كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

المخرج الفلسطيني أشرف مشهراوي:

من واجبنا نقل أصوات الضحايا

القاهرة - عزة سلطان

 

«إن من واجبــنا أن نأتي إلى هنا لننقل أصوات الضحايا فهي تطاردنا»، هكذا قال المخرج الفلسطيني أشرف مشهراوي أثناء تكريمه في مهرجان سراييفو قبل شـــهور. قــدم أشرف مشهرواي العديد من الأفلام الوثائقية المعنية بالشأن الفلســـطيني، مثل «غزة تعيش» والذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان الأيام السينمائية في الجزائر، كما حصلت أفلام له على بعض الجوائز العربية والعالمية، ومنها «غزة تعيش» و»حياة بالجدول»، وكذلك «الطريق إلى تاورغاء»، والتي فازت أخيراً بالجائزة الأولى في مهرجان عالم واحد لحقوق الإنسان في بروكسيل. ومن أفلامه الأخرى «معركة الأمعاء الخاوية». ويرى أشرف مشهراوي انه في أعماله ينتمي إلى ما هو إنساني، وما هو جميل، حتى وإن جاء مجدولاً بالوجع. حول مشروعه في السينما وأحلامه وتجربته كان هذا الحوار.

·        كيف كان الطريق لصناعة فيلم وثائقي، بالنسبة إليك؟

- بدأت كتابة قصص قصيرة وأنا في المرحلة الإعدادية وكانت خليطاً من الصور البصرية مصدرها أحداث الانتفاضة الأولى، وكنت كل مرة أسأل ذاتي: هل من الممكن يوماً ما أن أروي حكايتي وأنقشها لوحات في أفلام تحكيها؟ وبعد سنوات قليلة، وبأدوات متواضعة بدت لي قادرة على أن تساعدني في بداية مشواري في صناعة الأفلام، وما بين محاولة ناجحة وأخرى فاشلة، سعيت للتعلم وتطوير نفسي كصانع أفلام ولعل التجربة الفاشلة أفادتني أكثر من تلك الناجحة بتواضع، لأنها علمتني الكثير وجعلتني أدرك قيمة المعلومات.

·        كيف تخطط لفيلمك؟

- البحث المتأني الطويل من أهم ما تعلمت، ثم التأمل في الفكرة مراراً ومراراً، حيث أسعى إلى عيش التجربة وأتمثلها وكأني إحدى شخصياتها، وأسأل الأسئلة التي يسألها أبطال القصة أنفسهم، تعلمت كيف أستمع جيداً وطويلاً وبعد ذلك كله أبدأ بصناعة فيلمي.

·        على رغم أن كثيراً من أفلامك ميدانها الأساسي غزة فإنك تنتقل بين الوجع والبهجة كيف ترى ذلك؟

- غزة جدرانها مليئة بالحكايا والقصص التي لا تنضب هي مصدر إلهامي، فمنها حلقت فرحاً بفيلم «غزة تعيش» أنقل سر الحياة وقوتها عندما لا تحد طموحها هجمات المحتل أو قسوة الهدم، هنا أناس بسطاء أجادوا صناعة الحياة فتعلمت منهم الكثير. لكني لا أستطيع رؤية جزء من الصورة وأهمل باقيها، فهنا مع كل قصة سعادة قصة ألم، وبعد يوم سعيد، يوم تعيس.

كان لا بد لي كفلسطيني يعيش الاحتلال أن أمتلك قصتين، قصة سعيدة وأخرى مؤلمة، لا شك في أن قصص الحياة والفرح هنا دوماً تنجح في هزيمة الألم والاستعلاء عليه ربما بطريقة مختلفة عن العالم، لكن هذا لا يعني إنكار الألم. ومن هنا كانت لي أفلام أخرى تحكي قصص المعاناة وتوثقها أملاً بأن يشاهدها أبناؤنا في المستقبل كي يعلموا كم كنا نحبهم وهزمنا هذا الألم بحبنا كي يعيشوا سعداء فكان فيلم الإضراب عن الطعام واحداً من هذه الأفلام.

·        ألا تفكر في طرق موضوعات أخرى خارج غزة؟

- ما زلت أتعلم وأحاول من فيلم إلى آخر أن أستفيد من أخطائي، وأحياناً أسافر إلى بلاد أخرى أبحث عن قصص الإنسان كما حدث معي في اليمن وليبيا، كي أساعدهم كشخص يعلم معاني المعاناة وينتظر مساعدة الآخرين التي تجعلنا مدينين أيضاً لآخرين يحتاجون مساعدتنا، فمدينتي الفاضلة غزة علمتني أيضاً ألاّ نكون جشعين أو بخلاء، علمتنا أننا كما نحب أن يقف إلى جانبنا الجميع، يجب أن نقف إلى جانب هؤلاء الذين أيضاً هم في حاجتنا.

·        تعتني كثيراً بالمشاهد الدرامية في سياق أفلامك الوثائقية، فهل هذا تمهيد لصناعة فيلم روائي؟

- بدأت بصناعة الأفلام الوثائقية، كما قلت، إنها بداية صناعة حلمي ومن ثم أدخلت بعض الدراما كمشاهد إعادة التمثيل. وأنا لا شك في طريقي لصناعة الأفلام الروائية كي أنجز أحلامي في مدينة غزة التي علمت أبناءها أن لا شيء مستحيل.

·        أخيراً هل تعتبر أفلامك نوعاً من المقاومة ضد الاحتلال؟

- حين كانت غزة تحت القصف والدمار، كانت هناك أيضاً قصص الحياة والإرادة نراها تنبت زهوراً بين الركام بطريقة تدعو أعيننا للبكاء من إرادة هؤلاء البسطاء، وأنا دوماً سأقوم بواجبي، وأقدم أفلاماً تحكي قصص هؤلاء البسطاء، بين قصص الفرح ومشاعر الألم، وآمل بأن أوفق في أفلامي المقلة في رسم هذه اللوحات بأكبر قدر أستطيعه.

الانحراف النفسي والاخلاقي... ولكن في اتجاه واحد مغلق ولا يتبدّل

بيروت - فجر يعقوب

على رغم الجدل الفاضح الذي تناقلته الأخبار من حول فيلم «خمسون ظلاً لغراي» والذي اندلع في مهرجان برلين في دورته الفائتة، لم يحظ الفيلم هنا في بيروت بمتابعة كبيرة على عكس ما كان متوقعاً، وفيما تتنوع معدل الأعمار في البلدان التي عرضته فكان 12 سنة مثلاً في فرنسا، وصل المعدل الى 21 سنة في لبنان. والفيلم المقتبس عن رواية للكاتبة البريطانية إي إل جيمس باعت 100 مليون نسخة وترجمت الى 52 لغة حول العالم، أخرجته للشاشة الكبيرة البريطانية أيضاً سام تايلور- جونس، فإن أضفنا الى هذا أن من قام باعداده سينمائيا امرأة أيضاً، نكون قد وقعنا على فيلم بتوقيع ثلاث نسوة، وعليه يمكن التمهل بقرءاته من هذه الزاوية، اذ تبدو نجمته داكوتا جونسون في حاجة لإضاءات تشريحية لشخصيتها - تحديداً - طالما أن القائمات على الفيلم جئن بـ «سندريلا» القرن الواحد والعشرين ليخبرن قصتها عن طريق بعث وتأكيد الجانب المظلم في شخصية الرجل الذي سيمنحها القدرة على الاستيقاظ في عالم غفل وينهشه الجوع والكوارث. كأن الاستديو المديني العملاق الذي يصور فيه الفيلم بعيد تماماً عنه، وكل مايدور من حوله لا يتعدى الشائعات الكلامية، حتى تتحول الصدمات العاطفية فيه الى «بيزنس» وعلاقات تجارية تحكمها العقود بين المسيطرين والخاضعين.

