كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ليليان والدراويش!!

طارق الشناوي

28-02-2015

 

أرى ليليان داوود على طبيعتها تماما وهى تواجه الكاميرا فى برامجها، ولهذا من السهل أن تكتشف أن كلمات باللهجة اللبنانية تبرق بين الحين والآخر، وبالتأكيد لو أرادت أن تتحدث فقط بالمصرية لفعلتها، ولكنها ستفقد فى هذه الحالة جزءًا من طبيعتها وتلقائيتها.

يعجبنى الفنان الذى يتمسك بلهجته فى الأحاديث التليفزيونية، فهو لا يؤدى دورًا يتطلب إجادته أربعا وعشرين ساعة يوميا خلف وأمام الكاميرا، مع الأسف كثير من الممثلين والمطربين يضبطون المؤشر فى أحاديثهم البرامجية، خصوصًا فى القنوات المصرية على اللهجة المصرية، ربما لإحساسهم أن الجمهور أو قطاعًا منه يرتاح أكثر للحديث بالمصرية.

تاريخيًّا مصر تستوعب كل اللهجات، بل إنها إذا لم تجد من يتحدث اللهجة وخصوصا اللبنانية اخترعته، حدث هذا مثلًا مع بشارة وكيم، أشهر من أدى شخصية اللبنانى فى الأفلام القديمة الكلام إلك يا جارة و وعم بأروش مع حالى وغيرهما من العبارات التى كثيرا ما رددها فى أدواره، رغم أن بشارة مصرى قُح من الصعيد الجوانى، العديد من المراجع السينمائية اعتقدت خطأ بسبب براعته فى أداء اللهجة أنه لبنانى قُح.

قد يبدو هذا بعيدا عن موضوعنا، ولكنه فى الحقيقة فى صلب موضوعنا، أتحدث عن تلك الحملة التى تطالب الإعلامية ليليان داوود بالعودة إلى بلدها لبنان، لأنها من وجهة نظرهم تتناول الشأن المصرى، فلقد كتبت على صفحتها ومن دون إفصاح ما يشى بالتعاطف مع الشباب المحكوم عليهم بالسجن، مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة، ماذا لو كانت أفصحت، ماذا لو قالت هذا مباشرة فى برامجها، ولم تكتف بالصفحة، أليس من حقها مثل الآخرين أن تتناول ما يجرى على الساحة المصرية، وبالمناسبة من حق كل إنسان أن يدلى برأيه فى الأحكام القضائية، المحرم قانونا ليس الرأى، ولكن أن تنال ممن أصدر الحكم، والدليل أن الأحكام تتعرض للنقض وقبلها للاستئناف، أى أن هناك من رفض الحكم ويطالب بإرساله إلى محكمة أعلى.

مع الأسف هناك من يترصد لمن يخالفه الرأى، وهؤلاء على استعداد لاستخدام أى سلاح لمجرد بث الرعب للطرف الآخر، أسوأ ما فى الحملة التى تتعرض لها ليليان، هو أن من نظموها لا يعرفون قيمة مصر.

مع الأسف كثيرا ما ظهرت بين الحين والآخر مثل هذه النعرات التى تسحب من مصر كونها مصر، ليست القضية أن توافق أو لا توافق على ما تقوله ليليان، أنا شخصيا لم أجد فى كل ما كتبته على صفحتها شيئا يستحق حتى مجرد الخلاف، فهى تتحدث عن حق الجهر بالألم، أوافق على رأيها تماما، وأشعر بغضبها وحقها ليس فقط فى التعبير على صفحتها، ولكن فى برنامجها الصورة الكاملة ، ولكن مع الأسف حتى فى الإعلام الخاص صار كل شىء يحسب بدقة خوفا من غضب من نعتقد أنهم سيغضبون.

لماذا الزج باسم مصر والهجوم على اسم مصر وسمعة مصر، خصوصا عندما يأتى النقد ممن لا يحمل الجنسية؟

الشأن المصرى ليس مصريا فقط، بل هو عربى بالضرورة وبالتاريخ والجغرافيا، أما هؤلاء الذين يتناثرون هنا وهناك بزعم حب مصر، فهم مثل الدراويش فى الزار لا يدركون حقيقة ما الذى يقولونه.

تم افتتاح التليفزيون فى 21 يوليو 1961 فى دمشق والقاهرة فى نفس التوقيت، وكان يحمل اسم التليفزيون العربى لا المصرى أو السورى، وعرفت مصر عبر شاشتها المحلية المذيعة السورية رشا مدينة، ولم يكن أحد يسأل عن جنسيتها، لهجتها فقط هى التى كانت تعلن سوريتها.

انظروا إلى الصورة كاملة فسوف تكتشفون أنكم تهينون مصر عندما تشهرون سلاح الجنسية ضد كل من قال رأيًا لا يروق لكم.. لا تهينوا مصر.. أرجوكم!!

 

الرئيس والكاميرا!

طارق الشناوي

27-02-2015

معلوماتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يحب مشاهدة فيلم رد قلبى الذى صار كأنه ثورة 23 يوليو، ولكنى لا أتصور أنه فى هذا المجال من الممكن أن ينافس الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، فقد كان عبد الناصر كثيرًا ما يمسك بالكاميرا السينمائية 8 مم ويصور الأصدقاء والعائلة، بينما أنور السادات لو كانت المخرجة أمينة محمد، قد اختارت صورته ليشاركها فى منتصف الثلاثينيات بطولة فيلمها الروائى الأول تيتاوونج لصار بطلا سينمائيا منافسًا لنجوم تلك المرحلة أنور وجدى وحسين صدقى ومحسن سرحان.

أما حسنى مبارك فلقد وقف مرتين أمام الكاميرا السينمائية، الأولى الشهيرة فى وداع فى الفجر لحسن الإمام والثانية فى فيلم التلاقى للناقد والمخرج صبحى شفيق، ولكن كانت علاقته فاترة عمومًا بالفن والأدب إلا فقط عندما يتعلق الأمر بزفة النفاق فى حفل 6 أكتوبر.

السيسى لا أتصوره سمِّيعًا لأم كلثوم وفريد ولا أتخيله حريصًا على متابعة الأفلام مثل عبد الناصر والسادات، ولكن لديه قناعة بالتأثير العميق للفن والإعلام على الشعب.

الرئيس على الشاشة عندما نراه متحدثًا كثيرًا ما يقطع الخط الوهمى بينه والجمهور، فهو يسعى لكى نراه فى الميديا كما هو فى الواقع، إلا أن هذا جانب واحد من الصورة، أما الثانى فهو قناعته الراسخة بسطوة الإعلام وبخاصة برامج التوك شو وقدرتها على توجيه أفكار الناس، لاعتقاده أنهم يملكون المفتاح. تداعيات ذلك هو أننا نرى دائمًا إعلامنا الخاص وهو تحت السيطرة تمامًا، بل أصبح فى توجهه كأنه نتوء لمبنى ماسبيرو، وامتداد جغرافى لمنطقة عِشش الترجمان التى يتوسطها المبنى العملاق، جسدها الهزيل فكرًا وتأثيرًا.

عشنا ثورتين ورأينا دور الإعلام، والرئيس السيسى كان وقتها فى قلب المعركة بحكم عمله مديرًا للمخابرات العسكرية ومشاركًا فى عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كان الإعلام طرفًا أساسيًّا فى اللعبة، لكنه لم يصنع بالطبع الثورتين، كان الوقود الذى ضمن لها الاستمرار، لكنه لم يكن النيران التى اشتعلت، قبضة مبارك قبل 25 يناير كانت قوية فى السيطرة الإعلامية، ولكن انفلت الأمر مع بدايات الثورة، ورأينا رخاوة فى الإمساك بالدولة، فى نفس الوقت، رغم تردد الإعلام الخاص فى تأييد الثورة الأولى، حيث كان يحاول بقدر المستطاع أن يحافظ على بقاء السلطة، فإن الإحساس بضعف القصر أمام زيادة مساحات الغضب فى الشارع كان يشكل عاملًا مؤثرًا فى تغيير توجه البوصلة.

أسهمت القنوات العربية الجزيرة و الحرة و إم بى سى و العربية فى زيادة الجرأة والجرعة، أما فى ثورة 30 يونيو فلقد كانت المعركة الفضائية محسومة تمامًا فى الفضائيات الخاصة لصالح الثورة. ومنذ ذلك الحين والفضائيات ترقص على إيقاع واحد وتردد واحد، وفى نفس الوقت نفس النغمة، وهكذا تسابقت فى عرض آخر إطلالة للسيسى، بل لم تلتزم بالموعد المتفق عليه، فحاول بعضها أن يحصل على السبق ويعرض أولا.

فى حديث الرئيس تابعنا لأول مرة تدخلًا إخراجيا فى تشكيل الصورة، وهناك لمسات فى التكوين والإضاءة وثلاث كاميرات، وبينها واحدة على رافعة كرين ومخرج يأخذ مرة لقطة لأصابع الرئيس أو يتعمد أن يلتقط نظرة، أو يضع فواصل، كما أن اختيار موقع الحوار على مائدة، بينما نرى المكتب فى عمق الكادر، أو الاتفاق معه فى لحظة على أن يمسك بدفتر أمامه ليقلب فى صفحاته، تفاصيل صغيرة ولكنها تؤكد أن الرئيس استجاب لرؤية مخرج وأن لديه قناعة بقدرة الوسائل الإضافية على منح الرسالة التى يلقيها للشعب قيمة إضافية.

فشلت التجربة، بل وخصمت الكثير مما كان يحققه الرئيس عند الناس من مصداقية فى السابق، وأتصوره سيعيد التفكير مجددًا فى الأمر برمته، إلا أنه لن يعود للمربع رقم واحد، أى يجلس خلف المكتب ليلقى بالخطاب مباشرة، سيكرر الرئيس التجربة لأنه يؤمن بدور الكاميرا فى توصيل الرسالة، رغم أن الأمر لا يزال محفوفًا بالمخاطر!

 

أعِد يا أستاذ التوني.. أعِد!!

طارق الشناوي

25-02-2015

وكأننى فى حفل غنائى بدار الأوبرا المصرية لولا أننى أعدت النظر مرة أخرى فاكتشفت أنها قاعة بيكاسو وأننى فى حضرة واحد من أساتذة الإبداع التشكيلى فى مصر، الفنان الكبير حلمى التونى، وأن الأغانى التى أرى بعض مقاطعها مكتوبة على اللوحات امتلكت كل هذا الحضور لأن خلفها نساء حلمى التونى الساحرات اللاتى يسكنّ القلب والوجدان، فما بالك لو شاهدتهن متلبسات بالغناء؟!

