غلوب» عن دورك في فيلم فكاهي هو «فتاة عاملة»، فكيف تحللين الموقف؟

- صحيح إن الكوميديا نادراً ما تحصد الجوائز، على رغم كونها أصعب في التنفيذ من الدراما، لكن الأمور تغيرت إلى حد ما في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ نهاية القرن العشرين، وهذا شيء جيد. وفي ما يخصني أحلل فوزي بالجائزة بكوني قد أدهشت الجمهور وأهل المهنة والصحافة، فلم يعرفني الناس ممثلة قادرة على الإضحاك، وذلك خصوصاً بسبب «آليان»، وبالتالي أدت الدهشة إلى الجائزة.

·        أين تعلمت الدراما أساساً؟

-لقد نشأت في نيويورك، في إطار عائلة تضم العديد من الفنانين، لا سيما أبي وأمي، وبالتالي انغمست في الوسط المسرحي منذ سن الصبا وتعلمت الفنون المسرحية في جامعة ستانفورد ثم في مدرسة «ييل» المعروفة.

·        أنت عملت في فيلم فرنسي عنوانه «امرأة أو امرأتان» إلى جوار النجم جيرار دوبارديو، فما ذكرياتك عن هذه التجربة؟ وهل تحبين السينما الفرنسية؟

- أنا خبيرة في تاريخ السينما الفرنسية وشعرت بفرح كبير عندما مُنحتُ فرصة مشاركة جيرار دوبارديو بطولة فيلم يصور في باريس، وأيضاً في الريف الفرنسي. وبالتالي كانت خيبة الأمل أشد عندما اكتشفت مدى ضعف المخرج دانيال فيني في إدارة ممثليه وفي السيطرة على العمل، وسرعان ما أدركت إن النتيجة النهائية ستكون كارثة حقيقية، وهذا ما حدث، ما لا يعني أنني غاضبة ضد السينما الفرنسية كلها، لكنني سأتعمق أكثر في تحليل السيناريوات التي قد تصلني من باريس في المستقبل.

·        وما هو مشروعك الآني؟

-المشاركة في الجزء الخامس من «آليان» الذي سيخرجه نيل بلومكامب نفسه، مخرج «تشابي»، وفيه سأستعيد شخصية ريبلي قاهرة الكائنات الوحشية، وذلك بعد مرور 37 سنة على ظهور الجزء الأول منه في العام 1978.

فيلم سيرة عادي من المُخرج الغرائبي

أمستردام - محمد موسى

ركز كثير من المُتابعات الصحافية التي رافقت عرض جديد المُخرج الأميركي المعروف تيم برتون «عيون كبيرة»، على التحوّل الفارق الذي يمثله هذا الفيلم في مسيرة المُخرج السينمائية. رغم إن الفيلم الأخير هذا، ليس الأول لتيم برتون الذي يستند إلى قصة حقيقية، فهو قدم في عام 1994 فيلم «إيد وود» عن حياة مخرج الخيال العلمي الأميركي الفاشل إدوارد ديفيس «إد وود». لكن ما يميز «عيون كبيرة» عن الفيلم الآخر، هو إخلاصه الذي لا جدال فيه للنوع السينمائي الذي يُصنف تحته، ومحافظته الشكلية النسبيّة التي فرضتها المُعالجة التقليدية، وهو الأمر الذي طالما حاول المُخرج الشديد الخصوصية مُراوغته والتمصل من أسره في أعماله السابقة. رغم ذلك، لا يبدو الفيلم الأخير مُنفصلاً تماماً عن روح سينما تيم برتون الغرائبية، فهناك الاختيار المقصود للموضوع، الذي وقع على قصة غريبة في مواضع وسوداوية في مواقع إخرى، تحفل بمشهديات، بعضها له صدى في سينما المُخرج الخاصة.

همّ معاصر

ولعل التفصيلة الأبرز في فيلم «عيون كبيرة» (يُعرض حالياً في عدد من الصالات الأوروبية)، والتي لم يَمُرّ عليها المُخرج أبداً في أفلامه السابقة، هي تناوله لقصة بهَمّ اِجتماعيّ مُعاصر. وإبراز هذا «الهَمّ» كمُحرك أساسي ومُحسوس للدراما. هذا رغم إن المُخرج حاول أن يحصره في سياق زمني مُنْتَهٍ، فاختار أن يبدأ الفيلم بصوت المُعلق، الشائع في الأفلام الهوليوودية من النصـــف الأول من القرن الماضي، ليستهل به تقديم قصة الفنانة التشكيلية الأميركية مارغريت كين من عقد الخمسينات، وكيف أرغمت حينها على التخلي عن توقيع اسمها على لوحاتها كفنانة لها أسلوب خاص، (بسبب المحيط العدائي او غير المرحب بالفنانات والنساء العاملات بالمطلق في ذلك الزمان) لزوجها، الفنان الفاشــل والحســود، والذي تحول لوجه تلك الأعمال وصاحبها. والذي أستمر يستفيد من ذلك الوضع سنوات طويلة، قبل أن تثور الفنانة على ظلم الزوج والمجتمع، في بداية عقد السبعينات.

يبدو الفيلم في جزء كبير منه، وكأنه ساحة صراع بين تيم برتون، المُخرج والفنان التشكيلي صاحب الرؤية الخاصة والمُنفلت بالعادة من أي قواعد، وتيم برتون المُخرج الذي يعمل وفق نظام الإستديو الهوليوودي، والذي رغب هنا، ولأسباب غير واضحة، في أن يكون أميناً للقصة الحقيقية التي يستند إليها بحذافيرها ويُقدمها في فيلم سيرة عادية. أربك هذا النزاع روح الفيلم ونزع عنه أي حِدة مفترضة. فجاءت المشاهد الافتتاحية الأولى منه رتيبة ونمطية بتسلسلها الزمني ولغتها السينمائية وإشاراتها البديهية. حاول المُخرج أن يفلت أحياناً الى منطقته الأثيرة، أي التجريب في الشكل وتثويره ودمغه بإسلوب المُخرج الفريد. سيسهل مسعى المُخرج، الإسلوب الفنيّ الخاص الذي طبع أعمال مارغريت كين، برسمها أطفالاً بعيون مُبالغ في كبرها، وما تضيفه تلك الأعمال من غرابة شكليّة. كما إن المُخرج الذي لم يقدم من قبل فيلماً يتناول زمناً واضحاً، ناهيك عن زمن مُعاصر، سيجد في حقبة الخمسينات والستينات الفرصة لمغامرات جديدة على صعيد الصور المُقدمة، جنح بعضها الى المُبالغات، وإلى حدود «الكيتش»، والتي طالما شكلت جزءاً أساسياً من مشهديات المُخرج.