عالم مظلم

ليس الملياردير الشاب كريستيان غراي (27 سنة) المريض المنحرف، الغارق في عالمه المظلم في الفيلم الا تلك الشخصية الهشة المأزومة التي عاشت على ترسبات وعقد الماضي الأليم، فانحنت على جوانيتها بفجاجة لتعيش تهويمات العلاقات المازوسادية بانعتاق كبير، فكل مايملكه هذا الملياردير يسخره في اتمام سيطرته على من هم حوله. لا يحب. ليس لديه وقت للعواطف. مقل في كلامه، وإن تكلم فببطء وصعوبة بالغين طالما أنه سيقف أمام أناستازيا لتبدأ معه رحلة تحريره من هذا الانحراف، ولكن بتهويمات ودموع فتاة ساذجة خيل اليها أنها وقعت في غرام الفارس الذي سيوقظها من سبات لعين. يقول لها إن الرجال من المؤكد يترامون عليها عندما يكتشف أنها لا تزال عذراء. تخبره أنها لا ترغب في أي منهم. تبدو الإشارة الى بداية القصة مهمة جداً على رغم سياقها الافتعالي الذي يحيل الى نوع من التركيب الميلودرامي الذي لا يشكل أذى كبيراً في بعض الأفلام التي يقبض فيها أصحابها على السرد السينمائي بحرفية وحرية عاليتين.

لكننا في «خمسون ظلاً لغراي» سنقع على مصيدة مبهمة للمشاعر الإنسانية التي تدور في مدينة هندسية مترامية الأطراف وتشبه غرفة عملاقة يسهل فيها تصنيع الكتل الصماء التي تنقاد وراء مصائر محددة سلفاً. لا تظهر داكوتا جونسون، التي أدت دور الفتاة الساذجة، أكثر من وجه يمكن قراءة مصيره في ضوء عروض غراي (جيمي دورنان) المتكررة بأن توقع عقد الخضوع الكلي له، لتحصل عليه بإشراف محام بارع حتى لا تتسرب أخبار عالمه المظلم وتخفّيه في علاقاته بأسرار الغرفة الحمراء المعدة لصنع اللذة المخلوطة بالألم، ويسميها هو غرفة الألعاب، للتدليل على طفولة مسلوبة لم يعشها الولد الذي ماتت أمه وهو في الرابعة، وتبنته أسرة ثرية سمحت له بتعلم العزف على البيانو وهو في السادسة، وظل يؤدي كل تلك المعزوفات الحزينة التي لا تسمح لأحد بملامسته عقب كل علاقة حميمة، وإلا تعرض لعقوبة الجلد في أمكنة حساسة.

سيحمل غراي ذكريات أليمة عن عالم ألعابه المفقود. لم يكتمل الكشف عن عالمه ان صدقنا علم النفس التكويني فلجأ الى تأسيس عالم مواز إحلالي بديل من الأسواط والحبال والكلابات والسدادات التي تلهب عالمه العاطفي المضطرب. وأهم ما يميزه في لحظات غضبه خمسون درجة من التوتر حين يصاب بإحباط، كما يخبر أناستازيا التي تنزلق برضا كامل في عالمه المريض قبل أن تعود وترفضه تمهيداً لجزء ثان على مايبدو، وإن قدمت العناوين في الرواية الأصلية «خمسون ظلاً أكثر قتامة» و»خمسون ظلاً طليقاً»، دلالات على نهايات كل جزء، في ما يبدو أن الفيلم الموسوم باسم غراي أهمل جزءاً مهما حين ترك «خمسون ظلاً للرمادي» العنوان الأصلي للجزء الأول، وكان يبدو أكثر تعريفاً ببطله من خلال تدرجات هذا اللون المحبب في عالم السينما، في ما لم نعثر في شخصية غراي في الفيلم على أكثر من ظل واحد سقيم واقع في أمراض جنسية منحرفة رسمت مصيره منذ الدقائق الأولى في الفيلم، هذا اذا استثينا البحث في عالمه المظلم، وحاولنا الانحناء على الجانب المضيء طبعاً اذ لا يمكن تفويت هذا التوازي الساذج في رسم شخصيته، فهو رجل الأعمال الخيرية، يحارب الجوع في أمكنة مختلفة من العالم، من دون أن نقع على ما يفيد في هذا الشأن ولو في صورة واحدة، ويتبرّع للجامعات كما سيحدث مع جامعة أناستازيا لحظة تخرجها، كأنه لايفوّت سانحة حول اشراكها في فعل الاستيقاظ، الا ويقوم به. وهي كانت قد قصدته أصلاً لتجري معه لقاء صحافياً لصحيفة الجامعة بدلاً من صديقتها المريضة فيقع في غرامها، ويكبته، لأنه لا يعرف الحب، ولأنها هي بالذات لا يجب أن تقع في براثنه وأصفاده وأغلاله.

هذه بهارات طفولته التي سيخبر عنها ما يمكن أن يجتره أي مريض نفسي بغية الإيقاع بضحيته من طريق إثارة فضولها وشفقتها. كريستيان غراي الذي تعرّض لحروق السجائر في جسمه من قبل صديقة والدته التي ربطته في مراهقته الى جانبها واستغلته أكثر من ست سنوات ومارست عليه فنون التعذيب قبل أن تطلقه في عالم الانحراف وتصبح مثل مستشارة سرية له، اذ سيظل مرتبطاً بها ويحاورها في شؤون الفتيات اللواتي يستدرجهن الى الغرفة الحمراء. أناستازيا ستبدو مختلفة. هكذا يخبرنا هو. لم نشاهد شيئاً من علاقاته الـ 15.

غياب

ليس هناك في الفيلم حضور للسيدة روبنسون المسؤولة عن انحرافه وتشظّيه العاطفي والنفسي. كل ما نقع عليه تبريرات سطحية بكلمات منمقة و»أنا» متشققة وضخمة يظهرها بعلاقته مع الفتاة الساذجة أناستازيا التي تعمل في محل لبيع الخرداوات، ولم تكتشف رسالته لها حين يقصدها بعد لقاء الصحيفة الجامعية ليشتري من عندها حبال ولاصق وكلابات حديدية تشي لها بأنه يتصرف مثل قاتل متسلسل مثالي، وهي من أدوات التعذيب التي يستخدمها في غرفة ألعابه. ستبدو المحاولات النقدية الباحثة عن عالم موازٍ لهذا المنحرف خارجة عن اطار الكتابة نفسها انصافاً للإضاءة والصورة وحركة الكاميرا المتقنة في الفيلم والميزانسين الاحترافي. حتى داكوتا جونسون في أدائها دور الفتاة الساذجة كانت مقنعة تماماً، ولهذا يبدو من كل ما تقدم أن قراءة مصيرها لن تكون صعبة، ولن تغطي عليها بعض تلك الابتسامات التي تبدو وكأنها ستغيّر من عالم مريض قائم على تهويمات شبحية لا ينفع معها التذكير بالحدث المتوازي الذي يشكله عمله في فعل الخير مقروناً بأمراض ينبغي المصادقة عليها بعقد موقّع من الخاضع والمسيطر، اذ يبدو أن هذا الحدث سيشكل مادة خطرة في التنبيه الى انحدار علاقات انسانية غير سوية ولا ينقصها سوى التدليل عليها في غرفة حمراء قاتمة بالسوط والأغلال. الذي سبق الفيلم في الترويج له على مدار الأعوام الثلاثة التي تلت صدور الرواية يشبه تماماً ذلك الخضوع التدريجي الذي يجرّ القارئ والمشاهد معاً نحو القاع المظلم للنفس البشرية لمعرفة مصير العقد الذي سينشأ بين الملياردير والحسناء التي كانت نائمة في زمن ما، قبل أن توقظها ضربات السوط الموجودة على مرّ الأزمنة في عقلها: مصدر الألم واللذة على حد سواء.

