كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أنييس فاردا تتذكر: لم نكن عصابة كنّا أباطرة!

المصدر: "النهار" - سويسرا ــ هوفيك حبشيان

 

الثمانينية أنييس فاردا امرأة منمنمة تنبض فيها الحياة، لا يملّ عاشق السينما من مجالستها. تعرفها أولاً من تسريحتها، قبل أن تلفتك انكليزيتها الـ"برفكت"، وأخيراً قدرتها على استنباط تجربة الماضي بتفاصيلها الكاملة. هي اليوم، مع ريفيت وغودار، آخر أحياء حركة "الموجة الجديدة" الأسطورية التي حرفت مسار السينما في الستينات. مولودة لأب إغريقي وأم فرنسية، عاشت فاردا قسطاً من حياتها بعيداً من الشاشات التي كان ينهشها زملاؤها تروفو وشابرول وغودار. تميّزت عن باقي أعضاء التيار الثوري بلمستها اليسارية ونسويتها وارتباطها بجاك دومي الذي التقته للمرة الاولى في العام 1958 وعاشت معه أكثر من ثلاثة عقود.

كانت فاردا في السابعة والعشرين عندما قدّمت فيلمها الأول الذي مَنتَجه رينه. أربع سنوات قبل انطلاق "الموجة"، اقترحت سينما حداثوية مهّدت الطريق لما كان سيأتي لاحقاً، حدّ ان رينه لم يُخفِ تأثره بها. "كليو من الخامسة الى السابعة" ــ المصوَّر وفق الزمن الفعلي للحوادث ــ كرّسها نهائياً، في حين أدخلها "بلا سقف أو قانون" (1985) الى مناطق أخرى من ادراكها الفني، مانحاً ساندرين بونير دور العمر وخاطفاً "الأسد الذهب" في البندقية. أنقذت جاين بركين من الغرق الفني في فيلمين اعادا إليها الاعتبار، واستعادت سينما زوجها دومي في ثلاثة أعمال مهداة إليه بعد رحيله في العام 1990. منذ مطلع سنوات الألفين، رأيناها متكيفة مع أساليب التصوير الحديث والمعدات الخفيفة التي أتاحت لها أن تبلور لغتها السينمائية، وصولاً الى تقديمها "شواطئ أنييس" في العام 2008، أوتوبورتريه بديع نالت عنه "سيزار" أفضل وثائقي. ثلاث مدارس وشارع وصالة سينما في فرنسا تحمل اسم انييس فاردا التي كرّمها مهرجان لوكارنو السويسري في دورته السابعة والستين، حيث كان لنا معها اللقاء الآتي.

        مَن الذي أطلق عليكم، انتِ وآلان رينه وكريس ماركر، تسمية جماعة "ضفة اليسار"؟

ـــ تسمية "موجة جديدة" ظهرت بعد سنوات من بدئنا بالعمل. فرنسواز جيرو هي التي ابتكرت هذه الكلمة. لا مانع عندي، لأننا كنا فعلاً موجة جديدة. لم نكن فريقاً واحداً مثلما يحلو لبعضهم تصويرنا. طبعاً، كانت هناك شلة "دفاتر السينما"، ولكن بعضنا كان مستقلاً عن بعضنا الآخر. الناقد السينمائي ريتشارد راود الذي كان يدير مهرجان لندن السينمائي، قرر ان آلان رينه وكريس ماركر، جاك دومي وأنا، من جماعة "ضفة اليسار"، والسبب اننا كنا فعلاً مقيمين على الضفة اليسرى لنهر السين، كما اننا كنا من ذوي الميول اليسارية، علماً ان شلة "الدفاتر" لم تكن يمينية بوضوح. لم نختر يوماً تسمية "ضفة اليسار" ولم نكن عصابة. لم نجتمع قط. كنا نلتقي لنتناقش، ولكننا لم نضع خطة مسبقة لأحاديثنا. أشياء كثيرة كُتبت عنا، لكن الحقيقة ان كلاً منا كان يعمل بمعزل عن الآخر.

        ألا تزالين يسارية؟

ـــ لا أزال يسارية ونسوية. هذا أكيد. لا أحبّ أن أكون السيدة الوحيدة في "الموجة الجديدة". لا ارتاح الى هذا الوصف. في هاتيك المرحلة، لم يكن هناك وعيٌ كافٍ، ولكن اليوم هناك العديد من المخرجات في فرنسا، ولسن فقط مخرجات بارعات، بل ايضاً مصوّرات ومنتجات وكاتبات سيناريو. وبعضهن ينجحن في استقطاب الجماهير وادخال الأموال. وهذا شيء محبب. النجاح الجماهيري هو كما يبدو اليوم، السبب الوحيد الذي يجعل الآخرين يحترمونك. هناك على الأقل 40 مخرجة فرنسية يجنين الأموال بفضل الأفلام. تشمل هذه اللائحة الممثلة التي عملتُ معها؛ انها بلجيكية اضطلعت بدور في فيلمي "بلا سقف أو قانون". يولاند مورو. هي ايضاً مخرجة مهمة انجزت فيلماً اسمه "عندما يرتفع البحر".

        لا تزال ذاكرتك نشيطة جداً، تتذكرين كلّ شيء...

ـــ لديّ مشكلتان: الأسماء، وتذكر اشخاص سبق أن ألتقيتهم. هذا كله بسبب تقدمي الرهيب في السن. أشعر بأنني محظوظة لأن الكثير من الأشياء الايجابية تطرق بابي وانا في مثل هذه السن المتقدمة. أخيراً، اقمتُ معارض عدة. بالقرب من مرسيليا، هناك جزيرة فيها قلعة اسمها ايف، حيث سُجن الكونت مونتي كريستو. قدمتُ فيها معرضاً. 150 ألف شخص يتوافدون سنوياً الى تلك القلعة لزيارة سجن مونتي كريستو. هذه المرة، كان بامكانهم أن يشاهدوا تجهيزاً خاصاً بي، بمجرد شرائهم بطاقة للسجن المتحف. اقترحتُ مقاربة أخرى لاحتلال المكان. قبل سنتين، قدمتُ معرضاً في الصين، واستُقبِلتُ استقبالاً مهيباً. ليس المردود المالي ما يهمني من هذا كله، بل رغبتي في المحافظة على فضولي واستمراريتي ونشاطي. غمرني الفرح عندما استضافوني في بينالي البندقية 2013. آنذاك، قلتُ لنفسي انني سأجرب مجالاً جديداً لبعض الوقت.

        ما أهمية الحرية عندك؟ أتحدث عن حرية الابتكار والخلق. بعضهم يبرع تحت الضغط والقيود...

ـــ جداً. طبعاً، دائماً هناك قيود مفروضة عليك. لكن الحرية عندي هي الا ألهث خلف المال والنجاح. الحرية هي احياناً الا أربح شيئاً وان أقول في ذاتي "انا حرة"!

        هل تجدين صعوبة في تمويل أفلامك؟

ـــ بالتأكيد. كل فيلم جديد لي مجازفة جديدة ومسار طويل لايجاد تمويل. حتى بعد "بلا سقف أو قانون" الذي يُعتبر أكثر فيلم لي نجح جماهيرياً. حقق أكثر من مليون مشاهد في الصالات الفرنسية. فجأة، أعتقدتُ انني في القمة. الفيلم التالي كان تمويله سهلاً نسبياً. لكن، ما ان سقطتُ حتى وجدتُ نفسي حيث كنت دائماً، ومنذ ذلك الوقت انا هناك. "شواطئ انييس" لم احصل على موازنة كاملة لتمويله، فكان عليّ ان أتدبر اموري.

        تقنياً، لم تتوقفي عن مواكبة التطور، فانتقلتِ من مرحلة تقنية الى أخرى بلا مشكلة...

ـــ نحن السينمائيين، لدينا ادوات وعلينا استخدامها لا بل تطويرها. احياناً، رغبتي في تصوير موضوع معيّن حملتني الى الاهتمام بتقنيات جديدة. فعندما قررتُ انجاز وثائقي عن اشخاص يعيشون في ظروف اقتصادية سيئة ويبحثون عن بقايا الطعام من النفايات، لجأتُ الى المعدات الخفيفة. الكاميرا ذات الحجم الصغير اتاحت لي أن أخلق ألفة ووداً بيني وبين الشخصيات التي اردتُ تصويرها. هذه كانت وسيلتي للتقرب من الشخصيات، بمن دون فريق تقني متعدد الافراد يكون عائقاً بيني وبين الشخص الذي اصوّره. هذا تطور طبيعي عندما تعمل في السينما.

        يقال انك منبهرة بالسينما كنتاج كيميائي...

ـــ السينما عمل تقني أولاً وأخيراً. اليوم، علينا أن ننسخ كل الأفلام القديمة على انظمة جديدة تطيل من عمرها وتجعلها حيّة في الذاكرة. الا اذا تنازلنا عن حق الأجيال القادمة في مشاهدة أفلام مثل "مظلات شربور". علينا نقل كل شيء الى ملف "دي سي بي". المشكلة أننا نعلم ان الاقبال على السينما يتراجع، وكذا بالنسبة للشاشات التي راحت تصغر. أحياناً، احدهم يقول لي: "شاهدتُ فيلمك على هاتفي المحمول". هذا حقه، لكنني، في المقابل، وأنا في هذا العمر، أحاول أن اقنعه أن من الجيد أن يجلس الناس معاً في صالة واحدة لمشاركة تجربة سينمائية واحدة. لستُ نوستالجية إلى زمن غابر. لكني أحب أن أذكّر ببعض اساسيات السينما، مع ادراكي أن التقنيات الحديثة تفتح أبواباً جديدة وتتيح للمخرجين ان يعبروا عن أنفسهم بطريقة اخرى. اليوم، هناك وسيلة تعبير يتشاركها كثيرون؛ أيّ كان يستطيع أن يصوّر ايّ شيء، ومكانة المخرج لم تعد كما كانت في العصور الماضية. مَن هو المخرج اليوم؟ عندما تتابع نشرات الأخبار المتلفزة، تدرك ان الوثيقة الوحيدة صوّرها شخص مجهول الهوية نصادفه في الشارع كل يوم.

