كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«حكاية يهوذا» لرابح عامر زعميش.. تصويب الخيانة

زياد الخزاعي

 

لا أحد قارَب موضوع المُدنّس وسعى إلى تصحيح ثوابته، كما رُتِّب درامياً وبأسلوبية باهرة الصورة والتفاصيل في جديد الجزائري ـ الفرنسي رابح عامر زعميش «حكاية يهوذا». فهو قَلَب موازين المتن الميثولوجي لشخصية خؤونة، سلّمت يسوع الناصري إلى صليبه، في مقابل ثلاثين قطعة فضة. سعى الشريط إلى تصويب تواريخها، مُحوّلاً إياها إلى كائن ذي مروءة، مُفعم بالعواطف والولاء والإقدام والدموع والمظالم. أصرّت الحكاية الإنجيلية على أنّ الأسخريوطي، أحد الحواريين الـ 12، سار على هدى الخيانة وأصبح علامتها، محقِّقاً نبوءة المسيح أثناء العشاء الأخير: «الحقّ الحقّ أقول لكم، إنّ أحداً منكم سيسلّمني».

بيد أن زعميش عزم على أمر سينمائي انقلابي، مُزيحاً في تفصيليته الأشدّ إثارة للجدل سُبّة الغدر عن الرجل الذي سنراه، في مفتتح الشريط، سائراً بين جغرافية أرض جحيمية القيظ، وعارية، وأبوكالبتية، وعدائية، صاعداً سفح تلّ صغير حيث بيت ريفيّ متهاو عند قمته، لنراه لاحقاً وهو يحمل على كتفيه، بحميّة الملهوف، ابن الله الواهن الجسد والروح، بعد اعتكاف مديد مَهَّد لثورته المقبلة على مفسدي القيم ورباهم، ومكائد البشر ونفاقهم.

لم يكن يسوع بطلاً لنص زعميش، وليس النصّ نفسه وقائع «نضاله» وتاريخياتها، على الرغم من تطرّقه إلى علامات فاصلة في مسيرته، كمشهد تدمير «بسطات» التجّار والمرابين، ورجم مريم وتعليقه الخالد عليه، ومواجهته المستعمِر الروماني وعسكريّيه، ووجبته الأخيرة، وغسله أقدام تلاميذه. اهتمّ فيلمه بتسريب قناعاته من تلك اللحظة الكاشفة عن ذَوْد يهوذا عنه، وتفانيه، وتلقّيه طعنة سكين دموية غادرة خلّصته من إثم نقضه العهد، كما تريد الرواية الرسمية. بدا صاحب «بلاد رقم واحد» (2006) معنياً بمحو «أبلسة» بطله، متحاشياً «مثلّث الحب» الملتبس بينه وبين الناصري والمجدلية، مُسقطاً من حسابه الدرامي درب الجلجلة ومهاناته. لن نرى تلك القبلة الشهيرة الملطّخة بالرجس التاريخي، التي اعتبرها الباحث الأميركي ستفنسن همفريز ـ بروكس، في كتابه «المنقذ السينمائي: صناعة هوليوود للمسيح الأميركي» (2006)، ضمن قراءته فيلم «ملك الملوك» (1927) لمواطنه سيسيل ب. ديميل ـ إشارة ضمنية لعلاقة مثلية بين الإثنين، أثارت انتباه المجدلية وحدها، لشكّها أن يهوذا ليس سوى منافق راهن على «ملوكية» يسوع لنيل منافع رقيّ مجتمعي عبر مناصرته، قبل «بيعه» للرومان. كذلك، لن نشاهد جسد المسيح (نبيل جدواني) مرفوعاً إلى صليبه أو تجسّده على خشبه العُريَان الذي سيهزّه ويسقطه، تحت أنظار يهوذا المدمى والباكي لتأخّره عن غوث معلمه. مواطن آخر يدعــى بارابــاس (محــمد العروسي) مسّه تورّطه في التوقيــع على عهد الصلب، وصرخــته الآثمــة: «انزعــوا عنه الحـياة. انزعــوه من الدنيا».

مرّ رابح عامر زعميش بعجالة مريبة على دعاوى يهود «السنهدريم»، وورّط حاخاماتهم في تصفية حساب ثورة يوسف ضدهم كـ «محرّض على الفتنة». شريطه لا يحيلهم إلى رماة مسكوكات فضية (مثلما أظهر ميل غيبسون عبرانيّيه في «الآم المسيح»)، ولن يجعل من محتلي فلسطين الرومانيين عساكر وحشيين وضاربي سياط (كما لدى مارتن سكورسيزي في «الإغواء الأخير للمسيح»). «يهوذا» زعميش هو مُنقّي قناعات. رجل أرضي قاد النور إلى أهالي قرية جذلى بعودة فاديهم، مُعلناً ولادته المباركة بعد تعبّد طويل. غسل جسده، وحمل أمانته. هذا امرء قدّم بيعة شخصية مطلقة إلى جلال ربّاني ضد مفاسد إنسانية. من هنا، تصبح حجّة زعميش بنقاء الأسخريوطي كتلة نارية للقرينة المغايرة في أن هناك كائناً آخر للخديعة والرجس والوزر الشخصي. إذاً، ما عثرة يهوذا (أداء المخرج نفسه) إن لم تكن تسليم النجّار الوديع والوشاية به إلى القتلة؟ الجواب: لوعته الأبدية في فشل نصرة المنكوب، وتغيير التاريخ المقرّر. صوّره الشريط مستجيباً إلى أمر سيّده بحرق ملفوفات تضمّ أقواله، مخفية في كهف يحرسه تابع، قبل أن يتلقى سكين هذا الأخير في خاصرته. خطوة ولائه الأولى تحقّقت، لكن قفزته الكبرى نحو شهادته مع مخلّصه لن تتم أبداً.

استشهد «يهوذا» زعميش على تراب فلسطينه وحجرها، نازفاً دمه ندماً وليس شنقاً حسب «نبوءة إرميا»، فيما كان «ابن الإنسان» يواجه عسف مضطهده بيلاطس البنطي الذي عرضه الشريط متأسياً: «عندما يكون الاختيار حاسماً بين فوضى وطغيان، يكــون الجــور هو الأفضل»، لنرى يوسف ببهاء طلّته الشرقية خارجاً من بين عرائش شديدة الخضرة، إشارة إلى قيامته نحو خلوده.

تلبس «حكاية يهوذا» نبرات الإيطالي بيير باولو بازوليني في «الإنجيل حسب القديس متى» (1964) وهاجسه في «أنسنة» الحكاية الدينية ونزع غلواء طهوريتها المطلقة. عليــه، اقتــرب مسيح بازوليني إلى أن يكون ثائراً سياسياً ومحرّراً أكثر منه نبياً، مثلما تمّ تصويب الواشي يهوذا في نص مخرج «واش واش» (2001) من نموذج أزلي للدسّاس، إلى المؤمن الوفيّ، والكائن البارّ المبجّل بسموّ شهاماته.

«الأوديسا العراقية» لسمير.. سينما تُعيد ترميم ذاكرة جماعية

نديم جرجوره

بات الأمر معتاداً. الحكاية الفردية البحتة تصلح لأن تكون سيرةَ جماعةٍ وتاريخاً عاماً. السينما قابلة لهذا النمط الإبداعي، المتمثّل بالقدرة البصرية على تحويل الذاتي إلى ما هو أكبر من الذات، وإلى نقل الذاكرة الفردية من حيّزها الضيّق إلى جغرافيا بلد، وحيّزِ مجتمع، وروايةِ تحوّلات. السينما العربية، أو على الأقلّ أفلام عربية عديدة مُنتَجَة في الأعوام القليلة الفائتة، تؤكّد هذا، وتحاول أن تبلور أفقه الفني والثقافي والإنساني. المخرج العراقي الأصل، السويسري الإقامة والجنسية سمير جمال الدين، المعروف باسم سمير (1955) فقط، منخرطٌ في التجربة. فيلمه الأخير «الأوديسا العراقية» ـ العرض الأول في العالم العربي ضمن «مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة» في الدورة الـ 8 (23 تشرين الأول ـ 1 تشرين الثاني 2014) لـ «مهرجان أبوظبي السينمائي ـ جزءٌ من بناء سينمائي يسعى سينمائيون عديدون إلى جعله نمط اشتغال.