يُمكن استخدام تعبير «الصراع» نفسه، لوصف أَدَاء بطلي الفيلم: آيمي آدامز وكريستوف والتز. فالممثلة التي رشحت عن الدور لجائزة الأوسكار في فئة أفضل إداء رئيسي، كانت تسحب الشخصية إلى زمن ملموس مُعاصر بمرجعياته وضيقه وألمه. وبخاصة في المشاهد المؤثرة التي كانت تظهرها وهي تكتم بصمت غضبها وحزنها وخيبتها، في حين بدا إداء كريستوف والتز المُغلف بالكوميديا الغرائبية العائمة والمبالغة، أقرب الى عوالم تيم بيرون. الإداءان الآتيان من موضعين نفسيين ودراميين مُختلفين، سيربكا إيقاع الفيلم، كما إنهما تركا المشاهد مع أسئلة عديدة عن الشخصتين الحقيقيتين، وإذا كان الفيلم او الأداء قد أبرزا بحق الوقائع كما حدثت والحالة النفسية للشخصيتين الحقيقيتين، فإن هناك تفاصيل ارتأى الفيلم إن يبقيها من دون معالجة، او عجز عن توظيفها ضمن بنيته المُحافظة.

حرية مبدع

لطالما تمتع تيم برتون بحرية غير مسبوقة ضمن نظام الإستديو السينمائي في هوليوود. فعاصمة السينما بدت مسحورة بالشكل البصري الجديد الذي قدمه المُخرج منذ بداياته، بل هي ائتمنته على اثنتين من أثمن سلاسلها (أخرج جزءين من «باتمان» وجزءاً من «كوكب القرود»).

اعتاد المُخرج أن يأخذ النوع السينمائي المألوف ويمرره ضمن مخبر الفنان الذي درس الفن التشكيلي في لوس أنجلس، ليخرج بخصائص فريدة، شكليّة طاغية في الغالب، وعالم واسع من الإشارات، مع اهتمام لافت بالمهمشين وغير المنتمين إلى المجتمع. ركزّ المُخرج أيضاً على تيمة الموت، وما بعده، والأخيرة بدت كجزء من اهتمامه بالجانب المُعتم المُخيف من الوجود البشري. أما ما يلفت الانتباه حقاً في فيلم «عيون كبيرة»، فهو إن المُخرج الذي تخلى فيه عن سمات سينماه المعروفة، انتهى بعمل من دون أي شبهات، مقترباً كثيراً مما اعتادت هوليوود على تقديمه من أفلام السيرة الذاتية، بالمساحات الزمنية المحدودة التي تصل اليها والمحافظة الأخلاقية الضمنية. بهذا يميل المُخرج، الذي كان عصياً على التصنيف، أخيراً الى جانب السينما الهوليوودية، وبعيداً من السينما الأوروبية مثلاً، والتي بدا في كثير من أعماله، وبخاصة التحريكية إنه أقرب الى روحها.

«تمبكتو» فيلم سيساكو الموريتاني لمواجهة التطرف

مونتريال - «الحياة»

للمرة الأولى تعرض الصالات السينمائية في مونتريال الكندية فيلماً موريتانياً في عروض تجارية. لكنه بالتأكيد ليس أي فيلم كان، بل هو شريط المخرج عبدالرحمن سيساكو «تمبكتو» الذي كان مرشحاً في تنافس مع خمسة أفلام عالمية للفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي قبل أيام. صحيح أنه لم يفز لكن سمعته العالمية تزايدت وخاصة بعد أن علت أصوات تحتج على عدم فوزه. ونعرف أن العروض الأولى للفيلم كانت قبل شهور في مهرجان «كان» ولم يتوقف بعدها عن زيارة أبرز المهرجانات السينمائية العالمية، مؤمّناً لمخرجه مكانة ستوصله بعد أسابيع إلى ترؤس لجنة التحكيم في الدورة المقبلة لمهرجان كان.

الفيلم مستوحى من قصة واقعية جرت في مدينة تمبكتو في مالي عام 2012 حدثت فيها عملية رجم ذهب ضحيتها زوجان على يد جماعة «أنصار الدين» وهي إحدى الخلايا التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. واستغرق إعداد الفيلم وتصويره وإنتاجه نحو أربعة أعوام تزامنت مع الحملة الدولية لمطاردة المتشددين الإسلاميين في مالي.

كل شيء ممنوع

تشير وقائع الفيلم إلى أن مدينة تمبكتو وقعت تحت سيطرة المتشددين الإسلاميين ووطأة أحكامهم وقوانينهم التي تتضمن لائحة من المحظورات «الدينية». ويتولى تعميمها أحد المكلفين بها، فيجول في الشوارع محذراً من تعاطي الكحول وعزف الموسيقى والغناء وممارسة الرياضة وغيرها من المسائل المتعلقة بالمرأة والزواج.

وعلى قساوة هذه الأحكام التي تعاقب بالقتل أو الرجم، إلا أن سكان تمبكتو كانوا يواجهونها بمقاومة أحياناً صامتة وأحياناً بشجاعة وجرأة. ومن الواضح أن الفيلم قد رسخ فكرة المقاومة وشدد عليها في أكثر من مشهد. فمربي المواشي كيدان (ابراهيم أحمد) يعيش مع زوجته ساتيما (تولو كيكي) وابنته بسلام وأمان، لا يعكر صفو حياتهم في البداية سوى قيام صياد بقتل بقرة كيدان التي هي مصدر رزقه. فينفجر خلاف بين الرجلين ينتهي بمقتل الصياد عن غير عمد. ويعرض كيدان أمام المحكمة الإسلامية التي تقرر إنزال عقوبة الموت به ما لم تعف عنه أسرة القتيل.

أما بائعة السمك (سعدة) فنراها وقد رفضت الانصياع للآمر بالنهي والمعروف حين طلب إليها أن تغطي يديها، انطلاقاً ربما لأن أعراف قبائل الطوارق التي تنتمي إليها تفرض عليها الدفاع عن النفس وعدم الخضوع للتهديد. في الوقت نفسه هناك مباراة لكرة القدم يعمد الجهاديون إلى منع إقامتها، فيعمد شباب تمبكتو إلى اتباع طريقة طريفة ليتمكنوا من التخلص من أحكام هؤلاء المتطرفين إذ قاموا باستئناف المباراة وعلى مرأى من هؤلاء، إنما مستخدمين كرة افتراضية.

وتتوالى مشاهد التحديات كحال مغنية تتعرض للتعذيب لكنها تستمر في الغناء مع كل جلدة إلى أن تخور قواها وترتمي أرضاً فتترك أخيراً لشأنها. أو كحال إمام جامع يمثل الاعتدال الإسلامي وهو يجري حواراً مع بعض أعضاء القاعدة قائلاً لهم: «من أرسلكم لتصدروا أحكامكم، وتحرّموا كل شيء؟». فينصرفون عنه مذكرينه بالتزام الصمت والطاعة.

هذه المواقف المعترضة تمثل جوانب هامة من حياة السعادة والحرية التي كان يعيشها سكان تمبكتو في ظل تلك الديكتاتورية الدينية. كما تشير إلى لائحة اتهام أعدوها بجرأة وعقلانية وذكاء ضد الأصولية المتطرفة. وهي مواقف تثير الأمل وتؤسس لثقافة المقاومة السلمية التي تنتصر فيها الحرية على الطغيان. وتؤشر أيضاً إلى شجاعة المخرج وأبطاله الذين تبنوا فكرة المقاومة مقابل استعمال العنف والسلاح والساطور والفتاوى المنافية لتعاليم الإسلام السمحاء والأعراف الأفريقية والإنسانية.