الموسيقى هى أُمّ الفنون، وفى المزاج الشرقى تمتزج الموسيقى بالغناء ليصبحا هما روح الفن.

فى مصر نغنى عندما نحب وعندما نعمل وعندما نلهو وفى اليقظة وفى المنام، ومن النادر أن تعثر على مواطن لم يحاول الغناء بين الحين والآخر ولو فى الحمّام، الغناء من الممكن أن تراه وهو يشكل غطاء لكل الفنون، السينما المصرية لو حللتها جينيا لاكتشفت أنها امتداد للأسطوانة، نطقت السينما المصرية لكى تغنى، من النادر أن تعثر على فيلم قديم بلا أغنية ترددها البطلة لو كانت مطربة أو يستخدم المخرج الدوبلاج الصوتى لمطربة محترفة لو لم تكن البطلة من أهل يا ليل يا عين.

كل المطربين والمطربات توجهوا إلى السينما أو فى الحقيقة توجهت إليهم السينما لكى تطعم نفسها بالأغنية، بل إن الملحنين أمثال رياض السنباطى ومحمد الموجى ومنير مراد جربوا حظهم فى الغناء على الشاشة، وأزيدكم من الشعر بيتا وأقول لكم إن الشيخ زكريا أحمد لعب دورا رئيسيا فى فيلم أنشودة الفؤاد أمام المطربة نادرة، وهو أول شرير بالملامح التقليدية، حيث الحواجب الكثيفة والنظرة الحادة، ولكنه لم يكمل مشواره فى التمثيل.

ولا نزال نعيش على ثراثنا المسرحى القديم المرصع بالغناء أوبريتات سيد درويش التى شارك فى كتابتها بديع خيرى ويونس القاضى، وفى النهاية لو أردت أن تُمسك بكل هذه الفنون ستجد أن عمقها هو الإيقاع، فهو روح الموسيقى، احذر منه إنه لا يحب الموسيقى واحدة من ومضات شكسبير فى يوليوس قيصر التى من الممكن أن تستعيدها لتكتشف خطورة أن تعرف إنسانا لا تسكنه الموسيقى.

أستاذنا الكبير حلمى التونى استطاع أن يمنح لوحاته أنغاما عذبة، وكثيرا ما يطل على الأغنية بزاوية خاصة قد تفتح له الأغنية بابًا للتعبير التشكيلى، وقد يضيف هو على اللوحة زاوية أخرى، مثلا أم كلثوم تشكّل اهتماما خاصا لدى فناننا الكبير، الأطلال تسيطر على المشهد، وهذا المقطع: واثق الخطوة يمشى ملكا ، لم يجد غير أم كلثوم ليرسمها معبرة عن كلمات الشاعر إبراهيم ناجى، أشعر أن أغنية تلات سلامات لمحمد قنديل التى كتبها مرسى جميل عزيز ولحنها محمود الشريف لها نصيب الأسد. هناك خمس لوحات هى تنويعات على نفس الأغنية عيونك سود واقول مش سود عشان الناس تتوه عنّك ، لعبت دورا كبيرا فى توجيه لمسات ريشة فناننا الكبير. لديك مثلا م السيدة لسيدنا الحسين و حبيتك وباحبك وح احبك على طول و ما بيسألش علَيّا أبدا . من الواضح أن عبد المطلب محطة هامة على خريطة الأستاذ حلمى العاطفية. جفنه علَّم الغزل لعبد الوهاب وشعر بشارة الخورى ومقطع ومن الحب ما قتل كم كانت فيه نظرات عيون النساء هى القاتلة.

لو جردت الأغانى التى تناثرت فى المعرض ستكشف أن الكلمات لا تعتبر ترجمة للوحة بقدر ما هى تكئة أو تلكيكة قرر من خلالها فناننا الكبير أن يروض الأغنية لتذهب إلى عالمه ويمنحها هو النغمة التى يريدها.

هل الأغنية أم أنها النساء اللاتى استطاع أن يستدعيهن من عالمهن إلى اللوحة؟ الحس الشعبى يكسب بصوت عبد الغنى السيد وتلحين محمود الشريف وكلمات أبو السعود الإبيارى يا بتاع التفاح.. لون تفاحك راح.. فى خدود ست الكل.. يا بتاع الرمان.. رمانك غلبان.. بص علينا وطل ، التقط حلمى التونى الفكرة وأوصل المغزى ولكنه لم يتورط فى الإفصاح الحسى أكثر.

لوحات حلمى التونى هى عصير السحر والأنوثة، ومع كل لوحة أجدنى أقول له: أعِد يا أستاذ.. أعِد!!

 

الديمقراطية و«الأوسكار» و«بيردمان»!

طارق الشناوي

24-02-2015

فى العالم كله نجحت أمريكا فى خلق حالة من التماهى مع جائزة محلية مفروض أن لا تتجاوز تخومها أمريكا، لتصبح هذه الجائزة هى عنوان العالم.

منذ بداية التفكير فى الأوسكار الذى تأسَّس عام 1927 وبدأ بعدها بعامين، كان مجرد حفل صغير لا يتجاوز 15 دقيقة ولا يبثّ مباشرة، إذ كنا وقتها فى عصر الإذاعة قبل بدايات التليفزيون، إلا أن ماكينة الإعلام الأمريكية نشطت كالعادة، فاتسعت دائرة الاهتمام لتشمل العالم كله، خصوصا فى عصر الفضائيات الذى أسقط تماما حدود الجغرافيا.

ولا يقتصر الأمر على الحفاوة فقط بالسينما، بل نجد أن هذه الاحتفالية قد غدت ساحة للتعبير عن الغضب السياسى، مثلا عندما ندّدوا بالغزو الأمريكى للعراق، أو عندما رفض مارلون براندو الجائزة بسبب موقف أمريكا من الهنود الحمر، كل هذه التفاصيل خارج النص، لكنها تمنحه قدرا غير محدود من الاهتمام. الجائزة للسينما الأمريكية أو لو اتسعت الدائرة لصارت للسينما الناطقة بالإنجليزية، مع جائزة أخرى تشغل اهتمام العالم، وهى أفضل فيلم أجنبى المقصود به غير الناطق بالإنجليزية، وتم الإعلان عن هذه الجائزة بعد أكثر من عشرين عاما لانطلاق الأوسكار ، إلا أنها لم تستطع أن تشكّل إلا فقط فقرة هامشية فى هذا الاحتفال الضخم.

كثيرا ما تنشط الكواليس قبل الإعلان الرسمى عن الجائزة، وهذا العام وجدنا دعوات تطالب بمقاطعة الحفل، بحجة أن جوائزه عنصرية تكره السود، ولأنه أيضا يضطهد المرأة، إلا أن الواقع أثبت أن كل هذه الضربات لا نصيب لها من الصحة، فهى أقرب إلى قراءة متعسفة للترشيحات، بحجة أنه لا يوجد ممثل أسود البشرة ضمن القوائم القصيرة، سواء للدور الأول أو الثانى، من الرجال أو النساء، كما أن غياب المرأة عن قائمة الترشح فى العناصر الفنية، الإخراج أو المونتاج أو التصوير، وغيرها، أظهر الأمر وكأنّ هناك عداء للمرأة، وهى نظرة قاصرة جدا، لأنها تعامل الفن على طريقة كوتة السياسيين الذين يحرصون على نسبة لضمان تمثيل المجتمع بكل طوائفه خصوصا الأقليات، لا أتصوَّر بالمناسبة أن وجود أكثر من 90% بين أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 6100 عضو من أصحاب البشرة البيضاء، ولا لأن أكثر من 70% من بينهم رجال، يعدّ دليلا على العنصرية، لكنها قناعات الأعضاء الذين يصوِّتون بأسلوب ديمقراطى. كانت المنافسة شرسة بين الأفلام الخمسة التى كان لكل منها من الأسباب ما يؤهله لاقتناص الأوسكار ، لكن فى نهاية المطاف ذهبت الجائزة إلى من حقّق عددا أكبر من الأصوات. أتصوَّر أن الفروق ضئيلة جدا بين الأفلام الخمسة المرشحة، فحصيلة أربعة عناصر للفيلم الفائز بيردمان ، حيث له السيناريو والإخراج والتصوير، تعنى أن الأمر لم يكن سهلا، لدينا مثلا فى التاريخ بن جور حقَّق 12 عنصرا من أصل 24، و تايتانيك 11 جائزة، و سيد الخواتم نفس الرقم فى عدد الجوائز، المخرج أليخاندرو جونز أليز شارك نيكولاس جياكبون فى السيناريو المأخوذ عن أصل أدبى حصل على جائزتَى الإخراج والسيناريو للرجل الطائر، لو راجعت أفلام الأوسكار الفائزة خلال 87 دورة ستكتشف أن السيناريو دائما هو العنصر اللصيق بمن يحصل على جائزة الفيلم الأفضل، فما بالك لو أضفنا إليه جائزتَى الإخراج والتصوير. الفيلم يعبّر عن منطقة تقف بين الواقع والحلم، وأدى الممثل مايكل كيتون دوره ببراعة، حيث توقف به العمر عند شخصية الإنسان الخارق، الذى يعايشه ويسكنه، فهو لم يكن دورا يؤديه بقدر ما كان المخرج يحطّم بعبقرية الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة، الفيلم من خلال أداء مايكل كيتون لهذه الشخصية يبدو كأنه يحاول الإمساك بالزمن الهارب، السيناريو فى كل تفاصيله بين الواقع والخيال حتى إن اللقاء الجنسى فى المسرحية يحيله السيناريو إلى واقع، والناقدة التى تتوعد البطل بالنقد بل والتشهير فى نهاية الأمر تكتب تشيد بالعرض.

ولا تستطيع أن توقن متى يبدأ الواقع داخل النص الدرامى ومتى يخلص الفيلم للدراما.

هذا النسيج الخاص جدا كان هو الطريق أمام الرجل الطائر ليطير بـ الأوسكار ويحلّق أيضا به!

 

جرحونى وقفلوا الأجزاخانات!!