الحفر في التاريخ العائلي الجمعيّ، عبر محاورة الأفراد، محاولة لكشف نظرة شخصية إلى عالم متبدّل، ولمساجلة (مُبطّنة أحياناً) مع هذا التاريخ نفسه، كما مع شخصياته الأساسية (الأهل جميعهم). اختيارُ مُخرجٍ أفرادَ عائلته وسؤالُهم عن ماضٍ وحكايات وتفاصيل لأي هدف كان، نوعٌ من سجال وانتقاد ومواجهة ومحاولة فهم وإعادة ترميم المهدَّم، حتى لو لم يقصد المخرج هذا كلّه. وإن كان يقصد هذا كلّه، يتحوّل فيلمه إلى أرشفة سينمائية توثّق الحكاية وتحفظها من الاندثار، وتمارس غواية الفن السينمائي في ابتكار صُوَر فنية. مع سمير، يتبيّن أن الأولوية موجّهة لأرشفة تاريخ العائلة، ولجمع حكاياتها وصُوَرها، ولمقاربة هذا التاريخ وتلك الحكايات على ضوء التحــوّلات الحاصــلة في البلد الأصلي (العراق) أولاً، وفي المنافي ثانــياً (أوروبا وأمــيركا وأستراليا). الأولوية كامنةٌ أيضاً في منح الســينما طاقتــها الإبداعــية على استيعاب أجزاء الحكاية، ورصفــها في متتاليــات بصرية.

إذا كان التاريخ العائلي موغل في قِدَمه، بحسب «الأوديسا العراقية»، فإن التاريخ الجمعيّ يكاد يتفوّق عليه. لكن حساسية الموضوع الأول تتغلّب على واقعية الموضوع الثاني، بل تتكامل معه في إعادة رسم سينمائي للتاريخين معاً. الصُوَر الفوتوغرافية والريبورتاجات التلفزيونية المشغولة كلّها بالأسود والأبيض جزء أساسي في سدّ ثغرات عديدة. السرد الشفهيّ لشخصيات شاهدة أو فاعلة أو عارفة، وهي لا تزال حيّة، جزءٌ أساسيّ أيضاً في ترميم الناقص، وفي إعادة بناء الفعل الحكائي كلّه. الاستعانة بـ «شجرة العائلة» كمدخل مباشر وواضح للفيلم ومناخه الإنساني والحكائي، تُشبه الارتكاز على المفاصل الحيوية الفاعلة في إعادة نبش الماضي وتوضيحه. التوضيح حاجة للمخرج، والفيلم أشبه بدعوة إلى مرافقة المخرج في رحلته المديدة في الأزمنة والأمكنة والحالات، الهادفة إما إلى فهم ما جرى وما آلت إليه الأمور والأحوال، وإما إلى الإجابة عن أسئلة ربما لا تزال ملتبسة وعالقة، وإما إلى محاولة المصالحة مع الذات إزاء هذا التاريخ المديد، الذي يجــمع في طياتــه تاريخ بلد وعالم وانقلابات وتحوّلات، وتاريخ عائلة تشتّت أفرادها في أصقاع الدنيا منذ البدايات الأولى للتفتّح والوعي المعرفي، وللانخراط الفعلي في الهمّ الإنساني العام.

لن تكون رحلة «الأوديسا العراقية» سهلة أو مريحة. النبش في خزائن الماضي صعب وقاس، والأسئلة التي لا تملك أجوبة مُضنيةٌ هي أيضاً، كما البحث عن أجوبة أو محاولات أجوبة تماماً. الراوي في الفيلم لا يصمت إلاّ عندما تتفوّه الشخصيات بما لديها من قصص، أو بما تملكه من أجوبة عن أسئلة لا تُسمع أثناء «الاستجواب» السينمائي. التاريخ طويل، فردياً وجماعياً، ومتداخل إلى حدود يتبيّن في الفيلم كم هي واهية أحياناً، وكمّ هي متباعدة أحياناً أخرى. الحربان العالميتان، الحرب الباردة، الهند والعراق، البريطانيون، جمال عبد الناصر، عبد الكريم قاسم، ثورات هنا وهناك، أيار 1968، العدوان الثلاثي (1956)، مناف وهجرات، زواج وموت وانتشار في أرجاء المعمورة، ثقافات متعدّدة، صدامات وتجانس في الثقافي والحضاري، رحلة لا صــمت فيــها بل كلام لا يهدأ. هذا جزء من حكاية تمتد على مدى 162 دقيقة، تُشكّل فاصلاً في كتاب البحث عن التطهّر والتصالح والفهم.

ليست إسقاطات نقدية، بل محاولة لقراءة فيلم وثائقي يتوق مخرجه إلى تحويل الرحلة الجغرافية والروحية إلى ما يُشبه المرايا الشفّافة على المستويات كلّها. يستعيد سمير التاريخ، لكنه لا يكتفي بتاريخ سياسي أو اجتماعي أو عائلي، لأنه لا ينسى الموسيقى والأغاني والنجوم والأفلام والأزياء والسيارات والملامح التي يعرفها التاريخ القديم، والتي تحوّلت إلى أنماط أخرى في التاريخ الحديث. يتوقّف عند أفلام قديمة له أيضاً، كـ «إنسَ بغداد» (2002)، هو المتعمّق في أحوال التاريخ العراقي. في جديده هذا مثلاً، يتوقّف عند جوانب أساسية في التكوين العائلي العام: الدين، أي الإسلام وشِيَعه. العراق زاخر بالأماكن المقدّسة. التربية الدينية عفوية في اختراق يوميات الفرد، لكنها ليست مفروضة بالقوة، لأن هذا جزء طبيعي وعادي من الحياة اليومية.

«الأوديــسا العراقــية» لسمير: وثائقــي يــروي تاريخاً، وسينما تنبــش المخبّأ، أو بعضه على الأقلّ، وتوليف يسعى إلى التــمعّن في إدخــال التوثيــق بحقائق الذاكرة ومفاصــلها. فيلم قاس وجميل، يعتمد السينما لغة بوح وأرشفة، ويرتكز على المخفيّ في إعادة بناء ذاكرة.

«نصف السماء» لعبد القادر لقطع.. بين قصائد الشاعر وشخصيته

محمد بنعزيز

تحتضن مدينة طنجة الدورة الـ 16 (20 ـ 28 شباط 2015) لـ «المهرجان الوطني للفيلم». هي الدورة الأولى بإشراف المدير الجديد لـ «المركز السينمائي المغربي». تشتمل مسابقتها الرسمية على 30 فيلماً، نصفها روائيّ قصير. من الأفلام الطويلة: «نصف السماء» (102 د.) لعبد القادر لقطع، تمثيل سونيا عكاشة وأنس الباز. الـ «كاستينغ» ممتاز، يُقدّم شخصيات تعيش تناوب لحظات اليأس والأمل مع غياب المظلومية. ليس فيه إحساس بالبؤس. تتصرّف الشخصيات بكرامة حتى أقصى لحظات الألم. هذا نادر في الأفلام المغربية. هو مزيج التخييل والتوثيق. مقتبس عن رواية «سيرة ذاتية». الرواية أم السينما؟ توفر للمخرج مادة سمينة لوضع سيناريو. اقتبس المخرج سيرة جوسلين اللعبي، التي كتبت سيرتها وسيرة المناضل عبداللطيف اللعبي. مثقف سنوات الرصاص الذي يفكر بالثورة أكثر ممّا يفكر في رفاهية جسده. كان اللعبي مثقفاً عضوياً بالمفهوم الغرامشيّ، وهو لا يزال هكذا. أصدر مجلة ثقافية راديكالية، بأفق سياسي. اعتُقل مع رفاقه، وعُذّبوا جميعهم لاجتثاث المعارضة الثقافية.

ارتفع إيقاع الفيلم بعد نصف ساعة من تقديم المعطيات. المرافعات ساخرة، مكّنت المناضلين من تحويل المحاكمة إلى إدانة للنظام. وجه القاضي مرتبكٌ وهو يحكم بالباطل. دعمت المنظمات الدولية المعتقلين بضغط شديد، فخرج اللعبي من السجن قبل غيره بفضل سمعته الدولية كشاعر. سمعة لم يجسّدها بطل الفيلم الذي بدا باهتاً لسببين: أولاً، لغياب الشبه بينه وبين الشاعر. ثانياً، لأن أنس الباز أدّى الدور بمسكنة. ربما وصل الممثل إلى الدور في آخر لحظة. تولّد هذا الانطباع من كون كتابات اللعبي تحمل شراسة نقلتها إلى شخصيته. أنس الباز أكد العكس. أكّد أنه طبّق تعليمات المخرج، وأنه رافق الشاعر أشهراً عدة لفهمه. إذاً، القصائد شرسة، أما الشاعر فهو حمَل وديع. هو ما شخّصه الممثل الموهوب.