        أيزعجك أن يبقى اسمك مرتبطاً بـ"كليو من خمسة الى سبعة"، كونك انجزتِ بعد ذلك الكثير من الأفلام التي توازيه أهمية؟

ـــ انت مَن تقول ذلك. آخرون يذكرون افلاماً اخرى. البعض يأتيني ليقول لي ان "بلا سقف أو قانون" كان صدمة كبيرة في حياته. في المقابل، لا يمكن أن ننكر ان "كليو" أعتُبر واحداً من الأفلام المهمة في تاريخ السينما، كونني قاربتُ مسألة الزمن والجغرافيا بطريقة مختلفة عمّا كان سائداً آنذاك. أما أنا، فأحب ايضاً "جاكو نانت"، حيث لجأتُ الى صيغة خاصة تتكون من صور له ومن الأشياء التي استلهمها، لتصوير سيرة زوجي المخرج جاك دومي. في كل فيلم لي، حاولتُ ان أختبر شيئا ما، لأرى كيف استطيع استخدام السينما ولأرى اذا كان المشاهدون سيقدّرونه ام لا.

 (...) الفضول والرغبة في البقاء حراً، هذان سلوكان شخصيان. السينما لا تقتصر على هاتين المسألتين فقط. السينما هي ان تعثر على الشكل المثالي لتروي ما يجول في بالك. هذه هي النقطة الاساسية. ينبغي الا نخطئ لا في الاداة، لا في المقاربة. انجزتُ مسلسلاً صوّرته كله بكاميرا محمولة. وجدتُ ان هذا الشكل الجمالي يناسب الاطروحة. طبعاً، اذا اردتُ ان اقدّم فيلماً عن فنان تشكيلي كبير، سأثبت الكاميرا في أرضها. الحرية هي حرية الفكر وامتلاك الجرأة للخروج على القوانين وعدم سماع ما يقولونه لك. خذ شَعري، أجل شَعري. أسرحه على هذا الشكل مذ كنت في العشرين. تغيّر لونه قليلاً، لكن الشكل هو هو. ما اريد قوله هو انك لست مرغماً على شيء. رفضتُ انجاز الكثير من الأفلام لأنني كنت اجد نفسي غير مستعدة لها او لم يكن الوحي على موعد معي. قابلتُ اوليفر ستون مرة. كان لقاء جميلاً. فوجئتُ عندما قال لي إن لديه خطة عمل للسنوات الخمس المقبلة، يعلم بالضبط ما هي الافلام التي سيصنعها. وهذا ما اتمه، وكانت افلاماً جيدة. لكني قلت في سري: "يا له من مسكين، هو صار مورطاً في برنامجه الخاص".

الأمر اشبه بأن تؤلف مسرحية وتلتزم الدقة الخالصة في طرح حوادثها، ثم تلتزمها اثناء التمثيل. اثناء تصوير "بلا سقف أو قانون"، كنت ادرج تفاصيل جديدة في الفيلم صباح كلّ يوم. من الخامسة الى السادسة، كنت أجلس وأدوّنها على ورقة، اذ لم يكن لي الوقت لأطبعها على الآلة الكاتبة. أحياناً، كنت اكتبها بشكل اوضح. الحرية لا تعني ان تخضع لنفسك وان تكون مطيعاً لها. وايضاً، ليس ان تقول "لديّ سيناريو عليّ ان اتبعه". قد ينجح هذا الاسلوب أو يفشل. السرّ هو ان تلمس ما يدور أمامك وتشعر به بكلّ حواسك. يجب أن تعلم وأنت تصوّر، ما المزاج الطاغي، كيف هي حال الطقس، لأن تبدلاً بسيطاً يؤثر سلباً في الفيلم. هناك ايضاَ العلاقات الانسانية. كلما زادت ثقة الممثلين بك، أعطوك من دواخلهم وأكثر. هذه مهنة مشوّقة، هذا اذا صحّت تسميتها مهنة. انا اعتبرها دعوة بالمعنى الديني للكلمة. اذاً، كل فيلم هو تحدٍّ. ليس بالضرورة لنفسك، انه تحدٍّ نابع من سؤال "هل أتمكن من العثور على الطريقة المثلى لانجازه؟ وهل سيستمع الناس بما أقدمه أو على الأقل ينشأ حوار بينهم وبين الفيلم. في احدى المرات، أخرجتُ فيلماً كوميدياً، "مئة وليلة". كان الفيلم فشلاً ذريعاً في شبّاك التذاكر. اعتقد أن الناس رفضوا أن أقتحم مجال الكوميديا، وكانوا يريدونني ان ابقى في الدراما الاجتماعية. لا بأس، في تفكيري أنني قمت بعمل لطيف.

        هل الخلق يحتاج الى ايقاع حياتي معين، أم انه يأتيك بشكل مفتت فوضوي من دون تخطيط...؟

ـــ طبعاً، كلّ شيء يحدث هكذا، والا لكنت اعتزلتُ. سابقاً، كنت في صحّة جيدة. كنت انهض وأقول: "يا له من يوم جميل". اليوم، احتاج الى ساعة على الأقل كي استعد للخروج من البيت. عليّ الاستحمام والاهتمام بحقيبتي، وشدّ ساقيّ. كوني لم أعد المرأة التي كنتها، لم يعد الاستيقاظ من النوم متعة كبيرة. احياناً، لا يوافق مزاجي لمشاهدة فيلم، فأجلس في شرفة منزلي واتفرج على البحيرة التي امامي. يعجبني المشهد لأنه يتحول الى رمادي مع انتشار الضباب حول البحيرة، ثم يبدأ المطر بالتساقط، ثم تعود السماء رمادية، وهكذا. أقول في نفسي ما فائدة مشاهدة فيلم واحد، عندما يكون في تصرفي أفلام عدة.

        اذا الواقع يلهمك أكثر من السينما؟

ـــ آه، طبعاً. السينما لا تشكل عندي مصدر الهام. بدأتُ أشاهد الأفلام عندما بدأتُ أصنعها. اعترف انني لم اشاهد حتى عمر الخامسة عشرة الا عدداً قليلاً من الأفلام. ربما خمسة. والداي لم يصطحباني الى السينما في طفولتي. شاهدتُ فقط "بياض الثلج" عندما خرج الى الصالات. لم أذهب الى معهد السينما ولم اعمل يوماً مساعدة مخرج. في فيلمي الأول، أخترتُ الممثلة سيلفيا مونفور لأنها كانت تذكّرني ببيارو ديللا فرانتشيسكا. لم تكن المعايير التي استند إليها لاختيار الممثل هي نفسها المتعبة من قبل الآخرين. لم أكن اعرف شيئاً عن حجم الكادرات في تلك المرحلة.

دخلتُ السينما فجأة. التقي احياناً بشباب في الحادية والعشرين يكونون قد شاهدوا مئتي الف فيلم، بما فيها أفلامي. انه لشيء مبهر. السينيفيلية موجودة منذ زمن بعيد لكنني لم أكن يوماً سينيفيلية. كنت مهتمة بالرسم، أطالع كثيراً وأنجز صوراً فوتوغرافية عن المسرح. لم أكن أعرف شيئاً عن السينما. عندما التقيتُ ألان رينه، كان يعمل في المونتاج. تعلمتُ منه النزاهة والمناقبية في العمل. كان يمنتج الفيلم على نحو يكون أقرب من روحية المشروع. ربما، لو شاهدتُ التحف السينمائية التي كنا نسمع عنها، لما انجزتُ ايّ فيلم. كنت لأقول في نفسي: الأفضل ان اعمل في مجال آخر. في تلك المرحلة، كانت ايطاليا البلد الأكثر حضوراً في وجداننا. انطونيوني، فيسكونتي، وفيلليني الذي عشقته. لم تكن البلدان التي تنتج الأفلام كثيرة. الآن، هناك 60 بلداً منتجة للسينما. ألمانيا لم تكن قد هبّت مجدداً، ولا انكلترا. كان يأتينا فيلمان او ثلاثة من اليابان. لهذا السبب، كنا مشهورين جداً في العالم. كنّا أباطرة. حتى الآن، عندما اذهب الى اليابان والصين، يحادثني الناس باعتباري من "الموجة الجديدة".

·        رهيبة اطلالتك في "شواطئ أنييس"...

ـــ عندما تنجز فيلماً وثائقياً تكون في خدمة الموضوع الذي تتناوله. ولكن دائماً اسمح لنفسي بأن أكون جزءاً من الفيلم، واقحم نفسي فيه. في "بلا سقف أو قانون"، أردتُ أن أعطي الفيلم نسيج الوثائقي. هذا لا يعني انه كان وثائقياً، لأن كلّ شيء معدّ سلفاً. لا شيء يجعلني أنتشي أكثر من أن أرى المُشاهد يستمتع بما أُريه. هل تتذكر في "بلا سقف أو قانون"، المشهد عندما تفتح ساندرين بونير علبة السردين لتأكل؟ بعض المشاهدين قالوا لي إنهم شعروا بالزيت على أصابعهم. كم جميلة الطريقة التي كانت تأكل فيها، جميلة وحقيرة.
(...)
عائلتي لم تكن ترتاد السينما كثيراً. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وصارت المسألة أصعب ولم يكن لدينا المال. كنا نعيش في فقر مدقع، نتقاسم منزلاً صغيراً ونتناول الحساء معاً. لم يكن في مقدورنا الذهاب الى المطعم. والآن، انظر كيف يعاملونني في هذا المهرجان: لديّ غرفة واسعة مع شرفة مطلّة على البحيرة. هناك كثيرون يستحقون هذا التقدير ولا ينالونه.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

05.03.2015

 
 

"أزرار اللؤلؤ"

أمير العمري

عرض في مسابقة مهرجان برلين الخامس والستين الفيلم الوثائقي الجديد "أزرار اللؤلؤ" للمخرج الشيلي الشهير بارتيشيو جوزمان المعروف بأسلوبه الخاص في الفيلم الوثائقي، الذي يسير عادة في خطوط عدة، تتقاطع معا لتشكل في النهاية رؤية موحدة لموضوع متعدد المفاصل
وجوزمان من مواليد شيلي عام 1941، درس السينما في مدريد (إسبانيا)، وتخصص في إخراج الافلام الوثائقية التي أشهرها فيلم "معركة شيلي" الذي يسجل ويوثق فيه لسنوات تجربة حكومة الوحدة الشعبية وما لاقته من متاعب، إلى أن وقع الانقلاب العسكري عام 1973 ليطيح بحكومة الرئيس سلفادور ألليندي الذي قتل على أيدي جنود الانقلاب في القصر الجمهوري. وقد سجن جوزمان لفترة قبل أن يتمكن من الفرار من شيلي ونجح في تهريب المادة المصورة إلى كوبا حيث تمكن من عمل المونتاج لفيلمه الطويل، كما أخرج هناك أفلاما أخرى. وله فيلم مرجعي عن سلفادور ألليندي. وقد عاش في إسبانيا وفرنسا قبل أن يعود إلى شيلي حيث واصل التأريخ للمتغيرات السياسية في بلاده خلال الـ 40 عاما الأخيرة، وهو يمتلك مادة مصورة هائلة صورها لحسابه الشخصي كما يستعين في أفلامه بالكثير من المواد المصورة من الأرشيف

فيلمه الجديد ينطلق من موضوع شديد الأهمية هو موضوع الماء وأهميته في حياة البشر وخصوصا الشعب الشيلي، ورغم أن شيلي تطل على مساحة هائلة من المياه كما يقول في الفيلم مستعرضا في بداية الفيلم لقطات رائعة للطبيعة والسواحل في أقصى الجنوب، في إقليم بتاجونيا، إلا أن شيلي لا تهتم باستخدام تلك المساحات الهائلة الساحلية ولا تلك المياه التي تحيط بها. ويرجع جوزمان في فيلمه إلى فترة كانت البحار تشهد نشاطا كبيرا عندما كانت خمس قبائل من السكان الأصليين (الهنود الحمر) تستخدم تلك البحار (المحيط الهادي) في نقل البضائع والانتقال عموما.  