طارق الشناوي

23-02-2015

التقيت الفنان الكبير محمود شكوكو مرتين، الأولى فى طائرة عسكرية متجهة إلى سيناء للاحتفال باستردادها فى بداية حقبة مبارك السوداء، والثانية فى منزل ملحنه الأثير الموسيقار الكبير محمود الشريف، ويومها غنى مونولوجًا قديمًا له على عود الشريف، كان يريد أن يقدم درسًا عمليًّا على أن هذا النوع الفنى لا يزال طازجًا وقادرًا على إنعاشنا. تقول كلماته: «جرحونى وقفلوا الأجزاخانات.. لا قالولى ازيّك ولا سلامات.. جرحونى».

كان فنانًا شاملًا يتمتع بحضور طاغٍ، على المسرح وأمام الكاميرا، وكان أيضًا مغرمًا بالتفرد الفنى والشخصى. حكى لى أنه أراد استيراد عربة، أتذكر جيدا اللون، حمراء، ولست متأكدا من الماركة، أظنها شيفروليه ، فقالوا له إن الملك فاروق لديه واحدة بنفس المواصفات وقد يغضب من ذلك، فاتصل به ليحصل على موافقته فوجد ترحيبًا مشوبًا بضحكة رضا من الملك.

لمحمود شكوكو حكايات عديدة طريفة كنت أطل من خلالها عليه، مثلًا روى كمال الطويل أنه وعبد الحليم كانا مفلسين فى مرحلة الصعلكة، فاقترح حليم على كمال أن يذهبا إلى شكوكو فى العوامة التى كان يقطن بها على النيل، وأسمعاه ما ظن كل منهما أنه مونولوج شعبى، كان الغرض هو أن يعجب باللحن ويمنحهما عربونًا يكملان به باقى مصاريف الشهر. وبدأ الطويل يعزف وعبد الحليم يغنى، ولم يتحمل شكوكو أكثر من دقيقة واحدة، إذ لم يجد ما يستحق، واعتبرهما يسخران منه وقرر الانتقام بقبضته القوية، فهو كان فى بداية حياته العملية نجّارًا، وعندما لمح الطويل وحليم الشرّ ينضح فى عينيه أخذا يهرولان بعيدًا عن العوامة وهو يطاردهما متوعدًا.

كانت هذه الواقعة فى نهاية الأربعينيات، ولكن فى الخمسينيات غنى شكوكو مونولوجًا لكمال الطويل. كان شكوكو هدفًا لكبار الملحنين، وهكذا غنى فى مطلع الأربعينيات من تلحين محمد عبد الوهاب يا جارحة القلب بإزازة.. لماذا الظلم ده لماذا؟ . حقق شكوكو شهرة طاغية، وامتلك مشاعر الناس، حتى إنهم أطلقوا عليه شارلى شابلن العرب ، وصارت ملامحه أيقونة للمصريين، يطيلون النظر إليه كلما أرادوا أن يتفاءلوا بالحياة ويضحكوا للدنيا، إنه ملك المونولوج الأول، كما أنه استعاد مسرح العرائس والأراجوز من أجداده الفراعنة وقدمه للجمهور ضمن فقرته الغنائية، فلقد كان هو النمرة الأكثر جماهيرية التى ينتظرها الجميع فى الحفلات الغنائية.

فى حياة شكوكو موقف لم يسبق أن شاهدناه مع أى فنان من السابقين أو اللاحقين فى تاريخنا المعاصر، إذ إن المعجبين به صنعوا له تماثيل خاصة بزيه التقليدى، الجلباب والزعبوط والعصا، ولم يكن ثمن الحصول على التمثال عملة نقدية كما هو متعارف عليه، ولكن كانت الوسيلة أكثر بدائية، وهو ما يطلق عليه فى علم الاقتصاد المقايضة، أى أن الناس تشترى التمثال مقابل زجاجة مياه غازية فارغة، وعرف الشارع المصرى نداءً صار لصيقًا به وهو شكوكو بإزازة ، المفروض فى الأحوال العادية أن تعاد هذه الزجاجات إلى الشركة لتعيد تعبئتها من جديد ويحصل بائعها على نقود، ولكن المفارقة هى أن رجال المقاومة من الفدائيين المصريين فى أثناء مناهضة الاستعمار البريطانى فى تلك السنوات كانوا يلجؤون إلى هذه الحيلة، ويستحوذون على تلك الزجاجات ويضعون بداخلها المولوتوف لإلقائها على معسكرات الإنجليز لإجبارهم على الرحيل عن حدود الوطن، وبالفعل كانت الضربات موجعة للعدو وبوسيلة قليلة التكاليف لم تستطع أن تتصدى لها بنادق ورشاشات الأعداء، ولم يدرِ شكوكو أنه بتمثاله صار رمزًا للبطولة وملهمًا للفدائيين، وعندما تناهى إلى سمعه تلك الخطة ازداد تشبثًا بموقفه الوطنى، فلم يتراجع أو يتبرأ من هذا الفعل الذى كان من الممكن أن يؤدى به إلى حبل المشنقة أو القتل رميًا بالرصاص، بتهمة الخيانة العظمى.

هذا هو محمود شكوكو الذى احتفلنا قبل يومين وفى صمت بمرور 30 عامًا على رحيله، ولا أزال أتذكر صوته مرددًا: جرحونى وقفلوا الأجزاخانات.. لا قالولى ازيَّك ولا سلامات.. جرحونى .

 

نقابة الموسيقيين واللعبة العبيطة!!

طارق الشناوي

22-02-2015

هل هى لعبة متفَّق عليها بين سكرتير النقابة والنقيب؟ نعم إنها كذلك، رغم أنك ستقرأ قريبا نفيًا لتلك المؤامرة الساذجة. أن يصدر سكرتير النقابة قرارا بشطب حمزة من جدول المنتسبين إلى النقابة، ثم يأتى مصطفى كامل نقيب الموسيقيين لينفى القرار، فلن تحتاج إلى أى قدر من التفكير لتدرك أنها بالونة اختبار، إذا جاءت النتائج إيجابية كان سيتصدر النقيب المشهد باعتباره صاحب القرار الوطنى بإبعاد مَن يتطاول على الرئيس، وإذا اكتشف أنها ضربة «فشنك» سوف يعلن على الملأ أنه لم يصدر شيئا، إلا أنه فى كل الأحوال لم ولن يتخذ قرارا ضد السكرتير، فهما ومجلس الإدارة جميعا «دافنينه سوا».

ستستمع إلى حجج خائبة مثل تسريب صورة لنَمِرَة وهو يرفع أربع أصابع، إذن فهو ربعاوى يستحق المحاكمة! أو ستجد له أغنية فى محطة فضائية متهَمة بميولها الإخوانية، إذن فهو إخوانى حلال فيه الإقصاء!

الحكاية كما تم طبخها هى أن عضوا بالنقابة تقدم باتهام ضد نمرة على اعتبار أنه يسىء بأغانيه إلى الرئيس، وعلى الفور يجتمع المجلس برئاسة مصطفى ويُصدر قرار المصادرة، على أمل أن تردها له الدولة فى صراعه مع إيمان البحر درويش، وتقف مؤيدة له ليعتلى مجددا كرسى النقابة.

يعتقد مصطفى أنه يمنح الدولة عربون محبة، بإخراس أى صوت لا يهتف بحمدها.

إقحام اسم الرئيس الغرض منه تقديم رسالة تعنى إضفاء شرعية على القرار، ولكن لماذا صار نمرة هدفا للإقصاء؟ سبق أيضا للمذيع عبد الرحمن رشاد عندما كان رئيسا للإذاعة المصرية وكان لديه أمل أن تمد الدولة فى عمره بضعة أشهر رئيسا للإذاعة، فقرر منع نمرة من الغناء على موجاتها، قدم لهم السبت فى انتظار الأحد.

ما اتهامات نمرة؟ أنه يغنى فى قنوات إخوانية أو له ميول إخوانية؟ ماشى هل حمل الرجل سلاحًا؟ وهل أدانته مثلا جهة سيادية بالشروع فى قلب نظام الحكم؟ كيف نحاسب الإنسان على أفكاره حتى لو تناقضت معنا؟ ما الذى يدفع نقابة إلى القيام بدور محكمة تفتيش؟ بالمناسبة لم أجد فى أى أغنية يرددها حمزة شيئا ضد الدولة أو السيسى تحديدا، ولكنهم يعتقدون أنهم يكسبون بتلك القرارات بُنطًا لدى النظام، هل صار المنع من القنوات الرسمية يشكّل أى عقاب؟ أم أنها الآن أقرب إلى مسدس الماء الذى كنا نلهو به ونحن صغار؟! مشكلة النقابة أنها أتت بالانتخابات بمن لا يقدّر قيمة الفن ولا يدرك معنى الحرية، مصطفى كامل يقدم نفسه للرأى العام باعتباره مطرب ثورة 30 يونيو، بعد أن رددت له الملايين تسلم الأيادى (الكلمات واللحن مسروقان)، فما الذى يُخيف من أن تتردد أغنية أخرى يغنى فيها نمرة لسّه العدل غياب طب إيه الأسباب ؟

نقابة الموسيقيين دورها هو أن تحمى المهنة، لا أن تبحث عن الميول السياسية والفكرية لأعضائها، اكتشفنا قبل نصف قرن مع بداية انتشار الكاسيت مثلا أن الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم هما الأكثر رواجًا بعد منعهما من الغناء، ليس فقط فى الإذاعة المصرية بل فى كل ربوع مصر، من العبث بل والجنون الحديث عن المصادرة الآن، هل نسير على خطى إيران عندما منعت جعفر بناهى من ممارسة الإخراج، فأصبح فى كل عام يقدم فيلما تتهافت عليه المهرجانات، حتى إنه اقتنص قبل أسبوع الدب الذهبى فى برلين؟ النقابة التى تدَّعى أنها تحمى مصر ورئيسها هى التى تسىء إلى مصر والرئيس. نعم تم توزيع الأدوار بين السكرتير والنقيب، وأسفر الأمر فى النهاية عن لعبة عبيطة!

 

خالد وسما فى البرلمان!

طارق الشناوي

21-02-2015

المخرج خالد يوسف والراقصة سما المصرى قررا المشاركة فى الانتخابات النيابية. خالد لديه موقف ووجهة نظر فقرر أن يجهر برأيه من تحت قبة البرلمان. سما فى ما يبدو تريد أن تظل داخل دائرة الضوء، ووجدت أن الترشح لمجلس الشعب سيصبح هو الإيقاع القادم فى «الميديا»، فقالت لا بأس أن ترقص فى الوقت الضائع على واحدة ونص سياسة.