يتتبع المخرج عشر سنوات من تاريخ المغرب. لكن، توجد مشكلة على صعيد رصد مرور الزمن في الفيلم. نرى على الشاشة «بعد يومين، بعد أسبوع، بعد سنة»، أكثر من عشر مرّات. يسجّل المخرج مرور الزمن بالكتابة لا بالصورة. حتى أنه لا يُظهر مرور الزمن على ملامح الشخصيات، كأن الزمن ثابت ميت. ليس هذا العائق الوحيد على صعيد اللغة السينمائية. في نصف الساعة الأولى، تسبّبت الإضاءة القوية في ضبابية الصورة في اللقطات الداخلية. غيّب التصوير الداخلي الكثيف زخم المرحلة. بقي الواقع المغربي خارج الكادر. كما أن غياب صُوَر حياة السجن جعل الزوجة هي البطلة، لا المناضل.

يتسبّب التصوير في أمكنة ضيقة في صعوبة التحكم في الإضاءة التي تغلب الكاميرا. يضعف التصوير الداخلي اللغة السينمائية. لتعويض ذلك، يُشغّل المخرجُ أذنَ المتفرّج بدلاً من عينيه. يزيد من الحوار وقراءة الرسائل، فيُسمّم الكلامُ اللغة السينمائية.

في المناقشات حول الفيلم، غلب المحتوى على اللغة السينمائية. للفيلم بُعدٌ سياسي. هذا ما جعل النقاش ساخناً. نفى المخرج البحث عن المطابقة التاريخية، مؤكّداً ما يلي: «أحكي عن الشخص. الشخص هو الأساسي». لكن الشخص هنا شاعر ينتمي إلى فصيل سياسي مستفَزّ. بما أن اللعبي مساهم في كتابة السيناريو، فهو ينتقد السلطة ولا يوجّه أي نقد إلى تجربة اليسار الراديكالي. هذا جدلٌ حول الأمانة التاريخية.

لكن، مَن قال إن السينما ليست ملزمة بالأمانة التاريخية؟

هكذا، بعد عشر سنوات من موجة أفلام تتناول سنوات القمع بالمغرب، يعود المخرج بفيلم عن المرحلة المشعّة. هكذا رفع المستوى أمام أفلام كثيرة في المهرجان الحالي، تزعم أنها كوميدية.

السفير اللبنانية في

26.02.2015

 
 

«عازف البيانو» لبولانسكي: يهود تعاونوا ونازيون تعاطفوا!

ابراهيم العريس

كان السؤال الأساس الذي طُرح يوم فاز فيلم «عازف البيانو» لرومان بولانسكي عام 2002 بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي هو التالي: هل يمكن تصوير فيلم عن موسيقي يهودي بولندي عاش أحداث الحرب العالمية الثانية ولامس المحرقة من دون ان يكون من ضحاياها، وفقد أهله من دون ان يعرف مصيرهم... هل يمكن تصوير هذا كله من دون ان يسفر الأمر عن فيلم غارق في الإيديولوجيا، يحاول كما فعل «لائحة شندلر» لستيفن سبيلبرغ، ان يعطي اسرائيل ما يمكن ان تبرر به ما فعلته لاحقاً ضد فلسطين والفلسطينيين؟ أجل... يمكن. هذا ما قاله رومان بولانسكي، في هذا الفيلم إنما دون ان يزعق بذلك. قاله مواربة. وهنا، بالتحديد، تكمن قوة هذا الفيلم، ثم الصمت الإعلامي الذي يكاد يكون مطبقاً من حوله رغم فوزه عامذاك.

> والحقيقة ان بولانسكي، اليهودي البولندي الذي عانى اهله من النازيين، كان يحلم منذ زمن في ان يعبر عن تلك المعاناة. لكنه كان ينتظر «نصاً ملائماً» كما كان يقول. ومن هنا حين قرأ، بعد نسيان طويل الكتاب الذي وضعه عازف البيانو البولندي فلاديسلاف شبيلمان، عما حدث له خلال الحرب العالمية الثانية، أدرك فوراً أنه عثر على موضوعه. فموضوع الكتاب، وعنوانه الأصلي «موت المدينة» هو الحياة الغريبة التي عاشها شبيلمان متخفياً وسط الأخطار خلال تلك السنوات المرعبة. لقد روى شبيلمان في الكتاب تجربته الخاصة، من دون ان يسعى الى إلباسها أي طابع ايديولوجي. روى مجابهته للحرب ببراءته. روى انه لم يكن بطلاً ولا شجاعاً. وروى خصوصاً كيف انه شاهد احداثاً كثيرة إما من فجوة في الجدار، وإما من نافذة غامضة من بناء خفي، وإما في مطبخ مستشفى دمره القصف. ثم روى كيف انقذه ضابط ألماني اكتشف وجوده ولم يأبه لكونه يهودياً طالما انه يعزف البيانو. وروى كيف قام ابناء دينه من اليهود المتعاونين مع الألمان بتسليم ألوف اليهود الى النازيين يفتكون بهم.

> روى شبيلمان هذا كله في كتابه، من دون تعليق، ومن دون ان يستخلص أي درس. وواضح ان هذا ما فتن بولانسكي ودفعه الى اختيار الكتاب موضوعاً للفيلم الذي كان يحلم به. وواضح ايضاً كم ان فيلماً من هذا النوع، وله هذا الخطاب، من شأنه ان يسبب احراجاً لإسرائيل والمتعاطفين معها. ترى أفلم يكن هذا احد اسباب ذلك الصمت والتأفف حتى، اللذين أحيط بهما فوز الفيلم بالسعفة الذهبية؟ وأليس الأدهى من هذا ان يكون الفيلم حرص على ان يؤكد لنا، في النهاية، ان بطل الفيلم، الموسيقي شبيلمان، مات في بولندا، من دون ان يبارحها، في العام 2000 عن عمر يناهز الثامنة والثمانين؟ وليس في اسرائيل كما كان «يجدر به» ان يفعل؟

> يبدأ الفيلم كما الكتاب، ببطله الشاب وهو يعزف في استديو الإذاعة البولندية، عام 1939، «ليلية» لشوبان. غير ان القصف الألماني اذ يبدأ معلناً، بصخب، بداية الحرب العالمية الثانية، يقطع عليه عزفه، ويضطره والآخرين الى الهروب نحو الملاجئ. بعد ذلك بست سنوات، حين ينهزم النازيون ويحرر السوفيات بولندا، يكون أول ما يفعله شبيلمان، في مجال العزف، ان يكمل عزف مقطوعة شوبان، من حيث كان توقف تماماً. طبعاً هذا الأمر قد يكون من قبيل المغالاة، لكنه يتخذ كل دلالته في هذا السياق. ومن أولى الدلالات بولندية شبيلمان ورهافة ذوقه الموسيقي، ثم اعتباره الحرب وما جرى له فيها، امراً عارضاً على خطورته ومآسيه، في سياق حياة كرّسها كلها للموسيقى. وما جرى بين عزف القسم الأول من «ليلية» شوبان، وعزف القسم الأخير، هو ما يرويه لنا العازف في كتابه الذي كان صدر للمرة الأولى في العام 1946 وإثر انقضاء الحرب، ثم منعته السلطات الشيوعية لأسباب قد يصعب فهمها، ليعود ويصدر في العام 1998، بعد ان يعثر ابن الموسيقي على نسخة من بين أوراق أبيه.

> وأحداث الكتاب هي، بالطبع، أحداث الفيلم، يرويها لنا بولانسكي، في شكل سينمائي يتسم بكلاسيكية تقترب من الملحمية، ولكن دائماً من وجهة نظر شبيلمان، فهذا الأخير لا يغيب عن الشاشة الا نادراً، انه حاضر في كل مشهد وأحياناً في كل لقطة: يراقب بحيادية تغيظ احياناً، وحين يتدخل، يتدخل على طريقة «مكره أخاك لا بطل». ان الأحداث تعبر به، تمسّه، تدمّره، تسحب منه اهله وعيشه الهادئ، تقتل اصدقاءه ورفاقه، تمنعه من الموسيقى، تحوّله من انسان الى شبح، تسرق منه حبه وحيّه. لكنها لا تسرق منه شيئين: انسانيته وحبه للموسيقى. وهذه الأخيرة هي التي تنقذه في واحدة من لحظات الفيلم، حين يعثر عليه ضابط ألماني، متخفيًا في قاعة. ينظر اليه ملياً ثم يسأله بهدوء وقد أدرك يهوديته من سماته: «ما هي مهنتك» فيجيبه، من دون خوف أو عداء: «أنا موسيقي». ولما كان في المكان آلة بيانو، يطلب منه ان يعزف. وتحدث المعجزة. فالضابط حساس تجاه الموسيقى. والموسيقى تبعث لديه انسانيته. فيعاون شبيلمان على البقاء ويحمل اليه بين الحين والآخر شيئاً ليأكله، بل يعطيه قبل الانسحاب الألماني معطفه العسكري يقيه البرد، ما يعرضه بعد التحرير الى خطر القتل على ايدي الجنود السوفيات الذين يعتقدونه ألمانياً.