رسالة ونقد

ولمناسبة التصريحات التي أدلى بها لمناسبة عرض الفيلم لم يخفِ عبدالرحمن سيساكو قلقه من حال تردي السينما في العالم العربي والدول الأفريقية التي تمر بظروف إنتاجية غاية في الصعوبة، ملمحاً إلى ضرورة دعوة صناع السينما إلى تكثيف الأفلام التي تدين الإرهاب من جهة وتدعو للتسامح والاعتدال والحوار من جهة أخرى.

أما الفيلم نفسه فقد حظي إجمالاً بإعجاب جمهور الناقدين الكنديين. حيث ثمة من رأى فيه شاهداً حياً ووثيقة دامغة على جرائم الإسلاميين المتطرفين إبان حكمهم لمدينة تبمكتو. ومنهم من اعتبره عملاً ناجحاً يعبر عن تطلع السينما الأفريقية إلى أخذ مكانها على المستوى الدولي لا سيما بعد نيله مؤخراً جائزة سيزار الفرنسية وجائزة أفضل مخرج.

«أسوار القمر» المرأة ما زالت قادرة على إثارة الحروب

القاهرة - أحمد مجدي همام

على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وجه كاتب السيناريو محمد حفظي شكراً لمجموعة من الكتّاب والروائيين لمناسبة مساهمتهم في كتابة فيلم «أسوار القمر»، على رأسهم السيناريست تامر حبيب والروائي محمد علاء الدين. حفظي قال أنه وعناصر فريقه قاموا بكتابة السيناريو في أربع وعشرين مسودة خلال ثلاث سنوات، وربما بسبب هذا التجهيز المتأني والجماعي، خرج فيلم «أسوار القمر» بتلك الصورة المتكاملة.

الفيلم الذي أنتجه وليد صبري وأخرجه طارق العريان، وقام بأدوار البطولة فيه عمرو سعد، آسر ياسين ومنى زكي، يعتمد على تقنيات كتابية وإخراجية عدة، ساهمت في أن يحظى العمل بهذا التماسك الفني والمنطق الداخلي المحكم.

تبدأ الأحداث من الذروة، لحظة مطاردة وصراع بين رجلين هما رشيد (عمرو سعد) وأحمد (آسر ياسين) بسبب فتاة هي زينة (منى زكي)، ويتمكن أحمد من أن يضرب رشيد حتى يفقده وعيه ومن ثم يأخذ زينة، العمياء، والمصابة بفقدان ذاكرة موقت ليهرب بها، إلا أن الآخر، رشيد، يقوم بتعقبهما طوال الفيلم، لاستعادتها.

وزينة هي الأخرى بين عماها وانعدام الماضي بسبب فقدانها الموقت للذاكرة، تبدو في حيرة شديدة، فهي لا تعرف إلا أنها مع شخص لا تتذكره، وتتعرض للمطاردة من شخص آخر لا تتذكره، وبما أن زينة هي مدخل العمل، ومربط تعاطف الجمهور، أو خط المواجهة بين الطرفين المتصارعين، ينجح فريق العمل في تكميم معرفة المتفرج، وتضبيب الرؤية، وترك المشاهد معلقاً بين الطرفين المتنازعين.

الحب أم الزواج؟

هنا، سيقول لنا الفيلم أن زينة تعرفت إلى أحمد، المهندس الناجح الهادئ، أحبته، أو يبدو أنها أحبته واتفقت معه على الزواج، إلا أنها، كانت تعاني داخلياً من تشوش في الرؤية، يجعلها غير قادرة على حسم موقفها منه، هل تحبه؟ أم تراه مناسباً للزواج فقط؟ بعد فاصل من التردد تحدث القطيعة بين الاثنين، ومن ثم تتعرف زينة إلى رشيد، المتهور الجامح، عاشق البحر، والمخدرات، وحياة البورتو الساحلية المزدانة بالخمور وحفلات الشاطئ والفتيات الشقراوات، وهو الأمر الذي يبهر زينة، وبالتالي تقرر اقتحام حياة الأخير، والاقتراب من نمط العيش المنفلت والمزاجي. تترسخ الصداقة بينهما، وسريعاً تتحول إلى حب، فزواج.

بعد الزواج تكتشف زينة حقيقة زوجها، المستبد والديكتاتوري، القوي من الخارج والأجوف من الداخل، والذي لا يكف عن ضربها والسيطرة عليها، حتى تتحول إلى حيوانه الأليف، حيث يجرها وراءه في كل مكان، حتى عندما يذهب ليباشر عمله في الغطس، يصطحبها معه. رشيد شخصية تملكيّة تدمن أي شيء: نمط حياة معين، مخدرات، أو حتى زينة الجميلة والمستكينة.

لذلك، تحاول زينة أكثر من مرة أن تترك رشيد وترحل، إلا أنه يمنعها بالحب مرة، بالمسكنة مرة، وبالعنف مرات، حتى عندما يتعرض لحادث سير وهي برفقته يؤدي إلى فقدانها البصر، يصر رشيد على الاحتفاظ بزينة، وقد أضيف سبب جديد في قائمته يجعله يتمسك بها أكثر، فهو يتحمل مسؤولية إصابتها بالعمى لأنه قاد السيارة وهو في حالة انتشاء بسبب جرعة مخدرات زائدة.

في شكل أو في آخر تنجح زينة في الهروب من رشيد، وتنجح كذلك في إقناعه بدخول مصحة للتعافي من الإدمان، وأثناء ذلك تمضي في إجراءات خلعه قانونياً، وتحصل بالفعل على الخلع لترجع إلى حبها الأول (أحمد) الذي فرطت فيه. ومن ثم تتزوجه.

صراعات... وخدعة

الانعطافات الحادة التي تتخلل الأحداث، والبداية من نقطة ذروة تمثل الصراع بين الرجلين، لن تترك للمشاهد فرصة التقاط الأنفاس، فكلما هرب أحمد بزينة خطوة إلى الأمام، يلحقهما رشيد، سواء كان ذلك الهروب في الصحراء أو في يخت في عرض البحر.

أثناء وجود زينة مع أحمد في اليخت، وبسبب حيرتها حول هوية مرافقها وكذلك مطاردهما، يمدها أحمد بجهاز تسجيل كانت قد سجلت عليه تفاصيل قصتها، استعداداً لكتابتها على شكل رواية، وعندما تستمع زينة لتلك الحكاية، يبدو أن ذرات حول ماضيها تومض في قاع ذاكرتها، ومضات خاطفة لا تنير المشهد بمقدار ما تحدد اتجاه المشاهد في الانحياز إلى أحد الرجلين المنخرطين في صراع ضارٍ حول الأنثى.