ربما تحقق سما هدفها فى اكتساب مساحة من الاهتمام الإعلامى، بينما سيخسر من المؤكد خالد كثيرا بهذا الرهان، فما الجدوى أن يصبح صوتا داخل جوقة مجلس الشعب، ثم إنه يقف فكريًّا وسياسيًّا مع النظام، وليس دور الفنان ولا المثقف أن يُصبح صوتا للنظام. المثقف موقعه على اليسار، وخالد الآن فى أقصى اليمين.

هل نعتبرها حالة أقرب إلى الإدمان، فهو لا يطيق أن يبتعد عن الصورة، فى أثناء ثورة 25 يناير، شاهدنا عددا من النجوم، وقد انخرطوا فى العمل السياسى، أصبحوا عناوين للثورة، أغلبهم غادروا المشهد، ولم نرهم مجددا إلا مع ثورة 30 يونيو، بعدها عادوا إلى ملعبهم الأصلى الاستوديو، ما عدا يوسف، الذى قرر أن يتحول من هاو إلى محترف.

من حقه بالطبع أن يدلى برأيه مؤيدا أو معارضا، لكن الاحتراف شىء آخر، مثلا كان الموسيقار الكبير كمال الطويل يختار حزب التجمع المعارض لينضم إليه، ثم عندما قرر خوض الانتخابات انضوى تحت لواء حزب الوفد أيام فؤاد باشا سراج الدين، وكان صوتا معارضا فى الثمانينيات، وحتى مطلع التسعينيات ضد مبارك، وكثيرا ما كان يتدخل صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، ويحذف من كلمته تحت قمة البرلمان، ولهذا قاطع الطويل التليفزيون المصرى 20 عاما، احتجاجا على ما يفعله صفوت، كان يعلم أن هناك ثمنا سيدفعه، ورغم ذلك كنا نرى وقتها أن عطاء الطويل الحقيقى عندما يمسك بريشة العود أو يعزف على البيانو أعذب وأصدق النغمات.

من الممكن أن أتفهم مثلا لماذا صار لجمال سليمان حضوره السياسى المكثف فهو يتعرض للتهديد بالطرد من نقابة الفنانين السورية، كما أنه هدف للهجوم الإعلامى الرسمى السورى، وهو يوجد فى الأغلب بين القاهرة ودبى، حتى إنه لم يستطع المشاركة فى تشييع جنازة والديه بدمشق، لأنه مطلوب القبض عليه، فقرر إقامة سرادق العزاء بالقاهرة، جمال مجبر على مواصلة مشواره السياسى. بينما لا أرى فى الحقيقة مبررا لكى يُصر خالد يوسف على المضى قدمًا فى لعب هذا الدور.

جمال يتعرض لكل أسلحة الدمار النفسى الشامل، التى يوجهها إليه النظام السورى، لأنه من وجهة نظرهم يتطاول على الرئيس المفدى، بينما خالد علاقته بالنظام سمن على عسل.

خالد اختار أن يوغل أكثر وأكثر فى رمال السياسة الناعمة، ليصبح مع تراكم السنوات مخرجا مع إيقاف التنفيذ، صحيح أنه بين الحين والآخر يصرح بمشروعات فنية قادمة إلا أن الحقيقة هى أنه لن يستطيع العودة إلى ملعبه الفنى، بينما لديه مشروعه السياسى، الذى يستنفد كل وقته.

كان من المفترض بعد 25 يناير مباشرة أن يعود إلى الاستوديو، ويخرج قصة يوسف إدريس سره الباتع فى تجربة نادرة، كما قال لى، وهى أن يحيلها فى نفس الوقت إلى فيلم ومسلسل، الآن نسى كل شىء بعد أن أصبح البرلمان هو مأزقه الباتع.

سما المصرى تدرك أنها ترقص على واحدة ونص سياسة فى الوقت الضائع، بينما خالد يوسف لن يبقى له سوى أن يمارس الفن فى الوقت الضائع!

 

يا عزيزى لسنا جميعًا «باباراتزى»!

طارق الشناوي

20-02-2015

كثيرًا ما أجد من يسألنى عن حقيقة مرض نجمنا الكبير الذى نرجو له جميعًا الشفاء، أو عن نجمنا العالمى الذى عاد مؤخرًا فى زيارة للقاهرة، وهل يزال متمتعًا بذاكرته أو عن الأسباب الحقيقية لطلاق تلك النجمة وغيرها وغيرها.

الصحفى أو الناقد ليس شيخ حارة، عليه أن يعرف كل صغيرة وكبيرة، لسنا جميعًا باباراتزى ، أقصد هؤلاء المتلصصين على الحياة الخاصة للمشاهير، الذين راح ضحيتهم قبل 18 عاما الأميرة ديانا ودودى محمد الفايد فى أثناء محاولتهما الهروب من عيونهم وأقلامهم وكاميراتهم.

صحيح أن النهم لاقتحام خصوصية الآخر جزء من الطبيعة لدى عديد من البشر، ولهذا يقابله على الجانب الآخر التكتم الشديد عند الآخرين، هناك من يحرص على أن يضع المزيد من المتاريس الصلبة والحواجز الخرسانية والأسوار الحديدية حول حياته الخاصة، إلا أن هذا لا يمنع من شعور البعض برغبة فى كشف المستور لمن يقف على الشاطئ الآخر.

الصحافة والفضائيات -فى جزء منها- صارت تقتات على مثل هذه الأخبار، وهى بلغة الأرقام لها شباك، وتحقق رواجًا عند قراء يستمتعون بالنميمة، بالتأكيد هناك عدد من الفنانين يحرصون على تسويق أنفسهم للميديا بأى ثمن، وقد يخترعون أو يبالغون أو يتلككون من أجل ضمان بقائهم على قيد الحياة الإعلامية، وهكذا تراهم يلهثون وراء الصحفيين ويمدونهم بالمادة المثيرة. وقد يتعمدون الإدلاء بتصريحات مستفزة ليتحول الرأى إلى مانشيت، مثل هذا النجم الذى لم يتحقق جماهيريا، لأنه لا يمتلك تلك الكاريزما التى ينعم بها الله على عدد محدود من النجوم، هذا النجم منزوع الجماهيرية، فكلما خذلته الإيرادات فى فيلم أو مسلسل قرر أن يدلى بتصريح أكثر صخبًا، حتى يتحول اسمه إلى عنوان رئيسى فى الجريدة، وكثيرًا ما تقع الصحافة فى تلك المصيدة وتضعه بالفعل فى المانشيت.

العلاقة بين النجوم والإعلام تلعب دورًا ولا شك فى خلق مناخ لتحقيق الشهرة، ولكن السؤال: هل الشهرة هى هدفك الوحيد والأثير؟ المأزق الذى يعيشه عدد من الفنانين أن لديهم ترمومترًا يقيسون به حجم إنجازهم بكثافة وجودهم الإعلامى، وكلما وجد أنه ينتقل من جريدة إلى جريدة، ومن فضائية إلى أخرى شعر بنشوة الانتصار ولذة التحقق، حتى ولو سوّق ذلك عن طريق تسريب أخباره الشخصية.

بينما على الجانب الآخر هناك مثلًا أم كلثوم كانت ترفض تمامًا أن يقتحم أحد خصوصيتها، وقالت للكاتب الكبير سعد وهبة، عندما كان يسجل لها مذكراتها من أجل أن يحيلها إلى سيناريو فيلم يخرجه يوسف شاهين، باسم سومة -للأسف لم يرَ النور لأسباب ليس الآن مجال ذكرها- سألها وهبة أن تروى له عن زواجها، ومن أحبت من الرجال من أجل أن تصبح هذه الآراء مادة خاما صالحة للسينما، إلا أن إجابة أم كلثوم جاءت حاسمة طالما أنا عايشة فلن أسمح، أما بعد رحيلى فأنتم أحرار . والغريب سواء مسلسل أم كلثوم أو فيلم كوكب الشرق لم يقترب أى منهما للجانب الشخصى فى حياتها.

هناك نهم لدى الميديا لاقتحام الجانب الشخصى للمشاهير، ساعد عليه هذا الانتشار عبر العالم الافتراضى، كما أن الرجوع للماضى وبث تسجيل قديم على الشبكة العنكبوتية من الممكن أن يدفع بكلمة تُنتزع خارج السياق، لتأخذ منحًى ومعنًى ملتبسين، وتابعنا الكثير من ذلك، مثلا عبد السلام النابلسى وهو يدلى برأيه فى فيروز، لم يقلل أبدًا من حجمها، ولكنه تحدث عن صوتها الذى يجمع بين الموهبة الربانية والحرفة البشرية، ولكنهم اكتفوا فقط بـ لا تقربوا الصلاة ولم يضيفوا وأنتم سكارى ، يبدو أننا نعيش زمن الفضائيات الصفراء، بديلًا أكثر روشنة من الصحافة الصفراء، أتمنى أن يُدرك القراء أننا لسنا جميعًا باباراتزى !

 

مرسي جميل عزيز.. سوف تحيا

طارق الشناوي

09-02-2015

فى تاريخ الأغنية المصرية لا يمكن سوى أن نتوقف أمام هذا الشاعر الذى منح العامية الدارجة ألقًا ورائحةً وألوانَ قوس قزح.

عندما رحل الشاعر الغنائى الكبير مرسى جميل عزيز كتبت على صفحات روزاليوسف أنعاه: فى يوم.. فى شهر.. فى سنة.. تهدا الجراح وتنام.. وعمر جرحى أنا أطول من الأيام . وأضفت: ستظل كلماته تعيش فينا أطول من أيامه وأيامنا .