> في تلك اللحظة كانت مغامرة شبيلمان جعلته أقرب الى الشبح منه الى الإنسان. وهو كان أمضى السنوات الأخيرة وحده عمليًا. يهرب من مكان الى آخر، همه البقاء، والبحث عن أكل ونوم. وهو في أثناء ذلك يراقب الأحداث، من دون ان تظهر ملامحه ما يشي بموقف ما. صحيح انه قبل ذلك كان ساعد في شكل أو آخر على اندلاع انتفاضة «غيتو» وارصو، ولكن من دون أي موقف سياسي مسبق. ولم يكن هذا جديداً عليه. اذ منذ البداية يبدو لنا واضحاً اندماجه في المجتمع واستغرابه، حتى حين يجد ان ثمة من الأماكن ما بات ممنوعاً على اليهود ارتياده اثر الغزو الألماني، غير ان ذلك الاستغراب لا يمنعه من ان يواصل حياته وكأن شيئاً لم يكن: لا يغضب من شيء. لا يتمرد على شيء. وحتى حين تساق عائلته الى المنفى (ومنه الى القتل على الأرجح) يصعب تلمس موقف، غير الحزن، يبدو عليه. انه باختصار، الإنسان البريء ازاء احداث العالم وشروره.

> واللافت ان بولانسكي، جرؤ هنا، ومن خلال كتاب شبيلمان وشخصيته، على ما لم يجرؤ عليه سينمائي من قبله: لم يحصر الشر في الألمان النازيين وحدهم، واضعاً الخير والطيبة في كفة اليهود، «الضحايا بامتياز»، فبين الألمان، وحتى النازيين منهم ولدى العسكر، اشرار ولكن هناك طيّبين، يمثلهم هنا طبعاً ذلك الضابط الذي ساعد شبيلمان. وهناك ايضاً يهود طيبون ضحايا، لكن هناك ايضاً يهوداً أشراراً تعاونوا مع النازيين. وهو أمر ندر ان اعترفت اسرائيل به. وهؤلاء يصورهم لنا بولانسكي بكل هدوء ووضوح. ولا يفوته ان ينبه اليه في تصريحاته الصحافية. وهناك، بعد ذلك، بولنديون طيبون وآخرون اشرار. ذلك بعض ما أراد بولانسكي ان يقوله في فيلمه هذا... وقاله. ولئن كان بولانسكي قد صوّر خلال الجزء الأول من فيلمه انتفاضة يهود غيتو وارصو على الوضع المزري الذي عيّشهم فيه النازيون، بعد ان جمعوهم في حي واحد وراحوا ينكلون بهم، فإنه صوّر، وأيضاً في شكل نادر، ثورة البولنديين انفسهم ومقاومتهم ضد النازيين.

> ولد بولانسكي العام 1937 في باريس لوالدين يهوديين بولنديين. وفي العام 1938، عاد به والداه الى بولندا. وهو امتهن التمثيل هناك وعمره 14 سنة ولعب أدواراً عدة في افلام بولندية منها ما هو من توقيع اندريه فايدا. وكان طالباً حين حقق أول أفلامه القصيرة، وقبل ان يلتحق بمعهد السينما البولندي. وفي العام 1962 ظهر أول فيلم روائي طويل له وهو «سكين في الماء» فنال على الفور جائزة النقاد في مهرجان البندقية، ورشح لأوسكار أفضل فيلم اجنبي. بعد ذلك هاجر، أولاً الى لندن ثم الى الولايات المتحدة حيث عاش سلسلة مآسٍ ونجاحات انتهت بمحاولة اعتقاله بتهم اخلاقية تلت مقتل زوجته شارون تيت. وهو منذ ذلك الحين يعيش في اوروبا حيث يضيف مرة كل عامين فيلمًا مميّزاً الى لائحة اعماله التي تشكل علامات في تاريخ السينما المعاصرة. منتمية الى بداوة وعولمة نادرتين.

الحياة اللندنية في

26.02.2015

 
 

هكذا عاملت السينما الإسرائيلية جنرالات إسرائيل!

بلال فضل – التقرير

في أوقات الاستقطاب، لا يكون غريبًا أن يتخذ الكثيرون مواقف حادة لإثبات وجهة نظرهم، هذا أمر لم يعد ممكنًا تجاوزه، وأظنه سيستمر مع بقاء حالة الاستقطاب، وسيزيد مع زيادتها، لكن كل ما يمكن أن نطلبه هو (تحسين شروط الاستقطاب) إذا صح التعبير، وهو أن يجتهد كل طرف لإثبات وجهة نظره، دون أن يلجأ إلى تبني الأكاذيب، خاصة أن كل شيء في الدنيا قابل للتفسير من وجهة نظر مختلفة، دون حاجة للاستناد على الأكاذيب، أقول هذا الكلام لبعض الذين قرأوا مقالي الذي سبق أن نشرته في هذا الموقع بعنوان (السخرية لا تعيق الجيوش القوية عن النصر)، متحدثًا عن فيلم كوميدي إسرائيلي يسخر من وحدة عسكرية إسرائيلية، بشكل لا يمكن لأي سينمائي عربي أن يحلم به إلا إذا كان مستعدًا للذهاب إلى المحاكمة ومنعه من ممارسة الفن مدى الحياة، بعض هؤلاء أرسل لي معلقًا يقول إنني وقعت في فخ ينصبه الإسرائيليون للعرب، لإظهار أنفهسم بمظهر الديمقراطي المؤمن بالحرية، بينما هم يمارسون أشنع أنواع البطش بالفلسطينيين، وأن الفيلم الكوميدي الذي تحدثت عنه لا يعني وجود حرية إسرائيلية للسينمائيين والأدباء في مناقشة أوضاع المؤسسات العسكرية بشكل جاد وحقيقي؛ لأن إسرائيل في حالة حرب، ويمكن السماح بفيلم كوميدي على طريقة أفلام إسماعيل ياسين في الجيش.

ومع أن رأيًا كهذا يوحي أن صاحبه لم يشغل باله بقراءة المقال جيدًا؛ لأنه كان سيجد فيه تحذيرًا من أن نصرف النظر عن جرائم إسرائيل في حق الفلسطينيين، في نفس الوقت الذي ندرك فيه أن مناخ الحرية الذي يحظى به الإسرائيليون هو سبب من أسباب تقدمهم وتفوقهم علينا، وكان سيرى إشارتي إلى أن الفيلم لا يقدم الجيش بطريقة كوميدية خفيفة؛ بل يقدم انتقادًا لفكرة تجنيد الشباب الإسرائيلي في مجتمع ينشغل بالحرب أكثر من أي شيء آخر، إلا أن انشغاله بصحة رأيي من عدمها لم يكن الأهم الذي يجب أن يضيع وقته فيه، فالأهم هو ألا يتورط لسعيه لإثبات خطأ وجهة نظري في سوق معلومات غير صحيحة عن طريقة تعامل السينما الإسرائيلية مع المؤسسات العسكرية والأمنية، بطريقة للأسف لا يمكن لنا تقديمها في أوطاننا العربية، برغم  كل ما يتردد من طنطنات عن الحريات والحقوق التي يتمتع بها المواطن العربي، وأحيل هؤلاء إن كانوا راغبين حقًا في تكوين وجهة نظر حقيقية، إلى ما سبق أن كتبته في كتابي (في أوروبا والدول المتخلفة)، عن فيلم (حراس البوابة) الإسرائيلي، لعله يشجعه على البحث في هذه النقطة، وتكوين رأي فيها.

لقطة من الفيلم لإحدى عمليات الشين بيت أثناء تنفيذها

كنت قد كتبت بعد مشاهدتي لذلك الفيلم قائلًا: “كان ينبغي أن أشاهد فيلمًا كهذا بمفردي تمامًا، ليكون بوسعي أن أطلق العنان لمشاعر الأسى وخيبة الأمل التي انتابتني وأنا أشاهده في قاعة نيويوركية صغيرة مليئة بمشاهدين كنت العربي الوحيد بينهم، وربما لذلك أخذت عروبتي تستصرخني أثناء المشاهدة ألا أجعل من نفسي ومنها موضعًا للشفقة والرثاء، خاصة أنني سمعت قبل العرض أحد الجالسين إلى جواري يقول لصديقيه إنه قادم من إسرائيل قبل أيام، ومن أجل هذا الرجل بالذات كان يجب أن أتماسك وأكبت رغبتي في البكاء عندما رأيت في الفيلم مقاطع تسجيلية جديدة تعرض مهانة أسرانا خلال هزيمة يونيو التي انتقلنا بعدها من سيئ إلى أسوأ، حتى وإن بدا لبعضنا غير ذلك“.