ويروي الفيلم كيف لعب المستعمر الإسباني ثم احتكارات التنقيب عن المعادن دورا كبيرا في هدم حضارة السكان الأصليين بل وإبادتهم. ويجري جوزمان في فيلمه مقابلات مصورة يستخدمها بطريقة شاعرية مقطعة على أجزاء فيلمه البديع، مع خمسة من السكان الأصليين  مازالوا على قيد الحياة.. يروون له ما تحفظه الذاكرة مما تعرضوا له.

من هذا المدخل ينتقل جوزمان أيضا إلى ما وقع في زمن الحكم العسكري من تجاوزات بلغت مرحلة القتل الجماعي.

لكن جوزمان لا يستخدم أسلوب الفيلم السياسي المباشر، التحريضي، الذي كان سائدا في الماضي، بل يلجأ إلى أسلوب شاعري، يستخدم المونتاج والتعليق الصوتي والموسيقى والعلاقة بين الأرض والنجوم التي سبق أن سبر أغوارها بالتفصيل في فيلمه البديع السابق "نوستالجيا للضوء" قبل ثلاث سنوات، فجوزمان يرى أن هناك علاقة وثيقة بين ما يحدث في الكون، خارج عالمنا المحدود، وبين ما هو كائن في جوف الأرض "حرفيا"، بين التاريخ: تاريخ الإنسان على هذه الأرض، وبين ما يكمن تحت هذه السماء، بين الماضي البعيد والماضي القريب، وبين الإنسان والتاريخ. ولذلك ففيلمه كما فيلمه السابق، عمل ذهني يخاطب العقل، وفي الوقت نفسه، عمل شاعري يصل للمشاهدين عن طريق ما تولده الصور من مشاعر وانفعالات، لكنه يدعوهم في النهاية إلى التأمل في أبعاد ومعاني الصور.

وإذا كان "نوستالجيا للضوء" يروي رحلة الضوء بكل ما يحمله الضوء من ألغاز في داخله، فإن موضوع فيلم "أزرار اللؤلؤ" هو رحلة الماء، وعلاقة الإنسان في شيلي به كما كانت، وكيف لعب الجشع والنهم الاقتصادي دورا رئيسيا في تغيير تلك العلاقة، بعد أن دخل المدفع والبندقية لإبادة السكان الأصليين والاستيلاء على أراضيهم.

يتحدث جوزمان عن فيلمه فيقول إن موضوعه الرئيسي هو الماء، وهو عنصر متكرر في الفيلم، وأنه اهتم بهذا الموضوع بعد أن قرأ كتاب العالم الألماني تيودور شوينك "فوضى حساسة"، وفيه إنه عندما تكون هناك كتلة ساكنة من الماء وعلى سطحها حركة طفيفة للغاية فإن هذه الحركة ترجع لحركة النجوم والكواكب في السماء. ويضيف ان الماء موجود داخل أجسام البشر بنسبة كبيرة، وهو بالتالي الوسيط بين أجسامنا والكواكب. وهذه هي الفكرة الأولى التي طرأت على ذهنه وهو يحضر لمشروع فيلمه. ويعترف بوجود الكثير من الجوانب المتشابهة بينه وبين فيلم "نوستالجيا للضوء"، وربما يخرج فيلما آخر يكمل به الثلاثية.

إنه يستخدم مفردات الشعر في تصوير العلاقة بين موضوع فيلمه الرئيسي وبين الموضوع الذي يؤرقه دائما والذي سبق أن تناوله في "نوستالجيا للضوء" أي ما وقع من قهر واغتيالات وتعذيب واختفاء للكثير من المعارضين السياسيين في زمن الحكم العسكري في شيلي بزعامة الجنرال بينوشيه. وحول هذا يقول: "لكي نتحدث عن المآسي الإنسانية، الإبادة الجماعية التي تقع، سواء ونحن نتطلع إلى ما يحدث في سوريا وفلسطين أو في شيلي أو الأرجنتين، من المهم أن نستخدم التعبير "المجازي" لأن المجاز معبر جدا، وقوي للغاية في نقل الرسالة. لقد رأينا صورا للمقابر الجماعية، وصورا لمعسكرات الاعتقال الجماعي في ألمانيا النازية، وهذه الصور مستقرة في داخلنا منذ فترة طويلة. وربما نكون بحاجة إلى الحديث عن هذه الأحداث، لكن ربما تكون الوسيلة الأفضل هي التعبير عنها بطريقة غير مباشرة باستخدام لغة الشعر. أعتقد أنه من الضروري العثور على لغة للحديث عن ظواهر مثل تلك الظواهر، لأن من المهم أيضا الحديث عن الألم، وهي مسألة مؤثرة.

تغيرت النظرة اليوم إلى الفيلم الوثائقي، وأصبح يعرض جنبا إلى جنب مع الفيلم الروائي والقصصي على الشاشة الكبيرة في المهرجانات السينمائية الدولية. ترى ما الذي تغير في أسلوب وطريقة عمل باتريشيو جوزمان منذ أن أخرج ثلاثيته الوثائقية الشهيرة "معركة شيلي" بين عامي 1975 و1979؟

يقول جوزمان إنه في السبعينيات "كان هناك تقليد سائد في السينما الوثائقية يعرف باسم "السينما المباشرة" ولكن اليوم أصبح الكثير من السينمائيين الوثائقيين المستقلين يستخدمون أيضا أساليب للسرد موجودة في الأفلام الروائية (الخيالية).. ويضيف "إننا نستخدم الوصف والحركة والموسيقى وغير ذلك من العناصر من أجل تطوير الشخصيات التي تظهر في الفيلم. إذن هناك عناصر شبيهة للغاية بما نراه في الأفلام الخيالية، ولكننا نقوم بتوظيفها من أجل صنع فيلم وثائقي. بإيجاز أقول إن جابرييلا باتريتو (وهي شخصية حقيقية تظهر في فيلم "أزرار اللؤلؤ") لن تكون أبد مثل جوليت بينوش، ليس من الممكن أن تصبح على نفس المستوى، فالاثنتان تمثلان واقعا مختلفا وليس ممكنا التوفيق بينهما. إننا نتعامل مع الواقع وبالطبع كل منا نحن مخرجو الأفلام الوثائقية، يبتكر ويطور أسلوبه الخاص، وعن نفسي فأنا أفضل التعبير باستخدام الصور المجازية. أما ما يتشابه مع الأفلام الروائية فهو أننا نستخدم القصص ونعثر على طريقة للربط بين القصص التي نرويها في الفيلم".

الجزيرة الوثائقية في

05.03.2015

 
 

"سماء قريبة"

صحيفة أمريكية تشيد بفيلم للمخرجة الإمارتية نجوم الغانم

24. إعداد: محمد هاشم عبد السلام

قدم الناقد السينمائي في مجلة "فارايتي" الأمريكية العريقة المتخصصة في السينما والمنوعات، جي ويسبيرج، استعراضاً مميزاً عن فيلم المخرجة الإماراتية نجوم الغانم "سماء قريبة". وتالياً ترجمته:

يثبت فيلم "سماء قريبة"، الذي يتناول قضية تمكين المرأة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه ليس بمقدور أحد أن يُظهر ويُبرز جمال بلادها، أفضل من المخرجة الإماراتية الرائدة نجوم الغانم.

وبالإضافة إلى أن موضوعها هنا على قدر من القوة والروعة: فاطمة بنت علي الهاملي، المرأة الإماراتية الوحيدة التي تُشارك بجمالها في مسابقات الجمال أو الإبل، امرأة شجاعة لا تخشى شيئاً، ينطبق عليها مصطلح "النباهة"، بشخصيتها المتميزة تشق لنفسها طرقاً تكسر الأعراف، وبالرغم من ارتباطها ارتباطاً كاملاً بعادات وتقاليد أهلها وشعبها، فإنها تحاول أن تلقي حجراً في المياه الراكدة بدون إفساد للمياه.

وليس هناك شك في أن فوز الفيلم بجائزة مهرجان دبي العام الماضي، سيطلق هذا الفيلم في سماء المهرجان الدولية القادمة.

تنبع متعة الفيلم من المزج بين موضوع الكاريزمية والصور البصرية الشعرية، وكما هو الحال مع فيلميها السابقين "أمل" و"أصوات البحر"، تظهر الغانم وتبين مدى حساسيتها تجاه المناطق الرائعة بالصحراء حيث الرمال والسماء، إلى جانب إدراكها واعتزازها الفني بالعناصر الفريدة في ثقافتها

وبالرغم من كونها تبدو على نحو شديد الصغر والضآلة، إلا إن الهاملي أكبر من الحياة، تصمم على دخول حيواناتها الجميلة التي تربيها وترعاها إلى عالم مسابقات الجمال بأبوظبي المقتصر بأكمله على الرجال، الجوائز ليست سيئة: مرة سيارة رانج روفر ومرة رولز رايس.