«الوادي» لغسان سلهب يرصد انسدادات الراهن اللبناني

أحمد باشا

بدأ المخرج اللبناني غسان سلهب، مشروع ثلاثية سينمائية استهلها بفيلم «الجبل» (2011)، الذي يطالعنا فيه بطله سلهب ( الممثل فادي أبي سمرة) متوجهاً ليعيش عزلة جبلية يواجه فيها الموت أو يختبره بعيداً من شرك المدينة ومن فيها. وفي الفيلم الثاني من الثلاثية «الوادي»(2014)، الذي عرض في الفترة الأخيرة ضمن فعاليات مهرجان «برلين السينمائي»، لا يبدو صاحب «أشباح بيروت» (1998) أقل تشاؤماً بمستقبل الأيام، فكل الإشارات تشي بالخراب، كما يعلن على لسان إحدى الشخصيات الثانوية في الجزء الأخير من فيلمه «انمحت بيروت».

يذهب غسان سلهب في «الوادي» إلى سهل البقاع ليكون مسرحاً لأحداث حكاية الفيلم: بعد أن يتعرض رجل خمسيني (كارلوس شاهين) لحادث سير، يشاهد مجموعة أشخاص في سيارتهم، يتجه نحوهم والدماء على قميصه، يصلح لهم السيارة ثم يقع على الأرض. يقلون الرجل الغريب معهم في السيارة، ثم وهم في طريق عودتهم يكتشفون أنه قد فقد ذاكرته.

عند وصولهم نكتشف أنهم أعضاء عصابة لتصنيع وتوزيع المخدرات. يشكل وجود الرجل الغريب في مركز العصابة محركاً لأحداث الفيلم، فتارة يحاولون مساعدته لاستعادة ذاكرته، فيبدأون بتكهن اسمه وطائفته ومهنته، وتارة يشكون بأمره، فيعذبونه ويهددونه بالقتل إلى أن يسمعوا صوت قصف ومروحيات في الخارج. يخرجون بعدها، وإذ بالقرى المحيطة خالية من السكان، والقصف يكاد يدمر المناطق كلها، حتى نعرف أن الشرق الأوسط كله قد اشتعل.

الرجل الغريب هو مواطن لبناني غادر الوطن قبل عام 2006، وعاد قبل الحادث بأسبوعين ليلتقط صوراً لبيته الذي كان يحتله ضباط سوريون. عاد ليستعيد شيئاً من الذاكرة. ولكن أي ذاكرة! ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية واحتلال الجيش السوري للبنان. لذلك ستكون الرسائل السياسية في الفيلم نتيجة لبؤس الواقع وليس سبباً لانغماسه في التشاؤم. وفي نفس السياق السابق يذكر في الراديو خبر مفاده بأن قوة اسرائيل قد زادت خمس عشرة مرة عما كانت عليه قبل 2006، وعدد اللاجئين السوريين قد تجاوز المليون في لبنان وغير ذلك عن التفجيرات في اليمن وأحكام محمد مرسي وغيرها.

لكن العودة السابقة للرجل الخمسيني ليست عودة بالمعنى المباشر، لأن الحديث عن لحظتين مختلفتين أمر خاطئ، فلا الحرب الأهلية انتهت، ولا نتائج 2006 كذلك، كل ما يحدث اليوم ليس إلا استمراراً لماضٍ لم ينتهِ. لذلك نجد أن سلهب لا يوفر سطحاً عاكساً واحداً في الفيلم من دون أن يستثمره (مرآة، زجاج سيارة، نافذة، شاشة كمبيوتر.. إلخ) حيث كثيراً ما يقدم الحدث من خلاله ثم يبدأ بالتمازج البيني في الصورة مع اللقطة التالية، وكأنه يريد أن يقول بذلك: الوهم يبنى عليه أيضاً، وربما يصير يقيناً إن صار مؤسساً لحدث مقبل، هكذا سعدنا بنهاية الحرب الأهلية اللبنانية، وهكذا انتصر حزب الله، وهكذا صار لبنان بلداً مستقلاً. كما يمكن قراءة اشتغال سلهب السابق على أنه ارتياب المجموعة من الغريب، فكل غريب هو مثار للشك، وهذا ما لا تخفيه نقاشاتهم اليومية.

على هذا النحو تغدو الرؤية العامة أكثر شمولية: العصابة قادرة على أن تتسع لتصبح طائفة، فهي تملك مؤهلات كافية؛ مصالح مشتركة، أفراداً مسلحين، مواجهة مع الجيش إن اقتضى الأمر، والأهم من كل ذلك هو استمرارها بالسلوك نفسه رغم وعيها بالواقع الطائفي وانسداداته.

في «الوادي» يذهب رجل العصابة (فادي أبي سمرة) الى نقيض ما كان عليه في «الجبل» مبتعداً في شكل أكبر عن بيروت، «من زمان مازرت بيروت» تقول إحدى الشخصيات. يظهر شغوفاً بالشعر ويقع بين يديه ديوان للحلاج يتأمله بعد أن يسمع خبر دمار الشرق الأوسط كاملاً. لا يخفي شريط سلهب قدرة كبيرة لصاحبه على خلق لحظات شاعرية رغم حتمية الكارثة المقبلة، فتظهر شخوصه على أنها قادرة على قراءة الشعر والرقص والرسم وهي تضع أقدامها على أعتاب العدم. وهنا لا بد من الإشارة للأداء المتماسك لكارلوس شاهين الذي تمكن بأدائه الهادئ من إضفاء قيمة أكبر على شخصيته المكتوبة بعناية فائقة.

كذلك في تجربتها السينمائية الأولى برعت يمنى مروان في إضفاء حيوية لافتة على دورها، مساهمة في كسر قتامة الإطار العام للفيلم. ومن خلال حركتها المكثفة والمدروسة، داخل الفضاءين العام والخاص، أعطت مروان أبعاداً أكثر لشخصيتها، فظهر رسمها بالفحم، ورقصها، وشكل علاقتها مع الرجل الغريب، متسقاً مع رؤيتها الفكرية الرافضة للمنظومة السياسية والاجتماعية والدينية القائمة في لبنان.

بدا العالم في شريط «الوادي» غارقاً في تعقيداته ومنغلقاً على نفسه حد الفصام، تتناحر أجزاؤه الدقيقة وتطحن بعضها في سبيل لحظة تفوّق ما قد تحمله الصورة من إيجاز. كما تتصارع الرموز والدلالات، المقبلة من الواقع، لتحقيق نبوءة محتمة: الخراب ولا شيء غيره. رغم كل ذلك، لا يُسلم غسان بالمقولة العامة بسهولة، ولا تبدو لغته السينمائية ناجزة مسبقاً أو مسكونة بالنهائيات بقدر ما تتميز بقدرتها على التشكيك، وفي كل لحظة، بأدق التفاصيل. فكل مشهد يبدو وكأنه خارج من معترك أكثر ضراوة وعمقاً من الصراع في السيناريو المكتوب، وأكثر تعقيداً مما قد يخلص إليه الشريط عند نهاية التصوير والمونتاج وعرض الفيلم في صالات بيروت.

«الزر اللؤلؤ» ... المياه حين تتحول مقبرة جماعية

أمل الجمل

جثة ممددة على طاولة تم حقنها بالسيانيد أو سم قاتل، تُوضع فوقها كتلة حديد طويلة مجتثة من قضبان السكة الحديد. الجسد البشري والحديد يتم ربطهما معاً بأسلاك متينة، بعدها يتم تكييس الرأس – كما كان يحدث في سجن أبو غريب العراقي – ثم تكييس القدميين أيضاً قبل أن تُصطحب الجثة في الهليكوبتر وتلقى لتستقر في قاع المحيط.

هذا المشهد الذي يطالعنا في الفيلم الوثائقي «الزر اللؤلؤ» The pear Button للمخرج التشيلي باتريشيو غوزمان، البالغ من العمر 73 عاماً، هو إعادة تمثيل لوقائع حقيقية حدثت عام 1973 في عهد بينوشيه الديكتاتور الذي دعمته الاستخبارات الأميركية في انقلابه على حكم سلفادور الليندي، فقتل ما يتراوح بين 1200 و1400 رجل وامرأة من معارضيه ثم ألقى بهم في مياه المحيط أحياءً أو أمواتاً - من دون أن نغفل أن ضحاياه قد تجاوزوا الثلاثة آلاف قتيل دُفن منهم كُثر في رمال الصحارى - معتقداً هو ورجاله أن المياه ستحتفظ بسر جريمته للأبد، غافلاً عن عقيدة الشعب الباتاغوني – سكان التشيلي الأصليين - الذين لم يتبق منهم سوى عشرين فرداً نجح المخرج في التصوير مع ثلاثة منهم - في أن «للمياه ذاكرة وأصواتاً أيضاً، تماماً كما لكل شيء روح، حتى الحجر».