مر 35 عاما على غيابه ولا تزال كلماته حاضرة تتردد عبر كل المحطات الغنائية.. كلمات مرسى تحمل الإبداع الخاص الذى يتجاوز قيد الأغنية لنجد أنفسنا نتعايش مع شاعر يحيل نبضاته إلى حروف تملك إشعاعا يضىء فى أعماقنا.. لو أنك حررت الأغانى من موسيقاها وصوتها ووضعتها تحت مجهر الإحساس الشاعرى لوجدتها تفيض بالموسيقى دون أن تضع عليها موسيقى، والكلمة بقدر ما تبدو للوهلة الأولى بسيطة ومباشرة بقدر ما تكتشف ببعض التأمل كم هى عميقة وموحية. مثلا تذكر فى أنا باستناك بصوت نجاة: مرايتى.. قوليلى يا مرايتى.. حبيبى ماجاش لدلوقتى.. وفاتنى لوحدتى وانتى . تجد مثلا فى تلات سلامات تلك الصورة التى لا تُنسى: عيونك سود وأقول مش سود عشان الناس تتوه عنك . وتستمع فى ألف ليلة وليلة إلى هذه الآية التى يتضمنها الإنجيل وتقرؤها كثيرا على المحلات التجارية الله محبة ، ويضيف هو الخير محبة.. النور محبة ، أو فى سيرة الحب حين يقول: ياللى ظلمتو الحب.. وقولتو وعِدْتو عليه.. قلتو عليه مش عارف إيه . تخيّل أن أم كلثوم تقول هذه الكلمات الجريئة ثم تلك القفلة مش عارف إيه . أو مع فريد الأطرش: اسمع اسمع لما اقولك.. ولا اقولك مش ح اقولك.. ما انت عارف يا حبيبى قصدى إيه من غير ما اقولك . هو أكثر شعراء الأغنية تكرارا للكلمة الواحدة أكثر من مرة مثل اقولك ، ورغم ذلك فى كل مرة تزداد عبقرية وشاعرية. وخذ واحدة أخرى لمحرم فؤاد: بس يعنى قصدى يعنى قولى يعنى.. إذا كان قلبك شارينى أو بايعنى ، كلمة يعنى بطبعها غير مستخدمة من قبل غنائيا ولكن هنا عبقرية مرسى فى منح الكلمة العادية إحساسا شاعريا. أو مع محمد فوزى: الشوق.. الشوق الشوق.. حيرنى.. الشوق الشوق.. سهرنى.. الشوق الشوق . عد كم مرة شوق ورغم ذلك نزداد رغبة فى سماع المزيد من الشوق الشوق . ومع شادية فى وعد ومكتوب : الدنيا لو مالت ميل.. ما تقولش كتير ولا قليل.. هوّنها ده الصبر جميل.. أى والله الصبر يا أيوب.. وعد ومكتوب !!

قالوا عنه جواهرجى الكلمات، وقالوا أيضا شاعر الألف أغنية.. لا أوافق أبدا على التقييم الرقمى للمبدع ولكنى بالفعل أراه صانعا للزمرد والياقوت والمرجان.. قيمة مرسى جميل عزيز تقدر بعمق إبداعه وأيضا بتلك الثورة الشاعرية التى أحدثتها كلماته فى مسار الأغنية العربية.. كان مرسى يلحن كلماته وهو يكتبها، وهكذا مثلا توافقت أشعاره التى يكتبها مع الموسيقار الكبير محمد الموجى. لمرسى تعبير دقيق جدا عن علاقة كلماته بأوتار عود الموجى، يقول: عندما أسلم كلماتى له أنام على وسادتى وأنا قرير العين . قدم له فى البدايات مثلا يامه القمر ع الباب التى أحدثت ثورة اجتماعية قبل أكثر من 50 عاما، عندما قالت فايزة أحمد: يامه القمر ع الباب.. خبّط وقال يا احباب.. ردّوا على الخُطّاب.. ما عادش فيها كسوف.. يامه اعملى معروف.. قومى افتحيله الباب . جرأة فى التناول لم يألفها الشعر العربى، وهاجموه بضراوة لأنه أضفى على المرأة كل هذه الجرأة، فهى التى تفتح له الباب. وأمام قسوة الهجوم منحه الرئيس عبد الناصر وسامًا فتوقف المهاجمون.

لم يكن مرسى يأنس فقط بالموجى ولكن حدثت بينهما ثنائية إبداعية، ورغم ذلك فإن ثلاثية أم كلثوم : سيرة الحب ، فات الميعاد ، ألف ليلة وليلة كتبها مرسى كقصة واحدة من ثلاثة فصول، وكان للموجى وجهة نظر فى تتابع بعض أبياتها ورفض مرسى التغيير، ولهذا أسند تلحين الأغنيات الثلاث إلى منافسه اللدود بليغ حمدى، فصارت من أهم الأغنيات التى لحنها بليغ لأم كلثوم، بل من أفضل ما قدمت أم كلثوم، وأثبتت الأرقام أن هذه هى أكثر أغنياتها توزيعا حتى الآن!!

ورغم عشرات من الإبداعات التى لا تنسى لمرسى جميل عزيز فإننى أتوقف أمام طيّب يا صبر طيّب لعبد المنعم مدبولى وتلحين كمال الطويل فى فيلم مولد يا دنيا .. آه يا زمان العبر.. سوق الحلاوة جبر.. إحنا اللى كانوا الحبايب.. بيسافروا بينا القمر.. بقينا أنتيكا.. دقى يا مزيكا !! صورة تراجيدية من الطراز الرفيع. ومن اللمحات المضيئة لمرسى جميل عزيز أنه يتذوق الموسيقى وتعلم بالفعل العزف على العود وكتابة السيناريو، وله سيناريو غنائى أظن اسمه سندريلا كتبه لكى تلعب بطولته عفاف راضى ولا أدرى ما هو مصيره الآن.

حكى لى الموسيقار محمود الشريف أنه كان يجلس مرة معه فى نقابة الموسيقيين وكان بائع الثوم ينادى توم الخزين يا توم ، فوجد مرسى يكتب: توب الفرح يا توب.. مغزول من الفرحة ، ولحنها محمود الشريف فصارت واحدة من أشهر أغنيات أحلام. هل رأيتم لماحية وسرعة بديهة مثل تلك التى يملكها مرسى؟

وحكى لى المخرج عاطف سالم أنه فى فيلم يوم من عمرى قال له: يا مرسى، عايز غنوة فيها ضحك ولعب . وعلى الفور أضاف: وجد وحب ، فصارت بلحن منير مراد من أكثر الأغانى شقاوة وخفة ظل. ولم تكن العامية فقط هى ملعبه، بل كتب بالفصحى فى عيد العلم ذات ليلة التى غناها عبد الحليم ولحنها كمال الطويل، وطلب الرحبانية (منصور وعاصى) أن يكتب لهما مرسى لتغنى فيروز وبالفصحى سوف أحيا ، ولا نزال نردد كلما ألمّ خطب بمصر واحتجنا إلى من يطيب خاطرنا ويطبطب علينا بلدى أحببتك يا بلدى ، ورغم أن محمد فوزى لحنها وغناها فى عام 66 فإنها صارت الأغنية التى لا نكفّ عن استعادتها. هذا هو مرسى جميل عزيز.. الشاعر الذى تؤكد كلماته أنه سوف يحيا !

 

ثومة ومصطفى.. صداقة أم زواج؟

طارق الشناوي

04-02-2015

فيلم «فاطمة» آخر إطلالة لأم كلثوم أمام الكاميرا عام 1947، وهو و«سلامة» 1945 أنجح أفلامها الستة.

لو تأملته جيدًا لوجدت أنه يوجه دعوة مباشرة للزواج العرفى من خلال تأكيده أن الشرع يبيحه والمجتمع لم يكن يجد فيه وقتها شيئًا يوحى بتأنيب الضمير، ناهيك بـ تيمة الحب التقليدى بين الباشا ابن الباشا أنور وجدى سليل الحسب والنسب والممرضة الفقيرة بنت الحارة ثومة ، وهى الحكاية العاطفية المتكررة التى سيطرت تقريبًا على أغلب أفلام الأربعينيات.

والبعض قرأ الفيلم بزاوية أخرى، وهى أن مصطفى أمين يرد لها اعتبارها الأدبى، بعد أن وقع فى غرامها خال الملك فاروق، ولكن حالت التقاليد الملكية دون ارتباطه الرسمى بها، وهناك من قرأ القصة على نحو آخر وهو أن مصطفى أمين كان متزوجًا عرفيا من أم كلثوم، وكان يريد الدفاع العلنى عن علاقته بها.

كثيرة هى الأكاذيب التى انتشرت وتناقلناها من جيل إلى جيل، باعتبارها الحقيقة، ثم نكتشف مع الأيام أننا نحطم الخط الوهمى بين الصدق والحقيقة.

هذه الحكاية أخذت رائحة ومذاق الوثيقة التى لا أساس لها من الصحة، ولا يمكن أيضًا أن تكون كذلك.. سبق وأن ذكرت حكاية زواج الراحلة د.رتيبة الحفنى، أستاذة الموسيقى والعميدة السابقة لمعهد الموسيقى العربية، وكانت تربطها صداقة بالست، أيضًا أعاد كتابتها الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش ، سرت هذه الشائعة فى أعقاب القبض على مصطفى عام 1964، ذلك لأن رجل المخابرات المنوط به التحفظ على متعلقات مصطفى أمين عندما فتح درج مكتبه فى أخبار اليوم عثر على ورقة زواجه العرفى من الفنانة شادية ، ورجل المخابرات الذى أتحدث عنه زوج الإعلامية الكبيرة د.درية شرف الدين ، مع مرور الزمن لم يتبق فى الذاكرى إلا أن مصطفى أمين تزوج من مطربة شهيرة.. بينما أم كلثوم فى ذلك الوقت كانت زوجة

د.حسن الحفناوى أستاذ الأمراض الجلدية الشهير الذى اقترن بها منذ عام 54، وقبلها بثمانى سنوات كانت قد أعلنت خطوبتها على الموسيقار محمود الشريف.

ولم ينته الأمر عند ذلك الحد، بل إن الحكايات لم تتوقف بين أم كلثوم و مصطفى أمين إذ قالوا إنها بعد إلقاء القبض عليه فى حفل عيد ميلاد الثورة 1964 فى أثناء لقاء جمع بين عبد الناصر و أم كلثوم

و محمد عبد الوهاب تطرق الحوار إلى مصطفى أمين ، قال محمد عبد الوهاب: المسىء يأخذ جزاءه يا ريس ، بينما قالت أم كلثوم: مصطفى رجل وطنى ولا يمكن أن يتجسس على مصر .

عندما غنت أم كلثوم هذا المقطع فى قصيدة الأطلال كان التفسير السياسى هو المسيطر، تقول فيه: أعطنى حريتى أطلق يديا إننى أعطيت ما استبقيت شيئا ، قالوا إن أم كلثوم توجه رسالة إلى عبد الناصر تستعطفه أن يطلق سراح مصطفى أمين .. آه من قيدك أدمى معصمى لما أبقيه وما أبقى علىّ .. كلها بالطبع من وحى خيالنا، لأن إبراهيم ناجى شاعر الأطلال الذى رحل عام 53 كان يكتب من إيحاء قصة غرامة للفنانة زوزو حمدى الحكيم!