هو فيلم تسجيلي اسمه (حراس البوابة) للمخرج الإسرائيلي درور موريه، كان مرشحًا لنيل أوسكار أفضل فيلم وثائقي في عام 2012 جنبًا إلى جنب مع فيلم (خمس كاميرات مكسورة) الذي تشارك في إخراجه فلسطيني وإسرائيلي مقدمين فيه ملحمة رائعة عن صمود الإنسان الفلسطيني ومقاومته للاحتلال بسلاح الكاميرا، لكنّ الفيلمين خسرا سباق الأوسكار، الذي فاز به فيلم شديد الروعة والجمال اسمه (البحث عن شوجر مان) يحكي قصة ملهمة تبعث الأمل عن مطرب كاد يغرق في بحر الحياة لولا أن انتشلته يد محبة في آخر لحظة لينبعث من جديد.

أعترف أنني عندما قرأت أن الفيلم الإسرائيلي يتكلم عن جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) ظننت أن ترشيحه محاولة من أكاديمية الفنون الأمريكية للقيام بمواءمات سياسية تخفف ما ستلقاه من انتقاد من اللوبيات الصهيونية بسبب دعمها لفيلم صريح الفضح لإسرائيل مثل (خمس كاميرات مكسورة)، ولم أكن أتصور أن فيلم (حراس البوابة) يقدم هو الآخر بأسلوب فني متميز نقدًا جادًا للسياسات الأمنية الإسرائيلية من خلال حوارات مع ستة من الرؤساء السابقين لجهاز الشين بيت تحدثوا عن تجاربهم خلال قيادة الجهاز بدءًا من حرب 1967 وحتى سنوات قليلة ماضية نفذ فيها الجهاز عمليات لاغتيال قادة حركة حماس.

ما أدهشني في الفيلم درجة الصراحة التي تحدث بها قادة الشين بيت عن الأخطاء التي وقعت خلال قيادتهم للجهاز، في البدء عندما أجاب أقدمهم إبراهام شالوم أول رئيس للجهاز بصراحة على أسئلة المخرج الناقدة لقتل الجهاز عام 1984 لفدائيين فلسطينيين قاموا بخطف أتوبيس ركاب داخل إسرائيل بدلًا من معاملتهم كأسرى والحفاظ على حياتهم، واعتبرت ذلك نوعًا من وضع الماكياج على وجه (الشين بيت) ليظهر للمشاهد الغربي أنه يحرص على النقد الذاتي ويأبه أصلًا لسقوط أبرياء على أيدي قواته، تمامًا كما اعتبرت الحديث عن دور الجهاز في مكافحة الإرهاب الإسرائيلي مثل عصابات كاهانا لعبة رخيصة لتمييع الحقائق ومساواة الجاني بالمجني عليه، لكن رأيي تغير عندما بدأت نبرة نقد الفيلم تتصاعد لتطال جوهر وجود الجهاز نفسه الذي يؤدي إلى تعقيد الصراع مع الفلسطينيين بدلًا من حله، ويعطي انطباعًا خاطئًا للشعب الإسرائيلي بأن الحلول الأمنية يمكن أن تكون بديلًا عن الحلول السياسية؛ بل إن أحد قادة الجهاز بعد أن سخر من حقيقة أن كل من قاد الجهاز كان يبدأ يمينيًا متحمسًا ثم يجد نفسه بعد التقاعد يساريًا ميالًا لنقد الجهاز، أضاف أن كون الجهاز لا يمتلك استراتيجية للعمل بل يتبع فقط تكتيكات وقتية، سيؤدي في النهاية إلى أن “تكسب إسرائيل كل معركة، ومع ذلك فإنها ستخسر الحرب“.

بالطبع لم يبك أحد قادة الشين بيت أمام الكاميرات معتذرًا عما اقترفته يداه بحق الفلسطينيين، فكل واحد منهم كان يوجه نقده اللاذع لسياسات إسرائيل الأمنية رغبة منه في تطويرها وجعلها أفضل، وبالطبع لست ساذجًا لأتصور أن ما قاله قادة الشين بيت من أسرار يمكن أن يكون به ما يهدد أمن إسرائيل الآن، لكن ما أدريه أيضًا أنهم انتقدوا أخطاء تفصيلية وقعت في عمليات محددة قام بها الجهاز، بدءًا من سبعة وستين وحتى الآن، بينما بُحّت أصوات مؤرخينا مطالبة بالإفراج عن الوثائق الرسمية لتاريخنا الحربي لنفهم ما جرى لنا طيلة سنوات صراعنا مع إسرائيل، ذلك الصراع الذي كان مبررًا لإخراس كل معارض أو مطالب بالإصلاح والتغيير واتهامه بالعمالة والخيانة، في حين كشفت الأيام أن حكامنا بفسادهم وقمعهم لإرادة المواطن وحريته كانوا يمثلون كنزًا استراتيجيًا عاشت إسرائيل على خيره ولا زالت، أرجو مراجعة سلسلة مقالات كتبها المؤرخ المصري المرموق د. خالد فهمي صاحب كتاب (كل رجال الباشا) في صحيفة (الشروق) المصرية نُشر آخرها في 12 أبريل 2013 بعنوان (كيف نكتب تاريخنا الحربي)، قال فيها كلمات تلخص ما شعرت به عقب انتهائي من مشاهدة فيلم (حراس البوابة): “إسرائيل دولة مهووسة بأمنها لدرجة الهستيريا، ولكن هوسها بأمنها لم يمنعها من الإفراج المنتظم عن وثائقها العسكرية طالما مر عليها 30 سنة، لفتح حوار مجتمعي عن أخطاء الماضي وتحديد المسؤول عنها، ليمكن العمل على تصحيح هذه الأخطاء والعمل على منع حدوثها، فيدرك القابع في السلطة أنه حتى لو غابت الرقابة الصحفية والبرلمانية على أعماله بسبب ما فستظل رقابة التاريخ مسلطة عليه وستتمكن الأجيال القادمة من الحكم عليه“.

على المقهى العربي الذي يتخذه كثيرون من عرب نيويورك مفرًّا مؤقتًا إلى الوطن، حيث الشيشة والطاولة والدمنة والخروب والسحلب والشاي بالنعناع وصوت الست من السماعات وضحكة إسماعيل ياسين على الشاشة، جلست أفك احتقان مشاعري مستعينًا بصديق طويل البال، استمع إلي طويلًا ثم قال بلهجة الناصح الأمين: أرجوك لا تنس أن العدو الصهيوني له تكتيكات خداعية تجعله ينتج أعمالًا مثل هذه لكي ينبهر به أبناء أمتنا فلا تقع في هذا الفخ، قلت له: شكرًا على تنبيهك يا صديقي، لكن يا ترى متى نبدأ في إنتاج أعمال نعترف فيها بأخطائنا وكوارثنا ونفتح ملفاتنا المطمورة عمدًا، فقط لنبهر بذلك أبناء العدو ونوقعهم في فخ الاعتقاد أننا أصبحنا قادرين على النقد والمراجعة والتغيير. هز صديقي رأسه مفضلًا عدم الرد، وظللنا صامتين لفترة لم يقطعها إلا تنادينا إلى لعب دور دومينو فضلنا أن نلعبه “عادة وليس أمريكاني” دعمًا للهوية الوطنية وذلك أضعف الإيمان.