لذلك، وفي الثلث الأخير من الفيلم، سيتضح أن زينة مخطوفة برفقة رشيد لا أحمد، وأن عمرو سعد الذي ظهر خلال أحداث الفيلم كلها على أنه رشيد، هو في الواقع أحمد، والعكس صحيح، فآسر ياسين الذي أطل في معظم أحداث العمل بصفته أحمد، هو في الواقع رشيد، فتتضح هنا الخدعة، إذ إن الأحداث التي يراها المشاهد، هي مطروحة في الأساس من وعي زينة ورؤيتا («فويس أوفر» بصوت منى زكي)، أي أن الأحداث مطروحة من وعي فاقد الذاكرة ومن رؤية كفيفة لا تستطيع تحديد الأشكال والتعرف إليها. هذا التماهي بين ما يشاهده المتفرج، والوعي الكفيف الناسي، هي اللعبة التقنية الأكبر في العمل، على مستوى الكتابة الدرامية، فجأة تنعكس الأدوار، فيصبح المدمن المتهور المكروه مظلوماً، ويصبح الهادئ الناجح الإنساني، شرساً وحقيراً.

هذه النقلة، ساهمت في ترسيخ آسر ياسين وعمرو سعد نفسيهما كممثلين كبيرين، إذ يقوم كل منهما بتقمص شخصيتين مختلفتين: (أحمد ورشيد)، وهو ما يضعهما في كفتي ميزان، ويقودنا تلقائياً إلى عقد المقارنات بين الأداءين، وفي النهاية يقودنا إلى تقويم اختيارات طارق العريان نجوم العمل، والتي جاءت موفقة للغاية، إذ يؤدي كل من ياسين وسعيد الدورين ببراعة وإتقان.

الصراع الأخير الذي يشتعل بين الطرفين، ينتهي بأن يأخذ رشيد زينة في يخت بالبحر، ويحتجزها فيه، ومن ثم يستدرج أحمد لمواجهة في عرض البحر، تنتهي باحتراق اليخت، وهروب رشيد بزينة إلى جزيرة معزولة، اعتادا زيارتها، حيث يقرر رشيد أن ينهي حياته مع زينة في حفرة بتلك الجزيرة معروف أنها كانت مثوى لاثنين متحابين. واضح هنا أن رشيد يسعى إلى أن يكرس أسطورته الخاصة، ومعه زينة، بأن ينتهيا في قاع تلك الحفرة، إلا أن زينة تنجح في إقناع المحب اليائس بأن يلقي نفسه وحيداً في الحفرة، ومن ثم يلحق بها أحمد لينقذها.

ألاعيب الغرافيكس

«أسوار القمر» احتاج إلى الكثير من أعمال الغرافيكس، لمعالجة الحرائق والانفجارات والصراعات في البحر والبر، ويبدو أن أعمال الغرافيكس التي لطالما شكلت أزمة للسينما المصرية، بسبب ضعف التقنيات، لم تعد تمثل أزمة حقيقية، فالحيلة الذكية التي لجأ إليها المخرج طارق العريان لتقديم ألاعيب الغرافيكس كانت بسيطة وناجحة، الظلام هو الحل، فالليل يستر، والحيل الغرافيكية مقبولة وسهلة الهضم في العتمة، وحتى ذلك المشهد الذي يسقط فيه رشيد في الحفرة، ببطء، تم تقديمه في شكل مقبول على مستوى الصورة.

إجمالاً، نستطيع القول أن «أسوار القمر» عمل جيد، متماسك، مكتوب بحرفية، ساهم في إخراجه في هذا الشكل فريق كتابة متمرس على رأسهم السيناريست محمد حفظي، وكذلك مخرج مخضرم وواعٍ استطاع تفادي كل الهنات المتوقعة لفيلم مصري يعتمد في بعض مشاهده على الغرافيكس.

للسينما عشت ولغيرها لن أتنازل

القاهرة - هيام الدهبي

«لكل شخصية عامة مذكراتها التي تتركها وراءها شاهدة على العصر، فهي ليست مجرد سيرة شخص بل هي سيرة وطن ومواطن يعيش فيه. ولعل هذه من المرات القليلة التي نرى فيها مذكرات شخصية مازالت على قيد الحياة». هكذا قدم الكاتب الصحافي سيد الحراني كتابه «مذكرات ماجدة الصباحي»، الذي صدر حديثاً عن مركز الأهرام للنشر.

يعترف الحراني: «لم يكن اقترابي منها سهلاً أبداً فهي تعيش وفق نظام وبرنامج يومي وضعته لنفسها ولا تسمح لأحد بتغييره أو عرقلته... وغير مسموح لأحد بالتطفل أو الاختراق».

تقول ماجدة في مذكراتها: «لقد ولدت (واسمي الحقيقي عفاف علي كامل الصباحي) في 6 أيار (مايو) 1936 في مدينة طنطا في محافظة الغريبة حيث كان والدي يعمل بديوان عام المحافظة وقتها، ولكني التحقت بالمدارس وأتممت دراستي في القاهرة. وقدمت أول أدواري في السينما في العام 1949 وعمري لم يتعد الثالثة عشرة. وكان ذلك أمام إسماعيل يس في فيلم «الناصح» من دون علم أهلي لدرجة أني وقعت عقد التمثيل - وقبضت مئة جنيه - بنفسي متعللة للمنتج والمخرج بعدم قدرة والدي على الحضور للتوقيع-. وبما انني كنت قاصراً دون السن، تسبب الأمر للمنتج في مشكلة كبيرة عندما عرفت أسرتي بعملي في السينما وهدد والدي بإقامة دعوى قضائية ضد صناع الفيلم. إلا أنه في النهاية وافق بعدما اعتذر له المخرج والمنتج وأخبروه بأنهم سوف يخسرون كثيراً إن مُنع عرض الفيلم في دور السينما. وكان دخولي لعالم السينما هو سبب الخلاف والطلاق الذي تم بين والدي ووالدتي في ما بعد».

ويلتقط الحراني الخيط، ويقول: «ثم توالت مشاركات ماجدة في أفلام مثل «فلفل»- «حبايبي كتير»- «ليلة الدخلة»- «مرت الأيام» .... إلى أن بلغ رصيدها السينمائي 70 فيلماً».

كوّنت ماجدة شركة إنتاج أفلام باسمها وكان أول فيلم من إنتاجها «أين عمري» عن رواية لإحسان عبدالقدوس من بطولة يحيي شاهين وزكي رستم وأحمد رمزي ومثل الفيلم مصر 1956 في مهرجان برلين السينمائي.

وبعده أنتجت فيلم «المراهقات»... ليبدو كما لو كان علي الزرقاني كتب الفيلم عن قصة حياتها. كما قامت بإخراج فيلم «من أحب» بعد مرض مخرجه أحمد ضياء الدين ولكنها لم تقدم على الإخراج مرة أخرى كما قالت: «لأنني عرفت مدى المشقة والمعاناة التي يعيشها المخرج ووجدت مكاني الطبيعي ليس خلف الكاميرا وإنما أمامها».

وقامت ماجدة أيضاً بإنتاج أفلام تعد من علامات السينما المصرية مثل «جميلة بوحيرد» و«الحقيقة العارية» و«هجرة الرسول» و«من عظماء الإسلام» وصولاً الى «زوجة لخمسة رجال» و«أنف وثلاث عيون» و«الرجل الذي فقد ظله» و«السراب» و«النداهة» و«العمر لحظة»، «ما جعل المنتجة آسيا تقول لي: «أنت تذكريني بشبابي وسيكون لك شأن ومستقبل عظيم» وكانوا يلقبونني وقتها بآسيا الصغرى».