وبقدر ما كانت ترغب في الفوز، وهي بالفعل تريد حقاً أن تفوز، فإن معركة الهاملي الكبرى كانت متمثلة في نزولها إلى مضمار أو حلبة التسابق، فمنظمو المسابقة كانوا إما يستبعدون جمالها لأنها غير لائقة أو يتعاملون معها بقدر من التعالي والاستخفاف، هذا إلى جانب إبداء بعض المشاركين أو المتفرجين لانزعاجهم من رؤية امرأة تدخل مجال الرجال على مرأى من الجميع. لدرجة أن أحد أبنائها أعرب عن عدم ارتياحه للفكرة برمتها، لكن الآخر، الأكثر دعماً وتفهماً، يقول إن والدته تحاول أن تملأ الفراغ الذي نجم بعد ترملها.

والهاملي، التي تتسم بخفة الدم والمرح، والتي ولدت في الصحراء جنوبي أبوظبي، تظهر في كافة المناسبات أو المواقف الأخرى كامرأة على قدر واضح من التقدير والاحترام لتقاليدها، دائماً تضع وشاح الوجه الخفيف المسمى البرقع، لديها مساعد سوداني يتعامل مع أي مهام بدنية أخرى تخص الجمال، باستثناء، مثلاً، غسل شعر الجمال بالشامبو، كما أنها تفضل بيتها بالصحراء عن منزلها بالمدينة، وهي أيضاً من أنصار الترويج لمنتجات الجمال الشهية، من زبد حليب الإبل الطازج.

إن هذا المزيج الذي جمع بين الهاملي والغانم من المصادفات السعيدة والموفقة فعلاً، نظراً لأن العين الثرية والحساسة للمخرجة تجاه العالم من حولها جمعت بين الشعور بالاحترام تجاه ما هو غريب ومُسل وممتع

وجاءت عدسة بنيامين بريتشارد سينمائية بامتياز وأيضاً مثيرة للعواطف والذكريات، مع إحساس مُرهف في التقاط الكادرات وتأطيرها، إلى جانب لقطاته الخلابة فوق الكثبان الرملية التي استحضرت عالماً غريباً لكنه مألوف، وحتى اللقطات المُنفذة بطريقة التصوير البطيء استُخدمت وجرى توظيفها على نحو يتسم بالحكمة والحصافة.

حتى الآن، عُرض الفيلم في مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، وحاز على جائزة المُهر الطويل لأفضل فيلم غير روائي، كما شارك أيضاً في مسابقة مهرجان هونج كونج السينمائي. يبلغ زمن عرض الفيلم 85 دقيقة، وهو من تأليف وإنتاج وإخراج نجوم الغانم.

موقع (24) الإماراتي في

06.03.2015

 
 

غسان مسعود لـ «سينماتوغراف»:  نحن في زمن تصنيع الحقيقة من صور مصنوعة

المدينة السورية اليوم تقف على فالق زلزالي فإما أن تسقط أو ترتد عن الهاوية

دمشق ـ «سينماتوغراف»: سامر محمد إسماعيل

كانت مسرحية «ليالي الحصاد-1987» لمحمود دياب وجواد الأسدي أولى العروض التي شارك فيها بعد التخرج من المعهد المسرحي بدمشق، ليقف بعدها أمام فواز الساجر في مسرحية «سكان الكهف- 1988» ومن ثم ليقدم مسرحيته «الملك لير-1995» في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي؛ منتزعاً جائزة أفضل عرض مسرحي؛ ولتتوالى بعدها العروض التي قام «غسان مسعود- 1958» بإخراجها على نحو: «ألو تشيخوف، لن يكون، مذكرات رجل نعرفه جيداً، ريما، كسور، عربة ترام اسمها الرغبة، الدبلوماسيون، عرش الدم». 

في السينما وبعد أدائه لشخصية الضابط الإسرائيلي في الفيلم الإيراني «المتبقي- 1994» انتقل مسعود إلى استوديوهات هوليود فأدى شخصية صلاح الدين الأيوبي في فيلم «مملكة السماء» للمخرج ريدلي سكوت، ومؤخراً أدى دور «كاهن الفرعون» في فيلم لسكوت أيضاً بعنوان «سِفر الخروج» بعد عدة أفلام شارك فيها هناك، بينما يستعد الآن لأداء شخصية «شمس الدين التبريزي» في فيلم عن رواية «قواعد العشق الأربعون» للتركية إليف شافاق.

«سينماتوغراف» التقت النجم السينمائي العالمي في بيته بدمشق، وكان معه الحوار الآتي:

·        ألا ترى معي أن هوليود التي تقدم البديل لسينما العالم هي أيضاً تعمل على تسويق فن دعائي بطريقة أو بأخرى؟ 

البعض يقول إننا في زمن الصورة، أنا أقول نحن في زمن صناعة الصورة، وطورنا هذا الكلام اليوم لنقول نحن الآن في زمن تصنيع الحقيقة من صورٍ مصنوعة، فأمريكا كونها تملك الميديا والسطوة العسكرية والاقتصادية في العالم لا نستطع أن نتكلم عنها عاطفياً؛ فأعمالها السينمائية التي تشكل هوليود عاصمتها، يجب أن نتكلم عنها براغماتياً.. أمريكا تشتغل مصالحها حول الكوكب، فهل نشكو أم نشتغل مصالحنا؟ برأيي العرب يشتمون النموذج السينمائي الأمريكي ويتفرجون عليه في الوقت نفسه؛ وهذه مفارقة، ما أريد قوله: صحيح أن الأمريكي يقدم لنا سينما دعائية، لكن سينماه جديرة بالمشاهدة، في حين أن ما يقدم اليوم من أفلام دعائية عربية غير جديرة بالمشاهدة، لسبب أن الأمريكي يقوم بصناعة سينما دعائية متقنة مئة بالمئة، وتكلفه عشرات ملايين الدولارات؛ والأمريكي جديٌّ للغاية في أن يضع علم بلاده في كل كادر من الفيلم لو استطاع، وأن تكون بزة المارينز والكوكا كولا في كل فيلم ومشهد ولقطة حين يحتاج إلى ذلك فنياً أو إعلانياً؛ هو جديّ للغاية في جعل سينماه ترويجاً لنمط العيش والحياة الأمريكية حول الكوكب، ولتعميم هذا النموذج، لتجد أن هناك صناعة سينمائية يحلم بتحقيقها كل من يعيش على هذا الكوكب.

·        إذاً ماذا تفعل السينمات الصغيرة أمام هكذا نوع من السينما الدعائية؟ 

السينمات الصغيرة، لاسيما في بلداننا وبلدان العالم الثالث هي أمام هوليود لا تلبث أن تكون سوى أسماك صغيرة أمام حيتان الفن السابع في العالم، هذا أكيد.

·        إذاً ما هو المخرج اليوم من هذا الفيلم الأمريكي الطويل؟ من هذا العنف المكرس في السينما ونشرات الأخبار ووسائل الميديا الجديدة؟

العنف يأخذنا إلى ما نعيشه اليوم في الأزمة السورية، وما نريد تقديمه من أفلام أو دراما أو مسرح؛ إلا أن نشرات الأخبار قادرة على أن تسبقك به، وما تحققه بعمل فني يستغرق منك أربعة أشهر من العمل المتواصل سواء سينمائي أو مسرحي؛ سيسبقك فيه الحدث الدائر على الأرض ويتركك الخبر الصحفي وراءه بآلاف أميال وأميال، أين نحن من الخبر؟ أما عن السينما فكل واحد منا يشتغل سينماه على قده، خذ أشقائنا المصريين وهم يشتغلون سينما ليل نهار ولديهم شباك تذاكر جيد.. وهناك الهند وباكستان وإيران، هذه سينمات تنتظر فرصة، فإلى أن يصح لها أن تخترق فتخترق سطوة هوليود، لكن هؤلاء ما زالوا مرتاحين لفكرة الميزانية الصغيرة في صناعة الفيلم السينمائي والمشغول على مقاس بلادهم.

·        لكن اليوغسلافي- الصربي إميل كوستاريتسا وكذلك الياباني كيروساوا حققا اختراقاً كبيراً في هذا السياق؟ 

هذه ظواهر لا يمكن تكرارها أو تعميمها في سوق السينما الدولية.

·        كأني أفهم من حديثك أنه لديك ما يشبه ولاء لهذه السينما العملاقة الضخمة والتي تشتغل وفق ميزانيات خرافية؟

لو كان عندي ولاء لهذه السينما أو ولاء لهوليود لوجدتني استبدلت هويتي السورية، ولكنتُ ذهبتُ إلى هوليود بلا عودة منذ العام 2005؛ وهذا بالإمكان، فهناك عروض جيدة قُدمت لي، وعروض كثيرة رفضتها يعرفها الجميع، لكن ما هو الفرق؟ لقد ذهبتُ إلى هوليود وأنا في حالة وعي متقدم، ومرحلة عمرية لا بأس بها، فكنتُ أعرف لماذا أذهب، وما هو المطلوب مني كعربي وكسوري كي أبقى هناك؛ فعندما وضعتُ في الميزان وقارنتُ بين حضوري في بلدي وكيف سأحضر هناك من جديد؛ وجدتُ أن مصلحتي تقتضي أن أكون في بلدي وبين أهلي، لا أن أكون في هوليود، فهناك لم يعد لدي متسع من الوقت كي أبدأ من جديد، لقد عرفتُ جيداً أنه في هذه المرحلة من العمر لن يقدموا لي دوراً أولاً، ففي هوليود يخرج الممثل في سن الخامسة والثلاثين من حسابات شباك التذاكر، ليعمل كممثل في أدوار ثانية وثالثة، فهل من المصيب أن أذهب إلى هوليود وأعيش هناك كممثل يتقاضى أجره من أدوار الصف الثاني أو الثالث؟ هذا براغماتي إذا أحببت، أما من ناحية ارتباطي ببلدي وشعبي فكان من المستحيل أن أعيش هناك وأترك وطني أو أن أعمل في سينما تشتغل ضده، ولهذا تحدثتُ عن المصلحة ببقائي هناك حتى لا أزاود على أحد ولا أبيع وطنيات لأحد، لذلك أنا لا أنتمي لسينما هوليود، لكن في الوقت ذاته لا أقول لا لعرض جيد يدعوني للمشاركة في هذه السينما

يصمت ويتوقف مسعود عن الكلام ثم يذهب باتجاه مكتبه فيخرج كراساً؛ يتصفحه قائلاً لي: أريد أن أقرأ لكَ بعض ما كتبته وهو بروفات لكتاب أسميته «خلاصات» يقرأ:

وإني رأيتُ الفتنةَ قائمةً فقعدتُ؛ وإني رأيتُ الله ينأى بنفسه عن السوريين فنأيتُ، واقتفيتُ الأثر فوجدتُ أن الله تخلى عن الأمةِ كلها يوم أن تعب منها؛ فاستشعرتُ جهنم والشرر المستطير، وإني رأيتُ نخباً من النخب عبيداً وكنتُ أظنهم سادة..