كان مصطفى أمين هو أقرب الأصدقاء لأم كلثوم وحكى لى الموسيقار الكبير محمود الشريف فى مذكراته التى نشرتها فى كتاب عنوانه أنا والعذاب وأم كلثوم أن مصطفى أمين هو الذى نشر فى عام 1946 خبر خطوبته من أم كلثوم ، وهو بعدها بأسبوع الذى كتب مقالًا آخر عنوانه جنازة حب عندما تدخل القصر ليمنع زواجهما. وظل محمود الشريف غاضبًا من مصطفى أمين ليس لأنه أحب أم كلثوم ولكن لأنه لعب هذا الدور لصالح القصر.

رحلت أم كلثوم فى 3 فبراير 1975، وكان مصطفى أمين صديقًا مقربًا، بل هو الأقرب.. لكن لا حب ولا زواج، فقط صداقة!

 

دهاء الفأر ومخالب القط!

طارق الشناوي

03-02-2015

كانت سوسن بدر ترقص فى ليلة الفرح للعروس، ابنة وزير الداخلية محمود حميدة، على إيقاع وصوت أغنية بهاء سلطان الذى تحمل نبراته مزيجًا من الشعبية والشجن والبهجة «الواد قلبه بيوجعه عايز حد يدلعه»، ثم فجأة سقطت وهى تُمسك بقلبها لتضع المتفرج فى حيرة شعورية، هل يبكى تأثرًا بالرحيل أم يكمل المشهد ويواصل الضحك؟ هذا هو مفتاح الفيلم الذى يجعلك تقف بين الدمعة والضحكة، ما يضحكك يبكيك، فالشخصيات الكارتونية التى رسمها الكاتب وحيد حامد والمخرج تامر محسن تحتفظ دائمًا بتلك المسافة بينك وبينها، فلا تتوحد أبدًا معها.

لو سألتنى ما أكثر الأفلام طموحًا فى موسم إجازة نصف العام؟ لقلت لك على الفور قط وفار ، لو تابعت أكثر الأفلام التى توقعت لها أن تُحدث قدرًا من التواصل مع الجمهور، ولكن خذلتنى الأرقام فالإجابة بدون تردد: قط وفار .

وحيد حامد هو أكثر كتاب الدراما السينمائية الكلاسيكية، قرابة أربعة عقود من الزمان الذى لم يتخلَّ أبدًا عن انتمائه لهذا المنهج، فعندما يحدث نوع من التلاقى مع مخرج على الفور يضبط موجته على إحساسه.

لاحظ مثلًا أفلامه مع سمير سيف الراقصة والسياسى نموذج، وتابع أفلامه مع عاطف الطيب البرىء مثلًا، ثم انظر كيف أنه يمزج الواقعية كمضمون والكلاسيكية كمنهج فى التعبير بقدر لا ينكر من الفانتازيا لينتقل إلى عالم شريف عرفة الإرهاب والكباب ، مما يمنح وحيد ميزة البقاء فى الملعب كواحد من أسطوات المهنة الكبار، لأنه لم يفقد أبدًا مرونته فى التواؤم فى هضم مفردات الزمن ولا فى ضبط الإيقاع مع المخرج. فى قط وفار نتعايش مع كاتب يرقص إبداعيا مع جيل الروشنة، وهكذا تحمس لتامر فى أول تجربة له.

أعتذر إلى القارئ لأننى لم أقرأ القصة القصيرة لعبد الرحمن فهمى، لكننى حاولت ولم أعثر عليها حتى أضع يدى بالضبط على ما أراده الكاتب الروائى وما انتهى إليه الكاتب الدرامى.

هناك، ولا شك، حالة عامة تغلف الدراما، وأيضًا الصورة والموسيقى والملابس والملامح الخارجية للأبطال، العلاقة بين عالمين، فالبشر يتحركون وفقًا لقانون الكارتون أو ما دأبنا على أن نصفه بالرسوم المتحركة، حيث إن الآلية الحركية والفكرية هى القانون، فبقدر ما كان الشكل مسيطرًا على طبيعة أداء محمد فراج الذى يمثل عالم الفئران المقهور وشعوره بالدونية على المستويين المادى والأدبى، على الجانب الآخر كانت الروح الكاريكاتيرية هى المسيطرة على أداء محمود حميدة وسوسن بدر، فسوسن بنت البلد الحسناء التى تجاوزت الخمسين من عمرها ولكنها لا تزال المزة القادرة على إثارة الجميع من أهل الحارة، ابنها الفار لا يهنأ على أمه إلا فى أشهر العدة الثلاثة فقط -الهدنة بين عريس وعريس- وهى مثل أبناء البلد تعلنها دون مواربة: إنها فى احتياج إلى رجل بالحلال.

عيد الحب، حيث زمن الأحداث، لا يعنى شيئًا لطبقة عائلة الفار، ونكتشف أن وزير الداخلية القط محمود حميدة ينتمى أيضًا إلى تلك الحارة. الأحداث قبل 25 يناير، وأظن الأمر هنا مقصودًا ليضرب عصفورين بحجر واحد، أولًا هو يريد أن يجعل مؤشر التلقى يبتعد سياسيا عن الثورة، فهى لا تشكل هذه المرة خطا فاصلًا بين ما قبل وما بعد، فباب النجار مخلّع، وهذه هى حقيقة الوزير، إذ ابنته تتعاطى الهيروين، ولكن فى النهاية تأتى النهاية السعيدة وينتصر الفئران.

وهناك لمحات خاصة يمتلكها فيكتور كريدى مدير التصوير، أتابعه منذ 7 سنوات وأرى فيه إيقاعًا حداثيًّا فى التعبير بالإضاءة. ونجحت موسيقى محمد مدحت وأيضًا جزء هام من ملامح التعبير تُقدمه ملابس ناهد نصر الله، والمونتاج كان بحاجة إلى حالة تدفق أكثر.

قدمت سوسن دورها بحالة مزاجية عالية وقدر لا ينكر من السلطنة، وحافظ حميدة على الخيط الرفيع بين الواقع والفانتازيا فى هذا الفيلم، كما أن فراج البطل هو الذى يتحمل المسؤولية الجماهيرية وحتى الآن هو ممثل موهوب، ولكن نجومية الشباك حكاية أخرى لم تتحقق بعد، فلا بأس أن ننتظرها الفيلم القادم.

طموح الفكرة وومضات السيناريو كانا بحاجة إلى شاشة أكثر وهجًا وألقًا.

 

أم كلثوم صوت الشعب والجيش والثورة

طارق الشناوي

03-02-2015

فى مثل هذا اليوم قبل أربعين عامًا خرجت الصحف المصرية الثلاث الرسمية تعلن فى المانشيت الرئيسى «رحيل أم كلثوم»، قبلها بيومين كانت قد مهَّدت للوداع بمانشيت «أم كلثوم تصارع الموت».

قضت أم كلثوم آخر 100 ساعة من حياتها فى المستشفى العام العسكرى، بعد أن تم نقلها من فيلتها فى الزمالك بشارع شجرة الدُّر إلى المستشفى بالمعادى، بناءً على قرار من أنور السادات رئيس الجمهورية، وفى الوداع صاحبتها جنازة عسكرية من ميدان التحرير إلى رحاب مسجد سيدنا الحسين، كما أرادت بالضبط أم كلثوم.

أكثر من عشرة آلاف جندى وضابط شرطة لم يستطيعوا ضبط الشارع، كان جثمانها الطاهر يحمله الجنود، ورغم ذلك اخترق الآلاف الذين أحاطوا النعش تلك القيود الصارمة لتحظى بجنازة شعبية، ولم يسبقها فى جلالها قبلها بخمس سنوات سوى وداع الزعيم جمال عبد الناصر، فلحقت زعيمة الغناء بزعيم الوطن، وكأن الأمة العربية كلها تودّع زمنًا خصبًا وتطوى صفحة لن تعود.

ما تبقى فى الذاكرة من يوم الوداع الذى تم توثيقه فى فيلم يعلق عليه صوت جلال معوض الإعلامى الكلثومى الناصرى فى جيناته، فلقد ارتبط بالاثنين، وكما عانت أم كلثوم فى زمن السادات عانى معوض أيضًا بسبب اتهامه بحب عبد الناصر، ولكن هذه قصة أخرى.

كان الفيلم التسجيلى يضع، وللمفارقة، قصيدة أم كلثوم أنا الشعب التى كتبها كامل الشناوى، ولحّنها محمد عبد الوهاب، التى كانت هى بعد 36 عامًا أغنية ثورة 25 يناير، الروح الوطنية لأم كلثوم هى وجه أصيل لفنانة الشعب، فلقد غنَّت أم كلثوم فى 1959 نشيد الجيش من شعر طاهر أبو فاشا، الذى ارتبط بكتابة المسلسل الإذاعى الرمضانى الشهير ألف ليلة وليلة فى الخمسينيات، وقصائد رابعة العدوية لأم كلثوم، وكانت مصر تحتفل 20 أكتوبر بيوم الجيش، فغنَّت ثومة تلك القصيدة.

أم كلثوم أيَّدت الثورة منذ اللحظة الأولى، ولها لقاءات عديدة مع اللواء محمد نجيب قائد الضباط الأحرار، وأول رئيس لمصر، ولكنها بعد الاعتداء على جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية عام 54، غنَّت له يا جمال مثال الوطنية أجمل أعيادنا الوطنية بنجاتك يوم المنشية ، وبعد ذلك بعام قام الشاعر بيرم التونسى بتغيير فى الكلمات لتتواءم مع تولّى عبد الناصر الرئاسة، لتصبح برياستك للجمهورية بدلًا من بسلامتك يوم المنشية ، وعندما تضيف أم كلثوم ردوا على وهى تنظر للجمهور، ولو دققت فى التسجيل ستجد أن صوت الحاضرين كان يعلو على صوت كورال أم كلثوم.

عبد الناصر الكلثومى المزاج كان سمّيعًا لها، ومن طقوسه مثل أغلب المصريين أن يضبط موجات الراديو على حفلتها التى كانت تقدمها فى الخميس الأول من أول كل شهر، ولهذا فى أثناء حصار الفالوجا عام 1948، حيث كانت الفرقة التى يقودها عبد الناصر تشارك فى الحرب وأرسلوا لأم كلثوم عن طريق القيادة السياسية رغبتهم فى الاستماع إلى أغنية غُلبت أصالح فى روحى لزيادة روح المقاومة للجنود، وكانت هذه الأغنية هى المفضلة لعبد الناصر، قبل أن تغنى فى عام 1954، فتصبح أروح لمين هى المفضلة، ولهذا فى أغلب الحفلات التى كان يحضرها عبد الناصر كانت تُغنى أروح لمين .