وتتذكر ماجدة قائلة: «في صباح أحد الأيام قرأت خبراً مستفزاً عن إلقاء القبض على المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وأعجبتني قصة كفاحها وبالفعل ذهبت ليوسف السباعي ليكتب القصة ثم كتب السيناريو والحوار لها نجيب محفوظ وعلي الزرقاني وعبد الرحمن الشرقاوي. واتفقت مع عز الدين ذو الفقار على أن يخرج الفيلم ولكنه قام بتغيير بعض المشاهد من دون موافقتي ثم كثرت الخلافات بيننا فاتصلت بيوسف شاهين بدلاً منه لإخراج الفيلم الذي عرض في سينما راديو في عامي 1960-1961 وهو العام الذي تقرر فيه إعدام جميلة بوحيرد فطلبت دول كثيرة عرض الفيلم الذي رشح لجوائز عالمية لدرجة جعلت المخرج العالمي سيسيل دي ميل يبحث عني لأكون بطلة أحد أفلامه».

حب وعرض زواج

وتستعيد ماجدة ذكرياتها وتحكي عن أيام شبابها: «بدأت علاقتي برشدي منذ كنا طفلين فقد كان يجاورنا في السكن أمام دار الأوبرا القديمة بجوار كازينو بديعة وكان صديقاً لأشقائي وعندما وجد رشدي أنني أبادله نفس المشاعر تقدم ليطلب يدي من أهلي الذين كانوا يعرفونه جيداً ولهذا تم رفض طلبه ما أصابنا بصدمة وحزن لفترة ليست قصيرة لكني استسلمت لرفض أهلي له. ثم عرض علي أيضاً يحيي شاهين الارتباط به وكان يتمتع بكل صفات العريس المثالي ولكني اعتذرت له وظللنا صديقين وظللت أطلبه في أفلامي وظل يطلبني في أفلامه».

أما عن علاقتها بإيهاب نافع (والد ابنتها غادة) فتقول: «لقد كنت في حفل بالسفارة الروسية وتقدم مني شاب رياضي أنيق وسيم وصافحني وذكرني بنفسه أنه كان يحضر تصوير فيلمي «جميلة بوحريد» مع مجموعة من ضباط الجيش واستمر يحكي ويسألني وكأنه يريد ان يعرف عني كل شيء وعن أشقائي وعن حياتي وأنا مندهشة لما أسمعه منه. وعندما خرجت من حفل السفارة وجدت إطارات سيارتي فارغة وأصر الشاب الذي عرفت انه طيار أن يقوم بتوصيلي الى منزلي وعندما حكيت لأخي ما حدث قال لي هذا الشاب «إما حرامي وإما عريس» إلى أن اكتشفت أنه عريس وحرامي فقد سرق قلبي عندما طلب يدي للزواج، فقد كان إيهاب نافع إنساناً لطيفاً وهادئاً وذكياً ولبقاً وجنتلمان جداً».

وتعترف ماجدة: «لقد شعرت أن إيهاب لم يعط حياته للتمثيل فكان يعتبره مجرد مرحلة على رغم أنه كان يتمتع بموهبة حقيقية. ولكنه كان دائماً منشغلاً برحلاته التجارية الى الخارج وقد كان هذا من أسباب برودة مشاعري وابتعادنا عن بعض ما فجّر شرارة الخلاف بيننا إلى أن تم الطلاق».

وتنهي ماجدة الصباحي مذكراتها التي سطرها الحراني قائلة: «لقد ضحيت بعمري من أجل الارتقاء بصناعة السينما التي لم أر غيرها. فقد كانت همي الأول والأخير لكونها سجلت مراحل عمري «المراهقة» و«الناضجة» و«ربة الأسرة «وما زلت أحمل داخل ذاكرتي الكثير عن أفلامي».

الحياة اللندنية في

06.03.2015

 
 

أرواح خارج الخدمة البشرية تحضر في فيلم مصري إشكالي

العرب/ رامي عبدالرازق

المخرج محمود كامل يركز في فيلمه 'خارج الخدمة' على أزمة سعيد ورغبته في الحصول على المال، ليكون بطل الحكاية بمفرده.

القاهرة- يتخبط المخرج محمود كامل في بداية فيلمه “خارج الخدمة” قبل العثور على شخصية بصرية مناسبة، فيقدّم شخصيته الرئيسية سعيد (أحمد الفيشاوي)، ذلك المدمن المهمش الذي يعيش على سرقة ما تطوله يده من العاديات في المنازل التي يقوم بتنظيفها، من خلال لقطات بعيدة وكادر غير ثابت، يوحي بأن الكاميرا تتلصص على الشخصية وواقعها المأزوم، بين البحث عن المال والتفاوض على المسروقات، أو التملص من سداد دين مالي لأحد “البلطجية”.

يبدو الكادر غير الثابت، وزوايا التلصص والأحجام الواسعة للقطات، مراهقة إخراجية يتخلص منها محمود كامل مخرج فيلم “خارج الخدمة”، سريعا عندما تبدأ الأحداث في الانتقال من الشارع والغرفة التي يسكنها سعيد إلى منزل هدى (شيرين رضا)، الأرملة الخمسينية ذات الجمال الذي حطمته الوحدة وانكسار زهرة العمر.

يستعيد ساعتها المخرج توازنه البصري، ويبدو مدركا لأبعاد الدراما التي يقدمها والصراع الساكن الذي يتطوّر ببطء بين الشخصيتين الرئيسيتين، منذ أن يبدأ سعيد في ابتزاز هدى بالفيلم القصير الذي يعثر عليه مسجلا على إحدى الفلاشات، أثناء سرقة شقة هجرها صاحبها والذي تبدو فيه هدى، وهي تخنق طفلة صغيرة في شقتها ثم تغادر بدم بارد.

يتخلص الكادر من عدم الثبات الطفولي، وتبدأ الأحجام في التمحور حول العنصر البصري الرئيسي في مشاهد شقة هدى، وهي الأريكة التي يمارسان عليها كل نشاطهما في التعاطي والجنس، أو بمعنى أدق، خمولهما المتدفق والمتنامي مع تنامي العلاقة بينهما، وبين المخدرات التي يتقنان تعاطيها وكأنها راحتهما الوحيدة أو حلمهما المفقود.

الأريكة، أو الكنبة، تتجاوز الدلالة السياسية بكونها عنصرا يعبر عن الغيبوبة الروحية للشخصيتين

وكما يتخبط الأسلوب البصري يتخبط السيناريو في البداية مستغرقا وقتا طويلا، قبل الدخول إلى عالم شقة هدى وتطوّر علاقتها مع سعيد، من الابتزاز إلى الاغتصاب إلى الصداقة، ثم الزواج العرفي.

يركز السيناريو على أزمة سعيد ورغبته في الحصول على المال، وكأنه بطل الحكاية بمفرده، ويفسح له مشاهد كثيرة في البداية، ربما لتبرير عملية الابتزاز رغم أن السياق لم يكن في حاجة إلى ذلك.