نظرة كونية

يبدأ الشريط الوثائقي من نظرة كونية شديدة الاتساع، من الفضاء والفلك، ثم تنسحب الكاميرا مبتعدة لتقترب من الأرض، ولينتقل المخرج بعذوبة وشاعرية الخيال المتجدد إلى لقطات أقرب فأقرب، حيث يجوب بنا في أعماق المياه، ويخبرنا بأشياء مروعة عن تاريخ بلاده الحافل بالقمع السياسي والمجازر – التي ارتكبها المستعمر كما الحاكم المحلي - قبل أن يعود بنا مجدداً إلى نظرته الواسعة والأشمل عن علاقات الفلك والنجوم والمياه بالجغرافيا والتاريخ والسياسة، ممسكاً بخيوط حكايته المتشعبة والمترامية الطرف في نسيج هارموني، مرشوق بالعمق، بإحكام مُبهر، مُشكلاً فسيفساء مدهشة عن الطبيعة والبشر.

من محطات الرصد الفلكي الشهيرة دولياً في تشيلي وحديث عن اكتشاف المياه، يبدأ باتريشيو. لا يفوته تضمين فيلمه لقطات خلابة لذلك المكعب الكبير من الكوارتز الشفاف وبداخله نقطة المياه الحائرة التي وجدت به وظلت حبيسة لمدة آلاف السنين. بصوته الآسر الهادئ يُفسح مجالاً للحكي عن أهمية المياه لكل حياة، وخصوصيتها للشعب التشيلي الذي تمتلك بلاده أطول سواحل في العالم. فقبل وصول الرجل الأوروبي احتمى أفراد شعب باتاغونيا بالحجارة وسافروا في المياه. كان السكان الأصليون من الهنود رحالة يسافرون من جزيرة إلى جزيرة. الآن بقايا وأحفاد هؤلاء الشعب ممنوعون من الصيد ومن السفر في المياه بمراكبهم العتيقة العريقة الموسومة بالأصالة، ممنوعون بحجة الخوف عليهم من الخطر، مع أن هذه المراكب هي التي واجهت الطقس في أعتى وأقسى حالاته، فإحدى النساء – غابرييلا التي تجاوزت السبعين – تستعيد ذكريات صباها، إذ لم يكن أمامها خيار آخر سوى التجديف والسفر في المياه بحثاً عن الرزق على رغم هطول الأمطار بالأسابيع، وعلى رغم هجوم الرياح بسرعات مرعبة. فأن تكون أحد أفراد الشعب الباتاغوني معناه أن تعرف التجديف بالضرورة.

«صوت الماء رافقني طوال حياتي. عندما تتحرك المياه يتحرك معها العالم ويتداخل». هكذا يقرر غوزمان قبل أن يعترف بأنه ينجذب للمحيط ولا يحب البحر الذي اختطف منه صديق صباه ثم لفظه بعد حين، ليتنقل منه إلى العثور على جثة إحدى ضحايا بينوشيه في المياه، ومنها يرتد إلى القرن التاسع عشر ليسرد حكاية صاحب «الزر اللؤلؤ» جيمي بوتين أحد أشهر السجناء السياسيين، ثم يبتعد أكثر في التاريخ ليُذكرنا بأنه من طريق المياه أيضاً جاء الرجل الأبيض والمستوطنون الإسبان الذين لم يكتفوا بنقل الأمراض التي كان من الصعب علاجها، وقتل 3500 منهم رجالاً ونساءً بطرق بشعة واغتصاب النساء، ولكنهم أيضاً مارسوا الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين. ثم يرتد إلى الماضي القريب في عام 2004 عندما تم العثور على «الزر اللؤلؤ» ملتصقاً بإحدى القطع الحديد في قاع المحيط، فقد كان العثور عليه مُلهم مرتين، لأنه ألقى الضوء على قصة أول البحارة الإنكليز وأيضاً أولئك السجناء السياسيين. يعترف غوزمان بأن المرة الأولى التي سمع فيها قصة هذا الرجل جيمي بوتين بدت لها الحكاية أسطورية، لكنه بالتقصي والرصد والتحليل اكتشف أنها حقيقية تماماً.

ليس له مثيل

مثلما طلب من صديق له رسام ذات يوم أن يُريه شيئاً لم يسبق له أن رآه، كذلك فعل غوزمان مع جمهوره ومُريديه من عشاق أفلامه، إذ قدم لهم عملاً أصيلاً لم يسبق لهم أن شاهدوا له مثيلاً في قيمته الجمالية والفكرية والأخلاقية. تحقق الفيلم الذي بلغت مدته 82 دقيقة من طريق إنتاج فرنسي - تشيلي - إسباني، وكان الشريط الوثائقي الوحيد بين أفلام المسابقة الدولية بمهرجان برلين الخامس والستين فحصل على جائزة الدب الفضي كأفضل سيناريو متفوقاً على جميع الأفلام الروائية المتنافسة معه، وإن كان يستحق ما هو أفضل من ذلك، فقد كان دُرة التاج.

يجمع غوزمان في شريطه بين المقابلات العميقة التي تكشف وتحلل وتتأمل بنظرة ثاقبة وبين الاستعانة بالمادة الأرشيفية الساحرة، خصوصاً للسكان الأصليين في لحظات سعادتهم أو احتفالهم وكذلك أثناء إبادتهم، نساءً ورجالاً، وهم الذين لم يعرفوا الملابس لكنهم كانوا يجيدون الرسم فغطوا أجسادهم بالرسومات والألوان في شكل مميز. إلى جانب تصويره الشاعري لمأساة شعب في مراحل مختلفة من تاريخه، وإعادة التمثيل أحياناً لتفسير نظرة رعب على وجه ضحية من النساء قبل إلقائها في قاع المحيط، أو الاستعانة بمعادل بصري واقعي مثل مشهد بسط تلك الخرائط الضخمة لدولة تشيلي على الأرض، بينما يسمع المتلقي صوت حركة الورق بين الأيدي، وحفيف الأقدام العارية تخطو على الأرض، والكاميرا العلوية تلتقط في حركة عرضية الأفرخ الجلدية أو تلك المصنوعة من الورق المقوى وهي تُفتح وحركتها وهي تنبسط على أرض الغرفة لنرى بعدها خريطة رائعة مجسمة لتشيلي المترامية الأطراف التي تنقسم إلى ثلاثة أجزاء وكأنها ثلاث دول.

تظل لقطات المياه في حالاتها المختلفة في «الزر اللؤلؤ» من أجمل ما تم تصويره وأبهاه. فكل نقطة مياه كأنها عالم وجزء من العالم في الوقت ذاته، وحتى لقطات المحيط رائعة بفعل اختيار غوزمان زوايا الكاميرا التي التقطت حالات متنوعة بجماليات آخاذة سواء في مدى قربها أو بعدها من الهدف ومنها تكوينات بصرية لجبال الثلج البلورية الزرقاء بينما السماء تنطبق على صفحة المحيط، ولقطات شتى للمياه وكأنها تفور أو تغلي أو تتكاثر وتزدهر أحياناً، إنه الإبداع والخيال المشتعل في التصوير المبتكر الراغب في تقديم لوحات تشكيلية جديدة للمياه.