التقرير الإلكترونية في

26.02.2015

 
 

حنان شومان تكتب:

وسنوات تستحق العناء.. أسوار القمر

فيلم أسوار القمر استغرق إعداده وتصويره حتى لحظة عرضه للجمهور أكثر من أربع سنوات، أى أن عمر هذا الفيلم أكبر من عمر ثورة يناير، وربما هذا ما كان يخيفنى منه وعليه، فعادة ما من فيلم يطول تصويره لأى أسباب لفترة تصل لسنين ويفصل ما بين بداية عرضه وبداية تصويره فترة طويلة إلا ويفشل فشلاً كبيراً، فعادة يقابله الجمهور بفتور لإحساسه بأنه فيلم قديم، ويعانى الفيلم ذاته من مشاكل فى الأداء غير المنضبط أو تغير شكل الممثلين أو حتى اختلاف مستوى وشكل التنفيذ من جزء لآخر، ولكن فيلم أسوار القمر استطاع أن ينجو من كل هذه المشاكل. السينما المصرية عادة فقيرة فى عدد الأفلام التى تندرج تحت نوعية أفلام الغموض أو Thriller، وربما أغلب وأفضل أفلام مصرية فى هذه النوعية كانت من أفلام زمن الأسود والأبيض، ولكنها صارت شحيحة فى عصر الألوان، ولكن محمد حفظى كاتب، وطارق العريان مخرج، استطاعا أن يقدما لنا فيلماً مصريا ملونا فيه كل عناصر التشويق والإثارة التى تميز أفلام الغموض، فمنذ المشهد الأول الذى ضم أبطال الفيلم الثلاثة منى زكى وآسر ياسين وعمرو سعد فى صراع غير مفهوم للمتفرج، وتتضح مع كل مشهد جديد جزء من الحكاية التى تضم قصة رومانسية لحب كبير، ولكنها تحمل أيضاً جنونا وغموضا وجريمة، فالفيلم يحكى عن قصة حب تجمع بين شاب وفتاة ومشروع زواج، ولكنه لا يكتمل بسبب عدم قناعة الفتاة بالرجل الذى يحبها فتذهب إلى علاقة حب مع شاب آخر مدمن، ولكنه يعطيها الإحساس بالمغامرة التى تبحث عنه، وحين تتزوجه تكتشف الحقيقة، فالزواج ليس رحلة رومانسية على مركب، ولكنه يحتاج لما هو أكثر كثيراً، وتظن وأنت تتابع الفيلم أنك تكاد تعرف كل شىء ولكن مع تصاعد الأحداث تكتشف أنك كنت مخدوعا تماما كبطلة الفيلم العمياء. منى زكى التى تغيب ثم تعود فى دور وكأنها ما غابت بل تتميز بأداء أكثر احترافية ونضج فى دور يحمل كثيراً من الصعوبات فى الأداء وتطور الشخصية، من حق الجمهور أن يحب أو يفضل نجما على آخر، ولكن هناك نجوما فضلتهم أم لم تفضلهم يفرضون على الجمهور احترام مسيرتهم، ومنى من بين هؤلاء النجوم وهم ليسوا كثر. عمرو سعد ينافس نفسه بفيلمين فى هذا الموسم ريجاتا وأسوار القمر، ورغم اختلاف طبيعة الدورين، فإنه استطاع أن يجتاز الاختلاف. آسر ياسين ممثل شاب ممن يحملون ملامح وأداء وأحلاما أظنها تختلف عن كثير من شباب الممثلين، ولذا تعد اختياراته دائماً متميزة، وأسوار القمر سمح له بإضافة لمسيرته القصيرة اللافتة. أربع سنوات وتزيد هى عمر صناعة هذا الفيلم وهى مدة طويلة، ولكن النتيجة تستحق السنين.

أحمد الفيشاوى:

"خارج الخدمة" يكشف أسباب "الإدمان" ولا يمت للرعب بصلة

كتب عمرو صحصاح

يخوض الفنان أحمد الفيشاوى، السباق السينمائى الحالى بفيلمه "خارج الخدمة"، والذى يتقاسم بطولته مع الفنانة شيرين رضا، ويؤكد الفيشاوى أن أكثر ما جذبه للفيلم هو واقعية الدور الذى يجسده ضمن أحداث العمل، وقربه من الواقع بحسب تعبيره، وتميز السيناريو الذى صاغه المؤلف عمر سامى، حيث قال: "كل هذا كان وراء الموافقة على بطولة الفيلم، فضلاً عن دخولى كمنتج مشارك فى العمل بنصف أجرى". وأضاف الفيشاوى فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، أن توقيت عرض الفيلم مناسب للغاية، وهذا الموعد حددته الشركة الموزعة، موضحًا أنه لا يفهم فى هذا الشأن ولايهتم به، ولكن كل ما يركز فيه هو الدور الذى يجسده، حتى يخرج للجمهور فى شكل جيد، لافتًا إلى أنه لايخشى الأفلام المنافسة، لأنه يعى جيدًا أن لكل فيلم جمهوره، الذى يرغب فى مشاهدته. وأوضح الفيشاوى أن هذا الفيلم يجمعه للمرة الثانية بالفنانة شيرين رضا بعد مسلسل "بدون ذكر أسماء"، للكاتب الكبير وحيد حامد، والمخرج تامر محسن، حيث علق قائلا: "بصرف النظر عن الكيمياء التى جمعتى بشيرين فى مسلسل "بدون ذكر أسماء"، والتى جعلتنا نأمل فى تكرار هذا التعاون، وهو ماحدث من خلال فيلم "خارج الخدمة"، فإن هناك علاقة صداقة تجمعنا منذ فترة طويلة، كما أننى أميل لمشاهدة أدوارها فى عدد كبير من الأعمال التى شاركت بها". وأكد الفيشاوى، أن فيلم "خارج الخدمة"، ينتمى لأفلام الإثارة، التى توضح الطرق المؤدية للإدمان، أكثر من كونه فيلما يحمل فكرا فلسفيا أوخياليا، نافيا احتواء الفيلم على أى مشاهد رعب. وأعلن الفيشاوى عن حماسه الشديد، بالمشاركة فى الإنتاج من خلال هذا الفيلم، موضحًا أن مشاركته بنصف أجره، ليس تضحية كى يظهر الفيلم للنور، ولكنه محاولة للوقوف بجانب صناعة السينما، معلقًا: "لابد أن يقف الجميع صفًا واحدًا فى أى عمل سينمائى، من أجل ظهور عملهم للنور، حتى يصب كل ذلك فى صالح صناعة السينما فى النهاية". وأشار الفيشاوى إلى أنه أوشك على الانتهاء من تصوير أحداث دوره بفيلم "ولاد رزق"، الذى يشارك فى بطولته بجانب أحمد عز وعمرو يوسف وسيد رجب وأحمد داوود وكريم قاسم، من تأليف صلاح الجهينى، وإخراج طارق العريان، مضيفًا أن دوره بأحداث الفيلم مختلف عما قدمه من قبل، وهو عبارة عن شخص ينتمى لعصابة محترفة فى سرقة المؤسسات الكبرى، معربًا عن سعادته بالعمل مع مخرج بحجم طارق العريان. ولفت الفيشاوى إلى أنه رفض خلال الفترة الماضية عدة أعمال درامية من أجل التركيز فى السينما خلال الفترة المقبلة، موضحًا أنه أسس شركة إنتاج كى يخوض المنافسة الإنتاجية، بأكثر من عمل خلال المرحلة المقبلة، وأنه بدأ نشاط هذه الشركة بالفعل من خلال فيلم "خارج الخدمة"، ولكنه دخل بنسبة معينة، باعتبارها أولى أعماله الإنتاجية.

شيرين رضا:

تعلمت لغة المدمنات وغيرت ملامحى لإتقان دورى بـ"خارج الخدمة"

كتب عمرو صحصاح

صرحت الفنانة شيرين رضا، بأن عودتها لشاشة السينما، تتطلب منها تفكيرًا طويلاً، خصوصًا أن السينما لها حسابات مختلفة عن الدراما التليفزيونية، لافتة إلى أن ما جذبها لفيلم "خارج الخدمة" القصة والتجربة بشكل عام، بعدما علمت أن الفيلم سيكون من إنتاج جميع أبطال العمل، وأوضحت أنها لم تتردد فى هذا الأمر على الإطلاق، ولكنها تحمست بشدة فى خوض التجربة بأن تشارك بأجرها فى الإنتاج، خاصة مع وجود فريق عمل متحمس لعمل شىء جيد، مضيفة أن سبب إقبالها أيضًا على مسألة الإنتاج بجانب المنتج تيمور الأعصر، حرصها على إشعال حماس الآخرين من السينمائيين لهذا الأمر، وقالت: "إن كل ما يهمها هو أن تدور عجلة السينما مرة أخرى، وتعود الصناعة المصرية لنهضتها، مشددة على ضرورة تكاتف الجميع من أجل هذا". وأضافت رضا أن فيلم "خارج الخدمة"، عبارة عن قصة بسيطة تعالج مشاكل الإدمان وطرق الإقبال عليها، مؤكدة أن العمل تم إنتاجه فى ظروف صعبة على كل المستويات، ليس فقط على المستوى الأمنى والسياسى، ولكن على المستوى الاقتصادى، والذى أثر بشكل مباشر على العملية الإنتاجية فى مصر. وأكدت رضا أن شخصية "هدى" التى جسدتها فى الفيلم، تطلبت منها تحضيرات خاصة، من ناحية الملابس والمكياج، خاصة أنها تجسد دور مدمنة، فكانت ملامح وجهها تتطلب هالات سوداء حول عينيها، فضلاً عن قيامها بإرتداء عدسات حتى تغير لون عينيها، لافتة إلى أن هذا تم من خلال جلسات عمل متواصلة مع مخرج العمل محمود كامل، حتى تم الاستقرار على هذا فى النهاية، مشيرة إلى أنها جلست مع سيدات يتحدثن بطريقة المدمنات، حتى تتعلم منهن هذه الطريقة. وأوضحت الفنانة شيرين رضا، أن الفيلم خالٍ من أى مشاهد خارجة أو جريئة، لحرصها على المشاركة فى فيلم يتناسب مع جميع أفراد الأسر المصرية والعربية، ومع مختلف انتماءات الجمهور

و25 يناير أكبر مفاجأة فى حياتى..