أم كلثوم غنَّت للثورة بعد أقل من 100 يوم من شعر أحمد رامى وتلحين رياض السنباطى مصر التى فى خاطرى وفى فمى أحبها من كل روحى ودمى ، وأجمل مقطع فيها بنى الحمى والوطن من منكم يحبها مثلى أنا؟ ، ويرد الكورال نحبها من روحنا ونفتديها بالعزيز الأكرم .

أم كلثوم التى ولدت قبل نهاية القرن التاسع عشر ببضع سنوات ربما خمسة، فلا يوجد توثيق رسمى، ولم تكن أم كلثوم تذكر فى الأوراق الرسمية سوى أنها من مواليد 1908، وهو بالتأكيد ليس صحيحًا، هناك اختصار ما بين عشرة إلى خمسة عشر عامًا، وهو ما ذكره فى إحدى مقالاته الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى الفقى، أنه عندما كان يشغل منصب سكرتير فى السفارة المصرية بمدريد وفى رحلة علاج لعينيها كان فى استقبالها ولاحظ وهو ينهى إجراءات السفر أن عمرها فى جواز السفر أقل بكثير من عمرها الحقيقى ولم يذكر ما الذى اعتقده هو باعتباره العمر الحقيقى.

أم كلثوم عاشت أكثر من ثلاثة أرباع القرن العشرين وعاصرت كمطربة معروفة ملكَين، فؤاد وفاروق، وثلاثة رؤساء، محمد نجيب وعبد الناصر والسادات، غنَّت لفاروق وغنَّت لجمال، ولكنها لم تنتظر شيئًا حتى وسام صاحبة العصمة الذى منحه لها الملك فاروق، كان تحصيل حاصل، لأنها فنانة الشعب التى تعصمها قلوب الشعب.

دائمًا يقولون أم كلثوم غنَّت للملك فاروق، ثم لجمال، ورفضت الغناء للسادات، ودليلهم أنها لم تغن لانتصار أكتوبر، الحقيقة أنها كانت حتى بدايات عام 73 قادرة على الصعود إلى خشبة المسرح، ثم لم تسعفها صحتها فى النصف الثانى من العام، وآخر أغانيها حكم علينا الهوى ، سجَّلتها فى الاستوديو، وكانت بالفعل حريصة على أن تغنِّى لأكتوبر، وكتب لها الشاعر مأمون الشناوى أغنية عن النصر، وبدأ السنباطى فى تلحينها، ولكن خذلتها قدرتها الجسدية، الغناء لعبد الناصر كان مرتبطًا بآمال عشناها حتى 67، وأفقنا بعد الهزيمة وغنينا للوطن المجروح، مثل راجعين بقوة السلاح ، السادات حكم مصر المهزومة فلم يغنّوا باسمه وغنّوا له بعد انتصار 73، وللتوثيق غير صحيح أن عبد الحليم حافظ فى أغنية عاش اللى قال تعمد أن لا يذكر اسمه، السادات هو الذى طلب ذلك عندما عرض عليه وزير الإعلام الأسبق عبد القادر حاتم، الأغنية قبل إذاعتها، فوجد بحاسته الأدبية أن عاش اللى قال أجمل من عاش السادات، لأن كل الناس تعرف أن السادات هو اللى قال، ملحوظة أرجو أن يتم توثيق هذه المعلومة من وزير الإعلام الأسبق عبد القادر حاتم، متّعه الله بالصحة والعافية، ومصدرى كان الإذاعى الراحل وجدى الحكيم الذى كان مشرفًا فى تلك السنوات على التسجيلات الغنائية، فلم يكن حليم ولا أم كلثوم قادرين على تحمُّل تبعات تجاهل الرئيس، لا حظ أننا نتحدَّث عن زمن كانت الدولة تمتلك فيه كل المنافذ، أى أن غضب السلطة يعنى الحكم بالإعدام على الصوت.

سيدة الغناء العربى كانت حاضرة بقوة فى ثورتَى 25 يناير و 30 يونيو ، حيث أعادت الفضائيات قصيدة أنا الشعب ، وكأنها توجّه تحية من العالم الآخر إلى مصر الثائرة.

كان هذا هو الوجه الإيجابى للصورة، أما الوجه الآخر فإن البعض قد وجد فى أم كلثوم شماعة لمنافقى السلطة، بحجة أنها غنَّت للملك فاروق ثم بعد ثورة 23 يوليو غنَّت لعبد الناصر، وهو ما يبرر للمنافقين غناءهم ورقصهم فى عهد مبارك، ثم تأييدهم بعد ذلك للثورة، وصولًا للغناء للسيسى، والمقصود بالغناء ليس فقط الذى يقع تحت طائلة قانون يا ليل يا عين ، ولكن الأحاديث التى يدلى بها العديد من النجوم الذين كانت السلطة تعتمد عليهم، سواء فى الدعاية لحسنى مبارك فى ولاية سادسة أو فى التمهيد لجمال مبارك رئيسًا خلفًا لوالده، كل هؤلاء تشعبطوا فى فستان أم كلثوم واستندوا إلى مقولة جمال عبد الناصر الشهيرة عندما قامت الثورة فقرر أحد الضباط الصغار منع صوتها من الإذاعة المصرية بحجة أنها غنَّت للملك فى العهد البائد، فقال عبد الناصر إذن امنعو أيضًا النيل لأنه من العصر البائد.

الغريب أن مَن غنَّوا لمبارك أو نافقوه فى أحاديثهم صاروا هم الأعلى صوتًا بعدها دفاعًا عن ثورتَى 25 و30. وفى نفس الوقت، يرفعون فى وجه كل مَن يذكّرهم بالذى مضى حكاية أم كلثوم. الزمن تغيَّر من عصر فاروق إلى زمن السيسى وقطار النفاق لا يزال منطلقًا!!

أم كلثوم لعبت دورًا بطوليًّا فى أعقاب هزيمة67 بحفلاتها التى كان يذهب عائدها للمجهود الحربى، فى العديد من المحافظات المصرية انتقلت إليها وللدول العربية كانت تغنى من محافظة إلى أخرى ومن بلد عربى إلى آخر، ولم تتوقف، وعندما رحل عبد الناصر غنَّت له رسالة إلى الزعيم .

دار أم كلثوم للخير كان مشروعها الأثير للمساهمة فى مسح أحزان الوطن وتقديم المساعدات للمحتاجين من أبناء المحروسة، فى زمن عبد الناصر فُتحت أمامها كل الأبواب وفى زمن السادات لم ترضَ السيدة الأولى جيهان السادات أن لا يكتب فى تاريخها أن لديها مشروعها الخاص، فكان الوفاء والأمل ، ومن الممكن لو كنا فى بلد لا يخشى بطش السلطة أن يصبح لدينا بدل الدار دارين وبدل الخير خيرين، ولكن كان لا بد من أن تنحاز كل أجهزة الدولة إلى السيدة جيهان السادات، ووجدت أم كلثوم أن كل شىء ينطفئ والأبواب تؤصد، فماتت دار أم كلثوم للخير، ولكن لم ولن يموت أبدًا الخير الذى منحته أم كلثوم لكل المصريين والعرب.

السادات كان كلثومى المزاج، وفى نفس الوقت يعشق فريد الأطرش ويفضّل أغانيه ربما على عبد الحليم، ولكن لأم كلثوم لديه مكانة استثنائية، وكان مجلس قيادة الثورة قد أرسله ليصاحبها حتى الطائرة عندما سافرت لرحلة لعلاج الغدة الدرقية فى عينيها.

هل كل أغانى أم كلثوم الوطنية تميَّزت بالألق الإبداعى والفكرى المنشود، بالتأكيد لا، مثلًا عندما تغنّى للسد العالى حولنا مجرى النيل يا سلام على ده تحويل ح يكون تحويل لحياتنا يا سلام عل ده تحويل ، كلمات لا يمكن سوى أن تصفها بالرداءة أو مثلًا الزعيم والثورة وفّوا بالوعود، لسه دور الشعب يوفى بالعهود ، الأعنية حملت اتهامًا قاسيًا للشعب كله، وبرّأت فى نفس الوقت ساحة إنسان واحد وهو الرئيس.

كل هذه الأغنيات وغيرها كانت قبل هزيمة 67، وأرقها وأصدقها رائعة كتبها عبد الفتاح مصطفى، ولحّنها السنباطى تتغنّى بالوطن يا حبنا الكبير والأول والأخير ، وهذا المقطع جهادنا فى سبيل مجدك صلاة وحبك طاعة يرضاها الإله والاستشهاد على أرضك حياة ، بعد الهزيمة تغيّر تمامًا التوجه والمعروف أن جمال عبد الناصر تدخل للحذف والتعديل فى أغنية راجعين فى هذا المقطع جيش العروبة يا بطل الله معك ما اروعك ما أشجعك ، تم حذفه ولم يعد للأغنية إلا بعد الانتصار، ومن الواضح أن هناك انكسارة فى تعبير راجعين بقوة السلاح، وفى نفس المرحلة الزمنية غنَّت من تلحين عبد الوهاب قصيدة أصبح عندى الآن بندقية فى أول لقاء لها مع الشاعر نزار قبانى، ورغم أن أم كلثوم كانت تمنع عبد الوهاب من تقديم أى أغنية لحّنها لها على العود بصوته، وكادت بالفعل أن تتراجع عن غناء إنت عمرى عندما فكّر عبد الوهاب فى تقديمها بصوته، إلا أنها فى هذه القصيدة تنازلت عن الشرط ووافقت على أن يغنيها عبد الوهاب وبفرقة موسيقية كاملة، لإحساسها أن الهدف ليس المنافسة، ولكن الغناء للوطن يعلو على أى اعتبار.

ويبقى فى الحكاية الكثير، ولكن من بين أغانيها الوطنية لا ننسى بعد انتصار 56 محلاك يا مصرى وانت ع الدفة ، لصلاح جاهين ومحمد الموجى، أما فى أثناء العدوان الثلاثى فلها مع صلاح جاهين وكمال الطويل والله زمان يا سلاحى ، وتلك الشطرة الشعب بيزحف زى النور، الشعب جبال الشعب بحور ، وأصرَّت وقتها أم كلثوم على الذهاب إلى الإذاعة المصرية وتسجيل النشيد هناك رغم أنها كانت هدفًا استراتيجيًّا للدمار الشامل، ولكن هذه هى أم كلثوم التى أحبَّت الوطن فمنحها الشعب خلودًا!!