فسعيد دون حاجة للمال، هو شخص غير أخلاقي لا يتورّع عن سرقة أي شيء من أجل الإدمان، الذي تظهر علاماته الجسمانية عليه بشكل واضح، من خلال أداء متقن ومدروس ودقيق من قبل الممثل أحمد الفيشاوي في أفضل أدواره على الإطلاق، وبتشخيص متقن للانحناء الناجم على تداعي الجهاز العصبي -رمز للانكسار الروحي الذي يعانيه- إلى جانب الإيحاء بوجود ألم متواصل لا ينتهي، سببه الحاجة المستمرة للمخدر والهروب نحو عالم بعيد.

رغبة السيناريو في المحافظة على الغموض الخاص بشخصية هدى، جعله يتعاطى معها بشكل أكثر سينمائية، فيصبح التعرف على تاريخها الشخصي وروحها المحطمة نابعا من انعكاس قراراتها وأفعالها في علاقتها بسعيد، منذ أن تطرده في أول محاولة ابتزاز، وصولا إلى استجابتها لاغتصاباته المتكررة، وكأنها تبرر لنفسها استسلامها الجسدي له مرة بعد أخرى، ثم استغراقها في علاقتها معه كزوج روحي.

تجدر الإشارة إلى أن التوافق الكيميائي بين الفيشاوي وشيرين كان ملموسا منذ ظهورهما قبل عامين في مسلسل ”دون ذكر أسماء” للمخرج تامر محسن. ولاشك أن شيرين أعادت اكتشاف نفسها كممثلة بعد سنوات طويلة من تجاربها المتواضعة والعابرة في التسعينات مع أحمد زكي في فيلمي “حسن اللول” و”نزوة”.

التوافق الكيميائي بين الفيشاوي وشيرين كان ملموسا منذ ظهورهما قبل عامين في مسلسل ”دون ذكر أسماء” للمخرج تامر محسن

تتكشف ملامح شخصية هدى تدريجيا عبر علاقتها بعنصري الأريكة وسعيد، بالطبع لا تخفى دلالة الأريكة السياسية، خاصة مع وجودها أمام التلفزيون لمتابعة أخبار الاحتشاد لمظاهرات 30 يونيو، ما يعرف بـ”حزب الكنبة” وهو أحد أشهر المصطلحات السياسية في مصر بعد 25 يناير 2011، ويطلق على فئات الشعب التي تجلس في المنازل أمام شاشات التلفزيون لمتابعة الأحداث دون المشاركة فيها.

ويستخدم المخرج الإضاءة الطبيعية القادمة من شباك الصالة بشكل منطقي جدا، بعيدا عن شطحات التأثيرية والتعبيرية التي أفسدت الكثير من مشاهد أفلامه السابقة، وصنع مع مدير التصوير تلك الحالة اللونية الزرقاء الباهتة التي تكسو الشخصيات في خمولها الطويل فوق الأريكة، مع استبدال نور النهار الباهت بانعكاس إضاءة التلفزيون في المشاهد الليلية التي تعطي أيضا مساحة زرقاء باردة، تدل على تسرب الحياة وفقدان الحرارة خاصة في لقطات الغياب الكامل عن الوعي، من أثر المخدر ليبدو سعيد وهدى وكأنهما جثتان.

هنا تتجاوز الأريكة، أو الكنبة، الدلالة السياسية بكونها عنصرا يعبر عن الغيبوبة الروحية للشخصيتين، فعلاقتهما التي تتطور عبر سياقات الابتزاز، ثم الاغتصاب ثم الاستجابة، تنمو من خلال تجاورهما على الكنبة وكأنها دلالة للصعود الدرامي.

نجح كل من السيناريو والإخراج في الانتقال بالكنبة من ضيق التأويل السياسي الذي دعمته مشاهد المظاهرات والخطب الإخوانية في 30 يونيو، إلى كونها تابوتا رمزيا لتلك الأرواح التي أصبحت خارج الخدمة البشرية.

ونجح أيضا في التعبير عن أن العلاقة بين هدى وسعيد في تطورها، لم تعد مجرد مخدرات أو جنس قسري يحمل قدرا من الجدلية السادومازوخية بينهما (هو يرغب في إثبات رجولته التي تعتصرها مكانته الاجتماعية والمادية الحقيرة، وهي تبرر لنفسها السقوط الجسدي بأنه اغتصاب خارج عن إرادتها).

في المقابل وكعادة السيناريوهات الميلودرامية، يفشل النص في الخروج بنا إلى تكشف للحقائق عبر سياق منطقي بناء على ملامح الشخصيات، فيلجأ إلى صدفة مفتعلة يعثر من خلالها سعيد على صندوق الأسرار الذي يحوي التبرير الحقيقي، لاستجابة هدى لكل الابتزاز والاغتصاب الذي تعرضت لهما على يده، لنعرف أنها لم تكن في حاجة للاستجابة له تحت أي ظرف سوى الضغط الروحي والشعور بالوحدة.

المخرج يستخدم الإضاءة الطبيعية القادمة من شباك الصالة بشكل منطقي جدا، بعيدا عن شطحات التأثيرية والتعبيرية التي أفسدت الكثير من مشاهد أفلامه السابقة

ومع مثل هذه النهاية المثيرة نسبيا والتي تجعلنا نسترجع الأحداث، كي نصل إلى الاستنتاج المباشر يبرز سؤال هام: لماذا إذن تورطت هدى في هذا الضياع مع سعيد، إذا كانت قد قررت أن تستجيب له لمجرد أن يعيد السريان لمائها الراكد؟ هل هي الرغبة في الاحتفاظ به، وبالتالي مشاركته في كل ما يفعله، أم هو رفض داخلي لسعيد، وبالتالي محاولة للإذعان عبر التورط في التعاطي والغياب عن الوعي؟

فنحن أمام روحين يعيشان داخل حالة من فقدان الإيمان بكل شيء، في حين أن العالم نفسه خارج الجدران يتداعى في إيحاء أبوكاليبسي واضح. حتى عند رغبة هدى الخوض في نقاش سياسي مع سعيد مثل أيّ زوجين، تجده غير مهتمّ أو قادر على ذلك.

في المقابل هل يتسق الشعور بتلك الحالة الأبوكاليبسية مع فكرة أن سعيد وهدى روحان خارج الخدمة؟ وكيف يكون ذلك طالما أن العالم خارج شقتهما يتداعى بالفعل؟ أغلب الظن أن سياق السيناريو وإيقاع المشاهد لم يكونا في مستوى الطرح، فبدت العدمية أكثر وضوحا من أيّ شيء آخر، ولكنها عدمية لا تتسق مع قرار الشخصيات في البقاء إلى جانب بعضها البعض في نفس الحالة، رغم سقوط الأقنعة وتكشف الأسرار.

إن الفيلم لا يفلح في الوصول إلى غاية وجدانية أو فكرية في النهاية، اللهم إلاّ إذا اعتبرنا أن بقاء هدى وسعيد معا، هو الغاية، أو صار الغياب عن الوعي هو الملاذ.

مهرجان تطوان السينمائي يحتفي بجارتيه أسبانيا والجزائر

العرب/ مخلص الصغير

مهرجان تطوان السينمائي يحتفي بسوريا التي توجد في قلب المشهد الدرامي للواقع العربي الدامي حيث توثّق الأفلام كل ما يعتمل في بلاد الشام من آلام.