بشير الديك: "كلنا فاسدون" تذكرنى بها المتظاهرون فى ميدان التحرير

كتب عمرو صحصاح

قال الكاتب والسيناريست بشير الديك، إن ثورتى 25 يناير، و30 يونيو يستحقا التأمل، لأنهما حالات غير طبيعية، خاصة أن التغيرات تحدث بشكل يومى، وبشكل درامى متصاعد، مضيفًا أنه لا أحد يتخيل أن نصل للمراحل التى وصلنا لها، خاصة مع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابى على الساحة. وأوضح، فى حواره ببرنامج "إنت حر"، الذى يقدمه السيناريست مدحت العدل، عبر فضائية "سى بى سى تو"، أن أكثر مفاجأة له كانت قيام ثورة 25 يناير كما قامت، لأن مصر قبل الثورة كان بحر السياسة جف، ولا أحد يستطيع القفز فيه – بحسب وصفه، قائلاً: "عندما يفعل الشباب ما فعلوا، ودعمهم للجيل الذى يسبقهم للانضمام لهم فى الثورة، ولذا فكان علينا أن ننضم". واستكمل بقوله: "هذه أول مرة يقوم شباب الطبقة المتوسطة بثورة، وليست ثورة جياع، وكنا جميعا مندهشين، فأنا كنت أتابع الأمر بالهاتف مع ابنتى، وتصاعدت مشاعرى مع ما يحدث، خاصة أنه كان هناك خفة دم مصرية وسط هذه الأحداث، وكان هناك 18 مليون مصرى بالشارع حينها، والأكثر إدهاشًا هو قيامهم بتنظيف الشوارع بعد الثورة". وحول فيلمه "سواق الأتوبيس"، تحدث الديك قائلاً: "الفن الحقيقى يخرج من قلب الشعب، وعندما يكون لدىَّ همُ اجتماعى، فيكون علىَّ أن أعبر عن احتياج وأشواق الشعب، حتى ولو لم يعبر عنها الشعب بشكل مباشر، وقيل لى كلمة "كلنا فاسدون" فى ميدان التحرير، وتذكرنى بها المتظاهرون هناك". وفيما يتعلق بـ"الخلطة السحرية" بينه وبين الفنان نور الشريف، قال إن: "نور الشريف مثقف وفنان حقيقى ورجل صناعة، وله فضل كبير على كل جيلنا، خاصة المخرجين، مثل سمير سيف وداوود عبد السيد، وعاطف الطيب، ومحمد خان، وهو من أعطى لهم الفرصة، وتحمس لهم، وحتى الآن فقدم فيلم للمخرج الشاب أمير رمسيس، ولذا فهو إنسان لديه درجة عالية من النضج وليس مجنون، كما أنه ملتزم بشدة فى وقته، ولأنه يفهم فلديه أدوات راقية ويستطيع تركيب تفاصيل الشخصية". وأشار إلى أن: "فيلمى الأول كان "مع سبق الإصرار"، بطولة ‏نور الشريف ومحمود ياسين، أما صاحب فكرة فيلم "ناجى العلى"، هو ‏نور الشريف، وكنت أتابع الكاريكاتير الخاص به، وسافرت إلى ‏بيروت وعين الحلوة فى لبنان و الكويت و‏لندن و‏تونس للبحث فى شخصية ‏ناجى العلى، وبعد الفيلم وجدت حملة إعلامية غربية علينا، وطلبوا رفع الجنسية المصرية عنا". ولفت إلى أن هناك فرصة حقيقية الآن للنهوض بالدولة، ويجب أن يكون هناك ثورة بالخطاب الدينى، وفهمه وتفسيره، خاصة أن هناك تفسيرًا خاطئًا له، وهو موجود منذ فترة طويلة". 

اليوم السابع المصرية في

26.02.2015

 
 

عرض بالأبيض والأسود لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي

فلسطين.. «حب وسرقة وأشــياء أخرى»

المصدر: عُلا الشيخ- برلين

بالأبيض والأسود يظهر «حب وسرقة وأشياء أخرى» الفيلم الروائي الأول الطويل للمخرج الفلسطيني مؤيد عليان، الذي عرض في قسم بانوراما في الدورة الـ65 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، الفيلم لا يحكي فلسطين كقضية بل يحكيها كبشر وحجر وشجر وأحاسيس ومشاعر، يحكي فيها الجيد والسيئ، يحكيها كأنه يؤكد ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش: هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى ‏دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان ‏علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!

الفيلم من بطولة الفنان المسرحي سامي ميطواسي، والفنان رياض سليمان، ومصطفى أبوهنود، ومايا أبوالحياط.

بطل قصة عليان، الذي شاركه في كتابتها شقيقه رامي عليان، لص سيارات، اسمه موسى تدور حوله كل مجريات الفيلم المصورة بالأبيض والأسود، فلا ضرورة للألوان في ظل الاحتلال والحواجز والابتزاز، موسى الذي يتشاجر مع والده عامل البناء كل يوم، ولا يأبه بالتصريح الذي أخرجه له والده بعد أن ذلّ نفسه، للعمل في مناطق بعد الخط الأخضر، فهو لا يفكر سوى بتجميع المال كي يرحل، حتى لو كان الرحيل من خلال نادٍ رياضي يستغل هؤلاء الشباب بأخذ نقود منهم موهمين اللجان الأجنبية بأنهم محترفو كرة قدم.

كل هذا تلمسه منذ المشاهد الأولى من الفيلم، أحاسيس متناقضة تصيب المشاهد بين متعاطف ولائم، لكن اصل الحكاية أن الفلسطيني قد يكون أي شيء، لكنه من الصعب جداً أن يرضى أن يكون عميلاً حتى لو كان لصاً.

البداية الفعلية للفيلم عندما قرر موسى، بعد أن هرب من منزل والده الناقم عليه أو طرد بشكل أدق، أن يسرق سيارة كعادته على ما يبدو، تشعر بأنه متخصص بسرقة سيارات من استولى على أرضه وبيته، ولأن الفيلم فلسطيني فأنت تبرر فعلته ضمنياً، وهذه كانت إجابة موسى للمحقق «الإسرائيلي» بعد أن يتم القبض عليه «سرقتو البلاد ولاحقينا على سرقة سيارة».

قبل هذا المشهد، وبعد أن يصل موسى بالسيارة المسروقة إلى مكان منعزل في الضفة الغربية، يتفق مع صاحب ورشة سيارات بطريقة بيع قطع السيارة، لكن الذي يحدث مع موسى لم يكن بالحسبان، ففي اليوم التالي تقوم كتائب فلسطينية بالقبض على لصوص السيارات المعروفين في الضفة الغربية، وتحقق معهم حول السيارة المسروقة، فيدرك موسى أنه سرق سيارة تابعة للكتائب، لكنه ينكر السرقة من شدة الخوف.

في هذه الأثناء، تلوح قصة الحب في الفيلم والتي تجمع بينه وبين امرأة متزوجة، وهذا أيضا يضيف إلى خصال موسى السيئة، فأنت تدرك أن هذه المرأة التي حملت من موسى، الذي تخلى عنها، مضطرة للزواج من غيره وتسمية ابنتهما باسم الزوج الجديد، ومع ذلك تستمر العلاقة بينهما، هذا الحب الذي أراده المخرج والكاتب، كان تكملة للتقرب أكثر من شخصية موسى فالأخلاق لا تتجزأ، لكنك كمشاهد من الصعب التعاطف مع هذه العلاقة العاطفية، ودور المرأة في حياته تبرير إضافي ليرحل موسى عن فلسطين ويعمل في الخارج، ليؤمن لابنتهما حياة أفضل مع أنها تعيش حياة كاملة مع زوج والدتها الغني. فتراه من فترة لفترة ينتظر مغادرة الزوج ليذهب للقاء حبيبته.