 

يا شيييييييييييييييييييييخ!!

طارق الشناوي

02-02-2015

هل لاحظت يومًا شيخًا يقود سيارة خاصة؟ أنا لم أر ولا مرة من يفعلها مرتديًا الجبة والقفطان، يقينى أن الأمر لا يجرح أبدًا وقار الزى الأزهرى، بينما من البديهى والشائع أن تجد قسيسًا يقود سيارته، هذا رجل دين وذاك رجل دين، لماذا يتحفظ الأول ويمارسها الثانى ببساطة؟!

المركز الكاثوليكى فى مصر يعقد مهرجانًا للسينما عمره 63 عامًا يشرف عليه الفاتيكان ودائمًا يتوسطه قسيس فى تنفيذ فاعلياته، عاصرت فى الثمانينيات أبونا يوسف مظلوم وحمل الراية فى السنوات الأخيرة أبونا بطرس دانيال، هل تعتقد أن الأفلام لا توجد فيها نساء من الممكن فى مشهد أن يرتدين المايوه وفى آخر يطبعن قبلة، ألا يتخلل بعض هذه الأفلام رقصة أو أغنية، بالتأكيد بها كل ذلك وأحيانا أكثر من ذلك، هل من الممكن أن تتخيل إقامة مهرجان مواز تحت رعاية الأزهر؟

ليس فارقًا فى الأديان فلا الإنجيل ولا القرآن من الممكن أن تعثر فيهما على ما يحرم الفن، ولكنها زاوية رؤية تختلف بين إنسان وآخر، وليس بين دين ودين، والدليل أنك ستجد بين القساوسة أيضًا من يرفض ممارسة الفنون.

قبل أيام ذهب شيخ بدعوة من بطلة ومنتجة الفيلم إلهام شاهين للعرض الخاص لمشاهدة "هز وسط البلد" فاستشاط غضبًا شيخ آخر، الأول خرج أمام الفضائيات مشيدًا بالفيلم، بينما الثانى لم يعجبه حتى العنوان الهز والوسط وانتقد علنًا وعلى رؤوس الأشهاد سلوك الشيخ وطالبه بعدم الجهر بالمعصية ناصحًا إياه بالمشاهدة سرًّا على "سى دى".

الشيخ الذى شهد الهز هو مظهر شاهين خطيب جامع عمر مكرم فى ثورة 25 يناير، افتح قوس تعتبرها إلهام مؤامرة واقفل الآن القوس، فليست هذه هى قضيتنا فما تفرقه الثورة تجمعه الأفلام، ونعود إلى مظهر الذى اكتشفنا كم أنه يحب الظهور عبر الكاميرات ومنذ ثورة "اللوتس" وهو يرفض مغادرة المشهد أو الاستوديوهات، كثيرًا ما رأيته مقدمًا للبرامج بعد أن خلع الجبة والقفطان وارتدى بدلة خيرى رمضان، ربما حسبها ووجد أن تلبيته لدعوة إلهام سوف تمنحه الفرصة مجددًا للحضور الإعلامى ربما. الفيلم فى الحقيقة ينتمى إلى السينما النظيفة وليس فيه ما يثير غضب أحد رغم تواضع مستواه الفنى.

الشيخ خالد الجندى رفع رايات الغضب ضد زميله وكأنه يثير الأزهر الشريف للتحرك ولفت النظر، لماذا يلعب الشيخ خالد دور ناظر مدرسة المشايخ، عندما ينتقد مخرج أفلام زملاءه نعتبر هذا دخولا فى منطقة ملغومة فهو ليس ناقدًا حتى يدلى برأيه، كما أنه لاعب فى الميدان فكيف يكون فى نفس الوقت حكمًا؟ دعك من هذا كله ألم يكن من الأوفق أن يشاهد الشيخ الفيلم وبعدها يقول فيه ما يحلو له؟ سبق أن رأيت الشيخ خالد فى أحد البرامج وهو يعزف على البيانو، ومن المعروف مثلًا أن الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء وأعظم من قرأ آيات الذكر الحكيم كثيرًا ما كان يغنى بين أصدقائه طقاطيق ومونولوجات عاطفية. أم كلثوم قرأت آية من الذكر الحكيم فى فيلم "سلامة"، وهو أيضًا ما فعلته بعدها وردة فى فيلم "ألمظ وعبده الحامولى" رغم أنها فى المشهد التالى كانت تغنى "اسأل دموع عينيه اسأل مخدتى". ما المشكلة وأين تكمن المخاطر عندما يذهب شيخ لمشاهدة فيلم أو حفل موسيقى أو باليه؟

خالد الجندى صرح من قبل بأنه يستمع إلى أم كلثوم، ألم تقل أم كلثوم فى أغنية الفوازير "القبلة إن كانت من ملهوف اللى على خد الورد يطوف ياخدها بدال الوحدة ألوف ولا يسمع للناس ملام".

أن يذهب شيخ إلى عرض خاص لفيلم ليس جناية ولا جنحة ولا معصية تُغضب الله، وعندما يتهكم شيخ على شيخ لا نملك سوى أن نقول له "يا شييييييخ"!!

 

العنف خلف «أسوار القمر»!

طارق الشناوي

01-02-2015

العنوان «أسوار القمر» يمنح الجمهور تذكرة لرحلة رومانسية، ومع البدايات أخذت أمنّى نفسى بأنى سوف أعايش تلك الحالة، التى اشتقت إليها كثيرا، إنه التحليق ورهافة المشاعر هكذا كان يَعِد السيناريو الذى كتبه محمد حفظى بحالة رومانسية، بينما المعالجة الدرامية لحفظى والرؤية الإخراجية لطارق العريان أحالتاه إلى شريط سينمائى، ينضح بقليل من الرومانسية، وكثير من الدموية. إنه فيلم أكشن من الطراز الأول، مُغرِق فى عنفه ومعاركه الضارية التى لا تسمح لك بالتنفس.

طارق دائما ما يملك أدواته فى تلك النوعيات من الأفلام مثل الباشا و الإمبراطور و تيتو وغيرها، ربما باستثناء فيلم مهم ومختلف جدا على خريطته السلم والثعبان ، حيث كانت المشاعر هى المنبع، الذى تدفقت منه الأحداث، وهو الفيلم الذى شهد أيضا بدايات الكاتب محمد حفظى بموهبة ومنطق فنى يحمل بصمته الخاصة.

علينا أن نشاهد الفيلم بعيون صنّاعه، وليس بما أوحى به العنوان، ولا حتى هذا الحوار العابر الذى يرسم تلك الصورة الشاعرية للأسوار التى تحيط بالقمر، حيث يسكن موتانا الذين أحببناهم، ونتواصل معهم كلما تطلعنا إلى القمر.

منى زكى الحائرة بين رجلين لا تستطيع تحديد موقفها، تقف دائما على الخط حتى وهى مع أحدهما ترنو إلى الآخر، ليس بينهما مَن هو مثالى، تريد من كل منهما شيئا لتكتمل به، اختارت أولا عمرو سعد بمشاعرها، فهو تلقائى جذاب ولا يحسب شيئا، فقط يعيش اللحظة، متهور وعصبى، ولا يفكر ماذا بعد أن يعشق منى فيتزوجها، وعندما يكتشف أنها قررت أن تهرب منه يبكى تحت قدميها مثل الأطفال، ثم سرعان فى لقطة تالية ما يفقد عقله، تفقد عينيها بسبب تهوره، ويعانى هو من عجز فى الحركة.

على الجانب الآخر آسر ياسين المنطقى الذى يحسب كل شىء بدقة. تختاره بعقلها الواعى بعد أن أقامت قضية خُلع ضد زوجها الأول الذى يخسر فى النهاية كل شىء. الأحداث تبدأ بصراع على الشاطئ بين الزوج الحالى آسر ياسين وطليقها عمرو سعد، وتؤدى منى زكى دور الكفيفة، التى فقدت أيضا ذاكرتها، وتتعاطف معها كمشاهد، وهى فاقدة كل شىء، البصر والذاكرة وتعيش لحظات الرعب بين رجلين لا تعرفهما.

ما شاهدناه هو صراع أسود نتيجته الحتمية يا قاتل يا مقتول ولا طريق ثالثا. يتلقى عمرو ضربات من آسر تضعه على مشارف الموت، ويلقى به آسر فى عرض الطريق، وينطلق فورا إلى البحر فى يخت أطلق عليه اسم زينة ، وحتى يتأجج الصراع نرى عمرو يلاحقه بلياقة بدنية فائقة لا تستقيم مع حالته البدنية.

السيناريو الذى كتبه حفظى وشاركه فى الحوار تامر حبيب ينتقل بين اللحظة الآنية والزمن السابق، من خلال صوت لشريط حياة منى زكى سجلته على الموبايل قبل أن تفقد الذاكرة، الإحساس الصاخب يثير شهية المخرج طارق العريان بمجموعة متلاحقة من المعارك الدموية بين البطلين حتى نصل إلى الذروة غرق اليخت ، ميكانيزمات المقاومة فى اللحظات الحاسمة دائما ما تتجاوز قدرات البشر، وهكذا شاركت منى فى واحدة منها، وحبست عمرو فى غرفة، وإن لم تكن تدرى هل هى أوقعت بمن يشكل خطرا عليها أم من كان عليها الحفاظ عليه. منهج العريان هو التشويق حتى الكادر الأخير، ويعود عمرو، لتستقر مع مَن اختارته بقلبها ومشاعرها، لكن هل تناجى الرجل الثانى، الذى رحل خلف أسوار القمر؟ تضافرت لمحات مديرَى التصوير نزار شاكر وأحمد مرسى، وموسيقى هشام نزيه، ومونتاج ياسر النجار فى تشكيل الحالة السينمائية القائمة على التشويق، الذى يقف على حدود الرعب.

الفيلم يمنح مساحة متساوية لنجميه عمرو سعد وآسر ياسين، عمرو وقتها قبل أربع سنوات فى أثناء تصوير الفيلم كان لا يزال يراهن على الممثل ونجح بنسبة لا بأس بها. آسر تفهم أبعاد الشخصية تماما. منى زكى ملأت الشاشة حضورا وإبداعا ووهجا ولمعانا فى شخصية درامية تتكئ على قدرات خاصة فى التعبير بسبب كل هذه التناقضات، وهو ما برعت منى فى تحقيقه بحالة مزاجية عالية، ومع كلمة النهاية أسأل: لماذا كل هذا العنف خلف أسوار القمر ؟!

التحرير المصرية في

01.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)