كذلك يلعب شريط الصوت دوراً أساسياً عند غوزمان، فإلى جانب صوته الدافئ الذي يعلق من خارج الكادر، وتوظيفه المؤثرات الطبيعية من وحي البيئة مثل هدير الرياح أو صمت الجبال أو صوت تحطم الجليد ودوي الانهيار أو حتى صوت صرير القلم وهو يكتب ويرسم، أو ذلك الصوت الذي يمحو ليعدل ما هو مكتوب، فإن باتريشيو يُتيح أيضاً الفرصة للمياه أن تعبر عن أصواتها المتباينة المنغمة في هارموني، أو حتى غير هارموني، فالإنسان الفنان يمكنه أن يصنع من أصواتها ما يشاء. هنا يتحدث أحد المختصين عن موسيقى المياه وضوضائها، ثم يقدم أداءً صوتياً يشبه أحد التمارين الصوتية في اليوغا، فنشعر بذبذبة الصوت ورنينه. ثم ينتقل المخرج صوتياً وكذلك – بعد حين - بصرياً، إلى مقاطع معبرة للمياه. يصمت الرجل، يلتقط أنفاسه، يستعد من جديد، كل هذا والكاميرا تنتظره في صبر وشوق، ثم يُعيد الكرة من جديد، بصوته المنغم، وكأنه تعبير عن أصوات المياه، في عذوبتها ورقتها، وحتى في ضوضائها، كالشرارة أحياناً، وكالهمس في أحيان أخرى. قرب الختام يطرح مؤلف تلك القطعة الفنية النادرة ومخرجها كلمات على غابرييلا حتى تخبره بما يعادلها في لغة الباتاغونيا فتجيبه أحياناً بسرعة وأحياناً بعد طول تفكير كأنها كادت تنسى لغتها، وعندما يصل إلى كلمة «الله» تجيبه بأنه لم يكن لها وجود في لغتهم، وعندما يسألها عن مرادف كلمة «البوليس» ترد: «لم نكن في حاجة إليها».

الحياة اللندنية في

27.02.2015

 
 

'جوق العميان' شريط يطرح صراع النماذج الأبوية في المغرب

العرب/ محمد أشويكة

الروائي المغربي محمد مفتكر لم ينجز فيلما ضعيفا ولم يحقق فيلما متفوقا، لكنه زعزع كيان المتفرج بعمل فني يرتقي إلى درجة النجاعة التثقيفية.

يضعنا فيلم “جوق العميين” (أي جوق العميان)، الشريط الروائي الطويل الثاني للمخرج المغربي محمد مفتكر، أمام إمكانية مقارنته من الناحية الفنية بفيلمه الأول الذي لم ينتهج -تقريبا- من حيث جوهره سبيل سابقه، وذلك على مستوى الثيمات وأسلوب الكتابة السينمائية والإيقاع واختيار الممثلين.

اختلفت الشخوص في الفيلم الثاني للمخرج المغربي محمد مفتكر “جوق العميين”، وكذلك إيقاعه وأسلوبه وموضوعه -نسبيا- عن المنجز السابق له “البراق”، ويعود ذلك إلى محاولة الجمع بين السيرة الذاتية و”الغيرية” والسياسة والفن في قالب سينمائي واحد.

ذات يوم عابر من أيام مراكش الجميلة التقيت المخرج وهو يقرأ كتاب “تاريخ الفكر السياسي” لصاحبه جان جاك شوغاليي، وهو مؤلف كلاسيكي في مجال الفكر والفلسفة السياسية، وقد دار حديثنا حينئذ وبشكل كبير حول السياسة. فتشبثت بأطروحة مفادها أن جل المفاهيم التي راجت في الفلسفة اليونانية لم تجد طريقها للتحقق في مجتمعاتنا إلاّ بشكل صوري، والدليل غيابها الكلي عن المعاجم والقواميس العربية، خاصة مفهوم الشعب الذي يستتبع ترسيخ مفاهيم المواطن والمدينة والعدالة والحق والقانون والدستور.

فكل ممارسة خالية من التقعيد أي من وضع الأسس والقواعد، من شأنها أن تكرس الجمود أكثر من الحركية. ففي المغرب مثلا ساهم نضال اليسار بكافة أطيافه، في الدفع بعجلة الحقل السياسي نحو الأمام بطريقة تدريجية، وقد صار منجز اليساريين علامة بارزة في التاريخ السياسي المعاصر للمغرب، إذ دونه لا يمكن فهم مخاض الدولة المغربية هنا والآن.

نسوق هذه الواقعة لنوضح الحمولة الأيديولوجية لفيلم “جوق العميين” للمخرج المتميز محمد مفتكر، وهو فيلم حرك في دواخلي الكثير من الأسئلة: كيف نقتل الأب في مجتمع بطريركي يحمي فيه الأب الأب؟ هل لدينا أب أم آباء؟ هل قصمت الضربات التي تلقاها اليسار المغربي ظهره؟ ما الذي تبقى من اليسار اليوم؟

المخرج يرقى بالعمل الفني إلى درجة النجاعة التثقيفية الفاعلة في الفرد والجماعة

يستند الفيلم على استعادة سيرة الأب “بويدرة”، الفنان الشعبي الذي اشتهر بتكوينه لجوق من الفنانين المكفوفين بغرض إحياء الحفلات والأعراس العامة والخاصة بمدينة الدار البيضاء، إبان فترة حاسمة من سنوات قمع المعارضة في الستينات والثمانينات التي تعرف في المغرب بـ”سنوات الرصاص”.

وعبر “بويدرة” حاول المخرج والمنتج والسيناريست (السّارد) أن يدلي بوجهة نظره فيما وقع، وأن ينفتح عبر ذلك الاستحضار على تاريخه الشخصي والعائلي، وعلى جزء هام من تاريخ المغرب، وكأنه يعود بنا إلى المكانة الرئيسية التي تحتلها العائلة في المدينة- الدولة.

فهل صلاح العائلة من صلاح الدولة؟ وهل يسعفنا نظام الحكم في الأسرة على فهم الدولة باعتبارها سابقة للفرد والأسرة والمجتمع المدني، كما هو الحال لدى الفيلسوف هيغل؟

ليس مصادفة أن تكون الشخصيات الفاعلة في التطور الدرامي لمجتمع الفيلم حاملة لقضايا متفاوتة القيمة، ومتناقضة المقاصد، فهي تعكس دلالات مرتبطة بالتاريخ السياسي المغربي المعاصر والراهن الذي ترتبط به مصائرها.

تاريخ لا يمنح ذاته من خلال الوقائع العامة، وإنما من خلال استقراء ما يعتمل في الدواخل والسرائر، وذلك ما يجعل تأويل بعض تجلياته تختلف من شخص لآخر.

كل ممارسة خالية من التقعيد أي من وضع الأسس والقواعد، من شأنها أن تكرس الجمود أكثر من الحركية

لنفترض جدلا أن الفاعلين في مجتمع الفيلم هم: الأب “الحسين” (يونس ميكري)، رئيس الأوركسترا وعازفها الأول، وابنه البكر “ميمو” (إلياس الجيهاني)، “ولي عهده”، كما يقول المغاربة في التعبير الدارج، و”عبدالله” (فهد بنشمسي)، أخوه وعم ابنه الحامل لقيم اليسار، و”شامة” (علية عمامرة)، الخادمة المراهقة، و”مصطفى” (المرحوم محمد بسطاوي)، الموظف الحكومي، وعازف الكمان، وحامي أو مسير المجموعة، وما إلى ذلك من الفنانات الشعبيات (الشيخات)، والأم، والعازفين.

يعيش هؤلاء بشكل جماعي مندمج على طريقة الأسرة التقليدية الممتدة، فالأب هو النواة، والجميع يعيش معه، إذ نكاد لا نفرق بين أعضاء الجوق وأفراد الأسرة، مما خلق علاقات ملتبسة: فالطفل يحب فتاة أكبر منه سنا، ويعيش حبا يعبر عنه بلغة السارد لا بلغته كطفل، والأب فنان يميني، وتتحول الفنانات إلى ما يشبه الحريم في علاقتهن برئيس الفرقة، ويعيش الأخ اليساري نوعا من الشقاء لا يشبهه شقاء، فالفيلم يقدمه كما يلي:

● “داعر” لا نقصد بهذا الوصف المعنى العادي للكلمة، ذاك المشحون بشتى الأحكام الأخلاقية والثيولوجية، وإنما نعني به الحالة النفسية التي تجعل من “عبدالله” شخصية تعيش حالة من التنافر العاطفي، الذي يكرسه أيضا التفاوت الجسدي الصارخ بينه وبين الفنانة “مينة” (فاطمة بنمومن)، فهو لا يميل إليها كروح أو كجسد أو يتماهى -كأي عاشق- مع عواطفها الجياشة تجاهه، فالعكس هو الحاصل: المراوغة التامة لشعورها الإنساني.