أعلن مدير مهرجان تطوان السينمائي أحمد حسني عن حضور متميز للسينما السورية والسينما الأسبانية في الدورة الحالية من المهرجان، الذي يقام في الفترة من 28 مارس الجاري إلى غاية 4 أبريل المقبل.

مهرجان تطوان هو أول مهرجان سينمائي في المغرب، انطلقت دورته الأولى منذ ثلاثين عاما، كما يبقى ثالث أكبر مهرجان متوسطي، بعد مهرجان مونبيلييه الفرنسي ومهرجان الإسكندرية.

وهو من المهرجانات الأكثر تنوعا على ضفاف المتوسط، ما بين عروض سينمائية ولقاءات وندوات وتكريمات وورشات سينمائية ومسابقات متعددة واحتفاليات متجددة، على مدى أسبوع سينمائي كامل، بحضور 100 من السينمائيين العرب والمتوسطيين، الذين يحلون ضيوفا على مهرجان تطوان.

وأكد أحمد حسني مدير مهرجان تطوان السينمائي في لقاء مع “العرب” على حضور متميز واستثنائي، وعناية خاصة بكل من السينما السورية والسينما الأسبانية في الدورة الحالية من المهرجان.

وأعلن حسني أن “سوريا توجد في قلب المشهد الدرامي للواقع العربي الدامي، في الفترة الحالية”. من هنا، يقول أحمد حسني “ستكون سوريا حاضرة في المهرجان بقوة، وتحديدا في مسابقة الأفلام الوثائقية، التي سجلت بالصوت والموت، ونبض الحياة والصورة كل ما يعتمل في بلاد الشام من آلام، وقد لخصت هذه الأعمال الوثائقية الحية مصيرا عربيا وجماعيا قاسيا”.

وأكد مدير المهرجان أن “كاميرا الكثير من المخرجين في سوريا، وفي مختلف أرجاء الوطن العربي، قد شاركت في الثورات، وفي ربيع الحريات، حين خرجت إلى الميادين والشوارع، في السنوات الأخيرة، لتنقل لنا أحلام المجتمعات العربية بالتحرر، ولكي ترصد المفارقة التراجيدية المتمثلة في مواجهة الموت من أجل الحياة”.

أما عن الحضور الأسباني الاستثنائي في هذه الدورة، فيشدد مدير المهرجان على أن “الجارة الشمالية للمغرب ستكون حاضرة في مختلف برامج وفقرات المهرجان”، مسابقة الأفلام الطويلة، والأفلام القصيرة وكذلك الأفلام الوثائقية، وفي ندوات المهرجان وموائده المستديرة، وفي ورشاته المفتوحة ويومه الدراسي السنوي، وفي لجان التحكيم، وفي ما يتعلق بتكريم أعلام السينما الأسبانية أيضا.

'الجزيرة الدنيا' فيلم حصد أغلب جوائز مهرجان غويا الأسباني لهذه السنة

ويأتي حضور أسبانيا “المكثف والبارز” حسب تعبير حسني، بمثابة “ثمرة تعاون مع حكومة الأندلس المستقلة ومهرجان مدينة مالقة السينمائي، في جنوب أسبانيا ومهرجان تطوان. حيث من المنتظر أن يتوّج هذا التعاون السينمائي بالتوقيع على اتفاقية شراكة بين مهرجان تطوان ومهرجان مالقة، في اتجاه تطوير التعاون والتنسيق المشترك بين المهرجانين اللذين يطلان على حوض البحر الأبيض المتوسط”.

افتتاح أسباني

يفتتح الفيلم الأسباني “الجزيرة الدنيا” لمخرجه ألبيرتو رودريغيث فعاليات الدورة 21 من مهرجان تطوان السينمائي. ويتابع الفيلم وقائع رحلة من أجل فك ألغاز جريمة، في منطقة غير مأهولة، حيث يقوم شخصان بتحريات من أجل الوصول إلى حقيقة جثة تمّ إخفاؤها بين المستنقعات.

والفيلم هو عمل سينمائي ذو خلفية سياسية، يعود بنا إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت أسبانيا تعيش مخاض الانتقال الديمقراطي، وهي تريد أن تتصالح مع نفسها، بعد رحيل الجنرال فرانكو.

وتجري وقائع الفيلم في العاصمة الأندلسية إشبيلية، كما يستعين الفيلم بفريق عمل أندلسي، ليعانق الأفق الأسباني في فترة الثمانينات، يوم كانت البلاد تنشد الحرية وتتطلع إلى المستقبل المغري بالأحلام، وتحاول أن تقطع مع الماضي المفعم بالقسوة والآلام. وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم الأسباني “الجزيرة الدنيا” قد حصد أغلب جوائز مهرجان غويا الأسباني، لهذه السنة، عندما توّج بعشر جوائز من أصل 17 جائزة، أولاها جائزة أحسن فيلم، وجائزة أحسن ممثل لبطل الفيلم خافيير غوتيريث، الذي سيحل ضيفا على مهرجان تطوان، مثلما حظي الفيلم بجائزة أحسن سيناريو، وجائزة أحسن ممثلة واعدة كانت من نصيب الممثلة الشابة نيريا بارغوس.

اختتام جزائري

في المقابل، يختتم الفيلم الجزائري “الوهراني” لمخرجه إلياس سالم فعاليات مهرجان تطوان السينمائي الدولي، وهو الفيلم الذي شارك في الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي، وتوّج بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان السينما المتوسطية في بروكسل، مثلما توّج مخرجه إلياس سالم بجائزة أفضل مخرج عربي، خلال الدورة الأخيرة من مهرجان أبوظبي السينمائي، وبجائزة أحسن ممثل، هذه المرة، في مهرجان الفيلم الفرونكوفوني لأنغوليم بفرنسا. ويسائل الفيلم الجزائري المثير للجدل مصير الثورة الجزائرية وما آلت إليه، وهو فيلم تاريخي، يمتد على مدى ثلاثين عاما، حيث يلتقي حميد بصديقيه جعفر وفريد، وقد شارك الثلاثة من قبل في معركة التحرير الجزائرية.

وبينما حافظ فريد على قيم الثورة، وظل حريصا على مواقفه وقيمه الفريدة، يتورط حميد، وقد تحوّل إلى رجل أعمال، في مسلسل من المصالح الخاصة، وهو يطلب من جعفر “الوهراني”، من موقع مسؤوليته الجديدة، تمكينه من الامتيازات غير المشروعة، عبر استغلال النفوذ.

هذا، ويعود الفيلم إلى مرحلة حرب التحرير، ليقدّم لنا الحياة اليومية، والخاصة والحميمية، لرجالات التحرير في الجزائر، وهو ما جعل البعض يفرض وصاية أخلاقية على الفيلم، ويتهمه بالإساءة إلى شهداء الثورة الجزائرية.

وما بين التحفة السينمائية الأسبانية “الجزيرة الدنيا” للمخرج ألبيرتو رودريغيث، ورائعة الجزائري إلياس سالم، أعلن بلاغ صادر عن إدارة مهرجان تطوان عن عرض نحو 70 فيلما في هذه الدورة، من أصل 345 فيلما وصلت إلى لجان الاختيار، وسيتمّ عرض أفلام الدورة في سينما إسبانيول وسينما أبيندا وقاعة المعهد الفرنسي.