العودة إلى السيارة المسروقة، والتي لها علاقة بالقبض على موسى لكن هذه المرة من قبل الاحتلال، والتحقيق معه ومحاولة تجنيده في الخلية نفسها، لكن موسى يرد عليهم بأنه لا يريد سوى مغادرة البلاد، وأنه لم يسرق السيارة، ومن شدة اهتمام الجانبين (الاحتلال والكتائب)، بدأ موسى بالشك فقرر الذهاب إلى مقر السيارة ويفتش داخلها، ليكتشف وجود شخص في «دبة» السيارة، يقوم موسى بإنزاله، كل هذه المشاهد تدور بحس كوميدي، وردات الفعل كانت مدروسة بشكل جيد مع أداء جيد، وبعد فترة يكتشف موسى أن هذا الرجل ما هو إلا جندي إسرائيلي خطفته الكتائب لتحرير الأسرى، وهذه الأشياء الأخرى الموجودة في عنوان الفيلم، أشياء تتعلق بالوطن وليس بالفرد، أشياء تتعلق بعيون الأمهات التواقة لحضن أبنائهن، وعيون الزوجات والأبناء لدفء عائلي يجتمع فيه كل أفراد الأسرة على مائدة واحدة، أشياء يسمعها موسى كل يوم من نشرات الأخبار ومن المارة، حتى من تلك المرأة العمياء التي استضافته يوماً هو والجندي، وقدمت لهما ما لذ وطاب من المأكولات، وتؤكد أنها فقدت بصرها من شدة حزنها على ابنها الأسير، وهي تأمل أن خطف الجندي سيعيد لها ابنها.

أشياء لها علاقة بتركيبة موسى السيئة الأخلاق، المضطر لبيع قطع السيارة كي يسدد قيمة هجرته لمدير نادٍ رياضي، أشياء كثيرة تظهر في الفيلم تطغى على الحب والسرقة، أشياء تجعله يفكر بقيمة الفرد الفلسطيني كإنسان، فمقابل هذا الجندي المحتل لأرضه سيفرج عن 400 أسير فلسطيني.

أصبح موسى ملاحقاً إذاً من الجانبين، وبذكاء وظف المخرج المشاهد بحس كوميدي عالي المستوى، فهو في الحالتين من الممكن أن يفقد حياته، كخائن أمام كتائب المقاومة، وكمتعاون بالنسبة للمحتل، وفي الوقت ذاته يريد أن يؤمن المبلغ الكبير لمدير النادي، وهنا ينتقد عليان فساد السلطة بطريقة جيدة، فوجد الحل أخيراً، في مساومة الكتائب بالمبلغ الناقص عليه مقابل تسليم الجندي، وبعد استفزاز الكتائب منه تقبل هذه الصفقة، وترى موسى وهو في مشهد يجمعه مع لجنة الاتحاد الأوروبي المخولة إعطاءه تصريح دخول لأوروبا، فيسألونه عن موقفه من المرأة، وهل يمانع في زيارة متحف أوشفتيز لضحايا النازية من اليهود، فتراه يومئ برأسه بالقبول مع أنه لم يفهم شيئاً، ويحصل على التأشيرة.

تعتقد أن مشكلات موسى انتهت، لكن القصة تعود وتحيط بالإنسان الفلسطيني إذا قرر أن يحلم، لن تبدأ بإخراج المبررات لموسى، ولن تتعاطف معه، لكنك ستشعر بأنه شخص كان يحلم ولم يجد أمامه طريقة لتحقيق هذا الحلم سوى السرقة والمساومة، وفي الوقت نفسه رفض أن يكون عميلاً للاحتلال وإخبارهم بمكان الكتائب وتسليم الجندي لهم، هذا القرار تحديداً تدرك من خلاله أن العمالة ليست وجهة نظر.

عندما صارت التأشيرة في جيبه، وحلمه اقترب من أن يتحقق، ذهب للحب مرة أخرى ذهب إلى منال، ليتفق معها على كل شيء، لكنه لم يعلم أن انتقام الاحتلال كان حاضراً، فقد تم تصوير علاقتهما بشكل كامل، وبدأ المحقق من جانب الاحتلال ابتزازه، حتى يدلهم على مكان الكتائب الفلسطينية، في لحظة ضعف تشعر بأن موسى استسلم، لكنه وفي اللحظة التي يجب على الاحتلال معرفة المكان من خلال كاميرا مع موسى، يقرر موسى قطع الإرسال، في هذه اللحظة تكون صورهما وصلت إلى بريد الزوج، وتقترب النهاية، بعد اكتشاف الزوج الخيانة، ويقرر قتل زوجته لكنها تقتله، ويتحمل موسى المسؤولية كاملة ويدخل السجن.

من الممكن أن تكون النهاية مربكة وغير متوافقة مع أحداث الفيلم كثيراً، وفيها نوع من الضياع، لكن الخلاصة تؤكد أن موسى لم يساوم على أمرين الوطن والحب، فمن أجلهما يضحي الإنسان بحياته.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

26.02.2015

 
 

"قصة بسيطة جدا" يفتتح الدورة الثالثة عشرة لمهرجان الشباب المبدع

بقلم: منى شديد

تنطلق مساء السبت المقبل عروض الدورة الثالثة عشرة لمهرجان الشباب المبدع على مسرح المعهد الثقافى الفرنسى بالمنيرة والتى تستمر حتى التاسع من مارس المقبل بمشاركة 10 عروض مسرحية لفرق مستقلة، 7 منها فى المسابقة الرسمية و3 عروض على هامش المسابقة.
ووقع الاختيار على العروض العشرة من بين 40 عرضا تقدم للمشاركة فى المهرجان الذى يهدف إلى تشجع الشباب المبدع فى مجال المسرح، وتعتمد العروض على نصوص عالمية مختلفة ومتنوعة من المسرح الفرنسى ليوجين ونسكو وألبر كامو وجان بول سارتر ومشل غلدرود، ونص من اليابان لاسوشى إنويه ومارا لادو من روسا وألفونسو ساستر وفرناندو آرابال من إسبانيا.

وتضم لجنة التحكيم فى عضويتها الكاتب المسرحى لينين الرملى ود. حازم عزمى استاذ النقد والدراما بجامعة عين شمس والمخرجة ومصممة الرقصات مرت ميشيل، ويقدم المهرجان للفائزين بالجوائز دعوة للمشاركة وحضور مهرجان أفينيون الدولى للمسرح فى فرنسا خلال شهر يوليو المقبل. 

ويعرض فى افتتاح المهرجان على هامش المسابقة العرض المسرحى "قصة بسيطة جدا" لفرقة الشنطة المسرحية بطولة هانى المتناوى ورشا فارس وجودا ومنى وأحمد الأشرفى وإبراهيم صلاح ومحمد الصعيدى ونجلاء يونس وهانى عوضة وأحمد التركي، ديكور رشا فارس وعبدالسلام كامل وملابس سلمى سامي، وإعداد عن نص بنفس الاسم للكاتبة الروسية ماريا لادو وترجمه للعامية المصرية محمد صالح، واخراج هانى المتناوى.

ويشارك فى مسابقة المهرجان عرض "تخريف ثنائي" لفرقة أسود فاقع اخراج ريهام دسوقى عن نص ليوجين يونسكو، و"الليالى الحارة" لفرقة حسين محمود المسرحية وإخراج جابر فراج وإعداد عن "الكمامة" لألفونسو ساستري، و"بلا مخرج" لفرقة صوفى اخراج أحمد فؤاد وإعداد عن نص لجان بول سارتر، و"أغنية القطار الشبح" لفرقة The Dreamers واخراج عبدالعزيز محمد عن نص إعداد عن لفرناندو أرابال، و"ملك مهرج ملك" لفرقة عكس عكاس للفنون المسرحية من الاسكندرية عن مسرحية لميشيل دى جيلدرود إعداد وإخراج طارق نادر، و"العادلون" لفرقة كلية حقوق القاهرة لألبير كامو وإخراج محمد عبدالستار، و"لست أنت جارا" لفرقة أكون أستوديو إعداد عن Sen gara deilsin لعزيز نسين وسينوغرافيا وإخراج محمد على، وخارج المسابقة "لو كنت" لفرقة فرغلى للفنون الأدائية و"باتاركنار" لنينى عياش وهانى حمص. 

الأهرام المسائي في

26.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)