● “مزور” ويعلّم التزوير لابن أخيه، ذاك الصبي الخائف من سطوة أبيه الذي يسعى من خلاله إلى تجاوز إخفاقه الشخصي في الدراسة، حيث يريده أن يكون الأول في فصله المدرسي. هكذا يتحول من حامل لمشروع تغييري داخل المجتمع إلى مهدم للقيم العليا التي ينبغي أن نزرعها في نفوس الناشئة.

● “انتهازي” بالنظر إلى العلاقة غير المتكافئة التي تربطه بـ”مينة”، فهي متواضعة المعارف والجمال في حين أن عشيقها -الذي يظهر أنه لا يحبها كما تحبه- وسيم وجميل ومثقف ملتزم. فما الذي يجمع بينهما؟ حاجته إلى مالها أو التمويه عن أنشطته السياسية السرية أو استغلاله لسذاجتها.

مصائر الشخصيات تدور في فضاءات مغلقة، وهو الأمر الذي جعل عالم الفيلم البصري يفتقد إلى عمق الإطار الذي تتطلبه الصورة السينمائية

فمن يحمل قيم الأسرة إذن؟ ومن هو الأب الذي يسعى الفيلم إلى قتله على الطريقة الرمزية الفرويدية؟ هل هو ذاك المتجلي في صورة الحسين، أم في صورة أخيه الحامل لصورة الأب الجد؟ ألسنا أمام صدام النماذج وصراعها؟

إذا كان الأب هو الفنان المحب لابنه وفنه، والعاجز عن متابعة تربية ابنه عن كثب، المنشغل بفنه الذي يضمن من جراءه قوت أسرته ومن يدور في فلكها، فإن الأخ يلعب دور الأب (الحاضر/الغائب) المربي، وكلاهما يحمل -في الفيلم- من السلبيات ما يتناقض مع بعض مبادئ التربية: العناية بالطفل وتتبعه وفصله عن مجتمع الكبار، ومشاكل العمل وغرس بعض الأسس الأخلاقية في كيانه (الصراحة وعدم الغش وتجنب التزوير).

تدور مصائر الشخصيات في فضاءات مغلقة، وهو الأمر الذي جعل عالم الفيلم البصري يفتقد إلى عمق الإطار الذي تتطلبه الصورة السينمائية، وقد نخمّن أن مردّ ذلك يعود إلى تبني نوع من التمويه أو الملاءمة التي أملتها المرحلة التاريخية التي تدور فيها أحداث الفيلم (السنوات الأولى من حكم الحسن الثاني للبلاد)، وتلاشي مثل تلك الديكورات حاليا، وارتفاع ميزانية استعادتها على مستوى البناء.

هكذا، صار كل شيء مضغوطا، بل تحولت تلك السمة إلى حالة نفسية رغم المشاكل التقنية التي ارتبطت بخصوص تزامن الصوت أثناء الغناء ببعض اللقطات.

والنتيجة، لم ينجز محمد مفتكر فيلما ضعيفا ولم يحقق فيلما متفوقا بالنظر إلى منجزاته الفيلموغرافية، لكن ذلك لم يمنعه من زعزعة كيان المتفرج ودفعه إلى التفاعل مع شخصيات الشريط التي لم يكن اختيار الممثلين فيها متوافقا بشكل مجمل.

لقد تمكن المخرج من تقديم وجهة نظر معينة حول مرحلة حساسة من تاريخ المغرب، ولعل ذلك يساهم في مناقشة القضايا المرتبطة بتحولات التاريخ المغربي، ويرقى بالعمل الفني إلى درجة النجاعة التثقيفية الفاعلة في الفرد والجماعة، من دون أن يصير وجه العملة هو قفاها، أو أن يختلط علينا الفرنك بالدرهم.

القاهرة لسينما الطفل يحتفي برشيد مشهراوي

المخرج الفلسطيني يقدم عددا من أشهر أعماله المنتجة للأطفال خلال مهرجان القاهرة ضمن برنامج الطفل العربي والفلسطيني في سينما رشيد مشهراوي.

العرب/ القاهرة – يخصص مهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل في دورته الثانية والعشرين، والتي تقام في الفترة من 20 إلى 27 مارس المقبل بدار الأوبرا المصرية، يوما فلسطينيا.

ويتضمن اليوم الفلسطيني، إقامة عروض فنية مختلفة يقدمها أطفال فلسطينيون، بالإضافة إلى برنامج خاص لأفلام المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، بعنوان “الطفل العربي والفلسطيني في سينما رشيد مشهراوي”، ويقدم خلاله عددا من أشهر أعماله المقدمة للأطفال.

ومن هذه الأفلام: فيلم “حوراء بغداد” وهو فيلم وثائقي عن حياة الأطفال في بغداد خلال الحرب على العراق، وقد تمّ تصويره أثناء زيارة قام بها إلى بغداد، ويسلط الضوء على الأطفال الذين أجبروا على العمل في أنحاء المدينة، ويعيشون في عالم أجبر جميع أفراده، مهما كانت أعمارهم، على العمل لكسب قوت يومهم.

ويعرض أيضا “وعين على غزة” الذي تم تصويره أثناء إحدى الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، و”سلسلة الأجنحة الصغيرة” الذي يشمل أربع أفلام وثائقية قام مشهراوي بكتابتها وإخراجها حول عمالة الأطفال في العالم العربي، حيث تم تصويرها في العراق ومصر والمغرب وفلسطين.

ويقدم المخرج الفلسطيني فيلما بعنوان: “إلى (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات.. تحية طيبة وبعد”، وهو فيلم يحمل رسائل من أطفال فلسطين إلى “الشهيد” ياسر عرفات.

ويتم عرض الأفلام بحضور مخرجها رشيد مشهراوي، وتعقبها ندوة بعنوان: “الطفل العربي في سينما رشيد مشهراوي”، تديرها الناقدة المصرية نعمة الله حسين.

وقدم مشهراوي فيلمه الروائي الأول “حتى إشعار آخر” 1993، ثم فيلمه الروائي الطويل الثاني “حيفا” عام 1996، ويعتبر أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان “كان” السينمائي.

العرب اللندنية في

27.02.2015

 
 

«توم جونز» لفيلدنغ: حين يصنع المجتمع أخلاق البشر

ابراهيم العريس

إذا كانت «النهاية السعيدة» اعتُبرت دائماً واحدة من السمات الأساسية في نمط من أنماط السينما الهوليوودية، فإن من المؤكد أن هذه السينما لم تكن هي من اخترع «النهاية السعيدة». وحتى من دون أن يكون ثمة ما يؤكد أن هذه «النهاية» كانت لها بداية ما في الأدب أو غير الأدب، يمكن القول إن الخاتمة التي تنتمي إليها رواية «توم جونز»، إحدى أهم الروايات في تاريخ الأدب الإنكليزي، يمكن التوقّف عندها باعتبارها رائدة لـ «انتصار الطيبة» على الشر، الذي يأتي من خارج البطل ومن داخله، في نهاية الأمر. فهذه الرواية التي كتبها هنري فيلدنغ ونُشرت للمرة الأولى في عام 1749، تختتم أحداثها بذلك الانتصار الكبير لطيبة الإنسان، وبلحظة يكتشف فيها هذا الإنسان أن الجانب الخيّر في شخصيته يتفوّق في نهاية الأمر على الجانب الشرير. وفي هذا المعنى، تُعتبر «توم جونز» واحدة من أولى الروايات الغربية التي جعلت إيمانها بالإنسان موضوعاً أساسياً ومحرّكاً لأحداثها. وهي، في هذا، وليس في أحداثها، ولا في بنيانها، على رغم أهمية هذين العنصرين، أثّرت كثيراً في معظم ما كتب من أدب إنكليزي بعدها. غير أن فيلدنغ كان يصرّ دائماً على أن ينفي عن نفسه، وأدبه، طابع الريادة حتى في هذا المجال، إذ كانت لا تفوته الإشارة الى أنه إنما يدين لثلاثة من الكتاب سبقوه، وهم اللاتيني لوسيانوس والإنكليزي سويفت والإسباني تثربانتس، وخصوصاً في مجال الكتابة المرحة، الكتابة التي تعالج أصعب المواقف وأكثرها إيلاما معالجة ملحمية. وفي هذا، اعتُبر أدب فيلدنغ - وعلى رأسه رواية «توم جونز» - فاتحة الأدب الروائي الحديث في بريطانيا، وربما في العالم.