ويتعلق الأمر هنا بـ12 فيلما في المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، و12 فيلما في مسابقة الفيلم القصير، و15 فيلما وثائقيا، و12 فيلما في فقرة التكريمات، و6 أفلام في فقرة استعادة، و7 أفلام في فقرة “عروض أولى”، والتي تقدم أفلاما تعرض لأول مرة في المغرب، وفي أعرق مهرجان سينمائي مغربي.

'حرة' صراع امرأة بين عذوبة الحب وعذاباته

العرب/ صابر بن عامر

فيلم 'حرة' يعد حدثا دراميا أراد المخرج معز كمون إيصاله للمشاهد من خلال بطلته علياء التي تبحث عن حريتها.

تونس- بهدوء تام تتأبط علياء (فاطمة ناصر) حقيبة، وباليد الأخرى تمسك ذراع ابنتها الصغيرة وتغادر بيت الزوجية، معلنة أنها لن تعود إليه ثانية، هي اللقطة الأخيرة من فيلم “حرة” عن نص وإخراج التونسي معز كمون في ثالث شريط سينمائي طويل له بعد “كلمة رجال” 2006، و”آخر ديسمبر” 2010.

الهدوء هو السمة الإجمالية إخراجا وسيناريو لفيلم “حرة” (95 دق) للمخرج التونسي معز كمون، الذي ظل وفيا فيه للقضايا الاجتماعية المسكوت عنها في المجتمع التونسي، فبعد طرحه لقضية الزواج العرفي في فيلمه الأول “كلمة رجال”، ومسألة العذرية ونظرة المجتمعات الذكورية لها في فيلمه الثاني “آخر ديسمبر”، يطرح كمون في فيلمه الأخير قضية البرود الجنسي بين الزوجين والخيانات بصفة عامة.

كريم (أحمد القاسمي) شاب في مقتبل العمر، فقد والده ليجد نفسه وحيدا مع والدته صعبة المراس، فهي امرأة تحمل مبادئ شيوعية، لكنها تعيش بذخا اجتماعيا باديا من خلال البيت الكبير الذي تسكنه.

جميلة (سامية رحيم) امرأة شارفت على الخمسين من العمر، جريئة وثورية، تعاقر الخمر بشكل يومي، أم منطلقة وانتهازية؛ تتكشف حياتها تباعا من خلال قصة الفيلم على أنها انتزعت زوجها الراحل من أقرب صديقاتها، التي انقطعت الصلة بينهما نحو ثلاثين عاما، ليلتقيا مجددا، وتعيد جميلة أو تحاول أن تعيد نفس الفعلة الأولى مع زوج صديقتها الجديد.

للمرة الثالثة يثبت معز كمون حرفية المخرج الذي انتصر من حيث لا يدري على معز كمون المؤلف

علياء، الزوجة الجميلة تعيش حياة زوجية بائسة مع زوجها حمادي (جمال ساسي)، الذي تكشف اللقطات الأولى لهما عجزه الجنسي، الأمر الذي يجعله تباعا يعنفها بالشتم والضرب، ربما لإثبات رجولته المهزوزة، بل يذهب إلى أبعد من ذلك في استعراض فحولته مع فتاة أخرى، يبدو أنه لم يعاشرها مطلقا من خلال أحد حواراته المقتضبة معها. في ظل ما تعيشه علياء من عنف أسري، تتعرف ذات لقاء بكريم حبيب صديقة أختها الذي يلاحقها مرارا وتكرارا، إلى أن تقع فريسة إغوائه.

في ليلتهم تلك، وبعد أن عاقرا من الحب أعذبه، خرجا سوية ليكملا السهرة، حيث كانت علياء بين نقيضين، الأول إتمام ليلتها التي لا تريد لها أن تنتهي هربا من واقعها، والثاني إقراراها لكريم بأن ما حصل بينهما لن يتكرر لاحقا، فضميرها يعذبها عما اقترفته في حق زوجها وابنتها.

وبينما هي بين عذاب ضميرها وعذوبة جني رحيق الحب مع عشيقها، تصادفها أختها الصغرى وصديقتها في مقهى القرية، فتنهار كل القيم فجأة، وتتكشف الحكاية للأخت الصغرى وصديقتها المخدوعة في حبيبها الذي هجرها كليا بعد أن تعرف على علياء، وبهدوء تام تقرر علياء ترك بيت الزوجية، طلبا لحياة حرة.

تلك هي ببساطة قصة فيلم “حرة”، الذي أتى إيقاعه رتيبا كرتابة حياة البطلة ربما؛ فالحوار مقتضب، والكلام قليل والانفعالات متشابهة، عدا العمّ علي (لطفي بندقة) الذي أفـاض على الفـيلم بعضا من الفـكاهة الملـطفة.

ويحسب لمعز كمون كسائر أفلامه السابقة حرفيته العالية في اختيار المشاهد والزوايا، سواء في اللقطات أو المشاهد، علاوة على المؤثرات الصوتية والإضاءة التي أتت في غالبيتها خافتة باردة، تعكس برودة العلاقات بين الشخصيات مجتمعة.

الصورة في فيلم “حرة” تعتبر فعلا تشكيليا متقنا، حيث مثلت حركة الكاميرا وزواياها ومسافاتها وطريقة تقطيعها ثم تركيبها نصا لغويا محكم البناء

نجح كمون في تصوير مشاهده بجمالية ساحرة، مستندا في ذلك على مهارة عالية في التأطير والتقطيع والتركيب، فأتت الصورة والحركة متناسقة مع الزمان والمكان والألوان والصوت، هذا علاوة على التوزيع المحكم بين اللقطات القريبة واللقطات المكبرة، التي تركز على الوجه وأدق تفاصيل الحركة، لإبراز أهمية وعمق الحدث الدرامي الذي يريد كمون إيصاله للمشاهد.

ومن بين نقاط القوة في الكتابة السينمائية للفيلم، ذاك الحرص الشديد لعلياء على أن تمارس أختها الصغرى إحدى الرياضات الدفاعية (الكونغ فو)، وحرصها الأشدّ على أن تكون فيها غالبة لا مغلوبة، وفي ذلك إحالة لحال علياء المعنفة دائما من زوجها، والتي تريد الثأر لكرامتها المهدورة من خلال شقيقتها القادرة على الدفاع عن نفسها.

وهنا لا بدّ مـن الإشارة إلى الوجه المـعبّر دون الـحاجة إلى الكثير من الثرثرة لبطلة الفيلم فاطـمة ناصر، الـتي سيكون لـها شـأن كبير في قادم التجارب السينمائية، سواء على المستـوى العربي أو ربما العـالمي أيضا.

وفي النهاية يمكن اعتبار الصورة في فيلم “حرة” فعلا تشكيليا متقنا، حيث مثلت حركة الكاميرا وزواياها ومسافاتها وطريقة تقطيعها ثم تركيبها نصا لغويا محكم البناء، يثبت للمرة الثالثة حرفية معز كمون المخرج، الذي انتصر من حيث لا يدري على معز كمون المؤلف.

العرب اللندنية في

06.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)