يقرأ فقرةً أخرى بعنوان: «ورابعهم»:

أحب كلبي لأنه مازال باسطاً ذراعيه ينتظر دون كللٍ؛ صابراً دون شكوى، وفياً أكثرَ من قدرتي على الفهم، ومن قدرته على النطق؛ كل صباح أصلي وأشكر ربي أن كلبي سيبقى كلباً؛ ولن يكون من بني البشر.

هذه أيضاً خلاصة كتبتها حين غادرت دمشق- يقول مسعود:

أقف على تخوم المدن العربية وخلف ظهري أم المدائن تحترق؛ كالقطة تحمل صغارها في فمها وتذهب بهم من مكانٍ إلى آخر، علّها تأمن عليهم من شرٍ قريب وخطرٍ مؤكد، قلقها خوفها عليهم لا يجعلها تستقر في مكان إلى أن يشتد عودهم، يحدث كل هذا زمن السلم، فماذا عساني أفعل في زمن الحرب؟ حملتُ أفراخي في فمي وفكرة أم المدائن بيني وبين ضلوعي؛ وعلى ظهري حقيبة سفر، إلى أين؟ أشتهي أقل المدن خراباً؛ أقلها حراً أقلها برداً. أشتهي مدينةً على مرمى القلب والبصر من أم المدائن، أريد مكاناً يشبه من أحببت، يذكّرُني على الأقل بمن أحب، يعوضني أماناً مفقوداً، لا أشتهي فرحاً لأنه ترف، ولذلك كانت بيروت.

·        ويتابع مسعود قراءته حين أسأله: لكن ما رأيك بواقع المثقفين السوريين اليوم؟

حلمتُ بأن أمة إقرأ تقرأ، وبأنها بلا طوائف؛ وأن سيوفها ليست عليها، بلا حدود وجوازات سفر، لا تحّمل أبنائها دماً ولا يطلبون دماً؛ وضعوا البيض كله في سلة الأفعى؛ يا للغرابة يا للعجب! التهمت الأفعى البيض كله لما العجب، غضب المثقفون وشعروا بالإحباط والغدر لكن الأفعى تحبُ البيض، هل كنتم تعرفون؟

·        أسأله أي خلاصة اليوم قادرة على تهجئة هذا الموت العمومي في سورية؟ فيرد عليّ بقراءة مقطعٍ آخر؟

في سورية بلدي زمانٌ للموت، مكانٌ للموت؛ واليوم هو الزمان وهو المكان، ليس المهم لأي سببٍ تموت وكيف تموت وبأي ذنب؟ يكفي أن تدخل دائرة الزمان والمكان السوريين، فأنت هدفٌ محتمل، قتيلٌ محتمل، كافرٌ محتمل، خائنٌ محتمل، ليس بالضرورة أن تكون طرفاً في المعركة أو طرفاً في السياسة، يكفي أن تكون سورياً لتدخل فخ الزمان الخطأ والمكان الخطأ.

·        لكن كيف تفسر انخراط بعض الفنانين في العمل السياسي، ما رأيكَ بذلك؟

مستحيل على من اشتغل في الفن وفهمه أن يشتغل في السياسة إذا كان قد فهم طبيعة ووظيفة الفن؛ لهذه الأسباب فقط قلقٌ شكٌ خوف، ترددٌ، أسئلة في عالم الإجابات المفتوحة؛ مفتوحة على الاحتمالات التي من شأنها أن تزيد القلق قلقاً والشك شكاً والخوف خوفاً والتردد إرباكاً وتردداً؛ على تخوم العقل عواصف العواطف والخيال التي تودي أحياناً بالعقل في دوامة الجنون. هنا في القلب من العاصفة، وعلى ضفاف الحدين، حد العقل والعاطفة عثرتُ على الفنان محاصراً مرتين وأكثر؛ على فكرة هاملت لم يكن أكثر من ذلك، فما الذي منع الأمير الدنماركي عن الفعل، وأبقاه بين التردد والتردد رغم معرفته الأكيدة.

·        البعض يقول إن نخبة الفنانين السوريين كان يمكنها أن تلعب دوراً رئيساً في مشاريع ثقافية كان من شأنها أن تسهم في تطوير مجتمعاتها بعيداً عن مغريات المال التلفزيوني ومؤسسات السلطة؟

للأسف في الفترة التي بدأتُ أنا والعديد من زملائي بالتفكير في صياغة فضاءاتنا الخاصة بنا ثقافياً وفنياً وفي قلب العاصمة دمشق، كان الأوان قد فات تماماً؛ فحين بدأنا نحفظ كرامتنا من مهنتنا مادياً، وبدأنا نفكر بالأحلام الشخصية لتنفيذها كأحلام جمعية على مستوى البلد، أقول في هذه اللحظة التي بدأنا نفكر جدياً في هذا الاتجاه تغير كل شيء، وبدأت الأزمة في سورية.

·        وبماذا كنت تفكر قبل اندلاع الأزمة؟

أول شيء فكرتُ فيه هو فضاء مسرحي خاص بي؛ وكنتُ قد وضعتُ مشاريعاً كثيرة لتنفيذها في سورية؛ وكانت أولى هذه المشاريع هو تأسيس فضاء مسرحي مستقل في قلب دمشق للعمل على مشاريع فنية عديدة كان أبرزها إخراج مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» لسعدالله ونوس، وإخراج مسرحية «الملك لير» لشكسبير، لكن حدث ما حدث وتبددت أحلامنا، على أي حال في النهاية نحن أشخاص، أفراد، لسنا مؤسسات ولسنا أصحاب قرار حتى نستطيع أن نطرح مشروعاً ونمشي وراءه لتحقيقه.

·        لكن كنتم على الأقل تستطيعون التأثير في السياسة الثقافية لبلدكم؟

لا؛ بتواضع أقولها.. لا؛ لم أستطع أن أؤثر في السياسة الثقافية، وإذا سألتني لماذا؟ سأقول لك: هذا ليس الوقت المناسب لإثارة هذا الموضوع؛ وأنت تعرف جيداً والجميع يعرف كيف كانت علاقتي سيئة مع وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على هذه المهمة في الحكومات السورية؛ لم أتفق ولا مع واحدٍ منهم؛ باستثناء العرض الذي حققته عن نص لشكسبير بعنوان «عرش الدم» من إعداد وزير الثقافة السابق الدكتور رياض عصمت، وقتذاك شعرتُ بمسؤوليتي كأستاذ في المعهد المسرحي اتجاه طلاب التمثيل الذين يجب في نهاية المطاف أن يجدوا من يقوم بتخريجهم، وهذا واجب علي وحق لهم؛ ولهذا قمتُ بهذا التعاون؛ لكنها هي السنة الوحيدة التي درّست فيها بالمعهد وندمتُ عليها بسبب مستوى الطلاب الذين قمتُ بتخريجهم، فدائماً كنتُ أقول لهم: إذا لم تجعلوني أحبكم؛ على الأقل دعوني أحترمكم، لكن ألا أحبكم وألا أحترمكم فهذه كارثة.

·        هل يعود ذلك إلى أننا كنا نعيش زمن المدينة السورية وفقدناها اليوم، أم أننا كنا نوهم أنفسنا بوجودها؟

المدينة السورية تقف على فالق زلزالي اليوم، فإما أن تسقط في هذا الفالق؛ وإما أن تمسك نفسها وترتد عن حافة الهاوية، أخشى أن نكون قد فهمنا فكرة المدينة فهماً خاطئاً؛ فهل المدينة بالنسبة لنا كسوريين هي المدينة السوق، أم المدينة المسرح؟ أم هي المدينة الصالونات والمتاجر، أم هي صالات الفن التشكيلي والمهرجانات التي كانت موجودة بكثرة في بلادنا، أم هي المدينة المقهى والحوار، أم المدينة هي الحارة المغلقة؟ أعتقد أن هناك مشكلة في فهم فكرة المدينة، كل ما ذكرته هل هو كافٍ للخروج بمدينة؟ شخصياً لا أعرف، لستُ متأكداً أننا فعلاً كنا قد استوعبنا كسوريين مفهوم المدينة؟ لقد كان هناك مشكلة أمام العناوين العريضة التي قد توصلنا إلى مستوى المدينة، فهل كانت هذه العناوين حقيقة أم زائفة؟ هل كانت عناوين المدينة التي تم طرحها في العشر سنوات الماضية أصيلة في سلوكنا كبشر يطمحون لبناء مدينتهم؟ أعتقد أنه سؤال بغاية الأهمية وهو اليوم برسم كل السوريين. شخصياً أجيبك بأنه إذا كان أحد العناوين الكبرى للمدينة هو المسرح، هو اللقاء والاجتماع، والحوار؛ إذا كانت هذه عناوين أساسية لصياغة المدينة والمدنية أقول لك: نعم، لكن أين وصلنا بهذه العناوين اليوم؟ لا أعرف إذا ما كانت رغبتنا ببناء المدينة السورية حقيقة وأصيلة أم كانت زائفة.. لا أتكلم هنا عن عُصب وتجمعات ولوبيات ثقافية، أتكلم بالعام ولا أدري أصالة هكذا مفاهيم في حياتنا قبل آذار 2011 ومدى زيفها.