> ليس من السهل تلخيص أحداث رواية وزّع مؤلفها أحداثها على ثمانية عشر كتاباً تشكّل في مجموعها سعة ستة مجلدات سميكة. فهي عمل «بيكاري» طويل جداً حافل بالشخصيات والحبكات والخبطات المسرحية، يتخذ من المجتمع المدني المعاصر لزمن كتابة المؤلف روايته هذه، ميداناً له، ويحاول أن يكون صورة متكاملة عن ذلك المجتمع وأخلاقياته في زمن صعود الطبقة الوسطى مع ازدهار الثورة الصناعية، وفي زمن كان الفكر فيه يجد ميادين لتحرّكه في فضاء العلاقات الاجتماعية، معطياً للفرد ومشكلاته مكانة أساسية. ذلك كله، يجعل المهمة صعبة، لكن في وسعنا على أية حال رسم الخلفية التي تدور فيها الأحداث.

> وهذه الخلفية يشغلها أساساً، ذلك الطفل الوليد الذي يعثر عليه أرمل ثري يعيش في سامرست، هو السيد آلوورثي، في فراشه ذات مساء. يُفتن السيد بالوليد ويقرر تبنّيه، وهو يعتقد أن أمه خادمة تدعى جيني جونز. ومن هنا، يسميه توم جونز. وإذ يسوي آلوورثي المسألة بطرد المدرس باتريدج الذي يظن أنه هو الأب، يختفي باتريدج مع الخادمة. فيما تتزوج بريدجت، شقيقة آلوورثي التي تعيش معه، من الكابتن بليفيل، وينجبان ولداً هو ماستر بليفيل يربى سوية مع توم. وينمو الولدان معاً، حتى تعود الرواية وتلتقطهما بعد ذلك بتسعة عشر عاماً، حين يكتشف توم أن حبه الطفولي لجارته الطفلة صوفيا، أضحى حباً بالغاً. لكن صوفيا منذورة للزواج من ماستر... وهنا تبدأ الأحداث بالتعقّد، والمؤامرات بالتركب. وينتهي هذا الجزء بدفع آلوورثي الى طرد توم من المنزل. فيفعل ما يوقع توم في يأس شديد، إذ فقد في آن واحد عطف أبيه بالتبني ومسرح طفولته وحبه. فيقرر التوجّه الى بريستول للارتحال بحرا. ولكن يحدث في الوقت نفسه، أن تهرب صوفيا لتقيم عند قريبة لها في لندن. وهكذا، تنتقل الأحداث جميعها الى العاصمة التي يصلها توم بدوره. لكن توم، على رغم حبه لصوفيا وحزنه الشديد، لا يتورع عن مواصلة حياة لهو وشبق جنسي كان بدأها باكراً، وجعلته يرغب في كل امرأة يراها. وهكذا، يحدث له ذات يوم أن يرتبط بعلاقة مع سيدة سرعان ما يتبين أنها هي جيني جونز، التي يفترض أنها أمه الحقيقية التي هربت بعد ولادته. فيغرق توم عند معرفته هذا، في يأس شديد، إذ يخيّل إليه أنه إنما ارتكب معصية حب المحارم. غير أن الحقيقة تكون في مكان آخر، لأن توم سيعرف لاحقاً أن أمه الحقيقية ليست جيني، بل بريدجت شقيقة آلوورثي، التي تعترف لشقيقها بكل شيء وهي على فراش الموت، مؤكّدة أن الوالد الحقيقي لتوم هو شاب التقته ذات يوم ثم ارتحل ومات بعد ذلك. وعلى رغم ما انكشف من أن توم وماستر أخوان غير شقيقين، فإن ماستر يواصل مؤامراته ضد توم طمعاً في الحصول وحده على ثروة آلوورثي وعلى فؤاد صوفيا. ولكن يحدث أن يصحو ضمير واحد من الذين شاركوا ماستر في مؤامراته ضد توم، ويرسل رسالة مطوّلة الى السيد آلوورثي يحكي فيها كل شيء، واصفاً كيف أن ماستر بليفيل يتآمر ضد توم منذ الطفولة، وأن تلك المعاملة هي التي جعلت توم يسلك دروب الشر والمجون. وهكذا، تبدأ النهاية السعيدة: آلوورثي يعفو عن توم جونز جاعلا منه وريثه الوحيد. وصوفيا تعلن حبّها لتوم بعد أن فهمت أن كل العبث الذي عاشه والمجون الذي كان من سماته، ليسا سوى النتيجة الظالمة للظروف التي عاشها. وتنتهي الحكاية بانتصار الخير على الشر.

> لم يكن من المصادفة أن ينبّه فيلدنغ قارئه منذ البداية، الى أن «الأحداث والأمور التي أصفها هنا، إنما هي صورة للطبيعة الإنسانية»، مؤكداً في مكان آخر أن «الجهد الذي بذلته في هذه الحكاية، إنما كان قصدي منه أن أدعو الناس الى الطيبة والبراءة». والحال أن الطيبة والبراءة هما السمتان الأساسيتان اللتان تطبعان شخصية توم جونز. وواضح هنا أن فيلدنغ إنما أراد رسم الصورة التي تؤثر بها الظروف الاجتماعية في سلوك الناس. فالمرء إذا كان يسلك على هذه الطريقة أو تلك، فما هذا إلا لأن الظروف الاجتماعية، لا تركيبته الوراثية، هي التي تدفعه الى هذا. وفي هذا المعنى، يكمن جزء أساسي من جوهر هذا العمل الذي سيعتبره كتاب مثل تشارلز ديكنز وويليام ثاكري، مدرستهم الحقيقية، بمعنى أن الأدب الإنكليزي بعد «توم جونز»، لم يعد في إمكانه التغاضي عن دور العوامل الاجتماعية في رسم الأخلاقيات والأحداث. وكان هذا بدوره جديداً. وسيصبح منذ ذلك الحين واحداً من أعمدة الأعمال الفنية، وممهداً للثورة التحليل - نفسية التي ستجعل العوامل الاجتماعية العنصر الأساسي في تكوين العوامل النفسية، لكن هذه حكاية أخرى.

> حين كتب هنري فيلدنغ «توم جونز»، كان في الأربعين من عمره، هو المولود في عام 1707، في سامرست، مثل بطله توم جونز. وتربى فيلدنغ في تلك المنطقة، لكنه أرسل بعد ذلك الى أيتون، حين تزوج أبوه بعد وفاة أمه وهو في الحادية عشرة من عمره. وبعد ذلك بأقل من عشر سنوات، بدأ توجّهه الى الكتابة، بتشجيع من بعض أصدقائه. وكان من أول أعماله التي عرفت، مسرحية «الحب تحت أقنعة عدة» (1728) التي قدمت وعرفت نجاحاً كبيراً. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف فيلدنغ عن الكتابة، المسرحية خصوصاً، متأثراً بموليير. كما انتقل من الكتابة للمسرح الى كتابة الروايات، وكان يتخذ من الأشخاص المقربين إليه، نماذج للشخصيات التي يرسمها في أعماله. وكان الطابع المسيطر على أعماله ساخرا، الى حد إثارة غضب الآخرين. وهو في الوقت نفسه، عمل في القضاء والصحافة. وكان النجاح حليفه في كل ما يحقق، ما جعل كبار كتاب زمنه أعداء له. ومن أبرز أعمال فيلدنغ، الى «توم جونز»، روايتا «اميليا» و«باميلا»، وكتاب رحلته الى البرتغال «رحلتي في لشبونه»، و«توم تامب» و«مأساة المآسي» التي سخر فيها من كتاب معاصرين له، و«دون كيشوت» التي جعلها تحية الى «أستاذه» تثربانتس. ورحل فيلدنغ في عام 1754 في لشبونة التي أحبها كثيراً وكتب عنها.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

28.02.2015

 
 

دعمته «الثقافة» وفاز بجائزة أفضل فيلم

المخرج أحمد الفردان يطارد البحر في فيلم «نوستالجيا»

الوسط - منصورة عبدالأمير

في الفيلم القصير «نوستالجيا» Nostalgia للمخرج البحريني الشاب أحمد الفردان، تطارد «الكاميرا» رجلاً يبحث عن البحر، تبحث عنه كما يبحث العجوز. يجده العجوز لكنه يدفن كما دفن البحر قبله.