·        البعض يقول إن دمشق بالأصل هي مدينة تحصينات؛ مدينة فتوحات إسلامية، وهي مدينة «نهاية النهايات» كما يصفها أدونيس، لا تستطيع أن تكون هذا الفضاء المفتوح على الآخر؟ 

قد يكون في هذا الكلام سياسة واجتماع وفكر في وقتٍ واحد، أعتقد أن دمشق ببعدها الاجتماعي الثقافي حاولت دائماً أن تخرج من الأسوار، ففي السنوات الماضية كان هناك الكثير من المهرجانات والعروض المسرحية والسينمائية والمعارض التشكيلية ومعارض الكتب والكثير الكثير من النوادي ومقاهي المثقفين، واللقاءات الغزيرة بين نخب سياسية واجتماعية وثقافية، كل هذا كان موجوداً ما قبل 2011 وكان هذا النشاط يعطي صورة بأن حيويةً ما تحدث لهذه المدينة، لاسيما في حجم الضيوف الذين كانوا يأتون إلينا ونذهب إليهم؛ كل هذا كان يؤشر أن دمشق مدينة قادرة أن تكون منفتحة على الآخر، وأن تخرج فوق أبوابها وحصونها وأسوارها، لكن أعود للتساؤل: هل كانت هذه الحيوية حقيقة ومؤصلة في حياتنا كسوريين قبل أن تكون جادة وفاعلة وليس مجرد تشريفات في حياة النخب الثقافية والسياسية؟ أم كان ذلك شكلاً من أشكال النفاق والزيف؟ أعود وأقول لك: لا أعرف؛ لكن عندما ترى هذا الانقسام العمودي المرعب للنخب الثقافية والفنية في سورية بعد تعرض البلاد لهذه الهزة الزلزالية ستتوقف كثيراً لتسأل نفسك عن مصداقية ما كنا نقوله حول مفهوم المدينة، فسورية اليوم تتعرض لزلزال سبع درجات؛ زلزال حدث فيه انقسام عمودي بين النخب ذاتها، وليس بين الناس والناس وحسب، بين الناس كان الانقسام أبسط، لكن بين النخب كان انقساماً حاداً وقاسياً، وارتد الكثير من هذه النخب ليكون بدواً رُحّلاً، فاختبئ بعضهم وراء مذهبيتهم وعشائريتهم ومناطقيتهم وعنصريتهم، وقفوا وراءها، ورفعوا يافطات طائفية، يافطات مرعبة، هم الذين لم يكونوا يصلوا لم يكونوا يصوموا لم يكونوا يزكوا، تراهم اليوم في هذا الزلزال يرفعون يافطات طائفية ومذهبية، ما هذا النفاق؟ هؤلاء الناس قرأنا لهم كتباً وقرأنا لهم مقالات في الصحافة، فهل كان حضور هؤلاء الثقافي والحضاري والمدني حضوراً أصيلاً؟ أم حضوراً مزيفاً، شخصياً أعتقد أن حضورهم كان حضوراً مليئاً بالانتهازية ورياضة ركوب الأمواج.

·        إلى من تلمح في كلامك؟

لا أسماء، لا تعنيني الأسماء، لا قيمة للأسماء اليوم، فما حدث في سورية هو طوفان نوح؛ هل تتوقع أن هناك اسماً يقف في وجه طوفان نوح؟ أية أسماء هذه قادرة على الوقوف اليوم في وجه هذا الطوفان؟ ما عاد أحدٌ مهماً، لقد تحولنا في حضرة هذا الطوفان إلى تفاصيل صغيرة، وربما في كثير من الأحيان نمشي مع سيل السيل، مع الطمي.

·        برأيك هل أخذ الطوفان المدينة إلى غير رجعة؟

من يشتغل في المسرح والسينما وفي الفن عموماً هو في أكثر من خمسين بالمائة في شخصيته حالم، وخمسين بالمائة تقني وعاقل، ولأننا هكذا سنبقى نحلم بتلك المدينة التي إما أن تكون على نسق جمهورية أفلاطون، يوتوبيا مجردة؛ أو نسخة معدّلة كي تقبل الشعراء والمسرحيين فيها؛ هذا سيبقى حلماً مع الأسف الشديد؛ فما يحدث وعلى مستوى الأمة كلها أن هناك هوة مرعبة ما زالت تفصل بين الفنان الحالم وبين الشارع، وقسوة الواقع، جميعنا نحلم ببغداد ودمشق والقاهرة أمهات المدائن، ليكن فيها السوق والدكان والتجارة والثقافة والشعر والمسرح وزحام السير وحركة التصدير والاستيراد، نعم كل هذا نحلم به جميعاً؛ لكن كيف يتحق؟ هذه أسئلة كبرى ستأخذني إلى منطقة لا أريد الدخول إليها الآن؟ لكن على الأقل كانت بغداد ودمشق والقاهرة هي المداميك الثلاث للأمة، وعندما اهتزت هذه المدن الثلاث اهتزت الأمة بأسرها، هذا الخراب نتيجة الاهتزاز الشديد الذي نسف حتى للأحلام مشروعيتها، لكن لا يعتقدن أحد أنه بتدمير عاصمة من هذه العواصم أنه استطاع تدمير هذه المدينة، المدينة تستطيع أن تخرج من رمادها كطائر العنقاء، فدمشق مثلاً يرقد تحتها سبع مدن، قلاع سورية دُمّرت عشرين مرة، وبُنيت عشرين مرة، وبقيت القلاع قلاعاً، بقيت الثقافة بقي هذا الإرث الحضاري، المدينة قادرة على النهوض دائماً، ما يقلقني هنا ليس خراب الحجر والشجر، يقلقني الإنسان القادر على النهوض بمعنى هذا المكان؛ شخصياً أرى أن الإنسان ضُرب في صلبه، فأكثر ما يقلقني هو ضرب النسيج الاجتماعي السوري؛ كون نسيج النخب السورية تبين لي كم هو هش؛ وكم هو قابل للعطب وللكسر، وكم هو غير مرشّح لبناء المدينة؛ هذا ما يخيفني، المدينة مشروطة بالإنسان المرشح لبناء المكان، وهذا مقلق على المستوى البعيد، وخطير جداً، تقول لي مدينة؟ أية مدينة؟ لنتمكن أولاً من العودة إلى رمي السلام على بعضنا وبعدها نلتفت للمدينة؛ هذا مخيف جداً؛ اليوم المدينة بخطر.

سينماتوغراف في

06.03.2015

 
 

من أبرز مرافق هوليوود ويسهم بتطوير عجلة الإنتاج الدرامي والسينمائي في المنطقة

«ستار غيت» وجهة المنتجين في «دبي للاستوديوهات»

دبي ـ غسان خروب

نقلة نوعية أحدثها التطور التكنولوجي في عمليات تصوير وإنتاج الأفلام والمسلسلات الدرامية، فمن خلالها لم تعد شركات الإنتاج بحاجة إلى التصوير في المناطق الخارجية، وأصبح بإمكانها إنجاز أي فيلم أو مسلسل داخل جدران استوديوهات مزودة بما يعرف بـ«غرين سكرين» (الشاشة الخضراء)، والتي يتم فيما بعد استبدالها بأي خلفية ينص عليها السيناريو، أو يريدها مخرج العمل.

وهي العملية التي يتولى استوديو «ستار غيت» الذي يتخذ من مدينة دبي للاستوديوهات مكاناً له، القيام بها، بعد الانتهاء من تصوير العمل بالكامل داخل الاستوديو، ليتيح أمام الشركة المنتجة للمسلسل إمكانية اختيار مواقعها من بين أكثر من 4500 موقعاً حول العالم، ما يجعل منه قبلة للمنتجين في مدينة دبي للاستوديوهات.

أعمال درامية

منذ افتتاحه في يوليو الماضي بمدينة دبي للاستوديوهات، أنجز استوديو «ستار غيت» العديد من الأعمال الدرامية وأبزرها مسلسل «سرايا عابدين»، الذي عرض في رمضان الماضي، وكذلك مسلسلا «تحالف الصبار» و«فرصة ثانية» وغيرها.

وتمكن الاستوديو خلال 4 أشهر فقط من تنفيذ نحو 4500 لقطة، بحسب تأكيدات مديره العام في الشرق الأوسط ريهان مالك لـ«البيان»، والذي قال إن طاقم عمله يعكف حالياً على إنجاز مسلسل «سرايا عابدين 2»، مشيراً إلى أن اختيار المواقع المطلوبة يتم بناءً على متطلبات السيناريو نفسه.

تقنيات متطورة

افتتاح استوديو «ستار غيت»، والذي يعد واحداً من أبرز استوديوهات هوليوود، في دبي، منح مدينة دبي للاستوديوهات بعداً آخر، وعزز امتلاكها لمجموعة استوديوهات متطورة تقنياً، ويؤكد ريهان مالك أن وجود هذا الاستوديو في دبي يمكنه المساهمة في تطوير عجلة الإنتاج الدرامي والسينمائي في دبي والمنطقة..

قائلاً إن وجود (ستار غيب) يوفر من التكاليف التي تتحملها شركات الإنتاج خلال تصويرها لأعمالها الدرامية، فضلاً عن توفيره للوقت الذي يحتاجه تصوير العمل، لا سيما أن التصوير داخل الاستوديو يسهم في ضبط الصوت والحركة مقارنة مع التصوير الخارجي.

تحالف الصبار

مسلسلا «تحالف الصبار» و«فرصة ثانية» واللذان تم تصويرهما بالكامل بمدينة دبي للاستوديوهات، شكلا باكورة عمل «ستار غيت» في دبي، ليأتي من بعدها الجزء الأول من مسلسل «سرايا عابدين»، وبحسب تأكيدات مالك، يعكف طاقم عمل الاستوديو حالياً على إنجاز الجزء الثاني من «سرايا عابدين»، والذي قال إنه يتكون من 12 حلقة..

مشيراً إلى أن تحديد العدد النهائي لحلقات المسلسل يعود إلى القناة التي ستعرضه. رغم وجود مشاهد من بيروت والقاهرة ونيويورك في مسلسل «تحالف الصبار» إلا أن المتابع لها سيفاجأ بأن العمل تم تصويره كاملاً في دبي، وإن إدخال مشاهد بيروت والقاهرة ونيويورك تمت في استوديو «ستار غيت».

راجي حنا مشرف في إف إكس في الاستوديو، قال: تمتلك استوديوهات «ستار غيت» مكتبة ضخمة من المواقع الحية يتجاوز عددها 4500 موقع حول العالم، وهي مصورة بطريقة تلائم الأفلام والمسلسلات. وأشار إلى أنه في حالة عدم وجود صور الموقع المطلوب لدى الاستوديو، تقوم طواقمه بتصويره فوراً بتقنية «360 درجة» لضمان انسيابية الحركة في المشهد، وإضافته إلى المكتبة.

ويشير راجي إلى أن الفترة الزمنية التي يستغرقها العمل على الأفلام عادة تكون أطول من المسلسلات، مؤكداً أن إنجاز الفيلم الواحد قد يستغرق فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهراً، مبرراً ذلك بحاجة الأفلام إلى تفاصيل دقيقة، في حين أن فريق عمل الاستوديو يحتاج خلال عمله على أي مسلسل إلى نحو أسبوعين للانتهاء من حلقة واحدة.

البيان الإماراتية في

06.03.2015

 
 

لا تهمها البطولة رغم فوزها بمجموعة جوائز

كارين فيار: لغة الصم هزتني من الداخل

إعداد: محمد هاني عطوي

يصفها نقاد السينما بالممثلة الطبيعية والأصيلة والصادقة، لذا أصبحت وجهاً لا بد من وجوده في السينما الفرنسية . ففي العام 2003 كانت من بين أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان "كان السينمائي الدولي" ومنذ عدة أعوام تنوع الممثلة الفرنسية كارين فيار في أدوارها ما بين المسرح والأفلام التلفزيونية، لتتحول فيما بعد أي في تسعينات القرن الماضي إلى الأفلام السينمائية التي لاقت استحسان الجمهور والنقاد بشكل كبير .

مجلة "إيل" الفرنسية قابلتها وحاورتها ووقفت على بعض أسرار هذه الممثلة المدهشة التي تحب دوماً الدخول مباشرة في أي موضوع دون لف ولا دوران ولا تصنع لأنها تعشق الوضوح حتى ولو كان صادماً في بعض الأحيان للكثيرين .

تعلق كارين على فيلمها "العائلة بيليه" عندما سئلت عنه قائلة: "إنه عمل يذهب مباشرة إلى قلب المشاهد" . أما عن بقية أفلامها التي لم تكن فيها البطلة الحصرية فتقول : هدفي كممثلة ليس اعتلاء الصدارة في كل وقت لمجرد الصدارة فقط، فإذا كان دوري ثانوياً وفي مكانه واستطعت أن أؤديه بحرفية وعمق، عندئذ يظهر الإبداع وسيشعر المشاهد بأنه أمام ممثل غير عادي .

وتضيف كاري: لا تهمني البطولة بقدر ما يهمني الإيمان بالعمل ذاته وإتقانه حتى ولو أديت دور امرأة بلهاء

لكارين فلسفة خاصة في حياتها فهي ترى أن على المرء أن يقيّم نفسه باستمرار ويعيد "التموضع" لأن ما لا يعتبر مشكلة في سن الأربعين يمكن أن يصبح كذلك في الخمسين، بمعنى أن على الإنسان ألا يلعب في غير وقت اللعب وينبغي عليه أن يمتلك الشجاعة الحقيقية كي لا يكذب على نفسه وأن يثق دائماً بقدرته في سنه التي بلغها، وأن يرحم ذاته ولا يكلف نفسه ما لا يطيق فلكل مقام مقال ولكل سن سحره . وتحب كارين أن تستشهد بقول لارس فون ترايير (مخرج أفلام دنماركي) في فيلم "المغفلين": ينبغي على المرء أن يعثر على " البهلوان " بداخله كي يتقدم في حياته . وتشير إلى أنها وجدت هذا البهلوان منذ زمن طويل عند جديها لأمها اللذين كانا يعملان في نسج السجاد في مدينة روان، ونشأت عندهما حتى سن الرابعة عشرة . وتقول كارين: عند بيت جدي كنت أشعر بأنني أعيش على خشبة مسرح للمهرجين فكل شيء كان مسلياً ومضحكاً وفي سن ال 14 وبينما كانت والدتي تعمل لدى نادي ميد، التحقت بمسرح القرية ولعبت في مسرحية مدرسة النساء وعندها أيقنت أنني عثرت على ضالتي . وتضيف كارين : عندما كنت أعود مع صديقة عمري منذ الطفولة مخرجة الأفلام الوثائقية فاليري دونسيل إلى بيت جدي من باريس، كنا نشاهد مسرحيات ترفيهية ونحن نجلس إلى طاولة العشاء، ونتكلم بلكنة أهل النورماندي المضحكة كي نخلق جواً فكاهياً مسلياً في هذه القرية الصغيرة، وكنا في تلك السن لا نكل ولا نتعب خاصة أن فاليري كانت فكاهية إلى حد لا يصدق

صديقة كارين الممثلة إيمانويل ديفوس تصفها من خلال فيلم "العائلة بيليه": كارين معبرة جداً وتكاد تقتحم الإنسان، إنها كالقطة اللعوب تجدها في كل مكان، ثم لا تلبث أن تختفي من أمامك، إنها حقاً حرفية جداً في تأدية الأدوار لأنها بكل بساطة تحس بمن حولها وتعيش معهم بكل جوارحها .

ومن جانبها تؤكد كارين: كلما تقدم الممثل في تأدية أدواره قلّت الفروقات بين ما هو عليه بالفعل وبين ما يمثله، واستطاع الاندماج بشكل أكبر في أدواره وحقق "البراعة" في الأداء وإحداث الفرق بالنسبة للآخرين

عن تعلّم لغة الإشارة لأداء دور في فيلم تجيب كارين: تعلمت لغة الصم والبكم على يد أستاذ متخصص لأشهر عدة، واكتشفت ثقافة الصمم وكيف يتعامل أصحابها معنا نحن أصحاب السمع والكلام . إنها لغة ربما تكون جافة بالنسبة للبعض لكنها هزتني من الداخل، لأنها ربما تناسب شخصيتي الصريحة إلى حد الجرأة الصادمة في بعض الأحيان، لكنها غير جارحة فأنا نشأت في بيت اعتاد أصحابه على الصراحة الجافة، وربما ورثت هذا الأمر لأنني تربيت وحيدة من دون أب أو أم في أغلب الأحيان لأنهما تطلقا وأنا في سن صغيرة، وعشت معظم الأوقات مع جدتي أم والدتي فهي التي كانت النموذج الأنثوي بالنسبة لي لسنوات طوال، وأعتقد أن ذلك أثر بي كأنثى وبتكوين شخصيتي في العمق

عانت كارين فيار من سن 17 إلى 28 عاماً مرض النهام لكنها تماثلت إلى الشفاء . وتقول عن تلك المرحلة: "عرفت دوافع بغيضة قادتني لالتهام الطعام، ولم أكن أتخيل أبداً أن الأمر جنوني إلى هذا الحد . وكنت أقول إن هذا رد فعل لأسطوانة التخسيس التي تردد على مسامعنا ليل نهار في مجتمع لا يرحم ولا تهمه إلا المظاهر الخداعة . وفي نفس الوقت كنت بطبيعتي أحب تناول الطعام ولكن عندما بدأت بفتح زجاجة الزيت لأنه لم يعد هناك ما يمكن تناوله في الخزانة ليشبعني، حينها قلت إن الأمر ليس طبيعياً

والمعروف عن كارين فيار أنها امرأة ذات قناعات لا تحيد عنها ففي 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي قالت في مقابلة لها على راديو فرانس انتر مجيبة عن أسئلة المذيعة ليا سلامه . "أنا لا ازال يسارية التفكير وأريد أن أكون من اليسار، وأريد الاستمرار في ذلك بغض النظر عما سيحدث" .

أما بالنسبة لرأيها في الجمال وكل ما يتعلق به، فتؤكد كارين أنها مدمنة جمال فقد بلغت ال49 من العمر في 24 يناير/كانون الثاني 2015 ولا تخفي إدمانها منتجات التجميل . "أنا مستهلكة كبيرة لمنتجات التجميل . وأنا أجرب كل شيء، ولكنني أبقى وفية لطقوسي" .

جوائز وأعمال

من أشهر أعمال فيار "العمة دانيال" لإتيان شاتيلييز، وفيلم Delicatessen لمارك كارو وجان بيير جونيه و"المتجولون" لفيليب هاريل . وحصلت كارين فيار على أكثر من عشر جوائز "سيزار" بدءاً من العام 1994 وحتى العام 2012 أهمها جائزة "سيزار" كأفضل ممثلة في العام 2000 عن دورها كامرأة حامل تعاني السرطان في فيلم " القلوب العالية" لسولفيج أنسباش، كذلك حصلت على عدد من الجوائز السينمائية أهمها عن فيلم "العائلة بيليه" المخرج الفرنسي إيريك لغتغو للعام 2015 . ولفيار رصيد يزيد على ستين فيلماً سينمائياً وعشرات المسرحيات وبعض الأفلام القصيرة والتلفزيونية . لعبت شخصية المتغطرسة أو الغامضة كما في الطموحين (2007) و"حقي من الكعكة" (2011) ثم مالت إلى الكوميديا، وهو النوع الذي تتفوق فيه كما في "متجولون في سان تروبيه" "الرمز قد تغير Potiche " وفي العام 2011 لعبة دور نادلة في حانة صغيرة في فيلم ثالث روائي طويل لداني بون وفي فيلم "لا شيء يستوجب الإعلان" ، الذي شوهد من قبل حشد جماهيري كبير حيث بيعت أكثر من 8 ملايين تذكرة في شباك التذاكر .

العائلة بيليه

يعتبر فيلم "العائلة بيليه" (الحمل) علامة فارقة في تاريخ كارين فيار الفني فهو يحكي قصة المزارع رودولف رام وزوجته جيجي الفاقدي للسمع، وابنهما الأصم أيضاً، وابنتهما ذات الست عشرة سنة "باولا" . هذه الأخيرة كانت المترجمة التي لاغنى عنها في العائلة كونها الوحيدة التي تسمع، فهي تساعد في العمل وتجيب على الهاتف وتتعامل مع المصرفي والطبيب . . وفي أحد الأيام يكتشف مدرس الموسيقى أن لباولا صوتاً جميلاً فيدفعها للمشاركة في مسابقة ينظمها "راديو فرنسا" . . تجد باولا نفسها في مواجهة والديها بحكم أنهما يجهلان معنى الموسيقى . ويزداد قلقها لعدم ثقتها في قدراتها الغنائية ، وفي الوقت نفسه، نجد رودولف الأب، غير راض عن سياسة عمدة القرية، فيقرر رغم إعاقته، الترشح للانتخابات . تشير كارين إلى أنها اضطرت لتعلم لغة الإشارات عند البكم كما أنها استفادت على الصعيد الشخصي من هذه التجربة حيث تقول: لغة الإشارة تجعل المرء يتواصل مع الأنا الداخلية العميقة في نفسه . ومن الأفلام الأخيرة لكارين "21 يوماً مع باتي ولولو" الذي نالت عنه جائزة "سيزار" لهذا العام أيضاً . يذكر أن كارين فيار متزوجة منذ عشرين عاماً من مدير التصوير الفني لوران ماشويل ولديهما ابنتان، مارغريت (ولدت في 1998) وسيمون (مولودة في 2000) .