يتتبع هذا الفيلم القصير (مدته خمس دقائق) رحلة رجل مسن، يبحث في مدينته عن البحر. يكاد لا يجد له أثراً. يذهب حيث كان البحر. لكنه يفاجأ بمبان شاهقة ورمال غطت مياه البحر ودفنته.

يبدأ الفيلم مع بداية يوم العجوز (محمد مبارك)، نراه أولاً كما يرى هو نفسه، شاباً في ريعان شبابه، لكننا منذ البدء نعرف أن ثمة حياة تكاد تنتهي، قطرات ماء أخيرة تنزل من حنفيته.

يملأ الشاب (عمر السعيدي) كفيه بالماء، يغسل وجهه،لكنه حين يعاود للنظر في المرآة نفاجأ به عجوزاً يملأ الشيب رأسه. يفاجأ هو أيضاً بالأمر. هذا الرجل يعيش الماضي بكل جماله وعنفوانه إذن.

يهيم في الشوارع باحثاً عن ماضيه، وعن البحر، مدفوعاً بحنين «نوستالجيا» نحو الماضي بكل ما يحمله. لا يجد البحر في مكانه، يبدو تائهاً مضطرباً فيما حل مكانه من شوارع تملؤها أدخنة السيارات، وتخنقها مبانٍ شاهقة تحجب وجه السماء عنها. حتى محاولته لعبور الشارع تخفق حين يضطرب في سعيه ذاك للهرب من هذه المدينة الغريبة.

لم يعد البحر في مكانه إذن، ردم وتحول لهذه المدينة الغريبة الخانقة. كيف السبيل إليه إذن. يهيم العجوز على وجهه، يصل لأماكن كان يعرفها، لكنها هي أيضاً لم تعد تشبه نفسها. حين يصل هناك يبدو تائهاً، لا يعرف المكان، ولا حتى وجوه المارة.

يواصل رحلة بحثه وحنينه، ينظر خلسة في زجاج أحد المحلات التجارية فيرى نفسه شاباً. لا يزال يعيش ذات «النوستالجيا»، إذن.

كل تلك الأدخنة، والعمارات، والوجوه الغريبة، تشعل حنينه وتدفعه للبحث من جديد ولمواصلة رحلة ضياعه في هذه المدينة الغريبة. سلسلة تمنعه من عبور الشارع، ومبان تخنقه لكن صوت البحر يناديه وسط كل ذلك.

يسمع هدير الأمواج، يعرف ذلك الصوت جيداً، تطرب أذناه لسماعه، يبتسم ويتجه لمصدر الصوت. في تلك اللحظة يعود شاباً، ينطلق إلى ساحل البحر.

لكنه يشيخ من جديد حين لا يجد للوصول إلى البحر سبيلاً. كثبان عالية من الرمال والأحجار تمنع وصوله. لا يجد طريقاً إليه وإلى ماضيه ولا يتمكن من أن يتعامل مع سيل مشاعر الحنين المتدفقة في داخله.

فليكن صوت البحر إذن هو ما قد يشفي حنينه، وليستلقي هناك خلف الكثبان ليستمع لأمواجه فقط. يغلق عينيه ألماً، وتمر أمامه صور للبحر «في عزه»، وأخرى لشاحنات كبيرة تدفن البحر. تبدو العودة إلى الماضي جميلة حتى وإن كانت صورة فقط، لكن شاحنة تفرغ كثبان رمل لردم البحر، لم تعد تميز في من تستهدف وأده. تغطي العجوز برمالها وتدفنه حياً، تماماً كما دفنت البحر قبله. ينتهي الفيلم بكومة من الرمل تغطي العجوز، ولافتة كتب عليها «ممنوع السباحة».

الفيلم تمثيل محمد مبارك، عمر السعيدي، إضاءة جعفر غلوم، صوت محمد علي، تصوير هاشم شرف، مساعد مصور جعفر حسين، مكياج جعفر غلوم، متابعة الإنتاج حسين المبشر ومحمد الصنديد، فكرة وسيناريو وإخراج أحمد الفردان.

يشار إلى أن الفيلم فاز بجائزة أفضل فيلم، كما منح ممثله محمد مبارك شهادة تقدير لأدائه المتميز وذلك في اختتام مسابقة الفيلم التي نظمتها هيئة البحرين للثقافة والآثار خلال «أيام البحرين السينمائية» في دورتها الأولى التي عقدت في الفترة (26-30) نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ، وذلك تحت ثيمة «سينما البحر» وتضمنت تقديم أفلام قصيرة تعتمد البحر ثيمة رئيسية لها.

يشار أيضاً إلى أن الفيلم حصل على دعم ورعاية من هيئة البحرين للثقافة والآثار، التي أعلنت عام 2014 عن قيامها بدعم ورعاية عدد من صناع السينما والأفلام القصيرة بالبحرين، حيث قدّمت دعماً لصناعة 13 فيلماً روائياً قصيراً تتناول البحر وتقدم رؤية صناع السينما الشباب للبحر كحالة مميزة، وذلك للمشاركة في مسابقة «أيام البحرين السينمائية».

جمال الغيلان و«خلكم بعيد»... الأول في مهرجان رأس الخيمة

الوسط - محرر فضاءات

فاز الفيلم البحريني القصير «خلكم_بعيد stay_away» للمخرج جمال الغيلان بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية والتشكيلية في دورته الثالثة التي أقيمت في الفترة 19 - 21 فبراير/ شباط 2015. الفيلم الذي جاء ضمن مبادرة إشراقات، من بطولة سعد البوعينين وهدى سلطان وجمال الغيلان ومدينة البلوشي، وهو عن فكرة لمحمد السيد، كتب السيناريو الخاص به سلمان يوسف، وقام بعمل مونتاج الجرافيك حسن القناص.

وأقيمت الدورة الثالثة من المهرجان تحت رعاية عضو المجلس الأعلى، حاكم إمارة رأس الخيمة، الشيخ سعود بن صقر القاسمي، وعرضت خلالها أعمال فنانين إماراتيين وآخرين من جميع أنحاء العالم. ويهدف المهرجان إلى الاحتفال بالفن وابتكار فرص للتبادل الثقافي ودعم القطاعات الإبداعية والفنية في إمارة رأس الخيمة. وشارك في دورة هذا العام 60 فناناً وفنانة من 24 دولة عربية وأجنبية.

يشار إلى أن الغيلان سينمائي ومسرحي بحريني، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في التمثيل والإخراج.

عمل في العديد من المسلسلات التلفزيونية والأوبريتات، إضافة إلى إنتاج الأفلام القصيرة والأغاني الوطنية.

ومن الأفلام السينمائية القصيرة التي أخرجها «الغيبوية» (2007)، «ياسين» (2008) وحصل على شهادة تقدير في مهرجان الخليج السينمائي العام 2009، «أنين» (2012)، «سيرة وطن» (2013)، و «مكان خاص جدا» (2014)، وحصل على جائزة خاصة من نقابة النقاد السينمائيين في روسيا العام 2014 في مهرجان كازان السينمائي الدولي، وأخيراً «خلكم بعيد» (2014).

الوسط البحرينية في

28.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)