دبي أولى محطات الفيلم الإماراتي العراقي “أمنية عمري”

دبي - محمد حمدي شاكر:

انتهى المخرج العراقي حيدر كريم من وضع اللمسات النهائية لفيلمه الإماراتي العراقي الجديد "أمنية عمري"، قصة وسيناريو وحوار شادي الكعبي، وبطولة عبدالله بوعابد، وعبدالله الجفالي، وأشواق، ونخبة من النجوم الإماراتيين والعراقيين الشباب، وبمشاركة بعض الشخصيات الدرامية الكبيرة كضيوف شرف .

"أمنية عمري" من نوعية الأفلام الروائية الطويلة الذي يسعى كريم لأن ينتهي من تصويره قبل انطلاق مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته المقبلة، ليشارك به ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان والمشاركة في جوائز "المهر الطويل" .

استقر المخرج على التفاصيل النهائية على أن ينطلق في الأول من إبريل/ نيسان المقبل على مدار 60 يوماً في أماكن عدة داخل الإمارات، ومن المقرر أن تكون أول أيام التصوير في بعض أماكن دبي المعروفة، كما انتهى من الجلسات الخاصة بالعمل، سواء البروفات أو الجلسات التحضيرية مع بعض الممثلين المشاركين .

الجدير بالذكر أن حيدر كريم أخرج الكثير من الأغاني كفيديو كليب لبعض المطربين، منهم بلقيس، صباح اللامي، خالد عبدالرحمن، وآخرون، إلى جانب إخراج بعض الأغنيات الوطنية ومنها الأوبريت الوطني "قلبي الإمارات" .

عين على الفضائيات

في منزل فاتن حمامة

مارلين سلوم

لم نكن نحتاج إلى الكثير من الخيال كي نرسم صورة لهذه الجميلة كيف تعيش حياتها بعيداً عن الشاشة، ولا كيف هي طباعها وشخصيتها . فهي التي رسمت لنفسها صورة في أذهان جمهورها وكل محبيها، لتبدو دائماً أمامهم وفي ذاكرتهم "سيدة القصر"، وفي كل مناسبة كان هناك أكثر من دليل وإشارة إلى أن هذه الفنانة كانت صادقة في فنها وفي الصورة التي طبعتها في مخيلتنا .

من خلال أعمالها والأدوار التي كانت تختارها، وأسلوب كلامها، ومشيتها، وابتسامتها، وإيقاعها الهادئ، من السهل على المشاهد أن يقرأ شخصية الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، وأن يلمس رقيها في الأخلاق واحترام الآخرين، وسعة ثقافتها ووعيها وذكاءها، وإيمانها بدورها في الفن وفي المجتمع، هي التي عرفت كيف تجيد استخدام الشاشة كسلاح تشهره في وجه الجهل والأمية والظلم في المجتمع المصري، كما عرفت كيف تدافع من خلاله عن المرأة وحقوقها، وتدخل المحاكم وتقرأ القوانين كي تجادل وتنتصر "لها" وباسمها .

في ذكرى رحيلها الأربعين، قامت الإعلامية لميس الحديدي بخطوة إيجابية، تميزت بها بشكل انفرادي، حيث زارت منزل سيدة الشاشة العربية، والتقت ابنتها نادية ذو الفقار، وزوجها الدكتور محمد عبدالوهاب، وشقيقتها الصغرى ناهد حمامة، والمحامية منى ابنة الفنان الراحل صلاح ذو الفقار . الحلقة عرضتها ضمن برنامجها "هنا القاهرة" مساء الأحد الماضي وكانت مميزة لأنها المرة الأولى التي تدخل فيها كاميرا التلفزيون منزل "السيدة"، وتخترق خصوصيتها ليس بدافع النميمة والفضول الرخيص، بل من باب التكريم لفاتن حمامة

من شاهد الحلقة وكان من عشاق الفنانة، شعر بأن البيت يشبهها، وبأن لمساتها واضحة في كل زواياه . هي الحاضرة شكلاً في لوحة كبيرة تجسد جمالها وأنوثتها، وروحاً من خلال ذوقها والألوان وكل التفاصيل اللافتة، والتي ترمز إلى رقي "ست البيت" كما يسميها زوجها

هي كانت حاضرة أيضاً من خلال أهل البيت الذين تحدث كل منهم بدوره إلى لميس الحديدي والبداية كانت مع الابنة نادية ذو الفقار . معظم الناس لا يتذكرون، أو لا يعرفون أصلاً أن نادية شاركت والدتها في فيلمين، الأول وهي طفلة عام 1954 في فيلم "موعد مع السعادة"، والثاني وهي شابة عام 1980 في فيلم "حكاية وراء كل باب"، وفي العملين ظهرتا بدوري الأم وابنتها كما هما في الواقع . لكن نادية لم تحب التمثيل، كما قالت ولم تكمل في طريق أمها وأبيها المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار . اللافت أن نادية طوال الوقت كانت تحكي عنها وعن أخيها طارق عمر الشريف، رغم أن الأسئلة تركزت عنها وعن أمها، لكنها كانت تذكره باستمرار، وتتحدث نيابة عنه . ولعل من أجمل ما قالته وأكده زوج الفنانة، إنهم كانوا يعيشون كعائلة واحدة تحت جناحي فاتن حمامة والدكتور محمد عبدالوهاب الذي منحهم كل الحب والرعاية .

الغصة والحرقة والدموع رافقت بعض محطات الحلقة، وشعر المشاهد بهذا الحنين الكبير لوجود الراحلة فاتن حمامة . كلنا نبكيها، فكيف بأهل بيتها؟ مما أضافته الحلقة للمشاهدين، أنها أثبتت فعلاً أن سيدة الشاشة العربية كانت شفافة جداً، وأصيلة جداً، تتعامل بمنتهى البساطة مع كل الناس، ومحاطة بحب كل الأجيال لأنها تعرف كيف تتواصل معهم من كبيرهم إلى صغيرهم

أم دقيقة ومنظمة، لا تحب الفوضى، هادئة، زوجة محبة، تستشير زوجها وتفكر معه في الأعمال ومضمونها وعناوينها قبل وأثناء العمل، وتتناقش معه لتشركه في كل شيء، وكما قال الدكتور عبدالوهاب، عاشت معه 37 عاماً كزوجة وحبيبة وصديقة، وهو من اقترح عليها اسم "أفواه وأرانب" عند قراءتها للفيلم الرائع الذي صورته عام ،1977 وكذلك اقترح عليها اسم فيلم "حكاية وراء كل باب" . 

كانت شقيقة لعبت دور الأم واحتضنت كل أفراد أسرتها، امرأة كلاسيكية لكنها تحب المغامرة في الفن وخوض مجالات لم تتطرق لها السينما من قبل مثلاً، سابقة لعصرها ومتطورة في أفكارها . وبعبارة اختصرت منى ذو الفقار الدور الأهم الذي لعبته فاتن حامة في الفن قائلة: كانت محامية تدافع عن قضايا الناس، وتستخدم الفن لحل مشاكلهم . وأبرز ما قدمته في هذا الإطار 3 أفلام: "الباب المفتوح"، "أريد حلاً" و"لا عزاء للسيدات" . 

ولأنها تعاملت مع مهنتها بجدية وحرفية، كانت تعيش بحالة خوف دائم أثناء إعداد وتصوير أي عمل، إلى أن يرى النور ويصدر حكم الجمهور الذي كانت تحترمه جداً وتضعه نصب عينيها عند اختيارها أي دور وأي عمل

وراء باب منزل فاتن حمامة حكاية جميلة، عن سيدة عشقت الفن منذ طفولتها، وأعطته من قلبها، وعاشت وفية مخلصة لعملها، وجمهورها، وأسرتها . حكاية تصلح أن يدرسها كل الفنانين الشباب، كي يعرفوا كيف يكون الوفاء والصدق والرقي في الفن، وكيف يضع الفنان الجمهور أمام عينيه، يخشى حكمه ويحترم مشاعره وعقله ويحمل قضاياه ليصرخ بصوته ويحكي عنه ويمثله لا يمثل عليه على الشاشة . الفن مع فاتن حمامة ونجوم الماضي الجميل كان رسالة بحق، حتى الكوميديا كانت تحمل رسائل طريفة مسلية تضحك الجمهور ولا تستخف بذكائهم

"هنا القاهرة" تميز بهذه الحلقة، والمشاهد بحاجة إلى هذه المساحة من اللقاءات الراقية المفيدة والممتعة، التي تضيف إليه ولا تنتقص من قدر الفنانين، بل تكشف جوانب إنسانية لديهم بلا نفاق ولا مزايدات .

marlynsalloum@gmail.com

الخليج الإماراتية في

06.03.2015

 
 

فيلم يفضح السوق السوداء

«الفتوة» تأليف وإنتاج وبطولة فريد شوقي

القاهرة (الاتحاد)

«الفتوة».. فيلم يزيح الستار عن فترة ماثلة في أذهاننا، حيث كان تجار السوق السوداء يتحكمون في أقواتنا ويرفعون الأسعار، غير عابئين بما سببه جشعهم من متاعب وآلام للطبقات الكادحة..

ما سبق كان جزءاً مكتوباً في مقدمة الفيلم كتبها فريد شوقي باعتباره منتجه وبطله المطلق والمشارك في كتابة قصته مع محمود صبحي.

ولم يكن مجرد فيلم سينمائي يكشف العالم الغريب لتجار الخضراوات وفتوات الأحياء في فترة ما قبل ثورة 1952، لكنه يظل واحداً من أكثر أفلام السينما المصرية إتقاناً، حيث قدم خلطة درامية مضمونة النجاح.

ولم يقدم حدوتة تقليدية للصراع بين الخير والشر، لكنه رمى بدلالات سياسية كثيرة تصل لذروتها في مشهد النهاية الذي يعيد بداية الفيلم بقروي صعيدي آخر يدخل السوق لأول مرة «محمود المليجي» ليبحث عن عمل، وأثناء سيره يأتي من خلفه أحد الباعة ليصفعه على عنقه، وتجلت روعة هذا المشهد في قبول عملاق مثل محمود المليجي وهدى سلطان تجسيد مشهد واحد في نهاية الفيلم لا يتعدى نصف دقيقة.

الإتحاد الإماراتية في

06.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)